اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [58] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويكلف مع سكر لم يعذر به ].
يعني: إذا سكر بسكر لا عذر له فيه، فإنه مكلف، وكأنه لم يسكر، فلو قدر أن شخصاً شرب مسكراً مختاراً ثم خرج عليه وقت الصلاة وهو لا يزال سكران فإنه يأثم؛ لأنه مكلف، وهذا السكر لا يعذر به.
ولو طلق وهو سكران سكراً لا يعذر به فإن طلاقه يقع؛ لأنه غير معذور.
ولو أعتق عبيده وهو سكران فإن عبيده يعتقون؛ لأن هذا السكر ليس معذوراً فيه.
وفهم من قوله: (مع سكر لم يعذر به) أنه لو غاب عقله ببنج -وسيصرح به المؤلف- فإنه لا يكلف، لأن ذلك ليس بحرام.
وفهم من قوله: (لم يعذر به) أنه لو عذر بهذا السكر فإنه ليس بمكلف، مثاله: رجل شرب شراباً ولم يعلم أنه مسكر فسكر به، فإنه في هذه الحال يعذر بالسكر، فلو طلق لم يقع طلاقه، ولو أعتق لم يصح عتقه؛ ولو خرج وقت الصلاة وهو لا زال سكران فإنه لا إثم عليه؛ لأنه معذور بهذا السكر.
وكذلك لو عذر من أجل الإكراه، كأن أكرهه شخص على أن يشرب هذا المسكر فشربه فسكر، فإنه يكون غير مكلف لأنه معذور.
ولكن لا يعني قولنا: (إنه غير مكلف) أن هذا السكر يسقط عنه فريضة الوقت، فلو سكر وخرج وقت الصلاة وهو لم يصل وجب عليه القضاء، لكن هناك فرق بين ما إذا عذر وما إذا لم يعذر، فإذا لم يعذر يكون آثماً بالتأخير، وإذا عذر لم يكن آثماً.
الأولى: أن ينوي بذلك دفع الإكراه، فهذا لا إثم عليه ولا يترتب على كفره شيء؛ لأن الله تعالى قال: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].
الحال الثانية: أن ينوي المكره عليه لا دفع الإكراه، لكن قلبه مطمئن بالإيمان، وأحياناً ينوي المكره عليه مع اطمئنان قلبه به، وحينئذٍ تكون المسألة على ثلاثة حالات:
الحال الأولى: أن ينوي دفع الإكراه.
الثانية: أن ينوي المكره عليه مع اطمئنانه به.
الثالثة: أن ينوي المكره عليه مع اطمئنانه بالإيمان.
أما الأولى فلا شيء عليه، أي: لا إثم عليه ولا يكفر، وأما الثانية فيكفر لأنه نوى المكره عليه واطمأن قلبه به، وأما الثالثة فمحل خلاف، فمنهم من قال: إذا نواها فهو كمن اطمأن قلبه بها، ومنهم من قال: بل إذا نواها وهو مكره فلا شيء عليه، وما هو الظاهر من القرآن؟
ظاهر القرآن أنه لا شيء عليه؛ لأن الله قال: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] ولم يقل: ونوى دفع الإكراه، وكثير من العامة الذين يكرهون على مثل هذه الأمور لا يخطر ببالهم نية دفع الإكراه، وإنما يخطر ببالهم أنهم فعلوا هذا من أجل الإكراه وقلوبهم مطمئنة، فالصحيح ما دل عليه ظاهر القرآن أنه وإن لم ينو دفع الإكراه فإنه ليس عليه شيء ولا يحكم بكفره.
يقول: [ ويبيح ما قبح ابتداء بضرب ].
(يبيح) الضمير يعود على الإكراه، (ما قبح) أي: ما هو قبيح شرعاً.
وقوله: (ما قبح ابتداء) يعني: ما قبح لولا الإكراه، أي ما كان قبيحاً في الأصل فإن الإكراه يبيحه.
وقوله: (بضرب) متعلق بإكراه، ومعناه: أن الإكراه يكون بالضرب، وظاهر كلامه: وإن لم يكن موجعاً، ولكن قد يقال: إن هناك فرقاً بين المكره عليه، فإن كان المكره عليه لا يخرج به إلى الكفر فإن أدنى شيء يبيحه، وإن كان يخرج به إلى الكفر فإن الضرب اليسير لا يجوز له ذلك؛ لأنه لا ضرر عليه.
وقوله: [ أو تهديد ]، يعني: أو أكره بتهديد، أي: بتهديد بشيء عليه فيه ضرر، كما لو هدد بالقتل أو أخذ المال أو انتهاك الحرمة أو ما أشبه ذلك، فإن الإكراه يبيح له ذلك.
وقوله: [ بحق أو غيره ] يعني: من أكره بحق فهو مكلف، ومن أكره بغير حق فهو أيضاً مكلف، لكن من أكره بحق وفعله فإن من العلماء من يقول: إنه لا ينفعه، كما لو أكرهه السلطان على دفع الزكاة فدفعها من أجل إكراه السلطان له، فإن ذلك لا يجزئه لأنه لم ينوه نية حقيقة.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [58] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net