أما بعد:
فهذا هو اللقاء الرابع والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس العاشر من شهر صفر عام (1419هـ) وسيكون هذا اللقاء ختام هذا الفصل من الدراسة إلى أن تبدأ الدراسة إن شاء الله في الفصل الثاني بعد نحو ثلاثة أشهر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا ولكم بالخير.
قال العلماء: وما من آية أوتيها نبيٌ من الأنبياء السابقين إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلها أو أشد. ولكن قد تكون غير متوفرة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لكنها موجودة في أمته الذين اتبعوه، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء: أن كل كرامة لولي فهي آيةٌ للنبي الذي اتبعه؛ لأن هذه الكرامة تشهد بصدق ما كان عليه الولي، وهذا الولي تابع لرسولٍ سابق، فيكون في ذلك آية على أن هذا الشرع الذي عليه هذا الولي حق، وهذه تكون آية للنبي، فالقاعدة الآن: أن كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه.
وعليه فنقول: من آيات موسى أنه ضرب الحجر وإذا ضربه انفجر عيوناً تنبع ماءً من حجر يابس، فهل كان للرسول صلى الله عليه وسلم مثله؟
الجواب: كان له أعظم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جيء إليه بقدحٍ من ماء وليس مع الناس ماءٌ إلا ما في هذه الركوة، فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابع يده كالعيون -سبحان الله!- هذه أعظم من آية موسى، يعني: آية موسى يخرج الماء من الحجر، وخروج الماء من الحجر معتاد، كما قال تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ [البقرة:74] لكن هل جرت العادة أن يخرج الماء من الإناء الذي بينه وبين الأرض فاصل؟ لا. إذاً هذه أعظم.
موسى عليه الصلاة والسلام ضرب البحر فانفلق فكان أسواقاً يابسة، وهذه لا شك آيةٌ عظيمة، جرى لهذه الأمة أعظم من هذه، مشوا على الماء دون أن يُضْرَب لهم طريقٌ يابس، مشوا على الماء المائع الهين الذي يغوص فيه من يقع فيه بدوابهم وأرجلهم ولم يغرقوا، في قصة العلاء الحضرمي ، وفي قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، مشوا على الماء، وهذا أعظم من أن يمشوا على الأرض التي تتفرق عنها الماء.
فالمهم: أنه ما من نبيٍ بعثه الله إلا أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، قلنا: هذا رحمةً وحكمة، رحمةً بالناس من أجل أن تحملهم هذه الآيات على التصديق فينجون من عذاب الله، حكمة لأنه ليس من الحكمة أن يقوم إنسان من بين الناس ويقول: أنا رسول الله، حتى يؤتى آيات.
من آية صالح هذه الناقة لها شرب ولثمود شرب، لها يوم ولهؤلاء يوم، هذه من آيات الله، وقع مثلها للرسول عليه الصلاة والسلام في الهجرة، فإنه مر براعي غنم وعنده ماعز أو ضأن ليس فيها لبن فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضروعها فجعلت تدر باللبن.
إذاً ننظر الآن: الشبهة الأولى: أنهم قالوا: إنه بشر، الثانية: أنه منا، لا يتميز علينا بشيء، الثالثة: أنه واحد لم يؤيد، والله عز وجل يقول: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ [يس:13-14] قويناهم، هؤلاء يقولون: واحد ما يكفي، لابد أن يعزز بثانٍ وثالث، الرابع: أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا [القمر:25] يعني: كيف يلقى عليه الذكر والوحي من بيننا؟! هذا لا يمكن.
إذاً: أربع شبهات وهم يرونها حججاً توجب رد صالح عليه الصلاة والسلام، والواقع أنها ليست بحجة، بل هي شبه وتضليل، وهكذا المبطلون يا إخوان! في كل زمانٍ ومكان يوردون الشبه على الحق، ولكن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبين الحق ليهلك من هلك عن بينه، ويحيا من حي عن بينة، ثم قالوا: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ [القمر:25] (بل) هنا لإبطال دعواهم، و(كذاب) صيغة مبالغة وفي نفس الوقت وصف؛ لأن كلمة فعال تأتي للمبالغة، وتأتي للوصف، فإذا قلت: فلان نجار، يعني: من النجارين، وإلا ما ينجر إلا مرة واحدة، وإذا قلت: فلان حداد لكثرة استعمال الحديد صارت مبالغة، هم يرونه -والعياذ بالله- أنه كذاب موصوفٌ بالكذب ليس له صفة إلا الكذب، وكثرة الكذب أيضاً (أشر) أي: بطر، متعالٍ، متعاظم، مستكبر، مدع ما ليس له.
قلنا: إن الله يقول: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب:63]، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى:17] ومن الأمثال العابرة: كل آتٍ قريب. الذي بقي عليه ألف سنة أقرب من الذي لم يمض عليه إلا عشر دقائق، لأن الذي مضى عليه عشر دقائق لا يمكن أن يرجع، لكن المستقبل لا بد أن يأتي: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام:134].
إذاً (سيعلمون) السين هنا للتحقيق والتقريب: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر:26] غداً يوم القيامة، سمي غداً لأنه يأتي بعد يومك، سيعلمون من الكذاب الأشر، فمن هو الآن؟ أصالح أم ثمود؟ ثمود، سيعلمون يوم القيامة من هو الكاذب الأشر أصالح هو الكذاب الأشر، أم هؤلاء؟ وهذا وعيدٌ عظيم: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227] الإنسان في غفلة عن هذا اليوم العظيم، قال الله تعالى: بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا [المؤمنون:63] أي: بل قلوبهم في غمرة مغطاة عن عمل الآخرة: وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ [المؤمنون:63] يعني: أعمال الدنيا هم لها عاملون، أتى بجملة اسمية، يعني: أنهم محققون للعمل فيه، لا يتركونها ولا يفرطون فيها وأما الآخرة فهم في غفلةٍ منها.
فهنا الناقة أرسلها الله تعالى فتنة لثمود لكن ما أغنتهم.
قال تعالى: فَتَعَاطَى فَعَقَرَ تعاطى: تفاعل، من العطاء يعني: بذل نفسه وبسرعة، الفاء تدل على السرعة في قوله: فَتَعَاطَى من حين نادوه على الفور وافق: فَعَقَرَ عقر الناقة -نسأل الله العافية- قطع أطرافها أولاً، ثم نحرها ثانياً، وهي من آيات الله عز وجل، ومن مصالحهم، لكن نسأل الله العافية نفوسهم لا تقبل: فَتَعَاطَى فَعَقَرَ .
الجواب: إذا كان الإنسان محتاجاً لذلك، إما خوفاً على ماله، أو لأي سبب من الأسباب، فلا حرج عليه أن يضعه في هذه البنوك، لكن يختار أقلها معاملةً بالربا.
والقسم الإسلامي عندما نعلم عنه، ما دام أنه إسلامي وهناك لجنة شرعية؛ نرجو الله أن يكونوا صادقين في هذا، فيوضع في هذا القسم من البنك.
الجواب: صيام النفل كسائر التطوعات إن شاء الإنسان صامها وإن شاء تركها، لكن لا ينبغي للإنسان إذا عمل عملاً إلا أن يثبته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عمر : (يا
فأقول للأخ: استمر، وإذا كنت مسافراً فانظر الأيسر لك: إن كان الأيسر أن يصومه صام، وإن كان الأيسر أن يفطر أفطر.
وأما خوف الرياء فلا يهتم به؛ لأن الشيطان يخوف الرجل إذا رآه مقبلاً على العبادة فيقول: أنت مراءٍ، فليستعذ من الشيطان الرجيم وليمضِ في عمله ولا يهمه هذا.
الجواب: الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب.
الجواب: الجمع بينهما: أنه إذا كان في حال مرور الجنازة لا بأس به، وأما إذا كان بعد ذلك فلا حاجة له ولا فائدة منه.
الجواب: أقول: هذا غلطٌ منهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) فهو يقول: (فما أدركتم فصلوا) وهؤلاء أدركوا السجود فليصلوا، وفي حديثٍ آخر وإن كان ضعيفاً: (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال، فليصنع كما يصنع الإمام) وهذا الأصح أنه موقوف، لكن على كل حال: (ما أدركتم فصلوا) يغني عنه، فيدخلون معه، يكبرون تكبيرة الإحرام، ولا يستفتحون، بل يسجدون في الحال، وهل إذا سجدوا يكبرون؟
عند فقهائنا رحمهم الله: أنهم لا يكبرون إذا سجدوا، قالوا: إن هذا انتقال إلى ركنٍ آخر لا تدرك به الصلاة، وأيضاً: انتقال إلى ركنٍ آخر لا يلي الركن الذي هو فيه وهو القيام، ولذلك لو أدرك الإمام راكعاً لكبر أولاً للإحرام، ثم كبر للركوع، أما هذا فيكبر للإحرام ثم يسجد بدون تكبير، لكن لو كبر أرجو ألا يكون فيه بأس.
الجواب: أما الميراث فليس لها ميراث؛ لأنه لم يتم عقد النكاح، فليست زوجةً له.
وأما (الشبكة) فمحل نظر، قد يقول قائل: إنها تعود إلى ورثة الخاطب؛ لأنه لم يتم الزواج، وقد يقال: إنها لا ترجع إلى ورثة الخاطب؛ لأنه لا تفريط من المرأة ولا رجوع في الخطبة فهي لها.
والاحتياط: أن تردها إلى ورثة الخاطب، والاحتياط لورثة الخاطب أن يجعلوها للمرأة المخطوبة.
الجواب: ماذا يريد بقوله: (الله يحصده العافية)؟ يريد أن يمنعه العافية ولا بأس في ذلك، لكن لو قال: الله يمنعه العافية، والله يحرمه العافية لكان أحسن، ولو عفا لكان أحسن وأحسن لقول الله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237].
الجواب: نقول: الأموات الذين ماتوا حتى لو علمنا صلاحهم قبل موتهم وأنهم من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، فإن آثارهم الحسية ذهبت لا شك، لكن قد يكون للإنسان آثار معنوية تعد من كراماته، كقبول كتبه ومؤلفاته، فمثلاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لا شك أن قبول الناس لكتبه وانتفاعهم بها من كرامات الله عز وجل لهذا الرجل، فإن هذه كرامة باقية، لكن الكرامة الحسية بمعنى: أن تنـزل البركة في ذكره أو ما أشبه ذلك هذا لا يجوز، وانتبه لقوله: الأولياء: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] لأن بعض المدعين للولاية هم من الأعداء وليسوا من الأولياء، فقد سمعنا أنه يوجد أناس في الصوفية وغير الصوفية يقولون: إنهم أولياء لله، وهم أعداءٌ لله، تجده يرى نفسه في مقام الربوبية، ويرى أن من الأولياء من هو أفضل من الأنبياء، ويرى أن لأئمتهم من المنزلة ما لا يبلغه ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل، وما أشبه ذلك، هل نعد هذا من أولياء الله أو من أعداء الله؟ هذا من أعداء الله بلا شك، حتى ولو ادعى الولاية، حتى لو فرض أن الله أجرى على يديه أشياء خارقة للعادة فهي إما من الشياطين وإما ابتلاء من الله عز وجل؛ لأن الميزان في الولاية وفي العداوة هو هذا الذي ذكره الله عز وجل بقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] هذا هو الميزان، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام رحمه الله -كلمتان مأخوذتان من آية الولاية- قال: (من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً). وقال: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين). أخذاً من قول الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فهاتان قاعدتان عظيمتان والميزان لا يبخسان، من الولي؟ المؤمن التقي، من الإمام؟ الصابر والموقن بآيات الله عز وجل.
وأما أن يأتي إلى القبر ويتمسح بالتراب فهذا حسي، هذا ما يجوز، التبرك بتراب القبر جهل وضلال:
أولاً: تراب القبر لم يمس هذا الرجل المدفون هو في الأعلى، ما له علاقة به.
والثاني: أن هذا التراب تبول عليه الكلاب، كيف يتبرك به؟!
والثالث: أن هذا لا يفيد وإن أفاد فهو امتحان من الله عز وجل.
الجواب: أي: ظهر لهم من عذاب الله ما لم يكن على بالهم، كما قال قبلها: وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا [الزمر:48] المعنى: أن هؤلاء المكذبين للرسل ما كانوا يظنون أن هذا سيقع، أن ما وعدت به الرسل وأوعدت سيقع، فظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، لكن هذا هل يفيد؟ لا، والله! ما يفيد.
الجواب: قيل: إن الناقة خرجت من صخرة، قالوا له: إن كنت صادقاً فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة، فدعا الله فخرجت، لكن هذا من الإسرائيليات التي لا نؤمن بها ولا نصدقها ولا نكذبها، والله أعلم.
الجواب: أولاً بارك الله فيه: هذا من تثبيط الشيطان، وعجباً لهؤلاء أن يقفوا ينتظرون الإمام وهم لا يدرون متى يأتي ربما يتأخر كثيراً، أليس كذلك؟ هذا أمر.
الثاني: كيف يقفون ولا يصلون والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس عادة، فهذا من جهلهم، ثم من يقول: إن الواقف ليس كالجالس، وقوفهم هذا كالجلوس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجلس حتى يصلي ركعتين) بناءً على أن الغالب أن الإنسان إذا دخل المسجد يجلس ولا يقف، فوقوفهم هذا بمعنى الجلوس، وربما يستدل بقول الرسول في أن الحائض لا تطوف على أن الدوران بمنـزلة الجلوس؛ لأن الحائض لا يحل لها أن تجلس في المسجد.
أنت نصحت وجزاك الله خيراً، وأنا إن شاء الله تعالى إن ذكرت تكلمت في هذا، وليست هذه فقط، حتى أيضاً من العجائب: إذا رأوا الإمام قاموا وإن لم تقم الصلاة، لو كان الإمام منشغلاً ذهب مثلاً يميناً أو يساراً، أو رجع، أو دخل وذكر أنه على غير وضوء فذهب يتوضأ يبقى هؤلاء واقفون؟!
الجواب: بارك الله فيك! رفع اليدين في الدعاء من آداب الدعاء، ومن أسباب الإجابة، فالأصل أن ذلك مشروع إلا إذا وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيكون غير مشروط، ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان لما رفع يديه في خطبة الجمعة في الدعاء، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا أزيد على الإشارة) اعلم أن الأصل في الدعاء هو رفع اليدين؛ لأنه من الآداب وأسباب الإجابة، إلا إذا وجد هذا الشيء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا ولم يرفع فالأفضل عدم الرفع، وينكر على من رفع.
السائل: عدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مع الترغيب فيه هل يدل هذا على أن المقتضى كان موجوداً؟
الشيخ: مثل ماذا؟
السائل: لأن رفع اليدين يقول أحد الإخوة جزاه الله خيراً لما رآني أرفع يدي بين الأذان والإقامة ويكون ذلك دائماً تقريباً يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه، فيقول الأخ هذا: إن هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل، فيقول: أنت استمرارك على هذا يدخل في قسم البدعة؟
الجواب: على كل حال: هذا خطأ فيما نرى، أولاً الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يدعو إلا عند الإقامة، ما يدريه أنه يرفع يديه وما يرفع يديه.
والثاني: أن الأصل هو استحباب رفع اليدين في الدعاء إلا إذا ورد دليل على خلافه لحديث: (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) هذه واحدة.
الثانية: أن الرسول ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، فلو أن لمد اليدين تأثيراً في قبول الدعاء ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام، كما هي القاعدة: (إن عدم النقل ليس نقلاً للعدم).
الجواب: بارك الله فيك! أنا أقول لك قاعدة مفيدة في هذا وفي غيره: أهل الباطل جعل الله لهم شبهات حتى تزيغ قلوبهم والعياذ بالله، قال الله تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) هل قبر الرسول عليه الصلاة والسلام أحدث في المسجد؟ إن قالوا: نعم، نقول: كذبتم، الصحابة ما دفنوه في المسجد، وإن قالوا: لا، قلنا: إذاً ما في ذلك حجة؛ لأن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام كان في بيته الذي مات فيه، وكان في ذلك الوقت منعزلاً عن المسجد، لم يدخل في المسجد إلا قريباً من خمسة وتسعين أو ستة وتسعين من الهجرة، أدخل في المسجد؛ لأنهم اضطروا إلى توسيعه، وكأنه لم يتيسر لهم في ذلك الوقت إلا أن يكون الاتساع من هذه الجهة، وأبقوا الحجرة قائمة بجدرانها ما دخلت في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، ولم يبن المسجد على قبره، لكن أهل الباطل يتشبثون بالشبهات؛ لأن قلوبهم زائغة والعياذ بالله، والعجب أنهم يتشبثون بالمتشابهات والمحكم يتركونه.
الجواب: أما في الواجبات فلا يجوز الإيثار، الإيثار في الواجبات لا يجوز كإنسان عنده ماء، وهو على غير وضوء وصاحبه على غير وضوء، إن أعطاه صاحبه لم يتوضأ، وإن توضأ به لم يتوضأ صاحبه، فهنا لا يجوز أن يعطي الماء صاحبه، لماذا؟ لأن الواجب عليه استعماله، كذلك أيضاً: إنسان معه ثوبٌ وقد ضاق وقت الصلاة وصاحبه ليس معه ثوب، فإن آثر به صاحبه صلى عرياناً والوقت ضيق، وإن صلى به صلى صاحبه عرياناً، هنا لا يجوز أن يؤثر.
أما غير الواجبات فإن رأى في ذلك مصلحة فلا بأس، مثل: أن يأتي والده فيتأخر عن الصف الأول ليدخل والده، وهو يعرف أن والده إذا فعل به هذا انشرح صدره؛ فهذا نعم يؤثره، وإن كان ليس به مصلحة فلا يؤثره.
الجواب: الدواء للزوج على زوجته على المذهب لا تجب؛ لأنها أمرٌ طارئ خارج عن النفقة.
والصحيح في هذا أن نتبع العرف: إن جرت العادة أن الزوج يداوي زوجته وجب عليه، وإن لم تجر العادة في ذلك لم يجب، وأظن العرف عندنا يختلف، النفقات الباهظة -مثلاَ- لو تحتاج إلى عملية في الخارج لا تلزم الزوج، والشيء اليسير يلزم الزوج، والميزان عندك اجعله دائماً بين يديك، وهو قول الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فاتبعوا العرف في هذا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر