اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [56] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
أما بعد:
فهذا هو اللقاء السادس والخمسون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل أسبوع في يوم الخميس، وهذا الخميس هو اليوم السابع عشر من شهر ذي القعدة (1414هـ) وحيث أن موسم الحج قد اقترب فإن من الجدير أن يكون كلامنا فيما يتعلق بالحج والعمرة.
وقد مضى في الدرس السابق بيان من يجب عليه الحج والعمرة، أما الآن فإننا سنتكلم عما يترتب على الإحرام بالحج والعمرة، وهو الذي يسمى عند العلماء بمحظورات الإحرام؛ وذلك لأن من حكمة الله عز وجل أن جعل للعبادات شروطاً للصحة وموانع للصحة، فشروط الصحة: الشروط والأركان والواجبات، وموانع الصحة: هي المفسدات.
أولاً: الجماع؛ قال العلماء: إذا جامع الرجل في الحج قبل التحلل الأول ترتب عليه عدة أمور:
الأول: الإثم لوقوعه فيما حرم الله.
الثاني: فساد نسكه هذا، فلا يجزئ عن الحج ولو كان نافلة؛ لأنه فسد.
والثالث: وجوب المضي فيه، وهذا من خصائص الحج أنه يمضي في فاسده، أما غير الحج إذا فعل الإنسان مفسداته فسد ووجب عليه أن يخرج منه، أما الحج فلو فعل الإنسان محظوراته فإنه لا يخرج منه، فنقول لهذا الرجل الذي فسد نسكه: استمر في النسك.
الرابع: قضاؤه؛ يعني قضاء هذا الحج الذي أفسده سواء كان فريضة أم نافلة.
الخامس: وجوب بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء؛ بدنة بالغة السن مثل التي تجزئ في الأضحية، وسالمة من العيوب التي تمنع من الإجزاء.
أما ما دون الجماع كالمباشرة ولو أنزل فيها فإنه لا يفسد بها النسك لكنها حرام، وتجب فيها الفدية، وسيأتي إن شاء الله ذكر الفدية فيما بعد.
القميص: وهو الثوب الذي يسمى الدرع، وهو كثيابنا التي نلبسها اليوم.
والعمامة: وهي التي تلف على الرأس ومثلها الغترة، والطاقية، بل قد ثبت في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته راحلته وهو واقف بـعرفة فمات رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإنه يأتي يوم القيامة ملبياً).
ومعنى (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه، وانتبه لقوله صلى الله عليه وسلم: (وكفنوه في ثوبيه) فلو مات المحرم فلا نذهب إلى السوق ونأتي بخرقة نكفنه فيها، بل نكفنه في لباس الإحرام الذي مات وهي عليه، فغير المحرم معروف أنه يلف إذا مات بثلاث لفائف، لكن المحرم يكفن في إزاره وردائه ولا يغطى رأسه؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، يعني: يقوم من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك. ونظيره في الجهاد: الرجل الذي يستشهد فيموت، يدفن في ثيابه، ويبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً -أي: يسيل- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللون لون الدم، والريح ريح المسك).
والسراويلات: معروفة.
والبرانس: ثياب واسعة يكون لها شيء يغطي الرأس متصلاً بها، وأظن بعضكم قد رأى هذا النوع من اللباس، وأكثر من يلبسه أهل المغرب.
ولا الخفاف: يعني: (الكنادر) وكذلك الجوارب مثلها لا يلبسها المحرم.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لمن لا يجد إزاراً أن يلبس السراويل، ولمن لا يجد نعلين أن يلبس الخفاف.
ولو أن إنساناً لبس فنيلة ليس فيها خياطة بأن تكون كلها منسوجة نسجاً فهذا حرام أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع السراويل، وهي تستر أسفل البدن، كذلك الفنيلة تحرم؛ لأنها تستر أعلى البدن، ولو لبس إزاراً مرقعاً مخيطاً فإنه لا يحرم، وكذلك لو لبس نعالاً مخروزة فلا تحرم أيضاً.
إذاً: أريد أن أخرج من أذهانكم فكرة بعض الناس حيث يظن أن كل شيء فيه خياطة فهو حرام، وهذا ليس بصحيح، فالحرام ما حرمه الله ورسوله، وعلمتم الآن أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم في اللباس خمسة أشياء، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على المخيط أبداً.
ولهذا نقول: لو أننا عبرنا بما عبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لكان أحسن؛ لأننا إذا قلنا: يحرم على المحرم لبس المخيط ساء فهم بعض الناس معناها، ولهذا كثيراً ما يسأل الناس إذا لبس أحدهم إزاراً مخيطاً: هل هو محرم؟
نقول: ليس بحرام فالرسول صلى الله عليه وسلم حدد خمسة أشياء فلا يحرم غير هذه الخمسة، إلا ما كان في معناها، فلو أن الإنسان لبس ساعة يد لم يكن ذلك حراماً عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلبس) وعد الأشياء التي لا تلبس، وما سوى ذلك فإنه يلبس، ولو أن رجلاً تلفلف بالقميص، أي: جعله لفافة على صدره فهذا جائز وليس بحرام؛ لأنه لم ينه عن لبسه.
إذاً: يحرم على المحرم أن يلبس هذه الأصناف من اللباس، وما كان بمعناها فهو مثلها، فعليه لو أن إنساناً لبس مثلها على أكتافه لقلنا: هذا حرام؛ لأنه يشبه البرانس مثلاً أو قريب من البرانس جداً فيكون حراماً، لكن لو جعله لفافة تلفلف به، فجعل أعلاه أسفله، وجعله مثل الرداء لكان جائزاً، وتحريم هذه الأشياء الخمسة خاص بالرجال.
فهذا يدل على أننا ننظف الميت تنظيفاً تاماً، ثم نضع فيه الحنوط، ثم نلف عليه أكفانه، لكن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحنطوه) أي: لا تطيبوه، يدل على أن المحرم لا يطيب وهو كذلك، ودليل آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) فإن تطيب المحرم قبل أن يحرم وبقي أثر الطيب عليه بعد الإحرام فلا يضره، بل يسن للمحرم إذا اغتسل قبل أن يلبس ثوب الإحرام وقبل أن يعقد النية أن يطيب رأسه ويكثر فيه الطيب وكذلك لحيته، لقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أرى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم).
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان له شعر يصل إلى كتفيه وإلى شحمة أذنيه أحياناً، وكان يفرقه فرقاً على الناصية، وفرقاً على الجانبين، ويضع فيه الطيب، وكان يكثر من الطيب، فيرى في مفارقه وبيص المسك، أي: بريقه ولمعانه وهو محرم، فإذا قال إنسان: إذا تطيبت في رأسي وتوضأت فماذا أفعل؟ لأني لو توضأت سوف أمس رأسي، وإذا مسحت رأسي سوف أمس الطيب، فهل هذا يضر؟
نقول: هذا لا يضر؛ لأنك لم تضع طيباً جديداً على بدنك بعد الإحرام، نعم لو فرضنا أن الإنسان يقصد أخذ شيء من الطيب الموجود على رأسه فيطيب به بقية بدنه فهذا حرام، أما شيء بغير قصد وإنما تتوضأ فتمس يدك الطيب، فإن هذا لا يضر.
أولاً: الحيوان الحلال.
ثانياً: البري.
ثالثاً: المتوحش.
فالحيوان الحرام ليس من الصيد، فلو قتل المحرم ذئباً أو سبعاً أو حية أو ما أشبه ذلك فليس عليه شيء، والحيوان البحري لا يحرم على المحرم، فلو أحرم الإنسان بالسفينة في البحر كالذين يأتون من مصر أو يأتون من اليمن كلهم يأتون من طريق البحر، ويحرمون قبل أن يصلوا إلى جدة، فلو أنهم اصطادوا بالبحر سمكاً وهم محرمون كان هذا حلالاً.
والمتوحش هو الذي لا يألف الناس في بيوتهم، مثل: الظبا والحمام والنعام والإوز وأشياء كثيرة من أنواع الطيور والزواحف، وغير المتوحش وهو: الأهلي كالدجاج، فلا بأس أن يذبحه المحرم.
وكذلك لو نسي فغطى رأسه أو تطيب ناسياً فليس عليه إثم ولا فدية، لقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله: (قد فعلت).
وإن فعل هذا متعمداً لكنه معذور؛ كرجل مريض يحتاج إلى لبس القميص فلبسه فليس عليه إثم، لكن عليه الفدية، كما قال أهل العلم، والدليل على هذا قول الله تعالى في الرأس: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] وبهذا نعرف أن فاعل المحظورات ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يفعلها لحاجته إليها، فهذا ليس عليه إثم ولكن عليه الفدية، أو الكفارة.
القسم الثاني: أن يفعلها ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً، فهذا ليس عليه شيء، لا إثم ولا فدية، ولكن متى زال عذره وجب عليه التخلي، فإذا كان ناسياً فإنه متى ذكر يجب عليه أن يتخلى عن المحظور، وإذا كان جاهلاً فمتى علم وجب عليه أن يتخلى عن المحظور.
القسم الثالث: أن يفعلها لا لحاجة ولا لعذر من جهل أو نسيان أو إكراه، فهذا آثم وعليه الفدية فيما تجب فيه الفدية.
ونقتصر على هذا في محظورات الإحرام.
الجواب: نصيحتي لإخواني المسلمين عموماً وللشباب الذين وصفت حالهم خصوصاً أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أن هذا الدنيا دار عمل وليست دار مستقر، ومع هذا لا يدري الإنسان متى ينقل عن هذه الدنيا، فقد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، فالواجب أن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل وليبشر التائب أنه إذا تاب محا الله عنه ما سبق من الإثم مهما عظم.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] وهذه أمهات المعاصي والعظائم: الشرك، وقتل النفس المحرمة بغير الحق، والزنا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70].
فنصيحتي لنفسي أولاً ولإخواني المسلمين ثانياً المبادرة بالتوبة قبل أن يحل الأجل؛ لأنه إذا حل الأجل لم تنفع التوبة، قال الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18] هذا ليس له توبة.
وهذا كلام الله عز وجل والشاهد من الواقع قصة فرعون، قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فقيل له: آلْآنَ [يونس:91] يعني: أتتوب الآن: وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] فالحاصل أني أنصح نفسي أولاً وأتوب إلى الله مما صنعت، ثم أنصح إخواني ثانياً أن يبادروا بالتوبة قبل أن يحل الأجل ثم لا تنفع التوبة، وما أعظم الندم في تلك اللحظة! ما من ميت يموت إلا ندم، إن كان مسيئاً ندم ألا يكون استغفر، وإن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، كل ميت يندم: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].
فالشباب الذين أنعم الله عليهم بقوة شبابية أنصحهم أن يستغلوا هذه القوة وهذا الشباب فيما يرضي الله عز وجل وهم إذا عودوا أنفسهم على الطاعة سهلت عليهم، بل شق عليهم تركها، والكرة يمكن أن يلعبوها في وقت آخر، نحن لا نحرم عليهم الكرة إذا كانوا يلعبون من غير ترك الواجب، ومن غير الكلام المحرم، ومن غير كشف العورة، لما فيها من الراحة بعض الشيء وتقوية للبدن، والإنسان لا يمكن أن يكون دائماً في جد، فالنفس تمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً).
الجواب: نعم. لا بأس أن تنصرف، لكن الأولى أن تنتظر قليلاً حتى يغيب القمر؛ لأن السنة لم تقيد الانصراف بنصف الليل، لكنْ كثير من العلماء -رحمهم الله- قيدوه بنصف الليل؛ لأنه إذا مضى نصف الليل ثم دفع فقد بقي أكثر الليل في مزدلفة ، لكن الوارد عن السلف كـأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنه إذا غاب القمر دفعوا من مزدلفة، ومغيب القمر في ليلة العاشر تكون عند مضي ثلثي الليل تقريباً، فلو انتظرتم إلى آخر الليل لكان أحسن من الدفع في منتصف الليل.
الجواب: أولاً: السلام والإنسان جالس مع إخوانه ليس بمشروع، وقد اعتاد كثير من الناس الآن إذا قدَّم السؤال وهو في نفس المكان أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقرأ السؤال، وكان الصحابة يجلسون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فيسأل السائل بدون أن يقول السلام عليكم ورحمة الله.
والسلام إذا لم يكن له سبب شرعي لم يكن مشروعاً، فهنا نقول: قدموا السؤال بلا سلام إلا إذا دخل رجل وسلم ثم سأل.
أما موضوع التسنين -يعني: تقدير سنوات عمر الإنسان- فهذا يحتاج إليه من لم يكن معه شهادة ميلاد أو كان عنده شهادة ميلاد وضاعت ونسي السنة التي ولد فيها، فلا بأس أن يحدد ذلك بالتقدير؛ لأنه من القواعد الشرعية أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، وأما من كان عنده شهادة ميلاد فكتمها فإنه آثم، لما في ذلك من الخداع والكذب والتحايل على أنظمة الدولة، وبالتالي أكل المال بالباطل إذا ترتب على ذلك أكل مال.
ونأسف أن يقع هذا من المسلمين اليوم؛ لأن هذا من صفات المنافقين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) وهذا خائن وكاذب؛ لأنه سيقول: ليس عندي شهادة ميلاد وهي عنده، وسيأخذ مثلاً على تلك الشهادة المقدرة بالسن مالاً يستحقه لو علم سنه، فيكون في ذلك خيانة فيما هو مؤتمن عليه، والواجب على المسلم أن يترفع عن هذا كله، وأن يعلم أن رزق الله لا ينال بمعصيته، والدليل على أن رزق الله لا ينال بمعصيته وإنما ينال بتقواه، قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
الجواب: إذا فاتت الإنسان صلاة الليل وقضاها في النهار فإنه يقضيها جهراً، وإذا فاتته صلاة النهار وقضاها وقت الليل فإنه يقضيها سراً، والدليل على ذلك السنة القولية والفعلية.
أما السنة القولية: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) والهاء تعود إلى الصلاة المنسية أو التي نام عنها، ونحن إذا صليناها نصليها كما كانت، فإذا نام الإنسان عن صلاة الفجر مثلاً ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس نقول: إذا كنت في جماعة فاقرأ جهراً.
وأما السنة الفعلية: ففي حديث نوم الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر وكانوا في سفر ولم توقظهم إلا الشمس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوموا من مكانهم ذلك، وقال: (هذا موضع حضرنا فيه الشيطان، ثم نزلوا فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يصلي كل يوم) وهذا يدل على أنه جهر بالقراءة، فصارت القاعدة الآن: أنه إذا قضى صلاة ليل في نهار فإنه يجهر، وإذا قضى صلاة نهار في ليل فإنه يسر؛ لأن (القضاء يحكي الأداء).
الجواب: إذا اشترى سلعة بـ(2500) ريال، وهي لا تساوي إلا (1500) ريال، فإن كان البائع يعلم أن السعر (1500) ريال، ولكنه وجد هذا الرجل الغريب الذي لا يعرف الأسعار وباعها عليه بـ(2500)، فإنه آثم ولا يحل له ذلك، وإذا علم المشتري بهذا فله الخيار، وهذا يسمى خيار الغبن؛ لأن (1000) من (2500)كثير، وأما لو كان الغبن يسيراً كـ(10%)، فهذا لا يضر، ولا يزال الناس يتغابون بمثله.
أما إذا كان البائع لا يعلم، مثل: أن تكون هذه السلعة بـ(2500)، ونزل السعر والبائع لا يدري بنزوله، فالبائع غير آثم، لكن حق المشتري باقٍ، وله الخيار؛ لأنه مغبون.
وبهذه المناسبة أود أن أنصح إخواني الذين يتعاطون البيع والشراء ألا يخدعوا الغريب من الناس، فبعض الناس مثلاً يأتيه صبي أو تأتيه امرأة أو يأتيه جاهل بالسعر، فيقول له: هذا بـ(100) ريال ويرفع السعر، والسعر (80) ريالاً؛ لأنه اعتاد أن أكثر الناس يماكسه وينازله حتى يصل إلى (80)، فيأتي هذا الرجل الغريب فيقول له بمائة فيشتريها منه ويذهب مع أنه لو راجعه في السعر لنـزله إلى (80).
نقول: هذا الفعل حرام، يعني كونه يقول له بـ(100) ويأخذه هذا الرجل الغريب، نقول: هذا حرام عليه، فإذا تعلل بمنازلة الناس له ورغبتهم في التنـزيل، قلنا: إذاً: لا بأس، لكن إذا رأيت الرجل سيأخذه بـ(100) وقيمته الحقيقية (80) وجب عليك حين رأيته أخذ السلعة بـ(100) دون كلام أن تخبره بالقيمة الحقيقية للسلعة، وهو سيشكر لك ذلك، فاستغلال جهالة الناس بالأسعار حرام وخيانة.
وهنا قاعدة ينبغي لنا جميعاً أن نسير عليها وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فهل تحب أن أحداً يخادعك؟ لا يحب أحد ذلك، إذاً: فلا تخدع الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) سر على هذه القاعدة حتى يحصل لك الإيمان الكامل، وحتى تزحزح عن النار وتدخل الجنة.
الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال فلا بد أن نعرف الأشياء التي أخل بها في حجه، فإذا كان ترك شيئاً يبطل الحج كطواف الإفاضة وجب عليه أن يأتي به قبل أن يحج ثانية، وأما إذا كان ترك شيئاً من الواجبات التي لا يبطل الحج بتركها كالمبيت في منى مثلاً، فإن ذلك لا يبطل الحج، ولكن عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء؛ نظراً لأن هذا الواجب له بدل، فليذبح البدل، هذا إذا كان قادراً، أما إذا لم يكن قادراً على ذبح الشاة فلا شيء عليه، وينوي أن تكون هذه الحجة الجديدة نافلة؛ لأنه قد حج الفريضة، أرأيت لو أن إنساناً ترك قول: "سبحان ربي العظيم" في فريضة كصلاة الفجر مثلاً، ثم انتهى من الصلاة فتذكر أنه ترك هذا الواجب، فليس عليه أن يعيد الصلاة لأجل ذلك، وإنما يكفيه أن يسجد للسهو.
الجواب: التداوي بالمحرم لا يجوز؛ لأن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرمه عليها؛ ولأن الله لا يحرم علينا الشيء إلا لضرره، والضار لا ينقلب نافعاً أبداً، حتى لو قيل: إنه اضطر إلى ذلك فإنه لا ضرورة للدواء إطلاقاً؛ لأنه قد يتداوى ولا يشفى، وقد يشفى بلا تداوٍ.
إذاً: لا ضرورة إلى الدواء، لكن لو جاع الإنسان وخاف أن يموت لو لم يأكل جاز له أن يأكل الميتة، وأن يأكل الخنزير؛ لأنه إذا أكل اندفعت ضرورته وزال عنه خطر الموت، لكن الدواء لا تمكن الضرورة إليه كما سبق، اللهم إلا في شيء واحد وهو قطع بعض الأعضاء عند الضرورة، فلو حصل في بعض الأعضاء سرطان مثلاً، وقال الأطباء: إنه لا يمكن وقف انتشار هذا المرض إلا بقطع عضو، ومعلوم أن قطع الأعضاء حرام، لا يجوز للإنسان أن يقطع ولا أنملة من أنامله، فإذا قالوا: لا بد من قطع العضو كانت هذه الضرورة إذا تأكدوا أنه إذا قطع انقطع هذا الداء الذي هو السرطان.
أما البنج فلا بأس به، لأنه ليس سكراً، والسكر زوال العقل على وجه اللذة والطرب، والذي يبنج لا يتلذذ ولا يطرب، ولهذا قال العلماء: إن البنج حلال ولا بأس به.
وأما ما يكون من مواد الكحول في بعض الأدوية فإن ظهر أثر ذلك الكحول بهذا الدواء بحيث يسكر الإنسان منه فهو حرام، وأما إذا لم يظهر الأثر، وإنما جعلت فيه مادة الكحول من أجل حفظه فإن ذلك لا بأس به؛ لأن مادة الكحول ليس لها أثر فيه.
الجواب: السلام حال خطبة الجمعة حرام، يعني: لا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب الجمعة أن يسلم، والرد عليه حرام أيضاً، ووجه كون ردِّه حراماً أنه كلام، وهذا خطاب شخص لا يستحق أن يرد عليه؛ لأن القاعدة أن كل من سلم في حال ليس له أن يسلم فيها فإنه لا يستحق الرد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت. يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) مع أنك ناهٍ عن منكر، ومع ذلك يلغو -أي: يحرم- أجر الجمعة.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الخطبة فلا بأس بذلك، لكن بشرط ألا يجهر به؛ لئلا يشوش على غيره أو يمنعه من الإنصات، وكذلك التأمين على دعاء الخطيب لا بأس به بدون رفع الصوت؛ لأن التأمين دعاء.
الجواب: إذا كان له أقارب فإن صلة الأقارب واجبة حتى وإن كانوا على حال لا تُرضي؛ لأن الله تعالى قال: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:14-15] ولم يقل: اقتلهما، بل قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] وكذلك صلة الرحم واجبة حتى مع كون القريب على حال لا ترضى، فيجب عليك أن تصلهم وإن كان عندهم الدش الذي مفسدته أكبر بكثير من مصلحته، وقد استغله أكثر الناس في المحرم، وأضاعوا به أوقاتهم وأموالهم، وفسدت به أخلاق كثير من الناس وأفكارهم.
فإن كانوا يشغلونه -الدش- على محرم وأنت حاضر فإنك لا تذهب إليهم حتى لا تشاركهم في المعصية، ومع هذا نشير على الإنسان أن يؤدي حق القريب بالمناصحة، يعني: يذهب ويناصحهم ويبين لهم أن هذا حرام -أي: مشاهدة الأشياء المحرمة حرام- حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من نصيحتهم والإحسان إليهم.
الجواب: إذا أدركت المسافر الصلاة وهو في بلده فإن صلاها في بلده فإنه لا يقصر؛ لأنه لم يخرج، وإن خرج وفي أثناء الطريق صلاها فإنه يصليها ركعتين وإن كان قد أذن وهو في البلد، يعني: العبرة بفعل الصلاة، كما أنه لو دخل عليك الوقت وأنت في السفر ووصلت إلى بلدك قبل أن تصلي فإنك تصليها أربعاً.
إذاً.. القاعدة أن الاعتبار بأداء الصلاة؛ إن أديتها في سفر فاقصر، وإن أديتها في حضر فأتم.
الجواب: الجمعية أن يتفق الموظفون على أن يخصم كل شخص منهم من راتبه ألف ريال مثلاً، وتعطى للأول، وفي الشهر الثاني للثاني، وفي الشهر الثالث للثالث...وهلم جراً، فهذا جائز ولا بأس به، فإذا صار الإنسان أول من أخذ فمعناه أنه ألزمه دين بما أخذ، ولكن لا بأس بأن يحج بهذا المال؛ لأنه يمكن قضاء هذا الدين ويعرف أنه متى حل أجل هذا الدين أوفاه.
الجواب: إذا كنت تدعو كفاراً فالواجب البدء بالتوحيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن وقال: (ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله) وأما إذا كنت تدعو مسلمين لكن عندهم بعض العقائد الفاسدة فلا تجادلهم بإنكار هذه العقائد؛ لأنهم يعتقدون أنها من الدين، ولكن حُثهم على الصلاة، على الصدقة، على الصيام، على الحج، حتى يألفوك ويطمئنوا إليك، ثم بعد ذلك بين لهم ما هم عليه من الخطأ.
فيفرق بين حال المدعو؛ لأن الكافر لو بدأته بالتوحيد وأنكر ورفض فهو كافر من الأصل، لكن هذا مسلم وأخطأ في بدعته التي ابتدعها وظنها حقاً.
إذاً: لا تبادره؛ لأنه ربما ينفر ولا يقبل منك شيئاً، لكن ادع إلى المسائل التي ليس فيها اختلاف، كمسائل الصلاة والصدقة، والصوم والحج، ثم بعد ذلك إذا اطمأنوا إليك واستأنسوا بك سهل بعد ذلك جداً أن تتعرض لما هم عليه من البدع، وتبين لهم أن البدع حرام وتطلب منهم التخلي عنها والعودة إلى السنة.
الجواب: ليس عليها قضاء في الأيام التي صامتها قبل أن تضع الجنين؛ لأن هذا الدم ليس دم نفاس، وليس دم حيض، ويسمى هذا الدم وأمثاله عند العلماء دم فساد؛ لأن ما لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً يكون دم فساد أو استحاضة.
الجواب: يذهبون بلا إحرام إلى المدينة ؛ لأن هؤلاء لم يقصدوا مكة وإنما قصدوا المدينة، فيذهبون إلى المدينة، وإذا رجعوا من المدينة حينئذ يكونون قد توجهوا إلى مكة ، فيحرمون من ميقات أهل المدينة وهي " ذو الحليفة " التي تسمى الآن " أبيار علي ".
والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [56] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net