اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [51] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، سبق لنا أن المانع ينقسم إلى قسمين: مانع حكم، ومانع سبب، فإن عاد المانع إلى بطلان الحكم أو إلى منع الحكم مع قيام السبب فهو مانع حكم، وإن منع نفوذ السبب فهو مانع سبب، فالأول: (كأبوة في قصاص)، والثاني: (كدين مع ملك نصاب)، وقد سبق لنا من الناحية الفقهية في الدين مع النصاب أن القول الراجح: وجوب الزكاة وإن كان على الإنسان دين يستغرق.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونصب هذه مفيدةً مقتضياتها حكم شرعي].
رحم الله علماءنا السابقين، طلبهم للاختصار جعل كتبهم معقدة للغاية، فقوله: (نصب هذه) يعود الضمير على الأربعة الأحكام الوضعة، وهي: العلة، والسبب، والشرط، والمانع، يعني: جعل العلة علةً، والسبب سبباً، والشرط شرطاً، والمانع مانعاً، جعلها كذلك حكم شرعي، يعني: أن الذي نصب هذا هو الشرع.
إذاً هذه الأربعة باعتبار ذاتها حكم وضعي، وباعتبار نصبها حكم شرعي، فالناصب لها والذي جعلها سبباً وعلة وشرطاً ومانعاً هو الشرع، ولهذا قال رحمه الله: (ونصب هذه مفيدةً مقتضياتها حكم شرعي). فالعلة تفيد وجود المعلول، هذا هو مقتضاها، والسبب يفيد وجود المسبب، هذا هو المقتضى، والشرط يفيد صحة المشروط، هذا هو المقتضى، والمانع يفيد امتناع الممنوع، هذا هو المقتضى، فنصب هذه مفيدة مقتضياتها حكم شرعي.
قوله: (ومنه) أي: من خطاب الوضع الذي عقد له هذا الفصل، (فساد وصحة)، فالفساد والصحة حكمان شرعيان، لكنهما وضعيان لا تكليفيان؛ لأن الأحكام التكليفية خمسة: الواجب والمحرم، والمكروه والمسنون والمباح، هذه الأحكام التكليفية، أما أن هذا شرط، وهذا سبب، وهذا مانع، وهذه علة؛ فهذه أحكام وضعية.
والصحة والفساد أحكام وضعية، يعني: قولنا: (هذا صحيح)، حكم وضعي، وقولنا: (هذا فاسد)، هذا حكم وضعي، إذاً: الصحة والفساد من الأحكام الوضعية.
أي: فمعنى قولنا: عبادة صحيحة، أنه لا يجب قضاؤها بفعلنا إياها، فـ(بالفعل) هنا متعلق بـ(سقوط) لا بالقضاء، يعني: إذا سقط القضاء بفعل العبادة فهي صحيحة، وإن لم يسقط القضاء فهي غير صحيحة.
إذاً: الصحيح من العبادات ما أسقط القضاء وبرئت به الذمة.
فإن قال قائل: الصحيح من العبادات ما وافق الأمر، فأيهما أسد الأول أو الثاني؟
نوضح بمثال: رجل توضأ لصلاة المغرب وصلى المغرب، ولما أذن العشاء أراد أن يصلي العشاء فقال: والله لا أدري أحدثت أم لم أحدث، قلنا له: ابن على اليقين، وهو الطهارة، فصلى العشاء، ثم لما انتهى من الصلاة تبين أنه قد أحدث، فهل العبادة صحيحة؟
إذا قلنا: إن الصحيح ما وافق الأمر، فعبادته صحيحة، وإذا قلنا: ما أسقط القضاء وبرئت به الذمة فالصلاة غير صحيحة، مع أن القولين متفقان على وجوب إعادة الصلاة، لكن الذين قالوا: إنها صحيحة قالوا: إن القضاء وجب عليه بأمر جديد.
نقول: ما دمتم قلتم: إنه وجب بأمر جديد فقولوا: إن الصحيح ما أسقط القضاء وبرئت به الذمة، وإن شئتم احذفوا أيضاً ما أسقط القضاء، فقولوا: إن الصحيح من العبادات ما برئت به الذمة، وهذا أحسن ما قيل: إن الصحيح من العبادات ما برئت به الذمة، ومن المعلوم أن من صلى محدثاً ولو كان ناسياً ثم تبين له أنه محدث لا تبرأ ذمته بذلك، ونكون إذا عبرنا بقولنا: ما برئت به الذمة أوضح مما أسقط القضاء؛ لأنك إذا قلت: ما أسقط القضاء فهم السامع أن هناك قضاءً لازماً، والحقيقة أن فعل الصلاة لأول مرة في وقتها لا يسمى قضاءً، وإنما يسمى أداءً.
إذاً: أسلم ما يقال في حد وتعريف الصحة: أنها ما برئت به الذمة وسقط به الطلب، والله أعلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [51] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net