أما بعد:
فإن هذا هو اللقاء الثاني من شهر ذي القعدة عام: (1413هـ) في يوم الخميس. ونكمل فيه ما تكلمنا عنه فيما سبق من سورة التكوير، حيث قال الله عزَّ وجلَّ: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16] إلى أن قال: إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ[التكوير:27].
فالمعنى: أُقْسِم بالخُنَّس، والخُنَّسُ: جمعُ خانسة، وهي: النجوم التي تَخْنِس أي: ترجع، فبينما تراها في أعلى الأفق، وإذا بها راجعة إلى آخر الأفق، وذلك -والله أعلم- لارتفاعها وبُعدها، فيكون ما تحتها من نجوم أسرع منها في الجري بحسب رؤية العين.
وقوله: الْجَوَارِ [التكوير:16] أصلها: الجواري بالياء؛ لكن حُذِفت الياء للتخفيف.
والْكُنَّسِ [التكوير:16] هي: التي تكنس أي: تدخل في مغيبها.
فأقسم الله بهذه النجوم، ثم أقسم بالليل والنهار، فقال: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير:17-18].
فمعنى قوله: عَسْعَسَ [التكوير:17] أي: أقبل، وقيل: أدبر، وذلك أن الكلمة (عَسْعَسَ) في اللغة العربية تصلح لهذا وهذا؛ لكن الذي يظهر أن معناها: أَقْبَل ليطابق ما بعده من القسم وهو: قوله وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير:18] فيكون الله أقسم بالليل حال إقباله، وبالنهار حال إدباره.
وإنما أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات لعِظَمِها وكونها من آياته الكبرى، فمَن يستطيع أن يأتي بالنهار إذا كان الليل؟! ومن يستطيع أن يأتي بالليل إذا كان النهار؟! قال الله عزَّ وجلَّ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:71-73].
(إِنَّهُ) أي: القرآن.
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ هو: جبريل عليه الصلاة والسلام، فإنه رسول الله إلى الرسل بالوحي الذي ينزله عليهم، ووصفه الله بالكرم لحسن منظره، كما قال تعالى في آية أخرى: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:6] قال العلماء: (المِرَّة): الخَلْق الحسن والهيئة الجميلة.
فكان جبريل عليه الصلاة والسلام موصوفاً بهذا الوصف، فهو كريم.
وقوله: عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ أي: عند صاحب العرش، وهو الله جل وعلا، والعرش فوق كل شيء، وفوق العرش رب العالمين عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [غافر:15] فذو العرش هو الله عزَّ وجلَّ.
وقوله: (مَكِينٍ) أي: ذو مكانة، أي: أن جبريل عند الله ذو مكانة وشرف، ولهذا خَصَّه الله بأكبر النعم التي أنزلها الله على عباده، وهو الوحي، فإن النعم -يا إخواني- لو نظرنا إليها لوجدنا أنها قسمان:
الأول: نِعَمٌ يستوي فيها البهائم والإنسان وهي: متعة البدن: الأكل، والشرب، والنكاح، والسكن، هذه النعم يستوي فيها الإنسان والحيوان، أليس كذلك؟! الإنسان يتمتع بما يأكل، وبما يشرب، وبما ينكح، وبما يسكن، والبهائم كذلك.
الثاني: نِعَمٌ أخرى يختص بها الإنسان وهي: الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق أو تطيب حياتهم إلا بالشرائع، مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فالمؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة، واللهِ لو فتشتَ حياةَ الملوكِ، وأبناءِ الملوك، والوزراءِ، وأبناءِ الوزراء، والأمراءِ، وأبناءِ الأمراء، والأغنياءِ، وأبناءِ الأغنياء، لو فتشت حياتهم، وفتشت حياة من آمن وعمل صالحاً لوجدت الثاني أطيب عيشة، وأنعم بالاً، وأشرح صدراً؛ لأن الله عزَّ وجلَّ الذي بيده مقاليد السماوات والأرض تكفل بذلك، فقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] فتجد المؤمن العامل للصالحات مستور القلب، منشرح الصدر، راضياً بقضاء الله وقدره، إن أصابه خيرٌ شكر الله على ذلك، وإن أصابه ضدُّه صبر على ذلك، واعتذر إلى الله مما صنع، وعلم أنه إنما أصابه بذنوبه، فرجع إلى الله عزَّ وجلَّ، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً للمؤمن! إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً: أكبر نعمة أنزلها الله على الخلق هي: نعمة الدين الذي به قوام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وأنا أسألكم الآن: ما هي الحياة؟ هل هي حياة الدنيا أو حياة الآخرة؟!
حياة الآخرة، الدليل: قوله تعالى في سورة الفجر: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]، فالدنيا ليست شيئاً، إنما الحياة الحقيقية حياة الآخرة، والذي يعمل للآخرة يحيا حياةً طيبة في الدنيا، كما تلوتُ عليكم الآية.
فصار المؤمن العامل للصالحات هو الذي كسب الحياتين، حياة الدنيا، وحياة الآخرة.
والكافر هو الذي خسر الدنيا والآخرة: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15].
قال العلماء: تطيعه الملائكة؛ لأنه ينزل بالأمر من الله، فيأمر الملائكة فتطيعه، فله إمرة، وله طاعة على الملائكة، ثم الرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين ينزل جبريل عليهم بالوحي، لهم إمرة وطاعة على المكلَّفين، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [المائدة:92].
ولما أقسم الله عزَّ وجلَّ على أن هذا القرآن قول هذا الرسول الكريم الملكي ففي آية أخرى بيَّن الله سبحانه وتعالى وأقسم أن هذا القرآن قول رسول كريم في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ [الحاقة:38-41] فهل الرسول هناك هو الرسول هنا؟
الجواب: لا. الرسول هنا في سورة التكوير رسولٌ ملكي أي: من الملائكة، وهو جبريل.
والرسول هناك رسول بشري، وهو محمد عليه الصلاة والسلام.
والدليل على هذا واضح: هنا قال: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير:19-20] وهذا الوصف لجبريل، هو الذي عند الله، أما محمد عليه الصلاة والسلام فهو في الأرض.
وهناك قال: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ [الحاقة:38-41] رداً على قول الكفار الذين قالوا: إن محمداً شاعر وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ [الحاقة:42].
أيهما أعظم قسماً: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ [التكوير:15-20] أو فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:38-40]؟ أيُّ القسَمين أعظم؟
الثاني أعظم، لأنه لا يوجد شيءٌ أعمُّ منه؛ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ [الحاقة:38-39]، كل الأشياء إما نبصرها أو لا نبصرها، إذاً: أقسم الله بكل شيء، ولكن هنا أقسم بالآيات العُلْوية فقط؛ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16] والليل، والنهار، هذه آيات عُلْوية أُفُقية، لاحظوا! سبحان الله! تناسب الرسول الذي أُقْسِم على أنه قوله، وهو: جبريل؛ لأن جبريل من عند الله.
إذا قال قائل: كيف يصف الله القرآن بأنه قول الرسول البشري، والرسول الملكي؟!
نقول: الرسول الملكي بلَّغه إلى الرسول البشري، والرسول البشري بلغه إلى الأمة، فصار قول جبريل بالنيابة، وقول محمد بالنيابة، فمن القائل الأصلي الأول؟!
القائل الأول هو: الله عزَّ وجلَّ.
فالقرآن قول الله حقيقةً، وقول جبريل باعتبار أنه بلَّغه إلى محمد، وقول محمد باعتبار أنه بلغه إلى الأمة.
المراد به: محمد رسول الله.
وتأمل أنه قال: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ، ولم يقل: وما محمد!
فكأنه قال: وَمَا صَاحِبُكُمْ الذي تعرفونه، وأنتم وإياه دائماً، فهو صاحب، فقد بقي فيهم أربعين سنة في مكة قبل النبوة، يعرفونه ويعرفون صدقه وأمانته، حتى كانوا يطلقون عليه اسم: (الأمين).
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ أي: ليس مجنوناً، بل هو أعقل العقلاء عليه الصلاة والسلام، أكمل الناس عقلاً بلا شك، وأسَدُّهم رأياً.
مرة في غار حراء .
ومرة في السماء السابعة، لما عُرِجَ به عليه الصلاة والسلام.
وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ : أيُّ رؤية هذه؟
هل هي الرؤية التي في غار حراء ، أم الرؤية التي فوق السماء؟
في غار حراء ؛ لأنه يقول: رَآهُ بِالأُفُقِ [التكوير:23]، إذاً: محمد في الأرض.
ثم قال: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [التكوير:26-27].
وندع الكلام على بقية السورة إلى جلسة أخرى؛ لئلا ينتهي بنا الوقت عن الأسئلة.
الجواب: رأينا أن هذا محروم غاية الحرمان، والإنسان إذا لم يدرك من صلاة الجماعة إلا التشهد فليس مدركاً لصلاة الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فمفهومه: أن من أدرك دون ذلك فليس مدركاً لها، فيجب أن يُنصح هذا الرجل ويُبَيَّن له الحق، لعل الله يهديه بذلك.
الجواب: ليس عليها صدقة؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] ولم يذكر الله الصدقة، فليس عليها الصيام.
السائل: وإذا كانت مصابة بمرض في القلب يمنعها من الحج، هل لي أن أحج عنها أم لا؟
الشيخ: فريضة؟
السائل: نعم.
الشيخ: إذاً: يصح.
السائل: عندي حِجَّة! أتعرف أحداً يأخذها؟
الشيخ: والله الآن لا أعرف أحداً؛ لكن مُرَّ عليَّ فيما بعد إن شاء الله، وإن وجدتَ أحداً فأعطِه إياها.
السائل: وهل يصح أن أحج عنها إذا صارت لا تقدر؟
الشيخ: نعم.
الجواب: الواجب عليها أن تتحرى الأيام التي أفطرتها وتصومها.
الجواب: إذا كانت هذه المرأة تعالِج بأشياء حسية معلومة فلا حرج؛ لأنه قد يكون عندها -مع التجارب والممارسة- علم بآثار هذا المرض وطبيعته، فإذا كانت تعطيكم أدوية معروفة محسوسة، فهذا لا بأس به.
الجواب: المراد بقوله: (ولا يكتوون) أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم، وكذلك (ولا يسترقون) أي: لا يطلبون من أحد أن يَرْقِيَهم.
أما إذا كواك إنسانٌ بدون طلب منك فإنك لا تخرج عن هؤلاء السبعين ألفاً.
الجواب: المواقعة في بلده؟
السائل: نعم. في بلده.
الشيخ: أولاً: عليه الإثم.
ثانياً: عليه أن يقضي هذا اليوم.
ثالثاً: عليه أن يكفر كفارة الجماع في نهار رمضان؛ لأن الرجل لا يجوز له أن يترخص برخص السفر إلا إذا غادر البلد، أما قبل مغادرة البلد فهو مقيم، فبلِّغه بهذا.
السائل: الإشكال أن هناك بعض الصحابة ورد عنهم أنهم أفطروا في نفس هذا الظرف؟
الشيخ: ورد عن أنس رضي الله عنه في الفسطاط أنه لما أراد أن يسافر والسفينة على الشاطئ أتى بسفرته وأفطر؛ لكن هذا خلاف ما عليه عامة الصحابة، والله عز وجل يقول: أَوْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:184].
وهذا الرجل إن كان طالبَ عِلْمٍ وفَهِمَ مِن هذا الحديث أنه جائز له فليس عليه شيء، مع أني أنا أرى أن الواجب على طلبة العلم الصغار ألا يتسرعوا في إفتاء أنفسهم؛ لأنهم ليس عندهم إدراك حتى يبحثوا مع العلماء.
السائل: يا شيخ! لو أنه ما كان لديه علم.
الشيخ: أرأيت لو اشتهى وهو لا يريد السفر، هل يُمَكَّن من ذلك؟! لا يُمَكَّن.
الجواب: إخراج الزكاة في الرواتب الشهرية إن كان الإنسان كلما أتاه الراتب أنفقه بحيث لا يبقى إلى الشهر الثاني فهذا ليس عليه زكاة؛ لأن من شروط وجوب الزكاة: تمام الحول.
وإن كان يدَّخر أعني مثلاً: ينفق نصف الراتب، ونصف الراتب يدخره فعليه الزكاة، كلما تم الحول يؤدي زكاة ما عنده؛ لكن هذا فيه مشقة؛ أن الإنسان يحصي كل شهر بشهره، ودرءاً لهذه المشقة: يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما عنده من المال، فمثلاً إذا كان يتم حول أول راتب في شهر محرم، فإذا جاء شهر محرم الذي يتم به حول أول راتب يُحصي كل الذي عنده، ويخرج زكاته، وتكون الزكاة لأول شهر واقعةً عند تمام الحول، وتكون لما بعده معجلة، والتعجيل جائز.
الجواب: النصاب بالنسبة للفضة (56) ريالاً من الفضة، أو ما يعادلها من الورق، ويُسألُ عن هذا الصيارفةُ، فيقال مثلاً: كم قيمة (56) ريالاً من الفضة من الورق، فإذا قالوا مثلاً: قيمتها (500) كان النصاب (500)، وإذا قالوا: أقلَّ أو أكثرَ فعلى حَسَبِه.
الجواب: قبل أن يبيعها ليس عليه فيها زكاة؛ لأنها ليست عروضاً.
وبعد بيعها تكون زكاتُه زكاةَ دَين، بمعنى: أنه إذا استوفى شيئاً أدَّى زكاتَه لِسَنَتِه، وإذا استوفى في السنة الثانية يؤدي زكاتَه لِسَنَتَين، وإذا انقضت السنة الثالثة يؤديه لثلاث سنوات، وهكذا.
الجواب: لا أعلم أنه ورد عن الرسول أنه يجعل سواكه لا في أذنه ولا بين أصابعه.
أما الحكم في هذه المسألة: فلا ينبغي أن يضعه بين أصابعه؛ لأنه يشغله، إذْ أنه يحتاج إلى مراقبة.
الجواب: لا. إذا تجشأ الإنسان أو تثاءب فليس له ذكر، خلافاً للعامة، فالعامة إذا تجشئوا يقولون: الحمد لله! والحمد لله على كل حال؛ لكن لم يرد أن التجشؤ سبب للحمد، كذلك إذا تثاءبوا قالوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا لا أصل له، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يفعل ذلك.
لكن قد يقول قائل: أليس التجشؤ نعمة، والنعمة يستحق الله عز وجل عليها الحمد؟
قلنا: بلى. هو نعمة؛ لكن لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يحمد الله إذا تجشأ، وإذا لم يرد فإنه ليس مشروعاً بناء على قاعدة معروفة عند العلماء، وهي: أن كلَّ شيء وُجِد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يفعله ففعلُه ليس بسنة؛ لأن فعل الرسول سنة وتركه سنة، فالتجشؤ موجود، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحمد الله عليه، إذاً: ترك الحمد هو السنة.
كذلك الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند التثاؤب قد يقول قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان)، وقد قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]!
قلنا: إن المراد بقوله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ [الأعراف:200] أنك إذا هممتَ بمعصية أو بترك واجب فاستعذ بالله؛ لأن الأمر بالفحشاء من الشيطان، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] فإذا حصل هذا النـزغ فاستعذ بالله.
أما التثاؤب فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدُكم فليَكْظِم ما استطاع، فإن عجز فليضع يده على فيه) ولم يقل: إذا تثاءب أحدكم فليستعذ بالله، مع أنه قال: (التثاؤب من الشيطان)، فدل هذا على أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب ليست بسُنَّة.
الجواب: الذهب المستعمل، أو الذي يُستعمَل ويُعار، أو الذي باقٍ لا يستعمل إلا عند المناسبات، كله فيه زكاة، على القول الراجح الصحيح.
وبعض العلماء يقول: المستعمل ليس فيه زكاة.
لكن الصحيح: أن فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وهو (85) جراماً، وأما ما دون ذلك فليس فيه زكاة، والدليل على وجوب الزكاة فيه: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار وأُحْمِي عليها في نار جهنم، فيُكْوَى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلما بَرَدَت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، ثم يَرَى سبيله؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار).
ونسأل الآن: المرأة التي عندها حلي هل هي صاحبة ذهب أو لا؟
كلنا يقول: إنها صاحبة ذهب، ويدل على العموم: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
أن امرأة جاءت إلى رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يد ابنتها مُسَكَتان غليظتان من ذهب -أي: سوارَين غليظين- فقـال لها: (أتؤدين زكاة ذلك؟ قالت: لا. قال: أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَك الله بهما سوارَين من نار؟! فخَلَعَتهما وأعطتهما النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله).
وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على ترك واجب.
وكذلك سألت إحدى أمهاتِ المؤمنين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن حلي عندها: (أهو كنز؟ قال: إذا بلغ أن تُؤَدَّى زكاتُه ثم زُكِّي فليس بكنز).
وقد يقول قائل: ما مقدار الزكاة؟! نحن عرفنا الآن أن الحلي من الذهب إذا بلغ النصاب ففيه الزكاة، فما مقدار هذه الزكاة؟!
نقول: مقدارها ربع العشر، أي: (2.5%) ففي الألف ريال تكون (25) ريالاً، وفي العشرة آلاف ريال تكون (250) ريالاً، وفي المائة ألف ريال تكون (2500) ريالٍ، فهي جزء يسير والحمد لله، وربما يكون هذا من بركته، وهو من بركته بلا شك؛ لأن الزكاة فيها أجر عظيم: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]، وفيها أيضاً بركة للمال، فإنه ما خالطت الزكاةُ مالاً إلا بَرَّكَتْه، وربما يُبارَك في هذا الحلي ويُوْقَى الآفات بسبب إخراج الزكاة منه.
هذا فضلاً على الأجر الذي يكتسبه الإنسان، فإذا أعطيتَ الآن من الحلي زكاته [25] ريالاً من الألف، أتظن أن هذه الخمسة والعشرين ريالاً غُرْماً وخسارة؟! لا. بل هو ربح، فالخمسة والعشرون ريالاً تكون يوم القيامة الريال بسبعة ريالات، ومع كل ريال (100) ريال، فيصير الريالُ (700) ريال، فتحصل يوم القيامة أجر سبعمائة ريال في كل ريال، بينما أنت في الدنيا توفِّر إن وفَّرت الخمسة والعشرين ريالاً في الألف ريال فربما يكون عدم إخراجك سبباً لضياع هذا الحلي، أو لتلفه، أو لتكسُّره، أو لسرقته، أو لاستعارة أحدٍ إياه ثم يجحده، أو ما أشبه ذلك.
فالذي أحب مِن إخواني المسلمين ألا يظنوا أن الصدقات أو الزكوات تذهب جفاءً، بل هي خير، فليس لك من مالك إلا ما أنفقته لله، والباقي سيكون لغيرك.
الجواب: التورُّك في الصلاة معروف؛ أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن وتتورَّك، أي: أنك تضع وَرِكَكَ على الأرض، وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه. فهنا اجتمع عندنا شيئان:
فعل سنة.
ودفع أذى عن المسلم.
فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟
دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل، يقول الله عز وجل فيها: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58].
ويقول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جارَه).
وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة)، أين هي الأذية؟! الأذية أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم.
ومِن ثَمَّ نعرف أن بعض الإخوة الذين يصلون بالمايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة ويشوِّش على المساجد التي حوله أنهم ليسوا على صواب، وأنهم إن لم يكونوا آثمين فليسوا غانمين، إذْ لا فائدة من رفع الصوت على المنارة، ما الفائدة منه؟! هل فيه فائدة؟! أبداً، ما فيه فائدة، فيه مدعاة للكسل؛ لأن بعض الناس الذين في البيوت يقولون: لِتَوِّهِ صَلَّى، لِتَوِّهِ بَدَأ، أَصْبِرُ حتى إذا بقيت ركعة ذهبت. ثم ربما يذهب إذا بقيت الركعة، ولا يدركها، ففيها مدعاة للكسل.
وفيها -أيضاً- أذية للجيران، فربما يكون بعض الناس مريضاً أو قلقاً كل الليل، فإذا أُذِّن للفجر صلى الفجر ثم رقد ليستريح، فيأتي هذا الصوت الكبير فيزعجه ولا ينام، فهذه أذية.
والمساجد الأخرى أيضاً تتأذى! بَلَغَنا أن بعض الناس لما كَبَّر المسجد الذي بجواره تابعه، وهذا إخلال بمتابعة إمامه، ما سببها؟! سببها هذا المايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة.
وبلغني عن بعض الناس قال: إن لنا مسجداً قريباً منا، قراءة إمامه جيدة، أداءٌ طيب، وصوت جميل، وإمامنا من الناس الذي تَمْشي حالُه، فكان إذا قرأ الإمام الذي بجوارنا تابعتُه، وأنصتُ لقراءته، وتركت إمامنا يسرح. فهذه أذية عظيمة.
وأنا دائماً أفكر وأقول: ما هي النتيجة التي نحصلها من وراء هذا؟! ثم لو فُرِض أن هناك مصلحة فإنها تقابلها الأذية، والرسول قال لأصحابه يخاطبهم؛ يخاطب أفضل القرون وخير القرون، قال: (لا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً) فجعل ذلك أذية، وصَدَق الرسول، إنها أذية.
فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ فإن الله تعالى يثيبه؛ لأنه يكون كمن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً).
السائل: بعضهم يشغل المايكروفون ليُسْلِم مَن أراد أن يُسْلِم!
الشيخ: يُسْلِم، هل نحن في دار كفر؟!
السائل: أو أنه يهتدي.
الشيخ: هذا إذا كان يريد أن يهتدي، وما سمعنا أحداً اهتدى بهذا أبداً.
مداخلة: وربما اختلط بالرياء!
الشيخ: والرياء الله أعلم! إذا كان الإمام قصده الرياء فهذا شيء آخر.
الجواب: يمكن أن يقرأ والإمام يقرأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الفجر ذات يوم وقد نوزِع القراءة، فسأل الصحابة، قال: (هل تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، فأنت تقرأ ولو كان إمامك يقرأ، وإذا كان الإمام له سكتة ولو يسيرة فيمكنك أن تقرأ فيها آية من الفاتحة وتكْمِل.
الجواب: لا تحج، بل تبقى في بيتها. أعني: إذا مات عنها زوجها وجاء وقت الحج وهي في العدة -في الإحداد- فإنها تبقى، وفي هذه الحال لا يجب عليها الحج؛ لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] وهذه المرأة لا تستطيع شرعاً.
السائل: وإذا كان معها محرم يا شيخ؟
الشيخ: نعم. تؤجل إلى السنة الثانية أو الثالثة.
الجواب: يجب أن نعلم أن القرآن وصحيح السنة لا يخالفان الواقع أبداً، فإذا وقع شيء يخالف ظاهر القرآن والسنة فاعلم أنك أخطأت في فهم الكتاب والسنة، وأن المراد بذلك معنىً لا يخالف الواقع.
الواقع الآن -كما تفضل الأخ- أن هناك إقبالاً شديداً ولله الحمد من الشباب على دين الله، ونسأل الله لهم الثبات وأن يوفقهم إلى الصواب؛ لكن هناك شر مستطير بالنسبة لكثير من الناس! هناك إقبال والحمد لله؛ لكن يوجد شر عظيم أيضاً، فالمنكرات الموجودة الآن في المسلمين هل كانت توجد من قبل؟!
ما كانت توجد، بل ما كنا نصدق أن إنساناً يشرب الخمر! والآن الخمر في بعض بلاد الإسلام يُباع علناً، ويوضع في الثلاجات كما يوضع الشراب الحلال!
وما كنا نظن أن شخصاً يلوط بمثله! والآن في بعض البلاد الإسلامية يُعْرَض الذكر على الإنسان كأنه امرأةٌ حلال!
والمخدرات المهلكات للأمم هل كنا نعرفها؟!
لا.
فالأمة الآن فيها خير كثير، وفيها شر، وإذا قارنت بين هذا وهذا فقد تقول: إن الخير أغلب إن شاء الله، وإذا لم يُرْدَع مِن قِبل أهل الشر فسَيَغلِب أهلُ الخير.
لكن المراد بالحديث: الوُلاة؛ لأن سبب ذكر أنس رضي الله عنه لهذا الحديث أن الناس جاءوا إليه يشكون ما يجدون مِن الحجاج، والحجاج بن يوسف الثقفي معروف، فقال لهم: (اصبروا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)، وهذا واقع بالنسبة للولاة، فما يأتي على الناس زمانٌ إلا وما بعده شر منه.
انظر الآن إلى البلاد الإسلامية، ولا سيما العربية التي نحن نعرف! فـمصر -مثلاً- لما كانت ملكية هل هي أحسن، أم بعد أن صارت جمهورية؟!
الأول أحسن بكثير، ثم الجمهوريات التي توالت عليها، كل جمهورية شر من التي قبلها!
وانظر إلى العراق ! ستجده كذلك!
وانظر إلى الشام ! ستجده كذلك!
فالناس بالنسبة للولاة لا يأتي زمان إلا وما بعده شر منه، في الظلم، والبُعد عن الدين، وقمع أهل الحق، وغير ذلك.
أعرفتَ الآن؟!
فصار المراد بذلك -فيما يظهر- هم الولاة؛ (لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه).
قَدْ يَرِدْ على هذا خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فإن الخلفاء قبله كانوا شراً منه، وهو خير منهم بلا شك، خيرٌ ممن سبقه، لا سيما القريبين منه، فيقال: هذا لا يخالف الحديث؛ لأن نصوص الكتاب والسنة أحياناً تأتي على الأغلب، ليس على كل عين وكل فرد.
الجواب: أولاً: ننصح مكاتب الاستقدام ألا تستقدم إلا مسلمين:- ألا يستقدم الكفار، لا من النصارى، ولا من غيرهم، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ).
وقال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ).
وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، حتى لا أدع إلا مسلماً).
كل هذه أحاديث صحيحة!
وأين نحن إذا وقفنا بين يدي الله عز وجل وكنا نستقدم هذه الجنود والجحافل العظيمة من غير المسلمين إلى بلاد نشأ فيها الإسلام، وهي مأوى الإسلام أولاً وآخراً؟! (الإيمان يأرِزْ إلى المدينة -أي: يرجع- كما تأرز الحية إلى جُحرها).
إذاً: بلادنا منشأ الإسلام ومَرَدُّ الإسلام.
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخَبَث) ومَن هم الخَبَث؟! أما تقرءون القرآن؟!
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] كل مَن سوى المسلم فهو نَجَس.
فإذا كثر الخَبَث سواء من العمال أو من العمل هَلَكَ الناسُ.
فنصيحتي لمكاتب الاستقدام: ألا يستقدموا إلا مسلماً.
قد يقولون: إن الاختصاص قد يكون في الكفار، ولا نجد من المسلمين رجلاً مختصاً بهذا العمل، أي: يُتْقِنُه!
فنقول: إذا قدَّرنا هذا، فلماذا يأتي عاملٌ في زراعة؟! أو يأتي عاملٌ فيكون راعياً؟ أو يأتي عامل فيكون في كناسة البلدية؟! هل هذا لا يعرفه المسلمون؟! أنا أسألكم! هل المسلم لا يُحسن هذا أم أنه يُحسن؟ يُحسن.
فعلى كل حال هذه نصيحتي للمستقدمين، وليعلموا أن الله سيسألهم يوم القيامة عما خالفوا به شريعته.
ثانياً: ألا يستقدم إلا إذا كانت هناك حاجة بيِّنة لهذا العامل :-
ولكن مع الأسف صار استقدام العمال الآن مُتَّجراً، صار الواحد يجلب من العمال ما يزيد على حاجته أضعافاً مضاعفة، ويَكُدُّهُم بالسوق، ويأخذ عليهم ضريبة؛ كل شهر كذا وكذا! وهذا حرام شرعاً، ومخالف للدولة نظاماً.
أما إذا توفر هذان الشرطان، وهما:
أن يكون مسلماً.
وأن يكون بقدر الحاجة.
ثم أخذ منه شيئاً لاستقدامه، وإذا لم يصلح له وردَّه ردَّ عليه ما أخذ فلا بأس؛ لأنه مما هو معروف أنه يكون بين العامل والمستقدم ثلاثة شهور تجربة، فإذا لم يصلح العامل ردَّ عليه ما أخذ، فأرجو ألا يكون به بأس.
أما إذا كان لا يردُّه فهذا يعني أنه ربح والعامل المسكين خسر، وقد يكون باع ما وراءه وما دونَه -كما يقولون- لأجل أن يعطي هذا القدر الذي طلبه المستقدم، ثم بعد أن يقعد شهراً أو شهرين يقال له: ارجع، ليس لك شيء.
وأزيد على هذا: أن بعض الكفلاء يكُدُّون المكفولين، ويأخذون منهم العمل الذي بينهم وبينهم، أو ربما أكثر، ثم لا يعطونهم الأجور، وكثيراً ما يأتينا عمال يبكون؛ لأنهم لا يعطَون أجوراً، ويموتون من الجوع، ويُجْعَلون في دور قديمة، ويُحشر العشرات في دار لا تتحمل إلا نصفَهم، وهذا حرام على الكفلاء، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حراً وأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً، فاستوفى منه ولم يعطه أجره).
فنصيحتي للكفلاء: أن يتقوا الله عز وجل في هؤلاء الفقراء، وأن يعطوهم حقهم، وألا يكلفوهم أكثر مما تم عليه العقد، وليعلموا أن الدنيا دولٌ، فلعلهم في يوم من الأيام يكونون كهؤلاء العمال، يذهبون إلى بلادهم مِن فَقْرٍ كما جرى من قبل، حيث كان الناس من قبل يذهبون إلى الهند والشام والعراق من الفقر، أفلا يمكن أن ترجع هذه الحال؟! أجيبوا!
بلى. يمكنها أن ترجع، فالله على كل شيء قدير.
فإذا كان الله أنعم علينا بهذه النعمة الآن -ولله الحمد- إن لم نشكرها زالت، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
ثانياً: أنا بعتُ لشخص سيارة، وبَقِيَت لي عنده (5000) ريال، وما زالت عنده من عدة سنين، ثم إن الشخص اختفى، وما أدري أين هو، فهل أزكي عنها أم لا؟
الجواب: أولاً: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه.
ثانياً: لا. فالدين الذي على معسر ليس فيه زكاة، إلا إذا قبضتَه فإنك تزكيه سنة واحدة، والآن ما دمتَ لا تعرف أين ذهب الرجل، فليس عليك زكاة.
ونختم هذه الجلسة بأن نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم ممن تحقق فيهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله به طريقاً إلى الجنة).
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر