أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: فإن الذي نصر أوَّل هذه الأمة، وأظهر دينها على جميع الأديان، ودك به صروح كسرى وقيصر وغيرهم من أئمة الكفر، قادر على أن ينصر آخر هذه الأمة؛ لأن سنة الله تعالى في عباده واحدة، ولكن الناس إذا أضاعوا أمر الله أضاعهم الله، وإذا نسوا الله نسيهم الله، وإلا فلو رجعنا رجوعاً حقيقياً إلى ربنا عز وجل لوجدنا النصر والكرامة والعزة، ولكن مع الأسف الشديد أن كثيراً من المسلمين أضاعوا أمر الله فأضاعهم الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام: إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا لن يعمَّر، ولن يبقى، فهو موجود من العدم، وصائر إلى العدم، وإن الساعات التي تمر بالإنسان في هذه الدنيا كأنها لحظات، بل هي لحظات: لحظة تتلوها لحظة، وهكذا إلى أن يصل الإنسان إلى آخر نهايته، وهذا أمر يشعر به كل واحدٍ منا.
لقد مضى على رمضان العام الماضي اثنا عشر شهراً برمضان، يعني: بعد رمضان أحد عشر شهراً كلها مضت، ومع ذلك فكأنها أحد عشر ساعة، كأننا بالأمس القريب نصلي رمضان عام (1409هـ)، والآن نصلي عام (1410هـ)، وما هي إلا لحظات زالت، وهكذا أيضاً ما بقي من أعمارنا سوف يزول بهذه السرعة، إذاً فالواجب علينا -أيها الإخوة- أن ننتهز هذه الفرصة، أن ننتهز فرصة وجودنا في الدنيا حتى نعمل للآخرة، والعجب أن الذي يعمل للآخرة ينال الدنيا والآخرة، والذي يعمل للدنيا يخسر الدنيا والآخرة، لا أقول ذلك من عند نفسي ولكني أقول ذلك بكتاب الله، قال الله عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] الحياة الطيبة الدنيا.. وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] في الآخرة.
أما عكس ذلك فاستمع: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:103-105].
أيها الإخوة الكرام: إذا علمنا هاتين الحقيقتين، وهما:
أولاً: سرعة الدنيا وزوالها، وأنها تمضي لحظة بعد أخرى، حتى يأتي الإنسان الموت، وعلمنا أيضاً أن الكاسب والرابح هو المؤمن، وأن من لم يكن مؤمناً عاملاً بالصالحات فهو خاسر، استدللنا لذلك بالواقع وبكتاب الله عز وجل، فإنه جدير بنا أن ننتهز فرصة وجودنا في هذه الدنيا لأننا لابد أن ننتقل، لابد أن نُذكر كما كنا نَذكر غيرنا، الذين كانوا من قبلنا وأدركناهم، كانوا يتحدثون كما نتحدث، ويخبرون كما نخبر، وأصبحوا الآن خبراً من الأخبار.
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار |
هو في الأول مخبر ويكون خبراً يخبر عنه: فلان رحمه الله، هذا هو الحقيقة.
إذاً فلننتهز -يا إخواني- هذه الفرصة لا سيما في المواسم، مواسم الخيرات التي جعلها الله لعباده، كالأسواق التجارية بل هي التجارة حقيقة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10-11].
علينا أن ننتهز هذه الفرصة، رمضان متى يأتي؟ ربما يموت الإنسان قبل أن يدركه رمضان الثاني، كما تعلمون أن هناك أناساً كانوا معكم في العام الماضي الآن هم في قبورهم مرتهنون بأعمالهم، لا يملكون أن يزيدوا حسنة في حسناتهم ولا أن ينقصوا سيئة من سيئاتهم، هذا الذي مر عليهم ربما يمر عليك، بل قطعاً سيمر عليك، لكن ربما يمر عليك قبل أن يعود إليك رمضان، إذاً: فانتهز الفرصة! ونحن الليلة في الليلة الثالثة من رمضان انظروا سرعة ذهابه، يعني: مضى منه يومان كاملان، ونحن الليلة في الليلة الثالثة، وسيمر سريعاً فلننتهز هذه الفرصة.
إذاً: نبتدئ ليلنا بالتقرب إلى الله تعالى بأكل الفطور، وأنا أقول لكم ذلك من أجل أن ينوي الإنسان عند فطره أنه يفطر طاعة لله ورسوله واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هل منكم أحد يدرك هذه النية؟ أو إذا أذَّن وإذا هو يشتهي التمر والماء أكله تشهياً لا تعبداً، أكثر الناس هكذا، ونحن منهم نسأل الله أن يتوب علينا إلا أن يمن الله علينا بالتذكر، لابد أن يتذكر الإنسان.
ثم يدخل مع الإمام يصلي مع الإمام كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، فيتقرب إلى الله في هذه الصلاة من وجهين:
الوجه الأول: أنه يؤدي فريضة من فرائض الإسلام وهي الصلاة.
الوجه الثاني: أنه يتابع الإمام، ومتابعة الإمام فيها أجر وعبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، قال: (إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) إذاً: تكون عبادة، فيؤدي عبادتين: فريضة الإسلام، واتباع الإمام الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه.
أما إذا أتينا إلى الصلاة أو نظرنا إلى الصلاة، فيالها من روضة يانعة فيها من كل فاكهة زوجان، تكبير لله.. قرآن.. تسبيح.. دعاء.. هيئات متعددة كلها تنبئ عن التعظيم، أنت ترفع يديك عند التكبير تعظيماً لله.. تركع تعظيماً لله، ولهذا تقول في ركوعك: سبحان ربي العظيم، لتجمع بين التعظيم القولي والتعظيم الفعلي، إذا رفعت تثني على الله عز وجل؛ لأنه مجيبٌ لمن حمده، سمع الله لمن حمده يعني: أجاب لمن حمده، وتحمد الله عز وجل، ثم تسجد على الأعضاء السبعة، هذه الأعضاء تتناول أدنى ما في البدن وأعلى ما في البدن، ما هو أدنى ما في البدن؟ القدمان، وأعلى ما في البدن؟ الوجه، تسجد كلك، من هامك إلى إبهامك تعظيماً لله عز وجل.
ترى أعلى ما فيك وأشرف ما فيك في مداس الناس في الأرض، والله! لو أمرك أكبر ملك في الدنيا أن تسجد له ما وافقت إطلاقاً، لأبيت أشد الإباء، لكنك ولله الحمد تنقاد وبكل سهولة، وتتلذذ بهذا أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وجعلت قرت عيني في الصلاة) في سجودك تبتهل إلى الله عز وجل.
تجتهد في الدعاء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وأما السجود فأكثروا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم).
ثم ترفع وتجلس بين السجدتين وتسأل الله المغفرة والرحمة والهداية، وتعيد السجود مرة ثانية.
الله أكبر! الركوع مرة واحدة والسجود مرتين، لأن السجود أشد خضوعاً وخشوعاً، لأنك لست تنحني فقط بل تنحني وزيادة، وتضع أشرف ما فيك على الأرض ولهذا كُرِّر في الصلاة، ولم يكرر الركوع في الصلاة إلا في صلاة الكسوف، لأنها صلاة خوف ورهبة، فلهذا كرر فيها الركوع تعظيماً لله عز وجل، ثم عند ختام الصلاة تثني على الله بالتحيات، وبالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليه، وبالسلام عليك وعلى عباد الله الصالحين، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبالاستعاذة بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال.
ما زلنا الآن في أول الليل، ما هي الصلاة التي أديناها؟ صلاة المغرب.
أولاً: امتثال أمر الله عز وجل، لأن الله أمرنا بالأكل والشرب في أي آية؟ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31].. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172].
ثانياً: ننوي بذلك حفظ أبداننا؛ لأن بدنك أمانة عندك ائتمنك الله عليه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] هذه الأمانة الدينية، والأمانة البدنية الدنيوية: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29].. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] إذاً: فننوي بالأكل حفظ هذا البدن الذي جعله الله أمانة عندك نقيه الشر في الدنيا والآخر.
ثالثاً: ننوي بذلك التنعم بنعم الله، التنعم بنعم الله قربة؟ نعم لأنه يدل على قبولك لنعمة الله عليك، قبولك لمنة الله عليك، ومعلوم أن قبول ذي المنة اعتراف بفضله عز وجل، فأنت تعترف بفضل الله، وتتمتع بنعمه، ولهذا جاء في الحديث: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) إذاً: ويحب أن يتبسط عباده بنعمه؛ لأن الكريم يحب أن ينتفع الناس بكرمه.
رابعاً: تنوي بذلك التقوِّي على الطاعة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تسحروا فإن في السحور بركة) أمرنا بالسحور من أجل التقوِّي على الصيام، فأنت تنوي بأكلك وشربك التقوِّي على طاعة الله.
إذاً انقلبت هذه النعمة التي يتمتع بها أكثر الناس تشهياً، انقلبت عبادة، فبإمكان الإنسان الموفق أن يقلب عاداته عبادات، والغافل تكون عباداته عادات، يروح يصلي على العادة، يتوضأ على العادة، يمكن لو عاش في بيئة أخرى غير مسلمة يمكن أن يمشي على ما هم عليه عادة، لكن الموفق يجعل من عاداته عبادات.
تدخل في صلاة العشاء، تدخل في قيام رمضان؛ لأن التراويح قيام رمضان، لولا أننا نعتقد أنه قيام رمضان لكنا لم نقم رمضان، هو قيام رمضان تماماً، انتبه لا تظن أنه صلاة فقط مجرد هو صلاة لكن هو قيام رمضان، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيل فيه الصلاة، قالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت: (كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة -رضي الله عنها وهي من أعلم الناس بصلاته- يصلي أربعا،ً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً).
هذا الحديث إذاً أربع وأربع ثمان وثلاث إحدى عشر، لكن قولها: يصلي أربعاً، قد يحتمل أن المعنى يصليها جميعاً في تسليمة واحدة، ثم يصلي أربعاً في تسليمة واحدة، وهذا محتمل، لكن يحتمل وجهاً آخر، أنه يصلي أربعاً بتسليمتين يعني: يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم يستريح، والدليل على هذا أمران:
الأمر الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) ولم يعهد من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صلى أكثر من اثنتين إلا في الوتر، الوتر كان يوتر بخمس أو بسبع ولا يجلس إلا في آخرها، أو بتسع ويجلس في الثامنة ويتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم، لكن في الوتر ما عهد عنه أنه صلى أكثر من ركعتين، وقد قال هو عليه الصلاة والسلام قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) .
والوجه الثاني: مما يؤيد هذا أنها قالت (ثم) وثم هذه للترتيب والمهلة فيجعل بين الأربع والأربع شيئاً من المهلة، ولهذا أخذ الناس هذا العمل، فصار الناس في صدر هذه الأمة يصلون أربعاً ثم يستريحون ثم يصلون أربعاً، ولهذا سميت تراويح من الراحة، ما هي تراويح بمعنى السرعة، لا، من الراحة! يصلون صلاة طويلة ثم يستريحون، يصلي أربعاً ويستريح، ويصلي أربعاً ويستريح، ثم يصلي ثلاثاً.
وظاهر قولها رضي الله عنها أنه لا يسلم في هذه الثلاث، لأنه وتر والوتر إذا أوتر بثلاث يسردها، لكن قد صح عن ابن عمر أنه يسلم في الركعتين ويأتي بالثالثة، فإن فعلت هذا أو هذا فكله جائز، لكني أرجح أن الثلاث تكون سرداً بتسليمة واحدة.
انتهينا من صلاة أول الليل، بعد ذلك هل يكتب للإنسان أجر إلى الفجر؟ استمع: (أقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاث ليالٍ، فقالوا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: لو زدت النفل هنا بمعنى الزيادة، لو زدتنا بقية الليلة انظر الهمة العالية، نحن لو أطلنا قال الناس: أطال فلان، ابحثوا عن غيره أخف منه، لكن الصحابة قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: انفلنا بقية الليلة زدنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) اللهم لك الحمد قيام ليلة وأنت نائم!
نعم قيام ليلة وأنا نائم، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام نعمة من الله، إذاً يكتب للإنسان الذي يقوم مع الإمام حتى ينصرف قيام ليلة كاملة قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: تسحروا.
ثانياً: الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يتسحر، ولم يكن بين سحوره وبين صلاته إلا مقدار خمسين آية، أيضاً يؤخر السحور.
ثالثاً: أن في هذه الأكلة معونة على طاعة الله؛ لأن الإنسان إذا تسحر كفاه ذلك كل اليوم، كم تشرب كل يوم إذا لم تكن صائماً؟ كثير، لكن إذا كنت صائماً سبحان الله! الشرب الذي في السحور يكفيك، هذا من بركته قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة).
رابعاً: إظهار المخالفة لليهود والنصارى؛ لأن هذا السحور هو فصل ما بيننا وبين صيام اليهود والنصارى، ولا شك أن إظهار مخالفة اليهود والنصارى مما يقرب إلى الله: (من تشبه بقوم فهو منهم) بل إغاظة اليهود والنصارى مما يقرب إلى الله، بل إغاظة كل كافر مما يقرب إلى الله، قال الله تعالى: وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ [التوبة:120] وقال الله تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه قال: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
ما نصانع الكفار لأن الكفار لا يصانعوننا، ولكنا نفعل كل ما يغيظهم، نتقرب بذلك إلى الله، ونعلم أن هذا قربة لنا؛ لأن هذا لنا فيه أجر وهذا وصف محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
الخامس: أنه فيه ما ذكرنا من قبل من فوائد الأكل، يعني: السحور أكل، فيه التنعم بنعم الله، حفظ البدن، امتثال أمر الله، وغير ذلك.
إذاً: تسحرنا -يا إخواني- أجر أم غير أجر؟ أجر، ولكن كل هذه الأمور تحتاج إلى أن الإنسان يتذكر، أكثر الناس لا يتذكر يأكل الأكل يتنعم به ترفهاً بدنياً لا أنه يتنعم به تنعماً عبادياً، لا. إلا أن يشاء الله، إذا استيقظ الإنسان واستحضر انتفع، أما في النهار فأنت في عبادة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ميزان هذه العبادة ما هي؟ مرتبتها في الإسلام، ركن من أركان الإسلام، تقوم به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولو كنت نائماً، ولو كنت تبيع أو تشتري، أو تتحدث مع أصحابك، أنت في ركن من أركان الإسلام، سبحان الله!
قال ابن عصفور ويروى مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) يعني: ثلاثة حروف تعتبر ثلاثين حسنة، وهذا أمر لا يدرك عدده إلا الله عز وجل، كل هذا لأنك تقرأ كلام رب العالمين عز وجل، خالق السماوات والأرض الذي هو أحب حبيب إليك، ما ظنك لو جاءتك رسالة من صديق لك، كل ساعة تطلعها من جيبك وتقرأها، كأنما تواجه صديقك أو حبيبك، أليس كذلك؟
أنت إذا قرأت كلام الله لا شك أن المؤمن أحب شيء عنده هو الله عز وجل، يقرأ كلام الله عز وجل، من جهة التعظيم ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءة القرآن في رمضان.
وكان جبريل يدارسه القرآن وكان يقرأ في كل سنة مرة، إلا السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قرأه عليه مرتين، لماذا؟ من أجل الاستثبات، وأن القرآن ولله الحمد محفوظ إلى آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يتغير، لا بنقص، ولا بزيادة، ولهذا قال العلماء: من أنكر حرفاً منه وهو عالمٌ به فهو كافر، حرف واحد تنكره وأنت تعلم تكون كافراً، لأنك مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، أما الله فيقول: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية:29] ويقول عز وجل: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] هذا كلام الله! أخبر به عن نفسه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد بلَّغ أمته، وقال هذا كلام ربي، بلغهم: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67]
أما المسلمون فأجمعوا كلهم على أن هذا القرآن الذي بين أيدينا، من فاتحته إلى خاتمته كلام الله، وأنه محفوظ، وأنه ليس فيه زيادة، وليس فيه نقص، بل هو محفوظ بحفظ الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فالحمد لله.
المهم أن كتاب الله عز وجل ينبغي للمؤمن أن يكثر من تلاوته لا سيما في هذا الشهر المبارك، ولا حرج أن يجعل الإنسان لنفسه شيئاً معيناً من القرآن يحافظ عليه، سواءً في رمضان أو في غيره، لا تقل هذا بدعة، أجعل كل يوم جزءاً أو كل يوم نصف جزء أو كل يوم جزئين أو ثلاثة، لأن بعض الناس يشتبه عليه الأمر، يقول: أخشى أني لو أجعل في اليوم شيء معين من القرآن أن هذا بدعة، هذا ليس بدعة هذا تنظيم، أنا لست أتقرب إلى الله عز وجل بهذا العدد المعين جزء أو جزئين، لكن أريد أن أحفظ وأنظم قراءتي للقرآن، لأن الإنسان لو يجعل أنه كل ما فرغ قرأ يمكن يمر عليه الشهرين وما قرأ، لكن إذا جعل له شيئاً معيناً؛ جزء أو نصف جزء أو جزئين أو ثلاثة، حافظ عليه، وسهل عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل) فلو أن الإنسان منا حرص على أن يجعل له شيئاً معيناً في كل يوم في رمضان، وشيئاً معيناً في كل يوم في غير رمضان، حتى ينظم نفسه بالنسبة لقراءة القرآن كان هذا حسناً وليس ببدعة.
وهكذا يتقلب الإنسان في هذا الشهر من طاعة إلى أخرى، إذا وفق لاستغلال الفرصة، فأنا أوصيكم ونفسي في هذا الشهر بتقوى الله عز وجل واستغلال الفرصة بقدر المستطاع، مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، ولهذا ينبغي لنا بل يجب علينا أن نقرن أفعالنا بالاستعانة بالله عز وجل، نقرنها بالاستعانة، الاستعانة عبادة أم غير عبادة؟ الاستعانة عبادة، إذاً أنت إذا فعلت شيئاً من العبادات مستعيناً بالله، أعانك الله ومع ذلك قربك إليه لأن الاستعانة عبادة.
أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم في هذا الشهر وفي غيره، على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه وهو راضٍ عنا، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: بخاخ الربو نوعان: النوع الأول المسدس الذي يجعل فيه حبوباً ثم يُطلق وتنفجر في الفم، وتنزل إلى المعدة هذا يفطِّر، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يبقى كل النهار بدونه، فإنه لا بأس أن يفطر والأمر واسع لأنه داخل في قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] وإذا قدر أن هذا من الأمراض المستعصية التي لا يرجى زوالها، فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، ثم إن قدر أن الله عافاه والله على كل شيء قدير؛ فإنه لا يلزمه إعادة الإطعام ولا الصوم، لأن هذا الرجل برئت ذمته في الإطعام فلا تعود مشغولة بدون سبب.
أما النوع الثاني من البخاخ الذي يزول فيه ضيق النفس فهو هواء غاز، لا يصل منه جرم إلى المعدة هذا لا بأس به ولو كان الإنسان صائماً ولا يفطر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر