إن من أوجب الواجبات، ومن أعظم مسئوليات المسلم في هذه الحياة، أن يستغل فرصتها، وأن يغتنم فترتها، ليتعلم كيف يجيب على السؤالين الهامين، اللذين أخبر الله عز وجل في كتابه الكريم، أنهما سيقدمان إلى كل مكلف في هذه الدنيا؛ لأن بمقدار قدرته على الإجابة الصحيحة على هذين السؤالين، يكون مقدار فوزه وسعادته، أو هلاكه وخسارته -والعياذ بالله- وانشغال الناس الآن، وبذل القسط الأوفر والجزء الأكبر من حياتهم، لشيءٍ لا ينفعهم في الآخرة، هذا من نقص عقولهم، ولذا يوم القيامة حينما تنكشف لهم الحقائق وحينما تزول الحجب ويرون الأمور على حقائقها يعترفون بأنهم لم يكونوا عقلاء، قال عز وجل: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10].
أي يقولون: والله لو عندنا عقول وأسماع، ما تورطنا هذه الورطة، ولا تركنا هذه الفرصة، وما كنا بضلالنا وجهالتنا وإعراضنا وانشغالنا بما لا ينفعنا، ما كنا في أصحاب السعير، ولكن الذي جعلهم -والعياذ بالله- في السعير؛ أنهم ما كانوا يسمعون، ولا كانوا يعقلون، فلم يكونوا يسمعون عن الله، ولم يعقلوا دين الله، لكنهم يسمعون شيئاً لا يريده الله منهم، ويعقلون ويتفكرون ويبدعون، لكن في غير الميدان الطبيعي الذي خلقهم الله له، فإذا زالت الحُجب ورأوا أن جهدهم ضياع وعمرهم هباء قالوا: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10].
ما هذان السؤالان؟
ورد السؤال الأول في كتاب الله عز وجل، يقول الله عز وجل فيه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93] هذا هو السؤال الأول، والخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، والله يقسم بنفسه تبارك وتعالى في هذا الأمر الهام، والذي يتأمل الأقسام القرآنية كما يقول ابن القيم في كتاب مخصص اسمه أقسام القرآن: يعني بهذه الأشياء التي أقسم بها الله عز وجل، فلا يقسم الله عز وجل بذاته إلا في الأشياء المهمة، مثل: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] ومثل: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:23].
وفي هذه الآية يقول الله عز وجل: فَوَرَبِّكَ [الحجر:92] يا محمد لَنَسْأَلَنَّهُمْ [الحجر:92] وجاء الأمر بعدة مؤكدات: لام التوكيد، ونون التوكيد الثقيلة لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:92] توكيد لفظي عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:93] و(ما) هنا: اسم موصول تعم العاقل وغيره، تعم كل شيء، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور |
قد كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تفور |
وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير |
وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفور |
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك أين نسير |
فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعائبٌ قد أحضرت وأمور |
وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور |
يخاف، يقول الله: يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً [المزمل:17]كيف أنا وأنت ذلك اليوم؟ الأمر أصعب من ذلك، بم تجيب إذا سُئلت هذا السؤال؟ ماذا كنت تعمل؟ ماذا تقول؟ أعد من الآن الجواب.
وأنت الآن في الدنيا إذا مت وفارقت الحياة عند القبر، وقيل لك: ماذا كنت تعمل؟ وقلت لهم: كنت مديراً، هل ينفعك هذا؟ كنت ملازماً، طبيباً، وزيراً، أميراً، ملكاً، رياضياً، نجماً، روائياً، مطرباً، كل هذه لا تنفعك، عندك شيء ثانٍ، ابحث عن غير هذه الوظائف، هذه كلها تنفعك هنا في الدنيا، لكنها عند الموت لا تسقي صاحبها شربة ماء.
يقولون: ماذا كنت؟
كنت مصلياً، قواماً في الليل، صواماً، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، تالياً لكتاب الله.
هل كانت مخافة الله بين عينيك، فترى عذاب الله دائماً، كأنما لا يعذب في الدنيا إلا أنت، أم أنك تقتحم الذنوب والمعاصي كأنك ضد النار.
فالذي يرى أعمال بعض العباد يقول: إما أن هؤلاء ضد النار أو أنهم مكذبون بالنار، فإن كانوا هم ضد النار فليجربوا وليأخذوا عود كبريت، لا نقول: يأخذوا جمرة، ولا تنوراً كبيراً، ولا النار الكبيرة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمع وجبةً وهو مع بعض أصحابه فقال: (أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن هذا حجر ألقي من شفير جهنم منذ سبعين خريفاً والآن وصل).
ولما نزل قول الله عز وجل: النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24] قال رجلٌ: (يا رسول الله! أحجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ -أي: مثل الجبال هذه- قال: والذي نفس محمد بيده! لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا بأسرها) ويذكر الإمام السيوطي في صحيح الجامع حديثاً يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مقعد الكافر في النار كما بين مكة والمدينة- أربعمائة وعشرون كيلو متراً، هذا الكرسي للكافر في جهنم، وهذا ذكره في صحيح الجامع-: وإن ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد ) وهذا الضرس! فكيف بالرأس الذي فيه اثنان وثلاثون ضرساً.
والجسم له سبعة جلود؛ لأن الله يقول: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56] لأن وسائل الإحساس في الجلد، فلو احترق هذا الجلد وما بُدل فلن يحس بالنار، فالله يبدل الجلود، لكي يستمر الإحساس بعذاب النار، وأنت عندما تدخل الإبرة في جلدك، تحس بها في أول الوخزة؛ لكن بعدها لا تحس؛ لأن وسائل الإحساس جعلها الله في خارج الجسد، حتى يحمى الجلد، بحيث تحس بأي شيء، لكن إذا لم يوجد إحساس فإنه يمكن لشخص أن يؤذيك، ويخرج دمك، وأنت لم تحس، وهذه من حكمة الله.
سبعة جلود ما بين الجلد والجلد مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ الجلد مسيرة ثلاثة أيام، ومن شدة الإحراق تبدل في كل يوم أربعمائة مرة، فستسأل في ذلك اليوم: ماذا كنت تعمل؟ وهناك: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52].. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].. وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] ما لم يكن يخطر في باله من العذاب، شيء لا يتصوره العقل إذا سقطوا في الإجابة على هذا السؤال.
فمن الآن صحح المسار، واضبَّط العمل، واعرف أنك عن كل شيء مسئول، والله يقول: وَقِفُوهُمْ [الصافات:24] أي: قفوهم في عرصات القيامة: إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24] أي: مناقشون ومحاسبون: مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات:25-26] فليس هناك أنصار، ولا شيع، ولا أحزاب، ولا قوميات، ولا معسكر شرقي، ولا معسكر غربي، إنما بعضهم يلعن بعضاً: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً [الأعراف:38] إذا تجمعوا: قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف:38] فكل جماعة تقول: هؤلاء الذين أضلونا لينالوا ضعف نصيبهم لكن: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38] نعوذ بالله وإياكم من النار.
فأعد لهذا السؤال جواباً، واجعل هذا السؤال بين عينيك: عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:93] فإذا أردت أن تسهر في الليل، فاسأل نفسك: هل هذا العمل ستجيب عليه ورأسك مرفوع، أم منكوس؟ فإن كان مما تفخر به بين يدي الله فاعمله، وإن كان مما تخجل منه بين يدي الله فكف عنه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24]... فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].
يا إخواني! لماذا لا نستقرئ التاريخ، فمنذ آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، هل وجد شخص طلب الرجعة وأرجعه الله؟ لا. إذاً لماذا نماطل في العمل، حتى يصير الإنسان إلى هذا المصير الأسود؟ -أعوذ بالله وإياكم منه- فالنفس تحب الدعة، ليكن موقفك من نفسك السيطرة، والحديث صحيح في سنن الترمذي : (الكيس من دان نفسه) دانها أي: غلبها وسيطر عليها؛ لأن النفس مثل الحصان، إن ركبته قادك، وإن أطلقته داسك ثم ركب عليك، وكثير من الناس الآن هو مطية نفسه، نفسي تقول لي! عقلي يقول لي! كيفي يقول لي! لكن عندما يكون عبداً لمولاه وخالقه، فنفسه تمشي مثل الحمار تحته، فيأمر نفسه بالصلاة فتنصاع له، وتدغدغه للدخان فينهاها؛ لكن الذي نفسه ركبته، فإذا رأى (سيجارة) قام إليها متلهفاً، وإذا سمع الأغنية أصغى لها، وإذا رأى فتاة ضيع دينه؛ لماذا؟ لأن نفسه مسيطرة.
أما المؤمن المسيطر على نفسه فلا: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] نسأل الله وإياكم من فضله: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) الكيس في اللغة: العاقل الفطن اللبيب، صاحب العقل والنظرة البعيدة، ومن سيطر وقهر وغلب نفسه، وعمل لما بعد الموت، فالدنيا في يده والدين في قلبه، والآمر هو الدين، والدنيا هي المأمورة، ولذا تمشي كلها في طاعة الله، يأتيه المنصب يقبله لكنه يسخره في دين الله، تأتيه الأموال يأخذها لكنه ينفقها في سبيل الله، يأتيه الأولاد يقبلهم لكنه يربيهم على طاعة الله، الزوجات كذلك يربيهن على طاعة الله، كل شيء في حياته يسخره في هذا الاتجاه؛ لماذا؟ لأن الآمر هنا (عمل لما بعد الموت) رفع نظره وعلا ببصره إلى ما بعد هذه الحياة.
والخامل العاجز الكاسل الفاشل من أتبع نفسه هواها، والشيطان يأخذه من زبالة إلى زبالة، من زبالة الغناء إلى زبالة الزنا، إلى زبالة اللواط، هذه زبالات وقاذورات من تلطخ بها هنا فلا تنظفها إلا النار، إلا من كان يتنظف منها هنا، لكن من توسخ بهذه القاذورات، ثم لقي الله وهو ملطخ بها فأين نغسله؟ لا يوجد في الآخرة إلا مغسلة واحدة، اسمها: جهنم ينظف فيها، فإن كانت الأوساخ عالقة -أي: سطحية- نظف بقدرها، ثم يخرج جوهرة، ويذهب إلى الجنة إن كان موحداً، وإن كانت هذه الأقذار والأوساخ عميقة داخلة في قلبه من كفر ونفاق -والعياذ بالله- يخرجه من الدين، فهذا لا يطهره شيء وإنما يقعد فيها حتى أبد الآبدين.
والعاجز -والتعبير عنه بالعاجز يدل على أنه إنسانٌ شهواني، ضعيف الإرادة، خسيس النفس، عاجز الهمة، لا يصلح للجنة- إنما نظر بعينه الهابطة، فلم يرفع نظره، ولو رفعه لرأى الحور العين، وعندما يرى الحور العين يقول:
تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر |
ونحن أناس لا توسط بيننـا لنا الصدر دون العالمين أو القبر |
فهو عندما يرفع نظره، ويرى الحور العين، ويرى القصور العالية والأنهار الجارية، والثمار الدانية، ويتذكر أنه في يوم من الأيام سوف يدخل هذه الجنة، وفي يوم من الأيام سوف يدعى إلى سوق المزيد، وفي يوم من الأيام سوف يدعى للمحادثة مع الله عز وجل، والمكالمة مع ربه، كما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) وكما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما منكم إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) هذا المؤمن، أما العاجز فلا يستطيع؛ لأنه أَتْبَع نفسه هواها، ومع عجزه وضعفه وخسته ودناءة نفسه -أيضاً- يتمنى على الله الأماني، ويقول: أريد الجنة، تريد الجنة! الجنة لها طلاب، والطريق شاق.
يقول ابن القيم في الجواب الكافي وفي الفوائد: يا مخنث العزم! الطريق شاق، والعقبة كئود، قذف فيه في النار إبراهيم، وعرض فيه على السكين إسماعيل، وألقي فيه في الماء يونس، وشج فيه وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وبنيت عليه جماجم الشهداء، لو عرف من قتل في سبيل الله لسالت منه الجبال رءوسهم.
وهذا على المعاصي أربعة وعشرين ساعة، وهو يقول: الله غفور رحيم، إن شاء الله نحن على خير، يحسن الظن بربه ويسيء العمل مع الله.
يقول الحسن البصري في هذا: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم -يقولون: نحسن الظن بالله- كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] لكنهم أساءوا الظن بالله، وظنوا أن الله يجزي الجنة على المعاصي فأساءوا العمل وهذا من سوء الظن بالله، أن تظن أن ربك يعطيك على السيئة حسنة، وهو يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90].
فمن الآن يا أخي! لا تستسهل شيئاً ولا تستبسطه، تقول: لا أريد الدخان؛ لكن أريد الشيشة أخف منه، فليس هناك خيارات، ولا يوجد بدائل ولا أنصاف حلول، هناك إيمان وكفر، هناك إسلام، وهناك معاصٍ ونفاق، فأنقذ نفسك يا أخي! من الغيبة والنميمة والورق واللعب والمنكرات، وكن عبداً ربانياً، والتحق بربك، ولا تعمل عملاً يسوؤك غداً أن تراه.
يقول الحسن البصري رحمه الله: [اكنـز ما تود وتحب أن تراه] أما أن تكنـز عقارب وحيات وجمراً فهذا لا ينبغي، بل لا بد أن تكون من أهل الإيمان، الذين يعرفون كيف يغتنمون هذه الحياة، ولا يفرطون في شيء، محافظين على أمر الله عز وجل، هذا هو السؤال الأول.
والأنبياء المرسلون هم نماذج بشرية، كانت تؤدي الدين وتنفذ الرسالات، في واقع العمل كقدوة، يقول الله عز وجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]وخاتمهم وأفضلهم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما تأتي لتتأمل سيرة كل نبي تجد أن كل نبي، كان على القمة في كل شيء، ثم تجمعت صفات كل الأنبياء كلها في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أعطاه الله الشهادة العليا فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] خلق عظيم من كل الناس، ليس هناك خلق في الأولين والآخرين إلا وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدر الأعلى منه صلوات الله وسلامه عليه.
هذا الوقوف الطويل ماذا يفعل بقدم النبي صلى الله عليه وسلم؟ تتفطر، لأنه ثقل عليها، جسم وطول قيام حتى تشققت، ونحن اليوم تشققت أرجلنا من أمر آخر، الذين تشققت أقدامهم في المزارع والمعامل واللعب؛ لكن نحن لا. أقدامنا مثل قوالب الصابون.
لقد استغربت عائشة هذا الوضع وقالت: (يا رسول الله! أليس قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ -عندك شهادة وضمانة أنك من أهل الجنة؛ لأن الله غفر لك ذنبك كله، فبماذا تنفعك الصلاة؟- قال: أفلا أكون عبداً شكوراً) أي: إذا غفر لي ربي هل يعني هذا أن أترك؟ لا؛ بل أزيد شكراً لله على مغفرته لي فصلوات الله وسلامه عليه.
وفي ليلةً من الليالي وبعد أن قطع الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق من مكة إلى الطائف هارباً بدينه، ينشر دين الله ويريد أن يبلغه في الأرض، وصل إلى سوق عكاظ، وسوق عكاظ سوق كان الناس يجتمعون فيه، وكان مهرجاناً يتبادل فيه الشعراء قصائدَهم، وتقام فيه المدائح والأخبار، فاستغله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا شأن الداعية أن يستغل مكان التجمع، ولا يقول: والله هؤلاء ليس فيهم خير، كما نسمع بعض الناس اليوم، إذا قلت له: تعال اجلس مع الشباب وألق عليهم موعظة، واجلس معهم، قال: لا يا شيخ! دعنا منهم، هؤلاء ليس فيهم خير.
سبحان الله! من هم هؤلاء الذين في النادي؟ إنهم أبناء المسلمين، يا أخي! فيهم خير، استغل وجودهم وتجمعهم وازرع فيهم الخير، لكن تجعل بينك وبينهم هوةً وحاجزاً وتتركهم ولا تدعوهم، هذا ليس من أسلوب الدعوة، ولا من شأن الأنبياء، فكان صلى الله عليه وسلم يستغل كل تجمعٍ لنشر دعوة الله، وإبلاغ دينه، فجاء إلى سوق عكاظ وصعد على حجر وقام وقال: (يا أيها الناس! فاجتمع الناس حوله فقال لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) والناس يعرفون أنه صادق ولا يكذب، وهو لا يكذب على الناس فضلاً عن أن يكذب على ربه، وكيف يكذب وهم يلقبونه بالصادق الأمين.
ولكن اللعين أبا لهب عليه لعائن الله المتتابعة تبعه من مكة يطارده، ويوم رآه على الحجر واقفاً، قام بجانبه، وقال: من هذا الذي تكلم؟ قالوا: ابن أخيك، قال: لو كان صادقاً لصدقته، إنه كذاب. قالوا: عمه أعرف الناس به، فمادام عمه مكذبه فنحن كذلك مكذبوه، فكذبوه كلهم وطردوه، بل أغروا به السفهاء، وأمروهم برجمه بالحجارة؛ حتى سال الدم من عقبه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، وخرج من الطائف، وجلس عند حائط ببستان من البساتين، ونادى بدعاء قال فيه: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) (ضعف قوتي) ليس له قوة، (وقلة حيلتي) لم يعد عندي شيء، فماذا أعمل؟ طرقت كل باب، وسلكت كل وسيلة، وجئت إلى كل مجتمع، وتكلمت بكل بيان، ولم يعد عندي شيء يا رب؟! لكن لم يبق إلا أن أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي، و-أيضاً- ليس لي وضع اجتماعي يحميني، لدرجة أن الذي يرجمني الأطفال وليس الكبار فقط: (إلى من تكلني، أنت رب المستضعفين، إلى قويٍ ملكته أمري، أم إلى بعيدٍ يتجهمني، إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة أن ينـزل بي سخطك، أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك).
فيقول صلى الله عليه وسلم إن كان ما يأتيني من التكذيب والإهانة ناتجاً عن شيء غير غضبك فلا أبالي، المهم ألا يكون ذلك عن غضبٍ عليَّ يا ربِّ! فكان يخاف من غضب الله، وهو في المعاناة الداخلية النفسية، وبعض الشباب أو الدعاة اليوم يقول له بعض الناس كلمة فقط، تجده ينفعل ويثور ويضارب، أنا على الحق، سبحان الله! ما دام سرت في طريق الهداية لم يعد لك عرض، ولا نفس، ولا كرامة، قدمها قرباناً إلى الله.
ومع هذا ما انتقم لنفسه صلّى الله عليه وسلم، فيرسل الله له ملك الجبال، ومعه جبريل، ويقول جبريل: (السلام يقرؤك السلام يا محمد!.. ويقول: هذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين -الجبلين فتبلعهم الأرض- فقال: لا. لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله) الله أكبر! هذه تكشف لك نفسية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول حق.
والله لو كان شخص منا، فسيقول: نعم فهؤلاء ليس فيهم خير.
لكن نوحاً لم يقل هذا، إنما قام يحدث وهم جالسون وهو يعرف أنهم لا يسمعون، ولكنهم يرونه، فقال: لعلهم إذا رأوني وأنا أتحدث يرحموني، فيسمعون كلام لله عز وجل، فماذا يعملون؟ يستغشون ثيابهم، كل شخص يغطي وجهه، ويقولون: لا نسمعك ولا نراك: جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً [نوح:7-9] دعوة فردية وجماعية، ودعوة سرية وعلنية: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ [نوح:10] لفت نظرهم إلى قدرة الله وعظمته إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ [نوح:10-11].
لكن بعد أن يئس وعرف أن بيئتهم غير صالحة، قال: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً [نوح:26] وكان مسوغاً في دين نوح أن يدعو عليهم؛ لأنه ليس خاتم الأنبياء، لكن ليس مسوغاً في دين نبينا صلى الله عليه وسلم أن يدعو على أحد، ولهذا لا يدعو ولا تهلك هذه الأمة باستئصال، لماذا؟ لا بد من بقاء هذا الدين وهذه الرسالة إلى يوم القيامة.
قال: (إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده) فأخرج الله من أصلابهم من يعبده، وحقق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وعده، وأمله، وأمنيته، فأخرج الله من أصلاب الكفار: العاص بن وائل أخرج من صلبه عمرو بن العاص، والوليد بن المغيرة أخرج من صلبه خالد بن الوليد ، وأبو جهل أخرج الله من صلبه عكرمة بن أبي جهل ، وهكذا.
فالسؤال: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] هؤلاء رسل اطلعوا على ما لم تطلعوا عليه، وعلموا ما لم تعلموا، وأدوا هذا الدين في واقع الحياة -الواقع العملي- كنماذج بشرية تطيق تطبيق هذا الدين فماذا أجبتموهم؟
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت لكم، هذا وضعه وصلته بربه مغفوراً له، ونوح عليه السلام لما ركب الفلك وقال للناس: اركبوا وركب مع أهل الإيمان وكان قد سمع من وعد الله: فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [المؤمنون:27] فظن نوح أن الأهلية هنا هي: أهلية النسب، فقال للناس: اركبوا وقال لولده: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا [هود:42] لأنه من أهله: وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ [هود:42] فرفض، وقبل أن يغرق توسط نوح إلى ربه لولده: فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45] وأنت قد قلت: أركبهم، ولكن أبى أن يركب، أريدك يا رب أن تنجيه، فقال الله له مصححاً النظرة في كلمة أهلك: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] رغم أنه ولده، لكن الله يقول: ليس من أهلك، إن أهلك أهل عقيدتك، ولو كان من غير صلبك، وإن أهلك من هو على مثل ما أنت عليه من الدين، أما ولدك وإن كان من صلبك، فلا تربطك به رابطة إذا كان على غير دينك: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].
فمستحيل أن تجد شخصاً عنده إيمان بالله واليوم الآخر، وعنده مودة لمن يحاد الله ورسوله، ثم قال الله عز وجل: وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] مهما كانت قرابتهم: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [المجادلة:22] ومن كتب الله في قلبه الإيمان فلا يمحوه أحد: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22] مثبتون ومؤيدون من الله، قال الله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46] الله أكبر! هذا الكلام لنبي من أولي العزم، يقول الله له على هذه الكلمة فقط: (إن ابني من أهلي) ولم يقل: يا رب! نجه، وإنما أذكرك يا رب بوعدك: وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:45-46] هذا كلام من الله يوجه لنوح، انظروا كيف البراءة من الذنب والعودة إلى الله: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:47].
وقيل بعد هذا: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [هود:48] فهذا موقف نوح مع الله.
وإبراهيم عليه السلام يقول: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشعراء:87] كيف يخزيك ربي يا إبراهيم، وأنت أبو الموحدين؟ يقول: لا تخزني يوم القيامة، ولم يقل: أدخلني الجنة، وإنما قال: ولا تخزني: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
وهذا عيسى عليه السلام يقول الله له يوم القيامة: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116] والله يعلم أن عيسى لم يقل ذلك؛ لكن ليقرره في عالم الواقع، أما الكفرة الذين اتخذوه إلهاً وأمه من دون الله فإنهم عملوا شيئاً لم يأمر الله به، فيقول له: قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:116] ثم قال: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:117] هؤلاء الأنبياء مغفور لهم، مجتبين مصطفين أخيار، وهم الذين طبقوا الدين، ونحن الذين بعدهم نسأل عنهم: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].
قال: والله يا أخي! إن غض البصر أريح.
قلت: لماذا؟
قال: لو أني نظرت ربما رأيت شيئاً قد لا يكون جيداً، وقد يشغلني، لكن غض البصر أريح.
فغض البصر راحة لقلبك؛ لأن الله يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] لماذا؟ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] ذلك أفضل لكم؛ لأن العيون الدانية الهابطة التي دائماً تتلصص على المحارم ترسل نيراناً إلى القلب، ويبقى القلب تحت وطأة النظر في عذاب مستمر، فكلما رأى امرأة جاءته طعنة ، والنظر يفعل في القلوب فعل السهام بلا قوس ولا وتر، فما دام أنك تطعن قلبك بنفسك لماذا لا تُسلم قلبك وتحميه، والناظم يقول:
وأنت إذا أرسلت طـرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر |
رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابر |
ويقول الآخر:
وأنا الذي جلب المنية طـرفه فمن المطالب والقتيل القاتل |
ويقول:
يا رامياً بسهام اللحظ مجتهـداً أنت المراد فلا ترم بما تصب |
يقول: لا. أنت المراد فلا ترمِ نفسك، ارفعها لا تصب عمرك، لا تحدد النظرة فإن النظرة في قلبك، فالله أمرك ورسوله أمرك بغض البصر، هل أجبت المرسلين؟ إن شاء الله.
الله أمرك بأن تحصن سمعك وتحفظه ولا تسمع به حراماً لا غناءً، ولا غيبةً ولا نميمةً، ولا كلاماً ساقطاً، وإنما اجعل أذنك أذناً ربانية، لا تستمع إلا إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، هل عملت هذا؟ إن شاء الله أجبت المرسلين، وقس على هذا كل شيء.
بعض الناس يقول: نعم أجبت المرسلين، وهو عاكف على الأغاني والمنكرات، والدخان و(الجيراك) و(الشمة) وقطع الصلاة، وشراء المجلات العارية، وقراءة القصص الهابطة، ومرافقة السيئين، والسهرات القاتلة -والعياذ بالله-.
فهو يعيش في وادٍ بعيد عن الدين، ويظن أنه أجاب المرسلين، لا والله ما أجبت المرسلين، فهذا تعمى عليه الأنباء يوم القيامة، ويسقط سقطة لا يقوم منها -والعياذ بالله-.
قال الله عز وجل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ [القصص:65-66] فلا يتساءلون، وإنما كل إنسان يفكر في الإجابة.
وأنا أضرب لكم على هذا مثالاً واقعياً، باعتبار أن أكثركم من الطلاب، فالطالب حينما يبدأ عامه الدراسي بالجد فينتبه لشروح المدرس ويسجل في مذكراته التعليقات الهامة والبارزة التي يتوقع أنها يمكن أن تكون موضع سؤال خصوصاً في الدراسات الجامعية، المدرس الجامعي يعيد مواداً قد أخذها الطالب في الثانوية وفي المتوسطة، وفي الابتدائي فالفاعل الآن يدرس في كلية اللغة العربية وفي كلية الشريعة في سنة ثانية، ونحن درسناه في صف خامس ابتدائي: اسم مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، لكن الفاعل هناك له صفات؛ عمدة وركن وغيرها، وهذا الفاعل يعاد درسه؛ لكن بطريقة متوسعة ودقيقة، فتتمدد إلى أكثر من جزئية، ثم يأتي المدرس أو الدكتور من أجل التمييز بين الطالب المجتهد والمتابع، وبين الطالب المايع، وبين الطالب المنتظم والملتزم، وهو يسجل الأشياء المهمة في المحاضرات، والدكتور عندما يضع الامتحان، يضع من هذه التعريفات وهذه الألفاظ، ليميز بها بين من كان عقله موجوداً، ومن كان يلعب إلى آخر السنة، ويقول: والله أنا سأصور المذكرات، وأحفظها في البيت، ولن ينجح إلا ذاك المتابع من أول السنة، لأنه أولٌ بأول، فإذا دخل الصالة للامتحان في آخر العام، دخل والمادة مكتوبة في رأسه كأنها بين عينيه، فإذا أعطوه الورقة لم يلتفت لا يميناً ولا يساراً، ولكن ينظر في دفتره وباسم الله، مثل السيل السائل، والبحر يتدفق علماً، ويقلب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة ويغلق، راجع، قال: لا يحتاج مراجعة، المسألة مضبوطة، فهذا الذي ينتفع في حياته الدنيا، وإن شاء الله في الآخرة ينتفع أكثر.
لكن ما رأيكم في طالب مهمل ما أجاب المدرسين، ولا تابع (الدكاترة) ويوم جاء جدول الامتحان، لم يأخذ الجدول، وإن أخذ الجدول، قال: الامتحان بعد أسبوعين، أول مادة عندنا لغة عربية، ذاكِرْها، قال: يا شيخ! الجدول هذا يعقدني، أرجوك دعها إلى ذلك اليوم إن شاء الله يفتح عليَّ، إن شاء الله! رئيس اللجنة يرحمني، إن شاء الله يجعل ربي بجانبي زميل طيب، يعطيني بعض الكلمات، ويتمنى على الله الأماني، وبعد ذلك دخل صالة الامتحان وجيء بالأسئلة وقسمت عليه، وأخذ الأسئلة وقام يقرأ: السؤال الأول .. الثاني .. الثالث، وبعد ذلك تلفت وقال بيده كذا، وبعينه في السماء يريد أحداً يأتيه من السماء، ويعصر مخه، والله ليس معك إلا الذي معك، ولا أحد ينفع، وبعد ذلك قال: طيب. السؤال الأول هذا صعب وأخاف أني أفشل فيه، آخذ السؤال الثاني، ويكتب الإجابة على السؤال ويقعد يضبطها؛ لأن هذه إضافية ما عليها درجات، وينسخها ويجعل لها هامشاً من اليمين، وهامشاً من اليسار ويجعل ترقيماً بالأحمر، أي: يضبطه منها يريد أن يخدع الدكتور؛ لكن لا تمشي على الدكاترة هذه، ولا تمشي على المدرسين نريد علماً، هل عندك شيء اكتبه؟ لكن ليس عنده شيء، وبعدها يتذكر ماذا درس في الثانوية؟ وماذا درس في الكفاءة؟ وماذا درس في الابتدائية؟ وأتى بمعلومات من الشارع ليست من الجامعة، فرق بين طالب الجامعة، وطالب الشارع الذي يأتي لك بأي كلام، طالب الجامعة مركز، يأتي بالمسألة من الحديث، هذا الحديث رواه فلان، وخرجه فلان، وفي سنده فلان، وبعد ذلك ذكر فيه أهل العلم كذا وكذا، اختلفت أقوال العلماء فيه، قيل فيه سبعة أقوال: القول الأول للشافعية ودليلهم كذا، القول الثاني للهادوية ودليلهم كذا، القول الثالث للحنابلة ودليلهم كذا، ثم بعد ذلك يراجع، ثم يقلب، ثم يعلق، ثم يقدم ويؤخر، ويأتي الدكتور فيجد علماً فيقول: خذ الدرجة كاملة.
أما ذاك فيقول: اختلف فيه العلماء على سبعة أقوال: الأول نسيت، والثاني والله لم أدر به، والثالث إن شاء الله أذكره بعد قليل، فما رأيكم في هذا؟ ما عرف إلا سبعة أقوال. ويقول لك: سبعة أصفار مكعبة على طرفك، وبعد ذلك يخرج من المادة عميت عليه الأخبار قال الله: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ [القصص:66] أولاً هل يقدم الورقة؟ ينظر يقول: يمكن يغفل الأستاذ ويتلفت، لعله يجد فرصة للغش، ما ينفع هذا كله، فيضطر أن يسلم الورقة للدكتور، وفي الخارج يسأل الطلاب: ماذا قلتم في السؤال الأول؟ وفي السؤال الثاني؟ لكن مع ذلك يأتي أمل قال: يمكن تنـزل عليه الرحمة والشفقة، يمكن الدكتور يكون منبسطاً في ذلك اليوم، ورأى كلامي فيه بركة؛ وإن جاءت النتائج، جاء مع الناس مع الأول، ماذا تريد؟ قال: أريد النتيجة، النتيجة ألست تعرفها من أول؛ لكنه مغفل يضحك على نفسه.
يوجد طلاب أعرفهم والله عندما كنا ندرس في الجامعة كانوا لا يسألون عن النتيجة، ماذا يسألون؟ يقولون: لا نريد النتيجة هذا شيء في الجيب، بل نريد الأول والثاني والثالث والرابع، وواحد من إخواننا، يقول: أريد أنجح بالمقبول، وآخرون يقولون: لا نريد مقبولاً ولا جيداً، نريد ممتازاً.
لنا الصدر دون العالمين أو القبر |
هذا في مجالات وامتحانات الدنيا، لكن امتحانات الآخرة يقول الله: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ [القصص:65-66].
فيا إخواني في الله: لا بد أن نتفكر، وأن نعرف كيف نجيب المرسلين، بمراجعة الأوامر والنواهي، ومعرفة الطلب الذي طلبه منا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف أجبناه، حتى نأتي يوم القيامة مثل ذلك الطالب الذي أعطى ما في رأسه، وخرج يذاكر مادة ثانية، نأتي يوم القيامة وقد أجبنا المرسلين، ماذا كنت تقول في هذا الرسول؟ صدقت به وآمنت وشهدت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال في القبر: صدقت، على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، أما ذاك الذي ما علم شيئاً يقول: هاه هاه -مثل ذلك الذي ما عنده شيء- هاه هاه لا أدري، فيقال له في القبر: لا دريت ولا تليت، أي: جعلك الله لا تدري، فيضرب عند رأسه بمطرقة فيكون طحيناً من لدن قرنه إلى قدمه، هذا يضربه الفتان؛ فتان القبر هذا موكل بفتنة الكفار في القبور، وهذا أصم أبكم أعمى، أصم فلا يسمع بكاء، أعمى فلا ينظره حتى يرحمه، أبكم فلا يتخاطب وعنده مرزبة، ويضرب في الرأس، لماذا كنت عاصياً، فاجراً، عدواً لله!
لكن يا أخي! ليس لك في الورطة هذه كلها يا أخي! امش في الخط، اضبط المسار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم -والله- تكسب الدنيا والآخرة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو؛ أن يلهمني وإياكم الحجة وأن يقيمنا وإياكم على الطريق الصحيح، وأن يثبتنا وإياكم على الإيمان حتى نلقاه، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
والله بعض الحفظة الآن يمر عليه الشهر والشهران لا يقرأ آية، وهو قد حفظ القرآن، هذا وعيد شديد على من هذا فعله، لا حول ولا قوة إلا بالله! أنار الله بصيرته، وقذف الله القرآن في قلبه، وجعله مستودعاً وقمطراً للعلم.
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول |
وتجد بعضهم قد استعاض عنه بالأغاني والمسلسلات، والصحف والمجلات، واللهو واللعب، وترك القرآن، هذا ثقل رأسه عن القرآن، فتولد عنه الإعراض عن القرآن، تثاقله عن الصلاة المكتوبة؛ لأن القرآن هو الذي يبعث فيك الإيمان، فإذا هجرت القرآن وثقل رأسك عنه فإن النتيجة حتمية أن يثقل رأسك عن الصلاة، فلا تقوم إلى الصلاة، ولا بد لكل رأس خربان من دواء، ودواء هذا الرأس الخربان أن يرضخ في القبر بحجارة.
يا إخواني! والله ما تتحمل العي، إذا كان عندك قدرة فخذ حجراً صغيراً ودق بها أُصبعك، فكيف إذا رضخت بها على رأسك؟ -والعياذ بالله-.
وسوف -إن شاء الله- نتكلم بشيء من الإسهاب، وجمع للأدلة على هجر القرآن؛ وأنه كبيرة ومعصية من المعاصي الكبيرة، وعلى نسيان القرآن، وعلى المراء في القرآن، وعلى عدم التحاكم إلى القرآن، وتدبر القرآن، وقراءة القرآن؛ لأنه نور أراد الله لهذه الأمة أن تعيش به، ونفخ فيها الحياة به فجعله روحاً لها، قال عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً [الشورى:52] هو روح للأمة بمعنى: الذي ليس عنده قرآن، جسده ميت لا حياة فيه: رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:52-53].
الجواب: هذا الحديث ضعيف، ولم يخرجه أهل السنن ولا الصحاح، وإنما ذكر في بعض الكتب التي تورد الضعاف، ولكن وردت أحاديث صحيحة، مثل حديث البخاري : (يأتي على الناس زمان يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف) هذا في صحيح البخاري ، المعازف أي: الأغاني، والحديث الآخر الصحيح: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة، مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة) والحديث الآخر الصحيح حديث عبد الله بن عمر (حينما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمعا راعياً ينفخ بوقاً، فأدخل صلى الله عليه وسلم إصبعيه في أذنيه، وكان يسدهما حتى مشى، ثم قال لـ
أجاب العلماء على سماع ابن عمر ، أنه كان صغيراً غير مكلف، ولا يؤذيه ذلك، وإلا لم يكن ليرخص له النبي صلى الله عليه وسلم لو كان مكلفاً؛ ولأن هذا الناي أو العود لا يصل إلى درجة الفتنة التي تفتنه، ولكن خشية الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه، باعتباره وعاء العلم، ومبلغ عن الله، مما جعله لا يستمع لهذا الشيء، هذا بالنسبة لهذه الأحاديث.
الجواب: هذا الكلام فيه نوع من التجني على الدين، كون الشخص يصف شيئاً أنه بدعة، وهو وارد وله أصل في الدين، وهي باتفاق أهل العلم أنها مستحبة ليست بدعة ولا مباحة، بل مستحبة؛ لورود الأدلة التي أثبتت فضيلة التعزية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزى ابنته حينما أخبروه بوفاة ابن ابنته قال: (مروها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) هذه من التعزية، وأيضاً ذكر ابن ماجة والبيهقي بسند حسن عن عمرو بن حزم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة).
وعند الترمذي بسندٍ فيه لين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عزى مصاباً فله مثل أجره) ذكر هذا الكلام الشيخ ابن قدامة في المغني، ومدة العزاء ثلاثة أيام ما لم يكن المعزى غائباً، فليس هناك داعٍ لأن تذهب إليه، أما إذا كان قريباً منك، ويمكن أن تتصل به وتعزيه، فإن هذا سنة ومستحب، والسنة أن يعزى أقارب الميت في أي مكان، في البيت، في الشارع، في المسجد، في الطريق، وليس من السنة أن يجلس صاحب العزاء في البيت، كما يصنع الآن في مجتمعاتنا، هذا ليس من السنة في شيء، وأظن الأخ الذي قال بهذا الكلام، يعني به هذا الوضع، لا يعني به مطلق التعزية، فليس من السنة أن يجلس للعزاء في البيت، فقد روى جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: [كنا نعد الجلوس للعزاء نوعاً من النياحة].
الجواب: النياحة هي: إظهار أي مظهر يعترض فيه على قضاء الله وقدره؛ إما بشق جيب، أو بلطم خد، أو بنتف شعر، أو برفع صوت، أو بالتجمهر مثل ما يفعل الآن في القرى، إذا مات شخص يعلنون كلهم الإضراب عن العمل، منهم موظفون وطلاب ومزارعون يأخذون إجازات ويجلسون كلهم في بيت العزاء، وكلما دخل شخص قاموا: لا هان من جاء، وجلس وأفلح، ولمن العزاء، لكم أنتم؟! المفروض أنكم أتيتم تعزون، فتعزون في المقبرة وذهب كل واحد إلى عمله.
أما الجلوس للعزاء من قبل الجماعة، أو من أهل البيت فليس هذا من السنة، والأدهى والأمر أنهم يجلسون ويعطلون أعمالهم، ثم يحولون العزاء إلى فرح، فتذبح الخرفان ويتقاسمونها بينهم، قال فلان: الفطور عندي هذا اليوم، قال الثاني: والغداء عندي، قال الثالث: والعشاء عندي، الله أكبر والكرم! ولو قيل لهم: هاتوا الخرفان هذه لنجعلها في سبيل الله، ونرسلها لإخواننا المجاهدين، الذين يأكلون الخبز الناشف، الذي يدقونه بالحجارة، قال: والله لا أُسلم ريالاً.
لكن عند مراد الله يفنى كميتٍ وعند مراد النفس يسجي ويلجمُ |
يوم أن صارت رياءً ونفاقاً وكذباً، فهي ليست لله ولا ترضي الله، قد يصل الذبح عند البعض في العزاء إلى مائة خروف، أربعة غداء، وأربعة عشاء، وأربعة فطور حنيذ، حتى فرح بعض الناس فتراهم يقولون: اللهم اجعل كل يوم ميتاً؛ ما دام أن فيها عزائم وأكلات، لا حول ولا قوة إلا بالله! لا يجوز الجلوس، ولا يجوز الأكل في بيت الميت، والذي يجوز هو أن يعزى هذا الرجل في أي مكان، فإن لم تجده في أي مكان وأنت تعرف أنه لن يخرج، فلا مانع من أن تصله في بيته، لكن تعزيه وتمشي، أما أن تأكل أو تجلس أو تأتي بأكل أو طعام، لا.
يجوز أن يضع الجيران طعاماً لأهل الميت فقط، أما أن يأتي بطعام لا يكفيهم؛ ويحضر الرز واللحم في قدور ويأكلونه ويرسلون بالعظام والصحون للنساء ليقمن بغسل الصحون فهذا ليس من الدين في شيء.
الجواب: هذا النوع فيه تفصيل:
إن كان الغسل من جنابة، فلا تنقضه، وإنما تروي أصوله، ولا يلزمها أن تنقضه شعرة شعرة، وهذا باتفاق إن كان الغسل من جنابة.
أما إن كان الغسل من حيض، فاختلفت فيه أقوال العلماء على قولين:
القول الأول: وهو للحسن وطاوس: أنها تنقضه، لحديث عائشة وهو في صحيح البخاري عندما شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (انقضي رأسك وامتشطي). البخاري (1/120) دار اليمامة.
وقال بعض العلماء: لا يجب النقض، وحملوا هذا الدليل على الاستحباب، قالوا: إن الأمر هنا للاستحباب وليس للوجوب، ولكن الأولى للمسلمة أنها تنقضه بعد الحيض، ولا تنقضه من الجنابة.
الجواب: إذا كان صيام نافلة تطوعاً؛ فإنه يجوز للرجل أن يأتي زوجته، ولو كانت صائمة صياماً تطوعاً؛ لأنه لا يجوز لها في الأصل أن تصوم إلا بإذنه إذا كان شاهداً، فإذا أذن لها؛ لزمه أن يتم إذنه، لكن لو غُلب على أمره وأراد زوجته وهي صائمة صيام تطوعٍ، جاز له أن يأتيها ولا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأن المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر.
الجواب: أول شيء: بارك الله لك في زوجتك التي عقدت عليها، والحمد لله الآن الشيك في جيبك، ولو لم يكن إلا المكالمة منها، فإنك لا تتكلم إلا على شيء قد أصبح لك، والرباط أصبح في يدك، أنت رجل ممتاز، لكن الذي يعيش على الخيالات والأوهام، ويتلفت ويكلم، وليس معه إلا التراب في يده، هذا خاسر -والعياذ بالله- فنقول: بارك الله لك في زوجتك، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو! أن يهيئ قلب أبيها وأبيك، بأن يعجلوا لك بالزواج، أما ما يحل لك فبمجرد عقدك عليها أصبحت زوجتك، يجوز لك منها كل شيء، حتى جماعها يجوز لك، لكن بشرط أن يعلم أهلها وأهلك؛ وذلك لسد الذريعة، خشية أن يحصل شيء بعد ذلك، ثم يقول لها أهلها ويقول أهلك: من أين جاء هذا الشيء؟ لا. إذا كنت مستعجلاً فاذهب إلى أهلها، وقل لهم: أنتم واعدتمونا في السنة القادمة، وأنا لن أصبر، هذه زوجتي وأريد أن أنام معها هذه الليلة، فإذا قالوا: تفضل، والذبائح والعرس في وقت آخر، فلا بأس، وأخبر أهلك، وهذه زوجتك، بارك الله لك فيها إن شاء الله، لكن لا تطمع أكثر من اللازم.
الجواب: طقطقة الأصابع وفرقعتها مكروه ومنهيٌ عنه، في حديث ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: (لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة) وأيضاً روى ابن ماجة في السنن عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في المجلس يشبك أصابعه، قال له: (فرج بين أصابعك) والسبب في النهي عن التشبيك كما يقول العلماء: إنه يحول بينه وبين التسبيح؛ لأنه إذا جلس وشبك عطل هذه الوسائل، فالأولى أنك لا تشبكها من أجل أن تشتغل بالتسبيح بها إن شاء الله، والحكمة إن لم تكن هذه فالحكم تعبدي، المهم أنك منهي عن الفرقعة والتشبيك.
الجواب: الأيام البيض التي جاء الأمر بها هي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، لحديث أبي ذر رضي الله عنه وهو عند النسائي وصححه ابن حبان ووافقه الذهبي ، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر الثلاثة الأيام البيض) يعني: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وهي كصوم الدهر، ولكن لو لم تصم، وفاتتك البيض، يجوز لك أن تصوم ثلاثة أيام من الشهر غيرهن إن شاء الله.
الجواب: نعم يقضيها؛ لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى نافلةً فاتته في الظهر بعد العصر، واستدل العلماءُ بذلك على أنه يجوز قضاء النافلة، حتى في وقت النهي؛ لأنها ذاتُ سبب، وسببها فواتها وليست نافلة مطلقة، فتقضيها إن شاء الله.
الجواب: هذا الحديث ذكره النووي في رياض الصالحين وهو حديثٌ ضعيف كما ذكر الشيخ ابن باز ، وعلته أنه مرسل، ولا يبنى به حكمٌ في إبطال صلاة المسلمين، يعني: لا تبطل صلاة مسلم إلا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، أما ما دام فيه كلام وضعف فلا تقوم به حجة، لكن فيه ترهيب من إطالة الثوب، لاشك أن من يصلي وثوبه مسبل أنه آثم، وأنه تحت خطر عظيم، كأن يخسف الله به، وأن الله يوم القيامة لا يزكيه، ولا ينظر إليه، وأن ما كان تحت كعبيه فهو في النار، كل هذه أحاديث، لكن لا نقول إن صلاته باطلة بحديث ضعيف لم يثبت، وعلته الإرسال.
الجواب: ليس المفهوم من الآية أنه يجوز أن تواعدوهن علناً، لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً [البقرة:235] وإنما هذه الآية نزلت في المعتدة التي يرغب الناكح في الزواج بها، ولكنها لا تزال في العدة، فماذا يصنع؟ رخص الله ذلك، قال: ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235] يعني: أجاز الشرع للرجل إذا أراد أن يتزوج بامرأة لا تزال في عدتها، أن يعرض ولا يصرح، لا يذهب إليها ويقول: أنا أريدكِ، أكملي العدة أربعة أشهر وأنتِ محجوزة من الآن، هذا لا يجوز، بل يجوز التعريض، يعني: كلام يفهم منه أنه يريد أن يتزوجها، لكن لا يأتي بهذه الصراحة الواضحة، ثم قال الله عز وجل: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235] يعني: بعد انقضاء عدتهن سوف تبقى في أذهانكم وتذكرونهن، وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً [البقرة:235] يعني: لم يرخص الله تبارك وتعالى بالكلام إلا بما جوز من التعريض، هذا ما ذكره أئمة التفسير أن المستثنى: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً [البقرة:235] يعني: التعريض، هذا لمن أراد أن ينكح امرأة لا تزال في عدتها.
الجواب: حقيقةً والله إنها من أجل النعم، وما عرفناها إلا في هذا الزمان، كان الناس قديماً يموتون مباشرةً، لكن لما جاء غسيل الكلى، ولقد رأينا كم يبذل الواحد من الجهد في غسيل الكلى، جهد لا يعلمه إلا الله! ففي كل ثمان وأربعين ساعة يغسل مرة، ويجلس تحت الكلية الصناعية أربع ساعات؛ يسحب دمه كله ويذهب إلى الكلية الصناعية، ويعاد مرة ثانية وقد نقي منه عشرة في المائة من السموم القاتلة، ويبقى تسعون في المائة فضلات، وماذا ينقيه، دولاب في ظهرك؟ صفايتان مثل يدك معلقة، واحدة تعمل، والأخرى بالتناوب، ولو خربت واحدة فالأخرى تعمل إن شاء الله.
أما بخصوص حكم التبرع بالكلى والدم: أولاً: هيئة كبار العلماء بقرارها رقم (99) أفتوا بالإجماع بأن التبرع بالعضو جائز شرعاً، بل مرغبٌ فيه، إذا كان التبرع لمسلمٍ؛ وتستطيع أن تنقذ حياته بإذن الله، ويستطيع أن يعبد الله فترةً من الزمن بسبب هذه الكلية.
وكذلك الدم إذا نقل من إنسانٍ إلى إنسان آخر على سبيل التبرع من أجل إنقاذ حياة مسلم، فذلك طيب إن شاء الله، ومرغبٌ فيه، ونسأل الله عز وجل أن يثيب من يفعله.
الجواب: لا يا أخي! نريد في كل ليلة درساً، ثم يترك للناس حرية الاختيار، الذي يريد أن يأتي هنا، والذي يريد أن يذهب إلى الشيخ عائض ، والذي يريد أن يذهب إلى الشيخ الجبرين ، والذي يذهب إلى النماص، حتى يكون هناك نوع من التنويع: درس في التوحيد، ودرس في التفسير، ودرس في الحديث، ودرس في السيرة، ودرس في الفقه، أما أن تقام في كل ليلة محاضرة في أي مسجد فهذا شيء قليل جداً في مدينة فيها أكثر من مائة ألف نسمة، ولا يعقد فيها على مدى الأسبوع إلا خمس محاضرات في المساجد، لا نطلب التقليل، وإنما نقول: كثروا كثر الله الخير، وبالنسبة لك أنت فليس من الضروري أن تشهد جميع المحاضرات، إنما تحضر لمن تريد، ولمن يوافقك وتنسجم معه.
الجواب: أكل مال اليتيم من الكبائر: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:10] وأكل مال الغير كله حرام، لكن مال اليتيم أعظم؛ لأن اليتيم لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وأما الكبير فيدافع عن نفسه، فلا تسقط الهمة إلا عند مال اليتيم!! ولا يجرؤ على أكل مال اليتيم إلا دنيء الهمة، ساقط العزم، الذي لم يستطع أن يأخذ حق الناس، فرجع على الضعيف، ولكن الضعيف ينصره الله: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:10].
الجواب: عمة زوجتك أخت أبيها ليست محرماً لك ولا يجوز أن تجلس معها، ومادام أنها دخلت هي وجلستْ، فعليك أن تخرج، وإذا عرفتْ أنك خرجت من أجل الحجاب، فستخجل من أن تتكشف عليك.
أيضاً قلتُ في الأسبوع الماضي -هذا استدراك أستدركه الآن- وقد سئلت عن حكم نظر الولد إلى أم زوجة أبيه الثانية، فقلت أنا: إنها محرم له، ولكن بالتتبع والمراجعة وبلفت النظر من بعض الإخوة جزاه الله خيراً اتضح أنها ليست من المحارم، يعني: إذا كان لأبيك زوجتان فأمك طبعاً بطبيعة الأم، وزوجة أبيك أنت محرم لها؛ لأن الله قال: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22] أما أمها فإنها أجنبية عنك ولست لها بمحرم، ولو أردت أن تتزوج بها جاز، وأنا وقعت في الخطأ من باب القاعدة: (أن ما حرم على أبيك حرم عليك) لكني وجدت أن القاعدة منقوضة في قضية بنت الأخت، فإنها تحرم على أبيك وتحل لك؛ لأنها بنت عمتك.
الجواب: حتى وإن لم تزف إليه بعد، لا ينبغي لها أن تخرج إلا بإذنه؛ لأنها منذ دخولها في عقده أصبحت في عصمته، ولا يجوز لها الخروج من بيت أبيها إلا بإذنه، وعليه هو أن يكون سهلاً، لا يذهب إليها عند أهلها فيقول لها: لا تذهبي عند أحد، ويقول: ما دام أنك كذا فلا تخرجي.
الجواب: لم يثبت ولم ينقل من طريق صحيح ولا ضعيف ولا قوي ولا موضوع أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء أو أحد من أصحابه يوم الجمعة إلا في الاستسقاء، فإذا استسقى رفع يديه، أما الدعاء الآخر فإنه لا يرفع يده، ولا يرفع الناس أيديهم، أما إذا استسقى يوم الجمعة ورفع يديه فالناس يرفعون أيديهم يوم الجمعة أو في استسقاء خاص.
الجواب: عرف العلماء الكبائر بتعريفات: أنها ما توعد الله عليها بعذاب في الدنيا، أو لعنة في الدنيا، أو في الآخرة، وقيل: هو ما نهى عنه الشرع نهياً جازماً، ولم يقم على النهي قرينة تصرفه إلى الكراهة، وحلق اللحية هذا ورد فيه النهي الجازم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من الصغائر، وعلى فرض أنه من الصغائر فإنه بالاستمرار يتحول إلى الكبائر، فلو أن شخصاً حلق لحيته جهلاً قلنا: هذه صغيرة، لكن نقول له: دعها، فإذا قال: لا. وسوف أحلقها مرة ثانية، فهذا معناه: أن الصغير يصير كبيراً مع الاستمرار بالحلق، فالذنب الصغير يصير غداً مثل الجبال مع الاستمرار.
الجواب: لا. وإن وافقت هي بالزواج منه وهو غير مستقيم، فلا يجوز ولا ينبغي لك أن تزوجها به وهو غير مستقيم، أما هي لا يؤخذ لها رأي في هذا الموضوع، وإنما لِمَ جعل الولي؟ يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نكاح إلا بولي) لأن الولي يقدر المصلحة بدافعٍ من المصلحة، ليس بدافع من العاطفة، والمرأة عاطفتها وعقلها في عينها؛ إذا رأت شخصاً متزيناً، قالت: أريده، لكن الولي عندما يبحث عن زوج لموليته أو يأتيه خاطب فإنه يسأل عن دينه وشهامته ومروءته وجميع المقومات الرجولية فيه، ثم بعد ذلك يقول: هل تريديه؟ فإن قالت: لا. قل: انتظري إلى أن يأتي شخص نريده، أما أن تطيعها وتزوجها من شخص قليل دين، فلا. فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فمن زوج موليته غير ديِّن؛ فقد قطع رحمه).
الجواب: ذكر الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث الطبراني من طريقين وصححه:
الحديث الأول: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من لم يجب).
والثاني: (من سأل بوجه الله فهو ملعون) وكلاهما حديثان صحيحان، فمن سأل بوجه الله فهو ملعون، فلا تسأل بوجه الله إلا الجنة، اللهم إني أسألك بوجهك الكريم، وبسلطانك القديم، أن تسكنني الجنة، هذه تستحق أن تسأل بوجه الله، أما على كوب أو على خروج، أو .. فهذه مهزلة، فليستغفر الله، وليتب إلى الله!
الجواب: من هذه الأسباب كلها؛ من أصدقاء السوء، ومن الصحف السيئة، واللعب، وآلات الموسيقى، أما الآباء إذا كانوا آباء سوء فمنهم، أما إذا كانوا صالحين فنسأل الله أن يعينهم على تربية أبنائهم. الشاب -يا إخوان- يكون على الاستقامة، فإذا اتخذ رفقة سيئة كانت سبباً في انحرافه، فاحذر يا أخي الشاب! ولهذا جاء في الحديث والحديث صحيح: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. وشابٌ نشأ في عبادة الله) يعني: لم يلوث نفسه بشيء من المعاصي، من يوم أن شب وهو مع الله، الله أكبر ما أعظم هذا الإنسان!
الجواب: أولاً: تخلص من أصحاب السوء.
ثانياً: لا تتردد وأقدم على الله وتب، والتوبة ليست عملاً تحمله فوق ظهرك، التوبة هي أن تقول عن الماضي: أستغفر الله، وعن المستقبل: أتوب إلى الله لا أعمل شيئاً، وعن الحاضر: أجتهد في العبادة والعمل الصالح وأترك المعاصي والذنوب، إذن أصبحت ملتزماً من الآن، يعني: بإمكانك الآن أن تتوب، وتعود إلى بيتك مغفور ذنبك كله، أما أن تتردد، فكيف تترد على باب الجنة؟! إذا قالوا لك: تفضل على أرز ولحم؛ فهل تتردد أم تتفضل؟ وربي يدعوك إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها اثنتان وسبعون حورية، وقصورها من ذهب، وأنهار جارية، وأنت تفكر، هل أدخل أم لا؟! تب إلى الله قبل أن تموت.
الجواب: ليس هناك مانع، أن تبحث عن الزوجة التي تغض بصرك، نحن لا نقول لك: ابحث عن واحدة قبيحة إذا رأيتها هربت منها، بل ابحث عن فتاة جميلة وحسنة، لكن قبل أن تكون جميلة وحسنة تكون أيضاً ديِّنة وملتزمة، ولو لم تكن ملتزمة ودينة مرة واحدة، لكن عندها قابلية للاهتداء، يعني: أبين لها أني مؤمن وملتزم، وأني أريد أن أتزوج بها، وأن عندها قصوراً وعندها نوعاً من السلبيات، وترى وضعي كذا وكذا وكذا، فإذا قالت: نعم، أنا موافقة، معنى ذلك أنها سوف تتعايش معك، والباقي عليك، أما إذا قالت: لا، لا أريدك أن تعقدني، أنا أريد أن أغني وأرقص، قل لها: اقعدي، والله سيعطيك أحسن منها بإذن الله؛ لأنه كما جاء في الحديث: (خير متاع الدنيا المرأة الصالحة التي إذا نظرت إليها سرتك) فأنا لا آمرك أن تأخذ امرأة غير جميلة، لكن خذ امرأة جميلة لكن دينة.
الجواب: لا يجوز لشابٍ يخاف الله، ويخشاه أو يغار على أعراض المسلمين أن يقف على المدارس، وأنا أعرف أن السلطة مركزة على هذا الموضوع، وواضعة بعض الرجال ممن لهم صفة سرية بمتابعة هذا الموضوع، لأخذه وحمله في سيارة، وإحضاره إلى الإمارة ويجلد فوراً؛ يضرب عشرة أسواط أو عشرون أو ثلاثون وجبة عاجلة؛ لأنه قذر، هذا يحرج أبا البنت ويحرج البنت ويحرج الناس، لماذا يقف بجوار مدرسة البنات؟ قاعد مثل الكلب يتلصص على محارم المسلمين! فهذا لا يجوز، وأيضاً يجب على كل بنت تخاف الله إذا رأت أحداً يعاكسها بسيارة أو أي شيء، أن تأخذ الرقم فقط وتعطي أباها، وأبوها يقدم هذا الرقم للإمارة؛ والإمارة تأتي به برقمه وسيارته، وتضربه وتقطع ظهره، أما أن نسكت على المنكر حتى يستشري، فهذا لا يجوز أبداً.
الجواب: قدم أمرك إلى مدير المدرسة، فهناك تعليمات بمنع الرسم لذوات الأرواح، لكن يرسمون ما لا روح له مثل الجبال، والأشجار، والأنهار، والبيوت، والسيارات، والعمارات، وأما رسم الروح فلا؛ لورود النهي عن رسمها، وإذا رأيت المدرس يهددك فاذهب إلى مدير المدرسة، والمدير إن شاء الله سوف ينصفك منه.
الجواب: يبدو أن الشيطان يلعب بك كثيراً، فلا تكن لعبةً في يد الشيطان، إذا عرفت أنك وقفت في صلاتك؛ فاعرف أنك وقفت بين يدي الله، لا نقول: إنه لا يأتيك، فالشيطان يأتيك، لكن لا تستسلم له، هذا عدو يريد أن يقودك إلى النار، فجاهده بالذكر، وبالتأمل في القرآن، وبالتكبير، والتسبيح، ويأخذ منك وتأخذ منه، أما أن تسجد للسهو في كل صلاة فلا، فاستغفر الله وجاهد نفسك -يا أخي- ولا تستسلم، فإنه يكتب للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه.
الجواب: اكتب ما تشاء، لو أن عندك مليون قصيدةٍ غزلية لامرأتك؛ فاكتب ما تشاء، أما لغيرها فلا، بعضهم يعمل قصائد غزلية لحبيبته، هذا لا يجوز، لا غزل ولا مكالمة ولا شيء؛ لأن هذا يبعث على الفتنة على شيء لم يحصل، أما إذا صارت زوجتك فتغزل إلى أن تموت.
الجواب: لا. ليس هذا من الرياء ولا من النفاق، فإنه لا يمكن أن يحصل في قلبك الرقة والخشية والخوف إلا من الله، فجزاك الله خيراً ولا تجعل للشيطان على نفسك سبيلاً.
الجواب: هذا شاب مقدمٌ على الزواج ولا زال بينه وبين الزواج وقت طويل، ويسأل عن الأمور التي تكون في أول ليلة، هذا متفائل بارك الله فيه، وأسأل الله أن يحقق له أمنيته وأن يجمع بينه وبين زوجته.
وبالنسبة للسنة في أول ليلة، فإنه إذا دخل على زوجته، يسلم عليها، ثم بعد ذلك يصلي ركعتين، ثم يأخذ بناصيتها، ويقول كما ورد في الحديث: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ثم بعد ذلك يخبرها -كما فعلت امرأة القاضي شريح - يخبرها عن مبدئه في الحياة، ويقول: أنا وضعي كذا، وهذه القائمة التي أحبها، وهذه القائمة التي أكرهها، وأريد منكِ أن تكتبي لي في الورقة نفسها، القائمة التي تريدينها؛ وما هو الذي يؤذيكِ؟ وما هو الذي يرضيكِ؟ فإذا أوضحتي ما يؤذيكِ أتجنبه، وأنتِ كذلك، هذه اسمها قاعدة الحياة، وبعد ذلك نسأل الله أن يستر عليه وييسر عليه أمر حياته الزوجية.
الجواب: نعم. هذا الحديث صحيح رواه الجماعة، لكن الحديث كاملاً: (بين كل أذانين صلاة لمن شاء) فإذا أذن، يعني: بعد الأذان وقبل الإقامة لك أن تصلي إذا شئت، وإذا لم ترد أن تصلي فاقعد، ليس هناك شيء يلزمك أن تصلي.
الجواب: هذا الحديث موضوع، وقيل: إنه ضعيف، ولكنه إلى الوضع أقرب، وأما معناه فصحيح: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) يعني: إذا أردت أن تتزوج فابحث عن المرأة الطيبة، التي نبتت في المنبت الطيب، فإن العرق دساس، لكنه لا يصح، أما معناه فقد يكون فيه شيء من الصحة.
الجواب: ما هو الحب؟ حب ماذا؟ حب اللحم والرز؟ كل ولا تبالي، حب البرتقال والتفاح؟ ليس هناك مانع، حب الوالد والوالدة؟ طيب، أما حب الحرام فحرام، وقد سئل بهذا الكلام الشيخ الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، قالوا له: ما حكم الحب في الشرع؟ قال: حب الحرام حرام، وحب الحلال حلال.
انظروا كيف المنطق، يقول: حب الحرام حرام، يعني: بنت الجيران التي هي حرام عليه، أيحبها؟! حرام حبها، أما زوجتك إذا كنت تحبها فهذا الحب حلال، وبعضهم يقول: إني لا أحب إلا تلك، أحد الشباب يقول: يا أخي! ما أقدر على تركها؛ لأنه أحب واحدة، ولما تاب إلى الله وأراد أن يتزوجها، صارت هناك عوائق عن الزواج، قلت له: اترك حبها وابحث عن أخرى، قال: لا يمكن أبداً، فأنا مطبوع على حبها هي وحدها، قلت: وقبل أن تحبها وقبل أن تراها كيف كنت؟ قال: طبيعي، قلت: والآن أحب واحدة أخرى وتزوجها، ووالله لن تحب هذه، ولا تطيق أن تلتفت إليها، قال: لا يمكن أبداً، قلت: جمد العلاقة مع هذه وجرب، وفعلاً كلمته بالهاتف يوماً من الأيام، فقال لها: أنا حاولت الزواج منك، ولكن أهلك رفضوا فالآن هذه آخر مكالمة، وبعد ذلك اتصلت به مرة ثانية، فكأن ضعفاً جاءه، فقلت له: أنت رجل فيك ضعف لا تصلح للجنة، إذا كَلَّمَتْكَ فأقفل في وجهها، فكلمته مرة ثالثة، فلما كلمها قال لها: أقول لكِ: أنا لا أريد أن تكلميني، أنتِ ليس عندكِ شهامة، ثم بصق في وجهها، فقامت تسبه، وبعد ذلك يقول: انقطعت العلاقات، ثم بحث عن واحدة أخرى، وتزوج بها، وله الآن منها ولدان، والآن عندما يأتيني أسأله: كيف الحال؟ قال: والله لم أعد ألتفت إلى تلك، وأما هذه فإنها حياتي كلها. فحب الحلال حلال، وحب الحرام حرام.
الجواب: لا بأس إذا كان راضياً، والرضا سواء كان عن طريق الإقرار، أو عن طريق الاستئذان، ليس فيه شيء إن شاء الله.
الجواب: لا. ولدها لا يملك الإذن لها، إلا إذا كان مفوضاً من قبل أبيه، إذا قال له أبوه -وهو مسافر- إذا أردتم أن تخرجوا، فاستأذنوا من فلان، ليس هناك مانع، أو رخص هو لهم بالخروج في أماكن معينة، ليس هناك مانع، أما أن يأخذ الولد الصلاحيات من أبيه، ويرخص لأمه وأخواته، فلا.
الجواب: نعم. الشريط أنا سمعته، وهو قيم جداً؛ لأن الاعتقاد في هذه الأبراج له علاقة بالشرك، وأبراج الحظ هذه موجودة في الجرائد، حظك هذا الشهر وهذا الأسبوع، هذه كلها من الكهانات العصرية، فأنصح أن يسمع هذا الشريط.
الجواب: عليها القضاء مهما كان، وعليها أن تقضي وتطعم؛ هذا إذا كان تأخير الصيام بغير سبب مشروع، وأما إذا كان باستمرار مرض، أو استمرار حمل، أو استمرار إرضاع؛ فإنها تقضي ولا كفارة، وليس لها مخرج إلا القضاء.
الجواب: لا تزوجها إلا لشخص متدين، ولو أن الناس تواصوا بهذا الموضوع، أي: كلما جاء شخص يخطب، قالوا: لا نزوجك حتى تصلي، لأصبح الناس كلهم مصلين، لكن المسألة الآن انعكست؛ إذا جاء واحد يصلي، قالوا: سيعقدها، زوجوها بشخص لا يصلي من أجل أن يتركها تفعل ما تشاء.
الجواب: سألت عن هذا السؤال الشيخ عبد العزيز بن باز ، فقال: لا تمنع؛ لأن الصور المحرمة هي الصور التي تعلق وتقدس، أما الصور التي هي مطوية، أو ملفوفة، أو مهانة، أو ممزقة، أو معلقة، يعني: موضوعة في وسادة أو شيء، فهذه مما لا يمنع، وقال: إن هذا مما عمت به البلوى، وأصبح الاحتراز منه غير ممكن؛ لأنك تجد الصورة في فنيلتك، وتجدها في سروالك، وتجدها في علبة الحليب، وتجدها في علبة اللبن .. وفي كل شيء، لكن اتق الله ما استطعت؛ وما عجزت عنه فنسأل الله عز وجل ألا يؤاخذنا وإياكم.
الجواب: لا يجوز لهم أن يقبلوا رأسها ولو كانت كبيرة في السن، فتقبيل الرأس لا يكون إلا للأم والمحرم، أما أن كل واحد يسلم على رأس أمي، فهذا لا يجوز.
الجواب: اشغل نفسك؛ لأن نفسك إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، اشغل نفسك بالعلم، وبالذكر، وبالتلاوة، وبمجالسة أهل العلم، أما أن تسكت فلا يمكن، لابد من أن تتكلم بحق أو بباطل، فإن لم تشغل لسانك بالحق شغلك بالباطل.
الجواب: قلنا في الماضي: إن هذه التفرقة ما أنزل الله بها من دين في الشرع، وليس لها أساس، وأن الناس كلهم أبناء آدم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] وإذا وجدت صاحبة الدين فعليك أن تتزوج بها، وأما أخذ رأي أبيك فهو طيب، فإذا كان رأي أبيك فقط من هذا المنظار، أي: ليس له إلا هذه النظرة الجاهلية، فإنه لا ينبغي لك أن تطيعه، أما إذا كانت لأبيك آراء أخرى أبعد من نظرك؛ فإنك تأخذ برأيه فيما يتفق مع الشرع، أما إذا قال: لا، من أجل أنهم ليسوا من مستوانا، فلا يجوز ذلك إذا كانت هي دينة وأهلها متدينون وملتزمون.
الجواب: هذا من الشيطان، فاقرأ القرآن ولا تبالِ، واسأل نفسك، لماذا تقرأ القرآن؟ هل تقرؤه من أجل الناس؟ إن كان من أجل الناس فهذا رياء، لكن إذا كنت تقرأ لله، والشيطان يريدك أن تسكت وتتوقف لكي لا تعمل العمل، فترك العمل من أجل الناس رياء، وفعل العمل من أجل الناس رياء، بعض الناس تقول له: صلِّ في المسجد، يقول: لا يا شيخ! أنا أخاف أن أصلي في المسجد فيقول الناس: إني مراءٍ، فترك العمل من أجل الناس، فذاك راءى بالعمل، وهذا راءى بالترك، والعلماء يقولون: من راءى بالترك فهو أعظم إثماً من الذي راءى بالفعل.
الجواب: تحتاج إلى قوة وعزيمة وتفكير، وأن هذا ليس فيه مصلحة. والله إني لا أرضى أن أعطيهم حتى نظرة واحدة، عندما أنظر إلى الممثل وهو قاعد على الكرسي ويتكلم، أقول في نفسي: ماذا يفعل؟ هل هو صادق الآن! حينها أعرف أنه ممثل، ما معنى ممثل؟ كذاب، يعني: يمثل عليَّ، يلبس عليًّ،.. فأظل أعيش مع الممثل الكذاب وكلامه ليس صدقاً، والله إني لأستكثر النظرة الواحدة، فكيف بمن يقعد ساعة أو ساعتين! ويحزن في نهاية المسلسل، ثم يترقب موعده في الأسبوع القادم.
الجواب: إن كان الحزن والخوف من الله، فهذه منزلة كبيرة ودرجة عظيمة، لا يبلغها إلا أهل الإيمان القوي، وقد أخبر الله أن أهل الجنة يقولون: قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:26-27] والله تعالى يقول: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] ويقول عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] أي: خائفة، وصفة الحزن صفة من صفات المؤمنين: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] والرسول صلى الله عليه وسلم كان كثير البكاء، كثير الخوف، والحزن من الله، وما رئي ضاحكاً إلا في مرات قليلة معدودة على الأصابع، فإذا كنت تبكي وتحزن خوفاً من الله، ومن القبر، ومن النار وطمعاً في الجنة، فهذا عظيم جداً، أما إذا كان خوفك وحزنك من أجل الدنيا والوظيفة، والمستقبل والأيام، فهذا حزن لا محل له في الدين، وعليك أن ترجع إلى الله.
والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر