اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [35] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الأول من شهر ربيع الأول عام (1414هـ)، وهو اللقاء الذي يكون في كل يوم خميس من كل أسبوع.
في هذا اللقاء سنتكلم عن آخر سورة الانشقاق وهو قوله تبارك وتعالى: بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق:23-25].
فإن قيل: ما هو العمل الصالح؟
فالجواب: أن العمل الصالح ما جمع شيئين:
الأول: الإخلاص لله تعالى بأن يكون الحامل على العمل هو الإخلاص لله عز وجل ابتغاء مرضاته وثوابه، وابتغاء النجاة من النار، -أي: لا يريد الإنسان بعمله شيئاً من الدنيا- ولهذا قال العلماء: إن الأعمال التي لا تقع إلا عبادة لا يصح أخذ الأجرة عليها كالأذان: -مثلاً- فلا يصح أن تؤذن بأجرة، والإمامة: فلا يصح أن تؤم بأجرة، وقراءة القرآن: فلا يصح أن تقرأ بأجرة، بخلاف تعليم القرآن فيصح بالأجرة؛ لأنه متعدٍّ وتكون الأجرة على العمل الذي هو التعليم لا على التلاوة، فلو أتى إنسان وقال: أريد أن أتلو القرآن بأجرة، فإن ذلك لا يصح ولا يحل؛ لأن من شرط العمل الصالح أن يكون مخلصاً لله عز وجل، ومن قرأ بأجرة أو تعبد بأجرة؛ فإنه لم يخلص العمل لله فلا يكون عمله مقبولاً.
الثاني: أن يكون متبعاً فيه شريعة الله التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: أن يتبع الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله فعلاً لما فعل، وتركاً لما ترك- فما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود سببه فالسنة تركه.
أي: إذا وجد سبب الشيء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فإن السنة تركه.
ولهذا نقول: إن ما يفعله أكثر المسلمين اليوم من الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول بدعة ليس له أصل من السنة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بعيد مولده ولا خلفاؤه الراشدون، مع أننا نعلم علم اليقين أنه لو كان مشروعاً ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم بلا بيان للأمة؛ لأن عليه البلاغ، فلما لم يقل للأمة أنه يشرع الاحتفال بهذه المناسبة، ولما لم يفعله هو بنفسه، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون، عُلم أنه بدعة لا يزيد فاعله من الله إلا بعداً نسأل الله العافية.
وهذه البدعة حدثت أول ما حدثت في القرن الرابع، أي: بعد مضي أكثر من ثلاثمائة سنة على الأمة الإسلامية، حدثت هذه البدعة وزعموا أنهم يعظمون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أن كل بدعة ليس فيها تعظيم للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو باتباع سنته، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1].
ولننظر هذه البدعة! هل لها أصل من التاريخ؟ هل لها أصل من الشرع؟ نقول: ليس لها أصل من التاريخ، وذلك أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم مختلف فيه على أكثر من خمسة أقوال، بعد الاتفاق على أنه في ربيع، لكن مختلف في أي يوم هو، وقد رجح بعض علماء التاريخ المعاصرين أنه كان في اليوم التاسع وليس في الثاني عشر، فبطل من الناحية التاريخية أن يكون في اليوم الثاني عشر، أما من الناحية الشرعية فهو باطل لوجوه:
الأول: أنه عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء الراشدون الذين أمرنا باتباع سنتهم، فإن ادعى مدعٍ أن ذلك مشروع في القرآن والسنة، أو في عمل الخلفاء الراشدين، أو الصحابة؛ فعليه الدليل؛ لأن البينة على المدعي، ولن يستطيع إلى ذلك سبيلاً -أي: لن يستطيع أن يأتي بدليل واحد من الكتاب والسنة، أو قول الخلفاء الراشدين، أو الصحابة؛ على أنه يسن الاحتفال بيوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن نقول: هذا الاحتفال إما أن يكون حقاً أو يكون باطلاً، فإن كان حقاً؛ لزم من ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إما جاهلاً بالحق، وإما عالماً به وكاتماً له، وكلا الأمرين باطل يمتنع غاية الامتناع أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم جاهلاً بشيء من شريعة الله، أو يكون عالماً به ولكن لم يبينه للأمة؛ لأن الاحتمال الأول: يقتضي أن يكون جاهلاً بالشرع مع أنه هو صاحب الشرع.
والاحتمال الثاني: يقتضي أن يكون كاتماً ما أنزل الله إليه وحاشاه من ذلك، ولو كان كاتماً ما أنزل الله إليه لكتم قول الله تعالى: وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37].
ثالثاً: إذا تبين أنها بدعة، فإنه لا يحل لأحد أن يقيمها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
ولو اتبع الحق أهواءهم وصار كل من عنَّ له أن في أمرٍ ما مشروعية فيشرعه؛ لاختلفت الأمة، ولتمزق الدين، ولكان كل قوم لهم دين معين، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة الإسلامية من وجوب الاتفاق على كلمة الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: نقول: هذه بدعة لم تقتصر على مجرد الاجتماع، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر محاسنه، ومآثره، وشريعته، بل عدل عن هذا إلى قصائد المديح البالغة في الغلو غايته، بل المتجاوزة لطبيعة البشر إلى حقوق الله عز وجل، فقد كان هؤلاء الذين يجتمعون يترنمون بقصيدة البوصيري الذي كان يقول فيها يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به>>>>>سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي>>>>>عفواً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها>>>>>ومن علومك علم اللوح والقلم
قال بعض العلماء: إذا كان الأمر هكذا لم يبق لله شيء، ولم يكن الله تعالى هو الملجأ عند الشدائد والفزع، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، هو الملجأ وهذا غاية ما يكون من الغلو الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار هؤلاء الذين يدعون أنهم يتقربون إلى الله بمثل هذه الاحتفالات، وأنهم هم المحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاروا في الحقيقة هم الذين يبتعدون عن الله عز وجل بما أشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً.
ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرضى بمثل هذا أبداً، فإذا قالوا: إن منشأ هذا هو محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أجل أن نبين للنصارى أننا نعتني برسول الله كما كانوا يعتنون برسولهم فيجعلون من ميلاده عيداً، قلنا: إذا كنتم صادقين في محبة الله ورسوله فهنا ميزان قسط عادل هو قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] ولهذا كلما كان الإنسان أشد حباً لله كان أشد اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلما كان أقل حباً لله كان أقل اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأيت الرجل يدعي محبة الله ورسوله لكنه لا يلتزم بالشريعة فاعلم أنه كاذب؛ لأن محبة الله ورسوله تنتج إنتاجاً لازماً هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالحاصل أنه يجب على طلبة العلم هنا في هذه البلاد وفي غيرها من البلاد الإسلامية أن يبينوا للعامة ولغير العامة أن هذا الاحتفال ليس له أصل من السنة، وأنه بدعة لا يزيد الإنسان إلا بعداً من الله عز وجل؛ لأنه شرع في دين الله ما ليس منه، فإن قال قائل: أليست الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعة كل وقت؟
فالجواب: بلى. أكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يُعظِم الله لك فيها أجراً، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، لكن ترتيبها في ليلة معينة والاجتماع عليها وذكر المدائح والقصائد البالغة في الغلو غايته هذا هو الممنوع، ونحن لا نقول: لا تصلوا على الرسول، بل نقول: أكثروا من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولا نقول: لا تحبوا الرسول، ولكن نقول: أحبوا الرسول أكثر مما تحبون أنفسكم، ولا يكمل إيمانكم إلا بذلك، ولكن لا تُحدِثوا في دينه ما ليس منه.
فالواجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس، وأن يقولوا لهم: اشتغلوا بالعبادات الشرعية الصحيحة، واذكروا الله، وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأحسنوا إلى المسلمين في كل وقت، أما أن تجعلوا عيداً معيناً في السنة لم يجعله الله، فالله تعالى لم يجعل في السنة إلا ثلاثة أعياد فقط: عيد الأضحى، وعيد الفطر، وعيد الأسبوع يوم الجمعة، أما أن تحدثوا أعياداً أخرى فإنكم تحدثون في دين الله ما لم يشرعه.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين العاملين للصالحات المجتنبين للسيئات إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
.
الجواب: لا يقع الطلاق في هذه الحال؛ لأن المرأة لم تُخبر، فإذا تركت فعل ما قاله الزوج في الوقت الذي حدده وهي جاهلة؛ فليس على الزوج طلاق، وليس عليه يمين أيضاً.
الجواب: أما الأول فليس فيه سنة صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن وردت أحاديث في صحتها نظر، وهو أن الطفل الذي لم يبلغ يدعى لوالديه، وقد ذكر بعض الفقهاء دعاءً مناسباً قالوا: اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم.
وأما استلقاء المرأة على ظهرها فإنه لا ينبغي خصوصاً إذا كان في البيت أحد فإنه قد يمر بها وهي على هذه الحال، وقد تحصل الفتنة، وأما إذا كانت وحدها في بيتها فلا بأس.
الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) فبدأ صلى الله عليه وسلم بسنته أولاً، وهذا يعني أن سنة الخلفاء الراشدين إذا خالفت سنته فإنها لا تتبع، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر ] والمتتبع لأقوال الخلفاء الراشدين يجد أن في أقوالهم ما يكون ناتجاً عن اجتهاد لكنه لم يصب السنة، وهذا أمر معلوم في التتبع، وهذا يدل على أنهم غير معصومين من الخطأ، ولكن إذا لم يكن في الأمر سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا شك أن سنتهم أقرب إلى الصواب من غيرهم، وأن قولهم حجة كما قال ذلك الإمام أحمد رحمه الله، ولكن لا يعني هذا قوله أنهم معصومون في كل قول يقولونه، أو في كل فعل يفعلونه.
وأما كونهم مهديين فالهداية تكون لهم ولغيرهم، لكن الهداية الأكثر لهم بلا شك؛ لأنهم خلفاء راشدون خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، عقيدة وعملاً ودعوة، ثم إنه وصفهم بالخلفاء الراشدين، ومعلوم أن الإنسان إذا أخطأ في مسألة من المسائل لم يكن راشداً فيها ولكنه مغفور له إذا كان ذلك ناتجاً عن اجتهاد.
الجواب: أولاً: أنصح الأزواج عامة ألا يتساهلوا بلفظ الطلاق، وألا يتسرعوا فيه، وأقول: إن الرجل إذا قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو عليَّ الطلاق أن تفعلي كذا، ثم خالفت؛ فإن أكثر العلماء يرون أنها تطلق على كل حال، ويقولون: إن هذا أتى بصريح الطلاق، فوجب أن يقع الطلاق، كما لو أتى به غير معلق، ومعلوم أن الإنسان إذا قال لزوجته: أنت طالق فإنها تطلق، ولكن إذا كان معلقاً بأن قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن لم تفعلي كذا فأنت طالق، فجمهور العلماء قالوا: إن المعلق كالمنجز، وأنها إذا خالفت الزوج في ذلك طلقت بكل حال.
فإذاً المسألة خطيرة ليست بالهينة، ولكن ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه إذا قصد بذلك الحث أو المنع فإنه يكون حكمه حكم اليمين، أي: أن الزوجة لا تطلق ويكفر كفارة اليمين، فإذا قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، فإن فعلت فعلى قول جمهور العلماء تطلق، وعلى قول شيخ الإسلام نسأل الرجل ونقول: هل أردت أن الزوجة إذا فعلت هذا تكون طالقاً، فإن قال: نعم. فحينئذٍ تطلق، وإذا قال: لا. وإنما أردت أن أؤكد عليها المنع من هذا الشيء وأهددها بالطلاق قلنا: إذاً طلاقك في حكم يمين فتكفر كفارة يمين ولا يقع الطلاق، وبهذا عرفتم خطورة هذه المسألة وأنها ليست بالأمر الهين، نسأل الله الهداية للجميع.
الجواب: توجيهي أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم لكنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، لقول الله تبارك وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ [يوسف:108] (أدعوا إلى الله) كل أحد، (أنا ومن اتبعني)، فكلما كان الإنسان أشد اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم؛ كان أشد دعوة لشريعته، ولا شك أن هؤلاء الإخوة الذين نزل إلى جانبهم قوم من الكفار ولم يدعوهم إلى دين الإسلام لا شك أنهم مقصرون، وأن الذي ينبغي بل الذي يجب عليهم أن يدعوا هؤلاء إلى دين الإسلام حتى بالتأليف، فلو دعوهم إلى البيت وقدموا لهم الطعام، ثم تحدثوا إليهم ودعوهم إلى الإسلام، وبينوا لهم محاسنه كان هذا طيباً.
ولكن بعض الإخوة تغلب عليهم الغيرة مع الجهل فينفر من هؤلاء، ويقاطعهم، ويعاملهم بالشدة والقسوة، حتى ينفروا من الإسلام بسبب هذا الرجل المسلم، ويظنون أن أخلاق هذا المسلم هي الأخلاق التي يأمر بها الإسلام.
والغيرة وإن كانت حسنة محمودة؛ لكنها إذا لم تقرن بالحكمة والعلم صارت في الحقيقة غيرة ضارة، فعلى هذا ننصح إخواننا هؤلاء وغيرهم بأن يدعوا إلى الله عز وجل، وكما تفضلت بأن النصارى يبذلون كل غالٍ ورخيص من أجل الدعوة إلى النصرانية ، مع أنها دين باطل أبطله الإسلام، ولكنهم حريصون بوحي الشيطان إليهم على دعوة الناس للنصرانية مع أنها دين باطل منسوخ بالإسلام؛ فما بالنا نحن -ونحن أمة العزم والحزم والصدق- نتكاسل حتى عن جيراننا الذين لهم حق علينا لا ندعوهم إلى الإسلام، ولا أدري عن هؤلاء الإخوة هل يقومون بحق الجوار أو لا يقومون؟
وفي الحديث: (إذا طبخت مرقة؛ فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) وفي الحديث الصحيح أيضاً: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وقال العلماء: إن الجار إذا كان غير مسلم فله حق الجوار، وإن كان مسلماً فله حق الجوار والإسلام، وإن كان مسلماً قريباً فله حق الجوار والإسلام والقرابة.
فانصح هؤلاء وقل لهم: ادعوا هؤلاء للدين، ربما يكون في دعوتهم خير (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وربما إذا اهتدى هذا الرجل دعا غيره كما هو مشاهد ومعلوم الآن.
وعندما رجعنا من الرياض اختلف الشباب في المكان الذي يقال فيه دعاء السفر، فقال البعض: مكانه عندما نشرف على المدينة - عنيزة- ونراها؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعمون، وقال بعضهم: بل مكانه حال خروجنا من الرياض متوجهين إلى القصيم ويدل عليه سياق الحديث حيث قال صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى) وقال: (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل) فكيف يقول هذا وقد انتهى من سفره ووصل إلى أهله؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: الدعاء المأثور يذكر إذا ركب الدابة أو السيارة، لقوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [الزخرف:12-13] أي: ما جعل لنا من الفلك والأنعام، والآن نحن نركب الفلك لكنه فلك بري، والفلك ثلاثة أنواع: بري، وبحري، وجوي، ولا يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا البحري لكنه الآن تنوع بهذا التنوع، فإذا استوى عليه قرأ الذكر وقال: (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل) أما إذا رجع فإنه يقول: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) إذا قفل من البلد التي رجع منها وعند رؤية بلده.
فالأول يقال في حال السفر فقط، لكن (آيبون تائبون) في الرجوع عند العودة، أما سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13] فيقوله كلما ركب الدابة، سواء في السفر أو في الحضر حتى إذا ركبت السيارة الآن من بيتك إلى المسجد تقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:13-14].
الجواب: بول وروث الحيوان المأكول طاهر، ولا يلزم إذا أصابك منها شيء أن تغسل ثيابك أو بدنك، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة في مرابض الغنم، وهو محل ربضها عند المنام والمبيت، وهو لا يخلو من الروث ومن البول، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولكن لا يصلى في معاطن الإبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وليس من أجل نجاستها بل لمعنى لا نعقله عند بعض العلماء، أو هو معقول عند آخرين وهو يعني أن الإبل خلقت من الشياطين فيكون في معاطنها تأثير من هذه الإبل التي خلقت من الشياطين، فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في معاطنها.
وأما بول ما لا يؤكل لحمه وروثه فإنه نجس كالبغل والحمار والهر ونحو ذلك، وأما هل تنقض الوضوء؟
الجواب: لا تنقض الوضوء حتى الأشياء النجسة لا تنقض الوضوء؛ لأن النجس يجب غسله فقط ولا يجب الوضوء له.
الجواب: نعم. هذا من البدع لا شك، وواجبنا نحو هذا الأمر أن نبين للناس أن هذا بدعة وأن كل بدعة ضلالة، ونقول: أربعوا على أنفسكم ولا تتعبوها بهذا الأمر الذي لا يزيدكم إلا ضلالاً، ثم نقول لهم: إذا كنتم تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تقدموا بين يديه، ولا تدخلوا في دينه ما ليس منه، وهل جعل النبي صلى الله عليه وسلم عيداً للمسلمين سوى الأعياد الثلاثة؟! بل إنه لما قدم المدينة ووجد الأنصار يحتفلون بأعيادٍ لهم كانت في الجاهلية قال لهم: (إن الله أبدلكم بخيرٍ منها عيد الأضحى، وعيد الفطر) فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما رغب في العيدين أن يدعوا الأعياد التي ليست أعياداً شرعية.
الجواب: ورد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا ملك دابة، أو تزوج زوجة، أو ما أشبه ذلك أخذ بناصيتها وقال: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ولكن لو أن الإنسان فعل هذا أول ما يدخل على زوجته ربما يحصل منها نفرة؛ فليمسك برأسها كأنه يريد أن يقبلها ويقول هذا الذكر سراً حتى تحصل المصلحة بدون مفسدة.
الجواب: الصورة التي يجب طمسها كل ما كان على صورة إنسان أو حيوان؛ فإنه يجب طمس وجهها فقط، ويكفي طمس وجهها عن بقية بدنها، أما صور الأشجار، والأحجار، والجبال، والشمس، والقمر، والنجوم؛ فإن هذا لا بأس به، ولا يجب طمسه.
أما صورة عين فقط أو وجه فقط فهذا ليس فيه شيء؛ لأنه ليس بصورة، هذا جزء منها وليس صورة.
الجواب: لا شك أنه إذا قيل لهم: هذا هو الحق وهذا هو كتاب الله، وهذه هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد قامت عليهم الحجة؛ لأنهم عرب يفهمون بمجرد ما يسمعون، أما لو كان أعجمياً وكنت تتكلم أمامه باللغة العربية وهو لا يفهمها؛ فإن الحجة لم تقم عليه؛ لأنه لا يفهم ما تقول، فإذا كان يعلم ما تقول، وأتيت بالكتاب والسنة دليلاً ولكنه أصر وقال: سأتبع مشايخي فقد قامت عليه الحجة، ويكون هذا كالذين قال الله عنهم: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23] إذاً نقول: سمونا ما شئتم، وهابية، أو حنبلية، أو نجدية، أو حجازية، أو ما شئتم، ألستم تؤمنون بالله ورسوله؟! ألستم ترون أن القرآن دليل، وأن السنة دليل؟! ولكن يبدو أن بعض الدعاة يكون منه انفعال، وإذا قالوا: نحن لا نأخذ منكم أنتم وهابية، ينفر منهم، أو يرد عليهم بالمثل، ويقول: أنتم ضلال، وأنتم فيكم كذا وكذا، فلا يحصل منه الدعوة بالحكمة.
الجواب: إذا نسي الإمام البسملة في الصلاة فإن صلاته لا تبطل، وكذلك المنفرد والمأموم؛ لأن البسملة ليست من الفاتحة، بل هي آية مستقلة يؤتى بها عند ابتداء السور إلا سورة براءة.
الجواب: إذا التزم القائل بهذا فلا حرج؛ لأن هذا من جانب واحد، وقصد القائل بذلك تأكيد قوله فهو يقول: إن كنت كاذباً فعلي كذا وكذا.
الجواب: الذي أرى أن التلحين للأناشيد المباحة إذا كان تلحيناً كأغاني المطربين فإنه حرام؛ لأنه تشبه بقوم لا يجوز التشبه بهم، وكذلك إذا كانت هذه الأناشيد قد لحنت من رجال أصواتهم جميلة جذابة يخشى منها الفتنة، فإنها لا تجوز لما يخشى منها من الفتنة.
الجواب: يعني: أنه إذا دخل اثنان في الصلاة وقد فاتهما بعض الصلاة فقال أحدهما للآخر: أكون إماماً لك فيما نقضي، فهل هذا جائز؟
يقول بعض العلماء، أنه جائز، ويقول بعض العلماء أنه لا يجوز؛ لأن الإنسان مأمور بأن يقضي ما فاته وحده: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) والذي نرى أنه لا بأس به ولكن الأحسن ألا يُفعل، بل يقضي كل إنسان وحده؛ لأنه إذا قضى بصاحبه جماعة فربما يشوش على غيره بالتكبير وبالقراءة إن كان فيما يقضيان قراءة جهرية، وربما يكون هو وصاحبه جماعة ويأتي اثنان آخران فيكونان جماعة وتتعدد الجماعات في مسجد واحد؛ فلهذا ينبغي ألا يفعل، لكن لو فُعل فالصحيح أن الصلاة لا تبطل، وقال بعض العلماء أنها تبطل.
الجواب: أولاً: لا يجوز أن تؤخر صلاة العصر إلى اصفرار الشمس فضلاً عن تأخيرها إلى الغروب أو قربه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس) سواء في جمع أو في غير جمع، في حضر أو في سفر.
ثانياً: إذا جاز الجمع فإنما يجوز الجمع في وقت الجواز، أي: لا يجوز أن يؤخر الجمع حتى تصفر الشمس، أما حكم الجمع في السفر فإنه جائز ولكن الأفضل ألا يجمع إلا عند الحاجة، والحاجة إنما تكون فيما إذا جد به السير، إذا كان مستمراً في سيره، أو وصل إلى البلد التي يريد وهي غير بلده، وصار متعباً وأراد أن يؤخر الصلاة حتى ينشط قليلاً فلا بأس، وفي هذه الحال -أي: فيما إذا احتاج المسافر إلى الجمع يكون الجمع أفضل- إما جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع إذا جد به السير، ولا يجمع إذا كان نازلاً.
الجواب: نعم. إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل مع المضمضة والاستنشاق كفى عن الوضوء، لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] ولم يذكر وضوءاً.
الجواب: نعم. لا بأس أن يصلى على الجنازة في المقبرة؛ لأنه لا دليل على المنع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ولا أعلم في ذلك سنة، ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر، وذلك في قصة المرأة التي كانت تقمُّ المسجد -أي: تنظفه من القمامة- فماتت في الليل فكأنهم تقالوا شأنها وقالوا: لا نخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها، فلما سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إنها ماتت ليلاً فقال: (هلا كنتم آذنتموني) -أي: أخبرتموني- ثم قال: (دلوني على قبرها) فدلوه على قبرها فخرج وصلى عليها صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز الصلاة على الميت في المقبرة، ولا فرق بين المدفون وبين الذي لم يدفن بعد.
الجواب: لابد أن يسمي على شيء معين، سواء كانت واحدة أم أكثر -فمثلاً- إذا صف ألف دجاجة ثم عند تحريك الماكينة قال: باسم الله كفى، فإذا صف له ألف دجاجة -مثلاً- ثم تحركت الماكينة وتحركت الأمواس يكفي إذا قال: باسم الله على هذه المصفوفة، فإذا صف له مجموعة أخرى سمى عليها.
السائل: يقول أنا أسمي مرة واحدة ويكفي؟
الشيخ: يعني إلى أن تقف الماكينة لا يجوز هذا، إذ لابد أن تكون تسميته على معين.
السائل: الأمر الآخر يا شيخ! كنا في زيارة كذلك إلى مزارع استرا في تبوك وهم يذبحون طيور السمان فماذا يفعلون؟ يعلقون هذه الطيور، وبعد تعليقها تمر على مثل آلة ترش الماء على هذا الطائر فنوعاً ما يتخدر، ثم يمر على مثل الجدار ومكتوب عليه بسم الله والله أكبر، ثم يذهب إلى الآلة فيقطع رأسه، وقال المسئول: هذا يجزئ؛ فبسم الله والله أكبر مكتوب كتابة؟
الشيخ: كل هذا جهل ويجب بارك الله فيك الآن أنك ترفع ما شاهدت أنت مع إخوانك وتوقعون عليه وترسلونه إلى دار الإفتاء، وتبينون متى كان ذلك، هل في هذه السنة أو قبل سنوات؛ حتى تبرأ ذمتك لذلك.
السائل: يا شيخ! هم يقولون: إن مجموعة من المشايخ أفتوا بذلك.
الشيخ: لا. قد يكون بعض المشايخ أفتى بشيء على غير هذا الوجه، ويمكن أنه أفتاه بما قلت أنا أي: أنه يجمع مجموعة ثم يحرك الماكينة على هذه المجموعة، وإن لم يسم على كل واحد بعينها، مثل ما لو رأى فرقة من الطير فرماها فقال: بسم الله، فسقط عشرون طائراً فإنها تحل.
الجواب: الإيثار بالقرب على نوعين:
النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام، وأما الإيثار بالمستحب فالأصل فيه أنه لا ينبغي، بل صرح بعض العلماء بالكراهة، وقالوا: إن إيثاره بالقرب يفيد أنه في رغبة عن هذه القرب، لكن الصحيح أن الأولى عدم الإيثار، وإذا اقتضت المصلحة أن يؤثر فلا بأس، مثل أن يكون أبوه في الصف الثاني وهو في الصف الأول، ويعرف أن أباه من الرجال الذين يكون في نفوسهم شيء إذا لم يقدمهم الولد، فهنا نقول: الأفضل أن تقدم والدك، أما إذا كان من الآباء الطيبين الذين لا تهمهم مثل هذه الأمور فالأفضل أن يبقى في مكانه، ولو كان والده في الصف الثاني، وكذلك بالنسبة للعالم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [35] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net