قبل البدء بالحديث في هذا اللقاء، أحب أن أُشير إلى ما سبق أن أجبت به على سؤال من أحد الإخوة سأل فيه، هل البنت التي رضعتُ معها أو رضعت معي أخت لأخواتي أم لا؟
وأجبت أنا بما ينبغي أن يكون وهو الصحيح إن شاء الله، لكن أحد الإخوة قال: إنه يُخشى أن يُفهم الموضوع بنوع من اللبس وعدم الوضوح، فلا بد من الإيضاح، وزيادة في الإيضاح وكقاعدة يعرفها طالب العلم بالنسبة للتحريم من الرضاع، أن الرضاع لا ينتشر وإنما يلزم الراضع فقط، فمثلاً لو أن رجلاً في أبها معه زوجة هناك، وزوجة أخرى في الحجاز مثلاً وثالثة في خميس مشيط ورابعة في بني الأسمر ، وله من كل زوجة أولاد، وجاء شخص من جيرانهم في أبها -معه طفل صغير ولم يجد من يرضعه- فأرضعته امرأته التي في أبها ، فإن هذا الولد الراضع أصبح أخاً لجميع الذين رضعوا من ثدي هذه الأم، وجميع الذين ولدوا من صلب هذا الرجل من جميع زوجاته، التي في أبها والحجاز وبني الأسمر وفي خميس مشيط، لأن اللبن للفحل، فهذا الولد أخ لجميع من رضع من ثدي هذه المرأة ومن خرج من صلب هذا الرجل، سواءً كانوا من هذه المرأة أو من غيرها.
لكن إخوان هذا الولد من النسب لا علاقة لهم بإخوانه من الرضاع، الحرمة تتعلق بالراضع فقط، فيجوز لأخيه من النسب أن يذهب فيتزوج ببنت هذا الرجل سواءً الموجودة في أبها أو في الحجاز أو بني الأسمر أو في الخميس.
لكن متى تكون الحرمة مشتركة؟ تكون الحرمة مشتركة إذا كان هذا الولد قد رضع من هذه المرأة، وأيضاً البنت تلك التي رضع من أمها رضعت من أمه هو أيضاً، فتصبح هذه البنت أختاً لهذا الولد، ولجميع إخوانه، لأن الرضاع أصبح متبادلاً من طرفين لا من طرف واحد، ولكن غيره ممن لم يرضع ليس له علاقة بالآخر.
فالقاعدة: أن الرضاع يلزم الراضع فقط، هذه إيضاحات أحببت أن أوردها حتى لا يكون هناك لبس إن شاء الله.
وقلنا: إن هناك أسباباً كثيرة وردت بها أدلة خاصة توضح أن من وقع في هذه الذنوب والأسباب، سُلط عليه العذاب في قبره، وذكرنا منها: النميمة، وعدم التنزه من البول، والغلول وهو: أخذ شيء من الحق العام -من أموال الدولة- وهو في الأصل أخذ شيء مما يغنمه المسلمون في قتالهم مع الكفار.
واليوم نتحدث عن الأمر الرابع من أسباب عذاب القبر وهو: الكذب، ونعني بعذاب القبر، ما يُقدم للمُعذب من عذاب عاجل قبل العذاب الكبير في النار، لأن في النار عذاباً ضخماً وكبيراً جداً، ولكن خلال الفترة البرزخية تأتي المقدمات، ومقدمات العذاب كما يعبر عنها أحد الإخوة، يقول: هذه وجبة الإفطار، والعشاء في النار، يعني هذه المقدمات اليسيرة ما هي إلا وجبة خفيفة، ولكن الوجبة الكاملة الدسمة في جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها.
فالمنافقون الذين أظهروا خلاف ما أبطنوا كذبوا ليسوا بواضحين، بل متلونين، يلبسون لكل زمن ما يناسبه، فهم لبسوا لزمن الإسلام، الذي هو زمن التوحيد وقوة الدين، لبسوا له اللباس من الظاهر فأظهروا الدين، ليحقنوا دماءهم ويحموا أموالهم، ويصونوا أعراضهم، ولكنهم في حقيقتهم الداخلية كفار، ولهذا سمّاهم الله كاذبين، وقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10].
فهم كذبوا على الله، وتلونوا بلون ليس بلونهم الطبيعي، فلونهم الداخلي الأصيل هو: الكفر، ولكنهم أظهروا لوناً آخر من أجل أن يخدعوا الناس، فخدعهم الله وكذبهم، ونفى عنهم الإيمان فقال: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] فمثلهم كمثل الحرباء، وتعرفون الحرباء، نسميها عندنا باللسان العامي (الفاشة)، هذه (الفاشة): دويبة تأتي في الأرض طولها تقريباً شبر، وهذه تستطيع أن تتلون بلون المكان التي هي فيه، فإذا وجدتها في شجرة والشجرة خضراء تجدها خضراء، فإذا أخذتها بعود أو بيدك ووضعتها في الطين تخرج غبراء مثل الطين، وإذا أخذتها ووضعتها في حجرة سوداء تخرج سوداء مثل الغرفة، وإذا رميتها في طين أصفر تخرج صفراء مثل الطين، فهي تأخذ لون المكان التي هي فيه، لماذا؟ من أجل أن تخدع الإنسان حتى لا يراها.
ولهذا ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم أن هذا المنافق وأمثاله من أهل النار، فقال: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:38-45] يعني: لم يكن لنا اتجاه، ولم يكن لنا مبدأ، ولم يكن لنا دين، وإنما إن جلسنا مع الطيبين ظهرنا طيبين، وإن جلسنا مع العصاة والفجرة أصبحنا عصاة وفجرة، وإن جلسنا مع المغنين أصبحنا مغنين، المهم أنهم يلبسون لكل جوٍ ما يناسبه، وهذا هو الكذب وهذا هو الخداع، وهذا هو الغرور.
يقول الله عز وجل: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أسوأ شيء عنده، كما قالت عائشة رضي الله عنها: [ما كان شيء أسوأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يعلم عن أصحابه أو عن أحد من أصحابه كذباً، وكان لا يرضى حتى يعلم أنه أحدث توبة] فإذا وقع من رجل كذبة نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرضى عنه إلا أن يعلم أنه أحدث لله توبة، يعني نقلة من حياة الكذب والدجل إلى حياة الوضوح والصدق؛ لأن هذا هو خلق المؤمن.
أي أن هذا الرجل مصنع للكذب، يُورد للأمة الكذب، ويصدره لهم وينشرونه، وتروج الأراجيف والأكاذيب بين الناس، وأصلها من هذا الرجل، فهذا عذابه في النار، أعاذنا الله وإياكم من النار.
والحديث أخرجه الإمام البخاري في الصحيح ، وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، وكبرت خيانة: أي أعظم خيانة للمسلمين، أن تأتي إلى رجل وتخبره بخبر فيصغي لك وأنت تعلم أنك له كاذب، وهو يصدقك في ذلك، هذه عظيمة جداً؛ لأنه لو علم أنك كذَّاب هل سيستمع إليك؟ فلو قلت له: دعني أقول لك كلاماً كذباً؛ لقال لك: شكراً لا نريد الكذب، لا أحتاج أن تخبرني بالكذب.
فهذه خيانة له أن تضيع وقته، وتسترعي انتباهه، وتشد نفسه، ثم تعطيه كلاماً لا أساس له في الواقع؛ لأنه سيبني على هذا الكلام أحكاماً وتصرفات، وربما ينقل هذا الكلام للآخرين، بينما كان الأساس منك أنت أيها الإنسان الذي خنته وأخبرته بغير الواقع.
قال ابن مسعود رضي الله عنه -والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم - قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا) فالصدق بر يوصلك إلى البر، والبر طريق إلى الجنة، والرجل يصدق باستمرار ويتحرى الصدق، يعني: لديه حيطة وحذر، فلا يستطيع أن يقول شيئاً غير الصدق، وما دام على هذا الوضع، لا يزال يصدق ويتحرى الصدق فإن الله يكتبه صديقا، وإذا كتبه الله صديقاً أفلح ونجح، لأن الله يقول: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69].
فمنزلة الصديقين بين النبيين والشهداء، أي أنها منزلة أرفع من منزلة الشهداء وتحت النبيين، فالصديقية منزلة بين النبوة وبين الشهادة: فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69]. (وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب -أي: يبحث عن الكذب ويفتش عنه، وعن الذي يضحك الناس، وما الذي ينقل للناس، وماذا يقول للناس، ولو كان كذباً، فتجده يتحراه يعني يتوقعه ويبحث عنه- حتى يُكتب عند الله كذابا) فإذا كتبه الله كذَّاباً فقد خسر وهلك، والعياذ بالله، والحديث كما ذكرنا في الصحيحين.
(التجار هم الفجار، قيل: يا رسول الله! أليس الله قد أباح لهم البيع؟ قال: نعم، ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون) فيقعون في جريمتين: الحلف الذي ينفق السلعة -لأنه إذا حلف للإنسان اقتنع- والكذب الذي يجعل الناس يقتنعون بصحة معلومات مقدمة لهم عن هذه السلعة، والحديث رواه الإمام أحمد، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، ورواه أيضاً الإمام البيهقي ، والحديث صحيح.
فالذي لديه تجارة عليه أن يراجع نفسه في كيفية معاملته للناس، حتى لا يكون من أهل هذه الطائفة، ليس هناك داعٍ للكذب، حتى لو كنت تاجرَ خُضْرةٍ، أو أي نوع آخر من أنواع التجارة، بل يجب عليك أن تكون دائماً صادقاً.
إلا من صدق وبيّن، فالصادق في الكلام والمبيّن للعيب إن كان في السلعة عيب يقول: السلعة هذه بخمسة وثلاثين ريالاً -أصلي أم لا؟- يقول: ماركتها تايوان، وهذه ماركتها ليست (ياباني) ولا (إنجليزي) ولا (أمريكي) ونوعها كذا.
فإذا سألته: هل في السوق أحسن منها؟
قال: نعم. في السوق أفضل منها، لكن لكل شيء ثمن، هذه بخمسة وثلاثين ريالاً، لكن التي في السوق تجدها بستين أو بسبعين ريالاً، فالصادق يعطي الحقيقة ولا يكذب، فإن الكذب وإن أنفق السلعة إلا أنه يمحق البركة.
فإذا فَصَّلْتَ ثوبك قل للمفصِّلِ: اجعله من فوق الكعب؛ لأن أزرة المسلم إلى نصف الساق، فإن أرخى فإلى الكعب، وما تحت الكعب ففي النار، لا تستطيع يا أخي أن تتحمل أن يوقد عليك نار بمقدار ملابسك التي تحت كعبك، ولكن ارفع الثوب فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك تبارك وتعالى.
وبعد ذلك الذي يفرض على الناس أن يأتوك ليس هي الدعاية ولا اليمين، بل تقواك لله أولاً، ثانياً: تعاونك معهم في سعر السلعة، فإذا جعلت مثلاً سعراً للسلعة بثلاثين ريالاً وأنت تعرف أنها في السوق كله بخمسة وثلاثين، ثق تماماً أن الناس سوف يشترون منك، لأن الناس يريدون الرخيص مهما كان.
لكن كونك تحلف بالله وتقول: والله إنها بأربعين ريالاً، والله إنها بأربعين ريالاً من بطن جدة ، وأنه ليس معنا إلا التعب.. أخذناها من هناك.. وجئنا به إلى هنا.. هل سيصدقك؟ لا. لأنه سيقول: لماذا إذاً تبيع وتشتري؟! أين أجرتك؟! وأين إيجار الدكان؟! وأين إيجار الصبي؟! وأين المكسب؟! وأين مصاريف البيت؟! هي في الحقيقة بعشرين وذاك باعها بثلاثين فربح عشرة، لكن بيمينك ربحت عشرين ريالاً، لكنك أنفقت سعلة ومحقت بركة، فتأخذ أربعين وتخرج من ظهرك أربعمائة في أمر آخر، لماذا؟ لأنك حلفت بالله فاجراً.
هذه الأولى: (ثلاثة يبغضهم الله: التاجر الحلاف، والفقير المختال..) أي: هو فقير ويتكبر، ليس لديه شيء وهو متعالٍ، سبحان الله! يا أخي تواضع؛ لأن الكبرياء ليست طيبة لا للغني ولا للفقير، ولكنها في حق الفقير أعظم جرماً، بعض الناس اليوم لا يوجد لديه ما يتعشى به، لكنه يلبس أحسن لباس، ويركب أحسن (موديل) بالدين، ويفرش البيت بالدين، ويفعل كل شيء بالدين، وبعد ذلك يصبح مسكيناً مهموماً، هذا فقير مختال متكبر، وإذا جاء شخص وأعطاه من رزق الله بدون شيء، قال:لا. أنحن فقراء؟! وهو رزق يسوقه الله إليه فيرده، وهذا من الكبرياء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ساق الله له رزقاً فليقبله) إذا ساقه الله لك من غير إشراف نفس ولا سؤال، يعني: أنك لم تسأل الناس ولا استشرفت نفسك هذا المال، وإنما الله عز وجل قذف في القلوب رحمة بك، فجعلها تعطف عليك وأعطاك فلا تتكبر، فتقول: لا. لا نأخذها، فإذا تكبرت يصرف الله الرزق عنك، ولا تجد بعد ذلك من يرحمك، وإنما إذا ساق الله لك رزقاً فقل: جزاك الله خيراً، وادعُ له وتواضع، ومد رجليك على قدر فراشك، فإذا كان فراشك قصيراً فلا تمد رجليك حتى تضع رجليك في البرد، بل مدها وتكفف على قدرها، فافرش بيتك بمقدار راتبك، وغير سيارتك بمقدار دخلك، أما أن تأخذ بالدين، لكي يقال: كُلْ ما يعجبك والْبَسْ ما يعجب الناس! حسناً أجبت الناس في هذا الكلام، لكن من الذي سيقضي عنك الدين؟ من الذي سيكفيك قضاء الدين؟ فالناس سيقولون: ما هذه السيارة، الله أكبر! ويقولون: ما هذا البيت! لكن هل تنفعك هذه الكلمات في قضاء الدين؟ هل تستطيع أن تجمع كل هذه الكلمات في ورقة ثم تذهب بها لصاحب السيارات وتقول له: والله يا أخي اشتريت منك سيارة بستين ألفاً والناس أثنوا علي وقالوا والله هذه سيارة جميلة، فأريد منك أن تخصم لي عشرة آلاف، هل يقبل بذلك؟ لا. سيقول: هات المال، أثنوا عليك أو ذموك.
فلا ينفعك يا أخي! ولا يكون في السوق إلا الصدق، أما الكذب والدجل والمفاخرة والمكابرة، هذه ليست للمسلمين، فالفقير المختال يكرهه الله.
والمنفوخ ليس له وزن ولا حقيقة، ولذلك فإنه يتلاشى بأقل دقة إبرة، وكذلك المتكبر الذي ليس لديه شيء.
والثالث: قال: (والمنّان)، نعوذ بالله من المنّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264] فلا تمنّ على أحد، وإذا عملت جميلاً في إنسان يوماً من الأيام فانسه، فلا تقل له كلما لقيته: هل تذكر يوم أن ذهبت معك إلى المدير ويوم أن أوجدت لك وظيفة! ويوم أن أعطيتك مالاً! أو صدقة أو ديناً؟!! أو تقول له: كيف السيارة التي أعطيناك ثمنها إن شاء الله تكون جيدة نعم. لا تنسَ أني أنا الذي أقرضتك ذاك اليوم؟! اعلم أن المنّ يكسر خاطر المسلم، ويجعله ضعيفاً وفي موطن احتقار، فلا تفسد قلب أخيك المسلم، ولا تكسره بهذا، فإن المنّ يبطل أجر الصدقة أو القرض.
يقولون: كان هناك رجل يعيش في البادية، ورجل آخر يعيش في المدينة -في الحاضرة- فقام الحضري وذهب وزار البدوي في قريته، فذبح له البدوي تيساً سميناً جميلاً فحنذه وطبخه، فأكل الحضري فلما انتهى وسر منه رجع إلى مدينته، وبعد يومين أو ثلاثة جاء البدوي، بحكم المدينة فإن البدوي يأتيها كل يوم، ولكنّ الحضري لا يذهب إلى القرية إلا مرة في السنة، أو في السنين كلها، فأهل البادية يترددون على المدن والقرى والحواضر يومياً؛ لأن مصالحهم ومراجعاتهم وبيعهم وشراءهم هناك، فنزل هذا البدوي عند صاحبه الحضري، فقام الحضري وذبح له خروفاً وليس تيساً، يقول: أكرمنا نكرمه، فلما شبعوا وانتهوا، قال البدوي: يا فلان قال: نعم. قال: تذكر ذاك التيس والله ما ذقت أفضل منه ولا أطرى من لحمه! وأنا وحدي وذبحت لي خروفاً بتيس، وقال: جزاك الله خيراً، فتغدى وذهب.
وبعد أسبوع جاء فذبح له الحضري خروفاً، فلما انتهى قال: أبداً أبداً أنا ما قد ذقت مثل ذاك التيس أبداً، كم قد أكلت من الخرفان والتيوس ولكن ذاك التيس له طعم خاص، فقال الحضري: (الله يقلعك ويقلع تيسك) هذا الذي لم يكفه خروفان.
فجاء للمرة الثالثة فذبح له خروفاً ثالثاً، فلما انتهى قال: أما أنا فمن يوم أن خلقت لم أذق مثل ذاك التيس إلا مرة واحدة، فقال الحضري: والله ما تجاوزت هذا الباب بعد هذا، ثلاثة خرفان لم تعدل تيسك!
أي نعم. فلا ينبغي للمسلم أن يكون منّاناً على أخيه المسلم، بأي جميل يعمله.
فإذا قلت لطفل تعال أعطك فأعطه، وإن لم تفعل كُتبت عليك كذبة.
وروى الإمام مسلم في صحيحه في باب أخلاق النبوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أفاء الله علينا نعماً عدد هذا الحصى -يقول للصحابة وهم في موقف من الضعف والذل والفقر وليس عنده شيء، لكنه يَعِد ويصدق صلوات الله وسلامه عليه- لو أفاء الله علينا نعماً -يعني الإبل، فقد كانت أعظم ما يمتلكه العرب- عدد هذا الحصى -الذي أمامكم- لقسمتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذّاباً ولا جباناً) يقول صلوات الله وسلامه عليه: (لا تجدوني بخيلاً ولا كذّاباً ولا جباناً) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
وقال عليه الصلاة والسلام: وكان متكئاً -والحديث في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه-: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ثم كان متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور .. ألا وشهادة الزور .. ألا وشهادة الزور، حتى قلنا: ليته سكت) ويدخل في شهادة الزور الكذب، فإن شهادة الزور أصلها الكذب، فهذا الحديث يخص شهادة الزور، لكنه يُدخل ويعم أيضاً الكذب، فالكذب من أكبر الكبائر وأعظم العظائم، والعياذ بالله.
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك من فيه مسيرة ميل من نتن رائحة فمه) يعني: تحدث هذه الكذبة أثراً مادياً تشمه الملائكة، وهو رائحة نتنة قذرة لا يشمها إلا هم، فيتباعد الملك الموكل بكتابة عمله على مسافة ميل، حتى لا يشم رائحة نتنة والعياذ بالله، وهذا الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ثم يخبر عليه الصلاة والسلام ويقول: (من حلف على يمين بإثم ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان) والحديث في الصحيحين ، وبقية الحديث: (قالوا وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك) أي: وإن كان مسواكاً ثمنه ريال واحد، فإذا حلفت عليه واقتطعته بغير حق فإنما تقتطع قطعة من النار، ويلقى العبد ربه وهو عليه غضبان، والسبب أنه حلف كاذباً والعياذ بالله.
وعن علي رضي الله عنه قال: [أعظم الخطايا عند الله: اللسان الكذوب، وشر الندامة وأعظمها ندامة: ندامة يوم القيامة] وعن عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس الراشد يقول: [والله ما كذبت كذبة منذ شددت علي إزاري] أي: منذ أصبحت رجلاً أحزم نفسي والله ما كذبت كذبة. قال له الوليد بن عبد الملك يوماً من الأيام وهو يناقشه: كذبت، فقال عمر : [والله ما كذبت كذبة منذ علمت أن الكذب يشين بصاحبه].
وقال أحد خلفاء بني أمية لـابن شهاب الزهري وكان يحدث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل أهل البيت، فقال له هذا الرجل الوالي: كذبت، فقال: [بل كذبت أنت وأبوك وجدك، والله لو كان الكذب مباحاً من السماء ما كذبت] يقول: والله لو أن الله أباح الكذب -وهذا محال، لكن يعلق يمينه على المحال- ما كذبت، وتقول لي أنا: كذبت، فردها عليه وعلى أبيه وعلى جده، ليس عنده لعب! عندها سجنه، لأنه أمير حاكم، لكنه قد أهانه إلى يوم القيامة، فالكذب سيء ولا يمكن لمسلم أن يرضاه.
يقول ابن السماك وهو من علماء السلف: [ما أراني أؤجر على ترك الكذب، قيل: ولم؟ قال لأنني أدعه أنفة] يقول: أتركه ترفعاً، ولذلك لا أظن أن لي أجراً عليه، لأني أدعه تأنفاً، ولا يمكن أن أسير فيه مهما كان، وهذا من بالغ درجات نفوسهم الأبية.
ويقول مالك بن دينار : [قرأت في بعض الكتب أنه ما من خطيب إلا وتعرض خطبته] أي: كلامه الذي يقوله على الناس يعرض على عمله، يعني: يقارن ويوازن ويواجه بين الكلام الذي يقول وبين العمل الذي يعمل في الغيبة، وهذه عهدة ومسئولية كبيرة جداً؛ لأن الله ينظر إلى قلب المتكلم والناس ينظرون إلى لسانه، فالناس يرصدون لسانه وحركته وكلامه وأدلته ونصوصه، ولكن الله ينظر إلى قلبه، فإذا رأى اختلافاً بين كلامه وبين قلبه مقته الله عز وجل، وهذا الكلام الذي يقوله الإنسان الداعي أو الواعظ أو الخطيب أو العالم، يؤخذ ويواجه ويقارن بأعماله، فإن كان صادقاً فيما يقول قيل له: صدقت، وإن كان كاذباً قرضت شفتاه بمقاريض من نار، كلما قرضت نبتت، وكان يقول مالك بن دينار: [الكذب والصدق يعتركان في القلب] يعني: أن هناك معركة بينهما، بين الصدق والكذب، فواحد يريد أن يصدق والثاني يريد أن يكذب، يقول: [حتى يُخرج أحدهما الآخر] فلا يمكن أن يجتمع في قلبك الصدق والكذب معاً، لابد أن يخرج أحدهما، فإذا صار قلبك إناءً للصدق خرج الكذب، وإذا صار قلبك إناءً للكذب خرج الصدق.
وإنما يقاس الرجل بأخلاقياته، ولو كان نحيفاً كالخلال ولكن فيه معالم الرجولة، أما إذا كان سميناً جميلاً بديناً طويلاً عريضاً لكنه كذّاب، فإنك لا تثق به، هل يغني طوله وعرضه وجماله وبياضه عن كذبه، فتثق به لأنه جميل أو طويل أو سمين؟ لا. أو كان جباناً أو بخيلاً أو منافقاً أو زانياً، لا. لا ينفع كل هذا، لكن إذا جاءك شخص وهو كالخلال أو ذميم الخلقة أو قصير القامة لكنه صادق، فإنه يرتفع، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم.
كان ابن مسعود رضي الله عنه دقيق الساقين، كان إذا وقف عند الجالسين فكأن الجالسين جنبه، يعني: يأتي رأسه عند رأس الجالسين من قصر قامته، لكنه ممتلئ من رأسه إلى قدمه إيماناً، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم (إيه يـ
يقول رضي الله عنه: [أخذت القرآن من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما من آية فيه إلا وأنا أعرف أين نزلت ومتى نزلت وفي الليل أو في النهار، وفي الصيف أو في الشتاء، وفي مكة أو في المدينة ، وفي السفر أو في الحضر، وفي الحرب أو في السلم، ووالله لو كنت أعلم أنه يوجد في الأرض رجل أعلم مني بكتاب الله لضربت إليه آبط الإبل حتى ألحق به] فهو مهتم بكلام الله، هذا الرجل العظيم ساقاه دقيقتان، لكن قد يكون هناك من كفار قريش من ساقه ضخمة، مثل ساق أبي جهل ، أبو جهل رأسه مثل رأس البعير، كبير، كانت عمامته فقط اثني عشر متراً، وكان يوم بدر قد لبس عمامة حمراء، وهي عمامة الموت، والتي كانت إذا لبسها العربي يُعرف أنه فدائي، يعني: أنه لا يريد أن يرجع ذاك اليوم، وكان يهدر كالجمل وهو يصف الجيوش لمقابلة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن شرب الخمر وغنت النساء على رأسه، وقال لهم الشيطان: لا غالب لك اليوم من الناس وإني جار لكم.
وبعد ذلك لما قتله معاذ ومعوذ وهما صغيران من أبناء الأنصار ابتدراه بضربتين، فمر ابن مسعود هذا الصغير بين القتلى وإذا بالرجل يتشحط في دمه ويلفظ أنفاسه، فرآها ابن مسعود فرصة أن يحز رأسه، فصعد على صدره، وأخرج سيفه وأمسك بلحيته واحتز رقبته، فماذا كان يقول الخبيث؟ يقول: يـا بن مسعود لقد وطأت موطأً صعباً -أي: ارتقيت على مكان لا يرتقي عليه أحد- ولكن إذا قطعت رأسي فأطل عنقي فإن الرأس يعرف بالعنق، أي يقول: إذا ذبحتني فأطل عنقي، انظر إلى الكبرياء حتى عند الموت! فجز ابن مسعود رأسه.
ثم بعد ذلك جاء يجرجر رأسه؛ لأن رأسه كبير مثل رأس الثور، والرجل صغير لا يستطيع أن يحمله، فما كان إلا أن أخرج سيفه وخرم أخراماً في أذنه، وربطه بحبل وبدأ يسحب هذا الرأس، وكان ابن مسعود لما أسلم في مكة ، وكان هذلياً، أي من هذيل وهي قبيلة في الطائف ، ولكنه كان يرعى لأهل مكة ، ودائماً الغريب أو الراعي محتقر، فمر عليه أبو جهل عليه لعائن الله ذات يوم وقد سمع أنه أسلم، فقال: أصبأت يا رويع الغنم؟ قال: نعم. يقول: فجاء وجذبني وأخذني بأذني وألصقني إلى الجدار، ثم أخرج مسماراً من جيبه، ودق المسمار في أذني إلى الجدار، فجلست معلقاً من أذني بالمسمار.
يقول: حتى مر الصبيان والدم يسيل من أذني إلى الأرض ولا يستطيع أحد أن يفكني، ولم يفكه إلا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، يقول: فلما جئت بالرأس والرسول صلى الله عليه وسلم جالس في العريش وقد انتهت المعركة، تذكر النبي صلى الله عليه وسلم أذن ابن مسعود التي خُرمت في مكة ورأى أذناً هنا مخرومة، فقال: (الأذن بالأذن والرأس زيادة) يعني: أذن بأذن لكن معك مكسب فقد أتيت بالرأس، أي نعم.
فقضية قياسك للرجال لا تبنها على أشكالهم وألوانهم وإنما على أخلاقياتهم وصفاتهم وكرامتهم وشهامتهم، وما الذي يجعل للإنسان منزلة ومكانة في قلوب الناس إلا الصدق! فإنه إذا نُقِلَ كلام عن فلان من الناس، وقد عرف أن فلاناً هذا كذَّاب، فبمجرد أن يقولوا: من الذي قال هذا، فيقولون: فلان، فيقول الناس: اتركه هذا كذاب، أي: كلهم مجمعون على أنه كذاب.
وهذا إلغاء له، إلغاء لوجوده، فلا قيمة له لا وزن، ووالله إن بطن الأرض خير له من ظهرها، لأن مثله كمثل الكلب أو الخنزير الذي يُحكَى عنه، فلو أن شخصاً جاءك في مجلس من المجالس وقال لك: هل سمعت كذا؟ فيقول لك من الذي أخبرك؟ فتقول له: ذاك الكلب الذي عند الباب، هل سيصدقك؟ لا. لأن الكلب لا يتكلم أصلاً، حتى لا يُقبل كلامه.
كذلك هذا الكذاب إذا أخبرت عنه خبراً، يعني: قيمته وقيمة الكلب أو الخنزير سواء.
لكن إذا نقل كلام وقيل: من قال هذا الكلام، فقالوا: فلان، عندها يقال: يا سلام، انتهى الأمر! مصدر وثيق، رجل ثقة لا ينقل إلا الصدق، ولا يتكلم إلا بصدق، وهو محط ثقة قلوب الناس، هذه هي قيمة الإنسان. وبعض الناس يقولون: اكذب تنج، والحقيقة أن الصدق هو المنجي؛ لأنك وإن نجوت بالكذبة في الدنيا، فإنك لا تنجو بها في الآخرة، وقد لا تعاقب في الدنيا على الكذبة ولكنك ستعاقب عليها يوم القيامة، ولكن اصدق تنجُ.
لأن من الموظفين من يكذب على مديره مثلاً، فقد يأتي شخص إلى المدير يريد أن يستأذن من الدوام ثم يستحي أو يخجل، فيهرب من الدوام، ثم يذهب ليراجع في إدارة، أو يذهب إلى السوق ليشتري بعض الأشياء، فيبحث عنه مديره: أين فلان، فيقال: لا ندري. وأخيراً بعد ساعة يرجع، فيقال له: أين أنت يا أخي؟ فيقول: أنا كنت في الأرشيف .. في مكتبي. حسناً كان في الأرشيف، فيأخذها المدير ويسكت، ويذهب المدير في الليل ليسمر مع زملاء له، فيدور حديث عارض من غير قصد، وإذا بشخص من الجالسين رأى هذا الموظف في الصباح وهو يراجع في البلدية، في نفس تلك الساعة، فيقول للمدير: فلان يشتغل عندكم؟ فيقول: نعم. فيقول: والله اليوم جاءنا في البلدية كان لديه معاملة، وطلب منا أن نساعده، فيقول المدير: أتاكم اليوم، فيقول: نعم. فيقول: متى؟ فيقول: الساعة التاسعة والنصف، فيقول المدير: عجيب والله، خير إن شاء الله.
فيأتي المدير في اليوم الثاني ويطلب هذا الموظف فيقول: يا أخي أين كنت بالأمس عندما بحثنا عنك؟ فيقول: قلت لك: إني في الأرشيف، فيقول له: أكيد؟ فيقول: والله الذي لا إله إلا هو -لأن من كذب حلف فيكذب ولا يهمه لأنه يريد أن يبرر موقفه، يريد أن يظهر الصدق ونسي الجريمة وعظمها عند الله عز وجل- فيقول له المدير: (يا ابن الحلال عدِّل بدِّل) ربما كنت في مكان آخر، فيقول: يعني أكذب عليك أنا، فيقول المدير: والبلدية التي كنت تراجع فيها بالأمس! فيقول: الله من الذي قال لك؟! -انتهى الأمر لم يعد يستطيع أن يكذب- الله أكبر على الناس! الكذب ليس بحسن يا مدير، والله أنا استحيت أن أستأذن منك فاسترقت وعدت، فيقول المدير: استحيت مني تخدعني وتكذب عليَّ! تحلف بالله فاجراً! تظنني مغفلاً! لماذا لم تكن شجاعاً؟ لماذا لم تكن مؤدباً؟ لماذا لم تكن صادقاً؟ ليس هناك مانع من خروجك، ولكن خروجك بدون إذن خطأ، لأنك تأخذ وقتاً يحرم عليك أن تقضيه في أغراضك الشخصية إلا بإذن مني وأنا صاحب الصلاحية،لمَ لم تستأذن مني؟
إذاً ذهابك هذا حرام، لكن عندما وقعت في الحرام وخرجت وأتيت وكذبت وهو حرام، ولما تأكدت منك حلفت عليَّ حراماً.
كم صارت الجرائم إذاً؟ ثلاث، وكان بإمكان هذا الموظف أن يجعلها لا شيء، لكن من لم يراقب الله عز وجل يندم في الدنيا والآخرة.
ثانياً: هذا الرجل يعرف أنك دخلت، وأتاك في تلك اللحظة ورصدك وأنت تدخل البيت، وسيارتك أكبر شاهد على أنك في الداخل، وقد تأتي لحظة من اللحظات فيحدث لك طارئ من الطوارئ اقتضى منك أن تخرج، مرضت زوجتك، أو احترق ولدك، أو سقط شيء في البيت، وإذا بك تخرج فتجد الرجل عند الباب ينتظرك، ماذا ستقول له عندها؟ تقول: آسف والله لم يدرِ الولد بي!
اطلب من الولد أن يقول: أبي موجود ولكنه يعتذر؛ لأنه غير مستعد لاستقبالك، لماذا؟ لأنك لا يمكن أن تفتح لكل من دق بابك إلا بموعد، أما الذي وعدته فإنك تفتح له غصباً عنك وإلا صرت منافقاً، أما أن يأتيك شخص بعد العشاء ويدق عليك الباب، فإن كنت مستأنساً به فحياه الله، وإن كنت غير مستأنس به فقل: أعتذر والله يا أخي، أنا نائم.
لأن الله عز وجل قد قال في القرآن: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور:58] فهذه الثلاث الأوقات لا يستطيع أحد أن يدق عليك بابك فيها، ولا تفتح له إلا بإذنك وأنت مرتاح.
نفرض أن شخصاً يريد أن يتكلم معك، فجاءك قبل الساعة الرابعة والنصف، أي: قبل الفجر، ودق الباب، ماذا بك؟ قال: والله أريد أن أتكلم معك، ستقول: (الله أكبر عليك!) ما أتيت إلا في هذا الوقت، أو أتاك بعد الظهر بعدما دخلت وتغديت ووضعت ثيابك وأردت القيلولة، وإذا به يدق الباب، ماذا بك؟ قال: والله أريد أن أسألك سؤالاً، حسناً ما جئت إلا في هذا الوقت لماذا لا تأتي بعد العصر، أو تنتظرني في المسجد؟ لماذا تختار هذا الوقت غير المناسب وتأتي فيه، ولا يجوز لك أن تؤذي المسلمين؟!
فأنت بدلاً من أن تكذب على هذا الرجل فتسخط الله أولاً، وتعلِّم ولدك الكذب ثانياً، وتسقط من عين الرجل ثالثاً؛ لأنه علم أنك موجود، فيأخذ عنك فكرة سيئة، وصورة هزيلة أنك رجل دجال، ارتكب واحدة فقط، ما هي؟ أنك إذا استحيت من الرجل تأمر أولادك أن يقولوا له: إنه موجود لكنه يعتذر عن مقابلتك، أو دخل في غرفة نومه ولم يعد يستطيع أن يقابل أحداً، ولا تقل: نائماً، بعضهم يقول: إنه نائم، رقد الساعة السابعة والنصف أو الثامنة. لا. هذا ليس معقولاً، ولكن ائتِ بعذر صحيح فإن قبله فالحمد لله، وإن لم يقبله فليضرب برأسه في الحائط، لا توجد سوى هذه.
أما أن تكذب على الله من أجل أن ترضيه، تسخط الله من أجل أن ترضيه، لا. فأنت بين خيارين: إما أن ترضيه أو ترضي الله عز وجل، لا والله أرضي ربي، لأن الحياة والرزق والموت والإعطاء والنفع بيد الله تبارك وتعالى.
فاسترعى انتباههم هذا الموقف، وقالوا له: نحن قلنا: ليس معك شيء، لماذا تقول: أنا عندي مائة وخمسون درهماً؟ فقال: إن أمي أوصتني حينما بعثتني فقالت: عليك بتقوى الله والصدق، فإن الصدق يوصل إلى الجنة، وإني خشيت أن تتركوا المائة والخمسين هذه فأكون كذَّاباً فتوصلني إلى النار -يقول الولد هذا الكلام ببراءة ولطف، أي: هناك نظافة فطرية- فهز هذا الموقف زعيمهم أعظم هزة، ووقع في قلبه أعظم وقع، أعظم من ألف موعظة، وقال في نفسه: طفل صغير لم يبلغ الحلم لا يريد أن يكذب ويدل على المال الذي عنده وهو حلال له، وخشي أن يحول هذا بينه وبين الجنة، فيدخل النار، وأنا عاقل كبير أسرق الأموال وأهتك الأعراض وأقطع السبل، ولا أخشى النار، ثم التفت إلى الذي بجانبه من الرجال وقال: ما أنا فيكم؟ -وهو فحل بطل- قالوا:أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: كلامكم وطعامكم وشرابكم علي حرام إن لم تؤمنوا بما أسير فيه، فقالوا: معك في السراء والضراء، ثم قال: أين تذهبون يا جماعة، قالوا: نريد المدينة، ثم قال للولد: وأنت؟ قال: أريد العالم الفلاني، ثم قال فكوا الرجال، ففكوا الرجال، ثم قال: ردوا الأموال فردوا الأموال، ثم قال: أنا معك يا فتى أريد أن أطلب العلم، فذهبوا معه حتى دخل القرية والتحق بالعالم وطلب العلم، وتاب وأصبح من خيار السلف.
إذاً .. ما هو السبب؟ الصدق. فلو أن هذا الولد سكت لنجا بالمائة والخمسين، ولكن ما كان للقافلة أن تنجو، ولن ينجو من العهدة والمساءلة، ولكن صدق فنجا، فكان لصدقه أثر في نجاة القافلة كلها، وكان لصدقه أثر في توبة قاطع الطريق ونجاته، ويأتي يوم القيامة وهو في ميزان حسناته، فالصدق نجاة.
فهم ثلاثة صدقوا ونالهم من الضيق والشدة ما لا تتحمله الجبال، ضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وهجرهم الصحابة، وأمروا بالابتعاد عن نسائهم، كان كعب بن مالك يدخل إلى حائط ابن عمه أبي قتادة ، فيقول له: السلام عليكم، فلا يرد عليه السلام، فيقول: أسألك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله، فيقول: الله ورسوله أعلم، ويأتي ويصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: فإذا نظرت في الرسول صرف نظره عني، فإذا جلست أُصلي سارقني النظر، يقول: ثم أسلم عليه فلا أدري أرد علي السلام أم لا، من غضبة عليَّ شيء عظيم لا يمكن أبداً أن يتعرض له إنسان في الدنيا نتيجة الصدق، ولكن ماذا كانت الثمرة؟
كانت الثمرة أن أنزل الله فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة في توبتهم: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ [التوبة:118] والقصة بكاملها سوف آتي بها إن شاء الله في الأسبوع القادم، لتكون لنا منهج حياة نسير عليه في هذه الدنيا، فنصدق أولاً مع الله فلا نكذب، ونصدق مع أنفسنا ومع الناس، ويكون لنا وجه واحد فقط، وما نخفيه هو ما نظهره، فلا نتأول، وإنما نكون واضحين.
نقول الحق والصدق ولو كان مراً، نقوله ولو على أنفسنا، هذا الخلق خلق الصدق -أيها الإخوة- خلق أصيل في المسلمين، وهو أيضاً موجود عند كل العقلاء في الأرض، الذين جربوه، حتى الكفار، ونحن لا نأخذ القدوة منهم.
هذا الخلق نتعلمه من ديننا ومن أخلاقيات إسلامنا، ولكن يؤسفنا جداً ويحز في نفوسنا ويقطع أكبادنا، أن المسلمين اليوم الذين يقولون ويزعمون أنهم من أتباع محمد بن عبد الله أنهم يكذبون، بينما الكفار يصدقون.
ولهذا إذا وعد الإنسان منهم بوعد وأراد أن يلزمه قال: تأتيني الساعة السادسة، قال: السادسة، قال: نعم. موعد (إنجليزي) فيقول ذاك: (إنجليزي!) حسناً، موعد (إنجليزي) ستة يعني ستة، بينما كان المفروض أن يقول: وعد مسلم كما كان يقول الأولون.
كان الأولون يقولون: وعد مسلم؟ قال: وعد مسلم، يعني: لا يكذب إن شاء الله فيه، لكن اليوم وعد المسلم كذب، تقول: تأتيني؟ قال: إن شاء الله آتيك، وإن شاء الله هذه هي (المعلقة) لا. بل قل: آتيك إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقا، لا تعلق عليها الكذب، إنما حققها بأنك تفي، ولكن اعتبر نفسك في مشيئة الله لأنك قد تموت، أو قد تمرض أو قد يمنعك عن الوفاء بالوعد شيء خارج عن إرادتك، أما أن تعلق الكذب بالمشيئة فلا.
حتى إن أحد الكفار كلما أراد أن يقول شيئاً قال: إن شاء الله، تقول: تغديت قال:إن شاء الله، إن شاء الله، يعني: كذب كذب، كلها كذب، لا يجوز، في الغرب الآن لا يكذبون أبداً، أخلاقيات لكن لا تنفعهم يوم القيامة، لأنهم كذبوا أعظم الكذبات على أنفسهم حينما جعلوا لله شريكاً، وكذبوا أعظم الكذبات على دينهم حينما عطلوه وبدَّلوه، لكن في المعاملات التي بينهم صدقوا، يصدقون لا يكذبون، ونحن لا نأخذ القدوة منهم، ولكن نأخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دين الإسلام، ويؤلمنا ويحز في نفوسنا أن يتخلقوا بأخلاقنا ونحن نتخلق بأخلاقهم، فالكذب بضاعتهم ويجب أن ترد عليهم، والصدق بضاعتنا ويجب أن ننتزعها منهم ونتمسك بها، فنصدق ونطيع الله، وأيضاً نصدق ونحيا حياة كريمة في الدنيا والآخرة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني وإياكم من الصادقين في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
الشيخ: نسأل الله ذلك، وجزاك الله خيرا وإخواننا المسلمين.
السؤال: يقول: هل يكون حراماً أن يأخذ أهل البيت من جيب رب البيت -يعني الوالد- نقوداً للإنفاق على البيت ولكن بدون علم الأب، وذلك لنسيان أهل البيت أن يعلموه -مثل أخذ نقود لشراء الخبز مثلاً- أم أن هذا من السرقة؟
الجواب: لا. ليس هذا من السرقة، وهناك حديث في صحيح البخاري ومسلم : (أن
الجواب: وليس هناك مانع، لكن تقليد الأئمة على سبيل الاستهزاء والسخرية بهم هذا حرام، أما تقليد الأئمة على سبيل الإعجاب بهم فلا يوجد مانع، كأن تحب قراءة علي جابر أو السديس أو المنشاوي أو أي قارئ وتريد أن تحسن تلاوتك بقراءته، وإن كان الأفضل أن تبتكر أنت، لأن السديس من قلد؟ هل قلد السديس أحداً من الناس أم اخترع هذا الصوت وهذا الأداء والله وفقه إليه؟..
فابحث لك عن أداء معين يمكن أن تصبح به أحسن من السديس ، وإن كان التقليد ليس بحرام، ولكنَّ الناس لا يحبونه، فلو أتيت لتصلي بالناس وقمت تقلد السديس مباشرة يُغمز فيك، يعني: أن هذا ليس بمقبول، هذا في نظري أنا، ولا أدري بالنسبة للآخرين، لكنَّ الابتكار والتجديد والاستقلال وعدم التبعية حسن في كل شيء، لكن إذا قلدته من باب الإعجاب به فلا شيء عليك إن شاء الله.
الجواب: لا يجوز. لا يجوز أن ينظر المسلم إلى عورة أخيه المسلم، هذا حرام في دين الله عز وجل.
الجواب: الله أكبر ما هذا الاعتبار؟! هذا اعتبار الشيطان وتفكر إبليس، فإن ابن القيم ذكر هذا الكلام في كتابه إغاثة اللهفان، فقال: إن الشيطان يأتي للبسطاء وأصحاب العقول المهزوزة التي لم تعرف أن تعتبر في مخلوقات الله إلا بالنظرة المحرمة، لماذا لم تعتبر بالسماوات والأرض والليل والنهار؟ لماذا ذهبت هذه العقول تبحث عن وجه المليحات لتعتبر؟ تضحك على من؟ إن النظر المحرم لا يؤدي بك إلى اعتبار، بل يلغي الاعتبار فيك والتفكر، فلا يجوز أن تنظر إلى امرأة لا تحل لك، لأن من ملأ عينيه من الحرام؛ ما ملأها الله اعتباراً بل ملأها من جمر جهنم، لكن هذا مكر الشيطان، أما وجد في الدنيا غير المرأة يتفكر فيها؟!
الجواب: وليس هناك مانع، قراءة القرآن وأنت محدث حدثاً أصغر بغير مس للمصحف لا شيء فيه، أما قراءته وأنت جنب فلا يجوز، لا بد أن ترفع الجنابة بالغسل ثم تقرأ القرآن سواءً كان غيباً أو نظراً، أما مس المصحف باليد وأنت غير متوضئ فقد قال أهل العلم: لا يجوز، لأن الله يقول: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79].
أحد الناس سمع شخصاً في الإذاعة يقول: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] يعني: الملائكة، كيف تنزل الملائكة تمس المصحف؟ هذا كلام الله عز وجل، كيف نأتي بملائكة من السماء يمسكون المصاحف، الله يقول: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:77-79] مَن المطهرون؟ الذين تطهروا من الحدثين، قالوا: إذا قرأ القرآن قراءة تعبد محض لم يجز له أن يقرأه إلا وهو متوضئ، أما إذا قرأه على سبيل التعلم فإنه مرخص له أن يكون محدثاً للمشقة، ولعدم القدرة على الاحتراز من الحدث لطالب العلم أو المدرس، يعني: الذي في المدرسة بإمكانه أن يقرأ ولو مس المصحف وهو غير متوضئ، لأنه لو ألزمنا الطلاب في المدارس والمدرسين أنكم لا تقرءون ولا تحملون المصاحف إلا وأنتم طاهرون لشققنا عليهم، والله قد رفع المشقة والحرج في دينه فقال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
الجواب: كفارته أن يتوب إلى الله وأن يقلع، وإذا تاب إلى الله ولو أذنب مائة ذنب، أو مائة مرة فإن الله يقبل التوبة، ولكن اصدق يا أخي! لا تلعب على الله، أتوب وأعاهد وأعود، حسناً افرض أنك مت، كيف تعمل؟ يا أخي! إذا تبت فارفع نفسك، فالجواد يعثر ولكنه لا يجلس دائماً في الطين، فيعثر مرة وينهض، لكن ما رأيك لو أنه كلما قام عثر؟ هل يصلح هذا كجواد في سباق؟! لو كان عندك جواد وأردت أن تسابق به، وكلما ركبت على هذا الجواد عثر بك، ماذا تفعل به؟ تتركه.
فالذي يسابق في ميادين الآخرة وهو يعثر، كلما جاءت مصيبة عثر فيها: رأى النساء عثر عندهن.. سمع الأغاني عثر عندها.. رأى المال الحرام عثر عنده.. ثم يريد الجنة، هذا دجال، يا أخي! أنت من طلاب الآخرة، سر في سبيل الله عز وجل وسابق في ميدان الآخرة ومضمارها، فإذا وقعت مرة أو عثرت فانهض واستغفر الله، أما أن تعثر كل ساعة فتتوب وتستغفر، وتتوب وتستغفر، هذا خطر عليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن لا كفارة لك إلا أن تتوب، أما العهد الذي عاهدت الله ثم نقضته فإن عليك فيه كفارة يمين، تطعم عشرة مساكين.
الجواب: تخاف! قد انتهت المسألة، وهذه يا أخي المسلم عقوبة عاجلة لك، عندما تحولت عن الله، ابتلاك الله عز وجل بهذا المرض، وبعض الناس يتصور أن حب الحرام سهل، لا والله، هذه لعنة ومصيبة في الدنيا والآخرة على الإنسان، لأن الله تبارك وتعالى يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طـه:124] ما هي المعيشة الضنكة؟ مثل هذه الحياة، أن تُقذف ويغريك الشيطان بحب امرأة أو بنت محرمة عليك؛ لأن هذه تعذبك ولا تستطيع أن تأكل أو أن تشرب، بعض الناس يذكرها على العشاء فيقول: آه والله لا أتعشى، ماذا بك يا ولد لا تتعشى؟ قال والله لا أذوقه، لماذا؟ لأنه تذكر، أي نعم.
وبعضهم يأتيه وهو نائم فيستيقظ ويتقلب طوال الليلة، هذا عذاب أم ليس بعذاب؟ عذاب، قال الله عز وجل فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طـه:124] ثم قال بعد ذلك: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طـه:127] فأنت كنت متديناً، ولكن وقعت في حب هذه البنت لأنك عصيت الله، إما بنظرة نظرتها وأنت متدين، وهذا نقوله للناس، ونقوله للشباب المتدينين خاصة: إنما الخطورة في أول نظرة، والخطورة في سماع أول أغنية، فلا تجلس أمام جهاز التلفاز أو المذياع أو المسجل فتسمع وتقول: سهلة، فربما تجرك هذه الكلمة أو هذه الأغنية ولا ترجع إلا من النار، احذر! انتبه على نفسك من استسهال المعصية وأنت تقول: سهل سهل، ثم يأتي هذا الذي قد تدين وينتكس ويصبح ألعن من أولئك.
يعني الآن لو كان هناك وعاء للقمامة وعليه كلاب القرية تأكل منه وشبعت، وأتى كلب من هناك لم يأكل بعد من هذا البرميل، فبمجرد أن يبدأ بالأكل فإنه ينبح، وكلما تلفت في كلب يحسب أنه لم يذق بعد وهم قد شبعوا من هذا البرميل، ولكن من حرصه عليها، فهذا الذي ينحرف يكون أسوأ من غيره والعياذ بالله، فهذا الرجل كان عقوبته أن أبتلاه الله عز وجل بهذه البنت في الدنيا فعلق قلبه بغير الله.
ولهذا انظر حتى إن من العذاب العاجل أنه إذا جاء ليذاكر فإنه لا يحفظ، وإذا أتى ليصلي فإنه لا يستطيع، فيأتيه الشيطان ويقول: اذهب وانظر إليها حتى تصلي بإتقان، من أجل أن يمكنه من الحرام بحجة فعل الحلال، والحرام لا يوصل باستمرار إلى الحلال، بل الحرام يوصل إلى الحرام ويفسد فعل الحلال، ونقول للأخ هذا: الخلاص في يدك وبإمكانك ألا تكون عبداً شهوانياً، ولا تكون (زير نساء) تلعب عليك النساء، وتلعب عليك الجميلات والمليحات، وأن تكون عبداً لله عز وجل، وذلك بذكر ما يفوتك من النعيم في الآخرة إن أنت وقعت في شراك هذه الغبية، واذكر ما ينالك من عذاب في النار، وافعل مقارنة ومفاضلة واعرف أن طاعة الله أولى لك، وأولاً: جمد العلاقات بهذه البنت، لا اتصال هاتفي، ولا مراسلة، ولا مرور من عند بيتهم، بل الجهة الذي أنت فيها لا تتلفت فيها؛ غيِّر الاتجاه نهائياً، وجمد العلاقات، وبعد ذلك قم من الليل ومرغ جبهتك وأنفك بين يدي مولاك، وابكِ وادع الله أن يصرف قلبك، وأن يعصمك منها، وعد إلى جناب الله، وبعد ذلك اسلك السبيل المشروع، اذهب إلى أبيك وقل له: يا أبي! أريد أن أتزوج، ليس هناك حرج، يقول أبوك : لا يوجد لدينا مال، فتقول: نخطب؛ لأن أصل الزواج مخلوف، وأيضاً الخطبة لا تكلفنا شيئاً، حتى تتحسن أمورنا ونتزوج، وأبوك لن يرفض إن شاء الله.
وإذا صاح وقال: لا، سلط على أبيك من يؤثر فيه من إخوانك أو جيرانه أو أصدقائه، أو أمك أو الأقارب، المهم اجعل لك ضغوطاً عليه من كل جهة، والأفضل لك أن تمهد قبل أن تكلمه، كما تمهد الطريق قبل رصفها، وبعد ذلك تأتي تكلمه فتجد الموافقة إن شاء الله.
واذهبوا إلى عند أهل هذه البنت واخطبوا، فإن وافقت وقبل أبوها الزواج فالحمد لله، ولكن تستمر أيضاً في تجميد العلاقات، لا تتصل بها، لماذا؟ لأن التحريك لها بمجرد الخطبة لا يعني أنها تمت فقد تفشل في النهاية، ثم بعد ذلك واصل حتى تملك، فإذا أصبحت ورقة العقد في جيبك فكلمها من الصباح إلى أن يدوخ رأسك، وليس تكلمها فقط بل اذهب إلى البيت واجلس معها واذهب أنت وإياها.
المهم افعلوا كل شيء إذا أصبحت زوجتك في جيبك، لكن الخطأ أن تشغل قلبك بالمكالمات هذا لا يحل إشكالك، هذا يقطع قلبك.. يحرق دينك.. يغضب ربك.. يقلق حياتك..، أما تجدون الناس الذين قد سلم الله عز وجل صدورهم من هذا المرض كيف أنهم مرتاحون، يأكلون هنيئاً، وينامون هنيئاً، ويشربون هنيئاً، ويصلون هنيئاً، لكن الذي قد ابتلاه الشيطان بهذه المصيبة تصبح الدنيا كلها مظلمة في حياته، لأن هذا الحب مرض، حب الحرام حرام وهو مرض، وحب الحلال حلال وهو نعيم، إذا تزوجتها وأحببتها وأحبتك فهذه نعمة من نعم الله عز وجل عليك في الدنيا.
أسأل الله أن يتوب عليك وأن يمنعك من العذاب، واحذر يا أخي أن تواصل هذا الموضوع، حتى لا يصبح عذاباً في النار، أعوذ بالله وإياكم من النار.
وفيما لو تعذر الزواج، كأن امتنع الأب أن يزوج هذه البنت بك أيها الإنسان، فإنه يلزمك وَكَحَلٍ جذري للموضوع أن تقطع العلاقات نهائيا؛ لأنه ليس هناك فائدة؛ فالتواصل إنما يكون مع شيء يمكن أن تحصل منه على شيء، فهل هناك علاج للحب؟ ليس هناك علاج للحب إلا اللقاء، وليس هناك لقاء إلا بالزواج؛ لأن اللقاء عن طريق الحرام لا يحل المشكلة، بل يزيدها ناراً في الدنيا ويزيدها ناراً في الآخرة، فجمد العلاقات وابحث عن أخرى، وقد تقول: إنني أحب هذه البنت حباً -كما قلت- يخالط لحمك ودمك، نقول: ابحث عن واحدة أخرى وتزوج بها، وسوف تحبها حباً يخالط لحمك ودمك وعظمك ودسمك، ومثل ما أحببت تلك ستحب هذه، والنساء سواء.
الجواب: لا يجوز. وهو حرام والله يقول: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] يعني: لا يجوز أن تأتي المرأة بمجرد انقطاع الحيض منها، بل لا بد من أن تغتسل فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] لأن بعض الناس يفهم من حديث صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كنت أتزر فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيباشرني وأنا حائض] فيفهم من المباشرة الجماع، لا. المباشرة هنا بمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب أهله ويباشرهم فيما دون الوطء، فإنه يجوز للرجل أن يستمتع من زوجته الحائض بكل شيء إلا الوطء، أما الوطء فحرام ولا يجوز، وهذه من محاسن الدين الإسلامي، فإن الذين لا يتورعون عن هذا الأمر في الغرب يصابون بالأمراض، لأن الحيض أذى كما قال الله، قذر ونتن، شيء خبيث طعمه وريحه ولونه وشكله وكل شيء، فإذا جاء الإنسان امرأته وهي حائض فإنه يسبب له مرضاً ويسبب لها هي أمراضاً، فلا يجوز ولا ينبغي في الشرع، والله لم يحرمه علينا إلا لخبثه والعياذ بالله، والأمراض الجنسية الموجودة في الغرب مثل (الهربز) و(الزهري) و(السيلان) و(الإيدز) وكل هذه الأمراض الجنسية ناتجة عن عمليات الزنا وعن إتيان المرأة وهي حائض.
الجواب: عليك أن تتوب إلى الله من هذا الجرم وهذه الخيانة، وأن تقدر المبلغ الذي كنت تأخذه وترده إلى صاحب المكتبة، وذلك كأن يكون الكتاب بعشرة وأنت تقول: بخمسة عشر، وإذا أعطاك الخمسة عشر وضعت العشرة هنا والخمسة في جيبك، فإن هذا حرام لا يجوز.
الجواب: أنا لا أعرف ما هي الوسمة، أنا أعرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر فيه بأن يغير الشيب بالحناء والكتم، والكتم أعتقد أنه (الوسمة)، وهذه إذا استعملت مع الحناء في خضاب الشعر شعر اللحية غيرت لونه الأبيض إلى لون بني داكن بين الحمرة والسواد، هذا هو الجائز في الشرع، أما الصبغ بالسواد فهذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأبي قحافة لما رأى رأسه كأنه ثغامة: (غيروه وجنبوه السواد) وفي حديث في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يأتي أقوام في آخر الزمان يخضبون لحاهم بالسواد كحواصل الحمام لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها) فما ينبغي لك أن تخدع نفسك، فتذهب وتلطخ وجهك حتى تصبح شاباً، فإن هذا شاب مزيف، أنت تلطخه اليوم لكن انتظر الشعر بعد يومين وإذا به أبيض، فتذهب وتلطخه وتسود وجهك كل يوم، الإنسان يقول: نسأل الله أن يبيض وجوهنا، وهذا يسود وجهه كل يوم، وبعد ذلك من تخدع؟ وعلى من تضحك؟ بل تخادع نفسك، بل إنه ما من شيبة يشيبها المسلم في الإسلام إلا كانت له نوراً على الصراط يوم القيامة، والشيب في وجه الرجل وقار، يقول الناظم:
والشيب في رأس الفتى لوقـاره فإذا تعلاه المشيب توقرا |
وأيضاً الشيب هو النذير، الذي قال الله فيه: وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37] فإنه بمنزلة جدول الامتحان، أعلم أنك يا فلان لست بصغير، وأن الامتحان قد قرب، هيا استعد، ما رأيكم في شخص يلعب طوال العام ولما أعطي جدول الامتحانات مزقه؟ ماذا بك؟ راجع الجدول! قال: يا شيخ! هذا يعقدنا، ويوم أن دخل الامتحان قال: يا أستاذ ردوني إلى الخارج! أريد أن أرى هذا السؤال! أريد أن أراجع هذه الإجابة! والله إني أعرف أن هذه في الصفحة الفلانية لكني لم أذاكرها، هل يعطونه؟ هل يردونه؟ لا. يقولون: ليس معك إلا هذا، فيقدم ورقة بيضاء، وكذلك الذي يلعب على الله، يعيش طوال حياته في عبث، فإذا جاء جدول الامتحان شطب عليه بالسواد ولطخ وجهه وإذا دخل القبر قال: ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً.
الجواب: لا أستطيع أن أعطيك حكمه الآن ولكن أدلك على شريط اسمه "القاتل المهذب" القاتل يعني الدخان، المهذب: الذي يقتل بأدب، يقتل بعد سنوات، اشتر هذا الشريط وأسمع والدك، وادع الله أن يهديه على يديك.
الجواب: هذا حرام، سواء من حق الدولة أو من حق هذا المسكين، أولاً: هذا ليس من حق الدولة، هذا من حق المحاسب؛ لأن المحاسب يأخذها بالريال، وإذا زاد فسوف يغرم من جيبه، وإذا توفر له شيء لا يجوز له أن يأكله؛ لأن المحاسب إذا توفر له شيء، فإنه يتوفر له أحياناً في آخر كل شهر ريال أو نصف ريال، فيجمعها كلها ويضعها في سبيل من سبل الخير، ولا يجوز أكلها بأي حال من الأحوال، وإذا نقص عليه شيء فإنه يضمن، فلا ينبغي للمسلم أن يأكل ماله بحجة أنه مال الدولة، فإذا أخطأ وزادك في الراتب مائة أو خمسمائة فاذهب وقل: هذه زائدة، هذا هو الأمر الشرعي الصحيح، وإذا أكلت إنما تأكل حراماً.
الجواب: نحن نقول لإخواننا طلبة العلم جزاهم الله خيراً، احذروا من الجدل، لأنه كما جاء في الحديث: (ما ضل قوم بعد هدىً إلا أوتوا الجدل) وإذا كان لابد من النقاش العلمي فليكن بطريقة أهل العلم الهادئة التي تقوم على الدليل، نأتي بالكتاب ونأخذ الدليل ولا أصرخ ولا تصرخ أنت، ونأخذ قول العالم ولا نجرح في عالم ونستفيد، أما أن أتعصب لقولي وأحاول أن أُثبته ولو بالكذب، وأنت تتعصب لرأيك، فلم تعد المسألة لله، بل أصبحت لي ولك، وهذا لا يجوز، وهذا هو الذي نهى الله عنه في الجدال.
الجواب: ليس بحرام، ليس فيه شيء، إذا أخذت سيارة قديمة بسيارة جديدة وبعت وزدت عليها، أو أخذت سيارة (صالون) هذا ليس من الربا، لأن الربا ليس في كل شيء، الربا محصور في ستة أصناف، وفيما توجد علة الستة فيه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستلف بكراً ويرد بكرين، فليس هناك شيء كونك تبيع سيارة قديمة بسيارة جديدة، أو سيارة من نوع بسيارة ثانية وتزيد الفرق، ولا يدخله الربا إن شاء الله.
الجواب: نعم يأتي بغيرها غصباً عنه، ليس معناه أنها ماتت فإن ربي أماتها، لا. اشتر غيرها أخرى وهذه ذهبت، ولو ذبحتها قبل العيد بلحظة واحدة لا تحسب، وإنما هي شاة لحم لك؛ لأن القضية ليست قضية لحم تملأ به الثلاجة، هذه قضية عبادة، يقول الله عز وجل: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] وما عبد الله يوم النحر بأعظم من إراقة الدم، وإنه ليقع من الله بمكان قبل أن يقع الدم في الأرض، وإنه ليغفر لأهل البيت مع أول قطرة منه.
الجواب: نعم لك توبة: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] مهما عملت؛ ما أعظم من الشرك يا أخي! ما أعظم من القتل! ما أعظم من الزنا! ما أعظم من اللواط! أي شيء فعلته فإن الله يلغيه ويبدله لك حسنات، لكن بشرط أن تتوب وتؤمن وتعمل صالحاً إن شاء الله، ولا يتعاظم على الله شيء.
الجواب: هذا ليس بصحيح، الزواج لا يلهي عن الدراسة، بل يؤيد الدراسة ويشجع عليها، إذا دخلت في غرفتك لتذاكر وأنت أعزب، فإن قلبك مكدود وخاطرك ليس مستريحاً والدروس ثقيلة، لكن إذا دخلت لتذاكر في غرفتك وامرأتك أمامك قد صنعت لك كوباً من (الشاي) وقربته إليك، ووضعت لك الكتب والوسادة ودخلت لتذاكر، كيف تكون بالله نفسيتك منفتحة أو ليست منفتحة؟
تذاكر ربع ساعة أحسن من أربع ساعات، لأن ذهنك موجود وعقليتك متجمعة، لكن الأعزب قلبه مشتت في كل وادٍ، فالزواج خير من يعين على الدراسة، وبالواقع والتجربة أن المتزوجين يحققون نتائج أفضل من العزاب، أما كونه يُؤَمِّن المستقبل فالمستقبل بيد الله، لا تؤمنه أنت ولا يؤمنه أبوك ولا تؤمنه زوجتك ولا أولادك، فمستقبلك بيد الله عز وجل، اترك هذه الأفكار التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتزوج إذا كان لك قدرة أو لوالدك قدرة، وحصِّن نفسك وعفها وغض بصرك، وبذلك إن شاء الله تسعد في الدنيا والآخرة.
الجواب: عندما يرفع الإنسان يده من الركوع إلى القيام، يرفع يديه مثلما كان يرفعهما عند تكبيرة الإحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث والحديث في الصحيح ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلا في أربع حالات: عند تكبيرة الإحرام وعند تكبيرة الركوع وعند الرفع من الركوع وعند القيام بعد التشهد الأول إلى الركعة الثالثة( هذه أربع حالات، أما أين يضع يديه بعد الرفع من الركوع؟ فإنه يضعهما على صدره، لا يضعهما هكذا كما يصنع بعض طلبة العلم اعتماداً على ما ذكره بعض العلماء، وهو الشيخ الألباني ذكر في رسالته كيفية صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال إنه يضع يده هكذا، وقد رد عليه الشيخ عبد العزيز بن باز رداً عظيماً مدعماً بالأدلة، واعترف بفضله، قال له: مع جلالة قدره وعظم منزلته وسعة علمه وطول باعه وسعة ميدانه إلا أنه قد أخطأ في هذه المسألة وجانب الصواب، وكلٌ يخطئ والمعصوم هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن الأدلة تقول بأنه يجب أنه يضعها هنا -أي: على صدره- بعد الرفع من الركوع، فإن حالات الصلاة أربع: إما أن يكون قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً، وقد جاءت الأدلة بالأربع الحالات، بوضع اليدين في موضع معين، ففي القيام من حديث وائل بن حجر والحديث في صحيح البخاري والزيادة في صحيح ابن خزيمة أنه كان صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره في القيام في الصلاة، والقيام الذي بعد الرفع من الركوع قيام، لا نستطيع أن نقول: إنه قعود ولا جلوس ولا سجود بل هو قيام، ومن فرَّق بين القيام قبل الركوع وبعد الركوع من غير دليل لزمه الدليل وإلا فيبقى على الأصل.
فضع يديك هكذا بعد الرفع من الركوع وإن شاء الله أنك على الحق، وإن لم تفعل فلا ينكر عليك بعض الإخوان؛ لأن هذه من المسائل الخلافية التي ورد فيها الخلاف والأمر فيه سعة، فإن أردت أن تضع هنا فلك سلف ولك علماء، وإن لم تفعل فليس هناك شيء.
الجواب: اختلف أهل العلم في جوازها، والصحيح عدم مناسبتها؛ لأن التصديق إنما يقع من الأعلى للأسفل، أو ممن يُتصور عنه أنه يكذب فنصدقه، أما من لا يتصور منه الكذب، فإنه لا ينبغي، والدليل حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ، فقلت: أأقرأ وعليك أنزل؟ قال:اقرأ فإني أحب أن أستمع من غيري، قال: فقرأت من سورة النساء حتى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء:41-42] فقال: حسبك، يقول: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدمع صلوات الله وسلامه عليه). فما قال له : قل صدق الله العظيم. لا. بل قال: حسبك فقط، ويسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: نعم، إذا كنت قد غللت من مال المسلمين فعليك أن تتوب والتوبة تجب ما قبلها.
الجواب: هذا حرام، وسوف يحاسبون على كل دقيقة يسترقونها من وقت المسلمين، فإنك أجير عند الدولة لخدمة المسلمين، فإذا كنت كاتبَ واردٍ، أو موظفَ رُخَصٍ، أو موظفاً في أي عمل فإنك إنما استعملك ولي الأمر على هذه الوظيفة لتقدم خدمة عامة للمسلمين، فإذا جاء المسلم وأنت لست موجوداً على مكتبك فقد خنت ولي الأمر، وخنت المسلم، ويوم القيامة تكون كلها من ظهرك، فخارج نفسك اليوم قبل أن يكون العذاب في النار.
وإذا غل شيئاً من مال الدولة يجب عليه أن يرده ويعلن توبته ولو سبَّبَ له مشكلة، لأن هناك أحد الأشخاص المحاسبين سأل أحد العلماء فقال: إني كنت محاسباً وكنت آخذ من المال، فكيف أعمل؟ ولو رددتها سيفعلون بي ويفعلون، فقال العالم: ردها ويفعلون بك الذي يفعلون، يفعلون الآن أفضل من أن يفعلوا في الآخرة، ما رأيك الآن أم بعد؟ والله الآن أفضل، أقعد في السجن إلى يوم القيامة ولا أصبر على النار ليلة واحدة، فقدمها وتب، وثق أن ولاة الأمر إذا سمعوا أنك تائب يمكن أن يسامحوك، فقط اجعل لنفسك موقفاً صحيحاً.
الجواب: يُسأل بحسب قدرته وبحسب إمكاناته، لا يُسأل عنهم كلهم، لكن يُسأل عن زملائه في الفصل، وعن الذي يلتصقون به، يجب أن يدعوهم، لكن لا يُسأل لماذا لم يهتدوا، بل يُسأل لماذا لم يدعوهم؛ لأن علينا أن ندعو وليس علينا أن ننجح، الدعوة علينا والنجاح بيد الله عز وجل؛ لأن بعض الشباب يتصور إما أن يدعو وينجح وإلا ترك، أنت لا تملك، أنت مثل الطبيب يداوي بالعلاج والدواء والعافية من رب العالمين.
الجواب: نقول للإنسان الذي يدخل إلى المسجد: إذا دخل المسجد في وقت نهي فهو بين خيارين: إما أن يصلي وله بذلك سلف، وعليه قال كثير من أهل العلم أنك تصلي تحية المسجد ولو كان في وقت نهي، لماذا؟ لأنها من ذوات الأسباب، وإما أن تجلس فلك في ذلك سلف، فقد قال بعض أهل العلم: إنه لا يصلى في هذا الوقت نظراً لأنه وقت نهي، أما أن تظل قائماً لا تصلي ولا تجلس فقد أتيت بشيء جديد، إما أن تصلي وإما أن تجلس.
الجواب: ليس بمحمود وليس بمذموم، وإنما مباح، تعدد الزوجات لم يأمر به الشرع، لم يقل الشرع: تزوج باثنتين وثلاث ولم ينه عنه، وإنما أباحه عند الاقتضاء، فإذا كان لديك مال ولم تكفك زوجتك تزوج ليس هناك مانع، لكنه حينما أباحه قيده بالعدل فقال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] -وكأن الرجل يريد أن يتزوج لكن ليس لديه الشجاعة، فيريد فتوى-.
الجواب: صدق، إذا قابل شخص آخر ينقره في أنفه، ما هذا؟ من أين جاءت هذه المناقرة؟ أو الملاصقة في الخد، يضع خده على خده ويضغط وهذا ليس بحسن، بل المعانقة، والعناق: أن تضع رأسك من هنا ورأسه من هنا فقط، لكن لا يحتك جلدك بجلده ولا تنقر أنفك بأنفه، هذه المعانقة، أما المناقرة والملاصقة فلا.
الجواب: الحل أن ترجع، وهكذا دائماً الذي بدايته ضعيفة، تكون نهايته هزيلة، لا يا أخي المسلم التزم بدين الله، ما الذي يردك عنه؟ إلا الشيطان، فهل أنت عبد للشيطان؟ مركب للشيطان؟ حمار لإبليس يركب حتى يوصلك إلى النار؟ لا. بل تمرد عليه، كن عبداً لله.. فر إلى الله.. حافظ على طاعة الله.. ابتعد عن المعاصي.. لا تنهزم.. كن قوياً.. جاهد نفسك وروضها.. وستجد نفسك بعد أيام من أحسن الناس إن شاء الله.
الجواب: لا. صم يوم الخميس وكثر الله خيرك، وإذا أردت أن تصوم يوم الجمعة مع الخميس فلا بأس، لكن المنهي عنه أن تفرد يوم الجمعة بصوم، أو تفرد يوم السبت بصوم، أو تفرد يوم الأحد بصوم، فإن يوم الجمعة عيد المسلمين، والسبت عيد اليهود، والأحد عيد النصارى.
الجواب: كيف تدعوه وتدعو عليه، بل قل: الله يهديك يا أخي! نسأل الله أن يهديه، أما كونه يقول: الصلاة سواء كانت في المسجد أو في غير المسجد فهذا كذب، الله ما أمر ببناء المساجد إلا للصلاة، يقول الله عز وجل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:36-37].
الجواب: هذا شيء طبيعي -أيها الإخوة- أن يجد الإنسان في نفسه هبوطاً وصعوداً، ومداً وجزراً، ونشاطاً وكسلاً، هذه طبيعة الإنسان، لا يوجد شخص على وتيرة واحدة، يعني أن درجة الإيمان عنده ستين أو سبعين لا يعدل عنها، لا. ولكن هناك حد أدنى، فالذي ينزل عليه يقع في النار، والحد الأدنى والحد الأعلى يتراوح الناس فيه، فهذا يصعد وهذا يهبط، والحد الأدنى هو: الحفاظ على الفرائض، والإتيان بالرواتب، والبعد عن المحرمات، وترك المكروهات، بعد ذلك إذا نزلت على هذه فليس معك إلا النار.
الجواب: نقول يا أخي الكريم بارك الله فيك، عليك أن تقبل سنّة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم بصدر رحب، وألا تتصلب ولا تتشدد ولا تأتيك حساسية من هذا الموضوع، فإن الموضوع محكوم بنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأمر الأول: أننا مأمورون باحترام المساجد وبإخراج القذر عنها وبحمايتها من القذر، وما دام الإنسان يعرف أن المسجد مفروش وأن حذاءه هذه كان يسير بها في الطين والأتربة والغبار وربما في النجاسات؛ فإن عليه أن يحترم المسجد وألا يدخل بها، لماذا؟ لأنها محروسة ومقدسة وينبغي المحافظة عليها، حتى ولو كانت الحذاء طاهرة ما دام المسجد مفروشاً؛ لأنه لو دخل الناس كلهم بأحذيتهم والمسجد مفروش، فإنه بعد يومين سوف يتسخ كله، أما إذا كان غير مفروش وجاء رجل وصلى بحذائه فلا ينكر عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في حذائه وقال: (خالفوا اليهود صلوا في نعالكم) والحديث صحيح، فلا نقول للناس الذين يصلون في نعالهم: إنهم ارتكبوا جريمة أو خالفوا الأمر، لا. لكن نقول لهم: إن الأولى أن تحترموا المساجد، أي: فرشها، لأن المسلم مأمور بأن ينظفها فكيف يأتي بالقذر إلى المسجد؟!
فإذا دخل رجل الآن في بيته هل يدخل مجلسه بالحذاء أم ينزعها عند الباب؟ ينزعها عند الباب، حسناً لا يكون المسجد أقل شأناً من بيتك، لا لأن حذاءك نجسة، لا. لعلها طاهرة لكن لأن فيها قذراً، ثم إن مسألة الحذاء ووطء الفراش بها تترك أثراً، يأتي شخص يصلي مكان حذائك، وينظر فيرى أن حذاءك مرسومة في الموكيت ويضع جبهته مكان حذائك، إنه شيء يتقزز منه الإنسان، وما دام هكذا فينبغي للإنسان أن ينزه المسجد، ولا يأخذ الواحد منا هذا الموضوع بنوع من الحساسية، فالموضوع فيه سعة، وعلى المسلم أن يسعى جهده في سبيل العمل بسنّة النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر