أما بعد:
فهذا اللقاء الثاني لشهر جمادى الأولى عام (1414هـ)، الذي يقام أسبوعياً في كل خميس، نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعل عملنا جميعاً خالصاً لوجهه الكريم.. نذكر الكلام على قول الله تبارك وتعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق:1-4].
أما السماء فهي معروفة، وأقسم الله سبحانه وتعالى بها لعظمتها وقوتها واتساعها وارتفاعها، ودلالتها على قدرة خالقها جل وعلا، وما له من العظمة والقوة والحكمة التي تبهر العقول، قال الله تبارك وتعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47]، وقال تعالى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً [النبأ:12]، وقال تعالى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء:32] والآيات في ذكر السماء وما تتضمنه من الدلالة على قدرة الله وقوته وعظمته وحكمته كثيرة في كتاب الله، ولهذا كانت جديرة بأن يقسم الله تعالى بها.
أما القسم الثاني فهو الطارق، أقسم الله تعالى بالطارق وهو النجم، وسمي طارقاً لأنه لا يتبين إلا بالليل، والطارق في اللغة العربية هو القادم ليلاً، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً)، فسمي النجم بذلك؛ لأنه لا يتبين ضوؤه إلا في الليل، وليس هذا الوصف خاصاً بالثريا ولكنه عامٌ لكل نجم، سواء كان نوره قوياً أو كان نوره خفياً، وأقسم الله تعالى بالنجوم لأنها زينة للسماء، ورجوم للشياطين التي تسترق السمع، وعلامات يهتدى بها كما قال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5] وقال تعالى: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:15-16].
فبالنجم يهتدي الخلق إلى الجهات الأربع؛ الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، ويهتدون أيضاً إلى اتجاه القبلة، كما يعرف ذلك من يمارس هذا الاستدلال، وإن كان الناس في عصرنا هذا -نظراً لوجود الآلات التي تبين هذا بدون كلفة ولا مشقة- قد غفلوا عن هذه العلامات، ولكنها لا تزال موجودة يعرفها من تتبعها وشاهدها وسبر سيرها.
فالمؤمن إذا علم أن عليه حافظاً يكتب ما يقول ويفعل؛ فإنه لا شك يحذر ويخاف أن يكتب عليه ما يفعله من المعاصي والمخالفات، كما قال الله تبارك وتعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18].
الجواب: الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحداً من أبنائه أو بناته شيئاً إلا إذا أعطى الآخرين مثله؛ لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النعمان بن بشير عطية، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على عطية ابنه، فقال له: (ألك بنون؟ قال: نعم. قال: أنحلتهم مثل هذا؟ قال: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال له أيضاً: (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فلا يجوز للأب أن يخص أحد أولاده من بنين أو بنات بشيء إلا إذا أعطى الآخرين مثله، أو إذا سمحوا وطابت نفوسهم عن اختيار ورضا وهم راشدون، فإن هذا أيضاً لا بأس به، وإلا إذا كان عطاء لدفع حاجة النفقة أو حاجة الزواج، مثل أن يكون أحدهم غنياً ولا يحتاج إلى نفقة أبيه، والثاني فقيراً يحتاج إلى نفقة أبيه، فينفق على هذا الفقير بقدر حاجته، فإن ذلك جائز وإن لم يعط الآخر الغني، وكذلك لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوجه؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوج الأول.
وبهذه المناسبة أشير إلى مسألة يفعلها بعض الناس، وهي: أنه يكون له أولاد بلغوا سن الزواج فيزوجهم، ويكون له أولاد صغار ولم يبلغوا سن الزواج، فيوصي لهم بعد الموت بمقدار ما أعطى إخوتهم، فإن هذه الوصية حرام وباطلة، وذلك لأن تزويجه للكبار كان دفعاً لحاجتهم، وهؤلاء الصغار لم يبلغوا سناً يحتاجون فيه للزواج، فإذا أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوج به الآخرين فإن ذلك حرام ولا يصح ولا تنفذ الوصية.
أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضاً لكونه بنى لأبيه بيتاً، فإنه ينظر إذا كان الأب منحه هذه الأرض ونيته بذلك مكافأة على بناء البيت، أي أنه من الأصل لم يقبل تبرع ابنه ببناء البيت إلا بمكافأة، فكافأه بهذه الأرض وهي تقابل بناء البيت؛ فإن هذا لا بأس به، كما لو اشترى منه حاجة وأوفاه ثمنها.
وأما إذا كان الأب قد قبل تبرع الابن ببناء البيت، ولم يكن يخطر على باله أن يكافئه؛ فإنه لا يحل له أن يعطيه أرضاً دون إخوته، وإذا قدر أنه أعطاه فإنه يجب عليه في حياته أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه، أو يرد الأرض وتكون من جملة المال الذي يورث من بعده، فإن مات قبل ذلك فإن سمح الأولاد بهذه العطية فهي ماضية نافذة، كما لو سمحوا بها في حياته، وإن لم يسمحوا بها فإنها ترد في الميراث، وتورث من جملة ماله، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا مات الأب قبل أن يردها فإنها تكون لمن أعطيت له، ويكون بذلك آثماً، ولكن ما ذكرناه أولاً، وهو أنه يجب على المعطى أن يردها إذا لم يسمح إخوته بذلك هو الصواب؛ إبراءً لذمة الميت، وإحلالاً للمال من جهة الحي.
الجواب: الساعات المطلية بالذهب لا يحل لبسها للرجال إذا كان الذهب كثيراً، بحيث يجتمع منه شيء لو عرضت على النار، ويعرف هذا الصاغة.
أما إذا كان مجرد لون فلا بأس بلبسها للرجال، لكني أنصح بعدم لبسها؛ لأنه إذا لبسها اتهم بأنه يلبس الذهب، وصار ذلك سبباً للقدح فيه، أو إذا كان ممن يقتدى به فإنه ربما يغتر به أحد ويلبس ساعات الذهب الخالصة.
الجواب: العذر بالجهل ثابت بالقرآن والسنة؛ لقول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تبارك وتعالى: قد فعلت، ولقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] أي: ما تعمدت قلوبكم فعله على وجه مخالفة الشرع.
وكذلك في السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة قضايا تدل على العذر بالجهل، منها ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء.
ومنها: حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، حين أصبح صائماً فكان يأكل، وكان قد وضع تحت وسادته عقالين أحدهما أبيض والثاني أسود، وجعل يأكل حتى تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود، فأمسك، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بذلك بياض النهار وسواد الليل، وليس بياض الخيط الذي هو الحبل الأبيض من الأسود، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
ثم إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] وهذا يدل على أنه إذا لم يكن ثمة رسل فإن لهم الحجة على الله، وكذلك لو كان لهم رسل ولكن لم يعلموا بذلك؛ لأنه لا فرق بين ألا يكون له رسول، وبين أن يكون له رسول لم يعلم به، وقال الله تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59] والآيات في هذا المعنى عديدة.
ولهذا نقول: كل إنسان فعل شيئاً محرماً جاهلاً به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة؛ لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته.
ولكن يبقى النظر إذا فرط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاوناً، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث، فهذا قد يكون آثماً، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً، ولهذا كان القول الراجح.. أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن، وكان لا يصوم رمضان ظناً منه أنه ليس بواجب، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظناً منه أن الجماع حلال، فإنه ليس عليه قضاء؛ لأنه جاهل، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها.
فالخلاصة إذاً: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق.
الجواب: نعم. هو عيب لا شك؛ لأن الإنسان ينفر من هذا، ولا يمكن أن يركن إلى زوجته إلا أن يشاء الله، وهو عيب سواء في الرجل أو في المرأة، حتى الرجل لو كان به بهاق، وتزوجت المرأة منه غير عالمة به؛ فإنه عيب لها أن تفسخ النكاح به، ولكن إذا كان هذا البهاق مما يمكن معالجته؛ فإن الأولى والأفضل الصبر حتى ينظر هل يبرأ بالمعالجة أو لا يبرأ؛ لأن الفراق والطلاق ليس بالأمر السهل، أما إذا تعذر برؤه فإنه عيب.
والحاصل أن البهاق عيب يثبت به الفسخ سواء كان في الرجل أو في المرأة، ولكن إذا كان في الرجل فللمرأة الفسخ، فتطلب أن يفسخ النكاح فتفسخ النكاح وتتزوج غيره، لكن إذا كان في المرأة فالرجل معلوم أنه يجوز أن يفارق زوجته بالطلاق، لكن فائدة قولنا إنه له الفسخ: أنه إذا فسخ من أجل هذا العيب فله أن يسترد الصداق ممن غره.
وأما من جهة الإثم فالرجل يأثم والمرأة تأثم إذا كان فيهما هذا العيب أو غيره من العيوب التي تمنع كمال الاستمتاع ولم يخبر صاحبه، فإن كتمانه لا شك أنه محرم، وهو من الغش الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله.
الجواب: أولاً: بارك الله فيك، اعلم أن الأصل في المعازف أنها حرام ومنها الطبول، ولا يحل منها إلا ما ورد الشرع به، والذي ورد به الشرع هو الدف، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرتاده إلا النساء، يضربن بالدف؛ والدف هو عبارة عن شيء مدور كالصحن، ويكون أحد جانبيه مستوراً بالجلد الذي يكون له الصوت، أي: أنه مفتوح من جانب ومختوم بالجلد من جانب، هذا هو الذي وردت به السنة.
أما الرقص للرجال فإنه لا يجوز؛ لأن الرقص من عادات النساء وليس من عادات الرجال، وأما اللعب بالسلاح بالبنادق والسيوف وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طبول فهذا لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مكن الحبشة أن يلعبوا في وسط مسجده صلى الله عليه وسلم برماحهم، لكن بدون رقص.
الجواب: ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ثلاث مراحل، فقال: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [النساء:34]، وهذا أول ما يبدأ به الإنسان امرأته حين يخاف نشوزها، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] هذه المرحلة الثانية، وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] هذه المرحلة الثالثة، فإذا لم يفد بها الهجر فإنه يضربها، لكن ضرباً غير مبرح، أي: غير مؤلم ولا موجع؛ لأن المقصود هو التأديب، ولكن لا يلجأ إلى الضرب إلا في الحالات القصوى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر أن يجلد الرجل امرأته جلد العبد ثم يضاجعها؛ لأن هذا شيء غير مستساغ بمقتضى الطبيعة، فكيف تألف المرأة رجلاً ضربها قبل ساعات ثم الآن يضاجعها! هذا بعيد في النفوس والفطر، لهذا لا يلجأ إلى الضرب بعد الهجر الذي لم يفد إلا في حالة الضرورة القصوى، فإن صلحت الحال بعد الضرب وإلا فيُحَكَّم حكمان: حكم من أهله وحكم من أهلها، ويصلحا بينهما، ويجب على هذين الرجلين أن يتقيا الله عز وجل، وأن يأخذا بالعدل، وأن يريدا الإصلاح، وقد قال الله تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً [النساء:35] أي: الزوج والزوجة والحكمان: يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].
الجواب: تلاوة القرآن تلاوة لكلام تكلم الله عز وجل به.
أما إذا أردتُ أن أقسم فقلتُ: والسماء والطارق إن فلاناً حضر..كان هذا حراماً؛ لكن إذا تلوته فأنا أُخبر بما أقسم الله به، لكن لو أردتُ أن أقسم من جديد وأقول: والسماء والطارق إن فلاناً حضر..كان هذا حراماً؛ لأن الحلف بغير الله شرك، لكن إذا تلوته فأنا أخبر بما أقسم الله به.
الجواب: أولاً: الحديث الثاني الذي ذكرت في صحته نظر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قدر أنه صحيح فإن هذا لا ينافي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر) لأن هذا خبر، والسبّ يقصد به اللوم والعيب والعتب على المسبوب، ومعنى كونه خبراً: أن الدنيا ليس فيها خير، لا هي ولا ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم، وفرق بين الخبر والإنشاء، وأما السب ففيه إنشاء، إنشاء اللوم والقدح للمسبوب، وأما الخبر فهو خبرٌ عن حال الشخص أو عن حال الشيء، كقول لوط عليه الصلاة والسلام: ((هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ )) [هود:77]، هو لم يُرد أن يسب هذا اليوم ويقدح فيه، لكنه أراد أن يخبر بأنه يوم شديد عليه، فيجب الفرق بين الإنشاء والقدح والذم وبين مجرد الخبر، وهذا حسب نية الإنسان، لكن الغالب في قول القائل: لا بارك الله في هذا اليوم، وقول القائل: لا بارك الله في الساعة التي أتت بك، هذا في الغالب يراد به السب، فلينتبه اللبيب للفروق الدقيقة.
الجواب: نحن نقول في هذا الأمر قاعدة مفيدة وهي: إن الشيء لا يثبت حكمه إلا عن طريق الوحي، أو عن طريق التجارب، ففي قوله تعالى عن النحل: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل:69] علمنا بأن فيه شفاء عن طريق الوحي، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء: (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت) عرفنا ذلك عن طريق الوحي.
والطريق الثاني: التجارب، وهذا يكون معلوماً بالحس، والمعلوم عند الناس بالتجارب أن الجرح قد يتأثر بنوع من الطيب ليس بكل الأطياب، وهذا الشيء عندهم مجرب متعارف، وأنه بمجرد ما يحصل هذا الطيب عند المريض بالجروح تتفطر الجروح وتتورم، كما لو علمنا -مثلاً- أن تناول هذه الأعشاب مسهل للبطن أو موجب للقبض بالتجارب، فكل الأدوية الآن المصنوعة والموجودة عند الناس التي لم ينزل فيها وحي، كلها علمت بالتجارب، فالذي أعرف أن الجروح تتأثر ببعض الأطياب، والدليل على هذا أنهم يحتاطون، فيشرب الإنسان شيئاً من المر أو يضعه في أنفه، حتى لا تدخل الرائحة إلى مسام البدن.
فما علمنا أنه سبب حسي فإنه لا بأس أن نعتمده سبباً، وليس هذا من الشرك، أما الذي يكون بمجرد الأوهام فهذا لا أثر له، ولا يجوز أن نعتمده سبباً.
ثم إننا نلاحظ ظاهرة التسول في المساجد، فما موقفنا بالنسبة للمتسولين.. هل نمنعهم منعاً باتاً، أو نكون على حذر منهم، أو نتبين حالهم؟ ما هو التحقيق في هذا أدام الله النفع بكم؟
الجواب: هذان سؤالان:
الأول: عن غسل الجمعة، والقول الصحيح في غسل الجمعة أنه واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) ونحن نعلم أن أبلغ الناس في التعبير وأفصحهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يطلق على شيء ليس بواجب أنه واجب، ونعلم أيضاً أن أنصح الناس في بيان مراده وهداية الخلق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقول: (واجب) وهو يريد غير واجب؛ لأنه لو أراد أنه غير واجب صار في هذا تلبيس على المخاطب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك مبرأ منه، وهو أشد وأنصح الناس للخلق، ثم إنه قيده بوصف يقتضي الإلزام وهو قوله: (على كل محتلم)، أي على كل بالغ، والبالغ هو أهل الإلزام؛ لأن غير البالغ لا يلزم بشيء، فالصحيح أنه واجب.
وأما ما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) فهذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا قلنا: إنه واجب؛ فإنه يأثم بتركه، ولكن هل تصح الجمعة مع تركه؟ الجواب: نعم. تصح مع تركه؛ لأن هذا الغسل ليس عن جنابة حتى نقول: إن الجمعة لا تصح، ويدل لصحتها قصة عثمان رضي الله عنه حين دخل وأمير المؤمنين عمر يخطب الناس يوم الجمعة، فلامه على ذلك فقال: [والله -يا أمير المؤمنين!- ما زدت على أن توضأت ثم أتيت. فقال له
أما موضوع التسول، فالواقع أن الناس يفسد بعضهم على بعض، فمن المتسولين من يتسول -والعياذ بالله- وهو في غنى، وهذا يصدق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم) فإذا علمت أنه غني وجب عليك أن تطرده، وأن تبين للناس غناه حتى لا يغتروا به، وإذا غلب على ظنك أنه غني فلا تعطه، وانصحه، وإذا شككت في الأمر فكِلْ أمره إلى الله، ولا يلزمك أن تقابله بشيء.
ولكن يبقى النظر أن من المتسولين من يقوم أمام الجماعة، ويتكلم بصوت مرتفع، ويشوش على الناس أذكارهم بعد الصلاة، وقد يستمر في الكلام حتى يشوش بكلامه على من أراد أن يتنفل، فمثل هذا يُمنع ويقال له: اخرج إلى باب المسجد من الخارج.
الجواب: لا بأس أن تؤجرها هؤلاء، وانصحهم بالبعد عن المعاصي التي تراها منهم وعن ترك الجماعة، وإذا قلنا: لا بأس بالنسبة للتأجير فلا بأس بالأجرة، وربما نقول: إذا كان في عدم تأجيرهم ردع لهم عن المعاصي وحث لهم على الصلاة مع الجماعة، فقد يقال بمنع تأجيرهم من أجل إصلاح حالهم.
الجواب: تحل لك هي وأخواتها مادام الرضاع مرتين، فالرضاع إذا كان مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً فإنه لا يؤثر، وإذا صار خمساً، ورضعت أنت من جدتك خمس مرات صرت أخاً لخالاتك، فيكون بنات خالاتك محرمات عليك؛ لأنك خالهن من الرضاع.
الجواب: الذي يرى المنكر ويكرهه بقلبه، ولا يستطيع أن ينكره بلسانه فإنه معذور ويكفي هذا، ولكن إذا أنكره بقلبه فإنه لا يجوز له أن يبقى مع هؤلاء الفاعلين؛ لأن الله تعالى قال: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140].
وما يفعله بعض الجهال من بقائه مع أهل المنكر الذين يفعلون المنكر بين يديه؛ كشرب الدخان، أو يلعبون أشياء محرمة، ويقول: أنا أكره هذا بقلبي، نقول: هذا لا يكفي، إذا كنت تكرهه بقلبك حقاً فإن قلبك سوف ينفر منه، وإذا نفر القلب فإن الجوارح سوف تنفر منه أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب) فعلى هذا نقول: إذا كرهته بقلبك ولم تستطع أن تنكره بلسانك؛ وجب عليك أن تغادر المحل، وإذا كنت تستطيع الإنكار بلسانك وجب عليك ذلك وإلا كنت آثماً.
الجواب: أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع فيها دينان) فالمعنى: لا تقام شعائر الكفر في جزيرة العرب ، أي: لا تبنى الكنائس، ولا ينادى فيها بالناقوس وما أشبه ذلك، وليس المعنى أنه لا يتدين أحد من الناس في نفسه فقط، بل المراد أنه لا يكون لهم كنائسُ أو معابدُ أو بِيَعٌ كما للمسلمين مساجد.
وأما قوله: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ) فالمراد منها السُّكنى، وأما الأجراء وما أشبه ذلك فلا يدخلون في هذا؛ لأنهم ليسوا قاطنين بل سيخرجون.
وأما إبقاء الرسول صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فيها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبقهم إبقاءً مطلقاً عاماً، بل قال: (نقركم فيها ما شاء الله -أو قال-: ما شئنا) أي: إلى أمد، وهذا الأمد كان لانتهائه سبب، وذلك في عهد عمر رضي الله عنه، حيث اعتدوا على عبد الله بن عمر وعلى الرجل الذي بات عندهم، ولم يفوا بما عليهم؛ فطردهم عمر رضي الله عنه.
الجواب: هذا غلط منك، فإن أعدت صلاتك الآن أربعاً فهو أحسن، ولا تتعود هذا الشيء، ما دام مأموم بك يصلي الظهر دعه يقضي، وإذا قضى صلاته تصلي أنت وهو صلاة العصر، الرجل ربما نعذره بالجهل في هذه المسألة، لكن كونه الآن ما بقي عليه إلا مدة يسيرة ويسأل الناس في نفس الوقت.
السائل: تقضى قصراً أم أتم؟
الشيخ: لا. تقضى تمام! لأنك دخلت على أنك متم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر