أما بعد:
فهذا هو اللقاء الحادي والثمانون الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، ولقاؤنا هذا في يوم الخميس الثالث عشر من شهر رجب عام 1415هـ ونفتتحه كالعادة بتفسير كلام الله عز وجل.
وقد انتهينا من سورة الانشراح، وسنبدأ الآن بمعونة الله تعالى وتوفيقه بسورة التين.
فقوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:1-3] إقسام بهذه الأشياء الأربعة، حيث أقسم الله تعالى بالتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين، يعني: مكة لأن السورة مكية، فالمشار إليه قريب وهو مكة ، والتين هو الثمر المعروف، وكذلك الزيتون، وأقسم الله بهما لأنهما يكثران في فلسطين ، وطور سينين أقسم الله به؛ لأنه الجبل الذي كلم الله عنده موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا البلد الأمين أقسم الله به أعني مكة ؛ لأنها أحب البقاع إلى الله وأشرف البقاع عند الله عز وجل.
قال بعض أهل العلم: أقسم الله بهذه الثلاثة؛ لأن الأول التين والزيتون أرض فلسطين التي فيها الأنبياء وآخر أنبياء بني إسرائيل هو عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وبـطور سينين ؛ لأنه الجبل الذي أوحى الله تعالى إلى موسى حوله، وأما البلد الأمين فهو مكة الذي بعث الله منه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال العلماء: ومعنى قوله: (وطور سينين) أي: طول البركة، لأن الله تعالى وصفه أو وصف ما حوله بالوادي المقدس.
فنحن حرصنا على أن يكون التفسير في آخر أجزاء القرآن؛ لأنه تكثر القراءة بها في الصلوات، والذي ينبغي لكل مؤمن أن يحرص على معرفة معاني كتاب الله عز وجل؛ لأنه لا يستقيم العمل بالقرآن إلا بمعرفة معناه، بل إن الله تعالى وصف الذين لا يعلمون المعنى بأنهم أميون فقال: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] يعني: إلا قراءة، وكثير من الناس اليوم إن لم أقل أكثرهم لا يعرفون من القرآن إلا اللفظ فقط، وحري بطلبة العلم أن يحرصوا في كل مناسبة إذا اجتمعوا بالعامة أن يأتوا بآية من كتاب الله ثم يفسرونها لا سيما ما يكثر تعداده على العامة مثل الفاتحة، الفاتحة لو تأتي بكثير من الناس تريد أن تسأله عن معناها لا يعرف شيئاً منها.
نسأل الله أن يرزقنا العلم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنه على كل شيء قدير.
الجواب: الصحيح من أقوال العلماء: أن العمرة لها وداع كالحج، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده في البيت)، ولأن العمرة حجٌ أصغر، كما في حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة الحج الأصغر)، ولأن الإنسان يقدم إلى البيت بتحية وهي الطواف، فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية وهي الطواف.
فالصحيح: أن طواف الوداع في العمرة واجب، إلا من طاف وسعى وقصر ثم انصرف إلى أهله فهذا يكفيه الطواف الأول، فإذا كان هذا الذي ذكرت انصرف من حين أنهى العمرة فلا شيء عليه، أما إذا كان بقي في مكة فإنه من الاحتياط أن يذبح فدية في مكة ثم توزع على الفقراء إن كان قادراً ومتيسراً، وإن لم يكن قادراً ولا متيسراً فلا شيء عليه.
الجواب: هذه الحقوق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، منها ما هو واجب، ومنها ما هو سنة، والأصل في الحق أنه واجب، لأن كلمة حق بمعنى: ثابت، والثبوت من أوصاف الواجب، لكن إذا دلت الأدلة الأخرى على أن هذا الشيء ليس بواجب عملنا بها، وإلا فالأصل الوجوب، فمثلاً: (إذا لقيته فسلم عليه) ابتداء السلام لا نقول أنه واجب، ولا نقول غير واجب، في حدود ثلاثة أيام لا بأس أن يهجر الإنسان أخاه وما زاد على الثلاثة فإنه حرام، وعلى هذا فالسلام الذي يزول به الهجر واجب، ولا يجوز تركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الهجر بين المسلمين محرم، هذا هو الأصل، لكن رخص الشارع في الهجر ثلاثة أيام؛ لأن الإنسان قد يكون بينه وبين أخيه شيء من المخاصمة والنزاع والاختلاف في الرأي فيغضب عليه، فجعل له الشرع ثلاثة أيام ليزول ما في نفسه، وإلا فالأصل أن الهجر حرام.
فإن قال قائل: هجر أهل المعاصي هل هو واجب؟
الجواب: نقول: إن كان هجرهم يفيد توبتهم من المعاصي فاهجرهم، وإن كان لا يفيد فلا تهجرهم؛ لأن الهجر لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يزيد هذا العاصي إلا تمادياً في معصيته كما هو مشاهد، فالهجر دواء، إن نفع فاستعمله وإلا فلا.
وأما تشميت العاطس إذا حمد الله فهو واجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق على كل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله) يعني: إذا عطس فحمد الله.
وأما عيادة المريض فالصحيح أنها فرض كفاية، وأنه لا يجوز للمسلمين أن يكون أخوهم مريضاً ولا يعوده منهم أحد، بل لا بد أن يعاد، ولكنه فرض كفاية: إذا قام به من يكفيه سقط عن البقية.
وأما اتباع جنازته فهو فرض كفاية أيضاً، فلا بد من اتباع جنازته وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ولا يجوز للمسلمين أن يتخلفوا عن ذلك.
فهذه الحقوق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، والأصل أنها واجبة.
الجواب: هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] فقل: بلى، وكذلك مثل هذا الترتيب يعني: إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول: بلى. أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36] تقول: بلى. أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ [الزمر:37] تقول: بلى. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] تقول: بلى. لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله. فإذا قال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ يقول: بلى.
الجواب: هذا لم أسمعه، لم أسمع أن (من زار أخاه فإنه يستغفر له سبعون ألف ملك) لكن لا شك أن الزيارة في الله والتي لا يقدم عليها إلا محبة الائتلاف بين المسلمين، والمحبة لا شك أنها من الفضل بمكان، أما هذا الفضل المخصوص فلا أعرفه.
الجواب: الحديث -بارك الله فيك- تنازع الناس فيه حسب مذاهبهم وآرائهم:
فمنهم: من رد هذا الحديث وقال: لا يصح؛ لأنه خبر آحاد ومناقض لما يظنونه أصلاً من أصول الشريعة: وهو عدم الاحتجاج بالقدر.
ومنهم: من خرجه على وجوه متعددة، وأحسن الأوجه وجهان:
الوجه الأول: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: إن موسى لم يحتج على آدم بالمعصية وإنما احتج عليه بالإخراج، وقال: لم أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ ولم يقل: لم عصيت الله، فاحتج آدم عليه الصلاة والسلام بأنه قد كتب علينا هذا، يعني: كتب أن يفعل وتكون النتيجة أن يخرج من الجنة، وكأنه يقول: لو علمت أن هذه النتيجة ما فعلت، وهذا يقع كثيراً: أن الإنسان قد يسافر إلى بلد ما ثم يحصل عليه حادث، فإذا قيل له: لم سافرت؟ لو لم تسافر ما حدث هذا. سيقول في نفسه ويقول لمن كلمه: لو علمت بأن هذا سيحدث ما سافرت، لكن هذا أمر كتب عليَّ أن أسافر ويحصل هذا الحادث، وأنا لم أسافر من أجل الحادث.
فهكذا قضية آدم، آدم لم يأكل من الشجرة ليخرج من الجنة، لكنه لم يعلم بما ينتج عن أكله من هذه الشجرة، فأكل من الشجرة ثم كانت النتيجة أن أخرجه الله تعالى من الجنة، وهي نتيجة في ظاهرها أنها تسوء الإنسان، لكن عند التأمل تجد أن الحكمة في ذلك، فلولا هذا ما عشنا في الأرض ولبقينا هناك، ولاختل نظام العالم الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون.
أما الوجه الثاني: فهو الذي اختاره ابن القيم رحمه الله: أن آدم لم يحتج على الذنب ليستمر عليه كما فعل المشركون الذين قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:148] وإنما احتج بالقدر في أمر قد فات وتاب منه وانمحى أثر هذه المعصية في توبة الله عليه فكأنه لم يكن.
والظاهر لي: أن توجيه شيخ الإسلام رحمه الله أقرب إلى الصواب؛ لأنه يبعد أن موسى عليه الصلاة والسلام يلوم أباه على أمر تاب منه، واجتباه الله تعالى بعده وهداه، لكن كلام ابن القيم له وجه، والاحتجاج بالقدر لا يلزمه مطلقاً، قال الله تبارك تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام:107] فالاحتجاج بالقدر إذا كان من أجل الاستمرار في المعصية أو فعل المحرم أو ترك الواجب؛ احتجاج باطل، والاحتجاج بالقدر على أمر قد وقع ولا يمكن للإنسان أن يتخلص منه، ولكنه فيما بينه وبين ربه وفيما يجب عليه من التوبة قد تاب؛ هذا لا بأس به.
السائل نفسه: يا شيخ! ألا يوجد الآن تعارض؛ لأن ابن القيم يختار هذا القول مع أنه رد على الطائفة بنحوه؟!
الشيخ: لا أستطيع الآن، لأنني بعيد العهد في هذا، فيحتاج إلى تأمل، وأخشى أنه لو قرأنا هذا وناقشنا فيه يفوت على الإخوان الوقت. ولكن تعطينا الصفحة وأراجعها في وقت آخر.
الجواب: القراءة مع الإمام منهي عنها إلا في الفاتحة، فإن الفاتحة لابد منها، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر فلما انتهى من الصلاة قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وما سوى الفاتحة فإنه لا يُقرأ والإمام يقرأ.
الجواب: الاجتماع على إنشاد الشعر لا بأس به، هذا هو الأصل، لكن إن صحبه شيء من المفسدة كما قلت: بأن يكون بعضهم يسب بعضاً وربما يتعدى السب إلى آبائهم وأجدادهم، فهذا لا يجوز من أجل ما يقترن به من السب، وأما مجرد أن يجتمع أناس ويتبادلون الشعر فيما بينهم فلا بأس به.
على أني لا أحبذ أن يكون هذا دائماً كما يفعله بعض الناس، حيث يخرجون في كل ليلة ويقيمون مثل هذا الفعل.
السائل: يدخل فيه تصفيق وتصفير ورقص.
الشيخ: لا، هذا إذا لم يصاحبه شيء محرم فلا بأس به، وإن صاحبه شيءٌ محرم من السب والتصفيق والرقص فهذا لا يجوز، فهذا كله لا يجوز.
الجواب: سفر المرأة إلى الخارج مع زوجها أحسن من بقائها في بلدها لها وله أيضاً، فلا أرى مانعاً، لكن أصل سفر الزوج من أجل السياحة -كما قلت- لا أرى جوازه لأن فيه محاذير:
المحظور الأول: أن الإنسان يقدم إلى بلاد كافرة، ربما يتأثر بدينهم أو أخلاقهم أو عاداتهم.
ثانياً: أنه يصرف أموالاً كثيرة في السفر إلى تلك البلاد.
ثالثاً: أنه يثري أموال هؤلاء ويدخل عليهم فوائد كثيرة.
رابعاً: أنه ربما يقتدى به فيتهافت الناس على هذه المسألة.
خامساً: أنه بلغنا عن أناس كانوا مستقيمين فذهبوا في إجازة الصيف إلى بلاد الكفر، ثم رجعوا منحرفين والعياذ بالله، وهذا ليس ببعيد.
لذلك نرى أنه لا يجوز السفر إلى بلد الكفر إلا لمصلحة دينية أو دنيوية بشروط:
- أولاً: أن يكون الإنسان عنده علم يدفع به الشبهات؛ لأنه هناك سوف يعرضون عليه أشياء ويشككوه في دينه.
- الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات؛ لأن هناك خمور ودعارة وكل ما تتصور من الشر فإنك تجده هناك والعياذ بالله.
- الثالث: المصلحة أو الحاجة.
فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فلا بأس، وأما إذا اختل شرط واحد منها فلا أرى جواز السفر إلى تلك البلاد.
الجواب: إذا كنت في بلدك فلا يجوز، لا يجوز أن تجمع إلا إذا بدأت بالسفر، وإذا كنت تخشى ألا تتيسر لك صلاة العصر مثل: أن تذهب مع إنسان تخشى ألا يقف إذا جاء وقت العصر، أو في طائرة لا تدري هل تدرك العصر في البلد الذي تقدم إليه أم لا، فلا بأس، أما إذا كان سفرك في سيارتك التي تحت تصرفك، ومتى شئت وقفت وصليت فلا تجمع؛ لأن الجمع كالقصر، كما أنك لا تقصر في بلدك لا تجمع أيضاً، لكن الجمع إذا خاف الإنسان ألا يأتي بالصلاة الثانية، فله أن يجمع.
الجواب: الحجرة التي تكون داخل سور المسجد من المسجد، سواءً كانت مكتبة أو مستودعاً أو غير ذلك، فحكمها حكم المسجد، فإذا دخلها الإنسان صلى ركعتين قبل أن يجلس، وإذا اعتكف فيها صح اعتكافه، ولا يجوز فيها البيع ولا الشراء، المهم أن لها أحكام المسجد.
وأما الاعتكاف فالصحيح أنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس يوم العشرين، يعني: يستقبل ليلة واحد وعشرين، قبل أن تغرب الشمس يوم العشرين فيستقبل ليلة الحادي والعشرين، وينته الاعتكاف بغروب الشمس في آخر يوم من رمضان.
الجواب: هذا صحيح، إذا كان صادقاً في قوله أنه عالم لا حاجة أن يسأل العلماء، أما إذا كان ليس لديه علم فإن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبه على تصرفه، يعني: لو أن إنساناً يعلم أن من أكل لحم إبل انتقض وضوءه، هل نقول: اذهب اسأل العلماء؟ لا نقول ذلك، لكن إذا قال: لا، لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وأنا أعلم بذلك، ولست بسائل العلماء، فهذا هو المحذور أن يدعي لنفسه ما لا يملكه، وأما إذا كان حقاً يعلم فلا حاجة للسؤال.
الجواب: يرى بعض العلماء: أنه حرام ولا يجوز، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم من السلف والخلف.
ويرى بعض العلماء: أنه إذا دعت الضرورة في ذلك فلا بأس.
وأنا لا أفتي فيه بشيء، لكن أنقل لك ما علمت من آراء العلماء.
الجواب: الدم الخارج من الجسم إن خرج من السبيلين، أي: من القبل أو الدبر فهو نجس، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر النساء في الحيض أن يغسلن دم الحيض.
وإن خرج من بقية البدن كالرعاف والجرح وما أشبه ذلك، فأكثر أهل العلم يرون أنه نجس لكن يعفى عن يسيره، يعني: عن الشيء القليل منه، حتى ولو أصاب البدن منه أو الثوب، وبعض العلماء: يرى أنه ليس بنجس لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن المؤمن لا ينجس)، وكان الصحابة رضي الله عنهم في الجهاد تصيبهم الجراحة وتتلوث أبدانهم وتتلوث ثيابهم بذلك الدم، ولم ينقل أنهم أمروا بغسله، ولأن ما فصل من الآدمي فهو طاهر فلو قطعت إصبعه مثلاً فالإصبع طاهرة، فإذا كانت الأجزاء إذا انفصلت فهي طاهرة فطهارة الدم من باب أولى، على أن الأجزاء التي تنفصل لابد أن يكون بها دم، لكن الاحتياط: أن يغسله، إلا أن يكون شيئاً يسيراً جرت به العادة فلا بأس ألا يغسله.
لكن لماذا لم تسأل هل ينقض الوضوء أو لا؟
فنقول: إنه لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، أما ما خرج من بقية البدن فإنه لا ينقض الوضوء سواءً كان قليلاً أو كثيراً.
الجواب: أولاً: قولك: هل يمسح، لا يستقيم؛ لأنه لا يوجد مسح إلا في الرأس، ولو كان جزءاً بسيطاً لا بد من غسله، لكن يغسله ويغسل ما بعده، فمثلاً: إذا كان في اليدين نقول: اغسل هذا الذي لم يصبه الماء وامسح رأسك وأذنيك واغسل رجليك، فإذا كان في الرجلين نقول: اغسله فقط؛ لأنه ليس بعد الرجلين شيء.
الجواب: الأمر يقتضي الوجوب هذا هو الأصل، لكنه ليس فرض عين؛ لأننا نعلم أن المرضى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لا يعودهم كل واحد من الصحابة، وتزول وحشة المسلم من إخوانه إذا عاده واحد من الناس أو جماعة حسب الحاجة، أما أن يكون فرض عين فهذا صعب.
السائل: لكن -يا شيخ- لفظة: أتانا حديث، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرنا أو أُمِرت) أو قال في أحاديث أخرى قال: (أمرته) وغير ذلك يشمل الأمر؛ فإذا وجدنا لها صارفاً فيحمل على الاستحباب وغير ذلك، ما نقول أنه واجب..
الشيخ: هذا الأصل.. الأصل أن الأمر يقتضي الوجوب ما لم يوجد له صارف، هذا هو الراجح من كلام الأصوليين، وبعض الأصوليين يقول: الأصل في الأمر الاستحباب ما لم يوجد له دليل على الوجوب.
الجواب: قال ابن حزم رحمه الله: اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله إلا عبد المطلب. فالعلماء مجمعون على أنه لا يعبد الاسم لغير الله، فلا يقال: عبد الرسول، ولا عبد النبي، ولا عبد الكعبة، ولا عبد الرضي، وما أشبه ذلك، لا يعبّد إلا بما كان من أسماء الله عز وجل.
وأما دفع الله، وعطاء الله، وهبة الله.. وما أشبه ذلك؛ فلا بأس، جاد الله يعني: أن هذا من جود الله، لكن جار الله لا أدري ما معناها فلا أصدر فيها حكماً.
السائل: بعضهم يقول معنى: جيب الله بمعنى: أن هذا الشخص كثير العطاء والسخاء فكأنها مأخوذة من هذا المعنى، وبعضهم يقول -يا شيخ- جيب الله بمعنى: أن الله سبحانه وتعالى أتى به، أو يقول هو البكر الوحيد أو أن هذا الرجل ليس له غير هذا..؟
الشيخ: على كل حال يرجع -بارك الله فيك- للمعنى، فإن كان صحيحاً فلا بأس، فإذا قالوا: هذا جيب الله بمعنى: أنه كثير العطاء فكأنهم يريدون أن يلحقوا عطاء هذا الرجل بعطاء الله عز وجل، وهذا لا يجوز؛ لأنه لا أحد يماثل الله في الكرم، فيغير هذا إلى اسم آخر.
الشيخ: يعني: معناه أن والده يطلب الحكومة.
السائل: والده متوفى، والحكومة لها دين عنده.
الشيخ: يعني: للحكومة دين عليه؟
السائل: فما حكم الدخول على الحكام لقضاء الدين أو طلب الاستسماح منهم في ذلك؟
الشيخ: يعني: لطلب إسقاط الدين؟
السائل: نعم.
الشيخ: هذا لا بأس به إذا كان الوالد لم يخلف تركة، أن يطلب من صاحب الحق سواء حكومة أو غير حكومة أن يسقط الدين، أما إذا خلف تركة فإن هذا سائل لنفسه في الواقع، لأن الدين يجب أن يقضى من التركة، فإذا ذهب صاحب الدين وقال: أسقطوا عن أبي، لا سيما إن ظهر بمظهر أنه لم يوجد له تركة فهذا إنما سأل لنفسه فلا يجوز، أما الدخول على ولاة الأمر فلا بأس به، لأن الدخول على ولاة الأمور إذا لم يكن ذلك سبباً لنقص دين العبد فلا بأس به.
الجواب: لبس الجوارب لا بأس به، ويجوز المسح عليها ولو كانت خفيفة؛ لأن الحكمة من جواز المسح على القدم مشقة النزع واللبس، وليس الحكمة أن الرجل مستورة، ومعلوم أن الجوارب الخفيفة يشق نزعها ثم لبسها كما يشق نزع ولبس الثقيلة، فالصحيح: أن المسح على الجوارب -خفيفة كانت أو ثقيلة- جائز.
وأما ابتداء مدة المسح فإنه من أول مرة مسح بعد الحدث، وليس من اللبس ولا من الحدث، فمثلاً: لو قدرنا أن رجلاً لبس الجوارب لصلاة الفجر اليوم الخميس ونقض الوضوء في الساعة العاشرة وتوضأ لصلاة الظهر الساعة الثانية عشرة فابتداء المدة من الساعة الثانية عشرة، فله أن يمسح إلى الثانية عشرة من يوم الجمعة، لكن على كل حال في يوم الجمعة سيعترضه الغسل وإذا أراد الاغتسال فلا بد من خلع الجوارب.
الجواب: هذا له توجيهات:
التوجيه الأول: أن الحديث على ظاهره: (إن الله خلق آدم على صورته) لكن بدون مماثلة، إذ لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له، والله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال تعالى: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[النحل:74] والدليل على أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (بأن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر) ومعلوم أنهم لا يماثلون القمر ليلة البدر، لكن من حيث الحسن والجمال يكونون على صورة القمر، فنقول: كون الشيء على صورة الشيء لا يلزم منه المماثلة، ونحن نؤمن بالكتاب والسنة فنقول: إن الله ليس كمثله شيء ولو كان الشيء على صورته، ونقول: (إن الله خلق آدم على صورته) .
التوجيه الثاني في الحديث: أن الله خلقه على صورة اختارها واجتباها لآدم، فيكون المعنى -أي: الإضافة- التشريف والتكريم، كما في قوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ[الحج:26] ومعلوم أن الكعبة ليست بيت الله التي يسكنه بل هو بيته الذي يعظم، وكقوله تعالى: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا[الشمس:13] ومعلوم أن هذه الناقة ليست ناقة الله التي يركبها سبحانه وتعالى، حاشاه من ذلك بل أضافها صالح إلى ربه للتشريف أي: تشريف هذه الناقة وتعظيمها.
وكلا الوجهين صحيح، لكن الوجه الأول أسلم؛ لأن الوجه الأول: أن الله خلق آدم على صورته من غير مماثلة، أبعد عن التأويل وهو متماش على ظاهر النص.
الجواب: التي يعرفونها مما وصف به نفسه عز وجل، فإن الله تعالى قد وصف نفسه لعباده بأنه عظيم وأنه قدير وأنه ذو سلطان، وأنه له وجه وله عين وما أشبه ذلك، فهم يعرفونها لا لنظر سابق، ولكن لما وصف الله به نفسه.
الجواب: هم يريدون بنور السماء وهداية السماء نور الله عز وجل؛ لأنه في السماء، ولكن الأفضل أن يعدلوا عن هذه الكلمات وأن يقولوا: نور الله وهداية الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها)قال: (كان الذي في السماء) فإطلاق مثل هذه العبارات يجب على الإنسان التوقف فيها وأن يقال: الأفضل أن تضيفوا الشيء إلى من هو له حقيقة؛ لأن مجرد السماء ليس فيها هداية وليس فيها نور وإنما هو نور الله عز وجل وهداية الله.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عبقري فإن كان الرجل يريد أنه عليه الصلاة والسلام عنده علم بما يتعلق بشئون الحياة من الشجاعة والكرم وما أشبه ذلك فلا بأس، وإن كان يريد أنه عبقري ولكنه لم ينل هذا المقام إلا بعبقريته لا بكونه رسول الله، فهذا لا يجوز، فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام رسول الله، ولا شك، وهو صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأكرم الناس وأجود الناس وأحسن الناس خلقاً.
الجواب: توجيهنا لهذا أنه لا بأس أن يقص من حاجبيه ما يظلل على نظره وبصره، وقد ذكر أصحاب الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يأخذ من حاجبيه. فإذا قص ما يؤذيه فلا بأس به ولا إشكال في هذا، والنمص الذي جاء في الحديث: هو نتف الشعور وترقيقها، وأما مجرد أن يأخذ الإنسان ما زاد من الشعر؛ من أجل ألا يحجبه عن النظر، أو أن يدفع ضرره بتساقطه على العين فهذا لا إشكال في جوازه.
السائل نفسه: بالنسبة للعن هل هو خاص بالمرأة أو هو عام؟
الجواب: هو عام، لكنه ذكر في النساء؛ لأن هذا هو الغالب، الغالب أن الذي يستعمل النمص النساء، وإلا فهو للرجال وللنساء، بل قد يقال في الرجال أشد؛ لأن النامص يكون متشبهاً بالنساء إذا نمص.
الجواب: الآية لا شك أنها في الأصل في النظر إلى النساء، نظر الرجال إلى النساء ونظر النساء إلى الرجال، هذا هو الأصل.
وأما ما يعرض في التلفاز فإن كان الإنسان ينظر إليه نظر تمتع وشهوة فلا شك في التحريم، وأما إذا كان ينظر إليه نظراً عادياً ففي النفس منه شيء، والأولى أن يتجنب ذلك، فإذا ظهرت المذيعة -مثلاً- في التلفاز فليغلق التلفاز؛ لأنه يخشى إذا نظر إليها أن يفتتن بها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر