أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثلاثون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح)، والتي تتم كل خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر صفر عام (1417هـ).
نبتدئ هذا اللقاء بالاستمرار في تفسير سورة ق، وقد وصلنا إلى قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق:4-5] .
الاستفهام هنا للتوبيخ، يوبخهم عز وجل، لماذا لم ينظروا في هذا؟! لماذا لم ينظروا إلى السماء، وما فيها من عجائب القدرة الدالة على أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذبون؟!
وقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ يشمل نظر البصر، ونظر البصيرة، نظر البصر يكون بالعين، ونظر البصيرة يكون بالقلب، وهو: التفكر.
وقوله: إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا قد يقول قائل: إن كلمة (فوقهم) لا فائدة منها؛ لأن السماء معروفة أنها فوق؛ ولكن نقول: إن النص على كونها فوقهم إشارة إلى عظمة هذه السماء، وأنها مع علوها وارتفاعها وسعتها وعظمتها تدل على كمال خالقها وقدرته جل وعلا.
كَيْفَ بَنَيْنَاهَا بناها الله عز وجل بقوة، وجعلـها قويـة، فقال جل وعلا: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً [النبأ:12] أي: قوية، وقال تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] ، أي: بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] .
وهذا البناء لا نعلم كيف بناه الله عز وجل؛ لكننا نعلم أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، خلق الأرض في أربعة أيام، والسماء في يومين، كما قال تعالى: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:12] .
وقوله: وَزَيَّنَّاهَا أي: حسَّنَّا منظرها بما خلق الله تعالى فيها من النجوم العظيمة المنيرة المنتظمة في سيرها، وهذه النجوم قال قتادة رحمه الله -وهو من أئمة التابعين-: [خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينةً للسماء. وعلامات يُهتَدى بها. ورجوماً للشياطين. فمن ابتغى فيها شيئاً سوى ذلك فقد أضاع نصيبه، وتكلَّف ما لا علم له به
ثم قال تعالى: وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ يعني: ليس في السماء من فروج، أي: مِن فُطور وتشقُّق، بل هي مبنية محكمة قوية.
هذه ثلاثة أمور:
أولاً: الأرض مدها الله عز وجل: مع أنها بالنسبة للسماء صغيرة جداً؛ لكنها ممدودة للخلق مسطحة لهم، كما قال تعالى: وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:20] .
ثانياً: ألقينا فيها رواسي: أي: جبالاً ثابتات لا تزعزعها الرياح فهي راسية وكذلك أيضاً مُرسية للأرض.
وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي: من كل زوج سارٍّ لناظره، والمراد بالزوج هو الصنف، أي: أن ما ينبت في الأرض أصناف متعددة متنوعة حتى أنك ترى البقعة من الأرض وهي صغيرة تشتمل على أنواع من هذه الأصناف تختلف في ألوانها وتختلف في أحجامها، وتختلف في ملمسها ما بين شديدة وليِّنة إلى غير ذلك من الاختلافات العظيمة، بل إنها تختلف حتى في مذاقها إذا كانت من ذوات الثمر، كما قال تعالى: وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد:4] فمَن القادر على هذا؟!
إنه الله تعالى القادر على أن يخلق هذه الأشياء التي فيها من كل زوج بهيج مع أنها في مكان واحد، وتُسقى بماء واحد، والأرض أيضاً واحدة.
مَن يقدر على هذا؟! إنك تأتي الأرض المعشبة التي أنبت الله تعالى فيها من أصناف النبات فتتعجب، ترى هذه -مثلاً- زهرتها صفراء، وهذه بيضاء، وهذه بنفسجية، وهذه منفتحة، وهذه منظمة، إلى غير ذلك من الآيات العظيمة، فهذا أكبر دليل على أن الله قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3] .
فالقادر على خلق هذه المخلوقات العظيمة قادر على إحياء الموتى، ثم يقال: مَن الذي خلق الإنسان؟ هو الله، وإعادة الخلق أهون من ابتدائه كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] فإذا كنتم -أيها المشركون- تقرون بأن الله هو الخالق وأنه هو الذي خلقكم وأوجدكم فلماذا تنكرون أن يعيدكم الله، مع أن أمره إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]؟!
أي: أن الله تعالى حثنا على أن ننظر إلى السماء وإلى الأرض وما يحدث فيهما.
تَبْصِرَةً أي: لأجل التبصرة والذكرى، قال العلماء: الفرق بين التبصرة والذكرى؛ أن التبصرة مستمرة، والذكرى عند النسيان، فهذه الآيات تُذَكِّرك إذا نسيتَ وتبصِّرك إذا جهلت، وقد يقال: إن الفرق بينهما أن التبصرة في مقابل الجهل، والذكرى في مقابل النسيان، وكلا القولين حق.
المهم أنك إذا نظرت إلى السماء وإلى الأرض وما فيها مما أودعه الله عز وجل من النبات؛ فإنك سوف تبصر بقلبك وتذكر أيضاً إذا نسيت، ولكن لمن هذه التبصرة والذكرى؟
لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:8] : ليست لكل إنسان، ما أكثر ما ينظر الكفار في الآيات! ولكن وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101] إنما الذي ينتفع بها هم من قال الله عنهم: لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:8] أي: رجَّاع إلى الله عزَّ وجلَّ.
نسأل الله أن يعيدنا وإياكم عوداً حميداً، وأن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً.
الجواب: بارك الله فيكم! لا أرى أن يكون النـزاع والخصومة بين الشباب المسلم في رجل معين، لا سيد قطب ولا غير سيد قطب ، بل النـزاع يكون في الحكم الشرعي، فمثلاً: نعرض قولاً من الأقوال لـقطب أو لغير قطب، ونقول: هل هذا القول حق أو باطل؟ ثم نمحصه إن كان حقاً قبلناه وإن كان باطلاً رددناه، أما أن تكون الخصومة والنزاع بين الشباب، والأخذ والرد في رجل معين فهذا غلط وخطأ عظيم.
فـسيد قطب ليس معصوماً، ومَن فوقه من العلماء ليسوا معصومين، ومَن دونه من العلماء ليسوا معصومين، وكل شخص يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيجب قبول قوله على كل حال.
فلذلك أنا أنهى الشباب أن يكون مدار نزاعهم وخصوماتهم على شخص معين أياً كان؛ لأنه إذا كانت الخصومات على هذا النحو فربما يُبْطل الخصم حقاً قاله هذا الشخص، وربما يَنْصُر باطلاً قاله هذا الشخص، وهذا خطر عظيم؛ لأنه إذا تعصب الإنسان للشخص وتعصب آخر ضده، فالذي يتعصب ضده سوف يقول عنه ما لم يقله، أو يؤول كلامه، أو ما أشبه ذلك، والثاني ربما يُنْكِر عنه ما قاله، أو يوجه ما قاله من الباطل.
فأنا أقول: لا نتكلم في الأشخاص، ولا نتعصب لأشخاص، وسيد قطب انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والله تعالى حسيبه، وكذلك غيره من أهل العلم.
أما الحق فيجب قبوله سواء جاء من سيد قطب أو من غيره، والباطل يجب رده سواء كان من سيد قطب أو من غيره، ويجب التحذير من أي باطل كُتِب أو سُمِع سواء من هذا أو من هذا، من أي إنسان.
هذه نصيحتي لإخواننا، ولا ينبغي أن يكون الحديث والمخاصمة والأخذ والرد في شخص بعينه.
أما سيد قطب فرأيي في آثاره أنه مثل غيره، فيه حق وباطل، ليس أحد معصوماً، ولكن ليست آثاره مثلاً كآثار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فبينهما كما بين السماء والأرض، فآثار الرجل الأول هي عبارة عن أشياء أدبية وثقافية عامة، وليس عنده كما عند الشيخ الألباني في التحقيق والعلم. ولذلك أنا أرى أن الحق يؤخذ من كل إنسان، والباطل يُرَد من كل إنسان، وأنه لا ينبغي لنا بل ولا يجوز لنا أن نجعل مدار الخصومة والنزاع والتفرق والائتلاف هو أسماء الرجال.
الجواب: لا تبرأ ذمته، إذا علمت أن شخصاً يرتكب محرماً أو يترك واجباً، وقد نصح من غيرك ولم يوفَّق لموافقة، فيجب عليك أن تنصحه؛ لأنه ربما يقبل منك ولا يقبل من الآخر، وربما يكون الذي نصحه أولاً أتاه بعنف، وأنت تأتيه برفق، وقبول الرفق واضح، فيقبل من الثاني ولا يقبل من الأول.
الجواب: نعم، القيء إذا خرج من المعدة فهو نجس عند كثير من العلماء أو أكثر العلماء، وعلى هذا فلا بأس أن يتقيأ في دورة المياه، وإن كان يوجد جرم الطعام؛ لكنه نجس على قول جمهور العلماء، وعلى قولٍ بأنه طاهر ليس له حرمة، ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذا في مقام الذم فقال: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فجعل هذا شيئاً قبيحاً.
الجواب: نعم، هذه مسألة اختلف فيها العلماء على أقوال متعددة نذكر منها رءوس الأقوال وهي:
القول الأول: أنه لا قراءة على المأموم مطلقاًً، لا في السرية ولا في الجهرية، استدلالاً بهذا الحديث الذي أشرت إليه: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة).
القول الثاني: أنها تجب مطلقاً في السرية والجهرية؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل ذات يوم من صلاة الصبح، فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) .
القول الثالث: وسط بين القولين يقول: إذا كانت الصلاة جهرية فقراءة الإمام قراءة لمن خلفه، ولهذا يؤمنون على قراءته الفاتحة، إذا أكمل قالوا: آمين معه، وهذا يدل على أن قراءته قراءة لهم، وأما إذا كانت الصلاة سرية؛ فأنه لابد من قراءة الفاتحة على المأموم.
والذي يظهر لي أن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة السرية والجهرية إلا في حال واحدة، وهي إذا دخل الإنسان وقد ركع الإمام، فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه في هذه الركعة، وكذلك لو دخل قبل الركوع ولكن لم يتمكن من إتمام الفاتحة حتى ركع الإمام فإنه يركع وتسقط عنه في هذه الحال.
الجواب: هذا حديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: إنه تجوز إمامة الفاسق، مثلاً: لو تقدم إنسان قد حلق لحيته، وصلى بنا فإن الصلاة صحيحة؛ لكن لا شك أنه كلما كان الإمام أتقى فهو أَولى.
الجواب: نسأل الله أن يصلحها ويصلح بها.
أولاً: إذا كان إخوتها أخذوها بغير اختيارها فلا شيء عليها، وإن كانوا قد أخذوها باختيارها عليك كفارة يمين، تطعم عشرة مساكين وتحل لك، ما دمتَ قلتَ: أنتِ عليَّ حرام فقط، ولم تقل: كظهر أمي؛ لأن هذا التحريم قد بيَّن الله سبحانه وتعالى حكمه في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2] فجعل الله التحريم يميناً، أعرفتَ؟
أما بالنسبة للتلفاز والفيديو فإذا أمكن ألا يدخل البيت فهو أحسن بلا شك، وإذا لم يمكن وترتب على منعه مفاسد كبيرة فليبق في البيت؛ ولكن لا يُفْتَح إلا على الأخبار والأشياء النافعة.
الجواب: الأم العجوز لما أرضعت الطفل صارت أماً له، وإذا كانت أماً له صار أخاً لأولادها الذكور والإناث، فأولاد الإناث يكون هو خالهم، وأولاد الذكور يكون هو عمهم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23] وهذه أرضعت ودَرَّ لبنُها عليه، فرضع منها.
الجواب: لعل هذا مرضاً، وليس بلازم أن يكون سحراً؛ لأن بعض الناس والعياذ بالله يُبتلى بمحبة الزنا وإن كان عند امرأة، ومحبة اللواط وإن كان عنده امرأة، أليس لوطٌ قال لقومه: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [الشعراء:165-166] ؟! فنحن ما نتيقن أنه سحر، وربما أنه لما رأى تلك المجتمعات الفاسدة ابتُلِي بها، وهذا يدلنا على أنه يجب الحذر من السفر إلى مثل هذه البلاد، وأنه لا يجوز للإنسان أن يسافر إليها إلا عند الضرورة كمريض وما أشبه ذلك.
الجواب: القول ما قلناه: أنه إذا مات لا يوْرَث، وإذا مات قريبُه لا يرِثُه؛ لكن شيخ الإسلام رحمه الله عنده قاعدة أن المرتد يوْرَث ولا يَرِث.
أما أنا فأرى أن المرتد لا يَرِث ولا يوْرَث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (لا يَرِث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فإذا مات تارك الصلاة وهو كافر كيف نوَرِّث قريبَه منه؟!
فالصواب أنه العموم، وأن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم، سواء كان كفره أصلياً أو كان ردة.
الجواب: أما قوله: بلا كيف، أي: لا نكيفه، لا نقول: ينـزل على صفة كذا وكذا؛ لأن الكيف مجهول.
وأما قوله: ولا معنى، فقال شيخ الإسلام رحمه الله: مراده بذلك: معنى أهل التأويل الذين يؤولونها، أي: أننا لا نأتي لها بمعنى يخالف ظاهرها، وهذا حق، يعني: ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في مراد الإمام أحمد صحيح بلا شك؛ لأن الإمام أحمد كغيره من أهل السنة يؤمنون بالمعاني التي تدل عليها هذه الكلمات.
الجواب: والله! هذا الحديث لا أدري عن صحته؛ لكن كل إنسان يرى أخاه على منكر سواء كان جاراً له أم لا، إذا لم ينهه فإنه غير ناصح له؛ لأن من تمام النصيحة لإخوانك المسلمين إذا رأيتهم على منكر أن تبيِّن لهم المنكر وتحذرهم منه، وأما السكوت فغلط، لكن هناك منكرات ظاهرة بيِّنة لكل أحد، فهل يلزمني كلما رأيت رجلاً متلبساً بها أن أنكر عليه، حلق اللحية -مثلاً- مشتهر عند الناس الآن، الكل يعرف أنه حرام، هل يلزمني كلما مر بي رجل أو مررتُ برجل حالق لحيته أن أنكر عليه، هذه فيه صعوبة؛ لأن هذا معروف، وكذلك شرب الدخان، وأما المنكرات التي ليست ظاهرة وليست معروفة، فهذه يجب عليَّ إذا رأيتُ أحداً تلبس بها أن أنكر عليه.
وأما القسم الأول وهو المنكرات المشهورة المعروفة فهذه تقيَّد بالاستطاعة، لو أنك جلست معه على طعام أو شراب أو ما أشبه ذلك، حينئذ يوجه بالنصيحة، وإن كان من الأمور المشهورة، أما إن مر بك في السوق، فتجيء وتوقِّفه وتقول: تعال، هذا منكر، فهذا لا يلزمك.
الجواب: إذا كان المسئولون يعلمون أن هذا العوض للبنـزين أكثر مما يتحمله العمل، وفي بعض الأشهر يزيد وبعض الأشهر لا يزيد البنـزين فإذا زاد يقولون: لا بأس أن تصرفه في إصلاح السيارة فهذا طيب، وجزاك الله خيراً، أما أنه إذا زاد تأخذه لنفسك، هذا هو الممنوع.
وإذا سألتهم عن الماء قالوا: لا بأس فهذا عمل طيب، وأنت تريد الإصلاح بذلك.
الجواب: لا بأس بذلك؛ لكن هنا يحسن أن يبيَّن له قدر الفص.
الجواب: الحديث محتمل يعني قوله صلى الله عليه وسلم: ( عُرِضَت علي الأمم ) هل هو في المنام أو في اليقظة ليلة المعراج، فإذا ورد حديث صحيح يبيِّن أنه كان في ليلة المعراج فإنه يجب الأخذ به، وذلك بناءً على القاعدة المعروفة والتي دل عليها القرآن وهي رد المتشابه إلى المُحْكَم، ومنه: إذا كان النص يحتمل معنيين، ثم جاء نص آخر يعيِّن أحد المعنيَين، فإنه يجب اتباع النص الثاني، فإذا صح هذا الحديث الذي ذكرتَه أنه كان ليلة المعراج فليؤخذ به.
الجواب: لا بأس أن تجمعوا، حتى لو علمتم أنكم تصلون إلى القصيم ؛ لأن القصيم ليس بلدكم، بل حتى لو رجعتم -مثلاً- وجاء وقت صلاة الظهر وأردتم أن تجمعوا إليها العصر، وأنتم تعلمون أنكم ستصلون إلى بلدكم قبل العصر فلا بأس.
لكن في هذه الحال يعني: إذا كنت تعلم أنك ستصل إلى بلدك قبل دخول وقت الثانية الأفضل ألا تجمع؛ لكن لو جمعت فلا بأس.
الجواب: لا، أولاً: صفات الله عز وجل تنقسم إلى:
- صفات خبرية.
- صفات معنوية.
الصفات الخبرية: مثل الوجه، واليد، والعين، والساق، والقدم، هذه لم يزل الله تعالى ولا يزال متصفاً بها.
الصفات المعنوية: منها ما يتجدد أفرادُه، ومنها ما لا يتجدد، فالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، هذه لا تتجدد أفرادها، ولم يزل ولا يزال عليماً بكل شيء، ولم يزل ولا يزال قادراً على كل شيء، ولم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً، هذه لا يمكن أن نقول: إنها صفة فعلية، لا في أصلها ولا في آحادها.
هناك صفات قسم ثالث: صفات معنوية لكنها فعلية باعتبار تجدد آحادها.
فالكلام مثلاً تتجدد آحاده، تكليم الله لموسى كان في وقت موسى، وتكليم الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام كان في وقت محمد، أي أن الكلام الثاني ليس هو الكلام الأول، فهنا أفراده تتجدد، ولهذا نقول: هو صفة ذاتية باعتبار أصله أي: باعتبار أن الله لم يزل ولا يزل متكلماً، وباعتبار أفراده وآحاده يكون صفة فعلية، أما النـزول إلى السماء الدنيا فإنها صفة فعلية فقط، لأنه ينزل إلى السماء الدنيا، والسماء الدنيا مخلوقة حادثة بعد أن لم تكن، فيكون النـزول صفة فعلية فقط، لكن جنس الفعل وأن الله لم يزل ولا يزال فعالاً، هذه صفة ذاتية.
الجواب: نعم. (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل أربعة من الدواب: النملة، والنحلة، والهدد، والصُّرَد) وحرم الله تعالى قتل النفس المسلمة، فإذا آذى المسلم بقطع الطريق أو نحوه مما يُبِيْحُ قَتْلَه أُبِيْحَ قَتْلُه، ولهذا لو أن إنساناً هجم عليك يريد أخذ مالك فلا تعطه مالك، فإن قاتلك فقاتله، ويحل لك أن تقتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يريد أخذ المال، قال: (لا تعطه، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قاتلني؟ قال: إن قاتلك فقاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار) فالمؤذي يجوز قتله.
فإذا كان هذا النمل لا يندفع آذاه إلا بقتله، فاقتله ولا حرج عليك؛ لكن هناك وسيلة قبل أن يقتل وهي أن تصب على بيوته شيئاً من الجاز، فإننا جربنا هذا ورأيناه إذا صُبَّ على بيته شيء من الجاز فإنه يرتحل، ولا يبقى، فإذا أمكن ذلك فهو أحسن، وإذا لم يمكن فلا بأس بقتله.
الجواب: لا يحضرني الآن عن صحته شيء؛ لكن معناه: أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان، ويدل لهذا أن الزاني إذا زنا ماذا يُصنع به؟ يُجلد، لا نقول: نأتي به، نقرأ عليه القرآن، ونحذره من الزنا، وما أشبه ذلك، نجلده؛ لأن هذا يردعه وأمثالَه عن العودة إليه، فالمعنى صحيح، أن الله تعالى يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن؛ لكن لفظ الحديث لا يحضرني الآن.
الجواب: الحجز في المكان جائز بشرط:
أن يكون الرجل في المسجد؛ كأن يكون حجز في الصف الأول وذهب في طرف المسجد من أجل أن يقرأ وحده لئلا يشوش عليه الناس.
وبشرط آخر: أنه إذا أراد الوصول إلى مكانه في الصف الأول، فإنه يلزمه أن يتقدم إلى مكانه؛ لأنه لو تأخر لزم من ذلك أن يتخطى رقاب الناس، إلا إذا كان في المسجد باب في المقدَّم يمكنه أن يخرج من المسجد ويرجع إلى الباب من جهة الباب، فهذا لا بأس أن ينتظر حتى تطيب نفسه ثم يخرج من المسجد ويذهب إلى مكانه.
الجواب: إذا نوى الطلاق فإنه لا يقع الطلاق، بل لو حدَّث نفسه أنه يطلق؛ فإنه لا يقع الطلاق، لو قال: سأكتب ورقة طلاق امرأتي الآن، ثم أتى بالقرطاس والقلم؛ ولكنه عدل عن هذا، فلا طلاق، دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تعمل، أو تتكلم) وهذه نعمة من الله، هذا بالنسبة للإنسان العادي الذي هو متزن.
أما بالنسبة للإنسان الموسوس فهذا لا يقع طلاقه ولو تلفظ بالطلاق؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- يُبْتلى بالوسواس في أهله، فتجده يُطَلِّق زوجته غصباً عليه، حتى إنه لو فتش المصحف أو الكتاب ليقرأ قال له الشيطان: إنك قلتَ: إن فتشتُ الكتاب فامرأتي طالق، حتى إنه يوسوس إليه في كل شيء، وهذا لا يقع طلاقه حتى لو كتبه بيده ونطق به بلسانه، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) والإغلاق معناه: أنه يغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة.
الجواب: إذا كنتم جماعة في مكان بعيد عن المساجد فلا بأس، وإن كنتم في مكان قريب فأنتم وأهل البلد سواء؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار) وقوله للرجل الذي استأذنه أن يدع الجماعة قال: (تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب) وكذلك الجمعة إذا كنتم في بلد وأقيمت الجمعة وجب عليكم حضور الجمعة؛ لعموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9].
الجواب: بالنسبة لهذا الحديث اختلف العلماء في صحته هل هو صحيح: (إن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره، وأخرج منه ذريته وقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي) فيه كلام طويل عريض للعلماء، وليس فيه حجة للجبرية؛ وذلك لأن الإنسان يفعل ما يريد باختياره، وهل أحد منا يعلم أنه من أهل النار أو من أهل الجنة؟
لا أحد يعلم، فإذا كان لا يعلم؛ فلماذا أقدم على فعل أهل النار، لماذا لم يقدر نفسه أنه من أهل الجنة ويعمل بعمل أهل الجنة؟!
فلا حجة للجبرية في كل النصوص التي تدل على أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ لأننا نقول للإنسان العاصي، أو الذي يقول: إنه مجبر: ما دليلك على أن الله تعالى خلقك من أهل النار؟! لا أحد يستطيع أن يعرف؛ لأن القدر سر مكتوم لا يُعْلَم إلا إذا وَقَع: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً [لقمان:34] فلا حجة للجبرية في النصوص الدالة على أن كل شيء مكتوب ومقدر.
الجواب: المهم أن الجمار -بارك الله فيك- حصى من أي مكان أخذتها خذها حتى من عند الحوض لا مانع.
لكن الواحد والعشرين في الأولى ما لك منها إلا سبع.
الجواب: نعم، أما جلب غير المسلمين إلى هذه البلاد فلا أشك أنه خلاف الأولى، وأن الأولى ألا يأتي لهذه البلاد إلا رجال مسلمون، ونساء مسلمات، وقد قال الله تعالى وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221] لكن لا نقول: إنه حرام، الحرام أن يأتي الكافر يسكن في الجزيرة ، هذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، لكن إذا جاءوا عمالاً أو تجاراً فلا بأس، وكذلك إذا جاءوا خداماً لأنهم تبع لأسيادهم، ولهذا كان الذي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه غلامٌ مجوسيٌّ في المدينة للمغيرة بن شعبة ، وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي في المدينة أيضاً.
فهؤلاء العمال الذين هم نصارى عند المسجد إذا كان يحصل منهم أذية للمسجد بحيث يشتغلون والناس يصلون فإنه يجب منعهم، وأما إذا لم يكن منهم أذية فلا يجوز أن نمنعهم؛ لأننا لو منعناهم تضرر الذي أتى بهم.
وخلاصة الجواب: أن نقول: متى أمكن أن تأتي بعمال مسلمين فهو الأَولى، وإذا لم يمكن فلا حرج أن يأتي هؤلاء العمال ويعملوا؛ لكن إن تأذى بهم المسجد أو أهله، فإنهم يُمْنَعون.
الله يوفقنا وإياكم للخير والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر