أما بعد:
فإن الإنسان إذا فعل خطأ عن تأويل وعذر، فإنه ليس بخاطئ وإن كان مخطئاً، والفرق بين الخاطئ والمخطئ أن الخاطئ مرتكب الخطأ عن عمد، والمخطئ مرتكب الخطأ عن تأويل وعذر.
وعلى كل حال فإني أعتذر حيث إنني لم أنبه قبل الأحد الماضي على أن يكون موعد اللقاء على ما كان عليه، وهو السبت الثالث من كل شهر، وإنني بهذه المناسبة، أقول: إنه ينبغي للإنسان إذا عمل عملاً أن يثبته، وألا يغيره إلا لسبب شرعي يوجب التغيير؛ لأن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا عمل عملاً أثبته.
وقال عليه الصلاة والسلام: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) ولأن الإنسان إذا أثبت العمل لم تختل قاعدته عند الناس، ولم يكن له كل يوم رأي، فينتفع الناس به وترسخ أقدامهم على ما كان عليه.
وهذه الليلة هي ليلة الأحد الرابع والعشرين من شهر المحرم، عام خمسة عشر وأربعمائة وألف، والإجازة على الأبواب، ويا ليت شعري: كيف نمضي وقت هذه الإجازة؟
أولاً: إضاعة الأموال الكثيرة من تذاكر السفر، ومئونة الفنادق، وغير ذلك من الأموال الطائلة الهائلة.
ثانياً: إنه قد لا يسلم من انحراف عقدي، أو انحراف خلقي وإن سلم هو، فربما تبقى الصورة في أذهان الصغار، صورة تلك البلاد التي لا يسمع فيها أذان، ولا تقام فيها جماعة، وليس فيها مساجد، ليس فيها إلا الكنائس، أو صوامع اليهود، ولا يسمع فيها إلا نواقيس النصارى وأبواق اليهود، ربما ترتسم هذه الصورة في ذهن الصغير ولا ينساها أبداً، وفكروا أنتم في أنفسكم، فالشيء الذي شاهدتموه وأنتم صغار يبقى مرتسماً في أذهانكم ولا يزول.
ومن مفاسد السفر إلى الخارج أنه يبعد الإنسان عن أهله وقرابته وإخوانه وأصحابه، وقد يحتاجون إليه في يوم من الأيام، أو يحتاج هو إليهم في يوم الأيام.
ومن مفاسد السفر إلى الخارج تلك المفسدة الفادحة إذا ذهب الإنسان وليس معه أهله، فإنه قد يغريه الشيطان بارتكاب الفاحشة، وهي الزنا والعياذ بالله، أو يغتر بقول من قال من العلماء: إنه يجوز للغريب أن يتزوج بنية أن يطلق إذا سافر إلى وطنه، والعلماء الذين قالوا بهذا القول، لا يقولون: إنه يجوز للإنسان أن يسافر ليتزوج، مع أن بعض الذين لا يخافون الله اتخذوا من هذا القول وسيلة إلى أن يسافروا ليتزوجوا مدة بقائهم في البلاد التي سافروا إليها.
ولقد حكي لنا أن الرجل يذهب إلى هناك ويتزوج المرأة لمدة أسبوع، ثم يطلقها ويتزوج أخرى، ويتزوج في الشهر الواحد أربعاً أو خمساً، نسأل الله العافية، مع أنه لا يجوز للإنسان أن يجمع بين أكثر من أربع نساء، والمطلقة الرجعية في حكم الزوجة، لا يمكن أن يتزوج خامسة حتى تنقضي عدة الرابعة إذا طلقها، والمسألة خطيرة.
هذا حال قسم من الناس مع هذه الإجازة، يذهبون إلى البلاد الخارجية ويحصل لهم من الشر والفساد ما الله به عليه.
ومن الناس من يستغل هذه الإجازة في قتل الوقت، وعدم الانتفاع به، فتجده يتسكع في الأسواق، ويسهر على الأرصفة، ولا يهتم بشيء وكأنه أطلق من قيد، من أجل أن يمرح ويسرح بدون فائدة.
والذي أوصي به الشباب خاصة وسائر الناس عامة أن ينتهزوا الفرصة وألا يضيعوا من الوقت دقيقة واحدة إلا فيما فيه مصلحة ومنفعة، وإذا قدر أن الإنسان لا يملك أن يجلس عند أحد من العلماء يتعلم، وكان قد حفظ القرآن مثلاً، فليأخذ متناً من المتون الحديثية أو الفقهية أو العقدية يتحفظه، فإن لم يتمكن من ذلك، فليراجع الدروس المستقبلة، التي سيدرسها في السنة القادمة حتى يحصل على خير كثير.
والنفس وما اعتادت، إذا اعتاد الإنسان التسكع في الأسواق، وذهاب العمر سدى فإنه لن يكون جاداً بعد ذلك.
وإذا اعتاد أن يكون جاداً في جميع أحواله، سهل عليه الجد في جميع أحواله، نظراً لقصر الليل واحتياج الناس إلى الراحة والمراجعة في هذه الأيام فإني أقتصر على هذا الجزء لنراجع بعض الأسئلة، ونسأل الله لكم ولنا التوفيق والسداد.
الجواب: أقول: إن نصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم، وفي مستقبل أمتهم؛ وذلك لأن المعاصي سبب للمصائب، كما قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] والإنسان إذا جنى بانتهاك المحرمات وإضاعة الواجبات، فإن ضرره ليس على نفسه فقط، بل على نفسه وغيره، لقول الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25].
وإن نصيحتي لهؤلاء أن يناموا مبكرين حتى يستيقظوا مبكرين، ولا علاج لهذه الظاهرة التي ذكرها السائل لمن هذه حاله إلا أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، ويأخذ قسطاً من النوم في النهار كالقيلولة يستعين بها على نوم الليل، وعلى القيام لصلاة الفجر.
وأما من تعمد أن يؤخر صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وهو نائم، ولم يضبط المنبه إلا على الوقت الذي يريد أن يقوم فيه، فإني أقول له: إن صلاته مردودة عليه غير مقبولة منه، يضرب بها وجهه يوم القيامة -والعياذ بالله- ولو صلى ألف مرة فإن الله تعالى لا يقبل صلاته.
والدليل على هذا قول الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] ووقت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا أخرها عمداً إلى طلوع الشمس فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردوداً، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، فليتق الله المرء في نفسه، وليحاول بقدر ما يستطيع إن كان رجلاً أن يقوم ويصلي مع الجماعة، وإن كانت امرأة أن تقوم وتصلي مبكرة، ولا حرج أن تؤخر المرأة الصلاة إلى قرب طلوع الشمس، لكنه فاتها الأفضل، أما الرجل فلا بد أن يقوم مبكراً من أجل أن يدرك صلاة الجماعة.
الجواب: يريد السائل بالأفراح: الزواجات، حيث إنها تكثر عادة في أيام الإجازة، وهذه الزواجات لها طريقة مشروعة ولها طريقة ممنوعة.
أما الطريقة المشروعة: فهي إعلان النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعلان النكاح، ومن إعلان النكاح هذه القصور التي صار الناس الآن يتزوجون فيها، فإنها ظاهرة بقناديلها وفتحها وغير ذلك، هذا من الإعلان.
ومن الإعلان -أيضاً-: الضرب عليه بالدف والغناء المباح، وهذا بالنسبة للنساء، فلا حرج على النساء أن يغنين وأن يضربن بالدف، ولكن يكون الغناء غناء حشمة، فلا يكون فيه خطأ في كلمات الأغنية، ولا في أدائها، بألا يكون فيها كلام فاحش، ولا كلام غرام، ولا تؤدى بألحان كألحان المغنين، بل بألحان مناسبة.
وفي هذه الحال أيضاً نقول: يبعد النساء عن الرجال، ويكن في مكان بعيد، إما مسقف أو غير ذلك، ولا يحل أن تنشر أصواتهن عبر مكبر الصوت، لأن في ذلك إزعاجاً للجيران، وفيه سبب للفتنة، فإن بعض النساء قد يكون صوتها جميلاً يتلذذ الرجال به ولا سيما الشباب، فليكن الاحتفال بالغناء والدفوف في وسط مكان مسقف، أو في مكان بارح بعيداً عن الرجال، ولا يكون فيه أصوات ظاهرة.
أما الأشياء الممنوعة فكما يحصل من بعض السفهاء، أن بعض النساء أو بعض الشباب الصغار يصطحبون معهم آلات التصوير، ويصورون حفل النساء، فتبقى صور النساء ألعوبة في أيدي السفهاء، وأشد من ذلك أن يصور الحفل بأشرطة الفيديو، ثم ينشر في كل مكان، فتجده بأيدي السفهاء يباع أو يهدى أو ما أشبه ذلك.
ومن هذه الأمور الممنوعة أيضاً: أن بعض الناس -وهم والحمد لله قليل- يحضر الزوج مكان الحفل، ويجلس هو وزوجته على المنصة، وربما يقبلها أمام النساء -نسأل الله العافية- وهذا منظر فظيع مثير للشهوة.
وفيه أيضاً -أي: في حضور الزوج- مفسدة لو تفطنت لها الزوجة وأهلها لأنكروا ذلك أشد الإنكار، فمن المعلوم أن هذا الزوج قد تزوج وجاء إلى هذا المكان وهو فرح مسرور، ويرى أن زوجته من أحسن النساء، فإذا جلس أمام النساء ورأى شابات أجمل من امرأته وأحسن، فيحصل بذلك صدمة عليه ويكره امرأته التي حضر وهو يرى أنها من أجمل النساء، فإذا في بنات آدم من هي أحسن من امرأته بكثير، وحينئذ يعزف عن امرأته، ويتعقد، ويكون باله مرتبطاً بالمرأة التي رآها وهي أجمل من زوجته، لذلك نرى أن هذا مع كونه محرماً يكون سبباً في التباعد بين الزوج وزوجته الجديدة.
ومن الممنوعات أيضاً: أن بعض الناس يرسل الصغار من الأولاد من أجل أن يلتقطوا صور النساء، وهذه غير المسألة الأولى، فقد قلت: إن النساء أنفسهن يحملن آلات التصوير ويصورن، أما هذا فيرسل صبيان صغار لا يمنعهم البواب لأنهم صغار، لكن معهم آلات التصوير يصورون بها النساء، ثم يأتون بهذه الصور إلى الذين أرسلوهم من الرجال، وهذا لا شك أنه منكر عظيم.
ومن الأشياء الممنوعة: أن تجعل ولائم كثيرة لعدد قليل، ثم لا ينتفع الناس بهذه الولائم، ولا شك أن هذا من الإسراف الذي نهى الله عنه، فقد قال سبحانه وتعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31].
والإنسان يجب أن يتذكر أن هناك من بني آدم من إخوانه المسلمين في البلاد الأخرى من لا يجد كسرة الخبز، فكيف يبطر هذا البطر، ويصنع هذه الولائم الكثيرة التي لا ينتفع بها بعد، أما إذا كان ينتفع بها فالأمر أهون، لكن إذا كانت تحمل في السيارات وترمى في البر فهذا خطأ عظيم، ويخشى أن تزول النعم بمثل هذه التصرفات.
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يجامل أحداً في طاعة الله عز وجل، فيعصي الله من أجل المجاملة، فالواجب عليك حين عرض عليك هذا الطيب أن تقول له: إنه لا يجوز للمحرم، وهو يشاهدك أنك محرم، لكن قد يخفى عليه أن المحرم يحرم عليه استعمال الطيب، وربما ينسى فيطيبك، ففي هذه الحال يجب عليك أن تقول: يا أخي! إن الطيب محرم على المحرم وتمتنع منه.
وبناءً على أنك لم تفعل هذا وجاملته في معصية الله فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله مما صنعت.
والعلماء يقولون: يجب عليك واحد من أمور ثلاثة: إما ذبح شاة هناك في مكة تتصدق بها على الفقراء، وإما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع هناك أيضاً، وإما أن تصوم ثلاثة أيام ولو في بلدك، وقالوا أيضاً: يجوز أن يذبح الشاة وأن يطعم المساكين في مكة ، ويجوز في المكان الذي فعل فيه المحظور.
الجواب: النساء شقائق الرجال ويجب عليهن المحافظة على الأوقات كما يجب على الرجال، والمرأة أشد مسئولية بالنسبة للمحافظة على الوقت؛ لأن المرأة في بيتها، والنساء والحمد لله اليوم يتمكنَّ من مراجعة الكتب، ففي إمكان المرأة أن تراجع الكتب مرة، وأن تستمع إلى الأشرطة مرة، وأن تأخذ بإخوانها الصغار تدرسهم وتعلمهم مرة، وأن تشتري مثلاً ماكينة تتعلم عليها الخياطة، وما أشبه ذلك، فمجال العمل للمرأة واسع كما أن مجال العمل للرجال واسع أيضاً.
ثم إن دروس الرجال إذا كانت في وقت مناسب للنساء أمكن أن يحضرن، فمثلاً لو كان بعد المغرب يمكن للمرأة أن تحضر، وأكثر المساجد والحمد لله اليوم موجود فيها أماكن خاصة للنساء تأخذ المرأة حريتها في هذه الأمكنة، يمكنها أن تضع عباءتها وتكشف وجهها، ويمكنها أن تتكئ على الجدار، وما أشبه ذلك، فالأمر واسع والحمد لله.
الجواب: نعم يجوز أن يتزوجها، فيجوز للإنسان أن يتزوج المرأة إذا كان أخوه قد رضع من أمها، أو أختها رضعت من أمه، بشرط ألا يكون رضع هو من أمها ولا هي رضعت من أمه أو من امرأة تحرم عليه بنتها فإنه لا بأس.
ونعطي الآن قاعدة مفيدة في الرضاع، الإنسان الرضيع له آباء وأمهات، وله إخوان وأخوات، وله أعمام وعمات كل هؤلاء لا يتأثرون بالرضاع إطلاقاً، فالرضاع إذاً ينتشر إلى ذرية الراضع، ولا ينتشر إلى أصوله وهم الآباء والأمهات، ولا إلى حواشيه وهم الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
ولهذا لو أنك رضعت من امرأة ولها بنت فبنتها حرام عليك لأنها أختك، لكنها حلال لأخيك، لأنه ليس بينها وبين أخيك علاقة إطلاقاً، فهي ليست أخته من الرضاع ولا عمته ولا خالته.
- كذلك أيضاً لو أنك رضعت من امرأة ولك ابن، فهل يجوز لهذا الابن أن يتزوج بنت هذه المرأة؟
الجواب: لا. لأنها عمته، أخت أبيه.
- لو أن أخاك رضع من امرأة وكان أخوك له أبناء، فهل يجوز لأبناء أخيك أن يتزوجوا أخت هذه المرأة التي أرضعتك؟ لا يجوز لأنها خالة أبيهم، وخالة المرء خالة لذريته، وعمة الإنسان عمة له ولأبنائه ولبناته، وخال الإنسان خال له ولأبنائه ولبناته، وعم الإنسان عم له ولأبنائه ولبناته.
الجواب: كلمة: (وهي خاصة للزواج) لا أدري هل معناها أن الرجل أودع في البنوك دراهم ليتزوج بها، أم أن هذه دراهم تبرع بها أهلها للمتزوجين؟ إن كان الأول فهذه الدراهم ملك لصاحبها يجب عليه أن يؤدي فيها الزكاة، خلافاً لما يفهم بعض الناس من أن الدراهم التي يعدها الإنسان للزواج أو لشراء بيت ليس فيها زكاة، وهذا غلط، ما دامت الدراهم في ملكه ففيها الزكاة، سواء أعدها للزواج أو لشراء بيت، أو لأي غرض من الأغراض.
وأما الدراهم التي تبرع بها أهلها للزواج أو للصدقات أو للجهاد أو ما أشبه ذلك، فليس فيها زكاة، حتى الدراهم التي تبرع بها أهلها للنكبات التي تحصل على بعضهم ليس فيها زكاة، كما يوجد في بعض القبائل، حيث يضعون صندوقاً للتبرع ويجمعون فيه التبرعات، فإذا حصل على أحدهم نقص، فإنهم يعطونه من هذه الدراهم، نقول: هذه الدراهم ليس فيها زكاة، لأنه ليس لها مالك، فهذه الدراهم خرجت من ملك أصحابها، وليس لها مالك الآن، ومن شروط وجوب الزكاة تمام الملك، وهذه ليست ملكاً لأحد.
كذلك أيضاً في بعض الدراهم التي تكون عوضاً عن شيء موصى به، مثل أن يهدم البيت الموصى به أو الوقف، وتحفظ دراهمه حتى يجدوا بيتاً آخر، فإن هذه الدراهم ليس فيها زكاة؛ لأنها ليست ملكاً لأحد، إذ أن الموقوف لا يملكه الموقوف عليه، فهي ليست ملكاً لأحد فتبقى ولو طالت المدة، حتى يشترى بها بدل الوقف التالف.
الجواب: لنا فتوى حول هذا الموضوع، وبينا أن مشاهدة هذه المباريات فيها عدة أمور:
أولاً: إضاعة للوقت؛ حيث يمضي وقت كثير والناس يشاهدون هذه المباريات، والوقت ثمين، فالوقت أثمن من المال وأثمن من كل شيء، كل وقت يمضي عليك في غير طاعة الله فهو خسارة، لقول الله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
والوقت أثمن من المال والدليل على هذا قول الله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ المؤمنون:99-100] يعني: لعلي أنفق مالي في العمل الصالح.
ثانياً: إن مشاهدة هذه المباريات فيها إضاعة للمال، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، وهنا إضاعة المال؛ لأن التليفزيون يحتاج إلى كهرباء، والمكان الذي أنت فيه يحتاج إلى كهرباء، لولا بقاؤك في هذا المكان لأغلقت الكهرباء وذهبت إلى النوم، فهو إذاً إضاعة للمال كما هو إضاعة للوقت.
ثالثاً: أنه إضاعة للطاقة، أي: الطاقة الجسمية؛ لأن السهر يهدم الجسم، ويؤثر عليه تأثيراً بالغاً، ربما لا يظهر الأثر في الوقت الحاضر أو القريب، ولكن في المستقبل.
رابعاً: أنك ربما تشاهد من يتفوق على غيره في هذه المباريات وهو من أهل الكفر، أو من أهل الفسوق، أو من أهل الفجور، فيتعلق قلبك به، ويكون فيه تعظيم لهذا المتفوق، وربما يكون فيه محبة له، ومعلوم أن هذا يخل بالإيمان والعقيدة.
خامساً: أن مشاهدة هذه المباريات لا تخلو غالباً من مشاهدة العورة، فإن الفخذ عورة عند كثير من العلماء وهذا القول وإن كان الراجح خلافه في أن الفخذ ليس بعورة، إلا أن الفخذ بالنسبة للشباب عورة بلا شك، لأنه فتنة، ولهذا يحصل في مشاهدة المباريات أن تشاهد هذه الأفخاذ، قد يقول المشاهد: أنا لا أهتم بهذه الأفخاذ ولا أنظر إليها، ولا يهمني إلا أن أشاهد هؤلاء اللاعبين، فيقال: نعم أنت ربما لا تهتم بهذا الشيء في ليلة أو ليلتين، أو ثلاث ليال، ولكن قد يغريك الشيطان إلى أن تهتم بهذا الأمر، فنصيحتي لهؤلاء أن يعدلوا عن مشاهدة هذه المباريات إلى ما هو أنفع في الدين والدنيا.
الجواب: أقول: ورد في السؤال أن الحجاب عادات وتقاليد وهذا خطأ، الحجاب عبادة وتدين وتقرب إلى الله عز وجل، وليس من باب العادات والتقاليد، بل هو من باب الأوامر التي أمر الله بها ورسوله، فيكون فعله قربة إلى الله عز وجل، وهذه نقطة مهمة، لأننا إذا اعتقدنا أنه عادات وتقاليد، ثم سافرنا من بلد عاداته وتقاليده الاحتجاب إلى بلد لا يعتادون ذلك، فهذا يقتضي ألا تحجب المرأة هناك، لأن عاداتهم وتقاليدهم لا يجب فيها الاحتجاب، ولكن أقول لإخواني من رجال ونساء: إن الحجاب شرع، وليس عادة، وذلك لأمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم وأنه خلق وحياء ولا شك أن الحياء من الإيمان.
وإني أنصح هذه المرأة ألا يكون للشيطان عليها سبيل ليفرق بينها وبين زوجها، فإن أحب ما يكون للشيطان أن يفرق بين المرء وزوجه، ولهذا كان أشد السحر وأعظمه هو التفريق بين الرجل والمرأة، لقول الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ البقرة:102].
أشير على هذه المرأة أولاً: أن تتقي الله عز وجل وأن ترتدي الحجاب الشرعي الذي كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المسلمين يرتدينه تعبداً لله وتقرباً إليه واحتساباً للأجر والثواب.
ثانياً: الزوج بالنسبة للزوجة سيد، كما قال الله تعالى: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ يوسف:25] والزوجة بالنسبة للزوج أسيرة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم) والعواني جمع عان والعاني هو الأسير، إذاً فالزوج سيد، والزوج أيضاً راع على أهله، نصبه النبي عليه الصلاة والسلام، ولم ينصبه أحد من الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته).
وإذا كان الأمر كذلك، فالكلمة في هذا له، فالواجب على المرأة أن تطيعه في هذا، لأنها إذا أطاعته في هذا فقد أطاعته في طاعة الله عز وجل، نعم لو طلب الزوج من امرأته أن تمارس شيئاً محرماً فلا سمع له ولا طاعة، لكن إذا لم يكن محرماً، بل هو مأمور به شرعاً؛ فإن ذلك يتأكد عليها أن تطيعه، فأشير على زوجة هذا السائل أن تتقي الله عز وجل، وأن تحتجب الحجاب الشرعي طاعة لله عز وجل قبل كل شيء، ثم امتثالاً لأمر زوجها الذي جعله الرسول عليه الصلاة والسلام راعياً عليها، والذي له الحق في أن يقول كلمته وعليها الحق في أن تقبل هذه الكلمة.
ثم إن طلبها الطلاق من أجل هذا طلب بغير حق، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ومعلوم أنها إذا سألت الطلاق من أجل أن زوجها يأمرها بأن تحتجب، معلوم أنها سألت هذا الطلاق من غير ما بأس، بل سألته من خير.
ثم إنه يجب أن تعلم أن الأمر ليس بالهين إذا فارقها زوجها في هذه الحال وبينهما أولاد، فسوف يضيع الأولاد من وجه، ولن يرغب الناس فيها ولها أولاد من زوج سابق؛ لأن الناس لا يريدون أن يدخلوا في مشاكل مع الآخرين، فلتتقي الله عز وجل، ولتوافق زوجها في ذلك، أي: في الاحتجاب حجاباً شرعياً، طاعة لله عز وجل، وامتثالاً لأمر زوجها، وتجنباً لأسباب الشر والفواحش، وهي إذا فعلت ذلك ابتغاء وجه الله، فما ينالها من الأذى في بلادها، فهو زيادة خير لها وأجر وثواب.
الجواب: أما دار القرآن للنساء فإننا نحث النساء على دخولها لما فيها من الخير والمصلحة، وتعلم كتاب الله عز وجل، والثواب بتلاوته.
وأما المراكز الصيفية فلا شك أن فيها فوائد كثيرة، ولو لم يكن منها إلا كف الشباب عن التسكع في الأسواق وإضاعة الوقت، ولا سيما إذا كان على هذه المراكز أناس معروفون بالصلاح، والتربية الحسنة والتوجيه الحسن.
وأحث طلبة العلم على الاتصال بهذه المراكز، وإلقاء المحاضرات فيها، بل وإلقاء الدروس إذا أمكن في هذه المراكز، لما في ذلك من الخير الكثير، ونحن نشكر الدولة على فتح الباب لهذه المراكز، وعلى تشجيعها، ثم أحث إخواني المواطنين على أن يلحقوا أولادهم في كل عمل خيري، من هذه المراكز، أو حلقات تحفيظ القرآن الكريم أو غير ذلك مما فيه مصلحة ومنفعة؛ لأن ذلك يعينهم على تربية أولادهم، ويكف أولادهم عن أسباب الشر والفساد.
وأسأل: كيف يكون معرفتي بلوغ النصاب من عدمه وأنا أخرفها خرفاً؟
وكيف يكون تقدير الزكاة، وهل تدفع من كل نوع بنسبته، أم بضم بعضها إلى بعض وتخرج من نوع واحد؟
وهل يجوز أن أدفع نقوداً؟
وماذا أصنع في السنوات الماضية؟
الجواب: ما ذكره السائل من خفاء الزكاة في النخيل التي تكون في البيوت على كثير من الناس فهو صحيح، فكثير من الناس يكون عنده سبع نخل أو عشر نخل أو أكثر أو أقل وثمرتها تبلغ النصاب، لكنهم لا يعلمون أن فيها زكاة، ويظنون أن الزكاة في البساتين فقط، والزكاة واجبة في ثمر النخيل سواء في البستان أو في الدور، وعلى هذا فليأت بإنسان له خبرة، وليقدر ثمر هذا النخيل هل يبلغ النصاب أم لا؟ فإذا بلغ النصاب وجب عليه أن يزكيه.
ولكن كيف يزكيه وهو يخرفه كما قال السائل؟ أرى أنه في مثل الحال تقدر قيمة ثمر النخلة الذي يبلغ النصاب وتخرج الزكاة من قيمته؛ لأن ذلك أسهل على المالك وأنفع للمحتاج، ولكن كم مقدار الزكاة؟
مقدار الزكاة (5%) بينما زكاة المال (2.5%) لكن هذه فيها (5%) لأن الثمار زكاتها نصف العشر فيما يسقى بمئونة أو العشر فيما يسقى بلا مئونة ونصف العشر (5%).
أما ما مضى من السنوات وهو لم يزكه جاهلاً، فإنه يقدر الآن في نفسه كم يظن الثمرات الماضية ويخرج زكاتها الآن، وليس عليه إثم فيما سبق من تأخير الزكاة، لأنه ربما يكون جاهلاً بذلك؛ لكن لا بد من أداء زكاة ما سبق.
الجواب: أما الرمي على هدف أو شجر فمن أصاب فله كذا وكذا، ومن أخطأ فعليه كذا وكذا فإنه جائز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) والبنادق الآن من النصل، فإذا ترامى الناس وكان على المغلوب شيء وللغالب شيء فإن هذا لا بأس به ولا حرج، لأنه مما جاءت الشريعة بحله.
وأما ما ذكره مما يكون بين الناس، فإني أرى أنه أكل للمال الباطل، لأن بعض الناس صار يتخذ كل شيء فيه (حق) كما يقول إنه حق وهو باطل، حتى إذا تكلم بكلمة وأخطأ ألزموه بذلك، فلو أراد أن ينادي صاحبه واسمه عبد الله، فقال: يا عبد الرحمن، قال: ما اسمي عبد الرحمن اسمي عبد الله عليك حق، كلما حصل خطأ ولو طفيفاً قال: عليك حق وألزمه، فهذا لا يجوز، بأي شيء حل لك أخذ ماله؟ إذا كان يريد أن يجعل لكم مأدبة فليجعلها بغير هذا الوجه، وبعض الناس يقول: أنا أود أن أغلط أو ربما أغلط نفسي من أجل أن يصير علي حق، نقول: بدون هذا، قل: يا جماعة! إني أدعوكم لوليمة في اليوم الفلاني وينتهي الموضوع، أما أن تجعل كل كلمة فيها حق (كما تزعم أنه حق وليس بحق) فهذا ليس بصحيح وهو أكل للمال بالباطل.
نعم. لو حصل خطأ واضح في أمر خطر، ثم تدخل رجال بين المعتدي والمعتدى عليه فأصلحوا بينهم، بمال أو بمأدبة أو ما أشبه ذلك فلا حرج.
ثانياً: السفر إلى أرض البوسنة والهرسك أو غيرها للجهاد في سبيل الله.
ثالثاً: السفر إلى بلادنا والعمل لدين الله والدعوة إليه، علماً بأنه في الغالب مصير هذا الطريق الأسر.
رابعاً: البقاء في هذه البلاد وجمع ما تيسر من مال وإرساله أو جزء منه إلى الفقراء والمساكين والمأسورين في بلادنا، فما نصيحتك لي وفقك الله؟
الجواب: أرى أن طلب العلم الشرعي أفضل هذه الخيارات؛ لأن الدين لا يقوم إلا بالعلم، والناس اليوم محتاجون إلى العلم الشرعي، محتاجون إلى العلم الراسخ؛ لئلا يهلك العلماء فيتخذ الناس رؤساء جهالاً يفتون بغير علم فيضلون ويضلون، فطلب العلم الشرعي هو أفضل هذه الخيارات عندي، إلا إذا كنت ممن ليس أهلاً للعلم، لأن البعض ليس وعاء للعلم، إما لأنه (كالزنبيل تغرف به الماء) وأنتم تعرفون هذا المثل: (كالزنبيل تغرف به الماء) إذا غرفت الماء بالزنبيل ثم أخرجته من الماء لا يبقى فيه شيء، لأن بعض الناس هكذا ليس عنده حافظة إطلاقاً.
وإما أنه رجل عنده قوة وشجاعة وإقدام وإذا جلس للعلم وجد الكسل والخمول وعدم الانتفاع، في هذه الحال نقول الأفضل إن تذهب إلى جبهات القتال في بلاد المسلمين، وأحق الناس فيما أرى اليوم هم البوسنة والهرسك ؛ لأننا متفائلون بانتصارهم على الصرب الطاغي الظالم، وكما تسمعون في الإذاعات ليس هناك نشاط بالنسبة للأمم الكافرة في إيقاف عدوان الصرب، فإذا وجد من يشجع المجاهدين لصد عدوان هؤلاء كان فيه خير كثير.
فالناس يختلفون في الواقع كل إنسان يمكن أن نفتيه بما يكون أنسب لحاله.
ولهذا تجدون أجوبة الرسول عليه الصلاة والسلام لمن كان يستفتيه تختلف بحسب حال الرجل.
جاءه رجل فسأله قال: (يا رسول الله! إني أريد الجهاد، قال: أحيٌّ والداك؟ قال نعم، قال: ففيهما فجاهد) لأن الرسول علم من حاله أن بقاءه عند والديه وبره خير من ذهابه إلى الجهاد، ولعله ليس بذلك الرجل الصالح للجهاد، وعندما تكلم على العموم سأله عبد الله بن مسعود : (أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) وفي بعض الأحيان يكون الجواب مختلفاً عن هذا حسب حال السائل.
الجواب: هذا جيد إذا كان الإنسان عنده قدرة على دفع ما يلقى عليه من شبهات، وأعني بذلك البلاد الأخرى غير السعودية لأن السعودية قد لا تجد فيها شبهات كشبهات الدول الأخرى، فإذا كانت عنده قدرة فليذهب لعل الله ينفع به، وفي هذه الحال أرى ألا يباشر الناس بإنكار ما هم عليه؛ لأنه إذا فعل ذلك نفروا منه ولم يقبلوا، بل يبين لهم الحق، ويحثهم عليه، ويرغبهم فيه، ويدخل في أمور يتفقون معه على أهميتها كالصلاة مثلاً وإخلاصها لله، حتى لو كانوا يعبدون مثلاً ما يعبدون من القبور فلا يدخل عليهم مباشرة يندد بهم، ويسبهم ويسب عملهم، لأن هذا لا شك أنه سوف ينفرهم؛ لكن يدخل عليهم ببيان التوحيد وفضله والصلاة، والإنسان العاقل يعرف كيف يتصرف، وحينئذ يملك قلوبهم ويقبلون قوله.
الجواب: لا شك أن لها ثواباً عظيماً في طاعة الله عز وجل ثم بامتثال أمر زوجها، فإنها حينئذ ترضي الله وترضي زوجها، والإنسان في هذه الحياة لا يعمل عملاً إلا وهو يريد بذلك رضا الله، لأنه هو المقصود، إذ أن ما في الدنيا كلها زائل عن الإنسان، أو الإنسان زائل عنه، كما نشاهد الناس الآن يرحلون عنا إلى عالم آخر ، إلى عالم البرزخ .. إلى عالم الجزاء، ولا يجد الإنسان حصيلة من دنياه كلها إلا ما أمضاه في طاعة الله ولا شك أن أجرها عظيم وثوابها جزيل إذا أطاعت زوجها في ذلك، ثم إنها ربما تكون سبباً لهداية نساء أخريات يقتدين بها ويتبعنها، ويحصل بهذا خير كثير.
الجواب: دخول النساء للمحلات محلات البيع والشراء خطر عظيم على المرأة وعلى صاحب المحل، لأنها إذا دخلت وخلا بها فحينئذ يأتي الشيطان: (وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) كما قال صلى الله عليه وسلم، وأنا أعجب من بعض الناس يقف عند الدكان وهو في سيارته، ويدع المرأة تبايع الرجل، وربما تدخل الدكان وهو يشاهدها ولا يهتم بذلك فأين الغيرة؟ وأين الإيمان؟ وأين الرجولة؟
والذي ينبغي إذا كان ولا بد أن تذهب معك المرأة فاجعلها هي في السيارة وتقول: ماذا تريدين من البضاعة، وتأتي لها بالبضاعة، أما أن تبقى أنت في سيارتك وهي تذهب إلى المتجر، وتدخل المتجر، ويكلمها الرجل ولا يدري ما وراء ذلك، فهذا غلط عظيم.
أما بالنسبة للنقاب؛ فالنقاب لا شك أنه كان موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأن من عادة النساء لبس النقاب، لكن أتعرفون النقاب الجائز؟ هو ما فتح فيه للعينين فقط، ونحن الآن فيما نرى لو أننا مكنا النساء من هذا النقاب لكان اليوم نقاباً شرعياً وغداً سيكون غير شرعي، لأن النساء يتوسعن، ربما تبقى شهراً أو شهرين لا تنقب إلا لعينيها نقبة صغيرة، ثم بعد ذلك تنـزل النقبة توسعها شيئاً قليلاً، وبعد ذلك أيضاً توسع أكثر، ثم يأتي دور اللثام، وفيه لا تجعل نقاباً إطلاقاً، بل تجعل لثاماً يغطي الفم والأنف والباقي مفتوح، ومعلوم أن الشيء إذا كان ذريعة إلى محرم، فلنا أن نمنعه من باب السياسة الشرعية وإن كان جائزاً في الأصل.
ولقد كان لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه من هذا الحظ الوافر، فقد كان بيع أمهات الأولاد -وأم الولد هي الأمة التي ولدت من سيدها- جائزاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر ، ولكن الواحد منهم كان لا يبيع أم ولد لها ولد، ثم توسع الناس في ذلك فبدأ الرجل يبيع الأمة ولها ولد عنده، فمنع عمر رضي الله عنه من ذلك، أي منع بيع أمهات الأولاد مع أنه في الأصل جائز.
كذلك كان الرجل إذا طلق زوجته ثلاث مرات، قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو قال: أنت طالق ثلاثاً، كان يملك الرجعة ويراجع بلا عقد، فكثر هذا العمل في عهد عمر، فلما رأى الناس قد أكثروا منه وهو حرام منعهم من الرجوع، قال: لا يمكن أن ترجع زوجتك، أنت طلقت ثلاثاً تريد أن تبين منك فنجعلها تبين، ولهذا قال: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
فالحاصل أننا نرى منع النقاب خوفا من التوسع فيه، أما أصله فهو جائز، وليس لنا أن نحرم ما أحل الله، لكن لنا أن نمنع الحلال خوفاً من ارتكاب الحرام.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر