أما بعد:
أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله جميع أوقاتكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنا دائماً على الهدى والخير في هذه الحياة، وأن يجمعنا في الآخرة في دار كرامته، وفي جنته مع آبائنا، وأمهاتنا، وإخواننا، وأخواتنا، وزوجاتنا، وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين برحمته، إنه أرحم الراحمين.
هذه المحاضرة تلقى في جامع الحمودي بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت، الموافق للثامن عشر من شهر صفر، عام: (1422) للهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وعنوان هذه المحاضرة: (وذكرهم بأيام الله) وأيام الله التي أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر قبله جميع الأنبياء والرسل أن يذكروا أممهم بهذه الأيام هي: الأيام التي يعاقب الله فيها الناس حينما ينحرفون عن منهجه، ويتمردون على شرعه، وحينما يتعرضون لمساخطه، فتحق عليهم لعنته، وينزل عليهم غضبه وأليم عقابه، ويدمرهم بشتى أنواع العذاب والدمار، ولذا يبعث الله الرسل من أجل تذكير الناس بهذه الأيام حتى لا يقع عليهم مثلما وقع على غيرهم.
وآخر الرسل وأفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ذكَّر ووعظ، وخوف هذه الأمة، وترك فيها الكتاب الكريم، والسنة النبوية الشريفة؛ من أجل تكرار التذكرة، وإزالة ما قد يعلق على القلوب من صدأ الذنوب والمعاصي، حتى لا يُحق الله عز وجل ما أحقه على الأمم من قبلهم.
ودور العلماء والدعاة إلى الله هو: تحذير الأمم، وتنبيه الناس إلى ما يترتب على هذه الذنوب والمعاصي من العقوبات التي استقرأناها من خلال تاريخ الإنسانية والبشرية منذ بدء الخليقة.
ولو استعرضنا هذا التاريخ البشري والإنساني لوجدنا العبرة ماثلة، ولوجدنا القصص الذي ينبه القلوب، ويقرع النفوس في أن سنة الله التي لا تتبدل، والتي يجريها الله سبحانه وتعالى أنه كلما حاد الناس عن منهج الله، وتمردوا على أمره، كلما عاقبهم الله في الدنيا، وكلما أكدوا عقابه لهم في الآخرة.
ولذا يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكرى، ويقول: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9].
ويقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] ويقول: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22].
ولا تعني الذكرى -أيها الإخوة- بالذنوب والمعاصي أن الخـير قد انعدم، وأن الناس ليس فيهم خير، لا. فإن الأمة بخير، والناس لا يزالون على خير، وفي مجتمعنا الذي نعيش فيه تظهر صور الخير ماثلة للعيان، فهاهي المساجد ترتفع مآذنها في كل حي، وهاهي المساجد تمتلئ جنباتها بالشباب والشيب، وبالرجال والنساء، وهاهي حلق العلم ومحاضرات الدين والشريط الإسلامي، وهاهي إذاعة القرآن، وهاهم الشباب ينشئون على الإيمان، وهاهن الفتيات يملأن مدرجات المدارس والجامعات، وهن ثابتات متمسكات بدين الله، فالخير موجود، ولكن -أيها الإخوة- الشر موجود أيضاً، والهجمة شرسة، وأعداء الله من اليهود والنصارى، وممن يستجيب لهم من بني جلدتنا ويتكلم بلساننا، ويعرف مدخلنا ومخرجنا من المغرَّر بهم.. ها هم يوجهون سهامهم ليرشقوا هذه الأمة، وليخترقوا صفها؛ من أجل زعزعتها وإبعادها عن دينها؛ ولكن: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].
من أجل ذلك -أيها الإخوة- نستجيب لأمر الله، ونذكر بأيام الله، وتأتي هذه المحاضرة بهذا العنوان من أجل تنبيه النائمين، وإيقاظ الغافلين، ورد الشاردين، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حَيَّ عن بينة.
وهذا الموقف -أيها الإخوة- هو موقف النصح والإخلاص! وبيان الحق والتذكير، وهذا هو الذي أوجبه الله على العلماء والدعاة، وأخذ الله عز وجل عليهم به العهد والميثاق، يقول سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187] هذا عهد أخذه الله على العلماء من أهل الكتاب ومن هذه الأمة، على أن يبينوا الحق، وأن يحذروا الناس؛ ولكن -أيها الإخوة- إذا ما سكت العلماء والدعاة ولم يبينوا للناس الحق، ولم يحذروهم من مغبة المعاصي والذنوب فمن يرشدهم؟! ومن أين يتلقون التوجيه؟! أعبر قنوات الفضاء أم عبر أجهزة الشر؟!
إن هذه تهدم ولا تبني، وتفضح ولا تستر، وتخرج الناس من الدين ولا تردهم إليه، ولم يبق -أيها الإخوة- إلا هذا المسلك وهو مسلك النصح عن طريق تحذير الناس، يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في صحيح مسلم -: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة -ثلاث مرات- قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم).
هذا هو الدين! أي: أن نكون ناصحين مخلصين متواصين متناهين لله: بإخلاص التوحيد له. ولرسوله صلى الله عليه وسلم: بالمتابعة الصحيحة لهديه وسنته. ولكتابه: بالعمل بأوامره وترك نواهيه. ولأئمة المسلمين: بمناصحتهم، وطاعتهم في المعروف، وعدم الخروج عليهم، والدعاء لهم، ولعامة المسلمين: وذلك ببيان الحق لهم، وتحذيرهم من طرق الغواية والضلال، وبيان ما قد يخفى عليهم، فإن من الناس من يقع في الشر نتيجة التغرير والمكر والخداع الذي يقوم به الشيطان وزبانيته من الإنس والجان.
والله عز وجل يأمر بهذا رسوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات وفي كثير من الأحاديث بالأمر بطاعة الله سبحانه، وطاعة رسله، والتحذير من معصيته سبحانه، ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان ما في امتثال أمر الله عز وجل من حصول الخيرات، وحلول البركات، ودفع النقمة، وما في معصية الله عز وجل ومخالفة أمره من محق البركات في العلم، والأعمال، والأعمار، والذريات، والمكاسب، وفي جميع الشئون والتصرفات.
ويشمل أيضاً التذكير بأيام الله في خلقه، وما أحل الله عز وجل بمن عصوا رسله من المثلات، وسائر ألوان العقوبات، مما يكون من أعظم واعظ للناس لمن كان في قلبه حياة.
ما الذي أهبط الأبوين من الجنة؛ دار اللذة والنعيم؟! هذه بداية الحياة!
سبب الخروج من الجنة: المعصية.
ما الذي أهبط الأبوين من الجنة؛ دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور، إلى دار الآلام، والأحزان، والمصائب، إلا المعصية، أي: بأكل اللقمة من الشجرة التي نهى الله عز وجل عنها، قال عز وجل: وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] فتركوا كل الذي في الجنة، وأكلوا من الشجرة: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى [طه:118-119] وكان في نعيم الجنة -أيها الإخوة- ما يشفي ويكفي؛ لكن المكر والتضليل الذي قام به إبليس مع أبينا آدم حتى أوقعه فيما أوقعه فيه، والذي لا زال يقوم به مع ذريته إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة.
فما من شر، وما من معصية يقوم بها إنسان إلا وللشيطان فيها دور، فهو الذي يزين المعصية، وإلا لو نظر الإنسان إلى المعصية بمنظار الشرع والعقل لوجدها قبيحة، فالزنا والربا وقتل النفس قبيح، وجميع المعاصي، والخمور والمخدرات قبيحة؛ ولكن ما الذي يجعل الناس يقعون فيها؟
إنه تزيين الشيطان، يجعل عليها مسحة من اللون والطعم، فيجد الإنسان للمعصية لذة، وللجريمة منظراً؛ ولكن لو نظر إليها حقيقة لوجد أنها عار، فالزنا عار، ودمار، وشنار، وفضيحة -والعياذ بالله- ومرض، وإيدز، وهربز، وأمراض خطيرة، وهتك للعرض.. ماذا فيه أيها الإخوة؟!
في الجاهلية قبل الإسلام كان العقلاء والفضلاء من الناس يترفعون عنه، فـهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان ، أم معاوية لما جاءت تبايع، ومدت يدها للنبي صلى الله عليه وسلم، والرسول لا يمد يده للنساء، قال: (أبايعكِ على ألا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، فبايعت، ولما قال: ولا تزني، كفَّت يدها، وقالت: يا رسول الله! أوَتَزْني الحرة؟!) أي: التي عندها دم، وعرض، وعقل.. تزني؟! هذا شيء مستغرب! ومستبعد! هذا في الجاهلية قبل الإسلام.
وجاء الإسلام ليؤكد هذه المعاني، وليعمق ويجذر هذه المفاهيم في نفوس الرجال والنساء حتى يجعل جريمة الزنا فاحشة، يقول الله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
وإنك لتعجب -أيها الأخ- حينما تنظر فتجد كثيراً من الأمة يحرصون على الزنا والله يقول: وَلا تَقْرَبُوا [الإسراء:32] لم يقل: لا تزنوا، بل: ( وَلا تَقْرَبُوا ) الطرق التي توصل إلى الزنا ممنوعة ومحرمة. فما الذي يجعل الناس يقعون فيها؟!
إنه الشيطان، كما أوقع آدم وجاء إليه من باب المكر والخداع، وقال له: يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ [طه:120] وهي شجرة.. ماذا؟ شجرة الخروج، وليست شجرة الخلد؛ لأن الشيطان يعكس المفاهيم، ويقلب الحقائق، ويجعل الأسود أبيض، والليل نهاراً، والحق باطلاً، والباطل حقاً، والزنا علاقات جنسية، من الذي سماه بهذا؟ الشيطان، فهم لا يقولون: زنا؛ لأن ( زنا ) كلمة تنفر منها النفوس؛ ولكن يقولون: قضايا جنسية، أي: علاقات.
ويجعل الربا الذي هو من السبع الموبقات، والذي أذن الله بحرب صاحبه، يقولون: هذه فوائد، وعمولة، ولا يقولون: نعطيك ربا، بل يقولون: نعطيك عمولة، وهو ربا؛ ولكن من باب تمرير الباطل عن طريق تغيير المسمى، ويجعلون العُهْر، والعُرْي، والفضيحة، والتفسخ فَناً، وهو عفن، فيسمونه: فنوناً، وهو عفن وجنون والعياذ بالله!
ويجعلون السحر، والشعوذة، والكهانة، ألعاباً بهلوانية، ( وسيرك ).
ويجعلون الخمر أم الخبائث التي إذا وقع فيها الإنسان؛ فإنه يكون مستعداً لأن يزني، وأن يقتل، ويفعل كل جريمة؛ لأنها تذهب عقله، فيقولون: مشروبات روحية، لا إله إلا الله! مشروبات روحية؟! هل شراب الروح من هذه الخبائث؟! بل مشروبات شيطانية، وقذرة، ولعينة، ونجسة، فقد سماها الله: رِجْساً: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ [المائدة:90] والرجس في كلام العرب هو: الركس، أي: العذرة التي يضعها الإنسان؛ لكن تُقَدَّم الآن في بلاد المسلمين. -والحمد لله لا نزال سالمين؛ ولكن في بلاد كثير من المسلمين في غير هذه البلاد- تُقَدَّم في المطاعم، والفنادق، والأسواق، والمطارات، والذي لا يشرب يسمونه: متخلفاً، فدليل التحضر عندهم والرقي أن تشرب الخمر، والناظم يقول:
واترك الخمرة إن كنت فتـىً كيف يسعى في جنونٍ مَن عَقَلْ |
فاستغل إبليس هذه الرغبة النفسية عند آدم وحواء، وجاء إليهما من هذا الباب، وقال له: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [الأعراف:20] وبعد هذا أعطاهما عليه يميناً، قال تعالى: وَقَاسَمَهُمَا [الأعراف:21] أي: حلف بالله، إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] ما رأيكم في إبليس؟ ناصح، أم خائن؟
والله خائن وألعن خائن؛ ولكن الخائن يحلف؛ كبعض الناس الآن يقع في كارثة وجريمة المخدرات بيمين، أي: يأتي زميله ويقول له: انظر! أما تثق فيَّ؟!
قال: نعم.
قال: والله إنني لا أعمل هذا الشيء، ولا أدلك على هذا الشيء إلا من أجل مصلحتك، ووالله إني لمخلص لك.
هل تصدق بأنه مخلص لك وهو يدلك على المخدرات، لتروج وتتعاطى وتهرب المخدرات؟! هل هذا ناصح لك؟! والله ليس بناصح؛ بل والله إنه مِن أغش الناس لك، ولو كان ناصحاً لقال: اتق الله، هذه جريمة، وفاحشة، وكارثة عليك، وعلى أسرتك، ومجتمعك، ودولتك، وبلدك؛ ولكنه يحلفون، لماذا؟ لأن جدهم إبليس قد حلف، فهو قائدهم الأول القائل: إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] قال عز وجل: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ [الأعراف:22].
ولما أكلا من الشجرة حصلت المعصية؛ لأن أصل المعاصي قسمان:
إما ترك مأمور: وهي معصية إبليس، يوم أمر الله الملائكة بالسجود، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس، ترك أمر الله.
أو فعل محذور: وهذه معصية آدم، لا تأكل، فأَكَل، مثل بعض الناس الآن تجده يترك الطيبات كلها ويشرب الدخان، ويأكل القات، ويشرب الشيشة والخمر، ويتعاطى المخدرات، سبحان الله! آلاف الأصناف من الطيبات ما أقنعتك؟! ما كَفَتْك؟! إلا أن تقع في الخبائث! إنه مكر الشيطان، إنها وسوسة إبليس.
ما الذي أخرج الأبوين إلا شؤم المعصية! حينما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها.
كذلك الشيطان جعل الله لصورته في أذهان البشر كلهم أقبح صورة، واذهب بخيالك في تصوراتك عن الشيطان وستجد أن خيالك ينتهي في تقبيح صورة الشيطان، وستجد أن الشيطان أقبح مما ذهب إليه خيالك، نسأل الله ألا نرى الشيطان، أتدرون من الذين يرونه؟! أهل النار، أما أهل الجنة فيرون الله عز وجل، كما جاء في الآية الكريمة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].
وفي الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامُّون في رؤيته) إذا رأيت القمر ليلة النصف، هل تحتاج إلى من يقول لك: تعال أُرِيْك القمر؟! بل هو واضح، تنظر إليه، وهكذا سترى الله كما ترى القمر من غير صعوبة؛ ولكن في أول الشهر إذا كان القمر هلالاً، ورآه أحدالناس وقال: القمر رأيتُه في أول يوم، فيأتي الثاني فيقول: لم أره.. أين هو؟ ويأتي الثالث فيقول: أين هو؟ فتضمُّه إليك، هذا معنى: (لا تضامُّون) أي: يضمُّ بعضُكم بعضاً حول الذي رأى، ثم يمد يده يقول: انظروا إصبعي، تحققوا من إصبعي، انظروه، انظروه، هذه هي المضامَّة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم سترون الله كما ترون القمر ليلة البدر -أي: في الليلة الخامسة عشرة، ليلة الإبدار- لا تضامُّون في رؤيته).
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن ينظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة؛ لأن هذه النعمة هي أعظم نعمة على أهل الجنة، ولا تأتي ابتداءً، ولكن تأتي بعد دخول الناس الجنة، وتقسيمهم على منازلهم ودرجاتهم، وإجراء الأرزاق عليهم، وإعطاء كل واحد الزوجات، والولدان، والحور، والقصور، والحبور، وهم في النعيم يأتيهم خبر أن الله يتجلى لهم، كما قال ابن القيم في النونية:
ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يُرَى القََمَرانِ |
أي: كما ترى الشمس والقمر.
أهل النار لا يرون الله، يقول الله في أهل النار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ [المطففين:15-16] هذه النهاية، وفي النار يرون الشيطان.
وورد في الحديث أنه ينصب للشيطان منبر من نار في جهنم، ويصعد عليه الشيطان ويُلقي خطبة على أهل جهنم، كلهم يسمعونه، وذكر الله الخطبة في القرآن في سورة إبراهيم، يقول عز وجل: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ [إبراهيم:22] لما قضي الأمر، أي: أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، يقف فيقول: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22].
ورد في التفسير أن هذه الكلمة على أهل النار أعظم من عذاب أهل النار؛ لأنه عذاب نفسي، إذ ليس أشد على النفس ممن يورطك ويورطك ويورطك إلى أن تتورط، ثم يقول: ليس ليَ سلطان! من الذي قال لك؟! أنت الذي أطعتني! وهذا هو عمل الشيطان، يورِّط الناس ويقول: ما لي عليكم من سلطان، ما أخذتكم بعصا ولا (بِمِشعاب) ولا بدفتر ولا كتاب: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ [إبراهيم:22] أي: وسوستُ لكم، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22].
انظر الناس الآن -والعياذ بالله- وراء الشيطان مثل الكلاب، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم وهم ينفرون منه ويفرون إلى الشيطان، فيقول لهم: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22].
وماذا بعد ذلك؟
قال: فَلا تَلُومُونِي [إبراهيم:22] ما فعلتُ لكم شيئاً، وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22].
فهل هناك فزعة؟!
قال: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ [إبراهيم:22] يقول: والله ما أفزع لكم إذا صرختم وصحتم: وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22]
وفي هذه اللحظة يتمكن أهل النار وهو يخاطبهم من رؤيته -نسأل الله ألا نراه، لا في الدنيا ولا في الآخرة- وبُدِّلت صورتُه بأقبح صورة، بل وأقبح من معصيته؛ لأنه لم يسجد لله سجدة! كيف بمن لم يطع الله في الصلاة وفي غيرها؟!
نوح نبي بعثه الله عز وجل من أجل إزالة الشرك من الأرض، إذ كان الناس منذ آدم إلى عهد نوح على التوحيد، أي: لا يوجد شرك.
وسبب إرسال الله لنوح: أنه كان هناك أناسٌ صالحون طيبون فلما ماتوا، والذين بعدهم قالوا: نريد أن نصورهم، لماذا؟ قالوا: من أجل أن نتذكرهم، فنعبد الله مثلهم؛ فصوروهم، وعبدوا الله كلما تذكروهم.
ثم جاء جيل جديد، ومات الجيل الأول، فقالوا: آباؤنا ما صوروهم إلا لأنهم صالحون، إذاً: ماذا نفعل؟ قالوا: نعبدهم. فعبدوهم.
فبعث الله نوحاً عليه السلام ليصحح مسار البشرية في التوحيد، ولكن كذَّبوا، وعاندوا عناداً مريراً، رغم طول المدة في الدعوة، ألف سنة إلا خمسين عاماً من الدعوة المتواصلة ليلاً ونهاراً، ليست ندوة أسبوعية أو شهرية، ثم إنها بكل الأساليب، سراً وجهاراً، ودعوة فردية وجماعية، وبكل أساليب الدعوة، ومع هذا كلما قام يحدث فيهم جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [نوح:7] فيستمر يحدّث فلا يطيقون حتى رؤيته، فيغطون وجوههم وهو يتكلم، قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً [نوح:5]* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً [نوح:5-8] يعني: علناً، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ [نوح:9-10] وذكرهم بأيام الله وبما عندهم من النعم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح:11-16] إلى آخر الآيات.
ولما كَذَّبوا ماذا حدث؟!
يصبر أيضاً، ولا يستعجل بالعقوبة حتى يأتي الخبر من الله: لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود:36] كم آمَن؟ قال: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] وفي أصح الروايات أنهم: اثنا عشر رجلاً، جهد (950) سنة، وهذا فيه إشارة إلى الدعاة بألا يستعجلوا، اصبر على من تدعوه، والهداية بيد الله، ولا تحاول أن تُكَثِّر، فلو هدى الله على يديك واحداً خير لك من حُمُر النَّعم، وتبعث يوم القيامة مبعث الأنبياء.
وبعد ذلك لما عرف نوح عليه السلام أنه لن يؤمن أحد بعد هذا، والله أخبره أنهم إذا ولدوا لا يلدون إلا فاجراً كفاراً، دعا وقال: ربِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10] فقط، ولم يحدد عليه السلام وسيلة الانتصار من الله، قال: أنا مغلوب، بذلتُ كل جهدي، ومارستُ كل أسلوب، وما دام أنه لا يوجد أحد يسلم ويجيب، قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ [نوح:26-27] أي: الذين عندي هؤلاء الاثني عشر، يردونهم مثلهم: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27].
وأمر الله سبحانه وتعالى نوحاً أن يصنع له سفينة، وكانوا يعيشون في الصحراء: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38]: ما هذه يا نوح؟! قال: هذه سفينة، قالوا: ما تفعل بالسفينة؟! السفينة يصنعها الناس عند البحار! وأنت في الصحراء تصنع سفينة؟!
وبدءوا يضحكون عليه، ويسخرون منه، ويقولون: تعالوا انظروا هذا النبي، هذا الرجل المجنون، يصنع سفينة من أجل أن ينجو فيها، ولا يوجد ماء؛ ولكنه كان ثابتاً، قال: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38] ماذا قال؟ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] وبعد فسوف تعلمون من هو الذي يُضحك عليه.
ولما اكتملت السفينة، قال الله له: فَاسْلُكْ فِيهَا [هود:40] أي: أرْكِب فيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنَيْن [هود:40] أي: مِن كل خليقة الله اثنين اثنين، وقوله: وَأَهْلَكَ [هود:40] أهلك هنا أي: الذين آمنوا من قومك وقوله: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ [هود:40] أي: احمل في هذه السفينة من جميع المخلوقات؛ لأن الله أجرى تدميراً كاملاً لكل الكائنات الحية؛ إلا من ركب في السفينة من جميع الحيوانات، والطيور، والبهائم، والهوام، والوحوش، مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [هود:40] أي: ذكراً وأنثى؛ من أجل أن يستمر التناسل.
ولما ركبوا جاء المطر.. كيف جاء المطر؟!
قال الله: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ [القمر:11] والأرض! قال: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ [القمر:12] ماء السماء على ماء الأرض، حتى التنور الذي ما يُتَوَقَّع أن يكون فيه ماء؛ لأن فيه نار، قال الله: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ [هود:40] التنور الذي فيه نار صار ماءً.
وعلا الماء رءوس الجبال، وأسرعوا يصعدون الجبال هرباً من الفيضان والطوفان، وكان من ضمن من صعد الجبل ولد نوح، وتذكرَ نوح وعدَ الله: وَأَهْلَكَ [هود:40] قال: يا ولدي! ارْكَبْ مَعَنَا [هود:42] فرفض: قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ [هود:43] فغَرِق، وحينما شارف على الغرق دعا نوح: وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ [هود:45] أنت قلتَ: أرْكِب أهلَكَ، وهذا ولدي من أهلي، أي: لا تغرقه يا رب! دعه يحيا -أي: لا يغرق ولو لم يركب- قال الله: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] هذا ليس من أهلك، الأهل هنا: أهل الدين، أهل العقيدة: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46] وغرق، وغرقت البشرية كلها إلا مَن ركب مع نوح عليه السلام.
وكانت تجري وتقف إذا قال: باسم الله جرت مَجْرَاهَا [هود:41] وإذا قال: باسم الله وقفت: وَمُرْسَاهَا [هود:41] أي: مرساها باسم الله، ومجراها باسم الله.
إلى أن جاءت إلى الجودي -الجبل- فأرساها الله سبحانه وتعالى بجانبه، ونزل نوح ومن معه، وبدأت البشرية طَوراً جديداً من أطوار الحياة بعد أن طهر الله الأرض من الشرك، والأرجاس، والأصنام، والأوثان.
فبعث الله إليهم هوداً، ودعاهم إلى الله، فكذبوا أمر الله، وكذبوا دينه وشرعه، فسلط الله عليهم الريح، وفُتِح عليهم من ريح جهنم قدر منخار ثور، وشبّك الرسول صلى الله عليه وسلم شبك بين إصبعه وإبهامه، وهذه الريح اسمها: العقيم، والعقيم هو الذي ينجب، وهذه ريح إذا مرت لا تترك شيئاً: مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:42].
وجاءت هذه الريح وهبت عليهم، وكانت تقتلع الرَّجُل من الأرض، ثم ترتفع به إلى السماء، ثم تلقيه من السماء إلى الأرض، يقول عز وجل: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:7-8]؟ لا. سلط الله عليهم هذا بعد أن رأوا الريح وهي آتية من هناك، وكانت سوداء، والعرب إذا رأوا الريح سوداء قالوا: هذه محملة مطراً، فهم على الخمر، والزنا، والكفر، والشرك، ويرون الريح فيقولون: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24] قالوا: المطر جاء، قال: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:24-25].
جلسوا في أماكنهم، وحملهم جبريل على طرف جناحه -غرس جناحه في الأرض- حتى بلغ تخوم الأرض السابعة، ثم رفعه ورفع عليه قراهم، وكانوا في ست قرى، وقيل في بعض الروايات: أربع قرى، في مكان يقال له: البحر الميت الذي هو الآن بين فلسطين وإسرائيل، هذا البحر ليس فيه كائنات حية، وأصله ليس بحراً، ولكنه كان منطقة سكن لهؤلاء، ولما حملها صار في المنطقة تجويف، وجاءت الأمطار وتجمعت فيه فصار بحيرة، فسمي البحر الميت ، لماذا؟ لأنه لا أسماك فيه، ولأنه موطن عذاب، وما عذب الله أمةً فلا يحيا فيه شيء.
حملهم، وارتفع بهم، ثم رفعهم إلى السماء، حتى سمعت الملائكة في السماء عواء الكلاب، ومواء القطط، وصياح الناس، ثم نكسها، قال الله: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا [الحجر:74] ثم لم يكفِ هذا، فقد أرسل الله عليهم حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [هود:82] سجيل من جهنم مَنْضُودٍ [هود:82] أي: مسبوك، كذلك مُسَوَّمَةً أي: معلَّمة، على كل واحدة اسم صاحبها، تنزل في جبهته وتخرج من دبره مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ [هود:83] أي: معلَّمة عند ربك وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83] أي: إذا نزلت على قوم لوط فأيضاً يمكن أن تنزل على من يفعل فعلهم من البشر الشاذين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوِم لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قومِ لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قومِ لوط) وقال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به).
فاجتمعوا، وكل من دخل تحت هذه الظلة بَردَ، والحر الذي في البيوت يخرجهم لكي يأتوا إليها، فلما تكاملوا كلهم في هذه الظلة أنْزَلت عليهم هذه السحابة ناراً تلظى، فأحرقتهم وأبادتهم عن بكرة أبيهم، بأسباب ماذا أيها الإخوة؟!
بسبب المعاصي والذنوب.
أيضاً: ما الذي أغرق قوم فرعون، ثم نقلت أرواحهم إلى النار وأبدانهم للغرق إلا المعاصي.
حرمان العلم:
فإن العلم نور؛ ولكن العاصي لا يوفق لبركة العلم.
حرمان الرزق:
أي: البركة في الرزق: (فإن العبد ليُحْرَم الرزق بالذنب يصيبه).
ومنها: وحشة يجدها العبد في قلبه بينه وبين الله:
فيستوحش من الله، ويستوحش من العلماء والدعاة، وأهل الخير، والمساجد، فإذا دخل المسجد كأنه سارق يقعد هناك بعيداً، لماذا؟ لأنه عاصٍ، بينما الطائع يدخل ويأتي إلى الصف الأول، ويستأنس، ويتكئ، ويأخذ المصحف، وذاك تراه عند الباب هناك، ماذا بك؟! لا يريد أن يقترب، كأنه دخل سارقاً؛ ولكنه إذا دخل المقهى يدخل وهو يضحك وينبسط: ( هات يا ولد، هات الحجر، عبئ حجراً وهات أربعة سُوْد ) ولا يريد أن يخرج، لماذا؟ إنها الوحشة التي بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وإذا رأى العلماء عبس، إذا رأى الدعاة انقبض؛ لكن إذا رأى اللاعبين ضحك، وإذا رأى المغنيين انبسط، لماذا؟ وحشة في قلبه من أهل الخير بأسباب الذنوب والمعاصي.
أيضاً: ظلمة يجدها في قلبه، وتعسّر في أموره، وجبن، ووهن، ونقص في العمر ومحق للبركة:
فكما أن البر يزيد في العمر كذلك المعاصي والفجور تُنقص العمر والبركة.
ينسلخ من قلب الإنسان استقباح صورة المعاصي، فتُزَيَّن له المعاصي، وتُكَرَّه له الطاعات، وتصير له المعصية عادة، ويصير خُلُقاً، أي: بعض الناس الآن يدخن من غير رغبة؛ ولكن أصبح الأمر (أوتوماتيكياً) وهو جالس معك لا تدري إلا وقد أدخل يده جيبه وأخرج ( الباكت ) وأشعل وشربَ دون أن يحس.
وقد حدث هذا لي مرة: كنت عند طبيب في مراجعة حالة مرضية، وإذا بالطبيب نفسه يبكي، قلت: ماذا بك؟
قال: مريض.
قلت: عالج نفسك، ألست طبيباً تعالج الناس؟!
قال: إني لأعرف مرضي، وأعرف دواءه؛ ولكن الطب كله لا ينفع.
قلت: كيف لا ينفع؟ أي: ليس في هذه الأدوية مصلحة؟!
قال: لا. أنا أعرف مرضي، وأعرف علاجه؛ ولكنه -أيضاً- ليس بنافع.
قلت: ما هو مرضك؟
قال: مرضي (النقرس).
سماه: (النقرس) وهو: داء يصيب المفاصل والعظام، وكانوا يسمونه في الماضي: داء الملوك، وكان يصيب السلاطين والملوك؛ لأنهم كانوا هم الذين يشبعون ويأكلون اللحم؛ لكن الآن أصبح يصيب الناس كلهم، ولهذا لو حللـت غداً -عافاك الله- ستجد أن عندك (النقرس) لماذا؟ للإفراط في أكل اللحوم، فالناس يفطرون بلحم الكبد، ويتغدون لحماً، ويتعشون لحماً، حتى قست قلوبهم كقسوة قلوب البهائم. وأكلة اللحوم هي السباع، ولهذا يقول الغزالي : من يكثر من أكل اللحوم يتخلق بأخلاق السباع -أي: يصير سبعاً في أخلاقه، ويكون شرساً؛ لأنه يأكل لحماً- والذي يكثر من الخضار يتخلق بأخلاقها -أي: يصير عنده نوع من الخلق واللين- فنحن الآن أصبحت بطوننا مقبرة البهائم والحيوانات، حتى أننا لا نأكل إلا لحماً، والبيت الذي ليس فيه لحم في يوم من الأيام فإن ذلك يعتبر جريمة في حق الأسرة، لماذا لا يوجد لحم؟!
و(النقرس) يأتي الناس الآن إلا من رحم الله وعافانا الله وإياكم، بل كما يقول أحد الإخوة: حتى الكلاب شبعت لحماً الآن، الآن الكلب تعطيه لحماً نَيِّئاً يقول: اذهب واطبخه- لماذا؟! مِن كثرة النعم -أيها الإخوان- فتصير عادة.
فهذا الرجل الطبيب لما كلمتُه عن المرض ووعظته، وأنا وإياه نتكلم في الدين، والأمل في الله، وإذا به يدخل يده في جيبه ويخرج ( الباكت ) ويفتحه، ويخرج واحدة منها مثل المدفع ويقول: تفضل، فسكتُ قليلاً، ثم نظرت إليه وقلت: ماذا؟!
قال: تفضل.
قلت: أما تستحي على وجهك؟!
قال: آه! آسف يا شيخ! آسف! والله لقد نسيت فأنا متعود هكذا أنه كلما كان عندي ضيف لا بد أن أقدم له، عادة فقط، كما هو الآن فعل أكثر الناس، تصبح المعاصي في حقهم عادة: عندما يركب السيارة يشعل السيجارة، ويشغل الشريط، وعندما ينام يشغل الأغنية.
أصبح الأمر عادة! وبئست العادة -يا أخي- أن تتعود على معصية الله.
كما أن الطاعات عند الطيبين عادة، من حين أن يركب السيارة يقول: باسم الله .. سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف:13-14] الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وإن كان مسافراً قال: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. وهذا ليحفظه الله سبحانه وتعالى.
وإذا جاء لينام فبدلاً من أن يبحث له عن أغنية قبل أن ينام، يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.
وإذا لم يأته النوم أكمل التسبيح وفتح الراديو ليسمع إذاعة القرآن، لعله ينام على ذكر الله.
وهكذا تصبح الطاعات مَلَكات وصفات راسخة عند أهل الإيمان، وتصبح المعاصي مَلَكات وصفات راسخة عند أهل المعاصي، فلماذا -يا أخي- ترضى أن تكون عاداتك معاصٍ؟ إنها بأسباب ذلك.
يقول هنا: فتصبح المعصية عادة يستمر عليها، وذلك لسقوط العبد من عين الله، فتورثه الذلة، وتفسد عقله، وإذا تكاثرت المعاصي وزادت طُبِع على قلب صاحبها، ودخل العبد تحت لعنة الله، وحدث في الأرض أنواع من الفساد بسببه: في الماء، والهواء، والزروع، والثمار، والمساكن، والأشجار، والأولاد، والبنات، والزوجات، قال الله عز وجـل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
يقول مجاهد عند هذه الآية: [إذا سعى الظالم بالظلم والفساد حُبِس بذلك القطر، وهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد].
قلت: ماذا بك؟
قال: دَعْه.
قلت: يا أخي كيف؟! أما نتكلم ونأمر؟!
قال: اسكت، لأنك لو قلت له كلمة فسيدخلونك السجن الآن، أي: مباشرة (البوليس) يأخذك ويدخلك السجن، ويعاقبك بالسجن ربما إلى سنة أو سنتين، وربما تُعَزَّر.
قلتُ: لماذا؟!
قال: لا يجوز لك أن تتكلم وتقول له: هذا حرام أو هذا لا يجوز.
قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى أعلنوا بها).
لكن الإيدز أين هو؟! موجود عندهم، وبدأ الآن يصل إلى بعض بلاد المسلمين.
وقبل فترة اتصل بي شاب من الحرم، يقول: أنا جئت الحرم الآن، ولن أخرج منه!
قلت: لماذا؟!
قال: حلَّلتُ فقيل لي: عندك الإيدز، فتبتُ إلى الله، والآن هل لي من توبة؟
قلت: نعم. لك توبة؛ لكن لا تقعد في الحرم، ارجع إلى بيتك، وسلم نفسك للسلطات الصحية حتى يوفروا لك علاجاً وحجراً صحياً؛ حتى لا ينتشر هذا الداء منك إلى غيرك، وتب إلى الله، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك.
ثم قال لي: أنا الذي أتيت به من الخارج، يقول: مارست الفاحشة هناك وأتيت به معي.
فهذا الذي يأتون به من الخارج! فبدلاً من أن يخرجوا إلى الخارج ليتعلموا الصناعة والعلم، ويأتوا إلينا بالعلم لننهض، يتعلمون الخمر والزنا، ويأتونا بالإيدز. فلا إله إلا الله! (خمس بخمس أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ...) رغم الوعي الصحي، ورغم التقدم الطبي، ورغم المستشفيات، ووسائل النظافة إلا أن الله يسلط عليهم الأمراض بأسباب الفاحشة: (... وما نقص قوم المكيال والميزان -هذه الثانية- إلا ابتلوا بالسنين -أي: سنين الفقر والقحط- وشدة المئونـة -أي: غلاء الأسعار- وجور السلطان -أي: ظلم الحكام- وما منع قوم الزكاة -هذه الثالثة- إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا ...) لأن البهائم لها حق وما لها ذنب، فينزل شيء للبهائم، ما هو حق البهائم؟ هذا الذي يبل القشرة الأرضية، وينبت الزرع، فقط؛ لكن هل ينفع في الآبار؟! هل ينزل إلى الأعماق كي يعوض الماء الذي نأخذه الآن ونستنفذه؟ لا. ما يأتي مطر غزير، بل يأتي مطر بهائم الرعي، تَخْضَرُّ الأرض شهراً أو شهرين أو ثلاثة لكي تأكل هذه المسكينة.. أما الناس ماذا يعملون؟ لا يستفيد الناس إلا من الماء الذي ينزل في الأرض، وتستفيد منه الآبار، ثم يزرعون ويسحبون الماء، أما هذا فلا يفعل شيئاً: (... ولولا البهائم لم يمطروا -هذه ثلاث الرابعة-: وما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم، فيستبيح بيضتهم، وما لم تعمل أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) أي: إذا لم تحكم الأئمة بكتاب الله حصل في الناس الافتراق، والاختلاف، والتحزب، والحروب الأهلية، والشقاق الذي هو موجود الآن، والنزاعات في كثير من بلاد المسلمين، وهذا تسليط من الله بسبب عدم حكم الأئمة بكتاب الله.
ونحن في هذه البلد نحمد الله أن ولاتنا يحكمون فينا بشريعة الله، ونسأل الله أن يعينهم على ذلك، وأن يزيدهم ثباتاً عليه؛ حتى نبقى في هذه النعمة التي يغبطنا عليها جميع أهل الأرض.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما طفَّف قوم كيلاً، ولا بخسوا ميزاناً إلا مُنعوا القطر، وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت، وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون، ولا ظهر في قوم القتل إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف، وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع لهم أعمال، ولم يسمع لهم دعاء).
بالرجوع عن كل ما حرمه الله من المعاصي والذنوب، إلى كل ما أمر الله به من الطاعات والقربات ويحقق للعباد توحيدهم.
ويبتعدوا عن جميع ما ينافي التوحيد أو ينقصه أو يقدح فيه، ويحافظوا على فرائض الله بدءاً بإقامة الصلوات في المساجد جماعة، وتربية الأولاد عليها، وملاحظة النساء والبنات في البيوت على أدائها، وأداء زكاة الأموال كاملة، والقيام بجميع فرائض الله، كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والحب في الله، والبغض في الله، وتعليم الناس الخير، إلى جانب الابتعاد والاجتناب عن جميع المحرمات والفواحش، وأجناس المسكرات، والمخدرات، والمفترات، والربا في المعاملات، والخيانة في الأمانات، واستعمال أنواع الملهيات، ووسائل الشر، كالدشوش، والتلفاز، وجميع هذه الوسائل التي تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وتدعو إلى الفاحشة والفضيحة.
فعليكم -أيها الإخوة- وعلى كل مسلم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والتآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، فيما يعود علينا بالخير، وأن يعاون بعضنا بعضاً، فالرجل يعين امرأته، فإن من النساء من يهديها الله إلى الخير؛ ولكن تُواجَه في البيت بعدم المعاونة من قبل البيت، بل بعض الأزواج يرغم زوجته على المعاصي، والعكس، يكون فبعض الأزواج طيب وفيه خير؛ لكن زوجته لا تتعاون معه على الخير، فتقوم بإفساد حياتها مع زوجها، وإفساد أولادها وبناتها، فلابد من التعاون على مستوى الأسرة، الرجل يعين امرأته على الدين، والمرأة تعين زوجها على الدين، والرجل يعين ولده، وقد يصلح بعض الأولاد ويلتزم، فإذا رأيت ابنك التزم فكن عوناً له على طاعة الله، والمرأة تعين ابنها، وتعين ابنتها: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
التعاون فيما بيننا في مستوى الأسرة، والحي، والإدارة أو المدرسة، أو المؤسسة، أو الشركة، فإذا رأينا مديراً طيباً تعاونَّا معه، وإذا رأينا موظفاً طيباً تعاونَّا معه، وإذا رأينا من يقول الخير وقفنا بجانبه، وإذا رأينا من يقول الشر وقفنا في وجهه، لنكون كلمة واحدة؛ لأن صوت الحق الواحد ليس كاثنين وليس كثلاثة، وكلما زاد الخير انقمع الشر؛ ولكن حينما نسكت عن الخير، ويتكلم أهل الشر يزداد الشر، وأنت في طريقك إلى المسجد ترى طفلاً يلعب ولا يصلي قل: صلِّ يا ولد، وإذا مر الثاني وقال: صلِّ يا ولد، ومر الثالث وقال كذلك، ماذا سيكون الأثر عند هذا الولد؟! سيصلي؛ لأن الناس كلهم أمروه؛ لكن حينما تمر أنت وتسكت، ويمر الثاني ويسكت، ويمر عشرة ويسكتون، ثم يمر واحد ويتكلم فسينظر إليه نظرة استغراب ويقول: انظر إلى هذا الفضولي! كل الناس ذهبوا يصلون إلا هو، ما دخلُك؟!
من أين جاء هذا الشعور؟!
من الأنانية، والسلبية، وعدم الشعور بالتضامن في الدعوة إلى الله.
كنت مرة في السوق، وأنا أشتري في محل خضروات، وآخذ من هذا ومن هذا، وإذا بامرأة كاشفة وجهها في محل آخر بجانبي تشتري من بائع آخر، فوقف شاب جزاه الله خيراً ينصحها فقال: تغطي.
فلم تستجب للنصيحة، وقالت: ما علاقتك؟! ما دخلُك؟!
لكن البائع الذي أمامها كان فيه خير، قال: ما دخلُه؟! كيف ما دخلُه؟! تهتكين دين الله، وتهتكين عرضك، وعرض زوجك، ثم تقولين: ما دَخلُه؟! لا بد أن يكون له دخل.
أنا نظرتُ وسمعت الكلام فصحت عليها: نعم له دخل.. وهذا يصيح.. وذا يصيح.. وذاك يصيح.. ماذا فعلت المرأة؟!
مباشرة قالت: جزاكم الله خيراً. وتغطت، لماذا؟!
بالتعاون، والتضامن؛ ولكن لو أننا تركناه عند كلمته هذه، وتكلَّمَتْ عليه لانتصر الباطل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، ونسأل الله سبحانه أن يحيينا وإياكم حياة طيبة، اللهم أحينا مؤمنين، وأمتنا مؤمنين، واحشرنا في زمرة النبيين والشهداء والصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم احفظ لنا أمننا، ونعمتنا، واستقرارنا، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفق شبابنا، وعلماءنا، ورجالنا، ونساءنا، وجميع المسلمين لما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير.
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم،والسلام عليكم ورحمة الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر