أما بعد:
هذا هو اللقاء السادس والثلاثون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثامن والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ).
نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بالكلام على تفسير كلام الله عز وجل، الذي هو أشرف الكلام وأفضله وأنفعه للقلوب، فإن الله سبحانه وتعالى نزَّل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليبين للناس ما نزل إليهم، وقد بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً كافياً، لكنه قد يخفى على بعض الناس إما لقصور علمه، أو لضعف فهمه، أو لغير ذلك من الأسباب المعروفة.
قرين الإنسان هو: الملَك الموكَّل به ليحفظ عنه أعماله؛ لأن الله تعالى وكل بأعمال بني آدم عناية بهم، وكل بهم ملائكة، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق:17] ، وهذا من عناية الله بك أيها الإنسان! أنْ وكَّل بك هؤلاء الملائكة يعلمون ما تفعل ويكتبونه، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه.
يقول: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أي: حاضر، ويحضر للإنسان.
قوله: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ قد يُشكل على طالب العلم؛ لأنه قال: وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ القرين مفرد وهنا أَلْقِيَا فيها ألف التثنية، فكيف صح أن يخاطَب الواحد بخطاب الاثنين؟!
اختلف المفسرون في الجواب عن هذا:
فقال بعضهم: أَلْقِيَا ثنيت الجملة أو اتصل بها ضمير التثنية بناءً على تكرار الفعل فيـكون قوله: أَلْقِيَا مثل قوله: ألقِ ألقِ، فالتكرار إذاً للفعل لا للفاعل، هذا قول.
القول الثاني: وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ إما أن يكون مفرداً مضافاً، والمعروف أن المفرد المضاف يكون للعموم، فيشمل كل ما ثبت من قرين، وعلى هذا فيكون وَقَالَ قَرِينُهُ أي: الملَكان الموكَّلان به.
فإذا قال قائل: أروني دليلاً أو شاهداً على أن المفرد يكون لأكثر من واحد.
قلنا: مرحباً، يقول الله عز وجل: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] وهل نعمة الله واحدة؟!
لا؛ لأن الله تعالى قال: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20] ؛ لكن نعمة الله مفرد مضاف فيكون شاملاً لكل نعمة.
ويمكن أن يقول قائل: إن قوله: وَقَالَ قَرِينُهُ هو: واحد من الملكَين، ولا شك أنه يجوز أن يتكلم واحد من الاثنين باسم الاثنين.
وعلى كل حال فيكون قوله: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ على بابه، أي: أن الضمير هنا ضمير تثنية الفاعل.
كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ [ق:24-26] ستة أوصاف:
كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ : و(كَفَّار) أما أن يقال: إنها صيغة مبالغة؛ لأن هذا الكافر قد فعل أنواعاً من الكفر، فإذا جمعت الأنواع صارت كثيرة.
وقد يقال: إن هذه الصيغة ليست صيغة مبالغة وإنما هي صيغة نسبة، كما يقال: نجار وحداد وما أشبه ذلك ممن يُنسب إلى هذه الحرفة، فيكون المعنى كَفَّار أي: كافر ؛ لكن قد تمكن الكفر في قلبه والعياذ بالله.
عَنِيدٍ أي: معاند للحق، لا يقبل مهما عُرِض له الحق بصورة شيقة بينة واضحة لا يقبل.
الوصف الثالث: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع الخير، فيمنع الدعوة إلى الله، ويمنع بذل أمواله فيما يرضي الله، ويمنع كل خير؛ لأن قوله: لِلْخَيْرِ لفظ عام يشمل كل خير، وقوله: مَنَّاعٍ كأنه يلتمس كل خير فيمنعه، فتكون هذه الصيغة صيغة مبالغة.
مُعْتَدٍ أي: يعتدي على غيره، يعني: ليته يمنع غيره من الخير، بل يعتدي عليه، انظروا -مثلاً- إلى كفار قريش، ماذا صنعوا مع الرسول؟! منعوه من الخير واعتدوا عليه.
مُرِيبٍ أي: واقع في الريبة والشك والقلق، وكذلك أيضاً يشكك غيره فيدخل في قلبه الريبة، فكلمة مريب تقتضي وصف الإنسان بها وحمل هذا الوصف إلى غيره.
الوصف السادس: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وما أوسع هذه الكلمة! وإذا كانت هذه الكلمة وصفاً للكَفَّار العنيد، فالمعنى: أنه يعبد مع الله غيره، وكلنا يعلم أن المشركين كانوا يعبدون مع الله غيره، فيعبدون اللات والعزى ومناة وهُبل، وكل قوم لهم طاغية يعبدونها كما يعبدون الله، يركعون لها، ويسجدون لها، ويحبونها كما يحبون الله، ويخافون منها كما يخافون من الله، نسأل الله العافية.
هذا إذا جعلنا الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وصفاً لهذا الكافر العنيد، أما إذا جعلناها أشمل من ذلك فإنها تعم كل إنسان تعبَّد لغير الله، وتذلَّل لغير الله، حتى التاجر الذي ليس له هم إلا تجارته وتنميتها فإنه عابد لها، حتى صاحب الإبل الذي ليس له هم إلا إبله هو عابد لها، والدليل على أن من انشغل بشيء عن طاعة الله فهو عابد له، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) عبد الدينار هذا: تاجر الذهب، عبد الدرهم: تاجر الفضة، تعس عبد الخميصة: تاجر الثياب؛ لأن الخميصة هي الثوب الجميل المنقوش، تعس عبد الخميلة: تاجر الفرش، أو ليس بتاجر؟ لا يتجر بهذه الأشياء؛ ولكنه مشغول بها عن طاعة الله، (إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط) فسمَّى النبي صلى الله عليه وسلم من اشتغل بهذه الأشياء الأربعة عن طاعة الله سماه عبداً لها.
أيضاً في القرآن الكريم ما يدل على أن العبادة أوسـع من هـذا أيـضاً قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43] فدل ذلك على أن كل من قدم هوى نفسه على هدى ربه فهو قد اتخذه إلهاً، ولهذا يمكننا أن نقول: إن جميع المعاصي داخلة في الشرك بهذا المعنى، حيث أنه قدمها على مرضاة الله تعالى وطاعته فجعل هذا شريكاً لله عز وجل في تعبده له، واتباعه إياه.
فالشرك أمره عظيم وخطره جسيم حتى الرجل إذا تصدق بدرهم وهو يلاحظ لعل الناس يرونه ليمدحوه ويقولون: إنه رجل كريم، يعتبر مشركاً مرائياً، والرياء شرك، أخوف ما خاف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته الشرك الخفي، وهو: الرياء.
فعلى هذا نقول: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ [ق:26] : إن أردت أنها وصفاً خاصاً بالكَفَّار العنيد فإنها تختص بمن يعبد الصنم والوثن، وإن أردتها بالعموم فهي تشمل كل من اشتغل بغير الله عن طاعة الله، وعرفتم الأمثلة والأدلة على ما ذكرنا.
قال الله تعالى: فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ [ق:26] وهو عذاب النار، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها بمنه وكرمه.
هو يدَّعي أن قرينه هو الذي أطغاه، وهو الذي صده عن سبيل الله، فيقول قرينه: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ما أمرته أن يكفر ولا أن يكون عنيداً، ولا أن يكون معتدياً، ولا أن يكون مريباً، ولا أن يكون مشركاً مع الله أحداً، ما فعلتُ هذا.
وَلَكِنْ كَانَ أي: هذا الكافر، فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ عن الحق، حينئذ لدينا خصمان:
- الكافر العنيد.
- والقرين.
الكافر العنيد يدعي أن القرين هو الذي أغواه وأطغاه، والقرين ينكر ذلك.
وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ [ق:28] :-
أي: أوعدتكم على المخالفة فلا حجة لكم.
يعني لا أحد يستطيع أن يبدل قولي؛ لأن الحكم لله عز وجل وحده، فإذا كان الله تعالى قد وعد أو أوعد فهو صادق في وعده سبحانه وتعالى، وأما الإيعاد فقد يغفر ما شاء من الذنوب إلا الشرك.
وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ يعني: لستُ أظلم أحداً، وكلمة (ظلاَّم) لا تظن أنها صيغة مبالغة وأن المعنى أني لست كثير الظلم، بل هي من باب النسبة أي: لست بذي ظلم، والدليل على أنه يتعين أن يكون هذا المعنى قوله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء:40] .
ويقول عز وجل: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً [طه:112] .
ويقول عز وجل: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] .
والآيات كثيرة في أن الله لا يظلم، بل إننا إذا تأملنا وجدنا أن فضل الله وإحسانه أكثر من عدله وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40] ، جزاء حسنة عشرة أمثالها، لو أردنا نأخذ بالعدل لكانت سيئة بالسيئة والحسنة بالحسنة، لكن فضل الله زائد على عدله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى يجزي بالفضل والإحسان لمن كان محسناً، وبالعدل بدون زيادة لمن كان مسيئاً مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ .
ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذه السورة.
نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يجعل علمنا دالاً لنا على مرضاته، إنه على كل شيء قدير.
الجواب: رأينا أننا نعطيكم -بارك الله فيكم- قاعدة: كل شيء فيه إما أن الإنسان يسلم وإن خسر أو يغنم فهذا لا بأس به؛ لأنه إما خير يأتيه والخير مطلوب، وأما الغرم ما عليه هو، فمثلاً: إذا قال صاحب المحطة: من عبأ كذا وكذا لتراً، فأنا أغسل له السيارة مجاناً وهو يبيع البنزين كسائر الناس ولا يزيد، فإذا عبأ الإنسان منه هذا القدر فإنه لم يخسر شيئاً، لكنه ربح لأن سيارته تنظَّف وتغسل، إذاً فهذا العقد صحيح.
لكن بعض الناس يقول: إن هذا فيه قطع رزق للمحطات الأخرى التي لم تضع هذه الجائزة.
فنقول: المحطات الأخرى ما تُمْنَع، إذا كان هذا يغسل بعد مائتي لتر يقول الثاني: أنا أغسل بعد مائة وتسعين لتراً، وحينئذ لا يضره، نعم لو فُرِض أن الناس في هذه الحال تسابقوا إلى هذه الجائزة وضر بعضهم بعضاً فحينئذ لولي الأمر أن يتدخل في الموضوع ويمنع، أما إذا صار الأمر عادياً فلا بأس به.
الشيخ: يعني: الخادمة سافرت!
السائل: إي نعم.
الشيخ: أقول: إن عمل الزوجة وأخذها من الدراهم التي أعطى زوجها للخادمة خطأ عظيم، فعليها أن تتوب إلى الله عز وجل، وإذا كانت تعرف عنوان الخادمة فلترسل إليها ما أخذته، يجب وجوباً، وإذا كانت لا تعرف فلتتصدق به، تنويه عن الخادمة إذا كانت مسلمة، وإن كانت كافرة تتصدق به تخلصاً منه.
الشيخ: لأهلك؟
السائل: نعم.
الشيخ: إذا قدم الإنسان إلى أهله الخميس والجمعة فإنه انتهى سفره، فعليه أن يتم الصلاة، ولا يحل له أن يجمع.
الشيخ: العلماء -بارك الله فيك- يقولون: إن تعمد التأخر حتى سجد الإمام وقام بطلت صلاته؛ لأنه إمامه سبقه بركن تام، وإن كان لم يتعمد مثل: أن يكون غفل، أو ما سمع الصوت؛ صوت الإمام، فإنه يأتي بالركن الذي فاته، ويتابع الإمام.
وعلى هذا فإذا قام الإمام من السجود إلى القيام وهو غافل نقول: اسجد وتابع الإمام.
السائل: وما حكم إذا ترك واجباً من الواجبات، مثل: التسبيح، سبحان ربي الأعلى!
الشيخ: مثلاً لو سجد متابعاً مع الإمام؛ لكن نسي أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود نقول بارك الله فيك: في هذه الحال يجب عليك سجود السهو، إلا إذا كنتَ داخلاً مع الإمام من أول الصلاة فإن الإمام يتحمل عنك السجود ولا تسجد.
الجواب: أهم شيء -بارك الله فيكم- بالنسبة لحفظ القرآن أو غيره من المتون: أن يحفظها الإنسان وهو صغير؛ لأن الحفظ في الصغر أسرع وأثبت.
ثم شيء آخر: أن يتفرغ لما يريد حفظه، بمعنى لا يشتغل بغيره.
ثالثاً: أن يتعهد ما حفظ؛ لأن بعض الناس يحفظ ولكنه لا يتعاهد ما مضى ثم ينساه، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتعاهد القرآن وقال: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده! لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) .
هذه ثلاثة أشياء هي من أهم الأمور المعينة على حفظ القرآن.
واعلم أن الناس يختلفون في سرعة الحفظ وسرعة النسيان اختلافاً عظيماً، وخيرهم سريع الحفظ بطيء النسيان.
الشيخ: والثالثة؟ أنت قلت: ثلاث.
السائل: إي نعم، ثلاث.
الشيخ: ثلاث فئات، الفئة الأولى ...
السائل: الفئة الأولى: خرجوا وصلوا ركعتين على العشاء، والفئتين الثانية والثالثة دخلوا مع الإمام، فبعضهم أكمل أربع ركعات، وبعضهم حينما جلس الإمام للتشهد الأول بعد الركعتين جلس، فانتظر الإمام حتى سلم فسلم معه، فهل عمل هؤلاء صحيح؟
الشيخ: هؤلاء كلهم على صواب.
أما الذين انفردوا وصلوا العشاء وحدهم فهم على صواب لأن بعض أهل العلم يقول: لا يمكن أن يصلي إنسان العشاء خلف من يصلي المغرب، وأنه لو صلى العشاء خلف من يصلي المغرب بطلت صلاته، هؤلاء صحت صلاتهم.
الآخرون الذين لما قام الإمام إلى الثالثة وهم قد نووا القصر يقولون: نحن نعتقد أن هذه الركعة ثالثة غير مشروعة لنا، فجلسوا إما أن يسلموا وحدهم وإما أن ينتظروا الإمام أيضاً على صواب.
والثالثة: الذين قالوا: ما دام الإمام يصلي يجب علينا متابعته ثم إذا سلم قضينا الرابعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأهل مكة ركعتين كان يقول: (أتموا يا أهل مكة! فإنا قوم سَفُر)فإذا صلى الركعتين وسلم قاموا فأتموا، وهذا كان في غزوة الفتح. فالكل إن شاء الله على صواب.
لكن الذي أرى في مثل هذه الحال ألا تتفرق الأمة، وأن يدخلوا مع الناس في صلاة المغرب والأحوط في حقهم أن يتابعوا الإمام في الثلاث ثم إذا سلم أتموا لأنفسهم، هذا أحوط الأقوال الثلاث.
السائل: حتى الذي جلس وصلى ركعتين لا تبطل صلاته؟
الشيخ: لا، ما عليه ذنب.
الشيخ: أرى أنه أحسن صنعاً في كونه ينصحهم، ويتابع النصيحة وإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فليس عليه من إثمهم شيء.
يبقى النظر حق الجار هل يسقط لكون جاره عاصياً؟
لا يسقط، الجار له حق ولو كان عاصياً حتى لو كان كافراً، له حق الجوار، ولكن لو قدرنا أنه بهجره إياهم تصلح أحوالهم وصار الهجر دواءً فهذا طيب لا بأس، لكن كما ترى اليوم الهجر لا يزيد العاصي إلا شدة وكراهية لصاحبه، يعني نحن نسمع وجربنا أنه ما ينفع الهجر الآن، لو كان الناس إذا هُجِر العاصي عاد كحال كعب بن مالك وصاحبيه، لقلنا: لا بأس، لكن الأمر بالعكس، فأرى أن يعطيهم حقهم وألا يفرط في دعوتهم يدعوهم مرة بعد مرة ولا يكثر عليهم فيضجروا.
السائل: وما موقف الإمام من هؤلاء؟
الشيخ: الإمام أيضاً نفس الشيء، الإمام يدعوهم بالتي هي أحسن دون أن يكون علناً أمام جماعة، مثلاً يذهب إلى أحدهم في البيت أو يدعوه إلى بيته، والناس اليوم مع الأسف لا ينفع معهم إلا اللين غالباً، إلا إنسان ذو سلطة وإمرة هذا يجب أن يستعمل إما اللين أو الشدة حسب ما تقتضيه الحال.
السائل: إذا طلبت الهيئة من الإمام إعلامهم بتشكيل الأسماء الذين لا يصلون بعد أن تم نصحهم مرتين، أو ثلاثاً، أو عشراً، ولا زالوا مستمرين في عدم الصلاة، خمس صلوات!
الشيخ: أن أرى أن الإمام إذا طُلب منه من جهة رسمية أن يكتب أسماء المتخلفين بعد أن ينصحهم أرى أنه يجب عليه أن يفعل؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، والحمد لله إن الله خفف عليه، ما قلنا: لابد أنت تذهب إلى بيوتهم وتطلعهم، ما نقول هذا، أدنى الواجب أن تخبر من له الأمر.
الشيخ: الركعة الأولى؟
السائل: إي نعم.
الشيخ: يعني: يبني عليها.
السائل: يبني عليها، الركوع الأول فاته!
الشيخ: يجب عليه أن يأتي بالركعة الثانية؛ لأنه لما دخل مع الإمام التزم بصلاة الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهذا الإنسان مخير قبل أن يدخل إن شاء دخل وحصل الأجر، وشارك الناس في فرض الكفاية، وإن لم يشأ لم يدخل، لكن إذا دخل التزم وتوجه إليه الخطاب الذي سمعت من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) اللهم إلا أن يكون له عذر مثل أن احتبس بوله أو ريح أو ما أشبه ذلك يضطر إلى أن يقطع الصلاة فيقطعها ولا إثم عليه.
الجواب: لا، هو على كل حال كلمة: (إن كان كلياً فمعصية) فيه نظر؛ لكن كأنه والله أعلم أخذه من قول الإمام أحمد رحمه الله: (من ترك الوتر فهو رجل سوء ينبغي ألا تقبل له شهادة) مع أن الوتر سنة على ما ذهب إليه الإمام أحمد ، وكذلك قال أصحاب الإمام أحمد : من ترك الرواتب وإن كانت ليست بواجبة فإنها لا تقبل شهادته، وما قال من التفصيل جيد، يعني مثلاً: إذا ترك الإنسان المسنون تعبداً، يعني يتعبد لله بتركه صار مبتدعاً؛ لأن الترك بنية كالفعل، وأما إذا تركه تضييعاً أو تكاسلاً أو تهاوناً أو يقول: الواجب هو الواجب وغير الواجب فليس بواجب فلا شيء عليه، سواءً كان كلياً أو جزئياً.
الجواب: العدسات الملونة أولاً: لابد من مراجعة الطبيب، هل هذا يضر على العين أو لا يضر، هذا قبل كل شيء.
ثانياً: إذا تقرر إنها لا تضر، نَظَرْنا إذا كانت هذه العدسات تجعل العين كعيون الحيوان فهذه لا تجوز؛ لأن التشبه بالحيوان مذموم، وأما إذا كان أنها تعطي جمالاً فهذا لا بأس به؛ لأن الأصل الإباحة.
الجواب: هذا سؤال مهم إذا اجتمعت عبادتان فهل يُكتفى بإحداهما عن الأخرى؟
إن كانت العبادة مقصودة بذاتها فإنها لا تجزئ عن الأخرى، لابد من فعل الثنتين جميعاً، وإذا كانت غير مقصودة بذاتها، وإنما المقصود حصول هذا الفعل بأي وصف وصفناه، اكتُفي بواحدة عن الأخرى، فمثلاً الغسل يوم الجمعة عن جنابة ومن أجل الجمعة نقول: المقصود بغسل يوم الجمعة هو: الطهارة والتنظف، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام للصحابة الذين يأتون من العوالي ومن أمكنة بعيدة ويكون فيهم العرق والرائحة قال: (لو أنكم تطهرتم يومكم هذا) فهنا المقصود والتطيب لكن بأمر الرسول به صار عبادة.
نقول الآن: إذا نوى بغسل الجنابة كفى عن غسل الجمعة، كما تكفي الفريضة عن تحية المسجد، وإذا نوى غسل الجمعة لم يجزئ عن الجنابة؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث وغسل الجنابة عن حدث، ولهذا لو تعمد ترك غسل الجمعة وصلى الجمعة صحت صلاته، لكن لو تعمد ترك غسل الجنابة أو لم يتعمد وصلى الجمعة وهو عليه الجنابة فإن صلاته لا تصح.
أما مسألة سنة الفجر مع سنة الإشراق أو سنة الضحى فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى؛ لأن سنة الضحى مقصودة بذاتها، ولهذا لو كان على الإنسان مثلاً راتبة الظهر الأولى أربع ركعات في تسليمتين لو أنه فاته ذلك في الأول، جاء والإمام يصلي وأراد أن يقضيها، هل يصلي ركعتين عن الأربع؟ فهذا التفصيل هو الذي في الشرح، إذا كانت العبادة مقصودة بذاتها فلابد من فعلها ولا تجزئ الأخرى عنها، وإذا كان المقصود حصول ذلك الفعل على أي وصف كان اكتُفي بواحدة عن الأخرى، لكن يُكتفى بالكبيرة عن الصغيرة، ولا يكتفى بالصغيرة عن الكبيرة.
الجواب: هذا سؤال مهم وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإمام: (إذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فهل إذا عجز عن السجود -أعني: الإمام- هل يُطلب من المأمومين ألا يسجدوا؟
الجواب: يرى بعض العلماء أن الإمام إذا عجز عن ركن سوى القيام فإنه لا يجوز للقادر عليه أن يأتَمَّ به، يعني هذا الإمام إن عجز عن السجود لا يجوز للآخرين الذين يستطيعون السجود أن يأتموا به، بل يبحثوا عن إمام آخر، وبناءً على هذا القول هل يَرِد هذا السؤال أم لا؟ لا يَرِد هذا السؤال؛ لأنهم أصلاً ليسوا مصليين معه؛ لكن الصحيح أنه يصح أن يأتم المأموم القادر على الركن بالعاجز عنه، ففي هذه الحال نقول: إذا سجد الإمام فهو يجب عليه أن يسجد إلى قريب من الأرض، بحيث لا يتضرر، وعلى المأمومين أن يسجدوا على الأرض، لا يتابعونه في هذا، فإذا قال قائل: ما الفرق بين القيام والسجود؟
قلنا: الفرق بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام، لما صلى بأصحابه قاعداً وهم قيام أشار إليهم إن اجلسوا ثم بيَّن لهم الحكمة قال: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم على ملوكها) لأنه إن صار الإمام قاعداً والناس كلهم وراءه قيام، صاروا كأنهم قائمون عليه، والقيام على الرجل منهيٌّ عنه إلا إذا كان فيه مصلحة.
إذاً: نقول: على القول الراجح: عليهم أن يسجدوا على الأرض وهو يسجد إلى قرب الأرض إلى الحد الذي يمكن أن يصل إليه.
الجواب: نقول: ليس من الربا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (خيركم أحسنكم قضاءً) وكما أنه يجوز أن أعطيه أحسن مما استقرضتُ منه في الوصف فكذلك أزيَد في العدل ولا فرق، يعني لو أنك استسلفتَ منه صاع أرز من الأرز الوسط، ثم أعطيتَه صاع أرز من الأرز الجيد، يجوز أو لا؟ يجوز.
إذاً: لو أعطيته صاعاً ونصف ما هناك مانع، بشرط ألا يكون مشروطاً عند القرض، فإن كان مشروطاً عند القرض، فلا يجوز.
الشيخ: والله هو الواجب على الكفلاء بالنسبة للقادمين من الخدم وغير الخدم، كالسائقين والعمال، الواجب عليهم أن يدعوهم إلى الإسلام؛ لأن الله تعالى أمر بذلك: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125] ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذ بن جبل أن يدعو أهل اليمن إلى الإسلام، وأمر علي بن أبي طالب أن يدعو أهل خيبر إلى الإسلام، فالكفلاء يجب عليهم أن يدعوا مَن عندَهم من غير المسلمين إلى الإسلام، بقدر المستطاع، وإذا كانوا يعلمونها كيف تطبخ، كيف تغسل الإناء، كيف تفرش المكان، لماذا لا يعلمونها الصلاة والطهارة؟! أيهما أنفع للإنسان؟! الأنفع أن نعلمها أمور الدين، تنتفع هي، وينتفع هو، وربما أن الله يهدي على يديها هي أيضاً من أهلها.
ثم أنت تقول أنها لا تفهم؟
السائل: نعم؟
الشيخ: سبحان الله! لا تفهم؟! أليست تفهم الطبخ والأشياء التي لا تعرفها في بلادها، تفهم لكن الناس يقصرون، إذا كلمها مرة أو مرتين أو ثلاث وإذا ما عرفت، قال: ما فيها خير، أو يجيب مثلاً نظيرتها من التي كانت جاءت من قبل، وإلاَّ أول ما تجيء هناك صعوبة، حتى يعني ما تعرف شيئاً إلا بالإشارة.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.
وإلى اللقاء الآخر إن شاء الله تعالى، وجزاكم الله خيراً، وأبشروا بالخير فإن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
نسأل الله تعالى أن يسهل لنا ولكم طريقاً إلى الجنة، إنه على كل شيء قدير.
الجواب: يحصل به ويجوز ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر