أما بعد:
فهذا هو اللقاء السابع والخمسون من اللقاءات التي تتم في يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ذي القعدة (1414هـ)، وحيث إنه آخر لقاءات هذا الشهر، وآخر اللقاءات قبل موسم حج هذا العام، فإننا سنتكلم الآن على صفة المناسك.
المناسك ثلاثة أنواع:
النوع الأول: التمتع.
النوع الثاني: القران.
النوع الثالث: الإفراد.
وأفضلها التمتع، ثم القران، ثم الإفراد.
فالتمتع: أن يحرم الإنسان عند الميقات بالعمرة، فإذا وصل مكة طاف وسعى وقصر، ثم حل حلاً كاملاً، وفي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة يحرم بالحج.
أما القران: فهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً عند الميقات، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، وسعى للعمرة والحج، وبقي على إحرامه لا يحل منه إلا يوم العيد.
أما الإفراد: فهو أن يحرم عند الميقات بالحج مفرداً، فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج، وبقي على إحرامه إلى يوم العيد.
وبهذا عرفنا الفرق بين الأنساك الثلاثة، فالتمتع بين العمرة والحج يحل فيه الحاج حلاً كاملاً، وينفرد كل نسك منهما بأفعاله انفراداً تاماً عن الآخر، ففي العمرة طواف وسعي وتقصير، وفي الحج طواف وسعي وحلق أو تقصير.
أما القران: فإنه يبقى على إحرامه إلى يوم العيد وليس بين العمرة والحج حل، وليس على القارن إلا سعي واحد وطواف واحد، وهو طواف الإفاضة. وأما طواف الوداع فهو واجب على الجميع، ولا فرق في الأفعال بين القران والإفراد؛ لأن كل واحد منهما يحرم من الميقات، وإذا وصل مكة طاف وسعى وبقي على إحرامه إلى يوم العيد، فليس بين القارن والمفرد فرق من حيث الأفعال، أما من جهة الأجر فالقارن أفضل من المفرد؛ لأنه يحصل على نسكين: حج وعمرة، ويحصل على أجر الهدي، إذ أن الهدي واجب على القارن كالمتمتع.
فإذا وصل مكة طاف طواف العمرة، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي في الباقي، ويسن -أيضاً- أن يضطبع بردائه، والاضطباع: هو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيكون الكتف الأيمن مكشوفاً والكتف الأيسر مستوراً، وهذا الاضطباع يكون في الطواف فقط، وإذا فرغ من الطواف أزاله.
عند ابتداء الطواف يستلم الحجر الأسود ويقبله، فإن لم يتيسر استلمه وقبل يده والاستلام هو مسحه، وإن لم يتيسر استلامه أشار إليه وعندئذ يقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره ويستمر في الطواف، وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، إلا ما يقال عند الحجر الأسود وبين الركن اليماني والحجر الأسود، يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
فإذا وصل في الشوط الأول إلى الركن اليماني مسحه بدون تقبيل، فإن لم يتيسر له المسح لم يشر إليه؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذى الحجر الأسود في المرة الثانية، فإنه يكبر فقط ولا يقول: باسم الله والله أكبر... إلخ؛ لأن ذلك إنما يكون في ابتداء الطواف فقط.
فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً [البقرة:125]، وصلى ركعتين يخففهما، ويقرأ في الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] بعد الفاتحة، وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] بعد الفاتحة، فإذا فرغ منهما لم يجلس للدعاء ولا لغيره، بل يقوم ليخلي المكان لغيره ممن يريد أن يصلي خلف المقام.
ويتجه إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] يقرأها قبل أن يصعد إلى الجبل، ولا يقرأها إلا في هذا المكان فقط، إذا أقبل على الصفا أو المروة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأها بعد ذلك.
فإذا صعد الصفا استقبل القبلة ورفع يديه ليدعو، فيكبر ثلاثاً ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده). ثم يدعو بما أحب، ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو المرة الثانية، ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).
ثم ينـزل متجهاً إلى المروة -يمشي كعادته- حتى يصل إلى العمود الأخضر وحينئذ يسعى -أي: يركض ركضاً شديداً- حسب ما تيسر له، إذا كان السعي متيسراً وكان المسعى غير مزدحم، فإذا كان مزدحماً بالساعين فليحرص على عدم إيذاء غيره، فيستمر في الركض إلى أن يصل إلى العمود الأخضر الآخر، ثم يمشي مشياً عادياً، فإذا وصل إلى المروة صعدها، واستقبل القبلة، وقال مثلما قال على الصفا .. هذا هو الشوط الأول.
والشوط الثاني: هو الرجوع من المروة إلى الصفا ، وهكذا حتى يتم سبعة أشواط، فيكون مبتدئاً بـالصفا منتهياً بـالمروة، فلو فرض أن إنساناً زعم أنه أكمل سعيه وأنهاه بـالصفا، فهو إما أنه زاد شوطاً أو نقص شوطاً، فإذا فرغ من السعي قصر، بأن يقص شعر رأسه، ويكون القص من جميع الجوانب وليس من جانبين أو ثلاثة أو أربعة فقط، بل يعم جميع الرأس، وبهذا يحل من إحرامه تحللاً كاملاً ويحل له جميع محظورات الإحرام.
ويبقى متحللاً إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، فإذا كان ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة اغتسل وتطيب برأسه ولحيته، ولبس ثياب الإحرام وأحرم بالحج، وقال: لبيك اللهم حجاً، فإن كان في منى فهو في منى ، وإن لم يكن في منى ذهب إليها وبقي فيها بقية يومه الثامن إلى أن يصلي الفجر يوم التاسع، فيصلي في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، ويكون قاصراً صلاته غير جامع، بل يصلي الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب في وقتها ثلاث ركعات، والعشاء في وقتها ركعتين والفجر ركعتين.
فإذا طلعت الشمس ارتحل متجهاً إلى عرفة، وإن تيسر له أن ينزل في نمرة -وهي موضع قرب عرفة وليس من عرفة- فلينزل به، وإن لم يتيسر استمر حتى يصل إلى عرفة وينزل فيها، فإذا زالت الشمس أذّن وصلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين جمع تقديم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتفرغ لاستماع خطبة إمام مسجد نمرة أو مسجد عُرنة، والاستماع الآن متيسر بواسطة الإذاعة ولله الحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة قبل أن يصلي الظهر والعصر، فلما فرغ أمر بلالاً فأذّن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.
وبعد ذلك يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن، وليحرص على الإلحاح في دعاء الله عز وجل في آخر النهار؛ لأنه موطن إجابة، فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، وفي هذا اليوم إن شاء يركب السيارة ويدعو الله سبحانه وتعالى وهو راكب على سيارته فهو أحسن إن تيسر، وإن كان بقاؤه في الأرض أخشع له وأحضر لقلبه فهو أفضل، فما كان أخشع له وأحضر لقلبه فهو أفضل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على راحلته راكباً.
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة ، فإذا وصل أذّن فصلى المغرب، ثم صلى العشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم يبقى في مزدلفة حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر جلس يذكر الله سبحانه وتعالى ويدعوه، فإن تيسر أن يكون عند المشعر الحرام -أي: عند المسجد الموجود في مزدلفة الآن- فهو أفضل، وإلا فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) أي: مزدلفة.
فإذا أسفر جداً وقبل أن تطلع الشمس سار إلى منى ، حتى يصل إلى جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي مكة ، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، فإذا أتم سبع حصيات ذهب إلى المنحر فنحر هديه، ثم حلق رأسه، وبهذا يحل التحلل الأول، فيلبس الثياب ويتطيب، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسمى طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة، وليس في هذا الطوف رمل؛ لأن الرمل إنما يكون في طواف القدوم، وليس فيه اضطباع؛ لأن الإنسان قد لبس ثيابه والاضطباع يكون بالرداء.
ثم يرجع بعد ذلك إلى منى فيبيت فيها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ذهب إلى الجمرات ليرميها، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً حتى لا يصيبه الحصى، وحتى لا يؤذيه زحام الناس، فيقف متجهاً إلى القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً كما جاءت بذلك السنّة، وكذلك في الوسطى يفعل كما فعل في الأولى، أما جمرة العقبة فإذا رماها انصرف إلى خيمته.
فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر فعل مثلما فعل في اليوم الحادي عشر في رمي الجمرات، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى ، وإن شاء بقي إلى يوم الثالث عشر، والتأخر أفضل؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن فيه زيادة خير، فيه زيادة المبيت ليوم الثالث عشر وزيادة الرمي، وكل هذا عمل صالح، لكن الله يسر، لعباده فمن شاء تعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمرات، ومن شاء تأخر وهو الأفضل.
فإذا أراد أن يرجع إلى بلده فلا يخرج حتى يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ثم ينصرف إلى بلده.
هذه خلاصة أفعال الحج والعمرة، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وليُعلم أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين أساسيين: هما: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكون المتابعة إلا إذا عرفت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي المناسك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) وقد أخذ الصحابة عنه المناسك -ولله الحمد- ونقلوها إلى الأمة تامّة، فنسأل الله تعالى أن يجزيه عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وأن يجزي صحابته رضي الله عنهم خير ما جزى صحابياً من أصحابه، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: فيه ست وقفات: وقفة على الصفا ، ووقفة على المروة ، ووقفة في عرفة ، ووقفة في مزدلفة ، ووقفة بعد رمي الجمرة الأولى، ووقفة بعد رمي الجمرة الثانية في أيام التشريق.
الجواب: يجوز هذا لمشقة الزحام في النهار، وأما من كان قوياً لا يتأثر بالزحام فإن الأفضل أن يبقى إلى أن يصلي الفجر ويسفر جداً، ثم يدفع إلا أن يكون معه نساء، فيدفع من أجلهن فلا بأس.
الجواب: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمِ إلا بعد الزوال، وقال: (خذوا عني مناسككم).
الجواب: أما رمي جمرة العقبة يوم العيد فقد عُلم أنه يجوز أن يدفع في آخر الليل من مزدلفة، وإذا وصل إلى منى قبل أن يطلع الفجر فليرم ولا حرج عليه.
الجواب: لا يجوز ذلك، بل يجب أن يرمي كل يوم في يومه إلا لعذر، كما لو كان مكانه بعيداً في أقصى منى ، ويشق عليه أن يتردد يومياً إلى الجمرات فلا بأس أن يجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً من أجل حاجتهم.
الجواب: الأفضل ترتيبها هكذا، وإن قدم بعضها على بعض فلا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس يسألونه في يوم العيد في التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج).
الجواب: الإقامة بين ظهراني المشركين لا شك أنها ضرر، وأن الإنسان يعرض نفسه للفتنة والشر، ولكن إذا كان في الإقامة خير أكبر مثل أن يذهب هناك ليدعو الناس إلى دين الله أو ليعلم أبناء المسلمين العقيدة الصحيحة فإن هذا لا بأس به؛ لأن المصلحة هنا أكبر من المفسدة المتوقعة، على أنه يمكن أن يُحمل الحديث (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين) على أن المراد بذلك من لم يتمكن من إظهار دينه، وأما من تمكن من إظهار دينه فإنه لا يدخل في الحديث، لكن الأولى أخذه على العموم، فإذا كانت إقامته أنفع للإسلام والمسلمين فلا حرج.
الجواب: إذا كانت السماعات كما ذكر تحت الأقدام أو عند حذاء الأقدام، فإنه لا يفتحه على القرآن الكريم؛ لأن كون القرآن الكريم يسمع من تحت قدم الإنسان لا شك أن فيه إهانة للقرآن، وإذا كان الإنسان لا بد أن يستمع إلى القرآن فليرفع السماعة عن محاذاة الأقدام.
الجواب: عدل الخلفاء الراشدون إلى الأمر بالإفراد تأولاً منهم رضي الله عنهم، حيث رأوا أن الناس إذا تمتعوا وأخذوا الحج والعمرة في سفرٍ واحد بقي البيت ليس له من يعمره بالطواف والسعي؛ لأن الأسفار في ذلك الوقت كانت شاقة، فيصعب على الإنسان أن يتردد إلى البيت، فإذا حصل لهم عمرة وحج في سفر واحد واقتصروا على ذلك بقي البيت في بقية السنة مهجوراً، فرأوا أن الإفراد أفضل من أجل أن يبقى معموراً طوال السنة، وتأولوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أجل أن تزول العقيدة الفاسدة التي كانت في الجاهلية، وهي أن أهل الجاهلية يقولون: لا يمكن العمرة في أشهر الحج، ويقولون: إذا انسلخ صفر، وبرئ الدبر، وعفا الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر. أي: لا تعتمر إلا بعد أن تمضي مدة بعد الحج، والقصد في ذلك أن يبقى البيت دائماً معموراً، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في منسكه: إذا أفرد العمرة في سفر؛ فإن الإفراد أفضل بلا خلاف. هكذا قال رحمه الله.
ولعله أخذه من عمل الخلفاء الراشدين، لكن في النفس من هذا شيء، فيقال: التمتع أفضل مطلقاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به وحتم فيه، ولم يقل: إلا من أتى بعمرةٍ من قبل، فلما لم يستثنِ عُلم أن التمتع أفضل، وأن ما ذهب إليه الخلفاء الراشدون إنما هو على سبيل التأويل، ولكن الأخذ بعموم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أولى.
الجواب: السلفية: هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية.
وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهجٍ حزبي فلا شك أن هذا خلاف السلفية ، فـالسلف كلهم يدعون إلى الاتفاق والالتئام حول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضللون من خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون أن من خالفهم فيها فهو ضال، أما في المسائل العملية فإنهم يخففون فيها كثيراً.
لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام، وهذا هو الذي يُنكر ولا يمكن إقراره، ويقال: انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون! انظروا طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يُسوغ فيه الاجتهاد، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة، وفي مسائل عقدية، وعملية، فتجد بعضهم مثلاً يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وبعضهم يقول: بلى، وترى بعضهم يقول: إن التي توزن يوم القيامة هي الأعمال، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي توزن، وتراهم أيضاً في مسائل الفقه يختلفون كثيراً، في النكاح، والفرائض، والبيوع، وغيرها، ومع ذلك لا يضلل بعضهم بعضاً.
فـالسلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ويضلل أفراده من سواهم فهؤلاء ليسوا من السلفية في شيء.
وأما السلفية اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً وتراحماً وتواداً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) فهذه هي السلفية الحقة.
الجواب: نعم. يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح، فإذا استغني عن شيء بالمسجد كفراش أو دولاب أو غيره نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء وأنفقنا ثمنها على المسجد، أما إذا كان من الأوقاف فإن الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو الأصلح.
الجواب: لا بأس إذا دخل رجل بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر وقد فاتته الصلاة أن يقوم معه آخر فيصلي معه ويتصدق عليه، فالقاعدة: أن كل صلاة نافلة لها سبب فليس فيها وقت نهي، كتحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الاستخارة في أمر يفوت قبل زوال وقت النهي، والصدقة على إنسان دخل بعد صلاة الفجر وما أشبه ذلك.
الجواب: إذا كان مرضها لا يُرجى شفاؤه أطعم عنها عن كل يوم مسكيناً؛ لأن كل إنسان يأتيه رمضان وهو في مرض لا يرجى منه الشفاء فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً.
الجواب: معنى السؤال أن الشخص إذا سعى للحج يوم العيد وأخر طواف الإفاضة إلى الخروج حتى يكفيه عن طواف الوداع فهل يجوز؟
نقول: لا بأس بهذا؛ لأن الترتيب بين السعي والطواف في الحج ليس بواجب، والدليل على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف يوم العيد وجعل الناس يسألونه عن التقديم والتأخير فما سُئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج).
كذلك أيضاً: لو أنه أخر الطواف والسعي إلى حين خروجه فإنه لا بأس؛ لأن السعي بعد الطواف لا يمنع أن يكون آخر عهده بالبيت، لكن يجب عليه إن أخر طواف الإفاضة إلى الخروج أن ينوي به إما طواف الإفاضة فقط وإما طواف الإفاضة والوداع، أما أن ينوي به طواف الوداع فقط فإنه لا يجزئ عن طواف الإفاضة؛ لأن الذي يؤخر طواف الإفاضة الذي هو طواف الحج إلى الخروج إما أن ينويهما جميعاً فهذا له ما نوى، أو ينوي طواف الإفاضة فقط فهذا يكون طواف إفاضة ويسقط به طواف الوداع، وإما أن ينوي طواف الوداع فهذا يحصل له طواف الوداع ولكن لا يجزئه عن طواف الإفاضة وحينئذٍ يرجع وهو لم يستكمل حجه، فلينتبه لهذا.
الجواب: النائب يقول: لبيك عن فلان. ويجب على النائب أن يتمتع؛ لأن التمتع هو أفضل الأنساك، وكل إنسان وكل في شيء فالواجب عليه اتباع الأفضل، إلا إذا اختار موكله خلاف ذلك؛ لأن الوكيل مؤتمن ويجب عليه فعل الأصلح.
الجواب: نقول: إن الأفضل أن يذبح الهدي بنفسه، أو يوكل مسلماً ويحضر ذبحه لأجل أن يأخذ منه شيئاً يأكله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين أهدى مائة بعير أمر من كل بعير بقطعة فجعلت بقدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها، وهذه مسألة للأسف يغفل عنها الكثيرون، وأما ما يتعلق بالإجابة على سؤال السائل: فإن الذبح يجزئ، ما دام وكل إنساناً أو جمعية معتمدة وموثوقاً بها.
الجواب: هذا ليس بصحيح؛ لأن النحر ليس له علاقة بالتحلل، فلو لم تنحر إلا في اليوم الثالث حللت، ولهذا لو رمى وحلق وطاف وسعى حل التحلل الأول كله وإن لم يكن ذبح الهدي؛ لأن النحر لا يجب على كل حاج، إنما يجب على المتمتع والقارن، ولهذا لم يتعلق به التحلل.
الجواب: هذا الذي قتل إنساناً خطأً ومات ليس عليه شيء؛ لأنه لم يتمكن من الفعل، وقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286].
الجواب: الأفضل في ركعتي الطواف أن تكون خلف المقام، لكن إذا كان المطاف مزدحماً ووصل الطائفون إلى المقام فلا يجوز أن تصلي في المكان الذي يحتاج إليه الطائفون؛ لأن في ذلك إيذاءً لهم وتضييقاً عليهم، ويحصل لك انشغال وتشويش، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الإنسان وهو مشغول البال، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ومدافعة الناس الطائفين وأنت تصلي أشد من مدافعة الأخبثين، وفي هذه الحالة نقول: صلِّ في أي مكان في المسجد، لكن الأفضل أن تجعل المقام بينك وبين الكعبة ولو كنت بعيداً.
الجواب: هذا الفعل لا يجوز؛ لأن كون الإنسان يأتي بعمال ويجعلهم في هذا الدكان يعملون ويأخذ منهم كل شهر خمسمائة ريال أو أقل أو أكثر محرم؛ لأنه ظلم لهؤلاء العمال، فالعامل قد يحصل على خمسمائة في الشهر وقد لا يحصل، ثم فيما أظن أنه مخالف لنظام ولاة الأمر، وولاة الأمر تجب طاعتهم فيما نظّموه ما لم يكن هناك معصية.
الجواب: إذا لم يكن فيه مضرة فلا بأس به، وأما تصوير سباق الخيل فقد يكون فيه مصلحة وهي الاهتمام بالخيل وركوبها، وهو أمر مشروع.
الجواب: يخرج الثلث للوصية ويصرف فيما قاله الموصي، ثم يقسم الباقي على ورثته هكذا؛ للزوجة الربع، وللأخت من الأب النصف، والباقي لأبناء أخيه.
السائل: وإذا كان أوصى أن ينفق باقي الثلث على الفقراء والأقارب وليس له أقارب، فأين ينفق الباقي؟
الشيخ: على فقراء المسلمين.
الجواب: أولاً: بارك الله فيك السنة تطلق على الواجب والمستحب، وكونها تطلق على المستحب فقط اصطلاح من الفقهاء، ولهذا قال أنس بن مالك: [من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعاً، ثم دار] -أي: قسم بين الزوجتين- والسنة هنا بمعنى الواجب.
وسئل ابن عباس عن الرجل يصلي وهو مسافر ركعتين، فإذا صلى خلف الإمام صلى أربعاً، قال: [سنة نبيكم أو قال: تلك هي السنة] مع أن إتمام المسافر خلف من يصلي أربعاً واجب.
فإذا كان أحد العلماء عبر أنها سنة وهو من العلماء السابقين فيعني أنها واجبة، أي: أن إعفاء اللحية واجب، أما من عبَّر بأنها سنة من المتأخرين بعد الاصطلاح الذي اصطلحه الفقهاء فهو يعني أنها سنة لا يأثم تاركها، أي: أن إعفاء اللحية سنة لا يأثم به، لكن هذا القول مرجوح وضعيف، والصواب أنها سنةٌ واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فيكون حلقها من هدي المشركين، وهدي المشركين واجب الاجتناب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).
الجواب: لا بأس إذا شك الإنسان هل رمى بسبع أو بأقل فيرمي احتياطاً حتى يطمئن أنه رمى بسبع حصيات وقعت في الحوض، المقصود أن تقع الحصيات في الحوض، فليحرص الإنسان أن يكون قريباً من الحوض بقدر المستطاع.
الجواب: إذا رميت جمرة العقبة يوم العيد وحلقت فقد تحللت التحلل الأول.
الجواب: الصحيح أن الحج مشروع كل سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب فيه وقال: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) لكن إذا كنت تخشى الفتنة من تكرار الحج؛ وذلك بما يحدث من مشاهدة النساء والمزاحمة الشديدة بين الرجال والنساء وقد أديت الفريضة فهنا قد يقال: ترك الحج أفضل، واصرف الدراهم التي كنت تريد الحج بها في أعمال البر والصدقات، وذلك لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
أما الرجل الذي يحج ويؤدي الحج بتؤدة وبأدب شرعي ويمكن أن يستفيد الناس من علمه أو عمله وخلقه فهذا يشرع له أن يحج كل عام.
الجواب: الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تحج إلا بمحرم، حتى وإن كانت من أهل مكة؛ لأن ما بين مكة وعرفات سفر على القول الراجح؛ ولهذا كان أهل مكة يقصرون مع النبي صلى الله عليه وسلم في المشاعر.
الجواب: إذا قلنا: إنها واجبة أثم، ولكن الصحيح أنها ليست بواجبة، بل هي سنة مؤكدة إلا للمأموم، فإنه لا يتخذ السترة؛ لأن سترة الإمام سترة له، وعلى هذا فلا يأثم المصلي إذا صلى دون سترة.
الجواب: لا شك أن منهج السلف هو الصبر على أذى الحكام، والدعاء لهم، وإقامة الجُمع والأعياد معهم، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية : من طريقة أهل السنة والجماعة إقامة الجُمع والأعياد والحج والجهاد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً.
وكما كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يعاملون الأمراء بما يقتضيه الحال من الدعاء لهم وسؤال الهداية لهم، وعدم إفشاء معايبهم أمام الناس، فالسكوت على الخطأ غلط، ونشر الخطأ غلط، والصواب بين هذا وهذا، كما هو في جميع الأشياء، هو الوسط، والوسط خير: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67].
أما مسألة كونه يخرج عن السلفية أو لا يخرج فهذا شيء آخر، إنما الكلام على أن مذهب السلف هو الصبر على الأمراء والدعاء لهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وتسكين الأمور، بل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) ففي هذه المسألة التي وقع السؤال عنها خرج هذا الرجل عن مذهب السلف في معاملة الحكام، لكن قد يكون على مذهب السلف من وجه آخر.
وهذه المسألة من أخطر ما يكون على العامة وعلى ولاة الأمور وعلى الجميع؛ لأن الناس إذا شحنت قلوبهم ببغض ولاة الأمر فسدوا وصاروا يتمردون على أمره ويخالفونه، ويرون الحسنة منه سيئة، وينشرون السيئات ويخفون الحسنات، وإذا زيد على ذلك التقليل من شأن العلماء فسد الدين أيضاً، فتمرد الناس على الأمراء اختلال للأمن، وتمرد الناس على العلماء فساد للشريعة؛ لأن الناس إذا لم يثقوا بعلمائهم بشريعة الله فبمن إذاً يثقون بالجهال؟! أو كل واحد من الناس يركب رأسه ويفتي نفسه بنفسه وهذا لا يستقيم.
الجواب: إن أتى بعمرة ثانية وحل منها ثم أحرم بالحج صار متمتعاً بالعمرة الثانية، أما إذا لم يأت بعمرة ثانية فإنه لا يكون متمتعاً بالعمرة الأولى؛ لأنه رجع إلى بلده، والمتمتع إذا رجع إلى بلده ثم عاد محرماً بالحج صار مفرداً؛ لأنه فصل بينهما بفاصل الإقامة في بلده، فأنشأ للحج سفراً جديداً وهذا هو المشهور أو المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أصح.
الجواب: الرد يكون من وجهين:
الوجه الأول: ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سئل عن فسخ الحج مفرداً أو قارناً إلى العمرة ليصير متمتعاً، قيل له: ألكم خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل لنا خاصة.
الوجه الثاني: أن القائل بالوجوب ليس أعلم من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا أفقه في دين الله منهما.
فإذا قال قائل: أما الأول فإنه معارض عن قول أبي ذر بأن سراقة بن مالك بن جعشم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحلوا واجعلوها عمرة قال: ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل لأبد الأبد) وهذا يدل على أنه ليس خاصاً بالصحابة، قلنا: نخرج من هذا بأن مراد أبي ذر رضي الله عنه: الوجوب للصحابة خاصة، وأما بقية الناس فهو للاستحباب.
وبهذا نجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره بالتمتع وبين قول الخلفاء الراشدين بأن الوجوب في حق الصحابة؛ لأنهم الذي وُجِهوا بالخطاب، ومعصيتهم للرسول تؤدي إلى أن من بعدهم يعصيه من باب أولى؛ لأنهم أسوة، ثم إن الإشكال الذي يوجد عند الناس في ذلك الوقت، أنه لا يجمع بين العمرة والحج في سفرٍ واحد قد زال بتحلل الصحابة رضي الله عنهم فزال سبب الوجوب.. هكذا الجواب.
والصحيح أن التمتع أفضل وليس بواجب.
الجواب: يجوز للإنسان المقيم أن يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، وإذا سلم من صلاة المغرب أتى بالركعة الباقية.
الجواب: أرى أن هذه البضاعة التي عليها صور اللاعبين تهجر وتقاطع؛ لأننا نسأل: ما فائدة الإسلام والمسلمين من بروز هذا اللاعب وظهوره على غيره؟
أعتقد أن كل إنسان سيكون جوابه بالنفي: لا فائدة من ذلك، فكيف نعلن عن أسماء هؤلاء وننشر صورهم وما أشبه ذلك؟!
وكان الذي ينبغي أن يعدل عن هذا إلى مناصحة اللاعبين بالتزام الآداب الإسلامية: من ستر العورة، والمحافظة على الصلاة في الجماعة، وعدم التنافر فيما بينهم، وعدم التشاتم، وألا يستولي عليهم تعظيم الكافر إذا نجح في هذه اللعبة على غيره، هذا الذي ينفع. فأرى أن تهجر هذه البضاعة وتقاطع، ثم إن الغالب أن هذه الشركة لم تضع الجوائز إلا لأنها تعرف أنها ستربح أضعافاً مضاعفة بالنسبة لما وضعت.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل البصيرة في دين الله عز وجل، وأن يحمي بلادنا وشبابنا وديننا من كل مكروه وسوء إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر