اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك[51] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا مع ضمير طابق الموكدا ].
يقال: التوكيد، ويقال: التأكيد، والتوكيد أفصح؛ لأنه الذي ورد في القرآن، قال الله تعالى: وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا [النحل:91].
ومعناه: التقوية، وهو نوعان: لفظي ومعنوي، فاللفظي تكرار اللفظ، مثل أن تقول للرجل: احرص على العلم احرص على العلم، وقد يكرر ثلاثاً كما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم -كررها ثلاثاً- حتى قال له أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟).
وأما المعنوي فذكره المؤلف في قوله:
(بالنفس أو بالعين الاسم أكدا).
الاسم: مبتدأ، وجملة (أكدا) خبره، و(بالنفس أو بالعين) هذا متعلق بأُكدا.
والمؤلف رحمه الله معلم حتى بالتعبير، فقد قال في الترجمة: (التوكيد) وقال في البيت: (أكدا) ولم يقل: وكد، ما جاء بها بالواو مع أنه لو جاء بالواو لاستقام الوزن، لكن كأنه يقول: يجوز بالهمز ويجوز بالواو.
وقوله: (بالنفس أو بالعين) يؤكد الاسم بالنفس ويؤكد بالعين، فتقول: أكرمت زيداً نفسه، فـ(نفسه) تأكيد، والفائدة من التأكيد أمران: التقوية، ونفي احتمال المجاز؛ لأنك إذا قلت: أكرمت زيداً، فيحتمل أنك أكرمت والده أو قريبه أو غلامه، أو رسوله الذي أرسله إليك، فإذا قلت: نفسه، يزول هذا الاحتمال.
والعين كأن تقول: رأيت زيداً عينه، فعين هنا بمعنى (نفس) وهي توكيد، والإعراب:
أكرمت: فعل وفاعل.
زيداً: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
نفسه: توكيد لزيد منصوب بالفتحة الظاهرة، ونفس مضاف والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر.
لكن اعلم أنه ليس الأمر كلما جاءت النفس والعين فهي للتوكيد، فقد تكون لغير التأكيد، كما لو قلت: أزهقت زيداً نفسه، فهذه تكون بدلاً أو عطف بيان؛ لأنك لم ترد أن تؤكد زيداً بالنفس، وإنما تريد أن تبين ما وقع عليه الفعل، وكذلك تقول: فقأت زيداً عينه، فتعرب عينه بدل بعض؛ لأنه معلوم أن زيداً نفسه لا يفقأ.
واشترط المؤلف فقال: (مع ضمير طابق المؤكدا)، فلابد أن يكون في النفس والعين ضمير يطابق المؤكد، تقول: أكرمت زيداً نفسه، ولا يجوز: أكرمت زيداً نفسها.
ويجوز: أكرمت الرجلين نفسهما؛ لأن المؤلف لم يقل لنا: إنه يجب أن يكون المؤكِّد مطابقاً للمؤكَّد، وإنما قال: (مع ضمير طابق المؤكدا).
ويجوز: أكرمت الرجال نفسهم، لأن الضمير مطابق، لكن بين المؤلف في قوله:
(واجمعهما بأفعل إن تبعا ما ليس واحداً تكن متبعاً)
أن النفس أو العين تأتي على وزن (أفعل) إذا كان المؤكد غير المفرد، فنفس تكون (أنفس)، وعين تكون (أعين).
إذاً: المؤلف بين لنا غير ما يفهم من كلامه الأول، بين لنا أنهما يجمعان مع غير المفرد، وكلامه يشمل المثنى والجمع، فتقول: جاء الرجلان أنفسهما، لكن لا يجوز: جاء الرجلان أنفسهم؛ لعدم مطابقة الضمير.
ويجوز: جاء الرجال أنفسهم، وجاءت النساء أنفسهن.
إذاً: فهمنا الآن أن التوكيد بالنفس وبالعين لابد أن يشتمل على ضمير يطابق المؤكد مطلقاً، أما العين والنفس فإنها في المفرد لابد أن تكون مفردة وفي الجمع لابد أن تكون مجموعة.
إذا أكد المثنى بالنفس أو بالعين فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه:
الأفصح الجمع، ثم الإفراد، ثم التثنية.
تقول: جاء الرجلان أنفسهما، وجاء الرجلان نفسهما، وجاء الرجلان نفساهما.
وإذا قال قائل: كيف يصح أن نقول: نفسهما مع أنهما اثنان ونفس واحدة؟ فنقول: لأنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يكون للعموم.
[واجمعهما بأفعل إن تبعاما ليس واحداً تكن متبعا]
وجه الجمع: هو أن المثنى يفيد التعدد فإن قلنا: إن أقل الجمع اثنان، فلا إشكال.
وإن قلنا: إن أقل الجمع ثلاثة، فإنها تجمع؛ لئلا تجتمع علامتا تثنية فيما هو كالكلمة الواحدة؛ فأن الآن يقول: جاء الرجلان أنفسهما، أخف على اللسان من: جاء الرجلان نفساهما.
قوله: (إن تبعا ما ليس واحداً تكن متبعاً)
أي: تكن متبعاً للعرب، ويجوز: تكون متبعاً للنحويين الذين أصدروا هذه الأحكام بمقتضى اللغة العربية.
[وكلاً اذكر في الشمول وكلا].
يؤكد بـ (كل) إذا أريد الشمول، ومعنى الشمول: أنه لا يؤكد إلا ما له أفراد متباينة مثل القوم، فتقول: جاء القوم كلهم.
أما إذا كان لا يتجزأ فإنه لا يؤكد بكل؛ لأن احتمال المجاز فيه غير وارد.
إذاً: الشمول لا يكون إلا فيما تعددت أجزاؤه أو أفراده، أما ما لا يمكن فيه التعدد فلا يؤكد بكل.
فلو قلت: جاء زيد كله، لا يصح؛ لأن أجزاءه لا يمكن أن ينفرد بعضها عن بعض في المجيء، فلا يمكن أن يأتي رأسه بمفرده، ولا يده بمفردها.
ولو قلت: أعتقت العبد كله. يمكن لأن له أجزاء لكنها مشاعة، فيمكن أن تعتق أجزاء وأجزاء لا تعتق.
وإذا قلت: أكلت الخروف كله. يصلح لأنه يمكن تجزئته.
قوله: (وكلا كلتا) يؤكد أيضاً بكلا وكلتا، لكن لا يؤكد بهما إلا المثنى، فتقول: قام الرجلان كلاهما، ورأيت المرأتين كلتيهما.
إذاً: كلا وكلتا للشمول لكن خاصتان بالمثنى، وكل للجمع.
قال: (جميعاً) أيضاً يؤكد بها، ويحتمل إن قوله: (جميعاً) يعود على كل وكلا وكلتا، يعني: كل هذه الثلاثة لابد أن توصل بالضمير.
ولا شك أن جميع يؤكد بها، فتقول: جاء القوم جميعهم، لكنها إذا لم تضف صارت حالاً لا توكيداً، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] هذه حال؛ لأنها لم توصل بالضمير.
فإذا وصلت بضمير المؤكد صارت توكيداً، تقول: جاء القومُ جميعُهم، ورأيت القومَ جميعَهم، ومررت بالقومِ جميعِهم.
وقوله: (بالضمير موصلاً) يعود على كل الأربع الكلمات:
كل وكلا وكلتا وجميع، فإن لم يوصل بالضمير لم يقع توكيداً، كما قال الله تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:32]، وقوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ [هود:111] وقوله تعالى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا [الطارق:4]، فكل هنا ليست توكيداً؛ لأنها لم تضف إلى ضمير.
إذاً لا بد أن تضاف إلى ضمير ويسبقها ما يؤكد، فتقول: إن القوم كلهم فاهمون.
والجميع كذلك إذا أضيفت إلى ضمير المؤكد صارت تأكيداً وإلا فهي على حسب العوامل.
وإعراب البيت كما يلي:
(كلاً) مفعول مقدم لاذكر.
(وكلا) معطوفة على كلاً، يعني: واذكر أيضاً كلا. و(كلتا) معطوفة على كلاً.
و(جميعاً) معطوفة عليها لكن بإسقاط حرف العطف من أجل ضرورة الشعر.
(بالضمير) متعلق بقوله: (اذكر)، و(موصلاً) حال مما سبقه، يعني: حال كونه موصلاً بالضمير.
ويحوز أن نقول: (بالضمير) متعلق بقوله: (موصلاً)، وتقدير البيت: واذكر كُلاً وكلا وكلتا وجميعاً في الشمول موصلاً بالضمير. والقاعدة من البيت: أنه يؤكد بكل وكلا وكلتا وجميع مضافة إلى ضمير المؤكد.
[واستعملوا أيضاً ككل فاعلةمن عم في التوكيد مثل النافلة]
قوله: (واستعملوا) أي العرب.
(أيضاً) مصدر آض يئيض، بمعنى: رجع، وهي دائماً محذوفة العامل، فلا يقال: أئيض أيضاً، أي أرجع رجوعاً، وإنما استعملوه دائماً على المفعولية المطلقة أو على المصدرية وعاملها محذوف دائماً.
قوله: (ككلٍ فاعلة من عم) فاعلة يعني: اسم فاعل على وزن فاعلة، من عمَّ، فعم: فعل ماضٍ -وهي غير (عمَّ) التي هي حرف جر واسم استفهام- ومضارعة: يعم، واسم الفاعل منه: عامٌّ، لكن هو يقول: فاعلة، فأدخل التاء على (عام) فتصبح: عامة.
يعني: تعمل (عامة) في مكان (كل)، تقول: جاء القوم عامتهم، وهو بإزاء قولك: جاء القوم كلهم، والمعنى واحد، وكثيراً ما يستعمل شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك فيقول: عامة العلماء على هذا القول.
وغيره أيضاً ممن يذكر الخلاف، يقول: عليه عامة العلماء، أي: كل العلماء، وإن كان الإنسان قد يشعر بأن يوجد خلاف قليل، لكن ليست مثل ما إذا قيل: أكثر العلماء، فهنا الخلاف واضح.
والإعراب: استعملوا: فعل وفاعل.
و(أيضاً): مصدر لعامل محذوف من آض يئيض.
و(فاعلة): مفعول استعملوا.
و(من عمَّ): متعلقة بفاعلة حال، أو صفة.
و(عامة) مثل (جميع) إذا لم تتصل بالضمير تكون غير مؤكدة، كما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (وبعثت إلى الناس عامة) فهي حال.
قوله: (في التوكيد) متعلق باستعملوا، يعني: استعملوا في التوكيد أيضاً (عامة) استعمال (كلٍ)، وعلى هذا فيكون مضافاً إلى ضمير المؤكد.
وقوله: (مثل النافلة)، (مثل) يحتمل أنه مفعول مطلق، أي: استعمالاً مثل النافلة، ويحتمل أن يكون حالاً أي: مشبهاً للنافلة، ومعنى النافلة: الزيادة، كما قال الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79]، يعني: زائدة لك، قال الشارح: إن كثيراً من النحويين لم يذكروها، فيكون الذي ذكرها زائداً على غيره في ذكرها.
وقال بعض المحشين : بل معنى قوله: (مثل النافلة) أي: مثل هذا الوزن، فهي على وزن فاعلة ولو كان المؤكد ذكراً، وهذا الذي ذكره المحشي أحسن مما ذكره الشارح، فالأحسن أن يقول: (مثل النافلة) أي: أنها تلزمها التاء وإن كان المؤكد فيها مذكراً، فتقول: جاء الرجال عامتهم، ولا تقل: عامهم.
وقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79].
نافلة: حال من التهجد، والتقدير: حال كونه نافلة لك، والتهجد مذكر.
ومن الأمثلة قولنا: جاء القومُ عامتُهم، ورأيتُ القومَ عامتَهم، ومررت بالقوم عامِتهم، وكونها مؤكدة للشمول واضح من معناها؛ لأن العموم معناه الشمول، وهي مأخوذة من عمَّ يعُمّ، أي: شمل يشمل فهو شامل.
[وبعد كلٍ أكدوا بأجمعاجمعاء أجمعون ثم جمع]
تقول: جاء القوم كلهم أجمع، وجاءت القبيلة كلها جمعاءُ، وجاء القوم كلهم أجمعون، وجاءت النساء كلهن جمع.
[ودون كل قد يجيء أجمعجمعاء أجمعون ثم جمع]
والحقيقة أنه غريب من ابن مالك ، أن يكرر هذا التكرير، ومعناه: إنهم أكدوا بعد كلٍ ودون كل، لكن دون كلٍ قد يجيء وليس كثيراً، فتقول: جاء الرجال أجمع، وجاءت القبيلة جمعاء، وجاء القوم أجمعون، وجاءت النساء جمع، بدون كل.
قال الشاعر:
يا ليتني كنت صبياً مُرضَعاًتحملني الذلفاء حولاً أكتعا
إذا بكيت قبلتني أربعاًإذاً ظللت الدهر أبكي أجمعا
و(الذلفاء)، قيل: إنها اسم امرأة، وقيل: إن الذلفاء هي المرأة الحسناء.
والشاهد في قوله:
(إذاً ظللت الدهر أبكي أجمعا) حيث أكد بأجمع دون كل، ولم يقل: إذاً ظللت الدهر كله أجمع.
وفي البيت أيضاً شاهد لجواز الفصل بين المؤكِد والمؤكَد، وهو قوله: الدهر أبكي، فأبكي: هذه جملة معترضة، نظيرها في القرآن قوله تعالى: وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [الأحزاب:51] فكلهن ليست توكيداً للضمير الذي في (آتيتهن)، ولكنها توكيد للضمير في قوله (يرضين) ففصل بين المؤكِد والمؤكَد.
قال بعض النحويين: إنها لا تؤكد.
وقال آخرون: إنها تؤكد.
وتوسط المؤلف فقال:
[وإن يفد توكيد منكـور قبلوعن نحاة البصرة المنع شمل]
القاعدة: أنه يجوز أن تُؤكد النكرة إذا كان فيها فائدة، وأما إذا لم يكن فيها فائدة فإنها لا تؤكد، ومنه قول الشاعر:
يا ليت عدة حول كله رجب.
فأكد حولاً بكل، فأفاد أنه يجوز أن تؤكد، ولم يقل: يا ليت عدة الحول كله رجب.
ومنه البيت السابق وهو:
تحملني الذلفاء حولاً أكتعا.
فحولاً هذه نكرة، وأكتع مُؤكِّد له.
وقوله:
(وعن نحاة البصرة المنع شمل)
أي: أنه لا تؤكد النكرة سواء أفادت أم لم تفد.
وعلى هذا فيمنع عند البصريين أن تقول: جلست عندك شهراً كله، وما جاء به السماع فهو عندهم إما شاذ وإما نادر قليل، والشاذ لا يقاس عليه.
أما على رأي ابن مالك وهو الصحيح: أنه إذا وجدت الفائدة من التوكيد فلا مانع، تقول: جلست عندك شهراً كله، أكدته لئلا يظن ظان أنني جلست عندك أكثر الشهر، فيكون في هذا فائدة، فإذا كان فيها فائدة فلا حرج.
[واغن بكلتا في مثنىً وكلا عن وزن فعلاء ووزن أفعلا]
الذي يؤكد بكلا وكلتا ما دل على اثنين، وهو يشمل المثنى، والمفرد إذا عطف عليه مفرد، فتقول:
جاء زيد وعمروٌ كلاهما، أكرمت زيداً وعمراً كليهما، وأكرمت الزيدين كليهما.
وكلتا يؤكد بها المثنى المؤنث.
ومعنى قول ابن مالك : أن كلا وكلتا يغنيان عن وزن فعلاء وهو: جمعاء، ووزن أفعل وهو: أجمع، فبدلاً من أن تقول: جاء الزيدان أجمعهما. تقول: كلاهما.
وكذلك في النساء، رأيت المرأتين كلتيهما، ولا تقول: جمعاويهما مثلاً.
[وإن توكد الضمير المتصلبالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذا الرفع وأكدوا بماسواهما والقيد لن يلتزما]
لما كان في قولنا: هند ذهبت نفسها، يحصل الاشتباه، فكان لابد أن نقول: هند ذهبت هي نفسها، وهند ذهبت هي عينها، ليس فيه اشتباه، فلهذا كان لابد إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين أن تأتي بينه وبين المؤكد بالضمير المنفصل.
فنقول مثلاً: قمت أنت نفسك.
(قمت): فعل وفاعل.
و(أنت): ضمير منفصل مؤكد للضمير المتصل.
و(نفسك): مؤكد آخر للضمير الأول، فهنا يكون المؤكدان اثنين: ضمير أكد ضميراً، ثم جاءت النفس.
فالقاعدة: إذا أكد الضمير المتصل -ومنه المستتر- بالنفس أو بالعين فإنه يجب أن تفصل بين المؤكد والمؤكد بضمير منفصل.
أما إذا أكد بغير النفس والعين فإنه لا يجب فتقول: قمتما كلاكما، التأكيد بكلا، وتقول مثلاً: قمتم كلكم، ولا يجب أن تقول: قمتم أنتم كلكم، إنما هذا خاص بالنفس والعين.
أيضاً هناك خصوص آخر، قال: (عنيت ذا الرفع).
إذاً: إن تؤكد الضمير المتصل المرفوع بالنفس والعين.
فإذا قيل: متى يجب الإتيان بالضمير المنفصل عند تأكيد الضمير المتصل؟ نقول: يجب بشرطين:
أولاً: أن يكون الضمير المؤكد ضمير رفع.
والثاني: أن يكون التأكيد بالنفس أو بالعين.
وقول المؤلف: (فبعد المنفصل) ظاهره أنه لو فصل بغير الضمير المنفصل لم يجز، ولكن بعض النحويين يقول: يجوز أن تفصل بغير الضمير المنفصل، فتقول مثلاً: نزلتم في البيت أنفسكم، نزلتم في البيت أعينكم، لأن المهم أن يكون هناك فاصل بين الضمير المتصل وبين المؤكد وهو النفس والعين.
والخلاصة: إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين وهو مرفوع وجب الفصل بالضمير المنفصل، وقيل: بالضمير المنفصل أو بأي فاصل يكون.
ويفهم من قول المؤلف: (عنيت ذا الرفع) أنه لو أكد الضمير المتصل المنصوب فلا يجب الفصل، فتقول: أكرمتك نفسك، مررت بك عينك.
قال: (وأكدوا بما سواهما والقيد لن يلتزما)
أكدوا: أي العرب؛ لأنهم هم أهل الكلام.
بما سواهما: أي بما سوى النفس والعين.
والقيد هو الفصل بالضمير المنفصل.
لن يلتزما أي: لم يأتوا بضمير منفصل.
وخلاصة البيتين تتضح بالأسئلة الآتية:
أولاً: هل يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين؟
والجواب: يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين.
والثاني: هل يجوز تأكيد الضمير سواء كان منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً بالنفس أو بالعين؟
والجواب: نعم.
والثالث: هل يجب الفصل بالضمير المنفصل إذا أكد الضمير المتصل بالنفس أو بالعين؟
والجواب: في حالة الرفع يجب الفصل، وفي حالتي النصب والجر لا يجب.
[وإن توكد الضمير المتصلبالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذا الرفع وأكدوا بماسواهما والقيد لن يلتزما]
لما كان في قولنا: هند ذهبت نفسها، يحصل الاشتباه، فكان لابد أن نقول: هند ذهبت هي نفسها، وهند ذهبت هي عينها، ليس فيه اشتباه، فلهذا كان لابد إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين أن تأتي بينه وبين المؤكد بالضمير المنفصل.
فنقول مثلاً: قمت أنت نفسك.
(قمت): فعل وفاعل.
و(أنت): ضمير منفصل مؤكد للضمير المتصل.
و(نفسك): مؤكد آخر للضمير الأول، فهنا يكون المؤكدان اثنين: ضمير أكد ضميراً، ثم جاءت النفس.
فالقاعدة: إذا أكد الضمير المتصل -ومنه المستتر- بالنفس أو بالعين فإنه يجب أن تفصل بين المؤكد والمؤكد بضمير منفصل.
أما إذا أكد بغير النفس والعين فإنه لا يجب فتقول: قمتما كلاكما، التأكيد بكلا، وتقول مثلاً: قمتم كلكم، ولا يجب أن تقول: قمتم أنتم كلكم، إنما هذا خاص بالنفس والعين.
أيضاً هناك خصوص آخر، قال: (عنيت ذا الرفع).
إذاً: إن تؤكد الضمير المتصل المرفوع بالنفس والعين.
فإذا قيل: متى يجب الإتيان بالضمير المنفصل عند تأكيد الضمير المتصل؟ نقول: يجب بشرطين:
أولاً: أن يكون الضمير المؤكد ضمير رفع.
والثاني: أن يكون التأكيد بالنفس أو بالعين.
وقول المؤلف: (فبعد المنفصل) ظاهره أنه لو فصل بغير الضمير المنفصل لم يجز، ولكن بعض النحويين يقول: يجوز أن تفصل بغير الضمير المنفصل، فتقول مثلاً: نزلتم في البيت أنفسكم، نزلتم في البيت أعينكم، لأن المهم أن يكون هناك فاصل بين الضمير المتصل وبين المؤكد وهو النفس والعين.
والخلاصة: إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين وهو مرفوع وجب الفصل بالضمير المنفصل، وقيل: بالضمير المنفصل أو بأي فاصل يكون.
ويفهم من قول المؤلف: (عنيت ذا الرفع) أنه لو أكد الضمير المتصل المنصوب فلا يجب الفصل، فتقول: أكرمتك نفسك، مررت بك عينك.
قال: (وأكدوا بما سواهما والقيد لن يلتزما)
أكدوا: أي العرب؛ لأنهم هم أهل الكلام.
بما سواهما: أي بما سوى النفس والعين.
والقيد هو الفصل بالضمير المنفصل.
لن يلتزما أي: لم يأتوا بضمير منفصل.
وخلاصة البيتين تتضح بالأسئلة الآتية:
أولاً: هل يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين؟
والجواب: يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين.
والثاني: هل يجوز تأكيد الضمير سواء كان منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً بالنفس أو بالعين؟
والجواب: نعم.
والثالث: هل يجب الفصل بالضمير المنفصل إذا أكد الضمير المتصل بالنفس أو بالعين؟
والجواب: في حالة الرفع يجب الفصل، وفي حالتي النصب والجر لا يجب.
[وما من التوكيد لفظي يجـيمكرراً كقولك ادرجي ادرجي]
(ما): اسم موصول مبتدأ.
(من التوكيد) جار ومجرور بيان لـ(ما).
(لفظي): خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو، و(يجي) الجملة خبر المبتدأ (ما)، يعني: والذي هو لفظي من التوكيد يكون مكرراً.
أفهمنا المؤلف رحمه الله من هذا أن التوكيد نوعان: -مع أنه لم يذكر التقسيم في أول الكلام- وهما:
توكيد معنوي، وتوكيد لفظي.
فالتوكيد المعنوي: ما كان بالألفاظ السابقة وهي: النفس، والعين، وكل، وأجمع، وأجمعون، وجمع، وجمعاء، وعامة، وكلا، وكلتا.
والتوكيد اللفظي: ما جاء مكرراً، إما بالكلمة أو بالجملة.
فالمثال الذي ذكره ابن مالك : ادرجي ادرجي، الخطاب لأنثى، وهذا مكرر جملة فعلية.
وقد تكون بالكلمة، مثل: قام قام الرجل، وستأتي في كلام المؤلف أيضاً.
وقوله: (مكرراً) سواء كرر باللفظ أو كرر بالمعنى مع اختلاف يسير في اللفظ، ففي قوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:17]، أمهلهم توكيد لمهِّل مع أن الفعل مختلف بعض الاختلاف.
وكذلك أيضاً لو قلتُ: قف قم، أخاطب جالساً فهذا توكيد لفظي؛ لأننا كررنا اللفظ بمعناه، فقم بمعنى: قف.
وكذلك لو قلنا: اقعد اجلس. وإن كان هناك من يجعل الجلوس من القيام والقعود من الاستلقاء؛ لكن هذا التفريق ليس بصحيح، وقد قال النبي عليه السلام: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً).
ويوجد لفظ آخر وهو: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً).
[ولا تعد لفظ ضمير متصـلإلا مع اللفظ الذي به وصل]
يعني: إذا أردت أن تؤكد ضميراً متصلاً تأكيداً لفظياً فلا تعد هذا الضمير المتصل إلا مع لفظه الموصول به.
فإذا أردت أن أؤكد الكاف في أكرمتك، أقول: أكرمتك أكرمتك.
ومررت بك، أريد أن أؤكد الضمير بك تأكيداً لفظياً فأقول: مررت بك بك.
فإذاً يقول: ابن مالك رحمه الله: لا تؤكد الضمير المتصل إلا مع اللفظ الذي به وصل، سواء كان هذا اللفظ فعلاً أو حرفاً، فالحرف مثل: مررت بك بك، والفعل مثل: أكرمتك أكرمتك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[كذا الحروف غير ما تحصلابه جواب كنعم وبلى]
قوله: (كذا الحروف)، يعني: لا تعد الحروف وحدها إلا مع ما اتصلت به، تقول مثلاً: إن زيداً قائمٌ، أريد أن أؤكد (إن) فأقول: إن زيداً إن زيداً قائمٌ.
أما أن أقول: إن إن زيداً قائم، فهذا لا يصلح.
وفي قولي: أتيت من عند صاحبي، أريد أن أؤكد (من) فأقول: أتيت من عند من عند صاحبي.
وقوله: (غير ما تحصلا به جوابٌ) يعني: إلا أحرف الجواب فإنها يجوز أن يؤكد بها لفظاً دون ما اتصل بها، مثل: نعم، وبلى، ولا، وجيرِ، وأجل؛ فهذه كلها أحرف الجواب، فإنها تؤكد لفظاً بدون أن يؤتى بما اتصلت به.
فإذا قال لك رجل: هل فهمت النحو؟
تقول: نعم، نعم.
وإن كنت لم تفهم تقول: لا لا.
فإن قيل: كم حد التكرار؟
نقول: لا تكرر أكثر من ثلاث مرات؛ فإنه شين عند الأدباء، وغير مسموع في اللغة العربية أيضاً.
فإن قيل لك: هل فهمت ألفية ابن مالك وحفظتها عن ظهر قلب؟
فتقول: لا لا لا، لا لا لا؛ لأنه سأل عن حفظها وفهمها.
أو إذا كنت حافظاً فاهماً لها تقول: نعم نعم نعم، نعم نعم نعم.
و(بلى) عرفنا أنه يجاب بها النفي المصدر باستفهام كقولنا: أليس زيدٌ كريماً؟
تقول: بلى.
أليس نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل؟
تقول: بلى بلى بلى.
[ومضمر الرفع الذي قد انفصلأكد به كل ضمير اتصل]
(مضمر) مفعول به لفعل محذوف، وهذا من باب الاشتغال؛ لأن الهاء في (به) هو ضميره، فالعامل مشغول به.
يعني: أن ضمير الرفع المنفصل يؤكد به كل ضمير اتصل، فنبدأ بضمير الرفع، تقول: قمت أنت، (التاء) في قمت ضمير رفع مؤكدة بـ(أنت) و(أنت) ضمير رفع منفصل.
وضمير النصب مثل: رأيتك أنت. فتقول: (رأيت) فعل وفاعل، و(الكاف) مفعول به مبني على الفتح في محل نصب، و(أنت) (أن) ضمير مؤكد للكاف مبني على السكون في محل نصب، والتاء الخطاب.
وضمير الجر، مثل: مررت بك أنت، (فمررت) فعل وفاعل، و(الباء) حرف جر، و(الكاف) ضمير مبني على الفتح في محل جر. و(أنت) أن: ضمير منفصل مبني على السكون في محل جر توكيد للكاف، والتاء حرف خطاب.
ويجوز في ضمير النصب أن يؤكد بضمير نصب منفصل، فتقول: رأيتك إياك، وهذا هو الأصل، وإنما أكد بضمير الرفع توسعاً، وإلا فالأصل أن يؤكد الضمير المنصوب بضمير نصب.
فصار الحاصل عندنا الآن في هذا البيت أنه يجوز توكيد الضمير المتصل بضمير الرفع المنفصل.
وهذا التوكيد لفظي؛ لأن الضمير مرادف للضمير، ولا يضر أن يكون هذا متصلاً وهذا منفصلاً؛ لأن هذا اختلاف لفظ فقط، وأما المعنى فهو واحد.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك[51] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net