أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والثمانون بعد المائة المعبر عنه بلقاء الباب المفتوح، والذي يكون كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من شهر رجب عام (1415هـ).
وكان من عادتنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آية من كتاب الله عز وجل؛ لأن كتاب الله سبحانه وتعالى نزل لعدة حكم:
منها: التعبد لله تعالى بتلاوته، فإن تلاوة كتاب الله مما يقرب إلى الله، والحرف الواحد منه ثوابه عشر حسنات.
ومنها: أنه نزل من أجل التدبر لمعانيه، حيث قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وهذه الحكمة غفل عنها كثيرٌ من الناس، لا أقول: من عامة الناس بل حتى من طلبة العلم، تجد بعض الطلاب يعتنون بشرح الأحاديث أو كلام الفقهاء أو غيرهم من علماء الشريعة لكنهم لا يعتنون بتفسير كتاب الله عز وجل، مع أن كتاب الله هو أم الكتب كلها، وإليه مرجع الكتب، وكتاب الله عز وجل هو الذي كلفنا بأن نتدبر آياته وأن نتعظ بها، لهذا نرى أنه لا يليق بطالب العلم أن يعرض عن تفسير كتاب الله وهو يعتني بتفسير كلام غير الله عز وجل.
وابتدأنا هذا التفسير بسورة النبأ؛ لأن هذا الجزء كثيراً ما يقرأ في الصلوات كصلاة المغرب والعشاء، فيسمعه العامة، فيحسن أن يعرفوا معاني هذا الجزء من كتاب الله عز وجل، وآيات الله سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز متشابهة، ربما تجد بعض الآيات بنصها ولفظها في موضع آخر، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[التوبة:73] هذه الآية وردت بلفظها في مكان آخر في كتاب الله وردت في التوبة ووردت في سورة التحريم، فكتاب الله يشبه بعضه بعضاً.
وفي هذا اللقاء سوف نشرح سورة (اقرأ) إذ أننا ولله الحمد أكملنا ما سبق.
الصحيح: أنها آية مستقلة، وليست من السورة التي تليها، فلا هي من الفاتحة ولا من البقرة ولا من آل عمران بل هي آية مستقلة، ولهذا لو أن الإنسان في الصلاة قرأ الفاتحة بغير البسملة فصلاته صحيحة؛ لأن البسملة ليست منها، لكن سورة براءة لم تكتب فيها البسملة؛ لأنها لم تنـزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال، لكن اشتبه على الصحابة حين جمعوا القرآن فجعلوا فاصلاً بين سورة الأنفال وسورة براءة ولم يكتبوا البسملة.
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5] هذه الآيات هي أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن، نزلت عليه وهو يتعبد في غار حراء ، وكان صلى الله عليه وسلم أول ما بدئ بالوحي أنه يرى الرؤيا في المنام فتأتي مثل فلق الصبح، يعني: يحدث ما يُصدِّق هذه الرؤيا، وأول ما كان يرى هذه الرؤيا في ربيع الأول، فبقي ستة أشهر يرى مثل هذه الرؤيا ويراها تجيء مثل فلق الصبح، وفي رمضان نزل الوحي الذي يكون في اليقظة، والمدة بين ربيع الأول ورمضان ستة أشهر، وزمن الوحي ثلاثٌ وعشرون سنة، ولهذا جاء في الحديث: (الرؤية الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).
لما كان يرى هذه الرؤيا التي تجيء مثل فلق الصبح حبب إليه الخلاء، يعني: أن يخلو بنفسه، ويبتعد عن هذا المجتمع الجاهلي، فرأى عليه الصلاة والسلام أن أحسن ما يخلو به هذا الغار الذي في جبل حراء ؛ وهو غار في قمة الجبل، لا يكاد يصعد إليه الإنسان القوي إلا بمشقة، فكان يصعده عليه الصلاة والسلام ويتحنف ويتعبد لله عز وجل فيما فتح الله عليه في هذا الغار الليالي ذوات العدد -أي: عدت ليال- ومعه زاد أخذه يتزود به من طعام وشراب، ثم ينـزل ويتزود بمثله من أهله ويرجع ويتحنف الله عز وجل، إلى أن نزل عليه الوحي وهو في هذا الغار.
أتاه جبريل وأمره أن يقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، ومعنى: ما أنا بقارئ، أي: لست من ذوي القراءة، وليس المراد المعصية لأمر جبريل، لكنه لا يستطيع، ليس من ذوي القراءة، إذ أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً، كما قال الله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ [الأعراف:158] وقال الله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ [الجمعة:2] فكان لا يقرأ ولا يكتب، وهذه من حكمة الله أنه لا يقرأ ولا يكتب، حتى تتبين حاجته وضرورته إلى هذه الرسالة، وحتى لا يبقى لشاكٍ شكٌ في صدقه، وقد أشار الله إلى هذا في قوله: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].
قال له: ما أنا بقارئ، فغطه مرتين أو ثلاثاً، ثم قال له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5] خمس آيات نزلت، فرجع بها النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده من الخوف والفزع، حتى أتى إلى خديجة .
وحديث الوحي وابتلائه موجود في أول صحيح البخاري فمن أحب أن يرجع إليه فليرجع.
يقول الله عز وجل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] قوله: (باسم ربك) قيل معناه: متلبساً بذلك، وقيل: مستعيناً بذلك، أي: اقرأ مستعيناً باسم الله؛ لأن أسماء الله تعالى كلها خير، كلها إعانة يستعين بها الإنسان، ولذلك يستعين بها الإنسان على وضوئه، ويستعين بها على أكله، ويستعين بها على جِماعه، فهي كلها عون، (باسم ربك الذي خلق) إلى آخر..
وقال: بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1] دون أن يقول: باسم الله؛ لأن المقام مقام ربوبية وتصرف وتدبير للأمور وابتداء رسالة، فلهذا قال: (باسم ربك) إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام قد رباه الله تعالى تربية خاصة.
قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] خلق كل شيء، كما قال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان:2] .. وقال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62] فما من شيء في السماء ولا في الأرض من خفي وظاهر، وصغير وكبير إلا وهو مخلوق لله عز وجل، ولهذا قال: (خلق) وحذف المفعول إشارة للعموم؛ لأن حذف المفعول يفيد العموم، إذ لو ذكر المفعول لتقيد الفعل به، أي: لو قال: خلق كذا تقيد الخلق بما ذكر فقط، لكن إذا قال: (خلق) وأطلق صار عاماً، فهو خالق كل شيء جل وعلا.
ثم قال: خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2] فنص وخص، خلق الإنسان تكريماً للإنسان وتشريفاً له؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] فلهذا نص على خلق الإنسان.
الجواب: لا يمكن أن يكون في كلام الله أو ما صح عن رسوله شيء من التناقض أبداً، فإن الله يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] لكنه سبحانه وتعالى يذكر أحياناً مبدأ الخلق من وجه ومبدأ الخلق من وجه آخر، فخلقه من تراب، أي: أول ما خلق الإنسان من التراب، ثم صب عليه الماء فكان طيناً، ثم استمر مدة فكان حمأً مسنوناً، ثم طالت مدته فصار صلصالاً، أي: إذا ضربته بيدك تسمع له صلصلة كالفخار، ثم خلقه عز وجل لحماً وعظماً وعصباً ... إلخ. وهذا ابتداء الخلق المتعلق بآدم.
والخلق الآخر من بنيه منشئهم من نطفة وهي الماء المهين، وهي الماء الدافق، هذه النطفة تبقى في الرحم أربعين يوماً، ثم تتحول شيئاً فشيئاً، وفي تمام الأربعين تتقلب بالتطور والتدريج حتى تكون دماً ثم علقة، ثم تبدأ بالنمو والثخونة وتتطور شيئاً فشيئاً، فإذا تمت ثمانين يوماً انتقلت إلى مضغة؛ وهي قطعة من اللحم بقدر ما يمضغه الإنسان، وتبقى كذلك أربعين يوماً، فهذه مائة وعشرون يوماً وهي بالأشهر أربعة أشهر، وبعد أربعة أشهر يبعث الله إليه الملك الموكل بالأرحام فينفخ فيه الروح، فتدخل الروح في الجسد بإذن الله عز وجل، والروح لا نستطيع أن نعرف كنهها وحقيقتها ومادتها، ولا ندري من أي مادة هي؟ الجسد عرفنا أن أصله من التراب ثم في أرحام النساء من النطفة لكن الروح لا نعلمها ولا نعرف من أي جوهرٍ هي، ولا من أي مادة: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] فينفخ الملك الروح في هذا الجنين فيبدأ يتحرك؛ لأن نموه الأول كنمو الأشجار بدون إحساس، وبعد أن تنفخ فيه الروح يكون آدمياً يتحرك، ولهذا إذا سقط الحمل من البطن قبل أربعة أشهر دفن في أي مكان من الأرض بدون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه ولا يبعث؛ لأنه ليس آدمياً، وبعد أربعة أشهر إذا سقط يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر؛ لأنه صار إنساناً، ويسمى أيضاً؛ لأنه يوم القيامة سيدعى باسمه، ويعق عنه، لكن العقيقة عنه ليست في التأكيد كالعقيقة عمن بلغ سبعة أيام بعد خروجه.
وعلى كل حال: هذا الجنين في بطن أمه يتطور حتى يكون بشراً، ثم يأذن الله عز وجل له بعد المدة التي أكثر ما تكون عادة تسعة أشهر فيخرج إلى الدنيا.
وبهذه المناسبة: أود أن أبين أن للإنسان أربعة دور:
الأولى: في بطن أمه.
الثانية: في الدنيا.
الثالثة: في البرزخ.
الرابعة: في الجنة أو النار، وهي المنتهى.
خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2] العلق اسم جمع علقة، وهي دودة من الدم معروفة، وهذا أول نشأة الإنسان الذي يتكون منه مادة الحياة وهو الدم.
الجواب: أقول: أحسنت أن سألت عما ينسب إلينا؛ لأنه ينسب إلينا وإلى غيرنا من العلماء أشياء كثيرة ليست صحيحة، لكن بعض الناس إذا راق له الشيء وأحب أن يقبله الناس جعله لعالم من هؤلاء العلماء لأجل أن يقبل، وإلا فقد كتبنا جواباً على هذا بالخط بأن ذلك لا يجوز؛ لأنه رباً واضحاً.
وقالوا: إن هذا من باب التشجيع.
قلنا لهم: التشجيع يكون بغير هذا، التشجيع يقال مثلاً لمن برز في شيء من الأشياء: لك نسبة يزداد بها راتبك، أو يعطى مكافئة مقطوعة على تفوقه، أما أن نسلك هذا الطريق فلا يجوز، وقد ذكرنا هذا لكن لا أدري -سبحان الله!- من أين جاءت هذه الفتوى التي تنسب إلينا.
وأنا أقول للذي أثارها أني سألته ويقول: لا صحة لذلك، ونرى أنها لا تجوز، وهذه الشركات التي تعمل هذا العمل هي تربح؛ لأنها تأخذ الدراهم من الناس وتجعلها في البنوك الربوية، وتربح ربحاً عظيماً، وإلا فهي ما قصدها رحمة الناس ولا الإحسان بهم، لكنها تعرف من أين تأكل الكتف.
الجواب: أما المرور عليها فقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أسرع عليه الصلاة والسلام وقنع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج والنزهة بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمة -والحمد لله- لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب والإعراض والتولي عن الدين
وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لما يرون من إحكام البناء وشدته وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن فإنه على خطر عظيم: (أن يصيبكم ما أصابهم) وبعض الناس يقول: كيف هذا؟ وهذه الأمة لم تعذب بعذاب عام، نقول: قسوة القلب والإعراض عن الشريعة.
الجواب: إذا جاء الإنسان ووجد الصفوف تامة فليصلِّ خلف الصف وحده مع الإمام ولا إعادة عليه، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم. والمسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء:
القول الأول: أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة ولو كان له مكان في الصفوف التي أمامها، وأن دخوله في الصف على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب. وهذا مذهب أكثر الأمة الإسلامية؛ لأنه مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة ، ورواية عن الإمام أحمد يعني: معناه نصف مذهب الإمام أحمد، مع الذين يجيزون الصلاة خلف الصف ولو كان له مكان.
القول الثاني: أن من صلى منفرداً خلف الصف ولو لم يجد مكاناً فصلاته غير صحيحة.
إذا قابلت بين القولين تجد أن هذا في غاية ما يكون من الشدة، وهذا في غاية ما يكون من السهولة.
القول الثالث: وهذا هو الوسط: أنك إذا وجدت الصف تاماً فصف وحدك؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وهنا لا استطاعة، فإذا قال إنسان: لك استطاعة اجذب شخصاً قلنا: هذا لا يجوز؛ لأن جذب الواحد فيه اعتداء عليه، وفيه تشويش على بقية المصلين، وفيه قطع للصف.
أما كونه اعتداء على هذا الذي جذبت، فلأنك تنقله من مكان فاضل إلى مكان مفضول.
وتشوش عليه الصلاة أيضاً؛ لأنه لا يدري ما الذي جذبه.
وأما كونه تشويش على المصلين، فلأن هذا الصف سوف يتقارب، وكل من فيه سيتحركون حركة لا داعي لها، من أجل تسوية الصف وسد الفرج في هذا الصف.
وأما كونه انقطع عن الصف فواضح.
فإن قال قائل: يستطيع هذا أن يتقدم ويقف مع الإمام، قلنا: هذا أيضاً غلط؛ لأنه إذا تقدم فسوف يؤذي المصلين الذين أمامه، حيث يتخللهم، وإذا كان المسجد فيه عشرون صفاً كم يتخلل؟ عشرين صفاً؛ فيؤذيهم، ثم إذا تقدم ووقف مع الإمام وجاء آخر بعده بدقيقة أو دقيقتين، وقلنا له: اذهب مع الإمام، صار عند الإمام اثنان، وبعد دقيقة أو دقيقتين جاء الثالث نقول: اذهب مع الإمام، وإذا مع الإمام صف كامل، لكن لو وقف بالصف وجاءه شخص صاروا صفاً، وإن لم يأته أحد فكونه مع الجماعة في الأفعال وإن لم يكن معهم في الصف خير من كونه ليس معهم لا في الصف ولا في الأفعال.
هذا هو القول الوسط الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، واختاره شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله: على أنه متى وجد الإنسان الصفوف تامة أمامه فليدخل مع الإمام ولو صلى وحده وصلاته صحيحة.
ونقول للسائل: إن كنت أعدت الصلاة بناءً على كلام الإمام فعلى خير، تكون الصلاة الثانية نافلة إن كانت الأولى صحيحة، أو تكون صحيحة والأولى نافلة إن كانت الأولى غير صحيحة -يعني: فرضاً- ولكن القول الراجح عرفته الآن، أنك إذا جئت والصفوف تامة فصل مع الإمام ولو كنت منفرداً.
الجواب: فيها شيئان وليس شيء واحد:
الشيء الأول: مداهنة هؤلاء النصارى في إقامة عيد في الإسلام كعيدهم، وهذا يعني: أنهم قد رضوا بهذا العيد من النصارى، والرضا بعيد النصارى يقول عنه ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة: إن لم يكن كفراً فهو محرمٌ قطعاً. والرضا بشعائر الكفر ليس بالأمر الهين فهو حرام ولا يجوز.
أما الشيء الثاني: فلأننا إذا أقمنا مثل هذه الأعياد فإن النشء الصغار سيعتقدون أن عيدنا كعيد هؤلاء، ولا يعرفون أن مراد أهليهم أن ينشغلوا بهذا عن أعياد الكفار، وستذهب الغيرة من قلوبهم بناءً على هذا الظن الذي ظنوه، ولهذا نرى أنه لا يجوز أبداً إحداث عيدٍ مضاهاة لهؤلاء النصارى، ولكن من الممكن أن يدرسوا أولادهم أن هذا ليس عيداً لنا هذا عيدٌ للكفار، وليس لنا فيه دخل.
وأما تبادل الهدايا فهذا موضع نظر وخلاف بين العلماء:
منهم من قال: لا بأس أن نقبل هديتهم في هذا اليوم.
ومنهم من يقول: لا؛ لأن قبول هديتهم يشعرهم بأننا راضون بفعلهم وأعيادهم.
ولا شك أن السلامة أسلم، أي: ألا يقبل هديتهم في هذه المناسبة؛ فإنه أسلم لدينه وعرضه.
والذبيحة لم يذبحوها لغير الله هم وإنما ذبحوها لله، لكنها ذبيحة بدعية.
الشيخ: هل الصوم فرضاً أم نفلاً؟
السائل: نفل.
الشيخ: صيام النفل لا يجب إكماله، إن شاء الإنسان أفطر، لكنه لا ينبغي أن يفطر إلا لسبب؛ لأن الإنسان إذا شرع في طاعة لله عز وجل فإنه لا ينبغي العدول عنها إلا إذا كان هناك سبب شرعي يقتضي أن يفطر، مثل: أن يقدم إليه ضيوف، ولا يرون إكرامهم إلا بأكله معهم، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، فهنا الفطر أحسن، أو يدعوه إنسان إلى وليمة ويرى هذا الداعي أنه لا تطيب نفسه حتى يأكل هذا الصائم فالأكل أفضل، وأما بدون سبب فلا ينبغي أن يفطر، وإن أفطر فلا حرج عليه.
أما إذا نوى الإفطار -كما في السؤال- فذهب ليتناول الطعام فإنه يكون مفطراً سواء وجد الطعام فأكله أم لم يجده، لكن إن لم يجده ونوى استئناف الصوم -ونحن نتكلم على أن الصوم نفل- فإن له ذلك، لكنه لا يثاب على هذا اليوم إلا من النية الثانية، فإذا نوى في نصف النهار فليس له إلا أجر نصف يوم فقط، هذا إذا كان نوى الفطر، لكن ذهب ليأكل، أما إذا قال: سأذهب إلى المطعم إن وجدت شيئاً أفطرت وإلا فأنا على صيامي، فهذا لا ينقطع صومه حتى يجد ما يأكله فيفطر.
الجواب: الأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، لكن (الأمي) عند الفقهاء: من لا يحسن الفاتحة، حتى لو كان يقرأ ويكتب وهو لا يحسن الفاتحة فهو أمي، لكنه في الأصل في اللغة العربية: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، نسبة إلى الأم يعني: كأنه مولود اليوم خارج من بطن أمه.
وأما قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً [الجمعة:2] فهو رسول بعد أن بعث.
السائل: (الأميين) هنا هل هم الذين لا يقرءون ولا يكتبون؟
الشيخ: يعني بذلك: العرب عموماً، العرب لا يعرفون القراءة ولا الكتابة.
الجواب: يجوز أن يقتل الطيور لدفع أذاها، وكل شيء مؤذ ولا يندفع إلا بقتله فلك قتله، سواءً طيور أو غير طيور، حتى الآدمي لو صار على آدمي آخر ليقتله أو يأخذ ماله أو يهتك عرضه ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله.
فإن قال قائل: ما هو الدليل في مسألة الآدمي؟
الدليل: أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً سأله وقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يطلب مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد) لكن بشرط: ألا يندفع إلا بالقتل، أما إذا كان يندفع بدون القتل فإنه لا يجوز أن تقتله، أي: لو كنت أنت نشيط وقوي -أقوى منه- وتستطيع أن تمسك به وتأسره وتسلم من شره لا يجوز لك أن تقتله، لأنه يدفع بالأسهل فالأسهل.
الجواب: أما من جهة كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد فقد ورد عن بعض السلف ، فمن فعله فلا بأس، لكنه يكشف الوجه الذي يلي الأرض ليس كل الوجه، يعني: يجعل خده على الأرض.
ومن السلف من لا يكشف، فالأمر في هذا واسع.
وأما الدعاء له بعد الدفن فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود : أنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فمن رفع يديه عند الاستغفار له فلا حرج عليه، ومن لم يرفع وقال: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، وينصرف. لأنه قال: استغفروا لأخيكم ثم اسألوا له التثبيت فقط، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا الله ثلاثاً فيستغفر ثلاثاً للميت، ويسأل له التثبيت ثلاثاً ثم ينصرف.
الجواب: يقول العلماء رحمهم الله: النفاس هو الدم الذي يخرج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق، فإذا أحست بالطلق وبدأ يخرج دم معها فهو نفاس لا تصلي ولو كان قبل خروج الولد بيومين أو ثلاثة.
الجواب: لا يلزم الورثة أن يتنازل بعضهم لبعض إلا باختيار منهم، أما من سدد دين البنك فإنه يثبت له على بقية الورثة ما يناله من التسديد حسب الملك، وليس له.
السائل: هذا البيت له سنوات، ولم يتكلم أحد الورثة ويقول: هذا بيتنا ..
الشيخ: على كل حال الأمر يرجع لهم، إن تنازل بعضهم عن بعض فهو خير، ولا بد من جمع الورثة كلهم.
الشيخ: لماذا يضعونه عندهم؟
السائل: مثلاً لا يستطيع أن ينام إلا عندما يسمع القرآن؟
الشيخ: ليس في هذا بأس.
الشيخ: هل هو عازم على الرجوع، وإلا الأصل الإقامة؟
السائل: لا عازم على الرجوع، لكن لا يدري بعد سنتين عشر سنوات وأهله معه.
الشيخ: حكمه حكم المسافر كما نراه نحن؛ لأنه ما دام عازماً على الرجوع، لكنه لم يقيده بوقت فحكمه حكم المسافر.
إذا كان حكمه حكم المسافر فالرجل ينبغي أن يصلي مع الجماعة، لكن إذا فاتته الصلاة فله أن يقصر، والنساء لهن أن يقصرن، أما الجمع فالأفضل ألا تجمع النساء؛ لأن الجمع ليس بسنة إلا عند الحاجة إليه.
السائل: عند الرجوع من الزيارة .....؟
الشيخ: عند رجوعهم إلى وطنهم؟
السائل: نعم.
الشيخ: لا يقصرون.
السائل: عزموا على الرجوع.
الشيخ: ولو كان؛ لأنهم لا زالوا مستوطنين هناك، يصلون صلاة كاملة.
الجواب: الدعاء بعد الصلاة ليس بسنة، لأن الله تعالى قال: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103] إلا في حالة واحدة وهي صلاة الاستخارة؛ لأن صلاة الاستخارة قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليدعو) فجعل الدعاء بعد صلاة الركعتين، أما ما سواها من الصلوات فليس من السنة أن يدعو سواءً رفع يديه أم لم يرفع، وسواءً في الفريضة أو في النافلة؛ لأن الله أمر بذكره بعد انتهاء الصلاة، فقال سبحانه وتعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103]، وقال في سورة الجمعة: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10].
وإنما يقال للإنسان: إذا كنت تريد أن تسأل الله شيئاً فادعو الله قبل أن تسلم؛ لوجهين:
الوجه الأول: أن هذا هو الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال في التشهد: (إذا فرغ فليتخير من الدعاء ما شاء).
ثانياً: أنك إذا كنت في الصلاة فإنك تناجي ربك، وإذا سلمت انتهت المناجاة، فهل الأفضل: أن تسأل الله في حال مناجاتك إياه، أو بعد انصرافك من المناجاة؟
الجواب: الأول، تدعو وأنت تناجي ربك.
وأما قول المصلي بعد فراغه من الصلاة: أستغفر الله ثلاثاً، فهذا دعاء لكنه متعلق بالصلاة؛ لأن استغفار الإنسان ثلاث مرات بعد انتهائه من الصلاة ترقيع للخلل الواقع في الصلاة، فهو من تكرير الصلاة في الحقيقة.
السائل: يا شيخ فهم يحتجون بحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بعد انتهاء الصلاة التفت إلى المؤمنين ورفع يديه. ما صحة الحديث؟
الجواب: ما ورد، وإن ورد فهو ضعيف.
الشيخ: ليس بالأذان.
السائل: المؤذنون على الوقت.
الشيخ: قد يؤذن على الوقت وقد يتأخر كأن ينام فيتأخر ربع ساعة، وقد يقدم ربع ساعة، وقد يتوهمون بسرعة، والأذان مثلاً على اثنى عشر، فيظنها اثني عشر وهي إحدى عشر، وقد سمعنا من أذن وفي أثناء الأذان سمعنا الناس يقولون له في الميكرفون: باقي ساعة وهو يؤذن.
السائل: في العموم يا شيخ، النساء يؤخرن الصلاة متى يحرم على النساء تأخيرها؟
الشيخ: أوقات الصلاة والحمد لله واسعة، الظهر وقتها من دخول وقت الظهر إلى دخول وقت العصر، والعصر من دخول الوقت إلى اصفرار الشمس والضرورة إلى الغروب، والمغرب من غروب الشمس إلى دخول وقت العشاء، والعشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، والفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
الجواب: لعل الأرض رخوة ويخافون أن تنهد على الميت، فإذا كان كذلك فهذه حاجة، أو تكون مثلاً فيها مياه حول البحر مثلاً، المهم لحاجة لا بأس به، ولغير حاجة فيه إضاعة مال؛ لأن اللبنة التي توضع على يمين القبر ويساره ربما تكفي قبراً آخر أو قبرين ففيه إضاعة مال.
السائل: لا يجوز وضعها؟
الشيخ: لا. لا نقول: لا يجوز، لكن نقول: تركه أحسن.
الجواب: رفع اليدين في القنوت صحيح ثابت عن عمر رضي الله عنه في الوتر، وكذلك أيضاً في رواية قنوت الرسول عليه الصلاة والسلام في الفرائض أنه رفع يديه، فرفع اليدين سنة ومن ترك ذلك جهلاً يُعلَّم، ومن ترك ذلك اجتهاداً لا ينكر عليه.
الجواب: إذا خرج الإنسان عن وطنه الأول بنية الاستقرار في البلد الثاني فإنه إذا رجع إلى وطنه الأول يكون مسافراً، ما دام على نيته الأولى، والدليل على ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان وطنه الأول مكة ولما فتح مكة قصر وفي حجة الوداع قصر.
السائل: يا شيخ وإن كان في نفس هذا البلد -بلده الأول- زوجته وأولاده؟
الشيخ: إي: نعم. حتى وإن كان زوجته وأولاده فيه.
الجواب: هذا جائز، لا يؤمر به ولا ينهى عنه، والأصل أنه ممنوع؛ لأنه دخل في الفرض، لكن نظراً لأنه يريد قطع هذه العبادة لينتقل إلى ما هو أحسن فقد أجاز العلماء أن يقطع صلاته هذه ليصليها جماعة.
السائل: وله ثواب الجماعة؟
الشيخ: وله ثواب الجماعة، واستأنسوا لذلك بقصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له: (يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ، قال: صلها هنا، فأعاد عليه، قال: صلها هنا، فأعاد عليه، قال: ....) فقالوا: هذا لما أذن له الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينتقل إلى الأفضل، وقطع الرجل صلاته هذه انتقالاً إلى الأفضل.
الجواب: أولاً: الأخ صدَّر سؤاله بالسلام، ونحن قلنا فيما سبق: إن هذا ليس بسنة إنما السلام للقادم، أما الذي معك فلا يحتاج أن يسلم، ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الرسول في مكان السؤال ولا يسلمون، لكن نظراً إلى أنه مجتهد أقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: نحن قادمون يا شيخ من بعيد ..
الشيخ: لكن أنت عندي من زمان في الحلقة.
أما ما يتعلق بسؤاله فنقول: إن كان هذا الرجل يوهم الناس أنه قد اشترى هذه الصناديق الصندوق بعشرة مثلاً وهو قد اشترى الصندوق الكبير بعشرة ووزعه قسمين فيكون الصندوق الصغير بخمسة لكنه يوهم الناس وربما يقول لهم: إن ثمن الصندوق عشرة، فلا شك أن هذا حرام عليه، وأن للمشتري إذا علم بالحال أن يرد السلعة.
وأما إذا كان لا يوهم الناس، وليس مشهوراً عند الناس أن الصندوق الكبير بعشرة فلا حرج عليه؛ لأنه يقول للمشتري: هذا الصندوق بعشرة، تريد أن تأخذه خذه وإلا فدعه.
أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وجزاكم الله خيراً، ونفعنا وإياكم بما علمنا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر