أما بعد:
فهذه الليلة هي ليلة الأحد الثالث من شهر رمضان عام (1417هـ) وهذا اللقاء فيها تكميل للقاء السابق، حيث إنه كان هناك أسئلة كثيرة لم نتمكن من الإجابة عليها، ولكن لا مانع أن نتكلم بما تيسر حتى يتسنى عرض هذه الأسئلة إن شاء الله تعالى.
في هذا العام (1417هـ) يؤدي المسلمون ولا سيما في هذه الجزيرة العربية شهر رمضان في جو معتدل، يشبه جو الربيع، على أن الناس في هذه الأيام في أشد ما يكون برداً من أيام الشتاء، وهذا لا شك من نعمة الله، اللهم لك الحمد، نسأل الله أن يتمم بالقبول، كما أن فيه دليلاً على أن الأمر أمر الله عز وجل، وأنه تعالى هو الذي يرجع إليه الأمر كله، وأن العادات قد يخلفها رب الأرض والسماوات، قد يكون زمن البرد معتدلاً، وقد يأتي في أيام الحر -أيضاً- اعتدال ليس حراً؛ لأن الأمر أمر الله عز وجل يفعل ما يشاء.
هذا الجو الذي نعيشه هذه الأيام جو معتدل كما قلنا، فيه طول الليل وقصر النهار، ويخف الصوم على المسلمين ويكثر الخير في الليالي للموفقين؛ لذلك نقول: اغتنم يا أخي هذه الأوقات الثمينة، نم في الليل ما تيسر، وتعبد لله بما تيسر، واجعل النهار نهار عمل صالح لا نهار نوم كما يفعله بعض الناس المفرّطون المفرطون: مفرّطون في تفويت الأعمال الصالحة، حيث تجدهم يسهرون الليل كله وينامون النهار كله، إلا أنهم يقومون بما أوجب الله عليهم من الصلوات وغيرها، لكنهم محرومون؛ لأن سهرهم الليل كله ليس للتهجد أو قراءة القرآن، حيث إن أكثر الذين يسهرون إنما هو لإمضاء الوقت وقتله بلا فائدة، بل منهم من يقتل الوقت بالمضرة عليه: على دينه، وخلقه، وأهله، وهذا حرمان عظيم.
ففي هذا الجو المناسب ينبغي لك أن تنام في الليل، وأنت إذا قمت مع الإمام حتى ينصرف كتب الله لك قيام ليلة كاملة ولو كنت في منامك، اللهم لك الحمد، ولهذا لما قال الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام: (لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه -يعني: لو تركتنا حتى نقوم إلى الصباح- قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ولم يقل: صلوا في بيوتكم، إشارةً إلى أن الإنسان ينبغي أن ييسر على نفسه، ما دام الله تعالى قد كتب لك قيام ليلة إذا قمت مع الإمام حتى ينصرف فخفف على نفسك.
وإن من الناس من اتخذوا عادة سيئة بدعية ليس لها في كتاب الله ولا في سنة رسوله أصل ولا في عمل الصحابة: حيث صاروا يذبحون الذبائح كأنه عيد أضحى -نسأل الله العافية- والذبائح في عيد الأضحى لكنهم يتخذون الذبائح ويتعازمون فيما بينهم، كل يوم على واحد ذبيحة وطعام، وربما يكون بعض أهل الحي فقيراً يتدين هذه الذبيحة فيكلفونه ما لا يلزمه في دين الله.
ثم زد على ذلك أن بعض الناس يجعل هذه الموائد -التي لا يراد بها إلا ملء البطون- كالصدقة فيقول: هذا عشاء أبي، وهذا عشاء أمي، وما أشبه ذلك، وربما حاموا بأيديهم على الطعام وقالوا: اللهم اجعله لأبي أو لأمي. أين نحن من الجماعة؟!! أين نحن من هدي السلف الصالح ؟!! هل نحن مأمورون أن نتبع أهواءنا، أو أن نتبع كتاب الله وسنة رسوله وخلفائه الراشدين والصحابة المهديين؟!! الثاني بلا شك، هل فعل الصحابة هذا؟
الجواب: هذا ليس من فعلهم. ولهذا أخشى إن طال بالناس زمان أن يتخذوا رمضان كعيد الأضحى تذبح فيه الضحايا ثم يأتي الناس مع طول المدة ويقول: إذا أراد أحدكم أن يذبح ذبيحة ودخل رمضان فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئاً، وربما يجعلون أحكام الأضاحي لهذه الذبائح.
ولكن هنا شيء حتى لا يؤخذ علينا ما نقول، إذا قال القائل: أنا أريد أن أدعو جيراني للتعارف، وأريد أن أذبح ذبيحة؛ لأنها أنسب لي من أن آخذ من المجزرة، فهذا لا بأس به، لكن كونهم يعتقدون أن الذبح نفسه أفضل من شراء اللحم لا لأنه أحسن وأطيب وأطرى ولكن يرونه كالتعبد لله فهذا بدعة.
وكذلك -أيضاً- في البيوت، مع أن الله عز وجل يقول في مدح عباد الرحمن: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67]سبحان الله! انظر! الإسراف طرف، والإقتار طرف، والذي بينهما فجوة، يقول: بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67] أحياناً يميلون إلى الإقتار؛ لأن المصلحة تقتضي ذلك، وأحياناً يميلون إلى الزيادة لأن المصلحة تقتضي ذلك، ولكن انظر إلى قوله: وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ [الفرقان:67] ليس هو عبثاً ولكنه قَوَاماً [الفرقان:67] تستقيم به الأمور.
فأقول: العمرة في رمضان سنة، لكن الناس يخطئون فيها في أشياء نذكر منها:
الجواب: لا شيء إلا شيئاً واحداً منكراً، رأيت رجلاً يسعى بين الصفا والمروة وقد حلق نصف رأسه تماماً، حلق النصف، فهو أبيض ليس فيه شعر، والثاني فيه شعر كثير، فقلت له: لماذا؟ قال: هذا الذي حلقته لعمرة أمس وهذا لعمرة اليوم. وعلى قياس قوله: لو أراد أن يعتمر أربع مرات حلق الربع، والثاني في الربع الثاني، والثالث في الربع الثالث، والرابع الرأس كله، كل هذا من الخطأ، وسببه حب الناس للخير وجهلهم بالشريعة.
ومعلوم يا إخواني أن العبادة لا بد لها من شرطين أساسيين هما: الإخلاص والمتابعة. هل هم أحرص على الخير من الصحابة؟ لا والله ليسوا بأحرص، وليسوا أعلم بشريعة الله من الصحابة، فليأتوا بحديث واحد على أن الصحابة كرروا العمرة في رمضان أو في غير رمضان، أما والمسألة ليس فيها أي حرف لا صحيح ولا ضعيف يدل على أن الصحابة يكررون عمرة في رمضان أو غيره، إذا حل الإنسان من عمرته هذه خرج إلى التنعيم وأتى بعمرة أخرى، حتى قال عطاء رحمه الله وهو فقيه أهل مكة قال: لا أدري هؤلاء الذين يذهبون إلى التنعيم فيأتون بعمرة لا أدري أيأثمون أم يؤجرون. أي: وكأن ليس لهم أجر إلا التعب والعياذ بالله؛ لأنهم على غير الشريعة. هذه واحدة.
قسم يذهب بنفسه ويعتمر ويرجع إلى أهله، وهذا حسن.
قسم آخر: يذهب إلى مكة ويعتمر ويبقى طيلة الشهر ويدع أهله مسيبين، وهذا خطأ؛ لأن بقاءه في أهله أفضل من بقائه في مكة .
وأذكر لكم قصة؛ لأني لا أحب أن يتكلم أحد بشيء إلا بدليل: مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قدم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وفد، وأقاموا عنده عشرين يوماً، ثم قال لهم عليه الصلاة والسلام: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم) والشاهد في هذا الحديث قوله: (اذهبوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم) لأن الرعية بلا راع تضيع، والرجل راع في أهل بيته، فكونه يذهب إلى مكة ويبقى هناك ويزعم أنه يتعبد الله وأن ذلك أفضل من رجوعه إلى أهله هذا خطأ، بل رجوعه إلى أهله وبقاؤه فيهم أفضل بكثير؛ لأنه سيؤدبهم، وسيراقبهم، وسينظر أحوالهم.
القسم الثالث: يذهب الرجل بعائلته إلى مكة ويبقى فيها كل الشهر أو أكثر الشهر لكنه يترك أهله، ويترك الفتيات والفتيان والزوجات والأخوات، ويبقى في المسجد يتعبد الله، لكن يترك الواجب عليه وهو مراعاة الأهل، وتعلمون أن مكة في أيام العمرة تكون خليطاً من كل فج، من البلاد ومن خارج البلاد، وعباد الله تعالى لا يملكهم زمام، فيكون في ذلك شر كثير.
حيث يكون هذا مضيعاً للواجب فاعلاً للمستحب، والواجب أولى به، فإما أن يراعي أهله ويمنعهم وإما أن يرجع، وهذا من الجهل.
ثم هل ليلة القدر هي ليلة سبعة وعشرين؟ الله أعلم، قد تكون ليلة سبعة وعشرين، قد تكون في خمسة وعشرين، أو في غيرها من الليالي العشر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من كان متحريها فليتحرها في العشر الأواخر) وأول عام علم فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن ليلة القدر في العشر الأواخر كانت ليلة القدر في ليلة واحد وعشرين، حيث أريها النبي عليه الصلاة والسلام، وأري أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وأمطرت السماء ليلة واحد وعشرين، وكان مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام سقفه جريد النخل، فوكف المسجد وابتلت الأرض، فسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صبيحتها في ماء وطين، فشاهده الصحابة حين انصرف من الصلاة وعلى جبهته -صلوات الله وسلامه عليه- أثر الماء والطين. إذاً كانت ليلة القدر هي ليلة واحد وعشرين.
ورآها جماعة من أصحابه في السبع الأواخر، فقال: (أرى رؤياكم قد تواطأت، فمن كان متحريها -يعني: في تلك السنة- فليتحرها في السبع الأواخر) وقال: (التمسوها في الوتر من السبع الأواخر) والوتر لا يقتصر بسبعة وعشرين، ولذلك بعض الناس مساكين ليلة سبعة وعشرين يقوم ويأتي مع الإمام ويصلي ويبكي ويخشع، وفي غيرها لا يأتي، فيقول: قمت ليلة القدر، وقد غفر لي. يا مسكين! من قال لك إن ليلة القدر ليلة سبعة وعشرين في هذا الشهر؟ قد تكون قبل هذه أو بعدها.
ومن حكمة الله ورحمته أن أخفى علم عينها، حتى يجتهد الناس في جميع العشر، وحتى لا يتكل الكسلان ويقول: انتهى أنا قمت ليلة القدر وأنا سوف أنام.
فعلى كل حال هذه ثلاثة أشياء في العمرة يخطئ فيها الناس.
وبهذا نقول: الناس في هذه المسألة على ثلاثة أقسام:
قسم أراد العمرة وأراد المكث في جدة فنقول له: أحرم من الميقات واذهب إلى مكة مباشرة، واجعل العمرة هي المقصد الأول؛ لأنها عبادة وبقاؤك في جدة ليس عبادة، فابدأ أولاً بالعبادة، وليس بين جدة وبين مكة في إقامة العمرة إلا نحو ثلاث ساعات، وثلاث ساعات بالتأكيد تكفي إذا كان المطاف ليس زحاماً ولا المسعى فمن جدة إلى مكة ساعة أو أقل، والطواف والسعي اجعلوه ساعة، والرجوع ساعة، ثلاث ساعات يا أخي، يخذلك الشيطان ويقول لك: لا، ابق في جدة ، اذهب إلى جدة ومتى شئت اذهب من جدة .
الثاني من الناس من يقول: أنا أذهب إلى جدة ؛ لأني ما أدري هل يحصل لي أن أعتمر أو لا، لست عازماً، يمكن أحرم ويمكن لا أحرم، نقول: لا بأس اذهب إلى جدة وإذا تيسر لك الإحرام فأحرم من جدة ولا حرج عليك؛ لأنك لم تجزم بأنك ستعتمر.
القسم الثالث: من أراد العمرة أو الحج والبقاء في جدة وذهب إلى جدة محلاً لا محرماً، ولما أراد الإحرام أحرم من جدة ، فنقول: هذا حرام، وهو آثم، وعاص للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن عصى الرسول فقد عصى الله، وعليه -أيضاً- عند العلماء فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
فهذه أحوال الناس، ونحن ننصح إخواننا الذين يذهبون إلى تلك الأماكن -إلى الحجاز - للنـزهة مع العمرة أن يبدءوا أولاً بالعمرة ثم بالنزهة.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق، وأن يرزقنا وإياكم اغتنام هذا الشهر المبارك بما يرضيه، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
الجواب: شارب الدخان لا شك أنه عرض نفسه للخطر؛ لأن الأطباء اتفقوا على أن الدخان -أجارنا الله وإياكم منه وعصم من ابتلي به من المسلمين- ضار، وأنه سبب لسرطان الحلق والرئة وضرره أمر واضح، وانظروا إلى الذين ابتلوا به حيث تجد أحدهم هابط الهمة، ضعيف الإرادة، ولو أنهم أقلعوا عنه لوجدوا نشاطاً وحيوية.
ومن المعلوم أن من الناس من قد لا يتضرر به في الحال، لأننا نشاهد أناساً يشربونه وهم أصحاء، لكن في المآل لا بد أن يضره، ثم لو عصموا منه لكانوا أقوى وأصح، لذلك نقول: على من ابتلي بالدخان أن يسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمه منه، وأن يلجأ إلى الله وأن يستعين به على تركه، وأن يتركه شيئاً فشيئاً، وأن يبتعد عن الذين يشربونه حتى لا يحن إليه مرة أخرى، والإنسان إذا أراد الله سبحانه وتعالى عصمته أعطاه عزيمة قوية، فإننا شاهدنا أناساً كان عندهم عزيمة فتركوه قطعاً ولم يعودوا إليه، لكن أكثر الناس همته ضعيفة، تجده إذا ضاق صدره يريد شربه ويعجز أن يصبر فيعود إليه، لكن لو صبر وتحمل لفكه الله منه.
الجواب: الأئمة يدعون لأنفسهم خاصة في سجودهم وتشهدهم وبين السجدتين وكذلك المأمومون، لكن الدعاء المشترك كدعاء القنوت ينبغي أولاً: المحافظة على ما ورد؛ لأن الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كله خير، وهو خير وخير وخير من بعض الأدعية المسجوعة التي صنفها من صنفها من الناس، فالوارد هو الخير، ثم إن زاد على ذلك فلا بأس، لكن يراعي عامة من وراءه -يعني: أكثرهم- لأن بعض الناس يحب التطويل جداً، وبعض الناس يحب التخفيف جداً فليكن بين وبين، وإذا كان هناك أحوال تستدعي أن يقصر فليقصر مثل: أن يكون الجو بارداً جداً، والناس ربما يحتاجون إلى قضاء الحاجة -إلى البول أو الغائط مثلاً- فهنا الأولى أن يراعي الضعفاء، وكذلك لو كان في شدة حر وغم فليراعي هذه الحال.
أما مع اعتدال الجو فهذا خير، فليكن بين بين، لا طولاً مملاً ولا قصراً مخلاً.
الجواب: المسبوق إذا سجد إمامه قبل السلام فلا بد أن يتابعه؛ لأنه لا يحل للمسبوق أن يفارق الإمام إلا إذا سلم، أما إذا سجد بعد السلام فلا يتابعه، بل إذا سلم إمامه من الصلاة قام وقضى ما فاته، فإذا أتم ذلك نظرنا: إن كان قد أدرك الإمام في سهوه سجد هو بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فلا سجود عليه، هذا هو حكم متابعة المأموم للإمام في سجود السهو.
الجواب: إذا كان السؤال كما تصورناه: أن الحيض أتاها قبل رمضان ودخل عليها رمضان وهو لا يزال عليها، ودخل اليوم الثاني وهو لا يزال عليها لكنها تظن أنها تطهر في ذلك اليوم -اليوم الثاني- نقول: إن صومها حرام عليها، ولا يحل لامرأة أن تصوم وقد بقي الحيض عليها أبداً لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وهذا محل إجماع من العلماء رحمهم الله.
فعلى هذه المرأة الآن أن تقضي اليوم الأول واليوم الثاني، وأن تتوب إلى الله من كونها نوت الصوم وعليها الحيض، وعلى المرأة إذا طهرت قبل الفجر أن تغتسل وتصلي صلاة الفجر، وتستمر في صومها حتى لو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر كما لو كان الإنسان جنباً ولم يغتسل من الجنابة إلا بعد طلوع الفجر فلا بأس.
الجواب: لا يحل للمرأة أن تكشف وجهها لإخوان زوجها ولا لأعمام زوجها؛ لأنهم ليسوا من محارمها، وعليها أن تصبر حتى لو آذوها فلتصبر، وكونها لا تغطي الوجه وتغطي بقية البدن غلط منها؛ لأن الوجه أحق من البدن بالستر عن الأجانب، إذ أن الوجه هو محل جمال المرأة وبه تكون الفتنة.
سل الرجال إذا خطبوا امرأة عم يسألون؟ يسألون عن وجهها أو يسألون عن رجلها؟
الجواب: عن وجهها، لا تجد أحداً يقول عند خطبة المرأة: يا أخي، أو يا أختي إذا وكل -وهو على كل حال لا يوكل أحداً إلا من محارمها كأخيها الذي قد يكون صديقاً له- يقول: يا أخي أخبرني عن قدم أختك، أو عن وجه أختك؟ بالثاني بلا شك، وسبحان الله يعني لولا أن المسألة قال بها أحد من أهل العلم -أعني قال بها العلماء الكبار- لكان العقل يقتضي أنه إذا حرم على المرأة أن تخرج إبهام رجلها أو خنصر رجلها فتحريم إخراج الوجه من باب أولى ولا إشكال في هذا، يعني: لو رددت المسألة لمجرد العقل لقال الإنسان: لا يمكن للمرأة أن تكشف وجهها وتغطي قدميها. مع أن الشرع يقتضي وجوب تغطية المرأة وجهها عمن ليسوا من محارمها.
فأقول لهذه المرأة جزاها الله خيراً: لتصبر وتحتسب وإن أوذيت وتذكر قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّه [العنكبوت:10] تصبر وتترقب وعد الله عز وجل: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ [هود:49] لمن؟ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].
الجواب: أولاً يجب يا إخواني أن تعرفوا أن الركعتين اللتين يسميهما الناس الشفع أنهما وتر، فأنت من حين ما ينتهي الإمام من التراويح تنوي إذا قام الوتر حتى لو كان يصلي من الركعتين الأوليين؛ لأن الإيتار بالثلاث لك فيه صفتان: إما أن تجعل الثلاث بتسليم واحد وتشهد واحد، وإما أن تجعل الثلاث بتسليمين وتشهدين، تسلم من ركعتين ثم تأتي بالثالثة، هذا الإيتار بالثلاث، وإذا أوتر الإنسان بخمس كيف يعمل؟ يسرد الخمس جميعاً بتشهد واحد وتسليم واحد، وإذا أوتر بسبع؟ مثلها يسردها بتسليم واحد وتشهد واحد، وإذا أوتر بتسع يسرد ثمان ركعات ويتشهد ولا يسلم ثم يأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم فيكون التسع فيها تشهدان وتسليم واحد، هكذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام.
لكن هل لنا ونحن أئمة أن نفعل هذا بالناس: لو جعلنا نوتر خمساً أو سبعاً سرداً وتسعاً سرداً ونتشهد في الثامنة؟ لا، هذا مما يشق على الناس ويتأذى به بعض الناس إذا احتاج إلى البول أو الغائط، ثم يقع الناس في شك: هل إمامهم الآن يوتر أو يصلي التراويح، لا يدرون. وبعض الأئمة فعل مثل ذلك مدعياً أن ذلك سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ونحن نقول: نعم، الرسول فعل ذلك، لكن هل فعله وهو إمام؟ لا، بل فعله بنفسه، فالإنسان إذا صلى بنفسه يطول ما شاء كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن إذا صلى بالناس يخفف.
ومعلوم أن كون الإمام يسلم من ركعتين أخف على الناس من أن يسرد خمساً أو سبعاً أو تسعاً، فلا يوجد حديث واحد أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بالصحابة خمساً أو سبعاً أو تسعاً، إنما كان يفعلها بنفسه، ونحن نقول: في بيتك افعل كل السنة، نحن نشجع على أن الإنسان يوتر مرة بهذا ومرة بهذا لإحياء السنة، لكن كوننا نفعل ذلك بالمسلمين، هذا ليس بصحيح، ربما لو كانوا جماعة معينين مختصين اتفقوا على أن يوتروا بخمس سرداً أو سبع سرداً أو تسع سرداً فلا بأس، أما مسجد يشرع للناس كلٌ يأتي ويدخل ويصلي فلا تخرج بالناس عن ركعتين ركعتين.
بالنسبة الآن مثلاً إذا انتهيتم من التراويح وقام الإمام يصلي تنوون وتراً، حتى لو صلى ركعتين وسلم هي وتر.
الجواب: هذه المرأة التي فيها غيبوبة إن كان يرجى أن تصحو فانتظروا حتى تصحو، وإن كان لا يرجى أن تصحو فإنه يوزع عن كل يوم إطعام مسكين، أما إذا كان لا يرجى أن تصحو صارت من جنس المريض، بل هي مريضة مرض لا يرجى برؤه، وفرض من مرض مرضاً لا يرجى برؤه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن كان يرجى أن تصحو انتظروا حتى تصحو، ونسأل الله لها العافية.
الجواب: التغني بدعاء القنوت إن كان يريد السائل أن يقف القانت على كل جملة دعائية فهذا لا بأس به، حتى يتمكن الناس من تصور ما يقول إمامهم والتأمين عليه، وأما إن كان يأتي به بصفة الأغنية فهذا لا يصح، ولا يمكن، الناس ليسوا بحاجة إلا أن يسمعوا كلاماً كالأغاني، هم بحاجة إلى دعاء يقنتون فيه لله عز وجل.
وأما الاستسقاء فيه فلا بأس أن يستقي الإنسان في دعاء القنوت؛ لأن دعاء القنوت دعاء مطلق، يذكر فيه ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وما زاد فيتخير الإنسان ما شاء.
الجواب: قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) فإذا حضر إلى مجالسكم حاضر وشرب الدخان فانصحه أولاً، فإن انتهى فهذا خير لك وله، وإن لم ينته وأنت قادر على إخراجه من المكان فأخرجه لأنك تقدر على تغيير المنكر بيدك، وإن لم تقدر بأن كان المكان لغيرك فاخرج؛ لأنك لم تستطع بلسانك ولا تستطيع بفعلك، ما الذي بقي؟ القلب، القلب لا يمكن أن ينكر شيئاً ويبقى مع صاحبه أبداً، فاخرج، قال بعض الناس: إنه يجلس معهم وهو كاره بقلبه. نقول: سبحان الله العظيم! هذا تناقض، لو كنت كارهاً بقلبك فمن الذي أجبرك؟ لا يوجد إجبار، فكل إنسان ينكر الشيء بقلبه فلا بد أن يفارق مكانه، وإن ادعى أنه منكر بقلبه وهو باق في مكانه فهو كاذب.
فنقول: إذا كنت منكراً بقلبك فاخرج، وهكذا في جميع المحرمات، إذا لم تستطع تغييرها فاخرج.
الجواب: ما شاء الله! سؤال لا بأس به، لا ينقطع الاعتكاف، فالاعتكاف مسنون في العشر الأواخر كلها، حتى لو رأى ليلة القدر، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد علم أن ليلة القدر ليلة واحد وعشرين واستمر في اعتكافه؟ بلى، وهو عالم بها، وأنها قد مضت، ومع ذلك اعتكف العشر الأواخر، فنقول: ربما يكون اعتكافك بعد أن رأيتها بمنـزلة الراتبة للفريضة، يعني: أنه يكمل أجر الليلة، هل منا من يتأكد أنه أعطى ليلة القدر حقها؟ أبداً، كلنا مقصرون نسأل الله أن يعاملنا بعفوه.
إذاً اعتكافك فيما بقي بعد رؤيتك ليلة القدر -هذا إن صح أنك رأيتها حقاً وأنها هي حقاً- يكون بمنـزلة الراتبة للصلاة ويكمل بها الأجر، فأنت وإن رأيتها اعتكف.
لكن متى تخرج؟ تخرج إذا غابت الشمس آخر يوم من رمضان، إن كمل الشهر ثلاثين، متى تخرج؟ بعد الغروب ليلة واحد وثلاثين، وإن ثبت الشهر أنه تسع وعشرون فمتى ثبت فاخرج.
فلو قدرنا أن رجلاً معتكفاً وبعد العشاء من ليلة الثلاثين أعلن عن أول الشهر، فقال: ما أشد اشتياقي إلى أهلي! فهل يصبر حتى يصلي العيد أو يذهب؟ يذهب، فقد انتهى وقت الاعتكاف، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يعتكف إلا في العشر الأواخر، والعشر الأواخر انتهت.
وهناك سؤال يسأل عنه كثيراً في المسجد الحرام، تجد الرجل -مثلاً- من أهل جدة ، أو من أهل الطائف ، ويحب أن يبقى ليلة العيد في أهله فيقول له بعض الناس: اصبر حتى يطلع علينا ونصلي العيد .. من أين أتاهم هذا؟ متى ينتهي الاعتكاف؟
الجواب: إذا غربت شمس آخر يوم من رمضان انتهى الاعتكاف. والله الموفق.
الجواب: طلب العلم أفضل من العبادة، وأقول هذا تبعاً لقول السائل، وإلا فإن طلب العلم عبادة ومن أفضل العبادات، حتى قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وجمعنا به في جنته: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته. فهو أفضل من السنن الراتبة، وأفضل من الوتر، وأفضل من قيام الليل، قال الإمام أحمد : تذاكر ليلة -يعني في طلب العلم- أحب إلي من إحيائها.
فطلب العلم نفسه عبادة، فقولنا: الأفضل العبادة أو طلب العلم غير صحيح؛ لأن طلب العلم عبادة، صحيح أنه يراد بمثل هذا السؤال طلب العلم والعبادة القاصرة كالصلاة والقراءة فنقول: طلب العلم أفضل، بل إن طلب العلم أفضل من قتال العدو في من ليس أهلاً للقتال، بل إن بعض العلماء المعاصرين يفضله مطلقاً بحجة أن القتال اليوم ليس تحت راية إسلامية، بمعنى: ليس هناك إمام يقاتل الكفار، حتى الذين يذهبون من بلاد إلى بلاد أخرى للقتال كثير منهم لا يعتقد أنه تحت راية أهل البلد الذي قدم إليه، بل يشكلون جماعات جماعات وكل شخص يقاتل مع جماعة.
وعلى كل حال: هذه مسألة ليس هذا المكان موضع بحثها أو التحقيق فيها، فهي تحتاج إلى تأمل كثير، لكن قصدي: أن طلب العلم أفضل من كل عمل غير الفرائض، فالفرائض أمرها مفروغ منه كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).
أما قوله: هل الأفضل الحفظ أو القراءة؟ فهذه تعود إلى نفس الإنسان، إذا كان يمكنه أن يجمع بين الأمرين فهو خير، وإذا كان لا يمكنه فأرى رأياً مني إن كنت أصبت فالحمد لله وإن كنت أخطأت فأسأل الله العفو: أن كونه يتلو القرآن بالمصحف في هذا الشهر المبارك ويختمه أفضل من أن يتحفظه، إلا إذا خاف أنه لو ترك التحفظ والتعاهد نسي ما حفظه أولاً فهنا نقول: تعاهد ما حفظته أولاً.
الجواب: لا يفسد صومك، ما دام لا يعلم به ودخل بغير اختياره فإنه لا يفسد الصوم لقول الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] لكنني أشير على الأخ السائل من الناحية الطبية أن يراجع أطباء الأسنان واللثة لينظر فيها، وأن يتعهدها بالمعجون والتنظيف الدائم فإنه ينقطع هذا بإذن الله.
والعجيب أنني سألت مسألة ألقيها عليكم وأنظر ما الجواب: هل يفطر الإنسان ببلع الريق؟
مداخلة: لا يفطر.
تقول: لا؟ ما هو التفصيل؟
مداخلة: يا شيخ بعضهم يجلب الريق فيتعمد بلعه.
الشيخ: تقصد: إن جمع ريقه فابتلعه أفطر وإن لم يجمعه فلا يفطر.. هل هذا هو التفصيل؟
مداخلة: نعم.
أقول: لا يفطر مطلقاً ولو جمعه وابتلعه، ولكن في ظني أنه لا أحد من الناس يجمع ريقه ويبتلعه، إنما بعض الناس إذا قام يقرأ اجتمع الريق بدون قصد فهذا لا يفطر، والريق دم يفرزه الفم، ليس هو شيء داخل حتى يقول إنه يفطر، بل إن العلماء اختلفوا في النخامة إذا وصلت إلى فمه فابتلعها هل يفطر أو لا، منهم من قال: يفطر؛ لأن النخامة ليست ريقاً معتاداً، ومنهم من قال: لا يفطر. هذا إذا وصلت إلى الفم.
أما النخامة التي تكون من الحلق والحلقوم ولا تصل إلى الفم فهذه لا تفطر بلا إشكال؛ ولهذا نحن ننتقد بعض الناس إذا أحس بنخامة في نخاعه حاول أن يجذبها لتخرج منه. فهذا خطأ، دعها تدخل فإنها لا تفسد الصوم.
الجواب: بخاخ الربو قسمان: شيء (كلبسات) يعني: حبوب فهو يضغط على شيء يسمونه مسدس ثم تدخل الحلق، فهذه تفطر، فإذا كان الإنسان محتاج إليها يفطر والحمد لله الأمر واسع ويقضي.
والشيء الآخر: وليس هو إلا هواء -أكسجين- وهذا لا يفطر؛ لأنه لا يصل إلى المعدة وإنما يفتح مسام العروق للتنفس فقط، فهذا لا يضر.
الجواب: الذي أفهم من السؤال أنه دائم.
السائل نفسه: نعم.
الشيخ: ليس عليه شيء في هذا الرعاف، وكما قال: يأخذ منديلاً وينظف بها أنفه، لكن لو حدث له في أثناء الصلاة هل ينصرف من صلاته أو يستمر؟
نقول: إن كان يشغله فلينصرف، وإذا كان لا يشغله في صلاته فليستمر، فإذا كان يشغله فلينصرف؛ لأنه معذور.
الجواب: العادة السرية يعني بها: الاستمناء باليد أو بغيرها، وهي حرام سواء في رمضان أو غير رمضان، والدليل على تحريمها قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المعارج:29-31] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ووجه الدلالة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام، أمر من لم يستطع الزواج أن يصوم، ولم يقل: من لم يستطع فليخرج ماءه بأي وسيلة، ولو كان ذلك جائزاً ما عدل عنه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الصوم؛ لأن الصوم أشق من الاستمناء.
فعلى كل حال الاستمناء محرم سواء في رمضان أو في غيره، وإذا وقع والإنسان صائم فسد صومه إن أنزل، وإذا كان في رمضان وجب عليه أن يمسك بقية يومه ويقضي يوماً مكانه.
نسأل الله تعالى أن يهيئ لشبابنا نكاحاً عاجلاً في رخص المهور، وخضوع أولياء الأمور؛ لأن البلاء الآن من أولياء الأمور أحياناً، ومن كثرة المهور أحياناً، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعظم النكاح بركة أيسره مئونة) وأراد أن يزوج شخصاً على خاتم من حديد، فإذا كان خاتم من حديد يكفي مهراً (وأعظم النكاح بركة أيسره مئونة) فلنسلك هذا المسلك حتى لا يضيع شبابنا من ذكور وإناث.
الجواب: الطريق الصحيح: أن يأتي من بلده لوالده أو لأمه من الأصل، لكن مع ذلك أنا أفضل أن يعتمر الإنسان لنفسه وأن يدعو لوالديه في الطواف، وفي السعي، وفي الصلاة، وكلما دعا لنفسه، وليس هناك مانع، وإنما اخترت ذلك؛ لأن هذا هو الذي اختاره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فوالله إن خيار الرسول خير لنا من اختيارنا، فقد حدث النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) بالله ربكم.. هل قال: ولد صالح يصوم عنه أو يتصدق عنه أو يحج عنه؟ لا، عدل عن العمل كله، لا تعمل لأمك أو لأبيك قال: أو ولد صالح يدعو له، ولهذا لو سألنا سائل: أيهما أفضل أتصدق عن أبي بمائة ريال أو أدعو له دعوةً تستجاب إن شاء الله؟ الثاني أفضل، وأنت بنفسك محتاج للعمل، والله ليأتين عليك يوم تتمنى أن في صحيفتك تسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أو تهليلة، اجعل العمل لك واسترشد بإرشاد الرسول عليه الصلاة والسلام، واجعل الدعاء لأمك وأبيك، ونحن لا نتكلم بهذا عن فراغ، بل بأيدينا أدلة.
وإذا كان كذلك فالواجب على طلبة العلم أن ينبهوا العوام، إلى حد أن بعض الناس يقول لي: إذا صنع طبخة جيدة -كبسة على لحم، بخارها ينفخ الرأس- قال: اللهم اجعل ثوابه لأبي وأمي وهو الذي يأكله!! نعم إذا قدموا طعاماً يحبه أبوه أو أمه قال: هذا أبي يحب كذا من الطعام، الله يجعل ثوابه له. هل هو الذي يأكله؟! كل هذا من الجهل، لأنه في ظني أن العامة إذا أرشدوا استرشدوا، لكن الغفلة وتتابع الناس على هذه الأمور جعلت كأن هذا هو أفضل شيء.
الجواب: من الذي سمع عني؟
السائل: لا أدري والله يا شيخ.
الشيخ: لأن الواجد المسموع عنه كذب، ماذا سمع؟
السائل: ما أدري يا شيخ.
الشيخ: السائل موجود؟ غير موجود؛ إذاً يلغى الجواب.
أنا في الحقيقة أقول: أقوى ما ورد في الختمة ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله ودعا في بيته، في أهله فقط، وأما في الصلاة فما سمعت بها لا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا عن أحد من الصحابة، لكن استحبها بعض العلماء، فالمسألة مسألة خلاف بين الناس، فإذا كان بعض العلماء استحبها، وكان الإمام الذي نحن نصلي وراءه يرى ذلك فلنتبعه، أما كوننا نشذ عن جماعة المسجد أو نتخلف ولا نأتي فهذا خطأ، ما دامت المسألة مسألةً خلافية وأنا حاضر فلا ينبغي أن أشذ عن الناس.
حتى إن الإمام أحمد رحمه الله مع حرصه على السنة واتباعه لها قال: إن الرجل إذا ائتمَّ بقانت في صلاة الفجر فليتابعه وليؤمن على دعائه.
صلاة الفجر ليس فيها قنوت عند الإمام أحمد، ولا يسن فيها القنوت، ومع ذلك قال: إذا صليت وراء إمام يقنت فتابعه وأمن على دعائه؛ لئلا تشذ عن الجماعة، فالاجتماع كله خير، وليت أن شبابنا راعوا هذه المسألة -أعني مسألة الاجتماع- ونبذوا ما يوجب اختلاف القلوب وراء ظهورهم، ولو أنهم فعلوا ذلك لكان خيراً كثيراً، لكن صار الكثير من الشباب ينحو منحى لا ينحاه أخوه فيعاديه من أجل ذلك، ويتكلم فيه في المجالس، ويحذر عنه، وهذا خطأ عظيم، سبحان الله!! أهل الخير، والذين يريدون الخير والذين لهم اتجاه صحيح هم الذين يتنابزون بالألقاب، هم الذين يتفرقون، وأهل الشر كلمتهم واحدة، أليس هذا عاراً على أهل الخير؟
الجواب: الأولاد إذا كانوا يؤذون المصلين بالركض والمضاربة والصياح ورفع الصوت، فإن الذي يحضرهم أخشى أن يكون عليه إثم بسبب أنه شوش على المصلين وأزعجهم، وبقاء المرأة عند أطفالها في بيتها خير لها من مجيئها إلى المسجد مع هذه الأذية.
أما إذا كان من عادة الصبي أنه هادئ متأدب فلا بأس بإحضاره ولا حرج، فإن بدر منه بادرة فإن وليه هو الذي يتولى أمره ويسكته ويسكنه.
الجواب: أما رفع بصره إلى السماء فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى المصلي أن يرفع بصره إلى السماء، واشتد قوله بذلك حتى قال: (لينتهين أقوام عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) عقوبةً لهم، ولا شك أن رفع الإنسان بصره إلى السماء في الصلاة ينافي الأدب مع الله، فكن خاضعاً.
أما أين ينظر إذا رفع يديه إلى الدعاء فإنه ينظر تلقاء وجهه -يعني: أمامه- ولا يرفع بصره ولا يمكن أن ينـزله؛ لأن يديه تحول بينه وبين النظر إلى موضع سجوده.
الجواب: الكفارة لا تجب إلا على من جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم، فالقضاء ليس فيه كفارة، لكنه لا يجوز لها أن تجيب زوجها إذا كانت شرعت في القضاء بإذنه، لأنها لما شرعت بالقضاء صار الصوم واجباً، وهو واجب قد أذن فيه الزوج، فليس له حجة، والزوج يحرم عليه أن يدعوها إلى الفراش وهي صائمة صوماً واجباً بإذنه؛ لأنه لا عذر له. كذلك إذا كان زوجها أجبرها على أن يجامعها ولم تستطع دفعه فإن صومها لا يفسد.
أما لو صامت بلا إذنه فنعم، له أنه يدعوها، وليس لها أن تمتنع منه؛ لأن حق الزوج في هذا الحال باق.
الجواب: إذا سلم الإمام من الركعة الأولى ثم ذكره المأمومون وجب عليه أن يقوم ويكمل بركعة، ويسجد للسهو بعد السلام، ولا يجوز أن يجعلها وتراً، لأنه لم ينو الوتر من أوله، لكن على العكس من ذلك لو أن الإمام قام في صلاة التراويح إلى ثالثة وذكره الناس أيستمر أو يرجع؟ يجب أن يرجع، فإن استمر بطلت صلاته، فيجب أن يرجع ويتشهد ويسلم، ثم يسجد سجدتين بعد السلام ويسلم.
الجواب: الظاهر إن شاء الله أنه لا بأس به؛ لأنه إنما حضر من أجل الصلاة على الجنازة، والتطوع بركعتين جائز، لكن إذا كان يعرف أنه يمكنه أن يقضي الركعتين فإنه يقضيهما -أعني: الركعتين اللتين فاتتاه- وبهذه المناسبة أود أن أذكّر إخواني الأئمة: أنه إذا كان في المسجد جنازة، وكان بعض الحاضرين يقضي ما فاته، والعدد الذي يقضي ما فاته كثير؛ فإن الأولى أن ينتظر حتى يتم هؤلاء صلاتهم من أجل أن يشاركوا إخوانهم في الصلاة على الميت.
أولاً: أنهم ربما حضروا من أجل الصلاة على الميت.
ثانياً: أن في ذلك تكثيراً للمصلين على الميت.
ثالثاً: أنه ربما لا يستجاب لأحد من هؤلاء إلا لواحد من هؤلاء الذين يقضون، وما تدري.
وأما كون بعض الناس الآن من حين يسلم الإمام يأتون بالجنازة ويمكن أن يكون صفين من ستة يقضون، هذا ليس بصحيح، بل انتظر، والعلماء يقولون: يستحب الإسراع، ولا شك في أن الإسراع أفضل، لكن ليس هناك فرق، فالفرق خمس دقائق مثلاً، فما الذي يضر؟!
الجواب: السبب الوحيد بيّنه الله عز وجل في قوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] كلما كان الإنسان أشد في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، كان أشد محبةً لله، وليس الشأن أن تحب الله أنت، بل الشأن أن يحبك الله عز وجل، ولهذا جاء الجواب: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] ولم يقل: فاتبعوني تصدقون في دعواكم، قال: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
فعليك إذا أردت محبة الله بالحرص التام على التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فستجد محبة الله لك ومحبتك لله، نسأل الله أن يحقق لنا ذلك إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وختامه مسك وهو محبة الله، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم حبه، وحب من يحبه، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبه إنه جواد كريم.
المقدم: جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء، وبارك في عمره، وأثابه على ما سمعنا منه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر