اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك[54] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
النداء بالمد هو: طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها.
ثم إن النداء قد يكون حقيقة أو ضمناً، فقوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58] ليس فيه يا أيها الناس احضروا، لكن (حي على الصلاة) هذا نداء ضمني.
والنداء له أحرف معينة جمعها أهل العلم حينما تتبعوا ذلك في اللغة العربية، فله حروف كحروف التنبيه لكنها خاصة بالنداء.
(وللمنادى الناء أو كالناء يا) الناء يعني: البعيد، وأصله النائي بالياء، لكن حذفت الياء لضرورة الوزن.
(أو كالناء) يعني الذي كالنائي، أي: كالبعيد بكونه غافلاً أو ساهياً أو نائماً أو ما أشبه ذلك.
فالناء وشبهه له ياء فتقول: يا فلان! للبعيد بمد الصوت.
كذلك إذا كان غافلاً، مثل طالب من الطلبة يقلب الكتاب ولا ينتبه للمدرس فتقول له: يا فلان، ولو قال لك: أنا عندك قريب تقول: لكنك غافل.
كذلك النائم، نقول: يا فلان قم؛ لأنه كالبعيد في كونه يحتاج إلى مد الصوت. ولهذا يقول: (يا، وأي، وآ، كذا أيا، ثم هيا).
وفي (أي) لغتان ثانيهما: آي، ونضيفها إلى الحروف فتكون ستة.
وقوله: (والهمز للداني ووا لما ندب) فصارت حروف النداء ثمانية: يا وأي وآي، وآ، وأيا، وهيا، وأ، ووا.
وقوله: (الهمز للداني) يعني: القريب، فالهمز للقريب المنتبه.
إذاً: الهمز للداني المنتبه الذي هو غير غافل وغير نائم، تقول: أزيد، ولا يحتاج لمد الصوت لكونه قريباً ومنتبهاً.
واعلم أنه قد ينزل البعيد منزلة القريب، وقد ينزل القريب منزلة البعيد، فقد ينادي الإنسان قريبه وصديقه وهو بعيد بلفظ الهمز كقول الشاعر:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرماً فأجملي.
وقوله: (ووا لمن ندب) (وا) للذي ندب، وأصل الندب الدعاء؛ لكن المندوب عند النحويين هو المنادى المتفجع عليه أو المتوجع منه، فواحد يؤلمه ظهره، فيقول: واظهراه.
وواحد انهدم بيته يقول: وابيتاه!
وآخر ماتت ناقته يقول: واناقتاه! وهذا متفجع عليه.
وإنما اختارت العرب (وا)؛ لأن دلالتها على التوجع ظاهرة جداً؛ لأنها تقال في الأشياء التي توحش أو تؤلم أو ما أشبهها.
وقوله: (أو يا) يعني: ويجوز أن تستعمل يا في الندبة فتقول: يا ظهراه، وهذا كثير في اللغة العامية.
وقوله: (وغير وا لدى اللبس اجتنب).
فيا تستعمل في محل (وا) بشرط ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس فإننا نرجع إلى الأصل وهو (وا).
فالذي يتفجع على ناقته فيقول: واناقتاه، ولو قال: يا ناقتا، فإنه يصح. لكن لو قال: يا ناقتي لا يكون ندبة، إذاً: لا يجوز أن تجعل (يا ناقتي) ندبة لأجل اللبس.
وقوله: (وغير وا) المقصود به (يا).
فانقسمت حروف النداء إلى أقسام.
الأول: ما كان للبعيد.
والثاني: ما كان للقريب.
والثالث: ما كان للندبة.
فالهمزة للقريب، و(وا) للندبة، والباقي للبعيد. و(يا) أيضاً للندبة بشرط ألا يكون هناك لبس.
[ وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى فاعلما ]
وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى من حرف النداء، تقول مثلاً: يا زيد، وتقول: زيد. وسواء كان قريباً أو بعيداً، فتحذف حرف النداء.
وابن مالك يقول: (وغير مندوب)، فإذا قال: واظهراه، واصديقاه، واسيارتاه، وناقتاه، وما أشبه ذلك، نقول: فلا يجوز أن تحذف (وا)، لأنه مندوب.
ووجه ذلك أننا لو حذفنا هذا لم نعلم أن ذلك ندبة، وهو حرف جيء به ليدل على معنى خاص في النداء فلا يجوز أن يحذف، ولو حذفناه لفات هذا الغرض.
قوله: (ومضمر) يعني: المنادى المضمر لا تحذف منه ياء النداء، وظاهر كلام المؤلف أن الضمير ينادى مطلقاً.
وقال بعض النحويين: إن الضمير لا ينادى مطلقاً.
وقال آخرون: ينادى ضمير المخاطب دون غيره، فيقال: يا إياك قد أغثتك، يا إياك قد نفعتك.
ظاهر كلام ابن مالك أنه يجوز نداء ضمير الغائب، ولكن المشهور عدم الجواز.
ولو قيل: بعدم الجواز إلا فيما ورد به السماع لكان وجيهاً، فهو يحفظ ولا يقاس عليه.
وقوله: (وما جا مستغاثاً) كأن تستغيث الله عز وجل فتقول: يا لله للمسلمين.
فـ (يا) تدخل على المستغاث، وتكون اللام مفتوحة فيه، تقول يا لله للمسلمين.
وتقول: يا لرجل المرور لقاطع الإشارة، تستغيث برجل المرور لقاطع الإشارة.
وإعراب: (فاعلما).
(الفاء) حرف عطف، و(اعلما) أصلها (اعلم) فعل أمر مبني على السكون وحرك بالفتح لمناسبة ألف الإطلاق.
قال:
[ وذاك في اسم الجنس والمشار له قل ومن يمنعه فانصر عاذله ]
(وذاك) المشار إليه التعرية، يعني أن حذف حرف النداء في اسم الجنس وفي اسم الإشارة قليل.
مثال ذلك في اسم الجنس، تقول: يا نهار ما أطولك، يا ليل ما أطولك، يا جمل ما أحرنك، وما أشبه ذلك. فاسم الجنس حذف الياء منه قليل، فتقول: ثوبي حجر، واسم الجنس ليس كالعلم الذي يوجه له الخطاب فلذلك لا تحذف منه الياء.
وكذلك في اسم الإشارة تقول: يا هذا ما أغفلك، يصف فلاناً بالغفلة، وحذف الياء قليل، ومنه قول الشاعر:
ذا ارعواء فليس بعد اشتعال الرأس شيباً إلى الصبا من سبيل
الشاهد قوله: (ذا ارعواء) يعني يا هذا، فحذف الياء في اسم الإشارة قليل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز أنه تحذف ياء من اسم الجنس ومن اسم الإشارة، ولكن ابن مالك يقول:
(من يمنعه فانصر عاذله) أي: لائمه، أي: من يقول: إنه لا يجوز حذف ياء النداء في اسم الجنس وفي اسم الإشارة، وجاء أحد يلومه فانصر اللائم.
والحقيقة أن مثل هذا الترتيب يعتبر في البلاغة تعقيداً؛ لأنك لا تكاد تفهم المعنى منه.
لكن ضرورة الشعر تلجئه رحمه الله إلى أن يقول مثل هذا الكلام.
النداء بالمد هو: طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها.
ثم إن النداء قد يكون حقيقة أو ضمناً، فقوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58] ليس فيه يا أيها الناس احضروا، لكن (حي على الصلاة) هذا نداء ضمني.
والنداء له أحرف معينة جمعها أهل العلم حينما تتبعوا ذلك في اللغة العربية، فله حروف كحروف التنبيه لكنها خاصة بالنداء.
[ وابن المعرف المنادى المفردا على الذي في رفعه قد عهدا ]
بدأ المؤلف رحمه الله بأحكام المنادى الآن، والأحكام أهم من الأدوات، فبدأ المؤلف بحكم المبني فقال: (وابن المعرف المنادى المفردا) يعني: إذا ناديت اسماً معرفاً مفرداً فابنه على الذي في رفعه قد عهدا، يعني: قد علم.
وليس المراد بالمفرد ما يقابل الجمع والتثنية، إنما المراد به ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، فالمفرد يبنى على ما يرفع به، ولهذا قال: (على الذي في رفعه قد عهدا) يعني على الذي قد عهد في رفعه.
فما دل على واحد يبنى على الضم، وما دل على اثنين يبنى على الألف، وما دل على جمع يبنى على الواو.
فالقاعدة: إذا كان المنادى معرفة مفرداً وجب بناؤه على ما يرفع به، مثل: زيد؛ إذا ناديناه نقول: يا زيد.
وعلم من قول المؤلف (وابن) أنه لا ينون؛ لأن الضمة ضمة بناء لا إعراب. وتقول: يا زيد، يا بكرُ، يا عليُ، يا جعفرُ، ولرجل معين تقول: يا رجلُ.
إذاً نبنيه على الضم بدون تنوين؛ لأن المبني لا ينون إلا تنوين العوض كما مر.
وتنادي اثنين تقول: يا زيدان، يا بكران، يا عمران، يا خالدان.
ويا رجلان، إذا قصدت رجلين معينين، ويسمى هذا النكرة المقصودة، فرجل نكرة، لكنه لما كان مقصوداً صار كالمعرفة.
وتنادي جمع المذكر السالم فتقول: يا مسلمون، يا قانتون، يا صالحون، يا متعلمون، وما أشبه ذلك.
[وانو انضمام ما بنوا قبل النداوليجر مجرى ذي بناء جددا ]
إذا كان المنادى مبنياً على الضم من قبل أن ينادى فننوي ضمة جديدة غير الضمة الأولى.
وقوله: (وانو انضمام ما بنوا قبل الندا) يعني معناه: لا تبنيه على الضم، فإذا نادينا هذا نقول: يا هذا، فلا نضمه، أو يا من يقول للشيء كن فيكون. لا نقول: يا منُ، ولا نقول: يا هذو، بل نبقيها على ما كانت عليه.
ولو ناديت واحداً وسميته (حيثُ) وهي مبنية على الضم، تقول: يا حيثُ، فتقول في إعرابها: (يا) حرف نداء، و(حيث) منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة البناء.
وإعراب (هذا) من (يا هذا): منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء؛ لأن هذا البناء الذي حصل بالنداء بناء جديد عارض طارئ.
قوله: (وليجر مجرى ذي بناء جددا) يعني هذا الذي كان مبنياً إذا ناديناه حكمنا عليه بحكمه لو كان مبنياً من أجل النداء، وهو البناء المجدد.
فيتبين لنا من الكلام الأول أن هذا المبني على سكون أو ضم أو كسر ينوى ضمه، فإذا ناديت امرأة يسمونها حذامِ قلت: يا حذامِ.
وحذام امرأة مشهورة بقوة البصر، يقال: إنها ترى من مسيرة ثلاثة أيام، وإنها قالت لقومها ذات يوم: يا قوم جاءكم القوم، فنظروا فإذا هو لا يوجد أحد، وكان الأعداء قد قطعوا شجراً، وجعلوا مع كل واحد منهم شجرة، فلم تفطن لهم فغاروا على الحي وقتلوها.
(والمفرد المنكور والمضافا وشبههه انصب عادماً خلافا)
يعني: وانصب النكرة، والمراد بالمفرد هنا ما ليس مضافاً ولا شبهه، والمفرد النكرة ينصب، ولهذا قال: (انصب)، فتقول مثلاً: يا رجلاً أنقذ فلاناً، وذلك مثل قول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي؛ ما قصد رجلاً معيناً إنما قصد أي رجل من الرجال، فيكون نكرة فينصب بالفتح، فتقول: يا رجلاً افعل كذا وكذا؛ تخاطب أي رجل.
وتقول أيضاً: يا طالباً كن مجداً تخاطب أي طالب، فيكون منصوباً.
وتقول: يا مسلمين؛ لا تخاطب مسلمين معينين.
وقوله: (والمضافا) فالمضاف أيضاً ينصب عند النداء مثل: يا عبد الله، تقول: (يا) حرف نداء، و(عبد) منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، و(عبد) مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل).
ومثله أيضاً: (يا عبادي) في قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53].
وتقول أيضاً: يا غلام زيد أقبل، فـ (الياء) حرف نداء و(غلام) منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، و(غلام) مضاف و(زيد) مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.
قال: (وشبهه انصب عادماً خلافاً)
شبه المضاف: هو ما تعلق به شيء من تمام معناه: إما أن يكون فاعلاً، أو مفعولاً به أو مجروراً، تقول: يا كريماً أبوه أقبل، (كريماً) هنا منادى معين لكنه شبيه بالمضاف؛ لأنه تعلق به شيء من تمام معناه والمتعلق به هنا فاعل.
ومثال المفعول به يا بائعاً ثوبه، هذا تعلق به شيء من تمام معناه مفعولاً به، ومثله: يا طالعاً جبلاً، فـ (طالعاً) هذه نكرة معينة مراده، لكنه تعلق به شيء من تمام معناه فصار شبيهاً بالمضاف.
أما المجرور فتقول: يا لطيفاً بالعباد كن بي لطيفا، فـ (لطيفاً) هذه نكرة مقصودة موجهة إلى الله عز وجل، لكن (بالعباد) تعلق بها ليتمم معناها وهو مجرور بحرف الجر.
وإذا قلت: يا قارئاً كتابه تأمله، التعلق هنا بالمفعول.
ولو قلت: يا قارئ الكتاب، أصبح مضافاً وليس شبيهاً بالمضاف فلهذا يقولون: إن هذا شبيه بالمضاف. وقولك: يا كريماً أبوه، مثل قولك: يا كريم الأب، فهو شبيه بالمضاف تماماً، وعلى هذا فقس.
فصار الذي ينصب ثلاثة أشياء هي النكرة غير المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف. وشيئان يبنيان على ما يرفعان به وهما: العلم، والنكرة المقصودة.
قال: (وشبهه انصب عادماً خلافا) فـ (عادماً) حال من فاعل (ينصب)، و(خلافاً) مفعول لعادم، يعني كأن ابن مالك رحمه الله يقول: إن العرب أجمعوا على أن هذه الثلاثة تنصب.
[ونحو زيد ضم وافتحن نحو أزيد بن سعيد لا تهن
والضم إن لم يل الابن علما أو يلي الابن علم قد حتما ]
زيد علم، فهو معرف يستحق البناء على الضم، فتقول: يا زيدُ، لكن إذا كان بعد همزة النداء وبعده كلمة (ابن) أو (ابنة) وبعده علم يقول المؤلف: يجوز في زيد الضم والفتح.
مثاله: أزيد بن سعيد، فـ (الهمزة) حرف نداء، (زيد) منادى مبني على الضم في محل نصب، ويجوز أن نقول: الهمزة حرف نداء، وزيد: منادى منصوب على النداء وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، ولهذا قال: (ضم): أي: على أنه مبني، (وافتحن) أي: على أنه منصوب.
إذاً: إذا وجد علم وبعده (ابن) وبعده علم فإن العلم الأول يجوز فيه البناء على الضم والنصب.
و(ابن) منصوب على كل حال، و(ابن) مضاف و(سعيد) مضاف إليه.
فإن قال قائل: لِمَ لم يتكلم على حكم (ابن)؟
نقول: قد تكلم على حكمها في عموم قوله: (والمضافا) ولا خلاف في هذا فيكون منصوباً بالفتحة.
لو فرضنا أن الاسم الأول ليس علماً فحكمه وجوب البناء، مثل: يا غلام ابن زيد، فغلام ليس علماً، فإذا كان الذي قبل (ابن) ليس بعلم فيبنى على الضم، وإذا كان الذي بعد (ابن) ليس بعلم فإنه كذلك يبنى على الضم.
وهل يجوز أن نقول: يا زيدَ صاحبَ زيد؟
لا يجوز؛ لأنه لا يوجد (ابن) بين علمين، وإذا قلنا: يا زيدُ صاحب عمرو، فإنه يتعين في زيد البناء على الضم، ولا يجوز أن نقول: يا زيدَ صاحب عمرو؛ لأنه ليس عندنا (ابن) بين علمين .
قوله: (أزيد بن سعيد) إعرابه على الضم واضح:
الهمزة: حرف نداء.
زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب.
ابن سعيد: صفة لزيد منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.
قالوا: ويجوز أن تعربه منادى مستقلاً، لكن إذا أعربته منادى مستقلاً لم يجز في الأول إلا الرفع فتقول: أزيد يا ابن سعيد لا تهن، لكن هنا نريد أن نعربه على أنه صفة لزيد.
فإذا بنينا زيداً على الفتح وقلنا: أزيدَ بن سعيد، فنقول: الهمزة: حرف نداء.
زيد: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اتباعه لصفته في محل نصب.
فزيد ليس منصوباً وفيه قول أنه مبني وما بعده على الفتح وتلغى كلمة ابن، لكن الإعراب الصحيح أن نقول: زيد منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اتباعه لصفته؛ أي: متبعاً لها بالفتح فقط.
فصارت فتحته فتحة إتباع لا إعراب.
[ واضمم أو انصب ما اضطراراً نونا مما له استحقاق ضم بينا ]
قوله: (واضمم أو انصب).
(أو) هنا للتخيير، ومعنى (اضمم): أي: ابنِ على الضم، وقوله: (أو انصب) أي: أعربه بالفتح نصباً.
(ما): اسم موصول مفعول اضمم أو انصب، وفيه تنازع، والمعروف أنه في مثل هذا يكون مفعولاً للثاني.
اضطراراً: مفعول من أجله، عامله (نونا)، والألف فيه للإطلاق، أي: اضمم أو انصب ما نون اضطراراً، أي: للضرورة.
فإذا جاء الاسم مستحقاً لبنائه على الضم، واضطر الشاعر إلى أن ينونه فإنه يجوز أن ينصبه، ويجوز أن يضمه، أي: أن تعربه على أنه مبني على الضم في محل نصب، أو تنصبه على أنه منادى منصوب، فشمل قول المؤلف: (ما اضطراراً نونا مما له استحقاق ضم) المنادى الذي يبنى على الضم لكونه علماً، فإنه يجوز فيه أن تقول في إعرابه: إنه منصوب بياء النداء مثلاً، أو مبني على الضم ونون للضرورة، مثاله قول الشاعر:
سلام الله يا مطرٌ عليها وليس عليك يا مطرُ السلام
الشاهد في الأول: (سلام الله يا مطرٌ)، وكان عليه أن يقول: (يا مطرُ)، لكن نونه لضرورة الشعر؛ لأنه لو لم ينونه لانكسر البيت، فنونه للضرورة.
الثاني: (وليس عليك يا مطرُ)، هذا على الأصل؛ لأنه ليس فيه تنوين.
وعليه فيجوز أن أقول: سلام الله يا مطراً عليها، وسلام الله يا مطرٌ عليها؛ لأن ابن مالك خيرنا: (اضمم أو انصب)، وإنما جاز النصب لأنه لما دخله التنوين صار كأنه غير مقصود، فإن النكرة المقصودة تبنى على الضم، والنكرة غير المقصودة حكمها النصب، وعلى هذا فيجوز في الإعراب كما يأتي:
سلام الله: سلام: مبتدأ، وهو مضاف إلى اسم الجلالة.
يا: حرف نداء.
مطر: منادى مبني على الضم في محل نصب، ونون للضرورة.
عليها: جار مجرور خبر سلام.
ويجوز أن أقول: سلام الله يا مطراً عليها، وإعرابه:
يا: حرف نداء.
مطراً: منادى منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.
ففي باب الضرورة إن شاء الإنسان نصب وإن شاء رفع.
قوله: (مما له استحقاق ضم بينا) ذكر المؤلف سابقاً أن المنادى المفرد يبني على ما يرفع به، وهنا استثنى المثنى وجمع المذكر السالم، فما قال: على ما يرفع به؛ لأن الكلام على ما يستحق البناء على الضم، أما الجمع فهو يبقى على ما هو عليه، وكذلك المثنى.
مثال آخر: قول الشاعر:
ضربت صدرها إلي وقالت يا عدياً لقد وقتْك الأواقي
فقال: يا عدياً لقد وقتك الأواقي، وكان عليه أن يقول لولا الضرورة: يا عديُ؛ لأنه علم.
فالحاصل: أن ما يبنى على الضم يجوز أن ينون لضرورة الشعر، وإذا نون جاز أن يبقى على ضمه، وجاز أن ينصب.
[ وباضطرار خص جمع يا وأل إلا مع الله ومحكي الجمل ]
تقدم أنه يجوز حذف أداة النداء، لكن لا تجمع أداة النداء مع (أل)، فلا يقال: يا النبي, ولا يا الرجل، إلا في اسم الله تعالى، وما سمي به من الجمل، وإذا دعت الضرورة، والضرورة عند النحويين هي الشعر.
قوله: (إلا مع الله) فلفظ الجلالة (الله) اختص بجواز جمع ياء مع أل، مثل: يا الله، قالوا: وهنا تكون همزتها همزة قطع، (يا ألله)، ويجوز أن تجعلها همزة وصل، لكن الأفصح أنها تقطع.
قوله: (ومحكي الجمل) يعني: لو سمينا شخصاً بجملة اسمية محلاة بأل فإنه يجوز أن نناديه بـ(يا)، فهناك واحد من العرب يسمى: الشنُّ فُري، هذا هو أصله وأظنه صار يسمى: الشنفري، فإذا ناديناه نقول: يا ألشنفري، فيجب هنا القطع.
مثلاً دخل علينا شخص وقال: الصباح بارد، فأخذنا عليه هذه الكلمة وبدأنا نسميه بها:
جاء الصباح بارد، دخل الصباح بارد... وما أشبه ذلك، فإذا أردنا أن نناديه بياء النداء فإنه يصح، لكنه يجب القطع، ففي (الله) يجوز أن تجعل الهمزة همزة وصل وهمزة قطع، لكن هذه قالوا: يجب أن تجعلها همزة قطع، وتقول: يا ألصباح بارد؛ لقبح اجتماع ياء النداء مع أل الساكنة الهمزة، فتقطع الهمزة ليزول هذا القبح.
[ والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض ]
قوله: (والأكثر اللهم بالتعويض) أي: تعويض الميم عن الياء، فالأكثر أن يقال: اللهم، بدلاً من: يا الله، ولهذا إذا تدبرت الأدعية الواردة في الكتاب والسنة وجدت أنها تصدرت بـ(اللهم) دون يا الله، هذا هو الأكثر: اللهم اغفر لي، بالتعويض، فعوض الميم عن الياء، وقد سبق أنها عوضت الميم على الياء وأخرت حتى يكون الابتداء باسم الله سبحانه وتعالى.
قوله: (وشذ يا اللهم في قريض) القريض هو: الشعر، ومثاله قول الشاعر:
إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهم
فهنا أتى بالياء لكي يستقيم الوزن، فقال: يا اللهم يا اللهم، ومع ذلك جعلها ساكنة الهمزة، (يا اللهم يا اللهم)، ولم يجعلها همزة قطع.
واعلم أن (اللهم) يؤتى بها للنداء والطلب كما في قولك: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني وما أشبه ذلك، ويؤتى بها للتأكيد، ليبين للمخاطب أن هذا الأمر مؤكد، ومثاله حديث أن ضمام بن ثعلبة جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام فقال: (إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، فأذن له الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسأل، فقال: أسألك بالذي خلقك وخلق من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كافة؟ قال: اللهم نعم، ثم قال: أنشدك آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات؟ فقال: اللهم نعم)، وذكر الصوم وذكر الصلاة فقال: (اللهم نعم)، فالغرض من (اللهم) هنا التوكيد، أي: توكيد الكلام للمخاطب.
أما من أجل التقليل فهذه تجدونها كثيراً في كتب المؤلفين حين يقول أحدهم: لا يقول كذا وكذا اللهم إلا أن يكون كذا وكذا، فيأتون بها للتقليل والندور، ومثله لو سألك سائل: هل فلان يزورك؟ فتقول: لم يزرني قط، اللهم إلا إذا احتاج إلي جاء يزورني، فهذا على سبيل التقليل.
إذاً: تستعمل (اللهم) على ثلاثة وجوه: في النداء، وفي التأكيد، وفي التقليل.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك[54] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net