أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثالث في شهر المحرم عام (1414هـ) الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، والذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيه الخير والبركة.
قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم فقربهم الله تعالى إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [المطففين:22-23] الأبرار: جمع بَرٍّ، والبَرُّ: كثير الخير .. كثير الطاعة .. كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فهؤلاء الأبرار الذين منَّ الله عليهم بفعل الخيرات وترك المنكرات في نعيم: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [المطففين:22] والنعيم هنا يشمل: نعيم البدن ونعيم القلب.
أما نعيم البدن: فلا تسأل عنه، فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71]، وقال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].
وأما نعيم القلب: فلا تسأل عنه أيضاً، فإنه يقال لهم وقد شاهدوا الموت قد ذبح: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويقال لهم: ادخلوها بسلام، ويقال لهم: إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وأن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وكل هذا مما يُدخل السرور على القلب فيحصل لهم بذلك نعيم القلب ونعيم البدن.
(والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) يقولون لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24] جعلني الله وإياكم منهم.
قال تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين:24] تعرف أيها الناظر إليهم (في وجوههم نضرة النعيم) أي: حسن النعيم وبهاءه، أي: التنعم.
وأنتم تشاهدون الآن في الدنيا أن المنعمين المترفين وجوههم غير وجوه الكادحين العاملين؛ تجدها نضرة، وحسنة، ومنعمة، فأهل الجنة تعرف في وجوههم (نضرة النعيم) أي: التنعم والسرور؛ لأنهم أسرُ وأنعم ما يكون.
الجواب: لله سبحانه وتعالى إرادة؛ وهذه الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية، وإرادة كونية، والفرق بينهما من وجهين:
الفرق الأول: أن الإرادة الكونية تتعلق بالتكوين والخلق سواء كان مما يحبه الله أو مما لا يحبه الله.
أما الإرادة الشرعية: فتتعلق بالشرع وتختص فيما يحبه الله، فلا يريد الله شرعاً إلا ما يحبه.
والفرق الثاني: أن الإرادة الكونية لا بد أن يقع فيها المراد، بخلاف الإرادة الشرعية، ويظهر ذلك بالمثال، يقول تعالى: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً [الرعد:11] قال الله تعالى: فَلا مَرَدَّ لَهُ [الرعد:11] لا بد أن يكون وإن كان سوءاً، فهذه إرادة كونية، أما الإرادة الشرعية كقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر [البقرة:185] فلا يمكن أن يريد منا ما هو عسير علينا، بل إذا تعسر الأمر شرعاً خُفف، فالمسافر يفطر، والمريض يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب.
وقد أراد الله تعالى من كل إنسان أن يكون مؤمناً تقياً، لكن أراد ذلك إرادة شرعية، ولهذا نجدها تتخلف، فمن الناس من لا يكون مؤمناً ولا تقياً.
الجواب: أما الأول وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) فهذا لا يدل على وجوب الطهارة من الحدث الأصغر؛ لأن عائشة رضي الله عنها حائض، والحائض لا يمكن أن تقوم بطوافٍ ولا غيره، ولا يمكن أن تمكث في المسجد، فالعلة ليست عدم الطهارة إنما العلة أنها حائض.
وأما أن الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من كلام ابن عباس رضي الله عنه مع أنه منتقض وليس مطرداً؛ لأن الطواف يخالف الصلاة في أكثر من الكلام:
1- الطواف ليس له تحريم ولا تحليل بخلاف الصلاة.
2- الطواف لا يبطله الضحك والصلاة يبطلها الضحك.
3- الطواف لا يبطله الأكل والشرب، والصلاة يبطلها الأكل والشرب.
4- الطواف لا يشترط فيه القراءة لا الفاتحة ولا غيرها، والصلاة يشترط فيها.
5- الطواف لا يشترط فيه استقبال القبلة -بل لا بد أن تكون الكعبة عن يساره- والصلاة يشترط فيها ذلك.
فهو يخالف الصلاة في كثير من المسائل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن يكون مطرداً لا ينتقض، فلما انتقض هذا الحديث بما ذكرت؛ عُلم أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم.
ثم إنا إذا قلنا: بأنه لا يشترط الوضوء لا يعني أننا نقول: إنه ليس بمشروع، بل هو مشروع وأفضل ولا شك، الإنسان يطوف على طهارة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الطائف سوف يصلي بعد الطواف ركعتين مباشرة ولا بد لهاتين الركعتين من الطهارة بالاتفاق.
وهذا الذي ذكرناه هو ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله ورجحه وقواه.
الجواب: الدم الكثير الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، سواء خرج من الأنف، أو من جرح، أو من الرأس، أو من أي مكان من البدن، إلا ما خرج من السبيلين، وذلك لأنه لا دليل على أن خروج الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء، والسبيلان هما: القبل والدبر.
الجواب: نعم. هذا من السحر المحرم لا شك، وقد قال الله تعالى في شأن سحرة آل فرعون لما ألقوا حبالهم وعصيهم أن موسى عليه الصلاة والسلام يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] خُيِّل له أنها حيات ملأت الأرض وأنها تسعى نحوه فخاف، فأمره الله أن يلقي عصاه فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الشعراء:45].
وهذا يكون سحراً للعيون، وإلا فلا تأثير له في خلق الله عز وجل، فهذه المناديل التي أدخلها ليست إلا منديلاً واحداً، والورقة التي أدخلها وأخرجها نقوداً ليست إلا الورقة الأولى، لكنه سحر أعين الناس.
الجواب: ذكر أهل العلم أن التابع للجنازة إن كان راكباً فالأفضل أن يكون خلف الجنازة، وإن كان ماشياً فالسنة أن يكون خلفها أو يمينها أو شمالها.
والأمر في هذا واسع والعلماء قالوا: إن الركبان يكونون خلف الجنازة في عهدهم؛ لأن الناس كانوا يركبون على الإبل أو على الحمير أو ما أشبهها.
أما الآن فالأولى للركبان إذا كانوا في السيارات أن يكونوا أمامها؛ لأن وجودهم خلف المشيعين يزعجهم وربما يزعج المشيعين فيسرعوا إسراعاً فاحشاً يخشى على الميت مع قوة الرجِّ أن يخرج منه شيء، فلهذا أرى أن الركبان في السيارات في الوقت الحاضر يكونون أمام الجنازة، فإن لم يتيسر لهم ذلك فليكونوا خلفها بعيداً عن المشاة لئلا يزعجوا المشاة، والأمر بالنسبة للمشاة واسع؛ إن كانوا عن أمامها أو خلفها أو يمينها أو شمالها.
أما الدعاء للميت برفع الصوت عند الدفن فإنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) ولو كان الدعاء بصوت جماعي سنة لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك لأصحابه؛ لأن دعوته لهم أبرك وأقرب للإجابة، ولكن يقال للناس: كلٌ يدعو بنفسه لهذا الميت إذا دفن، فيستغفروا له ويسألوا الله له التثبيت ويكفي مرة واحدة، لكن إن كررها ثلاثاً فهو خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا؛ دعا ثلاثاً.
الجواب: صلاة الضحى أول وقتها إذا ارتفعت الشمس قيد رُمح، وهذا يكون بنحو ربع ساعة بعد طلوع الشمس، وينتهي وقتها قبيل الزوال، أي: إذا دخل وقت النهي، وذلك قبل زوال الشمس بعشر دقائق تقريباً.
وهذه الصلاة من الصلوات التي ينبغي أن تصلى في آخر وقتها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الأوابين حين ترمضُ الفِصال) أي: حين يزداد حرُّ الشمس، لكن قبل الزوال بنحو ربع ساعة هذا هو الأفضل، وإذا كان لا يتيسر للإنسان هذا الوقت لكونه مشغولاً بوظيفةٍ أو دراسةٍ أو تجارةٍ، فإنه يصليها إذا ارتفعت الشمس قيد رمح؛ أي: بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة.
الجواب: الطواف الذي يدخل فيه الإنسان بين الحجر والكعبة طواف ناقص؛ لأن الواجب أن يكون الطواف بجميع الكعبة مع الحجر؛ لقول الله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] وإذا كان طوافاً ناقصاً لم يكن عليه أمر الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.
وبهذا يتبين أن طواف هذين الشخصين -الرجل وزوجته- طواف غير صحيح وأوصيك أن تخبرهما: أنه يجب عليهما الآن فوراً أن يلبسا ثياب الإحرام وأن يذهبا إلى مكة فيطوفا بنية العمرة، ويسعيا ويقصرا أو يحلق الرجل وتقصر المرأة وبذلك يحلان من إحرامهما هذا هو الواجب عليهما الآن.
وأما ما ارتكباه من فعل المحظور وهو صادر عن جهل منهما فلا إثم عليهما ولا فدية؛ لقول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
السائل: لقد عرفا أن العمرة باطلة، ومع ذلك يرتكبان كثيراً من المحظورات بعد علمهما أنها باطلة؟
الشيخ: هذا عن جهل أيضاً؛ لأنهما ظنا أنها بطلت وحلا منها، كما أن الصلاة إذا بطلت خرج الإنسان منها، فهو أيضاً صادر عن جهل، لكن لو علما أنها باطلة وأنهما لا زالا محرمين ما فعلا شيئاً من المحظورات.
السائل: فضيلة الشيخ: هل تكون العمرة القادمة بنية القضاء للأولى؟
الشيخ: هي تكميل للأولى وليست قضاء؛ لأنهما لا يزالان الآن محرمين، لا يجوز لهما الطيب ولا أي شيء من محظورات الإحرام، ولذلك يجب عليك الآن أن تتصل بهما على الهاتف وتخبرهما بذلك، هذا واجب عليك، وواجب علينا، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا نسيت فذكروني).
الجواب: رواية أحاديث الصفات بالمعنى أخشى أن يكون الراوي من أهل التعطيل، فيروي الحديث بالمعنى الذي هو يعتقده، مثل أن يتحدث عن نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا والحديث: (ينـزل ربنا إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فيقول هذا الراوي بالمعنى معتقداً أن معنى الحديث: ينـزل ملك من الملائكة فيقول: كذا وكذا، ثم يروي هذا الحديث على ما يعتقد هو من معنى، فيحصل بهذا ضلال كبير.
فرواية الحديث بالمعنى من أهل البدع لا تجوز بالنسبة لأحاديث الصفات؛ لأنهم ربما يروونها على ما يعتقدون من البدع، فيحرفون الكلم عن مواضعه لفظاً ومعنىً.
الجواب: رأينا أنه لا شيء عليه، فهذا الرجل الذي أحرم قارناً ثم طاف وسعى رأى الناس يقصرون فقصَّر لا بنية التحلل واستمر على إحرامه، فليس عليه شيء؛ لأن غاية ما حصل منه أنه قص شعره جاهلاً، ففعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً، ومحظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه.
الجواب: نقول: هذه دعوى، والدعوى لا تقبل إلا ببينة، وهي صادرة إما من شخص لم يطالع كتب الشيخين ولم يستوعب ما كتباه في التوحيد، وإما من شخص له غرض بهذا الكلام يريد أن ينال من قدر هذين الشيخين اللذين منَّ الله بهما على العباد.
وشيخ الإسلام رحمه الله له كلام كثير في توحيد الربوبية مع الفلاسفة وغيرهم، وله كلام كثير في توحيد الألوهية، بل له كتب مستقلة في ذلك، مثل: رسالة العبودية ، كلها في تحقيق توحيد الألوهية، وكذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له في هذا وهذا، ولكن لما كانت الصولة في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لأهل الكلام وكان جلُّ كلامهم في الصفات وما يتعلق بها؛ صار أكثر ما كتب في هذه الناحية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لما كان في عهده صولة للشرك في العبادة صار أكثر ما كتب في توحيد العبادة.
الجواب: الواجب على الإنسان أن يؤدي الزكاة فوراً، كما أن الدَّين لو كان لآدمي وجب عليه أن يؤديه فوراً إذا لم يؤجل وكان قادراً على تسليمه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) وقوله: (اقضوا الله فالله أحق بالقضاء) وعلى هذا فالواجب على الإنسان أن يبادر بدفعها، لكن إن كان من عادة الناس أن تأخذ زكاتهم الحكومة، وأخرها خوفاً من أن تأتي الحكومة وتطالبه بها فهذا لا حرج عليه، ينتظر حتى يأتي مبعوث الحكومة ويسلمها له.
الجواب: إذا انتقل ملك المال الزكوي قبل تمام الحول، فإن كانت عروض تجارة كما قبضه المالك الأول يزكيه مع أمواله، مثال ذلك: إنسان عنده أرض للتجارة فباعها قبل حلول زكاته بشهرين، فإنه إذا حلت الزكاة يجب عليه أن يؤدي زكاة الدراهم التي باع بها هذه الأرض، أما لو باعها بدراهم ثم اشترى بالدراهم سكناً له قبل تمام الحول فإنه لا زكاة عليه.
أما الثاني الذي انتقلت إليه، فينظر: هل انتقلت إليه على وجه تجب فيه الزكاة مثل أن يكون اشتراها للتجارة فهذا ينبني حولها على حول ماله الذي عنده قبلها، وإن كان اشتراها ليبني عليها ويسكنها فإنه لا زكاة عليه.
الجواب: أولاً: أنا لا أرى أن نسمي هذه الإجازة عطلة؛ لأنه ليس في أيام الإنسان المسلم المؤمن عطلة، بل ولا غير المؤمن، كلٌ يعمل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] نعم هي عطلة من الدراسة النظامية لكن لو سميت بدلاً من العطلة إجازة فهذا جيد.
ثانياً: بالنسبة لما سألت: هل الأفضل للأساتذة أن يذهبوا يميناً وشمالاً ليساعدوا إخوانهم أو يتفرغوا لطلب العلم، أو لتوجيه الشباب، أو للدعوة إلى الله؟ فهذه تختلف باختلاف الناس وباختلاف الحاجات، فالرجل الذي هو وعاء علم حفظاً وفهماً وإدراكاً نقول له: الأفضل أن تبقى في طلب العلم؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد : لا يعدله شيء، فهو أفضل من الجهاد في سبيل الله إذا لم يتعين الجهاد؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة:122] أي: وبقي طائفة، (لِيَتَفَقَّهُوا) أي:الطائفة الباقية، فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] فجعل الله سبحانه وتعالى البقاء للتفقه في الدين معادلاً للخروج للجهاد في سبيل الله وهو أفضل منه؛ لأن الجهاد يُحتاج إليه في بعض الأوقات دون بعض، والناس محتاجون للعلم في كل شئون الحياة: في العبادات، والأخلاق، والمعاملات.
أما الجهاد في سبيل الله فالناس محتاجون إليه إما للدفاع عن دينهم وأوطانهم الإسلامية، وإما لأن تكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الجهاد إما دفاع وإما هجوم، لكنه في جانب خاص من الحياة، وأما العلم فهو في جميع الجوانب، قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صلحت نيته.
أما الرجل الذي ليس وعاءً للعلم ولو جلس في الحلقات لا يفهم ولا يدرك شيئاً لكنه بصير بأحوال الجهاد قوي البدن قوي العزيمة، فالأفضل أن يخرج ويجاهد، وأما رجل ثالث لا يقوى على هذا ولا على هذا لكنه عنده إقناع وأسلوب في الدعوة والموعظة؛ يجلب القلوب ببيانه وموعظته، ويرقق القلوب ويدمع العيون، فنقول لهذا: تجوَّل وادع الناس في البلاد؛ لأن بلادنا محتاجة إلى طلبة علم ودعاة ليفقهوا الناس ويعلموهم، فإن كثيراً من أطراف البلاد -كما بلغنا- عندهم جهل كثير وهم يحتاجون إلى طلبة علم يعلمونهم.
فلقد سافر بعض الطلبة في الإجازة الربيعية إلى جهة الجنوب، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً -بهؤلاء الطلبة- وصاروا يلاحقونهم في كل مكان، يتلقون منهم ويأخذون منهم، هذا وهم طلبة، فكيف إذا ذهب من هو أعلى منهم شأناً؟ سيكون له فائدة كبيرة بلا شك.
أما بالنسبة للشباب فإني أنصح الشباب أن يحرصوا على حفظ أوقاتهم وألا يتعودوا على الكسل والخمول، وأن يلزموا أهل الخير الذين يوجهونهم توجيهاً سليماً ويحفظون عليهم دينهم وأخلاقهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك أو يبيعك أو تجد منه ريحاً طيباً، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
فنصيحتي للشباب أن يحرصوا على أن يصطحبوا أهل الخير وأهل العقول وأهل التأني والتروي، وليحذروا من قرناء السوء، فإن قرناء السوء كالنار تحرق الثوب شيئاً فشيئاً حتى تأتي إلى الجسد فتأكله، وعليهم أن يلتحقوا بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال مأمنون ديناً وخلقاً وفكراً وتوجيهاً، أو يلتحقوا بحلقات تحفيظ القرآن لعلهم في هذه الإجازة يحفظون شيئاً من كتاب الله، فإن أفضل كتاب وأحق كتاب بالعناية هو كتاب الله عز وجل، ونسأل الله للجميع التوفيق، وأن يجعلنا ممن حفظ أوقاته فيما يرضي الله عز وجل.
الجواب: استعمال (لو) أو (لولا) على أقسام:
القسم الأول: أن تكون لمجرد الخبر، فهذه لا بأس بها ولا حرج فيها، مثل أن تقول: لولا أني مشغول لزرتك، وهذه ليس فيها شيء إطلاقاً؛ لأنها مجرد خبر، إن كان صدقاً فهو صدق وبر، وإن كان كذباً فله أحكام الكذب.
القسم الثاني: أن تكون للتمنّي، فهذه حسب ما يتمنّاه الإنسان، إن تمنى خيراً فخير، وإن تمنى شراً فشر، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الفقير الذي قال: لو عندي ما لفلان لعملت به مثلما عمل، وكان فلان يعمل بماله في الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته فهما في الأجر سواء) والثاني قال: لو أن لي ما لفلان لعملت به مثلما عمل فلان، وكان فلان يعمل في ماله بالشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته فوزرهما سواء).
القسم الثالث: أن تكون للندم على ما فات وللتحسر، فهذه منهي عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فهذه أقسام (لو) كما رأيت.
الجواب: إسناد الشيء إلى سببه ينقسم إلى أقسام:
الأول: قسم يكون شركاً أكبر، مثل أن يقول: لولا الولي فلان لهلكت، والولي فلان مدفون مقبور لا ينفع أحداً شيئاً، ولا يصدر هذا القول إلا من شخص يعتقد أن للولي المدفون تصرفاً في الكون، فيكون شركاً أكبر مخرجاً عن الملة.
الثاني: جائز، وهو أن يضيف الشيء إلى سببه المعلوم شرعاً أو المعلوم حِساً، فهذا جائز لا بأس به، مثل أن تقول: لولا أن فلاناً توضأ لم تصح صلاته، هذا صحيح وواقع لو لم يتوضأ لم تصح صلاته، هذا السبب الشرعي.
ومثال السبب الحسي: أن يدخل رجل في بئر فيخرجه رجل آخر فيقول: لولا فلان أخرجني لهلكت، هذا أيضاً صحيح، لكن لا يعتقد أن فلاناً هو الذي استقل بإخراجه لكن يسره الله له فأنقذه.
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب حيث أُخبر أن عمه أبا طالب في ضحضاح من النار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، قال صلى الله عليه وسلم: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) وهو كثير في كلام العلماء إضافة الشيء إلى سببه المعلوم حساً أو شرعاً.
الثالث: أن يضيفه إلى السبب مع الله مقروناً بالواو، فهذا لا يجوز؛ بل هو من الشرك لكنه شرك أصغر، إلا أن يعتقد أن الثاني الذي مع الله له تصرف كتصرف الله فهذا شرك أكبر، مثل أن يقول: لولا الله وفلان لحصل كذا وكذا، فهذا لا يجوز حتى وهو يعتقد أن الله فوق كل شيء، بل يقول: لولا الله ثم فلان، أما إن اعتقد أن الله وفلاناً سواء في التأثير فهذا شرك أكبر.
وأهم شيء في هذا التقسيم الثلاثي أن الإنسان إذا قال: لولا كذا لكان كذا، إذا كان خبراً فإنه لا بأس، أو إذا كان مستنداً إلى سببٍ صحيح فإنه لا بأس بذلك.
الجواب: صومه غير صحيح ويجب عليه القضاء؛ لأنه عندما نوى الفطر أفطر، أما لو قال: إن وجدت ماءً شربت وإلا فأنا على صومي ولم يجد الماء فهذا صومه صحيح؛ لأنه لم يقطع النية ولكنه علّق الفطر على وجود الشيء، ولم يوجد الشيء فبقي على نيته الأولى.
السائل: كيف نرد على من يقول: إنه لم يقل أحد من العلماء: إن النية من المفطرات؟
الجواب: نقول للذي قال هذا: إنه لا يعرف عن كتب أهل العلم شيئاً -كتب أهل العلم في الفقه والمختصرات- ففي زاد المستقنع يقول: ومن نوى الإفطار أفطر.
وأنا يا إخواني أحذركم من غير العلماء الراسخين المعروفين بالتقدم في العلم، وأحذركم منهم إذا قالوا، فلم يعلم قائلاً بذلك، أو لم يقل أحد بذلك؛ لأنهم قد يكونون صادقين؛ لأنهم لا يعرفون كتب أهل العلم ولم يطالعوها، ولا يعرفون عنها شيئاً، فلذلك هذا الذي تقول: إنه لم يقل أحد بذلك مع إنه في مختصرات الفقه: (من نوى الإفطار أفطر)، ثم لو فرضنا إنه لم يوجد في كتب أهل العلم أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات)؟ بلى، قال ذلك، فإذا كان يقول: (إنما الأعمال بالنيات) وهذا الرجل نوى الإفطار هل يفطر؟ نعم. يفطر.
الجواب: نقول له: أولاً: أثبت ما ادعيت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته أن يؤذن ويقيم.
ثانياً: إذا ثبت أنه أمره بذلك فإنا نقول: لعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بذلك؛ لأن هذا الرجل قدم المدينة بعد أن أذّن الناس ولم يسمع الأذان، وقد كان بعيداً في البر مثلاً، ونحن نقول: إذا كان الإنسان وصل إلى المدينة وكان الأذان قد حصل وهو في البر ولم يسمع الأذان وليس في بلد حتى نقول: أذان الناس يكفيه فهذا نأمره بأنه إذا جاء فدخل المسجد أن يؤذن لكن أذاناً خفيفاً لا يسمعه إلا من معه فقط لئلا يشوش.
وأما إذا كان في البلد فإن أذان الناس يكفيه، ودليل هذا: الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) لم يؤذن ولم يأمره بالأذان.
والحاصل أن نقول: إذا جاء الإنسان وقد فاتته الصلاة فإن كان في البلد فأذان المسلمين يكفيه؛ لأن الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة وقد حصل، وإن كان خارج البلد كمسافر قدم البلد ووجد الناس قد صلوا فهنا نقول: يشرع أن يؤذن، لكن الأذان يكون بقدر ما يسمعه من معه لئلا يشوش على الناس.
وأما الإقامة فهي سنة حتى لمن فاتته الصلاة وهو في البلد؛ لأن الإقامة إعلام بقيام الصلاة، فكل من أراد الصلاة المفروضة فإنه يقيم.
وإلى هنا انتهى المجلس بحلول الأذان ونحن الآن نتكلم عن الأذان، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر