اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [42] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
[الإضافة
نوناً تلي الإعراب أو تنوينـا
مما تضيف احذف كطور سينا]
الإضافة: نسبة شيء إلى شيء، مثل: كتابُ محمدٍ، مسجدُ الجامعِ، كتابُ النحو، ألفية ابن مالك .
ولها حكمان: حكم يتعلق بالمعنى، وحكم يتعلق بالإعراب.
فمن حيث الإعراب:
فإن الجزء الأول: يعرب على حسب العوامل، فإن اقتضى العامل أن يكون مرفوعاً فهو مرفوع، وإن اقتضى أن يكون منصوباً فهو منصوب، وإن اقتضى أن يكون مجروراً فهو مجرور.
وأما الجزء الثاني (المضاف إليه) فإنه يكون مجروراً حسب الحال، فهو إما جملة في محل جر، وإما مبني في محل جر، وإما معرب مجرور، لكن حكمه الجر على كل حال.
فتقول مثلاً: هذا كتابُ محمدٍ، قرأت كتابَ محمدٍ، نظرت في كتابِ محمدٍ.
فالجزء الأول (المضاف) اختلف إعرابه لاختلاف العوامل، والجزء الثاني (المضاف إليه) مجرور في كل الحالات.
حكم آخر في الإعراب: الجزء الأول يحذف منه النون أو التنوين لأجل الإضافة، أما الثاني فلا يتغير من حيث التنوين والنون، تقول: قرأت كتاب محمدٍ. قرأت كتاب الرجلين، ولهذا قال المؤلف:
(نوناً تلي الإعراب أو تنوينـا
مما تضيف احذف كطور سينا)
قوله:
نوناً: مفعول به مقدم للفعل احذف، يعني احذف النون.
تلي الإعراب: وهي نون المثنى وما ألحق به، ونون جمع المذكر السالم وما ألحق به.
أو تنويناً: معطوف على (نوناً) يعني: أو تنويناً أيضاً احذفه، والتنوين يكون في الاسم المفرد، وفي جمع التكسير، وفي جمع المؤنث السالم.
ثم مثل لذلك: (كطور سينا) وطور سيناء جبل بالشام معروف كما قال المحشِّي، والشام في الزمن الأول تشمل فلسطين.
(طور) أصله: طورٌ بالتنوين، فلمَّا أضفناه حذف منه التنوين.
مثال آخر: تقول: اشتريتُ كتاباً، بتنوين (كتاباً) فإذا أضفت وقلت: اشتريت كتابَ محمدٍ، حذفت التنوين ولا يصلح أن تقول: اشتريت كتاباً محمدٍ! ولهذا قال الشاعر:
كأني تنوين وأنت إضافة
فأين تراني لا تحل مكاني
فلا يمكن أن يجتمع تنوين وإضافة.
ومثال النون أن تقول: أكرمت مسلمين من أهل مكة. بإثبات النون في (مسلمين).
وعندما تضيف تقول: أكرمت مسلمي أهل مكة، بحذف النون للإضافة.
فهذان حكمان في الإعراب.
[والثاني اجرره بمن أو في إذا
لم يصلح إلا ذاك واللام خذا
لما سوى ذينك واخصص أولا
أو أعطه التعريف بالذي تلا]
الثاني: مفعول مقدم باجرره.
وانو: فعل أمر.
من: مفعول به لانو مبني على السكون في محل نصب.
أو في: معطوفة على قوله (من).
إذا لم يصلح إلا ذاك، يعني: إذا لم يصلح في الإضافة إلا تقدير من أو في فانو أحدهما.
واللام خذا: اللام مفعول مقدم لخذا. وخذا: فعل أمر لكنه مؤكد بنون التوكيد المقلوبة ألفاً، وأصله: خذن.
والمعنى: أن الثاني من المتضايفين حكمه الجر دائماً، كما تقدم، ومثلنا بقولنا: هذا كتابُ محمدٍ. واشتريت كتاب محمدٍ. ونظرت في كتاب محمدٍ.
وذكرنا أننا ننوي بالإضافة من أو في، فإن لم تصلح من أو في نوينا اللام، فصارت الإضافة تقدر بمن وبفي وباللام.
فتقدر الإضافة بمن في الأعداد والمساحة والأجناس، مثال الأعداد: عندي عشرةُ دراهمَ، أي: عشرة من دراهم، وتقول: عندي ثلاثمائة رجل، أي: ثلاث من مائة من رجل.
ومثال: المساحة: عندي شبر أرضٍ. أي: شبر من أرض.
ومثال: الأجناس: عندي خاتمُ فضةٍ، فالثاني جنس للأول، فالتقدير: خاتم من فضة.
ولا تصلح اللام: خاتم لفضة، ولا تصلح في: خاتم في فضة.
وتقدر (في) إذا كان الثاني ظرفاً للأول، مثل قوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ [سبأ:33] أي: مكرٌ في الليل.
وتقول أيضاً: نوم الليلِ أصح من نوم النهارِ. أي: نوم في الليل أصح من نوم في النهار.
والتي تكون على تقدير (في) يمكن أن تصلح على تقدير (من) لكن ليس ذلك دائماً، فمثلاً: يصلح: نومٌ من الليل أصح من نوم من النهار.
وإنما كان نوم الليل يصلح فيه تقدير (من) لأنه جنس، مثل خاتم الحديد، فيصلح أن أقول في نوم الليل: إني أردت أن يكون الليل ظرفاً للنوم، ويصلح أن أقول: إني أردت أن يكون الليل جنساً للنوم، فلهذا يصلح أن تقدر (من) أو (في).
وإذا لم يصلح تقدير (من) ولا (في) وهو الأكثر فتقدر اللام، ولهذا قال:
(واللام خذا لما سوى ذينك).
لأنه لما حصر الأمر في (من وفي) قال: (واللام خذا لما سوى ذينك)، فعلى هذا يكون تقدير اللام في الإضافة أكثر، وهو كذلك، فمثلاً: كتابُ زيدٍ، أي: لزيد. باب الدار، أي للدار، وهكذا.
إذاً: الإضافة تكون على تقدير (من) وعلى تقدير (في) وعلى تقدير اللام، والأكثر تقدير اللام، ثم (من) ثم (في).
قوله: (سوى ذينك):
سوى: مضاف، وذينك: اسم إشارة مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى.
أو نقول: سوى: مضاف، وذينك: مضاف إليه مبني على الياء في محل جر.
هذا من حيث الحكم المعنوي، أي أن الإضافة تفيد التعريف أو التخصيص.
قوله: (واخصص أولاً) الأول هو المضاف، (أو أعطه التعريف بالذي تلاه)، أي: يكون معرفة.
إذاً: المضاف يكتسب من المضاف إليه إما التخصيص أو التعريف، فإذا كان المضاف إليه نكرة فإنه يكتسب التخصيص، وإذا كان معرفة فإنه يكتسب التعريف. والمعارف تقدم لنا أنها خمسة، وما أضيف إلى معرفة صار معرفة، وما أضيف إلى نكرة فهو نكرة، لكن النكرة تخصص في الإضافة.
تقول: اشتريت ثوباً. فلفظ (ثوباً) نكرة، فلا ندري هل هو ثوب رجل، أم ثوب امرأة، أم ثوب صبي؟
فإذا قلت: اشتريت ثوب رجلٍ، استفاد التخصيص من الإضافة، وهو أنه ثوب رجل، لا ثوب أنثى ولا ثوب صغير.
فإذا قلت: اشتريت ثوب زيدٍ، صار الأول معرفة، لأنه أضيف إلى معرفة.
والحاصل: أن المضاف يكتسب من المضاف إليه إما التخصيص إن كان المضاف إليه نكرة، وإما التعريف إن كان المضاف إليه معرفة، ولهذا قال: (واخصص أولاً) وهو المضاف، (أو أعطه التعريف بالذي تلا) يعني: أو اجعله معرفة بسبب الذي تلاه، وهو المضاف إليه، والله أعلم.
[وإن يشابه المضاف يفعل وصفاً فعن تنكيره لا يعزل
كرب راجينا عظيم الأمل مروع القلب قليل الحيل]
المضاف هو الجزء الأول في باب الإضافة، فإذا كان يشابه الفعل المضارع في العمل -وإن لم يشابهه في الوزن- فإنه لا يستفيد التعريف إذا أضيف لمعرفة، وذلك في اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ولهذا قال المؤلف: (وصفاً فعن تنكيره لا يعزل).
ومعناه أنه لا يتعرف بالإضافة ولا يتخصص بها بخلاف الأول الذي ما شابه الفعل المضارع فإنه يتعرف أو يتخصص.
وإذا كان عن تنكيره لا يعزل؛ فإنه يصح أن يكون حالاً ويصح أن يكون وصفاً لنكرة، مثاله: قال الله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]. هدياً: نكرة، وبالغ الكعبة: صفة لهدياً؛ وبالغ: مضاف، والكعبة: مضاف إليه.
والكعبة كلنا يعرف أنها معرفة، وكان مقتضى القاعدة السابقة أن المضاف إلى معرفة يكون معرفة، ولو كان قوله: (بالغ الكعبة) معرفة لما صح أن يكون صفة لهدياً؛ لأن النكرة لا توصف بمعرفة.
فأنت ترى أن (بالغ) اسم فاعل، لأنه على وزن فاعل، وقد أضيف اسم الفاعل إلى الكعبة، وهي معرفة لكنه لم يتعرف.
قوله: (فعن تنكيره لا يُعزلُ) هذا جواب الشرط في قوله: (وإن يشابه)، فالفاء هنا رابطة للجواب، وعن: حرف جر. وتنكيره: اسم مجرور بعن، وهو مضاف إلى الهاء، وهو متعلق بقوله: (لا يعزل)، يعني: فليبق على ما هو عليه نكرة وإن أضيف إلى معرفة.
مثاله: (كرُب راجينا عظيم الأمل):
أتى المؤلف رحمه الله برُب لأن (رُبَّ) لا تدخل إلا على نكرة.
راجي: اسم فاعل مضاف إلى معرفة وهي الضمير، وكان مقتضى القاعدة أن تكون (راجي) معرفة؛ لأنها أضيفت إلى معرفة؛ لكنها الآن نكرة، والدليل على أنها نكرة أنها دخلت عليها رُبَّ.
إذاً: (راجينا) ليست معرفة ولو أضيفت إلى معرفة، لأنها اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، وكل اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال فإنه لا يتعرف بالإضافة.
قوله: (عظيم الأمل) عظيم: صفة مشبهة، وهي صفة لراجينا ومضافة إلى الأمل، والأمل معرفة، وعظيم نكرة، والدليل على أنها نكرة أنها صفة لنكرة، وصفة النكرة نكرة.
قوله: (مُرَوَّع القلبِ)، مُرَوَّع اسم مفعول على وزن: مُفَعَّل، ومُرَوَّع: مضاف. والقلب مضاف إليه. والقلب معرفة، ومُرَوَّع نكرة مع أنها مضافة إلى معرفة؛ لأنها اسم مفعول مشابهة للفعل المضارع. والدليل على أنها نكرة أنها صفة لنكرة وهي (راجينا)، وصفة النكرة نكرة.
وقوله: (قليل الحيلِ) هذه صفة مشبهة، يعني حيله قليلة، والحيل هي: أن يتحيل الإنسان حتى يخرج من المأزق بذكائه.
وقيل: إنها التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، والحيلة نوع من المكر، فإن خالفت الشرع فهي مذمومة.
والمخالف للشرع يكون على نوعين: إما تحيل لإسقاط واجب، أو لفعل محرم.
فرجل باع شيئاً بمائة إلى أجل واشتراه بثمانين نقداً، فهذا تحيل على محرم فلا يجوز.
ورجل آخر أكل بصلاً لئلا يصلي مع الجماعة، فهذا تحيل لإسقاط واجب.
ورجل اشترى شقصاً مشتركاً من آخر ثم وقفه خوفاً من الشفعة، فهذا تحيل على إسقاط واجب من حق الغير فهو محرم.
أما إذا كانت الحيلة مما يتوصل به الإنسان إلى أمر مقصود شرعاً أو أمر مباح فإن هذا لا بأس به، ومنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيباً) فهذه حيلة لكنها حيلة مباحة لا توقع الإنسان في محظور.
فقوله: (قليل الحيل) يعني: ليس هذا الراجي لنا صاحب حيل ومكر بحيث يتوصل إلى ما يؤمله ويرجوه بالحيلة والمكر، بل هو مروع القلب يخاف ولا يمكن أن يتحيل أبداً، وهذا محمود.
وهو عظيم الأمل لما يعلم من أننا أهلٌ للرجاء. أي: رُبَّ راجينا عظيم الأمل، مروع القلب يخاف أن نعثر منه على ما يخدش كرامته، قليل الحيل لا يتحيل علينا بشيء يتوصل به إلى غرضه الذي يريد، بل هو إنسان صريح، فهذا الرجل لا شك أن صفاته جيدة وطيبة.
قال المؤلف:
[وذي الإضافة اسمها لفظيه وتلك محضة ومعنويه]
ذي: اسم إشارة، أي: هذه الإضافة، وهو يشير إلى الاسم المضاف الذي يشابه (يفعل)، وذلك فيما إذا كان المضاف اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة؛ فهذه الإضافة تسمى لفظية؛ فهي لم تفد معنى لأنها ما تعرفت بالإضافة ولا تخصصت بها.
فإذا قال قائل: بل تخصصت لأن قوله: (بالغ الكعبة) أخرج ما سواها مما يبلغ غيرها؟
قلنا: هذا التخصيص من أجل العمل، كما لو قلت: أكرمتُ زيداً؛ فإن الإكرام هنا تخصص بزيد بواسطة أنه عمل فيه، ولذلك لو قلت: هدياً بالغاً الكعبةَ، أو قلت: هدياً بالغ الكعبةِ. فذلك من حيث المعنى سواء، والتخصيص هنا بالعمل وليس بواسطة الإضافة.
أنا مكرمُ الطالب المجتهد، هذه الإضافة لفظية؛ لأن (مكرم) اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، وأما لو قلت: أنا مكرم الطالب المجتهد أمس، فهذه معنوية؛ لكن: أنا مكرم الطالبِ المجتهدِ غداً، أو: أنا مكرمُ الطالب الذي يحفظ ألفية ابن مالك عن ظهر قلب؛ لفظية؛ لأنها ما أفادت تخصيصاً ولا تعريفاً، بل (مكرم) هنا نكرة مع أنه مضاف إلى معرفة.
والتخصيص بالمجتهد ليس بواسطة الإضافة، بدليل أنك لو قلت: أنا مكرمٌ الطالبَ المجتهدَ، لتخصص مع أنه لا إضافة فيه.
إذاً: فالإضافة في الحقيقة (أنا مكرم الطالب المجتهد) ما استفدنا منها إلا فائدة لفظية فقط وهي التخفيف، أي: فبدلاً من أننا ننون ونقول: مكرمٌ الطالب، نختصر ونقول: مكرم الطالبِ المجتهد.
قوله: (وتلك محضة ومعنوية):
تلك: المشار إليه الإضافة التي ليس المضاف فيها يشابه (يفعل)، يقول: تلك الإضافة التي سبقت في الأبيات الثلاثة الأولى محضة ومعنوية.
محضة: يعني خالصة، ومعنوية: أي تفيد التعريف أو التخصيص.
[ووصل أل بذا المضاف مغتفر إن وصلت بالثان كالجعد الشعر
أو بالذي له أضيف الثاني كزيد الضارب رأس الجاني]
سبق لنا أن (أل) لا تجامع الإضافة، إذ لا يمكن أن تقول: الكتابُ الرجلِ، بمعنى: كتاب الرجل، كما أن التنوين أيضاً لا يجامع الإضافة.
لكن في الإضافة اللفظية -وهذا من الفوارق بينها وبين الإضافة المعنوية- يجوز فيها أن توصل (أل) بالمضاف بشرط أن توصل بالمضاف إليه، ولهذا قال: (إن وصلت بالثان كالجعدِ الشعر، أو بالذي له أضيف الثاني كزيدٌ الضاربِ رأس الجاني).
تقول: جاءني الرجل الجعد الشعر:
الجعد: صفة للرجل. والجعد: مضاف، والشعر: مضاف إليه. فهنا أضفنا ما فيه أل (الجعد) إلى ما فيه أل (الشعر).
ويجوز: الحسنُ الوجهِ؛ لأنها صفة مشبهة.
ولو قلت: الجعدُ شعرٍ، فلا يجوز؛ لأن المؤلف يقول: (إن وُصلت بالثاني) ففهم منه أنها إذا لم توصل بالثاني لا يجوز وصلها بالأول.
ولو قلت: جعدُ الشعر، فإنه يجوز؛ لأن الأول ليس فيه (أل) أصلاً، والمضاف إذا لم يكن فيه أل يجوز أن يضاف إلى ما فيه أل وإلى ما ليس فيه أل.
فعندنا ثلاث صور:
أن تكون أل في المضاف والمضاف إليه، وهذا جائز في الإضافة اللفظية.
أن تكون أل في المضاف دون المضاف إليه، وهذا ليس بجائز لا في اللفظية ولا في المعنوية.
أن تكون أل في المضاف إليه دون المضاف، وهذه جائزة في الإضافة المعنوية والإضافة اللفظية.
فصورتان منها تتفق فيهما الإضافة اللفظية والمعنوية.
وقوله: (أو بالذي له أضيف الثاني).
يعني إذا اتصلت أل بالمضاف إليه الثاني جاز اتصالها بالمضاف الأول، أي: تكون موجودة في الأول، مفقودة في الثاني، موجودة في الثالث، وهذا في الإضافة اللفظية.
ومثال ذلك: الضاربُ رأسِ الجاني. أل في الأول (الضارب) والثالث (الجاني) دون الثاني (رأس).
ووجه الجواز: أنه لما كان الثالث مقروناً بأل وقد أضيف إليه الثاني صار الثاني كأنه مقرونٌ بأل.
فالخلاصة: أن أل إذا كانت في الأول والأخير فهو جائز، ومثله: الضارب رأس عبد الجاني.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[وكونها في الوصف كافٍ إن وقـع مثنىً او جمعاً سبيله اتبع]
قوله: كونها: الضمير يعود على أل.
قوله: في الوصف: الوصف هو الأول.
يعني: (كونها في الوصف) الذي هو اسم الفاعل أو اسم المفعول أو الصفة المشبهة، وهو الأول (كاف)؛ لكن بشرط: (إن وقع مثنىً او جمعاً سبيله اتبع) والجمع الذي اتبع سبيل المثنى هو جمع المذكر السالم.
وقد تقدم قبل قليل أنه لا يجوز أن تتصل (أل) بالأول دون الثاني، فيستثنى من ذلك إذا كان الأول مثنىً أو جمع مذكر سالماً فيجوز أن تكون فيه أل دون الثاني.
فيجوز أن تقول مثلاً: يعجبني الآكلو طعامهم، لأن المضاف وهو الأول جمع مذكر سالم.
وتقول: يعجبني الفاهمو درسهم.
وتقول في المثنى: يعجبني التاركا سوءٍ.
خلاصة الكلام: إذا وُصلت أل في المضاف دون المضاف إليه فهو ممنوع إلا إذا كان المضاف جمع مذكر سالماً أو مثنى في الإضافة اللفظية.
قوله: (كزيد) بالرفع على الحكاية، وكأنه يقول: كهذا المثال، فيقال: الكاف حرف جر. وزيدٌ الضارب رأس الجاني: مجرور بالكاف. أو يقال كما قال بعضهم: كقولك زيد ...إلخ.
[وربما أكسب ثانٍ أولاًتأنيثاً ان كان لحذف موهلا]
الثاني هو المضاف إليه. والأول المضاف. فربما أكسب الثاني الأول تأنيثاً.
وعلم من قوله: (أكسب ... تأنيثاً) أن الأول مذكر والثاني مؤنث.
قوله: (إن كان لحذفٍ موهلا) إن كان الضمير في (كان) يعود على الأول فالمعنى: إذا كان أهلاً للحذف.
والمعنى: أن المضاف إذا كان مذكراً والمضاف إليه مؤنثاً فربما يكسبه المضاف إليه تأنيثاً، فيعطى حكم المؤنث ولو كان مذكراً، ولكن بشرط أن يصح حذفه والاستغناء بالثاني عنه، مثاله: قُطعت بعض أصابعه.
هنا كلمة (بعض) مذكر، وأصابع (مؤنث)، والفعل هنا مؤنث (قُطِعَتْ)، ولو راعينا المضاف لوجب أن نقول في الفعل: (قُطِع)، لكنه هنا أكسبه المضاف إليه التأنيث، لأنه لو حذف (بعض) وقيل: قُطعت أصابعه، لاستقام الكلام؛ لكن مع ذلك لا يستقيم تمام الاستقامة؛ لوجود فرق بين البعض والكل، فإنك لو قلت: قطعت أصابعه لم تكن في مدلولها مثل قولك: قطعت بعض أصابعه، لكن المراد أن المعنى يصح ولو في الجملة ولا تشترط المطابقة، فإنه لا يمكن أن يتطابق شيء مع الحذف وغير الحذف.
وقوله: (ربما أكسب) يبدو منه أنه مقصور على السماع، وأن ما ورد في اللغة من هذا الباب اتُبع، وما لم ترد به اللغة فالأصل أن يبقى على ما كان عليه.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى:
[ قد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث، بشرط أن يكون المضاف صالحاً للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه ويفهم منه ذلك المعنى؛ نحو: قُطعت بعض أصابعه، فصح تأنيث (بعض) لإضافته إلى (أصابع) وهو مؤنث، لصحة الاستغناء بأصابع عنه فتقول: قطعت أصابعه، ومنه قوله:
مشينا كما اهتزت رماح تسفـهت أعاليها مر الرياح النواسم
فأنث المر لإضافته إلى الرياح، وجاز لصحة الاستغناء عن المر بالرياح.
وربما كان المضاف مؤنثاً فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه بالشرط الذي تقدم، كقوله تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، فرحمة: مؤنث، واكتسبت التذكير بإضافتها إلى الله تعالى.
فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث، فلا تقول: خرَجَت غلام هندٍ، إذ لا يقال: خرجت هندٌ، ويفهم منه خروجه] اهـ.
يظهر من كلامه أنه يمكن أن نحمل كلام المؤلف: (إن كان لحذف موهلاً) على أن يكون الأول جزءاً من الثاني أو مثل جزئه، كما في المثال: قطعت بعض أصابعه، فإن البعض جزء من الأصابع كلها.
على كل حال: أظن أن هذا موقوف على السماع، وأنه إذا كان الأول جزءاً من الثاني اكتسب التأنيث، وإذا كان منفصلاً عنه وعيناً مستقلة بنفسها فإنه لا يكتسب منه التأنيث مثل: قُتلت غلام هند وما أشبه ذلك.
قوله: رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ ، يقولون: إن الرحمة هنا اكتسبت التذكير من المضاف إليه، فَذُكِّر الخبر عنها، ولـابن القيم رحمه الله في هذه الآية كلام طويل جداً في بدائع الفوائد.
[ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهماًً إذا ورد]
من المعلوم أن المضاف غير المضاف إليه، فتقول: غلام زيد، وفرس محمد، وكتاب الطالب، وتقول: صاحب البيت، صاحب الدكان، فالمضاف غير المضاف إليه، يقول المؤلف:
(ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى).
يعني: لما هو في معناه، فلا تقول مثلاً: هذا كتابُ كتابٍ، وهذا مسجدُ مسجدٍ، وهذا غلامُ غلامٍ، وتريد أن الثاني هو الأول، لكن قد ورد في اللغة العربية ما يدل على إضافة الشيء إلى نفسه، يقول المؤلف:
(وأول موهماً إذا ورد) يعني: اصرفه عن ظاهره إذا ورد.
من ذلك قولهم: مسجد الجامع، معلوم أن المسجد هو الجامع، فتؤول فتجعل مسجد الجامع بمعنى أنه مسمى هذا الاسم، فمسجد بمعنى المسمى والجامع بمعنى الاسم.
ويقولون: سعيد كرز.
سعيد: مضاف وكرز مضاف إليه، مع أن كرزاً هو سعيد، فكيف أضيف اسم لما به اتحد، يقول: إننا نؤوله، ونقول المعنى: مسمى هذا الاسم.
وقد يؤول بغير مسمى هذا الاسم، كما لو قلت: كتبت سعيد كرز، أي كتبت اسم هذا المسمى.
والخلاصة: أن المضاف والمضاف إليه شيئان متباينان، كل واحد منهما غير الآخر، فلا يضاف شيء إلى نفسه.
وذهب الكوفيون: إلى أنه يجوز أن يضاف الاسم لما اتحد به معنى بشرط اختلاف اللفظ، كسعيد كرز، وبر قمح، ولا يحتاج إلى تأويل؛ يقولون: يكفي الاختلاف في اللفظ؛ لأن كل لفظ يدل على معنى لا يدل عليه اللفظ الثاني، فحصلت المغايرة ولو من بعض الوجوه، ولكن لا شك أنه من الناحية البلاغية غير مستساغ.
ويقال: إن بعض الناس في هذه البلاد السعودية يضيفون اسم محمد إلى الاسم الأصلي، مثل: محمد فؤاد عبد الباقي ، محمد رشيد رضا ، محمد عبده .. وما أشبه ذلك، وأصله: رشيد وعبده وفؤاد، فهنا أضيف هذا الاسم لما به اتحد معنى لكنهما لم يتحدا لفظاً.
[ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهماًً إذا ورد]
من المعلوم أن المضاف غير المضاف إليه، فتقول: غلام زيد، وفرس محمد، وكتاب الطالب، وتقول: صاحب البيت، صاحب الدكان، فالمضاف غير المضاف إليه، يقول المؤلف:
(ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى).
يعني: لما هو في معناه، فلا تقول مثلاً: هذا كتابُ كتابٍ، وهذا مسجدُ مسجدٍ، وهذا غلامُ غلامٍ، وتريد أن الثاني هو الأول، لكن قد ورد في اللغة العربية ما يدل على إضافة الشيء إلى نفسه، يقول المؤلف:
(وأول موهماً إذا ورد) يعني: اصرفه عن ظاهره إذا ورد.
من ذلك قولهم: مسجد الجامع، معلوم أن المسجد هو الجامع، فتؤول فتجعل مسجد الجامع بمعنى أنه مسمى هذا الاسم، فمسجد بمعنى المسمى والجامع بمعنى الاسم.
ويقولون: سعيد كرز.
سعيد: مضاف وكرز مضاف إليه، مع أن كرزاً هو سعيد، فكيف أضيف اسم لما به اتحد، يقول: إننا نؤوله، ونقول المعنى: مسمى هذا الاسم.
وقد يؤول بغير مسمى هذا الاسم، كما لو قلت: كتبت سعيد كرز، أي كتبت اسم هذا المسمى.
والخلاصة: أن المضاف والمضاف إليه شيئان متباينان، كل واحد منهما غير الآخر، فلا يضاف شيء إلى نفسه.
وذهب الكوفيون: إلى أنه يجوز أن يضاف الاسم لما اتحد به معنى بشرط اختلاف اللفظ، كسعيد كرز، وبر قمح، ولا يحتاج إلى تأويل؛ يقولون: يكفي الاختلاف في اللفظ؛ لأن كل لفظ يدل على معنى لا يدل عليه اللفظ الثاني، فحصلت المغايرة ولو من بعض الوجوه، ولكن لا شك أنه من الناحية البلاغية غير مستساغ.
ويقال: إن بعض الناس في هذه البلاد السعودية يضيفون اسم محمد إلى الاسم الأصلي، مثل: محمد فؤاد عبد الباقي ، محمد رشيد رضا ، محمد عبده .. وما أشبه ذلك، وأصله: رشيد وعبده وفؤاد، فهنا أضيف هذا الاسم لما به اتحد معنى لكنهما لم يتحدا لفظاً.
[وبعض الأسماء يضاف أبداً وبعض ذا قد يأتي لفظاً مفرداً]
يعني: بعض الأسماء ملازم للإضافة لفظاً ومعنى، وبعضها قد يلازم الإضافة معنى لا لفظاً؛ ولهذا قال: (وبعض ذا) أي: بعض ما يلازم الإضافة (قد يأت لفظاً مفرداً).
بعض الأسماء: مبتدأ، يضاف: خبره.
وبعض ذا قد يأت: بعض: مبتدأ، وقد يأت: خبره.
وقوله: لفظاً: منصوب بنزع الخفض. ومفرداً: حال. يعني: قد يأتي مفرداً في اللفظ وإن كان مضافاً في المعنى، هذا معنى البيت.
وهذا لم يذكر المؤلف له أمثلة؛ لأنه سيأتي عند ذكر إذا وإذ وحيث.. وما أشبه ذلك، كما قال فيما بعد:
(وألزموا إضافة إلى الجمـل حيث وإذ وإن ينون يحتمل
إفراد إذ ... )
فنؤجل الكلام فيها حتى تأتي إن شاء الله.
المهم أننا نستفيد من هذا البيت قاعدة: أن بعض الأسماء يكون ملازماً للإضافة لفظاً ومعنى، وبعض الأسماء التي يجب إضافتها قد تأتي مفردة في اللفظ وهي في المعنى مضافة، وسيأتي إن شاء الله بيانه.
[وبعض ما يضاف حتماً امتنع إيلاؤه اسماً ظاهراً حيث وقع
كوحد لبي ودوالي سعدي وشذ إيلاء يدي للبي]
(حتماً) بمعنى لازماً، يعني: بعض الذي تجب إضافته يمتنع إيلاؤه اسماً ظاهراً، فهذا البيت تتمة للبيت الأول، يعني: أن من الأسماء الملازمة للإضافة ما لا يضاف إلى اسم ظاهر.
وبعض: مبتدأ.
حتماً: متعلقة بيضاف.
امتنع: خبر المبتدأ.
إيلاؤه: فاعل امتنع.
واسماً: مفعول لإيلاء؛ لأنه مصدر يعمل عمل فعله.
حيث وقع: متعلق بإيلاؤه أو متعلق بامتنع. يعني: يجوز أن يمتنع أن يليه اسم ظاهر وهو ملازم للإضافة.
القاعدة من هذا البيت: أن بعض الأسماء التي تتعين فيها الإضافة لا يضاف إلى اسم ظاهر، مثاله: (كوحد لبي ودوالي سعدي)
هذه أربع كلمات: (وحْد) لا تأتي إلا مضافة، تقول مثلاً: خرجت وحدي، ورأيتك وحدك.
ولا يمكن أن تقول: خرجت وحداً، يعني: فريداً، ولا رأيتك وحداً، أي فريداً، بل لابد أن تضاف، ولكن لا تضاف إلى اسم ظاهر، فلا يمكن أن تقول: رأيت زيداً وحد غلامه.
وإذا قلت: رأيت الرجل وحده، فوحده حال كما سبق لنا في باب الحال، والحال لا تقع معرفة، لكنها هنا مؤولة بمنفرداً.
كذلك (لبي) ملازمة للإضافة إلى الضمير، فلا تأتي مفردة ولا تأتي مضافة إلى اسم ظاهر، فلا تقول: لبي زيد، ولا لبي ربي، بل لابد أن تضيفها إلى ضمير مخاطب، لا ضمير غيبة ولا ضمير متكلم، فلا يمكن تقول: لبيي يعني: كأنك أجبت نفسك، ولا: لبيه، تخبر أنك تلبي إنساناً غائباً، بل تقول: لبيك.
والعوام يستعملون (لبيه) بمعنى (لبيك) فيبدلون الكاف هاء.
وأيضاً: (دوالي) تقول: (دواليك) مأخوذة من التدالي، يعني: أنه يدول بعضها على بعض، مثل قوله تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
وبعض الناس يقولون: معناها: إدالة بعد إدالة، وليس كذلك؛ لأن الإدالة الغلبة، ولا معنى لها في سياق (دواليك) إنما معناها التدالي والتعاقب، فيوجد فرق بينها وبين الغلبة.
وأيضاً: (سعدي) من سعديك، ومعناه: إسعاداً بعد إسعاد، والإسعاد إما من إعطاء السعادة، وإما من المواساة ودفع الأحزان والتسلية.
وهي على كل حال لا تذكر إلا مع لبيك، فهي تابعة لها دائماً، تقول: لبيك وسعديك، كما كان ابن عمر رضي الله عنه يقول هذا في تلبيته: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل.
فلبيك بمعنى: أجبتك، وسعديك بمعنى: طلبت منك المعونة بعد المعونة.
هذه أربع كلمات ملازمة للإضافة إلى اسم مضمر مخاطب ولا يجوز أن تضاف إلى اسم ظاهر؛ فلهذا قال:
(وشذ إيلاء يدي للبي)، يعني: أنه ورد في كلام العرب:
فلبى فلبي يدي مسور
وما قال: فلبيك، فـابن مالك يشير إلى هذا البيت ويقول: إنه شاذ، ووجه الشذوذ أنه أضيف إلى اسم ظاهر، كما شذ كذلك إضافته إلى ضمير الغيبة، كقول الشاعر:
لقلت لبيه لمن يدعوني
والحاصل: أن هذه أربع كلمات أفادنا المؤلف أننا لو أتينا بها غير مضافة لم يصح، ولو أتينا بها مضافة إلى اسم ظاهر لم يصح، ولو أتينا بها مضافة إلى ضمير غير مخاطب لم يصح، إذاً: فاستعمالها ضيق.
نرجع الآن إلى معانيها:
وحد: أي منفرداً.
لبي: أي إجابة بعد إجابة، من قولهم: ألب بالمكان.
وقولهم: دوالي: أي تداولاً بعد تداول.
سعدي: إسعاداً بعد إسعاد.
ثم هي معربة على أنها مفعول مطلق أو مصدر لفعل محذوف من لفظها، ثم إنها معربة على أنها ملحقة بالمثنى؛ لأن صورتها صورة التثنية ولكن المراد منها الكثرة.
فتكلمنا الآن عن حكمها من حيث الإضافة، وعن معناها، وعن إعرابها.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [42] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net