وبعد:
أيها الإخوة في الله: الجنة والنار هما المحلان المعدان والمهيآن للناس فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7].
وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:14].
يقول الناظم في إطار هذا المعنى:
الموت بابٌ وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدار |
فأجابه الآخر:
الدار جنة عدنٍ إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار |
هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختار |
وما أظن عاقلاً يسير إلى النار، فالإنسان الآن يحذر من التعرض لعوامل الجو فيواجهها، إن كان الجو حاراً استعمل التكييف، وإن كان الجو بارداً استعمل وسائل التدفئة، وإذا كان في مكانٍ بارد نزل إلى المكان الدافئ، وإذا جاء الصيف وهو في مكان حار ذهب إلى المكان المعتدل، لكن من الناس من يلغي عقله، ويعيش طوال حياته، ويقطع مراحل عمره متزوداً بسخط الله وغضبه ولعنته، متجهزاً إلى النار، في كل يومٍ يخطو خطوة إلى النار، هذا إن دخل النار يجزم أنه ما كان عاقلاً، يقول الله عنهم: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10] يقول: لو كان عندنا عقول وعندنا أسماع ما دخلنا النار، قال الله عز وجل: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:11] أي: بعداً وهلاكاً لهم، ولا يغني عنهم اعترافهم شيئاً.
لكن أهل الإيمان أهل الجنة يقول فيهم ربنا عز وجل بعدها: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12] هؤلاء لهم مغفرة من الله وثواب عظيم.
يا أيها الإنسان: أنت واقف أمام المفترق، الآن أمامك طريقان، وبإمكانك أن تسلك أحد الطريقين، يقول الله عز وجل: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] أي: دللناه على الطريقين، ويقول عز وجل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].
هذه الجنة غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه، ووصفها بوصفٍ في القرآن الكريم تطير إليه القلوب شوقاً من باب استعجال الناس، يقول الله عز وجل: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ [الحديد:21] -نسأل الله من فضله- هذا الفضل ليس أنك تكون في وظيفة، أو منصب، أو عندك عمارة، أو سيارة، أو زوجة، أو رصيد، فهذا فضل حتى الكفار معهم مثله، لكن فضل الله هو أن تدخل الجنة، ولهذا يقول الله عز وجل: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].. سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].
ويقول عز وجل: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136].
هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باقٍ وليس بفان |
أو ما سمعت بأنه سبحانه حقاً يكلم حزبه بعيان |
ويرونه من فوقهم سبحانه نظر العيان كما يرى القمران |
هذه الجنة أعد الله عز وجل فيها من النعيم ما لا يمكن أن يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ [السجدة:17] كل ما خطر في ذهنك .. اسرح بالخيال .. الجنة بخلافه، يقول عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].
ويقول عز وجل: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً [الإنسان:5-6].
ويقول عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].
ويقول عز وجل: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر:46].
ويقول عز وجل: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف:70].
الحبور: هو غاية البسط والمنى، أي: يعيش الإنسان في حبور.
يقول العلماء: السرور حالة من الانبساط لكنها لا تستمر، تنبسط يوماً ثم يأتيك ما يغير عليك.
أحلى اللحظات عندك -أيها الإنسان- أنك في بداية عمرك، إذا تزوجت تعيش شهراً أو أيام العسل، لكن هل يستمر هذا الشهر أو الأسبوع، بعضهم تحصل لهم مشاكل مع زوجاتهم ثاني يوم أو مع عماتهم أو مع أعمامهم فلا يجد السرور، لكن الحبور قالوا: هو السعادة والنعيم الذي ليس له منغص، وهو في الجنة، يقول عز وجل: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:70-72].
هذه الجنة وهذا النعيم بالإضافة إلى كونه لا يتصور أيضاً هو نعيم دائم، والنعيم الدائم ليس كالنعيم الزائل، الآن مرحلة الشباب والفتوة والقوة مرحلة من مراحل العمر، أي: فترة ذهبية في حياة الإنسان، لكن هل يستمر الشباب؟ لا. ستعيش أياماً ثم يأتيك الشيب والشيخوخة، حتى قال الناظم:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب |
يقول: ليته يرجع حتى أريه ما فعل المشيب فيّ.
وقد قيل: إن رجلاً كبير في السن كان يمشي على عصا، وكان يمشي بخطوات ثقيلة، لا يستطيع أن ينقل رجله إلا بصعوبة.
وشاب آخر كان يمشي أمامه ويدق الأرض بأرجله، ويقول: ما بك لا تمشي بقوة؟! قال: الذي قيدني هو الزمن وهو الآن يعد قيدك؛ وسوف يقيدك بعد سنوات.
فالشباب ينتهي، والعافية تنتهي، والسرور ينتهي، والحياة في القصور تنتهي، وكل شيء من متاع الدنيا ينتهي، ويقف الإنسان بعد لحظة من لحظات العمر عند جدارٍ اسمه الموت وليس معه من الدنيا شيء، يقول الله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94].
يقول العلماء: إن أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة حينما يطمئنون على أنهم خالدون فيها، فلا يموتون، ولا يتحولون، ولا يهرمون، ولا يشيبون، ولا يمرضون، وإنما نعيم، وكذلك لا توجد عبادة في الجنة، لا توجد صلاة ولا صيام، قد صليت وقد صمت هنا، ما بقي إلا نعيم في نعيم، وكل ما فيها نعيم نسأل الله وإياكم من فضله.
وأعظم ما جاء في وصفها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفها أيضاً ابن القيم رحمه الله في كتاب عظيم له اسمه: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ، فالروح شبهها ابن القيم مثل الراحلة، والراحلة إذا أردت أن تسري، وتقطع المسافة، فإنه يلزمك أن تحدو لها، والحدو يعرفه أصحاب الإبل؛ الإبل تسري في الليل؛ لأن الشمس تظميها في الصحاري، فيقيلون بها لكن إذا جاء الليل سرت، وإذا سرت تحتاج إلى من ينشد لها بعض الأشعار، فإذا أنشد لها الأشعار همجلت أي: جرت، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام لـأنجشة؛ وأنجشة كان يحدو الإبل وعليها النساء، وكان صوته طرياً وندياً وكان يحدو بصوت شجي، فيجعل الإبل تركض ركضاً حتى كادت أن تكسر النساء، فقال عليه الصلاة والسلام له: (رفقاً بالقوارير يا
يقول: هذه الروح راحلة والحادي لها ما ذكره الله عز وجل من كلامه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل أن تسارع، وتقطع الطريق بسرعة إلى الجنة.
يقول ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح : إن سألت عن أرضها -أرض الجنة- وتربتها فهو المسك والزعفران -المسك والزعفران هو التربة والأرضية التي في الجنة-.
وإن سألت عن سقفها -سقف الجنة- فهو عرش الرحمن.
وإن سألت عن ملاطها فهو المسك الأذفر.
وإن سألت عن حصبائها -الحصباء: الحجر- فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت عن بنائها فلبنة من ذهب ولبنة من فضة.
هذه كلها أحاديث.
وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب.
وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد، وأحلى من العسل.
وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15] اللبن في أول يوم يكون طعمه طيباً، وفي ثاني يوم يحمض، وفي ثالث يوم يزداد حموضة، وبعد أسبوع تنتهي صلاحيته، أما أنهار الجنة فلا يتغير طعمها.
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15] ليس كخمر الدنيا؛ فخمر الدنيا يعطل العقل ويضيع اللب، ويحول الإنسان إلى حيوان، يقول الناظم ابن الوردي في لاميته :
واترك الخمرة لا تشربها كيف يسعى في جنونٍ من عقل؟ |
شخص عاقل يأخذ له شيئاً يجعله مجنوناً يركب على ابنته وعلى أمه وعلى أخته!! من هذا الإنسان؟! هذا ليس بإنسان، ولهذا سميت الخمر: أم الخبائث -والعياذ بالله- وهي من أكبر الكبائر، ومن السبع الموبقات -نعوذ بالله وإياكم منها-.
وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [محمد:15] وقد لا يفهم عقلك هذا النهر؛ لأنك ما تعودت في الدنيا إلا أن ترى نتفاً بسيطة من العسل، يقول أحد الإخوة: ما شبعنا في العسل غماس، فكيف بأنهار من تحت بيتك؟! لكن ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].
وقد ورد في الحديث: أن الإنسان إذا تمنى الفاكهة وهو جالس ينزل الغصن فيتناوله من قرب، يقول الله: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً [الإنسان:14] لا حاجة لأن تقوم، وأنت جالس يأتيك الغصن فتأخذ الحبة ويرجع وأنت نائم، فقد ذللت لك.
وبعد ذلك وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21] وورد أن الرجل يتمنى الطير وهو يسبح في الفضاء فيقع مشوياً في حجره، يرفع له جناحه فيأكل منه حتى يشبع، ثم يرجع ويطير، عقلك لا يفهم هذا، لكن عليك أن تصدق به؛ لأن المخبر به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَحْمِ طَيْرٍ [الواقعة:21] واختار الله عز وجل لحم الطير؛ لأنه أفضل اللحوم، ويدخل فيه لحم الدجاج، لكن لما كثر الدجاج أصبح عندنا من أردأ اللحوم، وإلا لو أنه ليس موجوداً لكان من أفضل اللحوم، لأن أفضل اللحوم لحوم الطيور؛ لأنها تفيد الجسم، وليس فيها أي ضرر، بل هي لذيذة وسهلة الهضم، وتفيد الجسم أكثر من بقية اللحوم الأخرى.
وبعد ذلك: وإن سألت عن شرابهم؟ -شراب أهل الجنة- فالتسنيم والزنجبيل والكافور.
وإن سألت عن آنيتهم؟ فالذهب والفضة؛ ولهذا حرمت علينا في الدنيا؛ لأنها لنا في الجنة.
وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة يقال لها: طوبى، يسير الراكب المضمر جواده في ظل الفنن الواحد مائة عام ما يقطعه، المضمر أي: الذي جوع جواده واستعد للسباق، يسير في الظل الواحد للفنن -للغصن الواحد- مائة عام لا يقطعه. فكيف بالشجرة كلها؟
وإن سألت عن سعتها فأدنى أهل الجنة يسير في ملكه وسروره وقصوره مسيرة ألفي عام ما يقطع ملكه، لما رواه ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم عن أدنى أهل الجنة منزلة قال: [يعطى قدر الدنيا وعشرة أمثالها، قال: يا
وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الغابر في الأفق لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب.
وإن سألت عن فرشهم فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب.
وإن سألت عن وجوه أهلها فوجوههم على صورة القمر.
وإن سألت عن أسنانهم -السن- فأبناء ثلاثٍ وثلاثين، والصورة صورة يوسف، والطول طول آدم.
وقد ورد أنه تركب في شجر الجنة مزامير من مزامير آل داود، في كل شجرة مزماراً، ثم تهب ريحٌ من تحت العرش يقال لها: المثيرة، تهب على تلك المزامير فتعزف تلك المزامير بألحانٍ ما سمعت بمثلها الآذان، ولهذا لا تتصور -يا أخي- عندما تترك الأغاني أنك خسران، لا والله لست بخسران، الخسران الذي يغني، يسمع عواء وصياح أهل النار وهو معهم، لكن أنت إذا تركت الأغاني فإنك سوف تسمع هذا الكلام، تغني لك الحوريات وهن يقلن:
نحن الراضيات فلا نبأس نحن الخالدات فلا نبيد |
طوبى لمن كنا له |
هذا هو الطرب الصحيح.
وإن سألت عن مطاياهم -أي: المطايا التي يتزاورون عليها- فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاءوا من الجنان.
وإن سألت عن حليهم فأساور الذهب واللؤلؤ على الرءوس، وعلى الرءوس ملابس التيجان.
وإن سألت عن غلمانهم -أي الخدم الذين يخدمونهم- فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون. هذا الخادم مثل اللؤلؤة فكيف يكون حال المخدوم؟ لا يعلم ذلك إلا الله.
وإن سألت عن زوجاتهم، وهنا ينبغي لك أن تفرح، لماذا؟ لأنك محروم في الدنيا من الحرام، محروم من الزنا، محروم من النظر المحرم، ولك زوجة حلال، أو زوجتين، أو ما استطعت من الزوجات بحدود أربع، لكن إذا ما قدرت فعليك أن تستعف وتصبر، واسمع ما أعد الله لك في الجنة، يقول الله عز وجل: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:22-23].
ويقول عز وجل: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] وبعد ذلك يقول: كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58].
ويقول عز وجل: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:49].
إذا قابلت زوجها فقل ما تشاء من تقابل النيرين -أي: الشمس والقمر- وإن حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، يرى وجهه في صحن خدها وفي صدرها وفي كبدها كما يرى في المرآة التي جرى صقلها، ويرى مخ ساقها من وراء الحلل لا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، حتى لو أن شخصاً مزكوماً في المشرق وهي في المغرب فإنه يشمها، رائحة ليست من روائح الدنيا، لو اطلعت على الأرض لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، ولاستنطقت أفواه الناس تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، كل شخص ينظر إليها يقول: لا إله إلا الله! شيء مدهش! شيء يثير العجب! ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس، ولآمن من على ظهرها بالله الواحد القيوم.
نصيفها -الخمار- على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ووصلها أشهى له من جميع أمانيها، لا تزداد على طول الزمان إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد على طول المدى إلا محبةً ووصالاً، مبرأة من الحمل والولادة، والحيض والنفاس، زوجة الدنيا شهر واحد شهر العسل، وبعد ذلك قالت: حملت، إذاً خذ المصائب من يوم أن تحمل، فتتقيأ ثلاثة أشهر، وكذلك تخاصمك على أقل مشكلة، يسمونه وحماً، وبعد ذلك حملت وولدت، ثم تهتم بالولد وجعلتك بعيداً منها، هذه زوجة الدنيا، لكن زوجة الآخرة، لا. لا يوجد حمل، تأتيها بكراً وتعود وهي بكر، يعود لها كما كانت وكما خلقها الله عز وجل، وبعد ذلك لا يوجد نفاس ولا حيض ولا ولادة، وبعد ذلك مطهرة من المخاط، ومنظفة من البول والغائط والبصاق وسائر الأدناس، لا تزداد مع طول الزمان إلا حسناً وجمالاً، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحدٍ سواه، وقد قصر طرفه عليها، فلا يطمح لأحدٍ سواها، فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو معها في غاية المتعة والأماني والأمل، هذا وأيضاً لم يطمثها قبله إنس ولا جان، إذا برزت ملأت القصر نوراً.
وإن سألت عن سنها ففي سن أعدل الشباب.
وإن سألت عن الحدق -حدق العيون-؛ لأن الله وصف العيون في الجنة، فقال: وَحُورٌ عِيْن [الواقعة:22] وفي هذا يقول العلماء: إن وصف المرأة بجمال عينيها يدل على أن أجمل ما تملكه المرأة من جمالٍ ومن فتنة عينيها، ولهذا إذا أرادت أن تتحجب ماذا تحجب؟ وجهها، لماذا؟ من أجل عيونها، لكن الشيطان أفتى النساء الآن، فقال: تحجبي وأظهري عيونك، ماذا بقي إذا أظهرت المرأة العينين قتلت عباد الله بالعينين، فإذاً اكشفي؛ لأن الرجل إذا نظر المنظر كاملاً يعطي نظرة وتقييماً للمنظر كله، يمكن أن يكون الأنف ليس جميلاً، أو الفم ليس جميلاً، أو الجبهة أو الخدود أو أي شيء، لكن إذا ظهرت العينين فقط، فمهما كانت المرأة قبيحة فعيونها جميلة، حتى قلت مرة من المرات في محاضرة من محاضرات تبوك : حتى العنز، إذا كان لديك عنز في بيتك وألبستها برقعاً فانظر كيف تكون عيون العنز؛ لأن العنز عيونها جميلة، لكن يخرب عيونها فمها وقرونها ومسامعها، فإذا رأيت منظر العنز كله تقول: عنز، لكن غط قرونها ومسامعها وأنفها، وضع على عيونها برقعاً فعندما تراها تسقط أمامها.
وكذلك بعض النساء تفتن الناس، ولذا الآن -سبحان الله!- الشيطان يشرع للناس ويطيعونه، معظم النساء الآن في الشوارع أخذن بهذه الموضة، كانت خرقاً صغيراً والآن وسعوه قليلاً، والآن بدأنا نرى نساءً أظهرن العينين وأظهرن الأنف، صار مثلثاً ليس متساوياً، وبعد أيام يظهرن الفم، أي تدرج خطوات من الشيطان والعياذ بالله.
فالله وصف نساء الجنة فقال: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22] أي عينها حوراء، قالوا: ما هو الحور؟ قال: هو شديد بياض العين مع شدة سعة الحدقة، أي: اللون الأسود وسيع، والعين بيضاء صافية، يحار الطرف فيها، إذا نظرت فيها تحور عينك فلا تستطيع معاودة النظر.
يقول: وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور.
وإن سألت عن القدود -أي: الطول- فهل رأيت أحسن الأغصان؟
وإن سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كألطف الرمان. وإن سألت عن اللون فكأنهن الياقوت والمرجان.
خيرات حسان: اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان.
وإن سألت عن حسن العشرة فهن المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل، فما ظنكم بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها.
وإذا انتقلت من غرفة إلى غرفة قلت: هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها.
وإن غنت لزوجها فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع.
وإن قبلت فلا شيء أشهى من تلك القُبل.
إن سألت عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنـزه عن التمثيل والتشبيه، كما ترى الشمس في الظهيرة، وكما ترى القمر ليلة البدر لما جاء في الصحيحين : (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته)وفي هذه الأحاديث وفي هذه الآيات رد وإبطال لمعتقد الذين يعتقدون: أن الله لا يُرى في الجنة، وهم المعتزلة ، وبعض الفرق الضالة الذين ينكرون أدلة صريحة صحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تواتر عن الصادق المصدوق، وذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير ، وصهيب ، وأنس ، وأبي هريرة ، وأبي موسى ، وأبي سعيد يقول: فاستمع يوم ينادي المنادي يقول: يا أهل الجنة! إن الله تبارك وتعالى يستزيركم -من أجل المواجهة والمقابلة- فحي على زيارته فيقولون: سمعاً وطاعة. وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد هيئت، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجمعوا هناك فلا يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فينصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من لؤلؤ، ومنابر من نور، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم -درجاتهم هناك على حسب درجاتهم في الدين هنا- أدنى الناس من يجلسون على كثبان من المسك لا يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم بالعطايا -الذي فوق يعرف أنه أحسن من الذي تحت، والذي تحت لا يرى أن ذاك أحسن منه، من أجل لا يصير في قلبه شيء؛ لأن الله يقول: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]- حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، وينجينا من النار؟ فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نورٌ أشرقت له أطراف الجنة، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول لهم: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؛ -الله أكبر!- فهذا يوم المزيد؟ فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة! إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد، فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه -هذا أعظم نعيم لأهل الجنة، نعبد الله ونوحده ولكن إذا رأيناه زاد نعيمنا، نسأل الله أن يمتع أبصارنا بالنظر إلى وجهه الكريم- أرنا ننظر إليك، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره عز وجل، لو لا أن الله عز وجل قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه محاضرة، أي: مكالمة (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) يتكلم معك رب العالمين، لا إله إلا الله! حتى أنه يقول لبعض أهل الجنة: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا -يذكره ببعض معاصيه في الدنيا- فيقول: رب بلى. ألم تغفر لي؟ قال: بلى غفرت لك؛ بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! ويا قرة العيون بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة! ويا ذلة وخيبة الراجعين بالصفقة الخاسرة! وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:22-25].
الفاقرة: المصيبة التي تكسر الفقار، وتكسر الظهر، ما أعظم منها وهي النار -أجارنا الله وإياكم من النار-.
هذه الجنة أيها الإخوة! وما فيها من النعيم يقابلها النار، ولذا يقول أحد السلف: لو أن الله تعبدنا بالدين وأخبرنا أن الذي يطيعه له الجنة، والذي لا يطيعه يصير تراباً، لكان حريٌ بنا أن نطيعه من أجل الجنة.
ولو أنه تعبدنا وأعد لنا النار وقال: من أطاعني صيرته تراباً، ومن عصاني أدخلته النار، لكان حريٌ بنا ألا نعصيه، من أجل النار، فكيف والله تعبدنا وقال لنا: من أطاعني أدخلته الجنة ونجيته من النار، ومن عصاني حرمته من الجنة وأدخلته النار!
قال الصحابة: (ولا أنت يا رسول الله؟) لأن الرسول كان أعبد خلق الله، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وكان يذكر الله في جميع أحواله، وقد حمل هم هذا الدين، وواجه البشرية لوحده بهذا الدين ونصره الله، فهو أعظم البشر عليه الصلاة والسلام، ما من حسنة تجري في الأرض إلا وله مثلها في دواوينه، كل من عبد الله منذ بعثته إلى يوم القيامة له مثل عمله.
هذا الرسول الكريم قالوا: ولا أنت، يعني: مع ضخامة عملك، ولا أنت؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).
فالجنة ليس سببها ولا ثمنها عملك، ولكن سببها رحمة الله -نسأل الله أن يشملنا برحمته-.
ولكن هناك أسباب تتعرض نيل رحمة الله عز وجل، فإذا عملت بهذه الأسباب كنت مؤهلاً لنيل رحمة الله التي بموجبها تدخل الجنة.
أما أن تتصور أن هذه الأسباب هي التي تنال بها الجنة فلا، الجنة تنال برحمة الله، والرحمة تنال بالأسباب، فتعرض لرحمة الله بنيلها عن طريق فعل هذه الأسباب، والأسباب كثيرة مذكورة في كتب العلم، جاءت في القرآن وفي السنة، لكني استطعت أن أحصر منها اثني عشر سبباً وهي كالآتي:
الإيمان بالجنة، والإيمان بالنار، والإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وبالجن، وبالصراط، وبالحوض، وبالكتب، وبمظلة الرحمن، وكل ما أخبر الله به من المغيبات نؤمن بها، معنى الإيمان: الجزم واليقين أي: تعقد قلبك على هذا كقضية لا نقاش فيها ولا شك.
والعمل الصالح: هو فعل طاعة الله وترك المعصية.
فبالإيمان والعمل الصالح تنال الجنة بإذن الله عز وجل.
وقد سئل أحد السلف عنها فقال: [هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل ].
وسئل آخر عن التقوى؟ فقال: "أرأيت إذا دخلت في وادٍ كثير الشوك وأنت حافٍ ماذا تصنع؟ قال: أشمر وأجتهد، أجتهد أني ما أضع قدمي إلا في مكان ليس فيه شوك، قال: كذلك الدنيا؛ الدنيا كثيرة الأشواك أشواك المعاصي وأنت تعيش شمر عنها، فلا تقع عينك إلا في حلال، ولا تسمع بأذنك إلا حلالاً، ولا تتكلم بلسانك إلا في حلال، ولا تمد يدك إلا على حلال، ولا تسير بقدمك إلا في حلال، ولا تطأ إلا بفرجٍ حلال، ولا ينزل في بطنك إلا حلال؛ لأنك تقي، ولكن الذي ليس عنده تقوى يقع بعينه في الحلال والحرام، لا يتوقى من الذي ينظر إليه، والذي ليس عنده تقوى يسمع بأذنه الحلال والحرام، ويتكلم بلسانه بالحلال والحرام، ويطأ بفرجه في الحلال والحرام، ويمد يده على الحلال والحرام، ويسير برجله إلى الحلال والحرام، ويملأ بطنه بالحلال والحرام؛ لأنه ليس بتقي.
يقول الله في أهل التقوى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45].. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17].. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً [النبأ:31].. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34].
وكثير من الآيات التي ذكر الله فيها أهل التقوى وأن لهم الجنة -اللهم اجعلنا من أهلها ومن المتقين-.
ومن السنة ما ذكر في سنن الترمذي وفي مسند أحمد حديث صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج) شيئان يدخلان الجنة، وشيئان يدخلان النار، الذي يدخل الجنة تقوى الله، تضطرب إذا رأيت امرأة في الناس فتتقي الله، لكن إذا رأيتها وطولت النظر إليها، فأين التقوى؟
إذا سمعت نغمة موسيقية ولو حتى مع الأخبار مباشرة تغلقها، هنا التقوى.
الريال الواحد لو دخل عليك كأنه ثعبان نزل في جيبك فأخرجه، لا تريد إلا الحلال، هذا التقي.
الصلاة: إذا سمعت الأذان يتقطع قلبك إذا تأخرت حتى لو كتفت وأنت تريد الصلاة هذا هو التقي.
وماذا مع هذا؟ حسن الخلق، يقول المفسرون: لماذا جاء حسن الخلق مع التقوى؟ قالوا: تقوى الله للتعامل مع الله، وحسن الخلق للتعامل مع الناس؛ لأن من الناس من عنده تقوى، لكن عنده سوء خلق، تجده تقياً لا يسمع الحرام، ولا يأكل الحرام، ولا يمشي في الحرام، لكن أخلاقه سيئة: سيئة مع أهله، سيئة مع العمال عنده، سيئة مع الجيران، سيئة مع الإخوة، سيئة مع الناس كلهم، لا يسلم شخص من شره، هذا -والعياذ بالله سيئ- ولهذا كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة، وفي الحديث: (أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جواظ جعظري مستكبر) عتل جواظ أي: لا أحد يريده ولا أحد يحبه، ولهذا إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله اسأل: كيف أنت عند الناس هل أنت محبوب؟ هل أنت كريم؟ هل أنت صاحب خلق؟ هل أنت لا تسب ولا تشتم ولا تلعن؟ سبحان الله! بعض الناس تجد عنده جوانب تقوى طيبة، لكن أخلاقه سيئة.
لا بد أن تجمع بين الأمرين: أن تكون ذو تقوى مع الله، وذو خلقٍ حسنٍ مع الناس.
وأكثر ما يدخل الناس النار الفم؛ لأن فيه اللسان وهو منفذ الحرام، والفرج؛ لأن فيه شهوة غالبة، وشهوة طاغية، تتعلق بالنساء، وقد تتعلق أحياناً باللوطية، وهي جريمة منكرة، يقول عبد الملك بن مروان : والله لولا أن الله أخبرنا بخبر قوم لوط ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً؛ لأن هذه الجريمة تأنفها حتى البهائم، ما رأينا حماراً يركب حماراً وهي حمير، ولا قرداً يركب قردا، ولكن الإنسان إذا ضل عن الله وعن سبيل الله، وعن طريق الله عمل هذه الفاحشة، ولذا توعد الله من عملها باللعن، والطرد، والإبعاد عن رحمته: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) والحديث في مسند أحمد سبعة إلا هؤلاء وكررها ثلاث مرات، واللعن هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله.
وفي الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وعقوبته في الشرع: بعض أهل العلم قالوا: حرقاً، وبعضهم قال: القتل، وبعضهم قال: الرمي كما يرمى الثيب، وبعضهم قالوا: يرمى من أعلى مكانٍ شاهق، كما صنع الله عز وجل في قوم لوط، فإن الله عز وجل أرسل عليهم الملائكة فحملتهم وقراهم إلى أن بلغوا بهم إلى السماء ثم قلبها عليهم، قال الله: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً [هود:82-83] أي: معلمة عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].
تلك الحجارة لقوم لوط والظالمين من بعدهم واللعنة ليست بعيدة منهم، وقد ورد أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتزت السماوات والأرض، فتمسك الملائكة بأطراف السماء وتقرأ سورة الإخلاص حتى يسكن غضب الرب، هذه جريمة منكرة.
أما جريمة الزنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له).
وقال أيضاً: (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة).
وقال أيضاً: (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار).
وقال أيضاً: (والذي نفسي بيده إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) -والعياذ بالله-.
الجنة أمامك طريقها من عند محمد صلى الله عليه وسلم إذا أطعته دخلت الجنة، وإذا عصيته رفضت دخول الجنة، طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كل مما أمر الله به وأمر به رسوله وكله من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
بعض الناس تثقل عليه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من حرمانه وخذلانه من التوفيق، وأعطيكم أمثله على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم:
إعفاء اللحية، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها، وقال: (قصوا الشوارب (.. (أكرموا اللحى (.. (أرخوا اللحى (.. (اسدلوا اللحى (.. (أعفوا اللحى).. كل هذه أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، هي ليست قضية شعر، حتى بعض الناس يظن أننا نتعصب عند الشعر، لا -يا أخي- هي قضية انتماء واعتزاز وفخر بمتابعة هذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، وما دام أمرك الرسول وقال: (أعفوا اللحى) أكثر من عشرة أحاديث: (أعفوا اللحى) ..(أكرموا اللحى) ..(أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى) وأنت تحلقها، كيف؟!! لا أعفيتها، ولا أسدلتها، ولا أرخيتها، ولا أكرمتها، إكرام اللحية أن تبقى في وجهك؛ لأن وجهك أكرم منطقة عليك، لكن حلقها إهانة؛ لأن الحلق أين يكون؟ إما في دورة المياه، أو في الغسالة، ثم تذهب إلى أماكن النجاسات، أو عند الحلاق، والحلاق إذا حلق اللحية يضعها تحت قدمه، ثم يأتي بالمكنسة ويكنس الشعر، من وجهك إلى المكنسة، وبعد ذلك يأخذها ويضعها في القمامة، هذه لحى المسلمين، وإلى سيارة البلدية ثم تحرق، هل هذا إكرام للحية -يا إخوان-؟ لا يجوز، فلا بد أن تكرم سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، إذا أردت أن تدخل الجنة بإذن الله، ولا يعني كلامي هذا أن الذي يحلق لحيته لا يدخل الجنة، لا.
نقول: الذي يصلي ويقوم بالواجبات الإسلامية، ويطيع الله عز وجل هذا إن شاء الله أنه من أهل الخير، لكن يكمل ذلك بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء لحيته؛ لأنه لا توجد مشقة عليه في إعفاء اللحية، فاللحية ليست ثقيلة، والله إنها لا تساوي عشرة جرامات أو عشرين جراماً، خفيفة جداً، المشقة في الحلق؛ لأن الحلق كل يوم وأنت تحلق، أنت تريدها تموت وهي تريد تحيا، فتبقى حية إلى أن تموت، فأنت أعفها مرة واتركها.
أحد الشباب قال لي: أنا أريد أن أترك لحيتي يا شيخ، لكن لحيتي تطلع مثل الدبابيس، قلت: طبعاً مثل الدبابيس؛ لأنك تحلقها، لكن هي تحاربك كلما حلقتها صارت مثل الدبابيس، لكن أعلن الهدنة وألق السلاح وهي سوف تطلع بعد ذلك مثل الحرير، قال: كيف؟ قلت: انتظر فقط واتركها، فتركها وإذا بها بعد ما اطمأنت وعرفت أنه لن يعتدي عليها أعلنت هي الهدنة أيضاً، ونبت الشعر وصار مثل الحرير، لكن عندما تحلقها وتريدها تطلع مثل الحرير، لا. أنت تؤذيها وهي تؤذيك، مهما كان، فهذه جزء من طاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم: رفع الإزار وعدم إرخاء الثوب، فإن هذا مرضاة لله، وكذلك تقوى لله، (فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك) وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بأن يرفعوا أزرهم؛ لأن هذا من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فطاعة الرسول سببٌ من أسباب دخول الجنة، يقول الله عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً [النساء:69-70] أي: مع النبيين في الجنة بإذن الله عز وجل.
ويقول عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14].
وفي مسلم حديث عظيم عن سفيان الثقفي قال: قلت: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل أحداً بعدك؟ قال: قل آمنت بالله ثم استقم) إذا سألك شخص وقال لك: بالله عليك، دلني على طريق توصلني إلى الطائف ولا أضيع فيها، قلت له: امضِ في الخط الفلاني ولا تلف يميناً ولا شمالاً، وإذا رفض السماع منه ثم لف يميناً، فإنه سيصل إلى جدة ، لا إلى الطائف .
كثير من الناس الآن يدلهم الشيطان على الطريق إلى جهنم -والعياذ بالله- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم) رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم حديث في الصحيح: (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وغشيتهم الرحمة) رحمة الله التي بسببها يكونون من أهل الجنة بإذن الله عز وجل.
فطلب العلم عظيم، ولهذا قال العلماء: طلب العلم طريق إلى الجنة؛ لأنه ينير لك الطريق، وطريق الجنة لا يمكن أن تراه إلا بنور، والنور هو العلم، فإذا قرأت كتاب الله، وقرأت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قرأت كتب الفقه، والسيرة، والتوحيد، وعرفت الطريق سرت فيه، لكن من الذي لا يسير في طريق الجنة الآن؟ الجهلة بالله، الذي يمر عليه شهر وما يقرأ فيه آية من كتاب الله، ولا يسمع موعظة، ولا يذكر الله، هذا الشيطان يلعب عليه؛ لأنه أعمى يقوده بخشمه إلى النار -والعياذ بالله- لكن إذا جاء إليك وعندك إيمان وعندك علم ما يقدر عليك، لماذا؟ لأن عندك نور أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22].
قال أهل العلم: هذا الحديث فيه بشرى، أن من بنى لله مسجداً أنه من أهل الجنة، لماذا؟ قالوا: لأن الله لا يبني لك بيتاً في الجنة ويجعلك في النار، إذا كان بيتك في الجنة فإنك ستدخل فيه.
أجل بناء المساجد من أعظم القربات، لكن بشرط: وهو أن يبتغي به وجه الله، قد يبني شخص مسجداً طويلاً عريضاً؛ لكن يبتغي به ثناء الناس، أو يبتغي به الضرار، كمسجد الضرار الذي بناه المنافقون من أجل محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا. تبتغي بهذا المسجد وجه الله، تريد بيتاً في الجنة، تريد يعمر هذا المسجد بطاعة الله، يذكر فيه الله، وتحتسب كل ما يؤدى فيه من عمل صالح؛ لأن بناء المساجد من أعظم القربات، ما من مسجدٍ تبنيه لله عز وجل -أيها المسلم- إلا ولك أجر الذي يصلي فيه، وأجر الذي يقرأ القرآن فيه، هذا المجلس المبارك الآن فيه حسنات وجميع هذه الحسنات لصاحب هذا المسجد، فضل عظيم -يا إخواني- وبعد ذلك إذا مت لا ينقطع هذا الأجر عليك، أجل إذا كان عندك إمكانية ابنِ مسجداً في مكانٍ لا يوجد فيه مسجداً، لا تذهب تبني في مكان لا يحتاج فيه إلى هذا المسجد، أو تبني في مكان سيبني فيه غيرك، لا ابن وليكن خارج المملكة؛ لأن بلاد العالم الإسلامي بحاجة إلى المساجد، لقد زرت والله -أيها الإخوة- بعض البلدان الإسلامية وجدتهم والله يصلون ويسجدون في الطين، ما عندهم حتى قطعة فراش على الأرض ويصلون، نحن -والحمد لله- مساجدنا كثيرة، والدولة حفظها الله تبني المساجد، والمحسنين يبنون المساجد في بلادنا، إذا عندك إمكانية ابن، وبعد ذلك تكلفة المساجد في تلك البلدان رخيصة جداً، أي: بعشرة آلاف تبني أكبر مسجد، أو بعشرين ألفاً تبني مسجداً كبيراً -فيا أخي- اختزن من راتبك قليلاً وابن مسجداً ليكون سبباً من أسباب دخولك الجنة.
والحديث في صحيح البخاري : (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة).
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أو غير ذلك؟ -أي: تريد شيئاً آخر؟- قال: ما هو إلا ذاك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود) فدل الحديث على أن كثرة السجود -أي: كثرة الصلاة- سببٌ من أسباب دخول الجنة.
يقول ابن القيم رحمه الله: من طرق باب ربه كل يومٍ ثلاثين مرة إذا أوتر بواحدة؛ لأن اثنتي عشرة ركعة هذه رواتب وسبع عشرة ركعة فرائض، أربع في الظهر وأربع في العصر، وثلاث في المغرب، وأربع في العشاء هذه خمس عشرة، واثنتين في الفجر صارت سبع عشرة ركعة، وتكون مع الرواتب تسعاً وعشرين ركعة، فإذا أوترت بواحدة تطرق باب ربك كل يوم ثلاثين مرة تقول له: (اهدنا الصراط المستقيم) يقول ابن القيم : فإنه جدير أن يفتح له -إن شاء الله-.
فهذه اثنتي عشرة ركعة من الرواتب، إذا حافظت عليها بنى الله لك بيتاً في الجنة، فاحفظها -يا أخي- ولا تضيعها؛ لأني أسمع وأعلم أن بعض الشباب يقول: إنها نافلة -أي: سنة- يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، سبحان الله! هي سنة سنها الحبيب، وبها تجبر الصلوات، ويتمم لها ما نقص من عملك الصالح، هل تضمن أنك تصلي العشاء أربع ركعات وما توسوس فيها لحظة؟ لا. فإذا أتيت يوم القيامة وحوسبت على صلاتك ونقصت الفريضة يقول الله: (انظروا هل لعبدي من نوافل؟) فإذا وجدوا نوافل يجبر نقصك، وإذا لم يجدوا شيئاً خسرت والعياذ بالله.
وتكثرن اللعن أي أن غالب النساء إلا من رحم الله كثيرات اللعن، تلعن ولدها وتلعن أبناءها وتلعن زوجها، بل بعضهن تلعن نفسها!! والعياذ بالله.
هذه هي بعض الأسباب الموصلة إلى رضوان الله عز وجل، والفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي أسباب سهلة ويسيرة، كما قال عليه الصلاة والسلام لـمعاذ بن جبل : (وإنه ليسير على من يسره الله عليه) ولا تبدو هناك -أيها الإخوة- أية صعوبة، وإنما قد تكون هناك صعوبة في البداية، وإذا سار الإنسان في طريق الإيمان والالتزام فإنه سيجد الطريق سهلاً ميسراً معاناً من قبل الله عز وجل.
الجواب: لا. لا يجوز ذلك؛ لأن الدين يؤخذ جملة واحدة، ولا يجوز التجزئة فيه، فأنت تأخذ بحديث الصحيحين : (من صلى البردين دخل الجنة) وتصلي الفجر والعصر، ولكن عليك أن تأخذ أيضاً بالآيات والأحاديث التي أمرتك بأداء الصلوات الخمس، فإذا أخذت بحديث وتركت حديثاً، أو أخذت آية وتركت آية جزأت، ولا بد من أخذ دين الله كاملاً، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208] فلا بد من أخذ الدين جملة واحدة بدون تجزئة.
الجواب: المرأة التي تعمل الصالحات وتؤمن بالله، وتسلك الطريق الموصل إلى الجنة، وعدها الله عز وجل أن تكون من أهل الجنة بإذن الله، وأعد الله لها في الجنة من النعيم ما يناسب طبيعتها، وبالنسبة إذا كانت متزوجة وزوجها من أهل الجنة فإنه يكون زوجها؛ لأن الله يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21] ويقول الله عز وجل في الملائكة: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:7-8] هذا إذا كانت المرأة مؤمنة وزوجها مؤمن متدين.
أما إذا كانت متدينة وزوجها فاجر وهو في النار أعطاها الله زوجاً من أهل الجنة، الذين زوجاتهم في النار؛ لأنك قد تلقى شخصاً طيباً وامرأته خبيثة في النار، ويأتي الجنة وليس معه زوجة، فالله يعطيه من الزوجات الصالحات الذين دخلت الجنة وأزواجهن في النار، قال العلماء: والذي تزوجت برجلٍ ثم مات أو طلقها طلاقاً رجعياً وتزوجت بآخر كان لها زوجين في الدنيا؟ قالوا: تخير فتختار أحسنهم خلقاً، فيكون زوجاً لها في الجنة.
بعض النساء يقلن: لماذا ذكر الله في القرآن الكريم الكثير عن الحور العين للرجال وما ذكر للنساء شيئاً؟
قال العلماء:
أولاً: في ذكر الحور العين للرجال ترغيب في طلب الجنة عن طريق بذل الجهد لها، وهو الجهاد في سبيل الله.
ثانياً: قالوا: إن المرأة موطن وطر ولذة ومتعة فوجب إغراء الرجال بهن، دون الحاجة إلى العكس، وإلا للمرأة في الجنة -بإذن الله- من النعيم ما يطيب خاطرها، ولهذا يقول الله عز وجل: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31].
الجواب: عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة، أما الذين صلى بهم فصلاتهم صحيحة، ولكن إذا تذكر أثناء الصلاة لزمه الخروج من الصلاة وعدم الاستمرار فيها، بعض الناس يقول: استحيت، لا. هذه عبادة لا تدخلها المجاملة.
الجواب: صدق أخي الكريم بأن توحيد الله هو السبب الأول، ولهذا ذكرته أنا أول شيء، الإيمان بالله، والإيمان يعني: التوحيد، والموانع التي تمنع الإنسان من دخول الجنة الشرك، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] وفي آية أخرى: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:116].
وقال تعالى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72].
وقال تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].
فلا بد من التوحيد، وهذا الكلام مفرغ منه، لا يمكن لأحدٍ أبداً أن يدخل الجنة وعنده شرك، يمكن يدخل الجنة إذا كان عنده معاصٍ، لكن بعد التمحيص في النار، إلا أن يشمله الله برحمته، أما المشرك كما يقول ابن القيم رحمه الله: مثل المشرك مثل الخنزير، لو أدخلت الخنزير من طرف البحر وغسلته بماء البحر وأخرجته من الطرف الثاني، ولهذا ليس للمشرك دخول في الجنة، لكن المؤمن الموحد العاصي، فهذا يعذب بقدر الذنوب ثم يخرج ويدخل الجنة، فحاول باستمرار أنك ترتفع إلى أن تكون خالٍ من الذنوب وإذا وقعت في الذنوب فاستغفر الله تبارك وتعالى؛ لأن أجسامنا لا تقوى على النار.
الجواب: أول طريق للعلم حفظ كتاب الله، ابدأ يا أخي بحفظ القرآن، هذا أول مسلك، وهذا يستغرق عليك وقتاً، ابدأ بالمفصل أو بالبقرة وآل عمران، وهكذا تنقل حتى تكمل حفظ القرآن.
احفظ من الحديث النبوي الأربعين النووية هذا أول شيء، ثم زد عليها حفظ بلوغ المرام ، أو احفظ رياض الصالحين ، أو احفظ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ، حتى تكون ثقافتك الحديثية صحيحة (100%).
اقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا طلب علم، وإذا ما كان عندك كتب لطلب العلم فعليك أن تشتري، يجب أن يكون جزءاً من دخلك لشراء كتاب، أو شراء شريط.
من أساليب طلب العلم: سماع الشريط الإسلامي.
ومن أساليب طلب العلم: حضور المحاضرات والدروس الشرعية في المساجد. هذه كلها من طرق وسائل طلب العلم الشرعي.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ حتى عصى ربه في شهر شعبان |
ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان |
اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن |
كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهل وجيران وإخوان |
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني |
ومعجبٌ بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان |
حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان |
هذا الشهر الكريم: شهر الخير، والرحمة، والمغفرة، شهر القرآن، والتراويح، والعبادة، شهر يزاد فيه رزق المؤمن، شهرٌ كان صلى الله عليه وسلم فيه أجود من الريح، وكان أجود ما يكون في رمضان، هذا الشهر لنا إخوة في الإسلام في بلادنا هنا وفي خارج هذه البلاد مساكين وفقراء، طول زمانهم رمضان لا يوجد شيء لديهم، يلتحفون السماء، ويفترشون الأرض، يقتاتون قوتاً لا يسمى قوت بهائم، ولا علف المواشي الذي تأكله المواشي الآن، علف المواشي لدينا هو طعام رئيسي عند بعض الشعوب، وقد كان عندنا في يوم من الأيام طعاماً رئيسياً والشيوخ يعرفون أن الواحد منهم ما كان يشبع من خبز الشعير، والآن أصبح علف المواشي، ونحن في نعمة وفي فضل وفي خير، فقد منَّ الله علينا -يا إخواني- بنعم كثيرة: أمن، وعافية، ورخاء، وخير، ورزق رغد يأتينا من كل مكان، ورواتب، وهناك إمكان عند كل شخص منا أن يطعم أو يفطر أسرة من الأسر الجائعة في بلاد الله المنثورة في الأرض، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء) إذا فطرت صائماً لك مثل صيامه كله دون أن ينقص من أجره شيء، وكونك تدخل السرور على زوجتك وعلى أولادك مع بداية شهر رمضان فتستلم راتبك وتشتري مدخرات سنتك، فتوسع على أهلك حسن، ولكن أفضل منه أن توسع على أسرة فقيرة، على أسرة لا يدخل السرور عليها طوال العام إلا في هذا اليوم، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية قامت بمشروع اسمه مشروع إفطار الصائم، وفرع الهيئة في مكة تصدق على بلدين: البلد الأول بنجلادش ذات الكثافة السكانية الهائلة فعددهم مائة وخمسون مليوناً، خليج البلقان المغطى بالماء طول السنة، والكوارث فيه من تهدم المساكن وغيرها، ويعيشون في فقر وفي حاجة لا يعلمها إلا الله.
والبلد الثاني أوروبا الشرقية يعني: الاتحاد السوفيتي الذي انحل، وأصبحت ديار المسلمين هناك، يعيشون أيضاً في فقر من الشيوعية الحاقدة، وفي أيدينا -أيها الإخوان- فضول أموال، وبإمكاننا أن نساهم في مثل هذه المشاريع، حتى ندخل السرور على قلوبهم، وحتى نقدم بين يدي رمضان حسنة نرجو بها ما عند الله عز وجل، والمشروع المجهز يكفي لإفطار أسرة كاملة خلال ثلاثين يوماً بثلاثمائة ريال، بمقابل عشرة ريالات للأسرة يومياً مكونة من وجبتين: وجبة سحور، ووجبة إفطار وعشاء، وهذه الوجبة مكونة من نصف دجاجة، وكيلو من الأرز وكيلو دقيق، ومتطلباتها حسبت قيمتها أنها تصل إلى عشرة ريالات ولا تزيد، هذه العشرة الريالات ترفع رصيدك وتبقى لك عند الله، وأنت تصرف في رمضان أموالاً طائلة قد تثاب عليها وقد لا تثاب، خاصة إذا كان هناك مبالغة وإسراف وبذخ؛ لأن الناس الآن يستقبلون رمضان على أنه شهر الأكل، وشهر الموائد ويشترون الأطعمة بالكراتين، ويكدسون الأطعمة في السفر، ويأكلون منها القليل ويرمون بالكثير منه، بينما إخوانهم يموتون من الجوع، نقول: ثلاثمائة ريال تفطر بها أسرة، لا تخسر شيئاً بل ترفع رصيدك عند الله عز وجل، ولا تظن أن هذه الثلاثمائة سوف تكون خسارة عليك، يقول الله عز وجل: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].
وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245].
ولحديث: (المرء تحت ظل نفقته يوم القيامة).
وقال تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96].
ذبح صلى الله عليه وسلم ذبيحة ووضعها في بيته عند عائشة فأخرجتها كلها إلا كتف الشاة فلما رجع قال: (ما صنعت الشاة؟ قالت: ذهبت كلها إلا كتفها، قال: لا. قولي: بقيت كلها إلا كتفها) أي: الكتف الذي سنأكله هو الذي ذهب، فالذي ذهب عند الله هو الذي يبقى.
وهناك قصة حدثت قبل سنين يحدثني بها رجل ثقة كان مسافراً في تهامة ، وفي ليلة من ليالي سفره وكانت الليلة باردة مطيرة مظلمة، فهاجت الريح ونزلت الأمطار وضل الطريق، فدخل في غار من أجل أن ينام فيه ويرتاح، وبينما هو نائم في الغار إذ رأى قبراً، وإذا به يرى في القبر رجلاً وامرأة ومعهم بقرة يحلبونها ويشربون لبنها، غير أنه لاحظ أن هذه البقرة ليس عليها جلد، جلدها مسلوخ ودمها يخرج، وصاحب البقرة يحلب ويتأذى أنه ليس عليها جلد، لكن ماذا يصنع؟ يقول: فسألته: من أنت؟ ومن هذه؟ ولماذا هذه البقرة؟ ولماذا لا يوجد عليها جلد؟ قال: أنا رجل وهذه زوجتي، كنا في الحياة الدنيا في قريتنا، وحصلت مجاعة، وجاع الناس حتى كادوا يموتون من الجوع، وما كنا نملك شيئاً إلا هذه البقرة، فتشاروت أنا وزوجتي على أن نذبحها ونقسمها على الفقراء لوجه الله عز وجل، فوافقتني، يقول: فذبحناها وقسمناها على جميع الفقراء في تلك القرية، ولم يبق بيت إلا دخله شيء من لحمها، غير أننا أخذنا الجلد وبعناه، وما تصدقنا به، يقول: فلما مت أعطاني الله وأعطى زوجتي بدل بقرتنا بقرة في الجنة نحلبها، لكن لا يوجد عليها جلد، يقول: فأنا أتأسف على أنني ما تصدقت بالجلد حتى ألقاه في الجنة، فيا أخي إن الذي تتصدق به لا تظن أنه خسارة والله إنه هو الربح وهو الباقي.
على الأبواب صناديق لـهيئة الإغاثة ، وهذا خطاب من الدكتور أحمد بن نافع المورعي المشرف على هيئة الإغاثة بـمكة المكرمة وقد أخبرني شخصياً عن هذا المشروع العظيم، وقد انتدب لهذا المشروع مجموعة من العلماء وطلبة العلم والصالحين، وسوف يسافرون بعد أيام قبل دخول رمضان حتى يرتبون عملية تقديم هذه الوجبة لتلك الأسر، ويدخل السرور، ويطلب من تلك الأسر الدعاء لأصحابها، وتصور -يا أخي- إذا أفطر هذا الرجل الفقير الذي لا يعرف العيش، عندما يفطر وزوجته وأولاده وقالوا: اللهم اغفر لصاحب هذا الفطور، أنت في مكة هنا وتأتيك الدعوات كل ليلة من أجل عشرة ريالات.
نطلب من إخواننا المساهمة في إفطار الصائم بثلاثمائة ريال، إن كانت موجودة عندك الآن فضعها، وإن كانت ليست موجودة فسارع هذه الليلة بوضعها في حساب الجماعة أو الهيئة أو في مقر الهيئة الموجود بجوار محطة التسهيلات، واحذر من أن تسوف إلى آخر الشهر، فإنك إذا سوفت غلبك الشيطان وجعلك تبخل في النفقة.
أسأل الله أن يعيننا وإياكم على الإنفاق في سبيله، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يدرك هذا الشهر وممن يقومه ويصومه، ويتقبل الله منا إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر