وبعد:
أيها الأحبة في الله: الفكر والنظر والتأمل والاعتبار هو الخطوة الأولى التي تسبق قيام الإنسان بأي عمل في هذه الحياة، وعلى ضوء سلامة الفكر تتحدد سلامة الخطوات التي يخطوها الإنسان في هذه الدنيا، وهو شيء أمرنا الله عز وجل به، أمرنا بالنظر فقال الله عز وجل: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:6-8] .. إلى آخر الآيات، وأمرنا بالتفكير، فيقول عز وجل: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2] وفكر المسلم فكر نير لا يسير ولا يتجه إلا في الاتجاه الصحيح، يفكر في شيء مهم: كيف ينجو من عذاب الله؟ كيف يفوز بجنة رب العالمين؟ كيف يدخل الجنة؟ كيف ينجو من النار؟ يفكر في كل خطوة يخطوها، يفكر في كل نظرة ينظرها، يفكر في كل كلمة يتلفظ بها، يفكر في كل تصرف يتصرف به، وأثره عليه؛ أثره عليه في هذه الدار، وأثره عليه عند الموت، وأثره عليه في القبر، وأثره عليه في أرض الحشر، وأثره عليه في الجنة أو النار، هذا الفكر فكر نير، فكر رباني، وهو يأتي نتيجة فهم الإنسان لحقيقة الحياة، من فهم الحياة فهماً حقيقياً منبعثاً من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تفكيره سليماً، أما من فهم الحياة فهماً مغلوطاً، فهماً بهيمياً، فهم منها ما تفهمه الحيوانات والبهائم والأنعام، فحصر اهتماماته وتفكيره في شهواته، كيف يأكل؟ كيف يشبع؟ كيف ينكح؟ كيف يلبس؟ كيف ينام؟ كيف يسكن؟ كيف يتوظف؟ كيف يركب؟ هذه مُتع، هذه أفكار بهيمية لا تعدو هذه الحياة.
أما المؤمن المسلم فإنه يفكر تفكيراً يختلف عن هذا.
أجل فيم يفكر المسلم؟
يفكر أيها الإخوة -كما يقول الشيخ ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه البديع: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي - ويقول قبله: إن على المسلم إذا أراد النجاة أن يحفظ أربعة أشياء:
أولاً: الفكر أي: الأفكار.
ثانياً: النظر.
ثالثاً: اللفظ.
رابعاً: الخُطا.
فإن هذه هي المسارات التي يسلك بها الإنسان طريقه إما إلى الجنة وإما إلى النار، فمن حفظ أفكاره فلم يفكر إلا في خير، وحفظ نظراته فلم ينظر إلا في حلال، وحفظ ألفاظه فلم يلفظ إلا في حلال، وحفظ خطواته فلم تحمله خطواته إلا فيما يرضي الله، فهذا اكتب له السعادة وادع له بالجنة بإذن الله.
أما من ضيع أفكاره يهيم بها في كل واد، وضيع نظراته ينظر بها إلى كل جميل ولو كان حراماً، وضيع ألفاظه يخوض بها في كل ميدان، وضيع خطواته يخطو بها إلى كل مكان، هذا ضائع ضال، وسوف يعض على يديه يوم القيامة ويقول: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:1-2].
فيا أخي: من الآن حدد خطواتك ونظراتك وألفاظك، وحدد فكرك واهتماماتك.
ثم يقول: إن فكر المسلم لا يعدو خمسة أشياء سوف نتحدث عنها إن شاء الله بشيء من الاقتضاب والاقتصار؛ لأن كل عنصر يحتاج إلى محاضرة:
- الفكر الأول: التفكر في كلام الله، في القرآن الكريم، الكلام العظيم الذي هو هداية ونور، يقول الله فيه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:52-53].
تفكير المسلم يحتل جانباً كبيراً منه القرآن الكريم، ولهذا الصحابة لما نزل عليهم القرآن أطار النوم من أعينهم، لم يعد إلا التفكر في الآخرة..التفكر في الجنة..التفكر في النار، التفكر في الوعد، التفكر في الوعيد، التفكر في الخبر، التفكر في الحكم، كلٌ مع القرآن، ولهذا لم يَبْقَ في حياة المسلم فراغ لغير القرآن، يقول أحد السلف: آيات القرآن أطرن النوم من عيني.
ولكن ما مجال الفكر في القرآن؟ كثير من الناس يريد أن يعتبر ويتدبر القرآن لكنه لا يدري ما المجالات والطرق والمسارات التي توصله إلى الفكر القرآني، الله عز وجل دعانا إلى التفكر، يقول الله عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].
ويقول عز وجل: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21].
ويقول عز وجل : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
ويقول عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].هذا هو السبب على القلوب الآن أقفال، ما يدخل الفكر القرآني في القلوب، أقفال ماذا؟ أقفال الدنيا، أقفال الشهوات، أقفال الشبهات، أقفال الغفلة، أقفال نسيان الآخرة.
أما إذا انفتح القلب والله ما يسأم من كلام الله، يقول ابن القيم : والله لو صحت منا القلوب ما شبعت من كلام الرحمن.
مسارات ومجالات التدبر لكتاب الله عز وجل كثيرة:
إذاً كلام النبي صلى الله عليه وسلم -الحديث النبوي- لفظه من الرسول ومعناه من الله؛ لأن الرسول لا ينطق عن الهوى، لا ينطق إلا بوحي من الله عز وجل، لكن كلامه الذي ينطقه هو بوحي من الله عز وجل معنىً، ولفظه من الرسول يسمى حديثاً، بينما كلامه الذي ينطقه عن الله تبارك وتعالى قرآناً هذا كلام الله.
استطاع الكذابون والوضاعون أن يضيفوا أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سمعتم بهذا؟ طلبة العلم يعرفون هذا الأمر، وكتب الموضوعات كثيرة، ما معنى موضوع؟ أي: كذاب عدو للإسلام والمسلمين يضع حديثاً ويقول: قاله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وتَقَبَّله بعض الأمة وهو مكذوب وموضوع، إلى أن قيض للأمة ولدين الله عز وجل من يحفظه بتمحيص وتفريق وتنقية الباطل من الحق، حتى بقي دين الله محفوظاً، لكن يوجد أناس تقولوا وكذبوا، لكن لا يوجد شخص كذب على الله وأضاف حرفاً واحداً في القرآن الكريم.
حتى مسيلمة ، مسليمة من؟ من يعرف أباه؟ لا يوجد شخص في الدنيا إلا يعرف باسم أبيه إلا مسيلمة ، إذا قيل مسيلمة قالوا: الكذاب، وهو اسمه: مسيلمة بن حبيب الكذاب ، هذا ادعى النبوة لكن ما استطاع أن يضيف في القرآن، كتب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد: فإني قد أُشركت معك، فلك نصف الأرض ولي نصفها. يحسب أنها ذبيحة! يقسم الأرض! فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً، انظروا جواب النبوة! قال: (من محمد رسول الله، إلى
اليهود على باطل، النصارى على باطل، الملاحدة على باطل، الهندوس على باطل، البوذيون على باطل، كل هؤلاء إلى النار، من الذي على الحق؟ المسلم، وما نقول هذا من عاطفة أو من حماس أو من اندفاع أو من تعصب؛ لأننا مسلمون، لا. نقوله من منطق الحق عندنا وثيقة، ما هي وثيقتنا في هذا الكلام؟ القرآن الكريم.
هل يمكن أن يكون هذا القرآن كلام بشر؟ لو كان كلام بشر لكان بإمكان البشر أن يأتي بمثل هذا الكلام، لكن لما عجز البشر أن يأتوا بمثل هذا الكلام يقول الله عز وجل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] لماذا؟ لأنه كلام الله، ولا يمكن أن يأتي البشر بكلام الخالق، خالق البشر تبارك وتعالى، فأنت حينما تقرأ القرآن وتتدبر، وتمر عليك آيات ومعجزات، يزداد قلبك إيماناً، وهذا مجال عظيم، يثبت فيه قلبك على الإيمان والدين.
هذه الصلاة يقول الله عز وجل فيها: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] الصلاة هذه لها مصلحة عظيمة، لماذا ؟ لأنك تستحي أن ترى منكراً وستصلي بعد قليل أو كنت تصلي قبل قليل، هذه زاد وقوت لك، كأنها تمدك بطاقة من أجل أن تصارع الحياة وعندك إيمان تتزود به في كل يوم خمس مرات.
ويقول الله في الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ [التوبة:103] هل تدري أنك إذا دفعت الزكاة أنك تطهرت وزكوت؟ وما معنى تطهرت؟ أي: انتصرت، كنت متنجساً بنجاسات المادة التي يمكن أن تجذبك وتجعلك أرضياً، لا. زكيت نفسك وطهرتها ارتفعت بها، علوت على المادة، انتصرت على النفس، أخرجت المال، وهو تحت قدمك، وصرت أنت سيد المال، لكن لما تبخل أنت على المال ولم تخرج زكاته تصير أنت عبد المال وعبد الدنيا.
الصوم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
الحج، يقول عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197].
هذه الأحكام الشرعية التي أمر الله عز وجل بها، والأوامر كلها مصالح للعباد، أمر الله ببر الوالدين، بصلة الأرحام، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا؟ لمصلحة العباد، فما من جزئية من أوامر الله إلا وفيها مصلحة، هذا مجال ثانٍ.
فحفظ الدين بقتل المرتد: (من بدل دينه فاقتلوه) حفظ الله العقل بتحريم الخمور، وحفظ الله المال بقطع يد السارق، وحفظ الله الأنفس بقتل القاتل، حفظ الله الأعراض برجم الزاني أو جلده إن كان بكراً، كل هذه أوامر الله، لولا تقييم الشرائع والشريعة الإسلامية لهذه الأحكام لضاعت أديان العباد وأموالهم وأعراضهم، وضاعت أنفس العباد وعقولهم، وإذا ضاعت هذه الكليات هل يبقى حياة؟
تصبح الحياة حياة بهائم، شريعة الغاب، فما من شيء أَمر الله به أو نهى الله عنه إلا وفيه مصلحة، يعرفها الإنسان وقد لا يعرفها، لكن بالتدبر والتأمل، لما تسمع قول الله تبارك وتعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] أمر من الله أنك تغض بصرك وتحفظ فرجك، يقول الله بعد ذلك: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30].
ذلك أفضل لك، والله! ما يعرف هذه الآية إلا من طبقها، أهل الإيمان لما طبقوها عاشوا في راحة وسعادة، تجد المؤمن كلما رأى منظراً صرف عينه إن كان حراماً، لكن الذي ما عنده إيمان كلما رأى امرأة أطال نظره إليها، الله يقول: غضوا وهو يقول: لا. وبعد ذلك ماذا يحصل بعد هذا؟ يرجع إلى البيت مريضاً، فهو قد رأى منظراً، ثم منظراً ثانياً، وآخر أحسن، وكم سوف تنظر، وكم تقدر عليه؟ حتى لو أردت أن تتزوج لا يحل لك إلا أربع في الشرع، لكن إذا نظرت إلى أربعمائة في الشارع تقدر تتزوج بهن كلهن؟ ما تستطيع، أجل، ما هناك حل إلا أن تغض بصرك، قال الله: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30].
أفضل وأريح لقلبك، وأتقى لربك، وأهنأ لنفسك أنك تغض بصرك من أجل أنك لا ترى إلا زوجتك، لكن لما تنظر إلى فلانة.. وفلانة.. وعلانة ، تنظر إلى أشكال غريبة يزينها الشيطان، وترجع إلى البيت مريضاً، بعض الشباب -وقد ذكرت هذا الكلام- يخرج من بيته وما في قلبه مشكلة، ويرجع وهو مطعون القلب، يقول له أبوه: تعشَ يا ولد قال: ما أريد العشاء، ماذا فيك؟ قال: آه! الزفرة تقض صدره، لماذا؟ ماذا حصل؟ حريق في الصدر، من أين هذا الحريق؟ من نظرة واحدة فقط:
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر |
وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل |
لكن غض بصرك يسترح قلبك، يقول المثل: (نافذة يأتيك منها ريح أغلقها واستريح ). لكن تفتح عينك على الناس تفتح عينك على العذاب وعلى النار -والعياذ بالله- هذا المجال الثالث من مجالات النظر وهو أن تعرف أن في كل نهي وفي كل شيء حرمه الله مصلحة لك أيها الإنسان ليس قيداً، بعض الناس يقول: هذه قيود، هذه حدود من شخصيتي، هذا كبت، لا. هذه مصلحة لك، لولا القيود لكنت متفلتاً، تقيد الآن من أجل أن تنفلت عند الموت وتدخل الجنة، ترى كل شيء، وتنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، تنظر إلى الحور العين، تنظر إلى وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، تنظر إلى وجوه الأنبياء كلهم، تنظر إلى وجوه الصحابة كلهم، لكن تفتح عيونك الآن في وجوه الزانيات المومسات يقفل الله عز وجل بصرك عن نظرك إليه يوم القيامة: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].
لا ترى الله يوم القيامة، من يرى البعيدُ والعياذ بالله؟ يرى فرعون وهامان وقارون وإبليس في النار، فيكمل معهم والعياذ بالله، هذا مجال ثالث.
وتفكر في أمثال القرآن الكريم: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] يضرب الله لك مثل القرآن الكريم، يقول: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [الحشر:21].
لو خاطب الله بالقرآن الجبال الصم الرواسي لرأيتها خاشعة متصدعة، وقلبك أقسى من الجبل ما يخشع لكلام الله! إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ [يونس:67] سبحان الله! عبرة لكن من يعتبر؟ صاحب القلب السليم الأمثال هذه مجال نظره.
هذا الملك العظيم يدلك على عظمة الثمن، ليس برخيص: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) عندما تعرف أنك لك اثنتين وسبعين حورية في الجنة، الواحدة منهن -من نساء الجنة- لو أشرفت على الأرض لطمس نورها ضوء الشمس والقمر، ولو أنها في المشرق ورجل مزكوم في المغرب لشم رائحتها، تخرق أنفه على بُعد المشرق والمغرب: (نصيفها -أي: شيلتها على رأسها- خير من الدنيا وما عليها) اثنتين وسبعين حورية تريدهن مجاناً؟! الآن امرأة واحدة ما لقيتها إلا بعد قَلْعِ ضرسك، لكن هذه حورية، كبدها مرآتك، وكبدك مرآتها، عليها سبعين حلة، ترى مخ ساقها من وراء الحلل، تريدها مجاناً؟!! بعض الناس يريدها وهو ينام عن صلاة الفجر، ويريدها وهو يغني، ويريدها وهو يدخن، يقال له: اترك الدخان، قال: والله يا شيخ أريد أن أتركه لكن ما استطعت، اجلس يا عبد السيجارة على ما أنت عليه! لا حول ولا قوة إلا بالله!
فعندما تعرف ما أعد الله لأهل الإيمان في الجنة تقول: والله هذه السلعة غالية، والله تحتاج إلى تعب، ولقد قال عليه الصلاة والسلام: (ألا هل من مشمر للجنة؟ إن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وقصر مشيد، وريحانة تهتز، قال الصحابة: نحن المشمرون يا رسول الله! قال: قولوا: إن شاء الله).
وشمروا رضي الله عنهم وصدقوا: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].
النار وما أعد الله فيها من السلاسل والأغلال والأنكال، ومن الحميم والزقوم واليحموم، ومن العذاب الذي لا يتصوره العقل ولا يخطر في بال الإنسان، تعرف أن المعصية عليها أثر كبير في النار فتوقف، الله لا يتوعد بهذا الوعيد الشديد إلا لعظمة الكفر، ولعظمة المعاصي؛ لأن الله لا يُعصى، إذا كان الله عز وجل أخرج إبليس قال الله للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس: قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الحجر:34].
وأخرج أبوينا من الجنة بذنب واحد، قال الله لآدم: كل من الجنة إلا هذه الشجرة، جاء إبليس قال: كل منها، فلما أكل منها، قال تعالى: اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً [طه:123] وأنت ما زلت في الخلاء وتريد أن تدخل الجنة وعندك مليون ذنب، كيف المسألة؟! ما هي سهلة يا إخواني! نسأل الله يتغمدنا برحمته.
والله صعبة جداً جداً، ولكن نحن نتكل على عفو الله ورحمته، ونتوب دائماً، ونرجع ونصحح الوضع مع الله تبارك وتعالى، فهذه مجالات التفكير في كتاب الله باختصار، أعيدها مرة ثانية:
أولاً: مجال النظر في كونه دليلاً من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: مجال النظر في كون أحكامه التي أمر الله بها ذات مصالح عظيمة على الأمة.
ثالثا: مجال النظر في كون الحرام والمحرمات التي حرمها الله في تحريمها مصالح للمسلمين.
رابعاً: مجال النظر في الأمثال وفي قصص القرآن وفيما أعد الله لأهل الجنة في الجنة -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها- وفيما أعد الله لأهل النار من العذاب -أسأل الله أن يحرم أجسادنا ورقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا عليها- إنه على كل شيء قدير.
أما المجال الثاني من مجالات التفكير:
أن تتفكر أيها المسلم في مخلوقات الله عز وجل، فيما بث الله عز وجل من الآيات الدالة على عظمته في السموات وفي الأرض، وهذا العنصر يتكلم فيه بشيء من التفصيل والدقة أخي فضيلة الشيخ: ناصر بن مسفر الزهراني شاعر الدعوة وخطيب جامع الحارثي في مكة المكرمة ، والمحاضر بجامعة أم القرى، فليتفضل حفظه الله، وأرجو منه ألا يطيل، ويختصر من أجل أن يبقى لي بعض الوقت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوة المؤمنون: نزولاً عند رغبة فضيلة الشيخ وبعض الإخوة في أن أشارك في هذه الليلة الطيبة، استجبت لهذه الرغبة سائلاً الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما نقول وما نسمع إنه على كل شيء قدير، وإن كان هذا المطلب وهذا العنصر بالذات الذي طلب فضيلة الشيخ أن أتحدث عنه هو أمر صعب وشاق، فمن هو الذي يستطيع أن يتحدث عن مخلوقات الله تعالى، وأن يلم بها، وأن يبين أسرارها، ومواطن الإعجاز فيها.
مخلوقات الله تعالى أعظم وأجل وأكبر من أن تحصى ومن أن يحيط بها إنسان:
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
عن أي شيء نتحدث أيها الأحبة! من مخلوقات الله تعالى؟ إن القرآن الكريم قد حثنا على التفكر في مخلوقات الله تعالى، وقد حثنا على التفكر في شيء يسير منها، لكي نستدل بهذا الجزء وبهذا القليل على الكثير الباقي من مخلوقات الله تعالى، فكان الحديث في القرآن الكريم عن أشياء وعن مخلوقات هي من أهم المخلوقات ومن أجلها ومن أعظمها، حثنا القرآن الكريم على التفكر في خلق السموات والأرض، وكم فيها من عبر؟! وكم فيها من أسرار من عظمة الله تعالى؟ وكم فيها من مواطن الإعجاز؟ أمرنا أن نتفكر في الشمس والقمر والليل والنهار والأرض والجبال، وفي مخلوقات الله تعالى للكائنات الحية، أمرنا أن نتفكر في الإبل، أمرنا أن نتفكر في أنفسنا، أشياء وأشياء كثيرة من مخلوقات الله تعالى حثنا القرآن على التفكر فيها.
لكن أيها الأحبة! -كما ذكرت- ما دمنا لن نستطيع الحديث عنها، فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، سنتحدث عن أمر واحد من مخلوقات الله تعالى لكنه من أعظم تلك المخلوقات، وأشدها تعقيداً، وإعجازاً، نتبين من خلاله سر العظمة والإعجاز، نتبين من خلاله عظمة الواحد الأحد سبحانه وتعالى؛ لأن التفكير ليس أمراً مقصوداً في ذاته، إنما الغرض من هذا التفكير أن نصل إلى الغاية، وهي معرفة الله سبحانه وتعالى، معرفة عظمة الله تعالى، معرفة هذا الخالق العظيم سبحانه وتعالى، لذلك سنتحدث عن أمر وهو قريب منا جداً، سنتحدث عن أمر نعرفه جميعاً، أتدرون عن أي شيء سنتحدث؟
سنتحدث عنا نحن، عن أنفسنا، عن خلقنا، عن الإنسان، استجابة لأمر الله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] إنه حديث موجز وسريع ومقتضب، أشارك به في هذه الليلة في الحديث عن سر الإعجاز في خلق الإنسان، وحينما يتأمل الإنسان الآيات القرآنية التي تكلمت عن خلق الإنسان والله يجد العجب العجاب، ويجد فعلاً عظمة الله تعالى في خلق هذا الإنسان، هذا المخلوق العجيب، من يتصور أيها الأحبة! أننا نحن هذا الكائن الغريب؟! هذه الأجسام العظيمة، هذه العقول، هؤلاء البشر الذين يمشون على الأرض من يتصور أن أصل هؤلاء جميعاً هو من نطفة؟! بل من نطفة قذرة يتقزز الإنسان منها لو رآها على ثوبه، لو وقعت على ملابسه لتقزز الإنسان منها، كما قال الله تعالى: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:8].
بل حتى القرآن أحياناً يذكر هذه الحقيقة على استحياء: كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ [المعارج:39].
أدرى بنفسك، تعرف ماضيك، تعرف حقيقتك، (إنا خلقناهم مما يعلمون).
ويقول تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:12-14].
أيها الإخوة المؤمنون: من خلية واحدة، من عشرات الألوف الكامنة في نقطة واحدة من ماء الرجل تتحد ببويضة المرأة في الرحم، ينشأ ذلك الخلق المعقد المركب، وهو من أعجب الكائنات الحية، الخلية هي الحجر الأساس في بناء الإنسان، ومنها يبدأ سر الحياة، هذه الخلية التي لا ترى إلا بالمجاهر الضخمة فهي على صغرها عبارة عن بحر متلاطم مليء بالحيوانات المختلفة، وهي مليئة بالعناصر فيها حوالي ثمانية عشر عنصراً من الأكسجين والفحم والكبريت والكلس والفسفور ...، في جسم الإنسان من هذه الخلايا ألف مليون مليون خلية، ويستهلك الجسم في الدقيقة الواحدة من خلاياه سبعة آلف وخمسمائة مليون خلية، من يصدق أن هذه النقطة الصغيرة المتعلقة بجدار الرحم تكمن فيها جميع خصائص هذا الإنسان المقبل من صفاته الجسدية وسماته من طول وقصر وضخامة وضآلة، وقبح ووسامة، وآفة وصحة، كما تكمن فيها صفاته العصبية والعقلية والنفسية، وأن هذه النقطة الصغيرة الضئيلة في هذا الإنسان المعقد المركب الذي يختلف كل فرد من جنسه عن الآخر فلا يتماثل اثنان في هذه الأرض على الإطلاق، وهذه من أعجب الأشياء، هذه النقطة الصغيرة كل البشر لا يمكن أن يأتي اثنان متشابهان في كل الأشياء، مستحيل.
قد يتشابه اثنان مثلاً في لون الوجه، في لون العينين، في بعض الملامح البارزة لكن لا يمكن أن يتفق على وجه الأرض منذ فجر الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يمكن أن ترى اثنين يتشابهان في كل الأمور، وفي كل الصفات، وفي المزاج، وفي التفكير، وفي الطبائع، لا يمكن، بل اللمحة العجيبة في ذلك أن الإبهام لا يمكن أن يتشابه فيه اثنان على وجه الأرض أبداً، تدرون متى يمكن أن يتشابه إبهامان على وجه الأرض، يقول العلماء: يحتمل أنه في حوالي أربعة وستين ملياراً من البشر، يمكن أن يتشابه إبهام اثنين من الناس، أي: لو وجد عندنا من البشر أربعة وستون ملياراً لعل اثنين منهم يتشابهون في الإبهام ولا يمكن أن يتشابه اثنان في الإبهام، وانظر إلى هذه العظمة ولذلك بعض العلماء يقول: هذه المعجزة لها إشارة في كتاب الله تعالى وهو قوله: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4] قالوا: هذا هو المقصود. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ فقلنا: لو أن في أربعة وستين ملياراً من البشر يمكن أن يتشابه فيهم اثنان، مع أن البشرية كلها على آخر الإحصاءات يمكن ما تصل إلى أربعة مليارات، ليس أربعاً وستين ملياراً، هذا المخلوق، هذه النطفة الصغيرة أيها الأحبة! من يصدق أنه سيتشكل منها ذلك المخلوق الكامل الذي هيأه الله سبحانه وتعالى وخلقه فأحسن صورته، انظر إلى هذا الإنسان كم فيه من بدائع صنع الله تعالى، كم فيه من الإعجاز، انظر إلى البصر، انظر إلى العين وما فيها من الإعجاز، انظر إلى السمع وما فيه من تعرجات تحفظها، انظر إلى السائل المر في الأذن، انظر إلى العين كيف جعل الله تعالى فيها سائلاً مالحاً؟! انظر كيف جعل الله تعالى الحدقة مصونة بالأجفان لتسترها وتحفظها وتسقلها وتدفع عنها الأقذاء، وجعل شعر الأجفان أسود ليساعد على استقبال الرؤية، وجعل كما ذكر ماء العين مالحاً وماء الأذن مراً وماء الفم حلواً؟! ولو أن ماء الفم على غير هذا الطعم، ما استطاع الإنسان أن يتلذذ بشراب على الإطلاق، وأعذب ماء في البدن الذي هو في الفم.
سبحان الله! ما أعظم خلق الله تعالى! نحن -أيها الأحبة- ما نتفكر في أنفسنا، الإنسان منا ينام لكن ما يفكر في ليلة من الليالي كيف ينام، الإنسان يفكر ويحتفظ في عقله بالصور العظيمة العجيبة ما يفكر في هذا العقل، ما يفكر في اليد، ما يفكر في بديع خلق الله تعالى فيها، ما يفكر في نفسه، ما يتأمل خلق الله سبحانه وتعالى.
دعونا نقف لحظات قصيرة جداً لنتأمل بعض سر الإعجاز في خلق الله تعالى للإنسان: وزن القلب حوالي ثلاثمائة واثني عشر جراماً، ينبض بمعدل سبعين نبضة في الدقيقة، أي: بمعدل مائة ألف مرة يومياً، هذا القلب، ينبض القلب الواحد في العام حوالي أربعين مليون مرة، تصور هذا الجهاز من حفظه، أي جهاز في الدنيا لا يمكن أن يعيش هذه المدة الطويلة بهذا الحفظ وبهذا الصون، مَنْ حفظه؟!
وفي كل نبضة يدخل حوالي ربع رطل من الدم، ويضخ في يوم واحد اثنين وعشرين ألف جالون من الدم! -قد تستغربون، تقولون: هذا الشخص يمكن اليوم أتى بأشياء حلمها في الليل، هذا العلم أثبت هذه الأشياء، ليس من كيسي هذا العلم، هذا الطب، هذه الحقائق أتت حتى من غير المسلمين، هذا طب يفرض نفسه، ما هي اجتهادات ولا تخيلات، هذا علم- اثنين وعشرين ألف جالون من الدم، وحوالي ستة وخمسين مليون جالون على مدى حياة كاملة، يضخها القلب، فأي محرك يستطيع القيام بمثل هذا العمل الشاق؟! الدم الذاهب إلى الدماغ يعود إلى القلب في ثمان ثواني، بينما يعود الدم الذاهب إلى أصابع القدم في ثمانية عشر ثانية، وفي الدم خمسة ملايين كرية حمراء، في كل ملي متر مكعب واحد من الدم، خمسة ملايين كرية حمراء أي: تبلغ في مجموع الدم العام حوالي خمسة وعشرين مليون كرية حمراء.
وتفرش هذه الكريات سطحاً مقداره ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسين متر مربع، وإذا صفت كريات الدم الحمر التي في بدن واحد بجانب بعضها البعض، أي: لو أتينا إلى الكريات الحمر في إنسان وصففناها بجانب بعضها البعض كم تتصورون أنها تمتد؟ كم يكون طولها؟ لو صفت بجانب بعضها البعض فإن مجموع هذه الكريات ينشئ طولاً يغلف الكرة الأرضية ستة أو سبع مرات، وتمشي الكرية الحمراء في رحلتها لنقل الأكسجين ألف ومائة وخمسين كيلو متر في عروق البدن، يحوي الجسم البشري أكثر من ستمائة عضلة، وأكثر من مائتي عظم، وتحوي العضلة المتوسطة الحجم على عشرة ملايين ليف عضلي، في كل يوم يتنفس الإنسان خمسة وعشرين ألف مرة، يسحب فيها مائة وثمانين متر مكعب من الهواء، يتسرب منها ستة أمتار ونصف متر مكعب من الأكسجين إلى الدم، عمل العضلات مجتمعة في اليوم يساوي ما حمولته عشرون طناً -عمل عضلات جسم الإنسان الواحد يساوي ما حمولته عشرون طناً- في المعدة حوالي خمسة وثلاثين مليون غدة للإفراز، في الدماغ ثلاثة عشر مليار خلية عصبية، ومائة مليار خلية دبقية استنادية تشكل سداً منيعاً لحراسة الخلايا العصبية من التأثر بأية مادة، في العين الواحدة حوالي مائة وأربعين مليون مستقبل للضوء، في العضو الذي يمثل شبكية الأذن حوالي ثلاثين ألف خلية سمعية لنقل كافة أنواع الأصوات، وهذا إعجاز أيضاً، لو تسمع ألف صوت من أول ما يكلمك الشخص تعرف صوته، من الذي أعطاك هذا التمييز تعرف صوت هذا من صوت هذا؟!
في الدم الكامل خمسة وعشرين مليون مليون كرية لنقل الأكسجين، وخمسة وعشرين مليار كرية بيضاء لمقاومة الجراثيم ومناعة البدن، ومليون مليون صفيحة دموية لحفظ الدم ضد النزف وإيجاد التخثر في أي عرق نازف.
ومما يذكر هنا أن الكريات الحمر تقوم بنقل ستمائة لتر من الأكسجين لخلايا الجسم كل أربع وعشرين ساعة، يعتبر الكبد أكبر غدد البدن، ويزن ألف وخمسمائة غرام، وفيه من الخلايا ثلاثمائة مليار خلية، في الكبد وحده! يمكن أن تتجدد هذه الثلاثمائة مليار كلياً خلال أربعة أشهر، الكلية تزن مائة وخمسين غراماً فيها مليون وحدة وظيفية لتصفية الدم، ويرد إلى الكلية في مدة أربعٍ وعشرين ساعة ألف وثمانمائة لتر من الدم، يضخ القلب حوالي ثمانية آلاف لتر من الدم، داخل الجملة الدورانية التي تمتد في جسم الإنسان حوالي مائة وخمسين كيلو متر.
هذه أيها الأحبة! حقائق عظيمة، وكما ذكرت قد يستغرب الإنسان ومن يتصور أن هذا جزء يسير؟! والله ما أتيت إلا بغيض من فيض، وهذه الأشياء يسيرة جداً، وإلا فهذا المخلوق مخلوق عظيم عجيب، من يتصور أن هذا كله موجود في هذا الكائن الحي، في هذا الإنسان؟ فمتى تفكرنا -أيها الأحبة!- في بديع صنع الله تعالى، وفي عظمة خلق الله تعالى لنا؟ إن التفكر في الإنسان -أن يتفكر في نفسه- من أعظم الأشياء التي تقوده إلى معرفة الخالق، وإلى توحيد الله تعالى، وإلى إجلال الله تعالى، وإلى زرع مهابة الله تعالى في قلب الإنسان وفي صدره:
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى عالم أكبر |
فمن الأمور التي يفكر فيها المسلم أن يتفكر في نفسه، كما قال تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].
وإلى غير ذلك من الآيات العظيمة، وأنا في الحقيقة أعلم أنكم ما أتيتم إلا حباً في الشيخ؛ لذلك اعتذر إن كُنت أخذت شيئاً من وقته ووقتكم، وأسأل الله العلي القدير أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، وأترك المجال إلى الشيخ سعيد حفظه الله، فليواصل مشكوراً مأجوراً.
شكر الله لك، وأثابك الله، ونسأل الله عز وجل أن يجعل في هذه الإحصاءات ما يقوي إيماننا بالله عز وجل، وهذا أمر شرعي ندب إليه القرآن، يقول الله عز وجل: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق:5].
لأن نظرتك هذه تبعد عنك الخيلاء والكبرياء، وتعرف أصلك أيها الإنسان، ثم نظرتك في خلق الله، وكيف خلق الإنسان: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:21-22]. هذه تجعلك تؤمن عن يقين وتقول في ثقة: أشهد أن لا إله إلا الله، وإلا فمن خلقك؟ إن لم يكن ربك الذي خلق كل شيء من خلقك؟ الملاحدة ينسبون خلقك إلى الطبيعة، ما هي الطبيعة؟ الأرض التي تدوسها بقدمك تخلق؟! الأرض الصماء البكماء العمياء تمنحك السمع والبصر والعقل؟! لا والله، ما خلقنا إلا الله عز وجل.
هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3].
فنشهد أن لا إله إلا الله شهادة من أعماق قلوبنا، ونشهد أن محمداً رسول الله، ونشهد أن هذا هو الحق، وأن الدين هو الحق، وأن البعث هو الحق، وأن كلما جاء به كتاب الله حق، وهذه نتيجة كما سمعتم في سورة الحج في آية البعث، يقول: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:6-7] هذا هو مجال النظر في مخلوقات الله.
التفكير الثالث: التفكير في نعم الله عليك أيها الإنسان، وهذه ضرورة؛ لأنك إذا ذكرت نعم الله حصلت لك المحبة لله، فالذي ينعم عليك هو الله، وما من نعمة تمر عليك إلا والله مجليها ومسديها: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:53-18].
نعمة الخلق والإيجاد، نعمة الرزق والإمداد..نعمة العافية والإسعاد..نعمة الإيمان، كل النعم من الله تبارك وتعالى، فإذا تفكرت فيها، وعرفت هذه النعم، حصل لك حب منعمها ومسديها، وطريق النظر أن تنظر إلى من هو دونك، طريق معرفة نعم الله عليك أن تعرف وتنظر إلى من هو دونك في النعمة، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أحرى ألا تزدروا نعمة الله).
إذا كنت في بيت متواضع فانظر إلى الذين يستأجرون، وإذا كنت تركب سيارة فانظر إلى الذين يمشون، وإذا كنت معافى فانظر إلى المرضى، وإذا كنت طليقاً في حرية فانظر إلى السجناء، وإذا كنت في وظيفة فانظر إلى العاطلين، المهم أنك تنظر إلى نعم الله التي تحل بك وحرمها غيرك، مثلاً إذا معك سيارة طراز (90) لا تنظر إلى سيارة طراز (93)؛ لأنك تقول: سيارتي قديمة، لكن طالع في الذي معه (83) أو (70)، تقول: والله سيارتي أحسن من غيري، فأنت أحسن من غيرك؛ لأن الناس يتفاضلون في النعم من أجل عمارة الكون، يقول الله عز وجل: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] هذا المجال الثالث وهو النظر في نعم الله.
انظر إذا جلست في محاضرة ساعة، عينك كل قليل في الساعة، متى تكمل هذه المحاضرة، لكن انظر إلى اللاعبين والمشاهدين لملاعب الكرة، إذا انتهى الوقت الرسمي للمباراة يتمنون أن يكون تعادلاً؛ من أجل أنه يكون تمديد للمباراة ووقت إضافي، خاصة إذا كانت المباريات بالخروج المغلوب؛ وأنا أعرف هذا الكلام قد عشت فيه سنين، يقولون: نريد نصف ساعة، ويتمنون أيضاً أنه ينتهي الوقت الإضافي بالتساوي من أجل ركلات الجزاء، يريدون أن يطول الوقت، لماذا؟ لأنه (كلام فاضي) إنما الجد التي تعيشه النفس في محاضرة أو في سماع شيء طيب في حصة دراسية، والحصة الدراسية (45) دقيقة وعين الطالب كل وقت في الساعة، وكذلك المدرس، وكل واحد ينتظر متى يسمع الصفارة؛ لأنها قيد في مصلحة، لكن لو كان لعباً، لا أحد يريد أن يقوم، يجلسون على الورق من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ولا يحسون بتعب، هذه النفس هكذا!
ما مسئوليتك؟ مسئوليتك أن تفكر كيف تؤدب هذه النفس؟ كيف تسوقها إلى الله في بساط الخوف من الله؟ كيف تأخذ عليها؟ لأن نفسك إما أن تسيطر عليها أو تسيطر عليك، إن أرغمت نفسك وسخرتها، ولهذا جاء في الحديث: (الكيس من دان نفسه) إذا سخرتها بقوة الشرع حملتك إلى طريق الله، أما إذا سيطرت عليك هي وأصبح البعيد حمار نفسه، هذا تقوده نفسه إلى النار، ولهذا يقول الله: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41].
ويقول عز وجل : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أي: نفسه وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثـية:23] ما هناك نظر، لا يوجد اعتبار، أنت إذا أردت أن تصلي صلاة الفجر تأتيك النفس تحدثك: ارقد بقي وقت، تقول لها: لا. كلما أوحت إليك نفسك بتأخر عن طاعة أو بتحفزٍ إلى معصية فاعلم أنها من النفس الأمارة بالسوء، جاهدها، كم يستمر جهاد النفس؟ يستمر جهاد النفس فترة إلى أن تشعر نفسك أنه ليس لها سيطرة عليك، وأنك رجل راجح العقل، ما تطيعها أبداً، تقوم تنتقل إلى مرتبة ثانية اسمها اللوامة، ثم بعد ذلك تسوقها إلى أن تصبح نفسك مطمئنة، تطمئن أي تسكن إلى الله، لا تريد إلا طاعة الله، ما تريد إلا الصلاة، ما تريد إلا المسجد.
فإذا جاهد الإنسان نفسه حتى تطمئن على طاعة الله، وتصبح طاعة الله قرة عين الإنسان، ويحبب الله إليه الإيمان، كما قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ..) هناك يستمر على هذا حتى ينتهي أجله، ثم يدعى الدعاء الخالد، الدعاء الرباني، المبشر بالجنة، والذي قال الله فيه: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28] راضية في ذاتها، مرضي عنها من قبل خالقها وبارئها: فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:29-30].
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
فهذه النفس يا أخي الكريم! لا بد أن تقف منها موقفاً جاداً، احذر أن تلعب عليك نفسك، أو أن تخدعك، أو أن تزين لك الباطل، أو أن تكرهك في الحق، قاومها إلى أن يسهل عليك قودها.
يقول ابن القيم : إن النفس كالجواد. والجواد حينما تريد أن تدربه لا بد أن تأخذه بقوة إلى أن يمشي، أما إذا أخذته من غير عسف فإنه سوف يرميك، ولا بد أن يعسف الجواد، يعسف أي: يدرب على المشي والسباق، وهذه النفس لابد أن تدربها على السير في طاعة الله.
أما المقطوعة فكانت في أمسية شعرية في مكة المكرمة في ثانوية أبي زيد الأنصاري لتحفيظ القرآن الكريم، فكتبت مجموعة أبيات سميتها رسالة إلى أبي زيد الأنصاري وهو من حفاظ القرآن الكريم وممن جمع القرآن:
طاب اللقاء بين أحباب وسمارِ وآن لي أن أبث اليوم أشعارِ |
يا فتية الحق أنتم فجر نهضتنا أنتم لأمتنا كالكوكب الساري |
يا من وعيتم كتاب الله طاب لكم أنساً وفخراً ونلتم خير تذكارِ |
أنتم فخار لنا أنتم سعادتنا وليس أصحاب طنبور ومزمارِ |
أمجادنا بـأبي زيد وحنظلة بـمصعبٍ وابن مسعودٍ وعمارِ |
كم من وسام أبا زيد ظفرت به مجاهد، حافظ، والفرع أنصاري |
نلت الهدى من رسول الله فزت به غضاً طرياً كمثل السلسل الجاري |
إن بات غيرك في غيٍّ وعربدة وفي خمول فأنت الساجد القاري |
نم يا أبا زيد مسرور الفؤاد فما زالت جحافلنا تمضي بإصرار |
هم فتية عشقوا نشر الهدى وأتوا من قرب مسرى رسول الله والغار |
ساروا على نهجه الميمون في ثقة وأعرضوا عن طريق الذل والعار |
وهذه قصيدة عن العميان نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المبصرين في الدنيا والآخرة، كنت في اجتماع لبعض الأطباء عن مكافحة العمى في العالم الإسلامي، فطلبوا مشاركة فقدمت هذه القصيدة، بدأتها طبعاً بذكر بعض أخبار العمى، ثم آخر القصيدة حول الموضوع الذي كانت حوله تلك الندوة وذلك اللقاء، لكن لضيق الوقت أقتصر بمقطع من أول القصيدة على حسب ما أحفظ منها:
قالوا بلا بصر يمشي فقلت لهم عمى البصيرة أقوى من عمى البصرِ |
إن العمى أن ترى النهج القويم فلا تمشي إليه وتبقى حائر الفكرِ |
إن العمى أن يعيش القلب في شُبَهٍ كظلمة الليل في غيٍ وفي نكرِ |
إن العمى أن ترى الإنسان مظلمة حياته عاش بين الكأس والوترِ |
إن العمى أن ترى العينين مبصرة لكنها من هدى الباري بلا بصرِ |
وانظر عماية من ضلوا وما انتفعوا بأعين ماثلتها أعين البقرِ |
عين ترى كل ما في الأرض وامتنعت من نور خالقها يا خيبة النظرِ |
ليس التقى مظهراً أو حسن هندمة وليس في أعين فتانة الحَوَرِ |
إن التقى أن يعيش القلب ممتلئاً بنور مولاه يأبى ظلمة الخَوَرِ |
وأفضل الناس عند الله أعظمهم تقوى فما قيمة الأشكال والصورِ |
قد عاتب الله خير الناس في رجل أعمى وخلده في الآي والسورِ |
وكم إمام لنا قد كان ذا ضرر في أول العمر أو في آخر العمرِ |
كان ابن عباس أعمى وهو عالمنا وترجمان الهدى فاسأل عن القمر |
قتادة وعطاء سادة النجب والترمذي الذي قد ساد في الأثر |
والعكبري وأبو حيان والذهبي والشاطبي الذي قد جاء بالدرر |
وذو المصنف فانظر في مصنفه لهو ابن حنبل كم يلتذ بالسفر |
أئمةٌ كثرٌ لم يحصهم قلمي وجف عن ذكر أمجاد لهم حبري |
وانظر لباز التقى والعلم تبصره بدون عينين قد أربى على البشر |
عبد العزيز الذي تهفوا النفوس له وتشتري نظرة في وجهه النَّضِر |
كالبحر في علمه السامي وذو خلق كالمسك كالعنبر الفواح كالزَهَر |
وقبله ابن حميد فارس بطل مضى وسيرته من أطيب السير |
أنار بالعلم أنحاء الديار وما حال الـ ـعمى دون حسن الرأي والفكر |
رأى بنور الهدى ما غاب عن مقل النور للقلب ليس النور للبصر |
فرحمة يا إماماً عاملاً ورضاً يغشاك يا طيب الأنفاس والأثر |
إن كنت فارقتنا جسماً فما برحت روح التقى والهدى معطاءة الثمر |
ما مات من خلف الأبطال قد نهلوا من حسن تأديبهم من منهل عطر |
وقبلهم شيخهم مفتي الديار فهم مثل النجوم وذاك الشيخ كالقمر |
الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله، هؤلاء كلهم عمي، لكنهم أُسُوْد، عمي لكنهم أبصروا بنور الله تعالى.
وقبلهم شيخهم مفتي الديار فهم مثل النجوم وذاك الشيخ كالقمر |
ذاك الهزبر إذا ما صال صولته رأيت أعداء دين الله كالهرر |
شيخ أبي قوي في مبادئه وكل زيف وضعف فهو منه بري |
انظر فتاوى التقى ما كان يصدرها ممزوجة بانهزام النفس والخدر |
أئمة صبروا بالعلم واشتهروا ما ردهم ضرر عن قمة الظفر |
الطيب معدنهم والنصح ديدنهم نعم الرجال فهم فخر لمفتخر |
بشرى لمن عاش والقرآن قائده يمشي به في دروب الخير والظفر |
يا أمة غفلت عن درب عزتها ما بالها انغمست في الوحل والمدر |
يجدُّ أعداؤنا في دعم باطلهم ويبذلون ملاييناً بلا حذر |
حتى عمى العين نالوا منه بغيتهم بموفد بثياب الرفق مستتر |
الرفق ظاهرهم والمكر مبدؤهم أحفاد نقفور كلب الروم والتتر |
يعالجون عمى العينين كي يصلوا إلى عمى القلب يا للمبدأ القذر |
كم أدمغ غسلوا كم درهم بذلوا وهم وما بذلوا في أمهم سقر |
وأكتفي بهذا القدر والقصيدة موجودة ومسجلة، وحتى إن الإخوة أحرجوني أن أسجلها بصوتي، فهي مسجلة وموجودة في أمسية جديدة هي في طريقها إليكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر