وبعد:
أيها الأحبة: هذا الدرس يلقى في مسجد الشربتلي، بحي الربوة، بمدينة جدة ، بعد مغرب يوم السبت الموافق: (29/ رجب عام 1418 للهجرة)، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وهو ضمن السلسلة المعنونة: بـ(تأملات في السيرة النبوية) وعنوان هذه المحاضرة: (الأذى والابتلاء في حياة المؤمنين).
إن الابتلاء سنّة ربانية، يبتلي الله عز وجل بها من يدعي الإيمان؛ لأن الادعاء سهل، لكن إثبات صحة هذا الادعاء أمرٌ عسيرٌ، فمن السهل عليك أن تدعي ملكية عمارة أو شارع كامل، أو مدينة بأسرها؛ أو دولة بأسرها، لكن إذا طُلب منك إثبات ملكيتك بالدلائل فإنه من الصعب على الإنسان أن يثبته إلا إذا كان صادقاً في هذا الادعاء.
فادعاء الإيمان ليس أمراً هيناً نظراً لأن ثمرة هذا الادعاء سعادة الدنيا والآخرة، فالذي يكون مؤمناً حقيقياً فإن الإيمان الحقيقي يضمن له الفوز في الدارين، والسعادة في الحياتين، فهذه الثمرة ليست سهلة حتى يكون الإيمان سهلاً، لذا فإن الله لا يترك الناس عند هذه الدعوى، بل لا بد من ابتلائهم؛ يقول الله عز وجل في أول سورة العنكبوت: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2] لا يفتنون أي: لا يُختبرون: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] ويقول عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ويقول عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].
ومجال الامتحان والابتلاء والفتنة لا يحدده العبد؛ وإنما الذي يحدده هو الله، وإذا استعجل العبد الفتنة وطلبها وكله الله إلى نفسه، وخلى بينه وبين نفسه، ولهذا لا تتمن الفتنة ولا البلاء ولكن سل الله العافية، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تتمنوا لقاء العدو) لأن بعض الصحابة كانوا يقولون: متى نراهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو ولكن إذا لقيتموهم فاثبتوا) وآخرون استعجلوا القتال فقال لهم الله: لا يوجد قتال، لا يوجد إلا صلاة وصوم فقط، ففي فترة الاستضعاف التي كانت تعيشها الأمة في بداية عهد النبوة، لم يكن قد أذن بالقتال؛ لأن القوة غير متكافئة، والإمكانيات غير متقابلة، فالمؤمنون في قلة وفي ضعف، والكفر كان في قوة، فأي مناوشة للكفر بقتال معناه القضاء على الإسلام، وهذه سنّة ثابتة في حياة الأمة إلى يوم القيامة، فحينما تكون الأمة مستضعفة فليس من مصلحتها أن تواجه القوة الكافرة، ولكن الأولى أن ينصرف الناس إلى شيء آخر غير القتال.
قال الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:77] أي: عن القتال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء:77] أي: لما كتب الله عليهم القتال، كان أول من انتكس هم هؤلاء الذين كانوا يقولون: متى القتال؟ فلا تستعجل، وعليك أن تعبد الله سبحانه وتعالى على بصيرة وعلى كتاب وسنّة، وإذا فرض الله عليك البلاء من غير طلب منك ولا سؤال له، فإن الله عز وجل يعينك ويثبتك، وصوره كثيرة:
فمن صور الابتلاء: الابتلاء بالتكاليف الشرعية: كالصلاة والصوم والزكاة والحج، فهذا من البلاء؛ لأن فيه تعباً ومشقة.
ومن صور الابتلاء: الابتلاء بتحريم المحرمات من الشهوات؛ لأن في النفس البشرية ميل إلى الشهوات، فالله حرمها والنفس تريدها.
وتصديق الأخبار -أيضاً- من الابتلاء، فالله أخبرنا في القرآن، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم في السنّة بأشياء يلزمنا أن نصدق بها، حتى ولو لم تهضمها عقولنا؛ لأن عقولنا محدودة، نعم. لها قدرة على الاستيعاب والفهم، ولكن هذا العقل لا يستطيع أن يلم بكل حقائق الكون، فعليك أن تقبلها مادامت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا مجال إن جاءت أن تحكم عقلك فيها؛ لأنك إذا أردت أن تخضعها لذلك فلعلك تخطئ، ومعناه: أنك قدمت العقل على أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله قد ذكر أن أهل الإيمان إيمانهم في قلوبهم، ليس في عقولهم، قال الله تعالى: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3] والغيب ما لا يدركه العقل! فنحن آمنّا بالله رغم أننا لم نره، ولكنه أخبرنا عن نفسه في كتابه، وأخبرتنا عنه رسله في جميع الرسالات، وعرفناه بالعقل، وعرفناه بآياته ومخلوقاته التي بثها في الكون، فلا ينبغي لنا أن نعطي العقل أكبر من حجمه، بحيث نقول: لا نؤمن بالله حتى نراه بأعيننا، ونلمسه بأيدينا!
ولما أراد موسى عليه السلام أن يمارس هذه العملية وهو كليم الله ومن أولي العزم، قال الله: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144] ولما كلمه الله سبحانه وتعالى وأعطاه موعداً للمقابلة مرة ثانية، قال عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] يريد أن يرى رب العالمين، فإنه ليس عند موسى شك في الله؛ لأنه كلمه، لكن من باب حب الاستطلاع، يريد أن ينظر بعينه إلى الله، فقال له الله عز وجل: لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143] أي: لن تثبت عينك ولن تستطيع أن تتحمل قوة رؤية الله: وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143] جبل الطور: فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143] أي: أنه يمكن لك ولكن بشرط أن تكون مثل الجبل بالقوة، ولكنك لست في قوة الجبل: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً [الأعراف:143] هذا الجبل الأشم المخلوق من الحجارة الصم، صار دكاً كله، ولكن أين موسى؟ موسى بعيد عن الجبل، لم ينظر موسى إلى الله، وإنما تجلى الله للجبل، فمن أثر تجلي الله على الجبل خر موسى صعقاً وقال: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143].
فعقلك أيها الإنسان محدود وإمكانياتك محدودة، فإذا جاءت الأدلة من الكتاب أو من السنة، فهذا معناه أن الأمر انتهى وآمنا بالله؛ لأنه لا أحد أصدق من الله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87] وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122].
وإذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر صدقنا به حتى ولو لم تقبله عقولنا.
لم تُجدِ جميع الوسائل ولا الأساليب ولا الطرق التي عملها كفار قريش، لصد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعوته، وما بقي إلا القوة، وكما يقال: آخر العلاج الكي، فحملوا معول الهدم، وبدءوا في الأذية والابتلاء للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة من السابقين الأول رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان أبو لهب -عليه من الله ما يستحق- إذا سمع عن رجل أنه أسلم وله شرف وله منعة، أنبه وشتمه وقال له: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك، ولنضعن شرفك.
وإذا كان تاجراً جاء إليه وقال له: سوف نكسد تجارتك، ونهلك مالك.
وإن كان ضعيفاً، ضربه وآذاه وأغرى به غيره.
ثم استفحل الأذى حتى في الفترة التي أعلن فيها النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة، وأضحى يظهر شعائر الدين، مثل الصلاة عند الكعبة، فلم تستطع قريش أن تصبر؛ فقد روى مسلم في صحيحه : أن أبا جهل قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى حول الكعبة، فقام كفار قريش وأخبروا أبا جهل ، فجاء وهجم على النبي صلى الله عليه وسلم، وما فاجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، كأن شيئاً يهدده، فقيل له: مالك؟ -لأن الناس لا يرون شيئاً، إنما يرونه يتقي بيديه كأن أحداً يصفعه، قيل له: مالك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو دنا مني؛ لاختطفته الملائكة عضواً عضواً) قال: وأنزل الله عز وجل: كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]إلى قوله عز وجل: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى [العلق:9-10] ثم قال عز وجل: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19].
يروي البخاري أيضاً عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [رأيت
وهذا من مواقف أبي بكر الخالدة، أنه منع النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الكافر.
وروى البخاري ومسلم أيضاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، و
وآذى عتبة بن أبي لهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفل في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فاستجيب دعاؤه، وأكله السبع وهو في الزرقاء في الشام ، إذ كانوا في سفر، وكان ينام وسط الناس خوفاً من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى إليه الأسد وأكله من وسطهم وهم نيام.
هذا بعض الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأوذي أيضاً معه الصحابة، ومنهم أبو بكر قام خطيباً في المسجد الحرام، فضربه المشركون ضرباً عنيفاً وممن ضربه عتبة بن ربيعة ، جعل يضربه بالنعل على وجهه، حتى سال الدم فلم يعرف وجهه من كثرة الدماء.
وممن ضُرب من الصحابة عبد الله بن مسعود ، وكان أول من جهر بالقرآن بين أظهر المشركين، وحذره النبي صلى الله عليه وسلم من عدوان المشركين عليه، وعندما فعل ذلك ضربوه على وجهه حتى أثروا فيه، فقال له الصحابة: هذا ما خشينا عليك، فقال: ما كان أهون أعداء الله عز وجل منهم الآن، والله لئن شئتم لآتينهم غداً بمثلها.
وممن أوذي أيضاً عثمان بن مظعون ، وقصته يا إخواني تبعث على العجب وتبين لنا قوة إيمان هؤلاء الرجال، عثمان بن مظعون رجع من الهجرة الأولى إلى الحبشة ولكن قريشاً رفضت أن يدخل أحدٌ إلا في جوار أحد، فدخل في جوار الوليد بن المغيرة ، وهو من كبار قريش، ولما رأى عثمان بن مظعون الأذى الذي يقع على الذين دخلوا في غير جوار، ورأى نفسه لا أحد يؤذيه لأنه في جوار رجل عظيم، فقدم إلى مجلس قريش ولما قدم إلى مجلس قريش في مكة وفيهم لبيد بن الأبرص شاعر جاهلي، يقول:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل |
قال عثمان: صدقت، فلما جاء بالشطر الثاني:
وكل نعيم لا محالة زائل |
قال: كذبت، فإن نعيم الجنة لا يزول، قال: لبيد الشاعر الجاهلي: يا معشر قريش! والله ما كنت أظن أن أؤذى وأنا في مجلسكم! فقال رجل من القوم: إن هذا من سفهاء قومه، قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قولهم شيئاً، فرد عليه عثمان حتى تفاقم الأمر، فقام إليه ذلك الرجل فلطمه على عينه ففقأها، والوليد بن المغيرة قريب منه، وقبل ذلك رأى عثمان بن مظعون أن الصحابة يتعرضون للأذى فجاء إلى مكة وقال: إني قد تركت جوارك يا وليد إلى جوار الله، لأنه يريد أن يأتيه أذى، فهو يرى الصحابة يؤذون وهو لا يؤذى، فقال: خرجت من جوارك يا وليد بن المغيرة إلى جوار الله، ولما جاء في مجلس قريش وآذوه والوليد جالس ينظر، قال له: يا ابن أخي والله إن كانت عينك لفي غنى مما أصابك، لقد كنت في ذمة منيعة، فقال عثمان : بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في ذات الله! -الله أكبر! لا إله إلا الله!!- وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ، فقال له الوليد : هلم يا ابن أخي إن شئت فعد إلى جواري، فقال: لا، وترك جوراه.
وممن كان يعذب أيضاً من الصحابة، الزبير بن العوام كان يعذبه عمه، ويعلقه في حصير ويشعل عليه النار، ويقول: ارجع إلى الكفر فيقول الزبير : لا والله لا أرجع.
وأول أسرة تعرضت للعذاب وكلها أسرة موالي، كلها أرقاء، أسرة آل ياسر، رضي الله عنهم وأرضاهم، كانت هذه الأسرة يضرب بها المثل فيما لاقاه المستضعفون من الابتلاء في أول تاريخ الإسلام، وقد كان بنو مخزوم وهم أسياد آل ياسر يخرجون بهم إذا حميت الظهيرة، فيعذبونهم برمضاء مكة ، ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة وهم يعذبون، فنظر إليهم، وقال لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) وكانت أول شهيدة في الإسلام هي سمية بنت خياط أم عمار وزوجة ياسر ، طعنها أبو جهل عليه من الله ما يستحق، مر عليها وهي مقيدة بيديها وأرجلها في الرمضاء وهي تقول: أحد أحد، فطعنها بالرمح في قبلها وماتت، وكانت أول من أريق دمه وأول شهيدة نالت شرف الشهادة في سبيل الله في الإسلام، وأيضاً مات زوجها ياسر ، مات شهيداً من شدة العذاب، ورمي ابنه عبد الله بسهم فمات، وتفننوا في إيذاء عمار بن ياسر ولد سمية ، حتى أجبروه في يوم من الأيام على أن يتلفظ بكلمة الكفر بلسانه، وقد ذكر جمهور المفسرين، أن سبب نزول قول الله عز وجل: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً [النحل:106] أنها نزلت في عمار؛ لأنهم عذبوه حتى انتهى صبره، ثم قالوا له: والله لا نتركك من هذا العذاب حتى تسب محمداً، وتكفر بمحمد، فقال كلمة الكفر مضطراً، ثم لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكا إليه وقال: (يا رسول الله! والله ما تركوني حتى نلت منك وسببتك، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد) ونزل قول الله عز وجل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ [النحل:106].
عمر المخزومي يجعل بلالاً سيداً، رغم أنه في ميزان الناس عبد، لكنه في ميزان الإسلام والإيمان والدين سيد، بلغ درجة جعلت عمر المخزومي يجعله سيداً من سادات المسلمين رضي الله عنه وأرضاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (إيه
لأن الوضوء سلاح المؤمن، وأنت مخلوق للعبادة، وما دام أنك مخلوق للعبادة، فيجب أن تكون مستعداً باستمرار للعبادة، وتكون مستعداً باستمرار للعبادة بالوضوء، بحيث إذا أردت تصلي إذا بك متوضئاً، وإذا دخلت فريضة إذا بك متوضئاً، المهم أنك دائماً على طهارة، وبعد ذلك إذا توضأت وصليت ركعتين، صار نور على نور، فالصلاة نور والوضوء نور، ولهذا كان هذا العمل العظيم الذي يفعله هذا الرجل العظيم، وأقره النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فيعتبر من سننه صلى الله عليه وسلم بالإقرار.
يقول بلال أعطشوني يوماً وليلة، ثم أخرجوني فعذبوني في الرمضاء في يوم حار.
وعندما رآه أبو بكر في هذه الحالة، ساوم سيده على شرائه، فاشتراه وأعتقه رضي الله عنه وأرضاه.
وكانوا يضجعونه على الرضف وهي الحجارة المحماة، ومع ذلك لم ينالوا منه ما أرادوا من الردة، بل كان ثابتاً ثبوت الجبال على عقيدته، وله قصة مشهورة مع العاص بن وائل ، وهو من صناديد قريش والقصة مذكورة في البخاري ومسلم والذي يرويها هو نفسه، خباب بن الأرت ، يقول: كنت قيناً -أي حداداً- في مكة ، فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيتك حتى تكفر بمحمد، فقال: لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يميتك الله ثم يبعثك، قال: أجل إذا أماتني الله ثم بعثني، فسوف أقضيك، من باب التهكم والاستهزاء، فأنزل الله عز وجل فيه قوله سبحانه وتعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً [مريم:77-78].
ولما رآه أبوه وهو أبو قحافة يشتري هذه الرقاب العظيمة، وهذه الأنفس الأبية التي تعذب في الله، ويعتقها، قال: يا بني! إني أراك تعتق رقاباً ضعيفة، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً يمنعونك ويقومون دونك، فقال له أبو بكر : يا أبت إني إنما أريد بذلك وجه الله عز وجل، فأنزل الله فيه قوله سبحانه وتعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7] إلى أن قال عز وجل: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:19-21] هذه نزلت في أبي بكر وعده الله أنه سوف يرضى يوم القيامة.
ولما أسلمت زنيرة وأعتقها أبو بكر، أصيبت بمرض في عينها فعميت، فقال كفار قريش: والله ما أعماها إلا اللات والعزى، فبلغ الخبر أبا بكر الذي أعتقها، فقال: كذبوا والله، والله لا تضرها اللات والعزى ولا تنفعها، اللهم رد بصرها فرد الله بصرها وأخزى هؤلاء الكفرة، قال تعالى: قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [الشعراء:72-74] فكانوا يعبدون الأصنام التي لا تضر ولا تنفع؛ لأن من مقتضيات الإله الذي يعبد أنه قادر على الضر والنفع، أما إله لا يضرك ولا ينفعك، بل بعضهم يبول عليه، وبعضهم يأكله، فكيف تعبده؟!
فمستلزمات العبودية والابتلاء والتكليف تحمل المشاق، ومجاهدة النفس والأهواء، والصمود في وجه الابتلاءات والفتن، والفتنة والابتلاء هي المحك وهي الميزان الذي يميز به بين الصادق والكاذب، قال الله تعالى فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10]. وجد أناس قالوا: آمنا؛ لكن لما جاء المحك، لما جاء الابتلاء لم يثبتوا تأتي صلاة الفجر فلا يصلون، وأثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، جاء الجهاد فتخلفوا، جاء الإنفاق فكانوا يلمزون في الصدقات، لما طلبوا للجهاد قال أحدهم: لا تفتني أنا إذا جئت ورأيت النساء لا أستطيع أن أقاتل، قال الله: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة:49] طلب منهم الإنفاق قالوا: هذه أخت الجزية.
أيها الإخوة: البلاء سنة إلهية، وسنة كونية ربانية، فإنه لا بد من البلاء للإنسان، حتى يتميز أهل الإيمان من أهل النفاق، لكن كما ذكرت لكم -أيها الإخوة- وهو أن المسلم عليه أن يسأل الله العافية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس حين سأله وقال: (أدع الله لي يا رسول الله، قال: سل الله العافية، قال: زدني، قال: سل الله العافية، ثم قال: يا
وفيما نحن فيه من الابتلاء ما يكفينا ويغنينا عن ابتلاء آخر في جسدك أو في مالك أو في نفسك، عليك أن تثبت وأن تستعين بالله سبحانه وتعالى وأن تقوم بالتكاليف فإن فيها غنية.
فالتكليف بالصلوات الخمس نوع من الابتلاء فإن أوقات الصلوات تتعارض مع راحة البال، فالموظف يجئ من الدوام الساعة الثانية والنصف ويتغدى وبعد قليل يؤذن العصر، فإما أن يذهب يصلي، وإما أن ينام، إن كان عنده إيمان ذهب وصلى، وإن كان إيمانه ضعيفاً أو عنده نفاق فإنه ينام عن صلاة العصر، وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) وحبط أي: فسد، والحبط هو داء يصيب المواشي إذا أكلت شيئاً من أنواع النبات، فتنتفخ بطونها حتى تحبط وتموت، كذلك العمل يحبط، أي: يفسد إذا ضيعت صلاة العصر.
وفي مسلم : (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر ماله وأهله) أي: كأنه خسر ماله كله وأهله كلهم، والله يقول: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] والصلاة الوسطى قال بعض العلماء: إنها صلاة العصر، الله أفردها بالذكر لأهميتها، نضرب مثالاً على ذلك لو أنك موظف، ويأتيك المدير بمجموعة من المعاملات، ويقول لك: اعمل الإجراءات على المعاملات هذه وخصوصاً هذه، ويخرج لك إحدى المعاملات ويقول أكمل الإجراءات على كل المعاملات، وبالذات هذه فانتبه، فماذا تعمل؟ وبأي معاملة سوف تبدأ؟ تبدأ بهذه التي نبهك عليها، لكن لو أتممت كل المعاملات إلا التي نبهك عليها، وأتيت اليوم التالي وأعطيته المعاملات فقال: أين التي قلت لك عليها؟ فتقول: والله ما عملتها، يغضب أم يرضى عليك؟ يغضب، يقول: على شأن يأكد لك من أجل أن تسويها تقوم تضيعها، ولله المثل الأعلى، الله يقول: حافظوا على الصلوات كلها، لكن قال: والصلاة الوسطى، فضيعنا الصلاة الوسطى -يا إخواني- الآن أقل معدل في الصلوات صلاة الفجر والعصر، العصر دائماً الناس يأتون من الدوام وحين يتغدى ينام، ويسمع الأذان فيقول: أتسطح، فيتسطح ثم يتبطح ثم يركبه الشيطان والعياذ بالله، ولا يقوم إلا الساعة الرابعة أو الخامسة.
من حين تسمع الأذان مباشرة قم إلى المسجد، واحذر من هذه النومة التي قبل صلاة العصر، ما في إمكانية، خصوصاً هذه الأيام أيام الشتاء؛ لأن الليل طويل والنهار قصير، فما تنام إلا إذا كان لا بد من النوم فلا مانع بعد العصر، أما أن تنام قبل العصر، فلا. حتى لا تضيع وقت صلاة العصر، هذه فيها بلاء، ود الناس لو أن المسألة بالمزاج، كأن صلاة العصر الساعة الثانية والربع، حدد الدوام؛ لأنه قد صلى الظهر في الساعة الثانية عشرة ومن الساعة اثنتين وربع يصلي إلى اثنتين ونصف ويتغدى وينام إلى المغرب، لكن الله هو الذي يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] أي: مفروضاً معلوماً في جميع الأوقات، فالذي حددها هو الله، يقول الله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78] أي: الظهر والعصر: إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] أي: المغرب والعشاء ثم قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] أي صلاة الفجر.
فالصلاة فيها تكليف، والزكاة فيها تكليف؛ لأن المال محبوب إلى النفس، وإذا جئت لتخرج الزكاة فأنت تبرهن في إخراجك على أن حبك لله أكثر من حبك لهذا المال، والصيام فيه تكليف، تدع شهوتك وطعامك وشرابك وزوجتك من أجل الله، فهذا نوع من التكليف، والحج تكليف، كل التكاليف الشرعية فيها مشقة، وهي نوع من الابتلاء، وكذلك الشهوات المحرمة، فميل النفس إلى الزنا، وميلها إلى لخمور، وميلها إلى ممارسة الربا، وميلها إلى شرب المحرمات، وكل هذا في النفس البشرية، وهو ابتلاء، ولكن المؤمن عنده إيمان قوي يحجزه ولو قطعوه قطعة قطعة؛ لأنه يخاف الله، بل لو دعي إلى الجريمة يقول: إني أخاف الله رب العالمين.
هذه أيها الإخوة: إشارة إلى الابتلاء وهذا في حياة المؤمنين، ونترك ما بقي من الوقت للإجابة على بعض الأسئلة التي وردت منكم؛ لأني كنت قد وعدتكم في تخصيص بعض الحلقات للأسئلة لكن من الصعب أن نخصص حلقة كاملة، وسوف نختصر الدرس ونعطيكم وقتاً كافياً للأسئلة.
الجواب: الله تعبدنا بقراءة القرآن، وأمرنا بالتلاوة، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قرأ حرفاً من القرآن كان له بكل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، فهذه المرأة التي لا تجيد القراءة عليها أن تتعلم، ووسائل التعليم متوفرة، وحلقات العلم الآن موجودة، فبإمكانها أن تذهب إلى حلقات العلم، وتبدأ تتعلم حتى يكون لها أجر في التلاوة إلى جانب تعلمها وتلاوتها بلسانها، ولا بأس أن تستمع القرآن بأذنها، فإن سماع القرآن -أيضاً- فيه دواء، فقد ثبت في الصحيحين أن ابن مسعود قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ عليَّ يا
الجواب: الشح أقصى درجة من درجات البخل، والعياذ بالله، والبخل من أسوء الصفات التي يتصف بها الرجل، والسخاء يغطي كل عيب في الرجل، والبخل يفضح كل مكرمة في الرجل، ولهذا من صفات الله أنه كريم، ولما خلق الجنة قال: (تكلمي قالت: قد أفلح المؤمنون، قال: بعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) فلا تكن شحيحاً ولا تكن بخيلاً، ولا تكن مقتراً؛ لأن درجات البخل ثلاث، بخيل ومقتر وشحيح، فالبخيل هو الذي إذا عزم رجلاً قدم له من الطعام ما يكفي نصف واحد، يعطيه نصف قرص وما يكفي إلا قرص، أعطاه نصف قرص، هذا بخيل والذي أخس منه المقتر الذي يصنع له ربع قرص، والشحيح من يعزم الآخرين، ويقول: ما عندنا شيء، والبيت مليء، أصعب شيء عليه أن أحداً يأكل في بيته، ولهذا سئل شخص شحيح، قالوا: من الشجاع في نظرك؟ قال: من سمع وقع أضراس القوم على رغيفه ثم لم يتفطر قلبه، يقول: هذا أشد الأبطال، الذي ما ينقطع قلبه حين يسمع الناس يهرسون في قرصه، فهذا بطل، والعياذ بالله، فالله سبحانه وتعالى ذم هذه الصفة، وبين أن الذي يوقى ذلك فقد أفلح، قال الله عز وجل: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [التغابن:16]أي من يكفيه هذه الصفة ولا يكون عنده شح فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16] لأن الفلاح يأتي نتيجة الكرم.
أيضاً الكرم فيه شيء ممنوع؛ لأن الكرم ثلاث درجات، كرم وهو ممدوح، وتبذير وهو ممقوت، وإسراف، فالمبذرين إخوان الشياطين، والمسرف: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] هؤلاء من هم، وكيف تفصيلهم؟ فالكريم هو الذي يعزم الرجل ويقدم له طعام رجل فقط. والمبذر: هو الذي يعزم رجلاً ويقدم له طعام رجلين، والمسرف: -وكلنا في هذه الدرجة- من يعزم رجلاً ويقدم له طعام ثلاثة.
الآن يعزم الواحد ويقدم له طعام مائة، أي نعم، إذا قيل له: قال: الزاد للعيون ما هو للبطون، وهذا كذب وهو رياء ونفاق، لا والله العيون لا تأكل الذي يأكل البطن، وكان من طعام النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقدم لضيفه ما يكفيه، حتى ثبت أنه كان يلعق الإناء، أي: يلحسه بإصبعه أي أنه أكمل الزاد، وهذا ليس فيه شيء، من منا الآن يطبق هذه السنة في زماننا هذا، لو أردنا أن نلعق الآنية لتفقعت بطوننا، ليس على مجال العزائم فإن العزائم فيها إسراف لا يعلمه إلا الله، ولا يرضي الله، ودليل عدم رضى الله أن الناس كلهم لا يفكرون أن هذا إسراف، يعني ينفقون بسخاء، ولو طلب من أحد منهم ريالاً، أي: لو يخرج هذا الذي ذبح لك خروفاً أو خروفين، ويرى شخصاً عند الباب يريد ريالاً لطرده، لكن في سبيل الشيطان، الألف عنده أهون من ريال.
لكن على مجال البيت العادي، تجد البيت يقدم الطعام في السفرة، ويكفي للأسرة التي تأكل ويمكن معها أسرتين، ما تكفي المرأة أن تأتي بقدر أو بصحن من الإدام، تضع أربعة أو خمسة صحون، وتضع صحن الرز مملوءاً، وتضع اللحم من فوق، ثم بدل أن تأتي بقرص تقسمه على الأسرة، تأتي بخمسة أقراص، وكل واحد يكسر له من القرص كسرة، ويرمون الباقي، التفاحة يفتحونها ويأخذون قطعة صغيرة ثم يرمون الباقي، الإدام يأخذ من طرف الصحن ويترك الباقي، الرز يأخذ من طرف الرز ويترك الباقي، اللحم يأكل ويترك الباقي، هذا الباقي أين يذهب؟ يوضع كله في البلاستك، ويحمل ويوضع في الزبالة، نِعم عظيمة، قدرات.. إمكانات.. ثروات! والله تكفي لإغاثة المسلمين في جميع بلاد الأرض، كلها في الزبالة، ولذلك ترون كل يوم من الأيام عند كل بيت وعند كل شقة زبالة، لو فتحتها لوجدتها كلها عيش ولحم ورز وإدام وفواكه، وفي اليوم الثاني تجد الرجل يصعد بزنبيل مليء بالمقاضي، وفي الصباح ينزل زبالة، وضاعت حياة المسلمين بين الزنبيل والزبالة، كان هناك رجل دائماً كلما خرج من بيته قالت له زوجته: هاتٍ هات! تطلب طلبات، بل ما ينزل الآن إلا بكشف، يذهب إلى السوق ومعه بيان؛ لأنه يا ويله إذا رجع ونسي شيئاً يرجع يأتي به غصباً عنه، فقال: لها يوماً من الأيام أنت كل يوم تقولين: جيب معك، جيب معك، ما في يوم قلت لي خذ ولو شيئاً، قالت: خذ الزبالة نزلها معك، فقط هذا عمل الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا بد -أيها الإخوة- أن يكون للرجال مواقف جادة مع النساء؛ لأن هناك فلسفة شيطانية، وفكراً منحرفاً عند كثير من النساء، وهو عملية نتف ريش الزوج بالمصاريف الزائدة، وتأتي هذه الفلسفة من عقول بعض النساء الجاهلات تقول لابنتها أو لجارتها: انظري لا تتركي له ريشاً؛ لأنه إذا وفر المال سوف يتزوج ويتركك، فأنت انتفي ريشه أولاً بأول، لا يأتي آخر الشهر وباقي عنده ولا ريال، وهذا النظر غلط، هذا النظر حقيقة هو الذي يحمل الرجل على أن يتزوج، إذا وجد أن زوجته -والعياذ بالله- مسرفة وغير مُدبِّرة، وأنها تحاول أن تستهلكه وتستنفذ طاقته وإمكانياته وتتركه فقيراً على الحديدة باستمرار، يقول: بنت ندم ما هي زوجة، هذه نار، ويذهب يشتري سيارة ويستلف ولا ينتظر توفري له أنتِ، ويأتي بزوجة، أقول: إن من أعظم ما يجعل الزوج يحتفظ بزوجته، ويعيش معها عِشرة جميلة، ولا يفكر في غيرها، إذا رآها امرأة مؤمنة تخاف الله، تدبر الطعام، إذا طبخت أرزاً تضع فنجاناً فقط، ولا تضع ملء القدر، وتضع من الإدام ملء الإناء، لكن تقدم في السفرة صحناً واحداً، لها وله، وفاكهة تأتي بحبة أو حبتين، وإذا بقي شيء، أي شيء تأخذه وتضعه في الثلاجة، وتقدمه في العشاء في اليوم الثاني، يأتي آخر الشهر يجد الزوج وإذا معه مبلغ من المال، يقول: ما هذا؟ تقول: وفرنا الحمد لله، ما رأيك عندك مشروع تريد تتصدق في سبيل الله، ما رأيكم يذهب يتزوج على هذه؟! يذهب يدق عينها وهي التي تعيش معه همومه ومشاكله، وتحاول أن توفر عليه؟ أبداً ما يفعلها، أي رجل في الدنيا لماذا؟ لأن النفوس هكذا، النفوس تحب من أحسن إليها، فإذا المرأة أحسنت إليك، فتعاملها بالإحسان، لكن هذا الفكر المقلوب عند كثير من الجاهلات من النساء، يحملهن على أن تستهلك الزوج، فيذهب يبحث له عن امرأة أحسن منها، فيداويها بما كانت هي الداء لها.
الجواب: الحمد لله الذي هداك وتاب عليك، وأسأل الله أن يهدينا جميعاً وأن يتوب علينا وعلى جميع المسلمين، وأما شعورك الذي يلاحقك بأنه ليس لك توبة، فهذا هو مصداقية توبتك؛ لأن من شروط التوبة: الندم، وهذا الندم هو الذي تشعر به الآن، إن قلبك يتقطع أسفاً وحزناً وندماً على ما فات منك في المعصية، وخوفك هذا وشعورك هو دليل صدق توبتك، وعليك أن تحسن الظن بربك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، يقول الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ [طـه:82] وكلمة غفار هنا صيغة من صيغ المبالغة وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طـه:82] ويقول سبحانه وتعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49] ويقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] وقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً [آل عمران:133-135] مثلما فعلت أنت! أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136] هذه الآيات كلها تبين لك وتفتح لك باب التوبة، وتعلمك أن ذنبك مغفور مائة بالمائة، وليس عندنا شك في هذا، فالله لا يخلف الميعاد، إنما الذي عليك أن تستمر في هدايتك ولا ترجع إلى ما كنت عليه، وثق بأن الله سبحانه وتعالى قد قبل توبتك.
السؤال: ما نصيحتكم والاختبارات على الأبواب، هل من توجيه؟
الجواب: أولاً: أنصح الشباب بتقوى الله سبحانه وتعالى؛ فإن التقوى سبب من أسباب فتح المغاليق للعلوم: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] .. إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال:29] فإذا تبت إلى الله من الذنوب وكان بينك وبين الله علاقة قوية بالإيمان والتقوى منحك الله فكراً، ومنحك الله ذكاء وقدرة على إدراك العلوم والمعارف، سواء علوم دينية أو علوم دنيوية.
ثانياً: ننصح إخواننا بعدم الغش في الامتحانات، فإن الغش محرم ومن غشنا فليس منا.
ثالثاً: نطلب من إخواننا تنظيم الأوقات بالنسبة للمذاكرة، فيجعل الإنسان له برنامجاً بحيث يذاكر المواد بشكل منظم، وإذا أعطي جدولاً فليبدأ في مذاكرة المادة التي تقدم له في أول يوم، ثم في اليوم الثاني المادة الثانية، هذا في الأسبوع الأول، وفي الأسبوع الثاني يرجع عليها بنفس الترتيب في المذاكرة الثانية، في أول يوم من الامتحان يذاكر المادة الأولى وتكون المراجعة هذه للمرة الثالثة، ويأتي الامتحان فيستطيع أن يجيب؛ لأنه قد مر على هذه المسألة ثلاث مرات، ولكن بعض الشباب لا ينظم وقته، ولا يعرف يرتب أوقات المذاكرة، فيترك مادة من المواد إلى آخر يوم فيأتي يذاكرها ولا يزال ذهنه بعيداً عنها فلا يجيب في الامتحان لكن إذا كررتها مرة ومرتين وثلاثاً سهلت عليك الإجابة بإذن الله، وننصح إخواننا بعدم السهر، فإن التجربة والواقع أثبتت أن السهر الطويل في المذاكرة يؤدي إلى عدم القدرة على الإجابة على الأسئلة في يوم الامتحان، فإن للإنسان طاقة، ولعقل الإنسان قدرة محدودة فإذا أجهده في الليل، ثم نام قليلاً، وقام إلى الصالة ودخل فإنه لا يستطيع العقل استذكار تلك المعاني التي حفظها؛ لأنه في غاية من الإجهاد، وقد جرب أن أفضل الأشياء هو النوم المبكر، والمذاكرة المبكرة، أي ليلة الامتحان، فمن الأفضل أنك تنام مبكراً في الساعة التاسعة أو العاشرة، ولا مانع من أن تستيقظ آخر الليل، ثم بعد ذلك تقوم بالمذاكرة من بعد صلاة الفجر إلى وقت الامتحان.
الجواب: بعقد القران أصبحت زوجتك، ويحل لك أن تتصل بها وتحادثها وأن تزورها في بيت أهلها وأن تجلس معها، ولكن قضية الدخول والخلوة هذه لا بد من إذن أهلها، لا بد أن تستأذن أهلها ويأذنوا لك، ولا مانع أن تدخل بها في بيتها بعد معرفة أهلها، لماذا؟ لتحديد المسئولية؛ لأن بعض الناس يقول: زوجتي ثم يذهب بها ويخلو بها، ولا يدري أهلها، ولا يدري أهله، ولا يدري المجتمع، ثم يحصل شيء من القدر ويتخلى، ثم يتركها أو يطلقها، والناس ما عرفوا أنه قد دخل بها، فيحصل لها مشكلة في حياتها، فيشترط العلماء بخلوة الرجل بزوجته بعد أن يعقد عليها أن يكون ذلك بعلم أهلها وأهله، أو بعلم المجتمع عن طريق وليمة متواضعة، يعرفون أنه دخل بزوجته، من أجل أن هذه الآثار المترتبة على خلوته بها يتحملها هو، فإذا تخلى عنها في يوم من الأيام عرف أنه قد خلى بها، وهذا أفضل شيء.
أنا لا أرى داعياً لقضية تأجيل الزواج بعد العقد، لماذا؟! ما دامت زوجته فليأخذها من نفس اليوم ويمشي ولا داعي لقصور أفراح هذه كلها أشياء عفا عليها الزمن، وتحررت منها عقول البشر، وأصبحت مظاهر كلها كذابة، ويترتب عليها آثار سيئة على الزوج وعلى الزوجة، إن أبرك الزواج هو أيسره، إذا كان سعيد بن المسيب : يقول لـأبي وداعة لما عقد له في المسجد بعد صلاة العصر وذهب؛ لأنه سأله: قال له: ما بك تأخرت؟ قال: ماتت زوجتي، قال: أزوجك ابنتي قال: ما عندي شيئاً، قال: ما أريد منك شيئاً، وزوجه بما عنده من القرآن، وبعد ذلك لما جاء بعد المغرب، وراح أبو وداعة في البيت، لم يتصور أنه يأتي بالبنت الآن، يريدها بعد زواج ووليمة، أذن للعشاء وإذا بالباب يطرق، فقلت: من؟ قال: سعيد ، يقول: فقمت، كل سعيد أحتمله في الدنيا إلا سعيد بن المسيب؛ أربعون سنة ما سمع الأذان خارج المسجد قط، أربعون سنة وهو في المسجد، لكن أدركه الأذان في ذلك اليوم وهو خارج، قال: سعيد بن المسيب ، قال: ففتحت الباب، خاف أبو وداعة : ماذا حدث؟ يكون تأسف ويريد أن يلغي الزواج أو أن هناك شيئاً، يعني: وقت حرج، لماذا تأتي في هذه اللحظة يا سعيد؟ ولما فتح الباب وإذا بزوجته (البنت) وراءه، أخذها بيدها ودفعها من ظهرها وقال: إن هذه زوجتك، وإني ذكرت أنك هذه الليلة ستبيت عزباً فكرهت ذلك، خذها بارك الله لك.
يقول: كيف ترقد الليلة عزوبياً وامرأتك عندنا، أين الآباء من هذا يا إخوان؟ لا إله إلا الله، زوجته لماذا تمسكها؟ مادام أنت أملكته وزوجته، لماذا تحجزها عنه وتحجزه عنها؟ من أقل أن تذبحوا وتذهبوا قصر الأفراح، وتخسروا، لا، من نفس عقد الزواج، امرأتك على كيفك إذا أردت تأخذ لك شقة في عمارة أو تستأجر لك غرفة في فندق فخذها، وإذا تريد تردها عندنا اتركها ترتاح ابنتك، بعض الناس يقول: لماذا؟ أتركها ينبسط على ابنتي ويتمتع بها، لا. أبداً، أصلاً هي التي تنبسط ليس هو الذي ينبسط، أي نعم، وهي التي تتمتع ما هو الذي يتمتع، فأنت تمتع ابنتك لكن بعض الناس عقولهم والعياذ بالله ناقصة.
الجواب: عليك أن تستغفر الله، وأن تتوضأ من جديد، وأن تقضي صلاة الفجر، أما صلاة الظهر والعصر، فإن كنت صليت على نسيانك وما توضأت، فأعد الصلوات كلها، وإن كان توضأت للظهر وللعصر فأعد فقط صلاة الفجر؟
الجواب: نعم ثبت ذلك، ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتبركون بفضل طهوره صلى الله عليه وسلم وبصاقه صلى الله عليه وسلم، وبكل شيء من آثاره، لأنه بركة على أمته صلوات الله وسلامه عليه، ولكن هذه البركة محصورة فيما دل عليه الدليل، فلا نتجاوز حدودها، لأن بعض الناس يأتي إلى الشيخ ويتمسح به تبركاً وهذا خطأ؛ لأنه ليس كرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الصحابة ما كانوا يتبركون بعضهم ببعض، ولم يثبت أنهم بعد أن مات صلى الله عليه وسلم كانوا يتبركون بأبي بكر ، أو يتبركون بعمر ، أو يتمسحون بعلي أو بـعثمان، فالرسول فقط يتبرك به، لأن الرسول شخص مميز -صلى الله عليه وسلم- وهو خير خلق الله، وأقرهم على هذا.
أما التبرك بالصالحين، أو بالأولياء، أو بالطيبين والتمسح بهم، أو بجلسة معهم، هذا كله، قد يؤدي إلى الشرك وهو بدع وليس عليا دليل من كتاب ولا سنة.
الجواب: أجل ملتزمة بماذا؟ مادام أنها ضيعت الصلاة، وتقول أنها ملتزمة والحمد لله! ملتزمة بضياع الصلاة!
بقية السؤال: وذلك لأنني مشغولة في المنزل والأولاد ولا أجد همة تجعلني أصلي في وقت الصلاة؟ فكيف الحل الذي يجعلني ألتزم بالصلاة؟
الجواب: الالتزام -أيها الإخوة- ليس ادعاء، الالتزام يكون حقيقة ومضموناً، ومن أعظم علامات الالتزام الالتزام بالصلاة في وقتها، ومع جماعة المسلمين بالنسبة للرجال، وأما بالنسبة للمرأة فإنها مع أول الوقت، فحين تسمع الأذان المرأة أو الرجل يقوم الرجل يصلي في المسجد، وهي تدخل في غرفتها تصلي، وتقطع كل شغل، أي عمل في الدنيا عندها تتركه خلفها، لماذا؟ لأنها جاءت فريضة الله، تقول: أولادي فهل الأولاد أهم عندك من الله؟ ! الطبيخ أهم عندك من الله؟! الغسيل؟! سبحان الله!! إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103].
فلا ينبغي أن تنشغل المرأة بأي عمل غير الصلاة بل إذا سمعت الأذان. ومن يوم تسمع الأذان كأنه لسعها حنش، تترك كل شيء وتدخل الحمام وتتوضأ، ثم تخرج وتلبس ملابس الصلاة، وتستتر ستراً كاملاً لا يبدو منها شعرة واحدة، ولا ظفر، ولا إصبع ولا بطن كف ولا ظهر كف، ولا ظهر قدم، حتى ظهر القدم ما يمكن أن يظهر في الصلاة، تأخذ شرشفاً كبيراً، وسيعاًُ طويلاً عريضاً يسترها حتى ما يبقى إلا وجهها ثم تستقبل القبلة، وتذهب إلى غرفتها لا تصلي في أي مكان، في الغرفة.. في مخدعها.. في مكان نومها، تفرش لها شيئاً طاهراً تصلي عليه، ثم تصلي السنن القبلية، إن كانت الظهر تصلي قبلها أربعاً وبعد ذلك تصلي الفريضة، ثم تأتي بالسنن البعدية، بهدوء وخشوع وخضوع وحضور قلب، ثم تقوم لتكمل شغلها، هذه الملتزمة الحقيقة، أما تلك التي تشتغل مثل المكينة في البيت، والصلاة تتركها حتى تتعب فإذا فنيت أتت تصليها قاعدة، لماذا؟ قالت: تعبانة تعبانة من صلاة، وأما على المطبخ وعلى المكنسة وعلى الشغل مثل الجنية والعياذ بالله، وإذا أتت الصلاة قالت: تعبانة، وملتزمة كذلك!
الجواب: لا. ليس فيها خطأ، فالله ما رأيناه بأبصارنا، لكن آمنا به بقلوبنا ورأينا علامات قدرته وآثار وجوده بعقولنا، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] أي: العقول، من هم؟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران:191] يتفكرن بماذا؟ بعقولهم، فالعقل جارحة خلقه الله للتفكر والاعتبار، من أجل النظر والاستدلال على الخالق سبحانه وتعالى، فالعبارة ليس فيها خطأ لكنها عامية، أي ليست سلفية حتى نقول: إنها صحيحة مائة في المائة، فهي كلمة عامية، لكن معناها صحيح.
الجواب: لا شك أيها الإخوة أن أول مسئوليات المسلم أمام الله سبحانه وتعالى أن يأمر أهله بالصلاة؛ لأن الله قد ضمن له الرزق، وقال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طـه:132] سبحان الله! يا أخواني فكروا معي في هذه الآية، لو أن مسئولاً كبيراً، جاء بك وكلفك بمهمة، وقال لك: عليك بهذه المهمة، ولا تلتفت للرزق فرزقك علينا، ما رأيك؟ هل سيحمل هماً؟ يذهب يشتغل بتلك المهمة وخلاص مكفول على المسئول، الله سبحانه وتعالى الرزاق الذي يرزق كل ما في الأرض وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] وظيفتك أنك توجه أهلك وزوجتك للصلاة، وبعد ذلك قال: لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132] فماذا حصل؟ اشتغل الناس بالرزق وضيعوا الصلاة، تجده من الصباح إلى الساعة العاشرة وهو في الدكان، وإذا جاء الرزق، طيب وأولادك صلوا؟ قال: ما أدري عنهم، اهتم بالمكفول ضيع والواجب، وبعض الآباء ليس عنده شغل حتى بالرزق وإنما إهمال، يقول: يصلي ويخلي أولاده، لا يا أخي الكريم، لا تبرأ ذمتك إلا برعايتك لأولادك، وستجد صعوبة طبعاً، لكن اصبر وبعد أعظم وسيلة خذوها مني وهي نتيجة تجربة، هذه التجربة مارستها في تربيتي لأولادي والحمد لله، ونجحت فيها لحد بعيد، قضية الأمر بالصلاة، يقول لي أحد أولادي وربما تسمعون به وهو الشيخ أنس ، داعية والحمد لله الآن يدرس الماجستير، يقول لي: كذا بالنص، يقول: يا أبتي كنت إذا أنت تدخلنا المسجد تأمرنا بالقوة، يقول: أشعر بضيق وتعب وأنا صغير، يقول: وأحس وأنا أرى الأولاد يلعبون في الشارع، أقول: الله يهنيهم، أبوهم لا يقول لهم: صلوا، ويقول: أشعر بأنك تعقدنا وأنك تزعجنا، كل ساعة صلاة صلاة، يقول: وبعدين مع الزمن أحببنا الصلاة، يقول: حتى لما كبرنا ما رأينا صعوبة ونحن نصلي؛ لأننا مدربون عليها من حين خلقنا، وكذلك يا أخي أولادك، هذه أعظم وسيلة، فتجد صعوبة، الولد ما يحفظ عن الصلاة أنها عمل عبادة، والولد لا يدرك العبادة، ولا يدرك لها لذة، ولذا هي جهد ضايع عنده، قد يصلي بغير وضوء، وقد يصلي بغير خشوع، لكن اجعله يصلي، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) رغم أنهم ليسوا مكلفين، لماذا؟ لكي يعتادوها فتسهل عليهم إذا كبروا لكن حين تتركه وهو ابن سبع، وتتركه وهو ابن عشر، ويصلي ابن خمس عشرة وهو مكلف إذا لم يصل صار كافراً، تقول له: صل، ما تدرب صلاة، ماذا يصلي؟ يراها أكبر من الجبال، ولا يصلي ولا يطيع لو تضربه وتحط ظهره على الحديد، ما يصلي، لماذا؟
وكما يقال:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب |
الغصن الأخضر قد تميله على كيفك، لكن إذا صار خشبة يابسة، تعال اعوجها أو صلحها ! فلا يا أخواني الله الله في قضية أولادكم في الصلاة، وبعد ذلك القضية والأمر يحتاج إلى صبر؛ لأن الله يقول: وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] والاصطبار هنا فعل أمر من الخماسي، ما قال واصبر بل قال اصطبر وهو فعل خماسي، ويقول علماء اللغة: إن الزيادة في المبنى -أي مبنى الكلمة- من الرباعي أو الخماسي أو السداسي يدل على الزيادة في المعنى، فالله ما قال: اصبر بل قال: وَاصْطَبِرْ [طه:132] والاصطبار هو أقصى درجات الصبر.
الجواب: حديث النفس وسواس، والوسواس من الشيطان، والشيطان لا يجوز له أن يطلق امرأتك فلا يقع بحديث النفس، هي امرأتك أم امرأة الشيطان، حتى يطلقها بالوسواس، لا. الذي يأتي في النفس أي شيء في النفس، ما يخرج ويترجم إلى كلام وإلى كتابة وإلى فعل، هذا ليس شغلك، أي شيء، بعض الناس يشتكي، يقول: يا شيخ والله أنا أوسوس، أفكر في الله، أفكر في الجنة، ويأتيني خوف، نقول له: الوسواس هذا ممن يقول: للشيطان ثم أترك الشيطان يوسوس حتى يذوب مادام أن أصله وسواس هذا عمله، أنت تريد الشيطان ما يوسوس هو يوسوس غصباً عنك؛ لأنه هذه وظيفته، أتركه يوسوس ولا عليك أي مسئولية من وسواسه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام واشتكى الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الحمد لله الذي رد كيد عدو الله إلى الوسوسة) فإذا جاءك وسواس في أي شيء لا تلتفت إليه، فإنك غير مسئول عنه ولا مؤاخذ عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله عفا عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم) إذا عملت أو تكلمت، إذا أنت وسوست في طلاق امرأتك، لا يؤثر، لكن إذا أخذت القلم وكتبت الورقة، خلاص طلقتها، أو دعيتها وتكلمت معها، وطلقتها، لكن مادام وسواساً، فهو للشيطان وبالتالي لا يمكن أن نحملك فعل غيرك، فعل الشيطان يتحمله الشيطان، والشيطان اتركه يطلق امرأته، أما امرأتك فليس له علاقة بها، ما يطلق هو.
الجواب: نعوذ بالله وإياكم من مثل هذه المرأة، وهذه مصيبة المصائب، وعقدة العقد ومشكلة المشاكل، أن يبتلى الرجل بامرأة من هذا النوع، لا تطيع ولا تحترم ولا تنفذ أمره، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) وهي التي إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في نفسها وفي مالها، والمرأة التي لا تطيع الزوج لا شك أنها آثمة، وهذه معصية لله سبحانه وتعالى، والملائكة تلعنها إلى أن يرضى عنها زوجها، والتي لا تحترم زوجها أيضاً آثمة، والملائكة تغضب عليها، والله يغضب عليها من فوق سبع سماوات، إن الزوجية رق، المرأة كأنها عند زوجها رقيقة، بل حق الزوج مقدم على حق الأم والأب، الرجل حق الأم أهم شيء، ثم الأب ثم أدناك أدناك، أما المرأة فأولى الناس بالحق عليها زوجها قبل أمها وقبل أبيها، ولما جاءت عمة عمران بن حصين أخت حصين بن معبد ، قال لها الرسول: (أذات زوج أنتِ؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال: كيف أنت معه؟ قالت: لا آلوه جهداً -أي في الطاعة- ما حقه؟ قال: لو أن به قرحة، -أي قرحة يسيل الدم والقيح منها، من رأسه إلى قدمه- ثم لم تجدي أن تمسحيه إلا بلسانك ما قمت بحقه) وقال صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فنقول لهذه المرأة إن كانت تسمع الكلام: اتقي الله، واعلمي أن طاعتك لزوجك أعظم من أي عمل تعملينه بعد فرائض الله سبحانه وتعالى.
أما قضية الطلاق أو الصبر عليها فهذا شيء يرجع تقديره إليك، نحن لا نعرف ظروفك كاملة حتى نقول لك: أمسكها أو طلقها، أنت الذي تقدر، فإن رأيت أن من مصلحتك أن تبقى معك هذه الزوجة وكانت تصلي وحافظة لما بينها وبين الله عز وجل، فيجب أن تنظر إليها نظرة كاملة؛ لأن بعض الناس ينظر إلى السلبيات من زوجته ويترك الحسنات، لا، الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في البخاري : (لا يفرك مؤمن مؤمنة) أي: لا يبغضها (إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) النساء ما فيهن كاملات، ما في امرأة إلا وفيها وفيها، فيها حسنات طيبة وفيها سيئات، فأنت انظر إلى المرأة بمنظار كامل، ثم وازن بين سلبياتها وإيجابياتها، فإذا رأيت جانب الإيجابيات غالباً فاصبر، ولو فيها نقص، لأن المرأة خلقت من ضلع أعوج، هل رأيتم في الدنيا ضلعاً مستقيماً مثل المسطرة؟ (وإن أعوج ما في الضلع أعلاه) فأعوج ما في المرأة لسانها (فاستمتعوا بهن على عوجهن) فالذي يريد امرأة مثل المسطرة ما فيها ولا عوجة، هذه في الجنة، أما في الدنيا ما في واحدة، فأنتم مشوها نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الصالحات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر