أما بعد:
فهذه هي ليلة الأحد الخامس عشر من شهر رجب عام (1420هـ) وبها يتم اللقاء التاسع والستون من اللقاءات الشهرية التي تعقد في هذا المسجد الجامع الكبير في عنيزة، في ليلة الأحد الثالث من كل شهر ما لم يكن هناك مانع.
هذا اللقاء -ولله الحمد- يحصل فيه خير كثير: اجتماع على الذكر (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) ولله تعالى ملائكة سياحون في الأرض يلتمسون حلق الذكر، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة).
فهذه اللقاءات مع أهل العلم فيها خير كثير، نحث إخواننا على الحرص عليها ومتابعتها والاستفادة منها، ونسأل الله أن يجمعنا في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في دار كرامته.
أيها الإخوة: موضوع هذا اللقاء هو الكلام على قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة:9-11].
أرعوا أسماعكم لهذا الخطاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] والنداء للصلاة يكون بالأذان المعروف، وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والناس ليس لهم دولة إسلامية، فأنشأ الدولة الإسلامية من حين هاجر، وصاروا يجتمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلوا معه، وليس ثمة نداء، فتشاوروا فيما بينهم: كيف نجمع الناس على الصلاة؟
فقال بعضهم: اضربوا ناقوساً. وقد كان النصارى يضربونه عند الصلاة في الكنيسة، والناقوس مثل الجرس الكبير.
وقال بعضهم: نجعل بوقاً ينفخ فيه ويكون له صوت عالي حتى يحضر الناس.
واقترح آخرون: أن توقد نار عظيمة يشعر بها أهل البلد ويعرفون أن الوقت قد دخل.
فهذه اقتراحات ثلاثة، كلها رفضت .. الناقوس للنصارى، والبوق لليهود، والنار للمجوس، كل هذه لم يوافقوا عليها، فهداهم الله عز وجل للحق، فرأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه في المنام أثناء المشاورات رجلاً بيده بوق، فقال له: أتبيعني هذا؟ قال: نعم، لكن ماذا تصنع به؟ قال: أنادي به للصلاة، قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: بلى، فأذن الأذان كله في المنام، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بأنه رأى كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها لرؤيا حق -أثبتها النبي عليه الصلاة والسلام، والحق ضده الباطل- ولكن اذهب إلى
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك أذانان لصلاة الجمعة بل أذان واحد، فإذا جاء الخطيب وسلم على الناس وجلس على المنبر أذن المؤذن، ولما كثر الناس في زمن عثمان رضي الله عنه واتسعت المدينة زاد عثمان رضي الله عنه أذاناً ثالثاً .. الأذان الأول والثاني والإقامة ثلاثة، فصار يؤذن للجمعة مرتين: مرة سابقة على مجيء الإمام، ومرة عند مجيء الإمام، ولم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الثاني الذي يكون عند حضور الإمام.
وقد ادعت حادثة حديثة من الشباب: أن الأذان الأول للجمعة بدعة. سفهاء الأحلام، قالوا: إنه بدعة؛ لأنه لم يكن في عهد الرسول. سبحان الله! الرسول نعم لم يفعله إلا أنه سنَّه، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) وعثمان رضي الله عنه منهم بإجماع المسلمين، فيكون اتباع عثمان في ذلك بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، والسبب الذي من أجله زاد عثمان هذا الأذان لم يكن موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يقال: إنه وجد في عهده ولم يفعله، فإحداثه بعده بدعة.
ثم نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم سنَّ أذاناً لغير وقت الصلاة في غير الجمعة، وذلك في رمضان، فقد كان في رمضان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنان: أولهما بلال والثاني عبد الله بن أم مكتوم ، وكان بلال رضي الله يؤذن قبل الفجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان
إذاً: هذا أذان قبل الصلاة لغرض لا يتعلق بالصلاة وإنما يتعلق بالسحور، فكيف بأذان الجمعة الذي تعلق بنفس الصلاة حتى يأتي الناس إليها مبكرين. إذاً فالأذان الأول للجمعة مشروع والحمد لله، والمراد بالآية الكريمة: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9] المراد بها الأذان الثاني الذي يكون عند حضور الإمام، والمنادي (إذا نودي للصلاة) غير معلوم، لم يسم في الآية، لكنه معلوم بالعمل، فالمؤذن للجمعة هو المؤذن لبقية الصلوات الخمس.
ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتكلم حال خطبة الجمعة؛ لأنه مأمور بأن يأتي إلى هذا الذكر، فكيف يأتي ويتلهى عنه؟ إذاً: يجب أن ننصت لهذه الخطبة وجوباً، فإن تكلم فقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفاراً) والأسفار هي كتب علمية يحملها الحمار، أتظنون أن الحمار ينتفع بها؟! لا أبداً، الحمار أبلد الحيوانات، لا ينتفع بالكتب التي على ظهره ولا التي أمامه، وهذا الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفاراً. وقد مثل الله اليهود بالحمار يحمل أسفاراً، قال تعالى: : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ [الجمعة:5] إذاً: الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب مشابهٌ لليهود، وأي مسلم يرضى أن يكون مشابهاً لليهود؟! لا أحد.
فإن تكلم وقال له آخر: اسكت، فقد لغا، أي: ضاعت عليه جمعته، ما كأنه صلى الجمعة ولا ينال أجر الجمعة حتى لو كان مغتسلاً متطيباً متقدماً إلى المسجد خاشعاً متخشعاً، إذا قال لمن يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب: اسكت، فقد ضاعت عليه الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) فإن أشار إليه إشارة بيده فلا يلغو؟ لا يلغو؛ لأن اللغو رتب على القول لا على الإشارة.
وإذا قال قائل: هل هذه الآية تشمل ما إذا سمعت مؤذناً يؤذن للجمعة ولكنك تريد أن تصلي في مسجد آخر ومسجدك الذي تريده لم يؤذن فيه، فهل يجب عليك أن تسعى لما سمعت مؤذن المسجد الآخر؟ الجواب: لا، كما أنه لا يجب عليك أن تستمع لخطبته لأنك لا تريد الصلاة معه، فمثلاً: إذا قدرنا أنك تريد أن تصلي الجمعة في الجامع الكبير هنا، وسمعت مؤذناً في طرف البلد يؤذن للجمعة لحضور إمامه، هل يلزمك إذا شرع في الخطبة أن تسكت؟ لا يلزمك، حتى لو كنت تسمع سماعاً تاماً لأنك لا تريد أن تصلي معه، فلست مأموراً بأن تذهب إليه.
إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] الصلاة، والتكبير، والاستعاذة بالله، وقراءة القرآن، كل هذا من ذكر الله.
واستثنى العلماء أيضاً: ما لو وجد ماءً يباع وهو على غير وضوء بعد أذان الجمعة الثاني، وهذا يوجد في المدن الكبيرة، فهل يشتريه ليتوضأ به، أم نقول: يحرم شراؤه ويتيمم ويصلي؟ الأول، نقول: هذه ضرورة، وهذه أيضاً لمصلحة الصلاة.
واستثنى العلماء ما كان للضرورة، كإنسان هالك من الظمأ، والماء يباع عند المسجد، وهو إن دخل في الصلاة شوش فكره يريد الماء فله أن يشتري ويشرب، وإلا فالأصل التحريم (ذروا البيع) هذا مع أن البيع حلال في الأصل، والدليل قول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] لكن لما كان البيع قد ينشغل به الإنسان عن حضور الخطبة والصلاة صار البيع في هذه الحال حراماً.
أرأيتم لو أن رجلين يمشيان إلى الجمعة فأذن المؤذن، فقال أحدهما للآخر: يا فلان، اشترينا أرضاً فهل لك الرغبة في أن تساهم فيها؟ قال: نعم، اكتبني مساهماً، قال: إن شاء الله أكتب. هل يجوز هذا أم لا يجوز؟ معلوم أن المساهمة بيع بيع، إذاً: فهي تدخل في الآية: (وذروا البيع) إذاً: هذا حرام ويلغى العقد، وإذا انتهت الصلاة يجدد ويقول: يا فلان، أنا مساهم معكم اكتب لي سهماً.
إذاً البيع بعد نداء الجمعة الثاني محرم وباطل، ولا ينتقل فيه المبيع إلى المشتري ولا الثمن للبائع، وإذا وقع هذا قلنا للمتبايعين: هذا عقد باطل، وإذا انتهت الصلاة فتبايعا من جديد.
هل تحرم الهدية بعد نداء الجمعة الثاني؟ لو كان الإنسان -مثلاً- يمشي مع صاحبه ومعه مسواك فأهداه إلى صاحبه هدية، فإنه يجوز؛ لأنه ليس بيعاً، ثم هو يسير فقال: خذ هذا المسواك، فيأخذه ولا يلهيه.
عقد النكاح، رجلان يمشيان فقال أحدهما للآخر: إنه يبحث عن زوجة، فقال: عندي لك زوجة وهي ابنتي، ومعهما رجلان آخران من أجل أن يكونوا شهوداً، فقال: زوجنيها، قال: هذه أبرك ساعة، أنا ما غذوتها إلا لك وأمثالك، باسم الله زوجتك ابنتي فلانة، قال: قبلت، وهذا بعدما أذن الأذن الثاني يوم الجمعة وهما في طريقهما إلى المسجد، ثم قال للرجلين: اشهدا، تم العقد الآن، فهل يجوز هذا أم لا يجوز؟
ننظر إلى الآية، اجعلونا نمشي على ألفاظ نصوص الكتاب والسنة، قال الله: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] هل عقد النكاح بيع؟ ليس عقد بيع، إذاً على مقتضى اللفظ أن يكون عقد النكاح جائزاً؛ لأنه أمر نادر يقل جداً، متى يصادف أن اثنين يمشيان إلى المسجد وبعد الأذان يزوج أحدهما الآخر ابنته؟! هذا ما تيسر، والنادر يقول العلماء: ليس له حكم، ومن نظر إلى أن المقصود بالنهي عن البيع هو الانشغال عن حضور الخطبة والصلاة قال: النكاح قد يشغل أكثر، هذا الرجل الذي عقدنا له الزواج سوف يفكر متى الدخول؟ ومتى يصير؟ ومن أين المهر والنفقات وأثاث البيت؟ يفكر أكثر من عقد البيع، فيقول بعض العلماء الآخرين: عقد النكاح حرام ولا يصح، وإنما ذكر الله البيع لأنه الغالب، وإلا فجميع العقود مثل البيع، إلا شيئاً نعلم أنه لا يمكن أن يلحق بالبيع لقلة إشغالك كالهدية -كما مثلنا أولاً- فهذا يجوز.
إذاً: قول الله عز وجل هنا: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [الجمعة:9] أي: من البيع، وإن عظم وإن كثر ربحه فمضيكم إلى ذكر الله يوم الجمعة خير من ذلك.
إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] أي: إن كنتم من ذوي العلم والفهم فاعلموا أن هذا خيرٌ لكم. وهنا أنبه إلى أن الإنسان ينبغي له إذا قرأ : ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [الجمعة:9] أن يقف، ثم يقول: إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] لأنه لو قال: (ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون) أوهم أن يكون الشرط في الخيرية، فيكون المعنى: خير لنا إن علمنا وإلا فلا، والأمر ليس كذلك، هو خير لنا على كل حال، لكن (إن كنتم تعلمون) كأنه يقول عز وجل: اعلموا إن كنتم ذوي العلم أن هذا خير لكم. ولهذا نجد أن الإنسان إذا ترك البيع عند الجمعة ثم عاد إلى البيع بعد أذان الجمعة أن الله يبارك له في بيعه ويوسع له، والعكس بالعكس.
وإلى هنا ينتهي الكلام عن هذه الآية، وسنعود في اللقاء القادم إلى تكملة السورة إن شاء الله تعالى.
الجواب: أولاً: يجب على الإنسان أن يعلم أن غسل الجمعة واجب، ومن لم يغتسل فهو عاصٍ لله ورسوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم).
ثانياً: هل هذا الغسل عن حدث أم عن غير حدث؟
الجواب: ليس عن حدث، وإذا فلن يكن عن حدث لم يرتفع الحدث به، لأن الحدث إنما يرتفع إذا كانت الطهارة عن حدث، وإذا لم يرتفع الحدث به وصلى الإنسان الجمعة بغير وضوء فإنه يعيدها ظهراً؛ لأنه ما نوى رفع الحدث.
أما لو اغتسل عن جنابة ولم يتوضأ فإن صلاته صحيحة؛ لأن الإنسان يجوز له أن يصلي بالغسل عن الجنابة وإن لم يتوضأ، ولكن بشرط: أن يتمضمض ويستنشق.
وعلى هذا نقول للأخ السائل: الأحوط في حقك أن تعيد صلاة الجمعة ظهراً، وأنت إن شاء الله قد حصَّلت الأجر؛ لأنك لم تتعمد الصلاة بغير وضوء.
الجواب: البلاد واحدة ولا يصح أن نميز بينهما، فـالقصيم وبلاد الحرمين شيء واحد، أنا كنت أتوقع أن يقول: بلاد الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك، لهذا عليه أن يصحح العبارة أولاً.
والواقع أننا في نجد نجعل فرقاً بين الأذان الأول والأذان الثاني نحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع وبعض الناس ساعة، وفي مكة والمدينة لا يجعلون بينهما فرقاً، إذا دخل الوقت وقت الظهر أذن المؤذن الأذان الذي يسمونه الأول، ثم يؤذن الثاني بعد مجيء الخطيب. والذي يظهر لي أن فعل أهل نجد أصح؛ لأنه هو الذي يحصل به الفائدة، أن الناس يستمعون إلى الأذان الأول ثم يتأهبون إلى الصلاة ويأتون إلى المسجد الجامع، وقد قال أهل العلم رحمهم الله: من سمع النداء الثاني يوم الجمعة لزمه السعي من حين أن يسمع، ومن كان بيته بعيداً لزمه السعي إلى الجمعة بحيث يصل إليها مع الخطيب. فعمل الناس هنا عندي أقرب إلى الصواب ممن لا يؤذنون الأذان الأول للجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر.
لكن ليس معنى هذا أن نضلل من خالفنا، وهذه نقطة مهمة أبثها لطلاب العلم: إذا اختلف الفقهاء في سنة فقال بعضهم: هي سنة، وقال آخرون: ليست بسنة، فليس لازم قول الذين يقولون: إنها ليست بسنة أن يبدعوا الآخرين، لا يبدعونهم أبداً، لأننا لو بدعنا المخالف لنا في هذه الأمور لزم أن يكون كل الفقهاء في مسائل الخلاف مبتدعة، لأن الذي يقول لي: إنت مبتدع، أقول له: وأنت مبتدع، فيبقى الفقهاء كلهم في مسائل الخلاف أهل بدعة، وهذا لا قائل به، فإذا اختلف العلماء رحمهم الله في مسائل لا تتعلق بالعقيدة وليست محدثةً حدثاً واضحاً، إنما اختلفوا في مفهوم النصوص، فهنا نقول: الأمر واسع، ولا يمكن أن يبدع بعضنا بعضاً.
الجواب: أما إذا اغتسل الإنسان في ليلة الجمعة فإنه لا يكفي عن غسل الجمعة، وأما إذا اغتسل يوم الجمعة عن جنابة فإنه يجزئ عن غسل الجمعة، كما تجزئ صلاة الفريضة عن تحية المسجد، فهنا اغتسل الإنسان غسلاً مشروعاً وهو غسل الجنابة فأجزأ عن الغسل المشروع الذي هو يوم الجمعة، لكن لو نواهما جميعاً في غسل واحد فهو أفضل.
الجواب: أما حضور المرأة للجمعة والجماعات فإنه ليس بمشروع لكنه جائز، والدليل على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خيرٌ لهن) فالأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها ولا تحضر الجمعة ولا الجماعات، لكن إذا حضرت فلا ننهاها، إذا أتت إلى المسجد غير متبرجة بزينة ولا متطيبة بطيب له رائحة يشمها من كان حولها، أما هذا المسجد ففيه -والحمد لله- مصلى خاص للنساء، يدخلن من باب خاص بعيداً عن مخالطة الرجال.
الجواب: لا يجوز أن تجمع صلاة العصر إلى الجمعة، لا في المسجد الحرام، ولا في المسجد النبوي، ولا في المسجد الأقصى، ولا في المساجد الأخرى، ولا في البيوت، الجمعة صلاة عيد لها خصائصها ومميزاتها، وهي منفردة تماماً عن غيرها من الصلوات، ولا يمكن أن يجمع صلاة أخرى تخالفها إليها. هذا من جهة التعليل، أما من جهة الدليل: فلأنه وجد سبب الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم -أعني: جمع العصر إلى الجمعة- ولم يجمع، وجمع بين العصر والظهر، وتركُ الجمع في يوم الجمعة مع وجود سببه يدل على أنه لا يجوز، ولو كان جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم تشريعاً للأمة ورفقاً بها، فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن الأصل لا تجمع للجمعة؟ قلنا: الدليل أنه في جمعة من الجمع كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فدخل رجل فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) فأنشأ الله السحاب واتسع ورعد وبرق وأمطر والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته، سبحان الله! والله أكبر! ولماذا نـزل من لحيته؟ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على عريش، والعريش سقف من جريد النخل، والمطر يتخلله، فما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته، إذاً المطر كان شديداً، فخرج الناس ولم يجمع النبي عليه الصلاة والسلام مع وجود السبب وهو المطر، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ليلاً ونهاراً ما طلعت الشمس، قال أنس : [والله ما رأينا الشمس سبتاً] الله أكبر! مطر ينزل بالليل والنهار على بيوت من الطين، يخاف عليها أن تتهدم، ولهذا جاء في الجمعة الثانية إما الرجل الأول أو غيره وقال: (يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء) غرق المال: السيول جرفت المواشي، والزروع أغرقها الماء ففسدت، وتهدم البناء لأنه من الطين، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانفرجت السماء بقدر المدينة فقط، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده الكريمة ويقول: حوالينا ولا علينا، فينفرج السحاب إلى الجهة التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، هل لأنه رب مدبر أم لأنه داعٍ لرب مدبر؟ الثاني، فإنه ليس بيده شيء، لكن دعا ربه فاستجاب له، وخرج الناس يمشون في الشمس، والأسواق كان فيها وحل لأنها طين، ليس هناك إسفلت، وهو سبب موجب للجمع، ومع ذلك لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الشيء مع وجود سببه بلا مانع دليل على أنه ليس مشروع، وهذا واضح ولله الحمد، أن العصر لا تجمع إلى الجمعة لا من الرجال ولا من النساء، لكن النساء إذا صلينها ظهراً فإنهن يجمعن العصر إليها؛ لأن جمع العصر إلى الظهر أمر جاءت به السنة.
الجواب: يجب عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بعد أذان الجمعة الثاني، لكن إذا شرع الخطيب في الخطبة فيجب أن تتوقف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) وقولي له: أنصت، أمرٌ بمعروف ونهي عن المنكر، ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (فقد لغوت) وهذه عقوبة، هذا ليس ثواباً بل عقوبة.
السائل: أنهاهم في النداء الأول؟
الشيخ: في النداء الأول لك أن تنهاهم إلى أن يشرع الخطيب في الخطبة.
الجواب: لا يجوز، بل يجب على من سمع النداء أن يجيب المنادي سواء كان مقيماً أو مسافراً، فمن أقام في البلد في يوم الجمعة وهو مسافر وسمع النداء يجب عليه أن يجيب، لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] ونسأل هذا المسافر: هل أنت من المؤمنين أم لا؟ فسيقول: من المؤمنين، فنقول: إذا كنت من المؤمنين فما جوابك لله يوم القيامة وقد وجه إليك الخطاب وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]؟ نعم لو فرض أن الإنسان يمشي في سفره ومر بالبلد وهو في الشارع يسمع المنادي، فنقول: لا يلزمك أن تبقى وتصلي لأنك ماشي، لكن إنسان مقيم يجب أن يحضر، وكذلك أيضاً يقال في الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجماعة: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) والسفر ليس بعذر، بدليل: أن الله أمر بصلاة الجماعة في حال القتال.
الجواب: هذا الفعل ليس صحيحاً؛ لأنه إذا لخص جملة ضاعت عليه الجملة الأخرى، أو لخصها على وجه خطأ، فلا يرخص للإنسان أن يلخص خطبة الجمعة، لكن هنا شيء أهم من هذا، وهو المسجل والحمد لله، يأتي بالمسجل وهناك مسجلات صغيرة جداً ويسجل، وإذا ذهب إلى البيت يلخص ما شاء، فلا تكتب لا قليلاً ولا كثيراً.
الجواب: أولاً: تعبيرك هذا غلط غلط غلط، أن تقول: ذكرت، وأنا ما ذكرت أنا أقول: قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وفرق بين قولي: ذكرت، وبين قولي: قال الرسول، فصواب العبارة أن تقول: إنكم سقتم الحديث وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) والله عز وجل يعلم أني لو لم أر في هذا الحديث وجوب غسل الجمعة ما قلت للناس: اغتسلوا، وكيف ألزم الناس بما يلزمهم في دين الله؟! الإنسان يخشى ربه قبل أن يخشى خلقه، هذا شيء واجب علينا أن نبلغه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فكلمة (واجب) لو صارت في كتاب من كتب المؤلفين من الرجال، لقيل: إن المؤلف يرى وجوب غسل الجمعة، فكيف وقد صدر من أعلم الخلق بشريعة الله وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق في القول والمقال، هذا أمر واضح أنه واجب.
أما إذا كان الإنسان مريضاً بزكام أو غيره ويخشى من استعمال الماء فلا شيء عليه؛ لأن لدينا قاعدة من الله عز وجل وهي: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ولا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] ويروى وهو ضعيف: أن قوماً خرجوا في سرية فجرح أحدهم فاحتلم، فقال لقومه: ألا أتيمم؟ قالوا: لا نجد لك رخصة، الماء بين يديك، فاغتسل فدخل الماء جرحه فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) والله عز وجل قال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، ولما أجنب عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سرية مع قومه تيمم ولم يغتسل وصار إمامهم، فلما وصلوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخبروه، فقال: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29] فخفت على نفسي من البرد، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه) تقريراً لهذا، وفرحاً يكون هذا الرجل يفهم من كتاب الله ما أراده الله عز وجل، وإلا لو كان رجلاً بسيطاً لقال: إن الله قال: (لا تقتلوا) وأنا ما قتلت نفسي، أنا خفت عليها من البرد، والبرد ليس قتلاً على كل حال، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم إقراراً وتقريراً لهذا الرجل وفرحاً بكونه فهم من كتاب الله عز وجل هذا الفهم، فرح الرسول أن أمته فهمت كلام ربها.
ونحن -والله- نفرح كما فرح الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان بين الفرحين مثل ما بين المشرق والمغرب، لكننا نفرح أن يفهم العامة وطلاب العلم من كتاب الله ما أراده الله تعالى بكلامه.
فإذا كان هذا الرجل مزكوماً ويخشى أنه إن خلع ثيابه أصابه الهواء وتأثر أو تأخر برؤه فقد عفا الله عنه.
الجواب: هذا لا يعد من الكلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلاً بالكلام المؤثر، فقال: (إذا قلت لصاحبك ... ) وأنت ما قلت لصاحبك، أنت مع ربك عز وجل، فإذا ذكر اسم الله في أثناء الخطبة فقلت: سبحانه، أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم فقلت: اللهم صل عليه، أو ذكر ثواب فقلت: أسأل الله من فضله، أو ذكر عقاب فقلت: أعوذ بالله، فإن هذا لا يدخل في الكلام المحرم، لكن هل يسن للإنسان أن يقوله أم لا؟ أرى أنه لا بأس أن يقوله، وهذا مما يدعو إلى حضور قلبه مع الإمام بخلاف ما إذا غفل، ولكن بشرط: ألا يشوش على من حوله.
الجواب: أرى أنه ينظر أولاً في مناهجهم، ما هذه المناهج؟ وما الذي يخشى منها في المستقبل؟ لأنه قد يكون في أول سنة مناهجها سليمة (100%) لكن في السنة الثانية تتغير ويكون الإنسان قد وقع في شركها وفي فخها ولا يمكن أن ينتقل عنها.
ثانياً: أرى ألا ندخل أبناءنا في هذه المدارس مطلقاً؛ لأنها مهما كانت فمدارسنا خيرٌ منها والحمد لله، وفي المدارس التابعة لوزارة المعارف ما يشفي ويكفي.
فرأيي: أنه لا يجوز لواحد منا أن يدخل أبناءه أو بناته -إن فتحت مدارس للبنات- في هذه المدارس، وتجب مقاطعتها، هذا رأيي في هذه المدارس، أما في وضع هذه المدارس فالأمر ليس إلي ولا إليكم بل إلى جهات أخرى.
الجواب: لا، قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وأحسن ما يكون أن تكون بعد طلوع الشمس، لك من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، إذا قرأتها في أي ساعة ما يبن الطلوع والغروب فقد أجزأ.
الجواب: عملها هذا صحيح لو تعدى الدم خمسة عشر يوماً، أما قبل الخمسة عشر يوماً فإنه يحتمل أن العادة زادت، والنساء تزيد عادتهن أحياناً وتنقص أحياناً.
فنقول لهذه المرأة: انتظري حتى تتمي خمسة عشر يوماً، فإذا أتممت خمسة عشر يوماً فاغتسلي وصلي وفي الشهر الثاني اجلسي عادتك فقط، لأنه لا يصدق أن المرأة مستحاضة حتى تتجاوز نصف المدة، خمسة عشر يوماً، فإذا تجاوزت نصف المدة صار أكثر وقتها دماً، وحينئذٍ ترجع إلى عادتها من قبل أن يأتي هذا المرض، ولا تحل لزوجها حتى تتم خمسة عشر يوماً ثم تغتسل فتحل، فإذا جاء الشهر الثاني فإنها تجلس عادتها فقط ثم تغتسل وتصلي وتحل لزوجها.
الجواب: يقرأ على ماء زمزم وغير ماء زمزم ويمسح به موضع الألم في أي موضع من الجسم، لكن ينظف أولاً القبل والدبر من أثر البول أو الغائط، ثم يمسح بهذا الماء.
الجواب: الأفضل إذا ضاق المكان عن كون الإمام متقدماً والمأموم متأخراً فإنه يصلي الإمام بينهما، حتى لو كانوا ثلاثة صلى أحدهم عن يمين الإمام والثاني عن يساره، لأن الأمر كان هكذا في أول الإسلام، كان الثلاثة يصلون صفاً واحداً وإمامهم وسطهم، ثم نسخ هذا وصار الثلاثة يتقدمهم الإمام، وعلى هذا فنقول: إذا وجد ثلاثة فالأفضل أن المأمومين وراء الإمام والإمام متقدم، وإن ضاق المكان صفوا صفاً واحداً والإمام بينهما، وليس عن يمينه فقط كما يفهمه بعض العوام، وإذا كان المأموم واحداً فإنه يكون عن يمين الإمام، لأنه الآن دار الأمر بين أن يكون في اليسار أو في اليمين، فنقول: اليمين أفضل.
وهنا نقطة أحب أن أنبه عليها، وهي: أن بعض الناس إذا جاءوا والناس يصلون جماعة صاروا في اليمين ولو كان بعيداً من الإمام وتركوا اليسار وهو قريب، وهذا مفهوم خطأ، بل يكون الأيمن أفضل إذا كان اليسار مقارباً له أو مساوياً، وأما إذا كان اليسار أقرب فهو أفضل من اليمين، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، ولما كان الصف الأول أفضل من الصف الثاني على كل حال قال: (أتموا الأول فالأول) ولو كان اليمين أفضل على كل حال لكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للناس: أتموا الأيمن فالأيمن، ثم إن صورة الجماعة إذا كانوا من وراء الإمام إلى يمينه الصف تام واليسار ما فيه أحد، فهذه صورة لا تدل على توسط الإمام، مع أنه يوجد حديث لكنه ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم قال: (وسطوا الإمام) أي: اجعلوه وسطاً.
الجواب: أما على الصراط فلا يمر إلا المؤمنون، والكفار يساقون إلى النار -والعياذ بالله- في عرصات القيامة ورداً، وأما المؤمنون فهم يصعدون على الصراط إلى الجنة، ثم يصعدون عليه على قدر أعمالهم في السرعة، ومنهم من يخدش ويلقى في جهنم ويعذب بقدر ذنوبه حسب ما أراد الله عز وجل ثم يخرج.
الجواب: الواقع أن هذه مصيبة -كما قال الأخ السائل- وقد سارت في البلاد سير النار في الهشيم، وأنها مما ينذر بالخطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر بما ينفع الناس ويضرهم في دين الله عز وجل قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وإنما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء) ومع الأسف الشديد أن هذا يوجد تحت بصر أولياء الأمور وسمعهم، لكن الرجل يذهب إلى دكانه أو إلى عمله ويترك أهله ولا يفعل فيهم شيئاً، والأمر عند هؤلاء بارد، لكنه -والله- ينذر بالخطر. ثم هذه الموضات التي أغرقت الأسواق وأفسدت الأسواق وأفسدت النساء كلها ضرر على اقتصادياتنا، تجد المرأة الموظفة يذهب نصف راتبها في هذه الموضات، حتى لو كانت الموضة الجديدة أسوأ حالاً من الأولى لكنها جديدة، فتشتري المرأة ثوباً بمائة ريال أو بمائتين ريال أو بخمسمائة ريال أو بستمائة ريال.
إن هذه الموضات التي ترد على البلاد هي ضرر على اقتصادنا وضرر على ديننا، تكون المرأة فكرها دائماً في هذه الموضات .. ما الذي أتى اليوم؟ وما الذي سيأتي غداً؟ فيضيع الدين كله من أجل هذا اللباس الذي بعضه لا يجوز شرعاً.
لذلك أنصح رجالنا المؤمنين أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن يعلموا أن أعداءهم أعداء حقيقيون، فمنهم أناس لا يهمهم هذا الأمر، لا يهمهم إلا تحصيل الفلوس فقط، ومنهم أناس يقصدون إفساد المسلمين، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يوقظ أولياء أمورنا لما فيه الخير والصلاح، وأن يمنعوا أهليهم وأبناءهم وبناتهم من اتباع الموضات التي لا تفيد.
الجواب: الواقع أن الجمهورية الشيشانية أصيبت بهذا البلاء من الملاحدة الكفرة.
موقفنا: أن ندعو لهم، ندعو لهم في الصلاة، وبين الأذان والإقامة، وفي صلاة الليل، وفي كل المناسك، أما مسألة القنوت فلا نقنت إلا بأمر ولي الأمر، لأننا تابعون لولي الأمر، وسأخبركم عن رأي الفقهاء في مسألة القنوت عند النوازل:
من العلماء من يقول: لا يقنت في النوازل إلا الرئيس الأعلى في الدولة فقط وغيره لا يقنت. وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، حيث قالوا: إلا أن تنـزل بالمسلمين نازلة فيقنت الإمام الأعظم في الفرائض، وعلى هذا لا يسن للشعب أبداً أن يقنت، وعللوا ذلك: بأنه لم يقنت في النوازل إلا الرسول عليه الصلاة والسلام. لكن هذا القول ضعيف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مشرع.
ومن العلماء من قال: يقنت إمام المسجد كل في مسجده.
ومنهم من قال: يقنت كل مصلٍ. وهذا هو الأرجح، أن يقنت كل مصلٍ، لكن الإمام في الجماعة لا يقنت إلا بعد موافقة ولاة الأمور، إن قالوا: اقنتوا قنتنا جهراً، وإن سكتوا سكتنا، لكننا لا نسكت عن الدعاء لإخواننا في الشيشان.
وليعلم أن الشيشان جمهورية إسلامية والروس أمة ملحدة، لكن لما رأوا أن الإسلام سيمتد أرادوا أن يقضوا على الإسلام، وأول جمهورية إسلامية استقلت هي الشيشان فيما أعلم، فأرادوا أن يقضوا على الإسلام، ولذلك الغرب ساكتون وما قالوا شيئاً، لأن هذا مما يفرحون به، إذ أن الغرب الكفرة يفرحون بكل ما يكون فيه ذل للإسلام وخذلان المسلمين، لا شك في هذا، وعندي ألف في الألف أنهم يودون هذا، وإن أظهروا أنهم يساندون الإنسانية وما أشبه ذلك فهم كذبة، ولهذا هم ساكتون، لما بدأت جمهورية الشيشان الآن تُضرب بالقنابل ويموت الناس في الأسواق تحركوا ولكن تحرك سلحفاة، وإلا لو خنقوا الروس في الأمور الاقتصادية لعلمنا أن الروس سوف يستسلم ويذل، بل من أسباب هجوم الروس على الشيشان ولكنه دون السبب الأول: أنهم يريدون أن يشغلوا شعبهم بهذه الحرب عن العيب والعور والبلاء في اقتصادهم ومجتمعاتهم.
تيمور الشرقية مسألتها أهون من هذا بكثير، لكن لما كان غالبها من النصارى ماذا فعل الغرب الأمة النصرانية الملحدة؟! أقاموا أسطولاً وطيارات ودبابات من أجل أن يفصلوا تيمور الشرقية عن إندونيسيا حتى يضعفوا المسلمين ويأخذوهم شيئاً فشيئاً دويلات دويلات، وقد علم أن التفرق فيه الفشل كما قال عز وجل: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].
نحن موقفنا: أن نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر إخواننا الشيشان في جمهوريتهم، وأن يذل الروس إذلالاً يكون حديثاً لمن بعدهم، وكذلك كل من كاد للمسلمين، لأنه ليس بيننا وبين هؤلاء نسب، بيننا وبينهم الدين، من كان عدواً للإسلام فهو عدونا إلى يوم القيامة، ومن كان ناصحاً للإسلام فعلى حسب نصحه نحبه ونفرح بانتصاره، ألم تروا أن الله قال: الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:1-5] مع أنه نصر الروم وهم نصارى على الفرس وهم مجوس، كلهم كفار، لكن لا بأس أن يفرح المؤمن بانتصار من فيه خير للمسلمين ولو كان كافراً.
اللهم انصر إخواننا المسلمين في الشيشان ، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم فرج كرباتهم ويسر أمورهم، واخذل أعداءهم يا رب العالمين.
اللهم صل على محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر