اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [45] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
[ وفعل أولى وفعيل بفعُل كالضخم والجميل والفعل جَمُل ].
قال تعالى: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ [طه:96]، اسم الفاعل من بصر: بصير.
قال المؤلف:
[وأفعل فيه قليل وفعل وبسوى الفاعل قد يغنى فعل ].
فقوله: (وأفعل فيه قليل): أي: في الثلاثي المضموم العين ترد أفعل لكنها قليلة.
وقوله: (فَعَل) مثل: بَطُل فهو بَطَل.
وقوله: (وبسوى الفاعل قد يغنى فعل).
القياس أن اسم الفاعل من فَعَلَ على وزن فاعل، لكن أحياناً لا يكون على وزن فاعل وهذا قليل.
وبهذا علمت أن اسم الفاعل من الثلاثي لا يكون مطرداً على وزن فاعل وعليه يكون هذا ضابطاً أغلبياً.
[ وزنة المضارع اسم فاعل
من غير ذى الثلاث كالمواصل ].
زنة اسم الفاعل من غير الثلاثي، وهو الرباعي، والخماسي، والسداسي؛ يكون على وزن المضارع تماماً، مثال ذلك من الرباعي: أكرمَ اسم الفاعل: مكرِم؛ لأن المضارع يكرم.
ودحرج اسم فاعله: مدحرج؛ لأن مضارعه يدحرجُ.
وإذا قلت: اصطفى، فمصطفى اسم فاعل، لأن المضارع يصطفي.
واجتبى اسم الفاعل منه مجتب؛ لأن المضارع يجتبي.
قال المؤلف:
[ مع كسر متلو الأخير مطلقاً
وضم ميم زائد قد سبقا ]
إذا قلنا: يستغفر، فاسم الفاعل مستغفر.
وقوله: (مع كسر متلو الأخير مطلقاً).
الذي يتلوه الأخير هو ما قبل الأخير، فيكون مكسوراً.
وقوله: (وضم ميم زائد قد سبقا).
يعني: سبق الحروف، فالميم في أوله.
إذاً: زد ميماً مضمومة واكسر ما قبل الآخر، واستمر على هذه القاعدة: واصل مُواصل، طارد مُطارد، داهن مُداهن، وعلى هذا فقس.
فصار وزنه وزن المضارع إلا أنه يكون بدل حرف المضارعة ميماً مضمومة، ويكسر ما قبل الآخر على كل حال.
[ وإن فتحت منه ما كان انكسر صار اسم مفعول كمثل المنتظر ].
إذا أردت أن تصيغ اسم المفعول من الزائد على الثلاثة فافتح ما قبل الآخر، وهو ما كان مكسوراً في اسم الفاعل، مثاله:منتظِر منتظَر، مكرِم مكرَم، مستخرِج مستخرَخ.
قال:
[ وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد
زنة مفعول كآت من قصد ]
اسم المفعول الثلاثي مطرد على زنة مفعول، تقول: ضُرِبَ فهو مضروب، وأُكل فهو مأكول، خرجَ مخروج، تقول: هذا الباب مخروج منه.
دخل مدخول، تقول: البيت مدخول.
وقوله: (كآت من قصد).
(آتٍ): يعني: كاسم المفعول الآتي من قصدَ، وهو مقصود.
[ وناب نقلا عنه ذو فعيل
نحو فتاة أو فتى كحيل ]
(ناب عنه): أي: عن اسم المفعول في الثلاثي.
قوله: (
نحو فتاة أو فتى كحيلِ)
وهذا كثير في اللغة العربية، فكحيل بمعنى: مكحول، وقتيل بمعنى: مقتول، وذبيح بمعنى: مذبوح، وليد بمعنى: مولود.
قال:
[ صفة استحسن جر فاعل معنى بها المشبهة اسم الفاعل ]
هذا تعريف لحكمها وعملها، أما تعريفها حقيقة: أنها كل صفة تدل على الثبوت والاستمرار فيمن اتصف بها.
وقوله: (استحسن جر فاعل معنى بها).
إنما قال: (فاعل معنى)؛ لأن بعض الجر لا يكون فاعلاً، ويكون مضافاً إليه، لكنه في الحقيقة فاعل، تقول: هذا رجل حسنُ الوجه، حسن: مضاف، و(الوجه): مضاف إليه، لكن في المعنى: حسن وجهه، ولهذا قال: معنى بها.
(صفة): مبتدأ، والمشبهة: خبر.
(اسم الفاعل): مفعول للمشبهة.
والمعنى هذه هي الصفة المشبهة لاسم الفاعل، والتي يحصل بها جر الفاعل بالمعنى.
[ وصوغها من لازم لحاضر
كطاهر القلب جميل الظاهر ]
(صوغ): مبتدأ، و(من لازم): خبره، يعني: لا تصاغ إلا من الفعل اللازم الذي لا يتعدى، وقد سبق لنا أن الأفعال منها لازم، ومنها متعدٍ، وأن علامة الفعل المعدى أن تصل ها غير مصدر به نحو عمل، أي: على نكرة.
وهي تصاغ من الفعل اللازم للحاضر، دون الماضي والمستقبل، مثالها: (طاهر القلب) ليست اسم فاعل، لكنها صفة مشبهة؛ لأن المقصود بها الثبوت والاستمرار، وليس المقصود: أننا غسلنا قلبه حتى طهر.
إنما المقصود أن قلبه نقي من الحقد والحسد والغل، وجسمه سليم من العيوب، ولهذا قال: (جميل الظاهر)، فيكون حسناً في ظاهره وباطنه.
(القلب) فاعل في المعنى، إذ إن المعنى: طهُر قلبه، وجميل الظاهر معناه: جَمُل ظاهره.
وقال:
[ وعمل اسم فاعل المعدى
لها على الحد الذي قد حدا ]
هذه من الغرائب أنها تصاغ من اللازم، ثم تعمل عمل اسم فاعل معدى، يعني: أنها قد تنصب، لكنها لا تنصب على المفعولية لكونها من اللازم، وإنما تنصب على التشبيه بالمفعول به.
(على الحد الذي قد حدا).
أي: نقيس على الثلاثي.
قال ابن عقيل :
[قد سبق أن المراد بالصفة ما دل على معنى وذات، وهذا يشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأفعل التفضيل، والصفة المشبهة.
وذكر المصنف أن علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها نحو: حسن الوجه ومنطلق اللسان، وطاهر القلب مرفوع بطاهر وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات، فلا تقول: زيد ضارب الأب عمراً، تريد: ضارب أبوه عمرا، ولا زيد قائم الأب غداً؛ تريد: زيد قائم أبوه غداً، وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه فتقول: زيد مضروب الأب، وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة].
فاسم الفاعل لا يمكن أن يجر فاعله، فلا تقول: زيد ضارب أبيه عمراً، وإذا أردت أن أخبر عن زيد بأن أباه ضرب عمراً، أقول: زيد ضاربٌ أبوه عمراً.
وتقدم لنا أن اسم المفعول قد يضاف إلى فاعله، كمحمود المقاصد الورع، وقلنا فيما سبق: إن هذا مستثنى من قوله:
[ وكل ما قرر لاسم فاعل
يعطى اسم مفعول بلا تفاعل ]
قال ابن مالك رحمه الله تعالى:
[ وصوغها من لازم لحاضر
كطاهر القلب جميل الظاهر ]
قال ابن عقيل رحمه الله:
[يعني: أن الصفة المشبهة لا تصاغ من فعل متعد فلا تقول: زيد قاتل الأب بكرا، تريد: قاتل أبوه بكراً، بل لا تصاغ إلا من فعل لازم نحو: طاهر القلب وجميل الظاهر].
اسم الفاعل يصاغ من المتعدي كثيراً، تقول: أنا آكل الطعامَ، أنا لابس الثوب، أنا داخل المسجد. أما الصفة المشبهة فلا تصاغ أبداً من المتعدي، فلا يصح أن تقول: فلان لابس الثوبِ، لأنك لو قلت: لابس الثوبِ صارت مضافةً إلى إلى المفعول.
قال ابن عقيل :
[ ولا تكون إلا للحال وهو المراد بقوله: (لحاضر) فلا تقول: زيد حسن الوجه غدا أو أمس ].
ونبه بقوله:
(كطاهر القلب جميل الظاهر).
على أن الصفة المشبهة إذا كانت من فعل ثلاثي تكون على نوعين:
أحدهما: ما وازن المضارع نحو: طاهر القلب، وهذا قليل فيها.
والثاني: ما لم يوازنه وهو الكثير، نحو: جميل الظاهر، وحسن الوجه، وكريم الأب، وإن كانت من غير ثلاثي وجب موازنتها المضارع نحو: منطلق اللسان].
[ وعمل اسم فاعل المعدى
لها على الحد الذي قد حدا ]
قال ابن عقيل : [أي: يثبت لهذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدي، وهو الرفع والنصب، نحو: زيد حسن الوجه، ففي (حسن) ضمير مرفوع هو الفاعل، والوجه منصوب على التشبيه بالمفعول به، لأن حسناً شبيه بضارب فعمل عمله.
وأشار بقوله:
(على الحد الذي قد حدا).
إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذي سبق في اسم الفاعل، وهو أنه لا بد من اعتمادها، كما أنه لا بد من اعتماده].
قال ابن مالك :
[ وسبق ما تعمل فيه مجتنب
وكونه ذا سببية وجب ]
معنى مجتنب: لا يجوز، فلا تقول: جاء الوجه الحسن، حتى لو كان الوجه منصوباً وذلك لضعفها، بخلاف اسم الفاعل فإنه يجوز تقديم مفعوله، فتقول: أنا زيداً ضارب غداً.
وقوله:
(وكونه ذا سببية وجب).
أي: يجب أن يكون معمولها ضمير يعود عليها، نحو: زيد حسن وجهه، ولا تعمل في أجنبي، فلا تقول: زيد حسن عمراً.
ثم قال:
[ فارفع بها وأنصب وجر مع أل
ودون أل مصحوب أل وما اتصل ]
يعني: أنه إذا كان معمولها مصحوباً بأل جاز فيه ثلاثة أوجه، سواء كانت هي مسبوقة بأل أم غير مسبوقة.
فمصحوب أل هنا تنازع فيه العوامل الثلاثة: ارفع، وانصب، وجر.
أما قوله:
(مع أل ودون أل) فهذا يعود إلى الصفة نفسها، مثال ذلك: تقول في الرفع: الحسنُ الوجه.
وتقول في النصب: جاء الحسن الوجهَ.
وتقول في الجر: جاء الحسن الوجهِ.
والصفة المشبهة في كل ذلك مصحوبة بأل.
وقوله: (ودون أل)، مثاله: جاء حسن الوجهُ، جاء حسن الوجهَ، جاء حسن الوجهِ، ولهذا قال: مصحوب أل، وما اتصل بها مضافاً أو مجرداً)، يعني: وكذلك أيضاً: ارفع بها، وانصب، وجر ما اتصل بها مضافاً، أو مجرداً، أي: مضافاً إلى مصحوب أل، أو مجرداً من الإضافة.
قال ابن مالك :
[ بها مضافاً او مجرداً ولا
تجرر بها مع أل سما من أل خلا
ومن إضافة لتاليها وما
لم يخل فهو بالجواز وسما ].
قوله:
( ولا تجرر بها مع أل سماً ) معناه: إذا وجدت مقرونة بأل، فلا تجرر بها اسماً خلا من أل.
وهذا مبني على ما سبق في الإضافة أن المقرون بأل لا يضاف إلى خال منها، إلا إذا أضيف هذا الخالي منها إلى مقرون بها هو.
ولهذا قال:
[ ومن إضافة لتاليها وما
لم يخل فهو بالجواز وسما ]
وقوله: ( ما لم يخل )، أي: وجدت فيه أل، فهو بالجواز وسما.
والخلاصة: أنه يجوز في معمولها الرفع على الفاعلية، والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان محلى بأل، وعلى التمييز أو التشبيه بالمفعول به إن كان مجرداً من أل.
أما الجر: فيجوز إن كانت الصفة محلاة بأل، والمعمول محلى بأل، أو مضافاً إلى محلى بأل.
أما إذا كان مجرداً من أل ولم يضف إلى ما فيه أل فإن الجر يكون جائزاً تقول مثلاً: هذا حسنٌ وجه؛ لأنه إذا جردت من أل جاز في معمولها كل الأوجه الثلاثة بدون تفصيل مثل: هذا حسن الوجهِ، هذا حسن الوجهَ.
أما إذا قرنتها بأل فيمتنع الجر إلا إذا كانت أل موجودة في المعمول، أو كان المعمول مضافاً لما فيه أل.
قال ابن عقيل :
[لما كانت الصفة المشبهة فرعا في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه، فلم يجز تقديم معمولها عليها كما جاز في اسم الفاعل، فلا تقول: زيد الوجه حسن، كما تقول: زيد عمراً ضارب، ولم تعمل إلا في سببي نحو: زيد حسن وجهه، ولا تعمل في أجنبي فلا تقول: زيد حسن عمراً، واسم الفاعل يعمل في السببى والأجنبي نحو: زيد ضارب غلامه، وضارب عمراً].
قال ابن مالك :
[ فارفع بها وأنصب وجر مع أل
ودون أل مصحوب أل وما اتصل
بها مضافا أو مجرداً ولا
تجرر بها مع أل سما من أل خلا
ومن إضافة لتاليها وما
لم يخل فهو بالجواز وسماً ]
قال ابن عقيل : [ الصفة المشبهة إما أن تكون بالألف واللام نحو: الحسن، أو مجردة عنهما نحو: حسن، وعلى كل من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستة:
الأول: أن يكون المعمول بأل نحو: الحسن الوجه، وحسن الوجه.
الثاني: أن يكون مضافا لما فيه أل نحو: الحسن وجه الأب، وحسن وجه الأب.
الثالث: أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف نحو: مررت بالرجل الحسن وجهه، وبرجل حسن وجهه.
الرابع: أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: مررت بالرجل الحسن وجه غلامه، وبرجل حسن وجه غلامه.
الخامس: أن يكون مجرداً من أل دون الإضافة نحو: الحسن وجه أب، وحسن وجه أب.
السادس: أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة نحو: الحسن وجهاً، وحسن وجهاً.
فهذه اثنتا عشرة مسألة والمعمول في كل واحدة من هذه المسائل المذكورة: إما أن يرفع، أو ينصب، أو يجر
فيتحصل حينئذ ست وثلاثون صورة.
وإلى هذا أشار بقوله: (فارفع بها) أي بالصفة المشبهة، (وانصب وجر مع أل) أي: إذا كانت الصفة بأل نحو: الحسن، (ودون أل) أي: إذا كانت الصفة بغير أل نحو: حسن، (مصحوب أل) أي: المعمول المصاحب لأل نحو: الوجه، و(ما اتصل بها مضافا أو مجرداً) أي: والمعمول المتصل بها -أي: بالصفة- إذا كان المعمول مضافاً، أو مجرداً من الألف واللام والإضافة.
ويدخل تحت قوله: (مضافاً) المعمول المضاف إلى ما فيه أل، نحو: وجه الأب، والمضاف إلى ضمير الموصوف نحو: وجهه، والمضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو: وجه غلامه، والمضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو: وجه أب.
وأشار بقوله: (ولا تجرر بها مع أل ... إلى آخره) إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز، بل يمتنع منها إذا كانت الصفة بأل أربع مسائل:
الأولى: جر المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف نحو: الحسن وجهه.
الثانية: جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو: الحسن وجه غلامه.
الثالثة: جر المعمول المضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو: الحسن وجه أب.
الرابعة: جر المعمول المجرد من أل والإضافة نحو: الحسن وجه.
فمعنى كلامه:
(ولا تجرر بها) أي: بالصفة المشبهة إذا كانت الصفة مع أل اسما خلا من أل أو خلا من الإضافة لما فيه أل، وذلك كالمسائل الأربع.
وما لم يخل من ذلك يجوز جره كما يجوز رفعه ونصبه، كالحسن الوجه، والحسن وجه الأب، وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير أل على كل حال].
والحقيقة أن كلامه رحمه الله في الصفة المشبهة كلام طويل أشبه بتمرين الطالب؛ لأن مثل هذه المسائل تجيء في كلام العرب، يعني: كأنهم يريدون بذلك تمرين الجهلة.
والغالب أنه إذا جاءت الصفة المشبهة أن معمولها يكون مضافاً إلى ضمير الموصوف بها، فتقول: الحسن الوجه.
أو إلى محلى بأل مثل: الطاهر القلب.
ثم إن الغالب أيضاً أنه إذا كان محلى بأل؛ أي: المعمول، فإنه يكون مجررواً، وإذا كان مضافاً إلى الضمير، فإنه يكون مرفوعاً، تقول: الطاهرِ قلبهُ، والطاهر القلبِ، ولا تقول: الطاهر القلبُ، وإن كان جائزاً لكنه غالباً لا يكون.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [45] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net