إسلام ويب

جلسات رمضانية لعام 1411ه [7]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد فضل الله عز وجل شهر رمضان على سائر الشهور، لكثرة اجتماع العبادات فيه، ففرض فيه الصيام، وأنزل القرآن، وشرع زكاة الفطر، والاعتكاف في مساجده سبحانه، ولذا فقد حقق الله تعالى لأمة محمد عليه الصلاة والسلام انتصارات عظيمة في شهر رمضان كغزوة بدر وفتح مكة وغير ذلك من الانتصارات.

    1.   

    الفتوحات والشرائع التي وقعت في شهر رمضان

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فإنه بمناسبة إقبال العشر الأواخر من شهر رمضان، والتي يمضي الناس أكثرَها في التهجد، فإن هذه الجلسة آخر جلسة في هذا العام، وذلك في ليلة الثلاثاء، الموافق للسابع عشر من شهر رمضان، عام: (1411هـ) اليوم السابع عشر الذي كلما مر يتذكر المسلمون فيه انتصاراً عظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل للأمة الإسلامية إلى يوم القيامة، انتصار الحق على الباطل، الانتصار الذي ارتفع به مجد الإسلام، وازداد المسلمون به إيماناً، ولم يكُ من الانتصارات التي لا يزداد بها المنتصرون إلا بطراً وعمىً عن الحق والعياذ بالله.

    انتصار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتصاراً يزدادون به شكراً وعبادة ورجوعاً إلى الله لا رجوعاً إلى ما كانوا عليه من الفسق واللغو، كما يفعله من يفعله من هذه الأمة.

    ولهذا يجب على الأمة الإسلامية إذا أزال الله عنها ما تكره أن تشكر الله على هذه النعمة، وأن تزداد عبادة وتقرباً إلى الله؛ لأنها إن لم تفعل فستُسلب عنها النعمة التي عادت إليها على وجه أشد وأنكى من الأول؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ [المؤمنون:67-77] أكبر من الأول: إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [المؤمنون:77] آيسون من كل خير والعياذ بالله.

    فنسأل الله تعالى أن يهدي الأمة الإسلامية، وأن يردها رداً جميلاً، وأن يجعل لها مما جرى في الأيام الماضية القريبة عبرة وعظة يحملها على الرجوع إلى الله، وعلى تحكيم كتاب الله بين عباد الله، وعلى البُعد عن المجون والسرف والترف الذي منه يكون التلف.

    غزوة بدر الكبرى

    في هذا اليوم، وهو يوم بدر خرج النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة يريد عيراً لقريش، يعني: حمولة جاءت من الشام إلى مكة، يريد أن يأخذها عليه الصلاة والسلام؛ لأن قريشاً هي التي اعتدت عليه، فلا يقول قائل: كيف يخرج يأخذ أموال الناس؛ لأن أموال قريش غير محترمة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ حيث إنهم حرب للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، والحربي دمه غير محترم، وماله غير محترم، وهم الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم. فعلم كبير العير بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وهو أبو سفيان، وكان ذلك اليوم مشركاً، فأرسل إلى أهل مكة يستنجدهم ويستصرخهم يقول: أنقذوا عيركم فخرجوا، ولكنهم والعياذ بالله خرجوا أشَرَاً وبطراً ورئاء الناس، وخرجوا بكبرائهم لِمَا أراد الله عزَّ وجلَّ، خرجوا بكبرائهم ورؤسائهم، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع الله بينهم وبين رسوله صلى الله عليه وسلم على غير ميعاد. فالتقوا في بدر، وكانوا ما بين (1900)، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (300) رجل وبضعة عشر رجلاً فقط، ومع ذلك ليس معهم إلا سبعون بعيراً وفرسان فقط؛ ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم على عدوهم. قال الله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12] الملائكة تثبت المؤمنين: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [الأنفال:12] المؤمنون تثبيت، وهؤلاء رعب، والتثبيت يقتضي الثبات والمقاومة، والرعب يقتضي الخوف والهرب: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ [الأنفال:12] يعني: لا تأتوا من أسفل، من فوق: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12] قال العلماء: يعني: كل البدن؛ حتى البنان الذي هو أطراف البدن يُضرب من قبل الملائكة. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:13]. فانتصر المسلمون ولله الحمد، وقتلوا من قريش (70) رجلاً، وأسروا (70) رجلاً، قتلوا كبراءهم؛ أبا جهل ، وغيره، حتى إنهم صاروا حول قُلُب بدر جثثاً مضى عليها الزمن، وانصهرت من الشمس، ووَرمت، وجيَّفت، فسُحب منهم (24) رجلاً من أشراف قريش وأُلقوا في القَلِيب. ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أقام ثلاثة أيام في مكانه؛ لأن هذه من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا ظهر على قوم أقام في عرصتهم ثلاثة أيام، ثم ركب راحلته ووقف على القَلِيب، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان! يكلمهم، يقول: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً -الله أكبر!- قالوا: يا رسول الله! كيف تكلمهم وهم جيَف؟! قال: ما أنتم بأسْمَعَ لِمَا أقول منهم) يعني: أنهم يسمعون أكثر منكم، يوبخهم عليه الصلاة والسلام، ويا حسرتهم والعياذ بالله على هذا التوبيخ! ثم رجع النبي عليه الصلاة والسلام غانماً معه الأسرى.

    فتح مكة

    وفي هذا الشهر أيضاً حصل فتح مكة ؛ لكنه في العشرين من هذا الشهر، فتح مكة أم القرى ، التي كانت مملوءة شركاً وكفراً، ففُتِحت ولله الحمد، فصار بدل الكفر إيمان، وبدل الشرك توحيد ولله الحمد، وجعل النبي عليه الصلاة والسلام يطعن الأصنام التي أقيمت حول الكعبة ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، وجعلت تتهاوى ولله الحمد. وهذا الشهر الكريم فيه عبادات الصيام والقيام، وقد تكلمنا عليهما، والزكاة كما هو الغالب عند كثير من المسلمين يخرجونها في هذا الشهر، وتكلمنا على ما شاء الله منها.

    مشروعية الاعتكاف في رمضان

    وفيه أيضاً: الاعتكاف : الاعتكاف من العكوف، وهو: لزوم الشيء، كما قال إبراهيم: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52] فهو: لزوم المساجد لطاعة الله، حتى يتفرغ الإنسان للعبادة، وينقطع من الدنيا، ويقبل على ربه. وأصل مشروعية الاعتكاف من أجل طلب ليلة القدر، انظر الليلة العظيمة! من أجل طلبها. اعتكف النبي عليه الصلاة والسلام العشر الأول يعني: أول الشهر، ثم اعتكف العشر الأاوسط، يترجاها، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، وأُرِيَ في المنام أنه يسجد في صبيحتها على الماء والطين. فلما تمت العشرون الأولى أَخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أنه أُرِيَ ليلةَ القدر، وأنه رأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وكان هذا الصبح (20)، قال: (من كان منكم معتكفاً فليعتكف العشر الأواخر) لأنه ما جاءت الليلة هذه التي رآها في المنام، فلما كان ليـلة (21) أمطرت السماء، وكان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام من عريش، وهو الذي يسميه الناس: (عِشَّة). فلما أمطرت السماء، وَكَفَ المسجدُ، وخَرَّ المطر على الأرض، وصارت الأرض طيناً، فلما صلى النبي عليه الصلاة والسلام الصبح سجد على الماء والطين، ليلة (21). فاعتكف النبي عليه الصلاة والسلام العشر الأواخر كلها. فهذا هو أصل مشروعية الاعتكاف، ولهذا لا يُسن الاعتكاف إلا في رمضان في العشر الأواخر منه، طلباً لليلة القدر، وما ذكره بعض الفقهاء من أنه يُسن للإنسان أن يعتكف كل وقت، وأنه يُسن إذا دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه، فإنه قول عارٍ عن الدليل، أين النبي صلى الله عليه وسلم من هذا؟ لم يعتكف في حياته في غير رمضان إلا مرة اعتكف في شوال؛ لأنه ترك الاعتكاف في رمضان، لما أراد أن يعتكف خرج وإذا نساؤه قد ضربن أخبية، يردن الاعتكاف، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (آلْبِرَّ يُرِدْنَ؟!) يعني: هل هنَّ يُرِدْنَ البِرَّ، يقُمْن يعتَكِفْنَ؟! أو من أجل كل واحدة تنظر للثانية، وتسوِّي الخباء مثلها؟! ثم أَمَر بالأخبية فنُقضت، ثم ترك الاعتكاف تلك السنة، ما اعتكف عليه الصلاة والسلام، ثم قضاه في شوال، ولم يعتكف أبداً في غير رمضان. إذاً: نقول لا يُسن للإنسان أن يعتكف في غير رمضان، بل لا يُسن أن يعتكف إلا في العشر الأواخر من رمضان، فيلزم المسجد للعبادة من صلاة وقراءة وذكر وغير ذلك، ولا يخرج منه إلا لما لابد له منه، مثل: لو لم يكن في المسجد ميْضأة يخرج يتوضأ، وليس فيه مرحاض فيخرج يقضي حاجته، يحتاج إلى مراجعة الطبيب يخرج، وإلاَّ فيبقى في المسجد؛ لكن لا بأس أن يكلم أحداً من خارج المسجد، وهو في داخل المسجد، ويخرج رأسه إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في مسجده، ويخرج رأسه إلى عائشة ترجِّله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يتخذ الشعر، حيث إنه في ذلك الوقت كان عادة الناس. هذا مما يُسن في العشر الأواخر؛ الاعتكاف. ويجب أن يكون الاعتكاف في مسجد تُصلى فيه الجماعة، والأفضل أن يكون في الجامع؛ لئلا يحتاج إلى الخروج من المسجد للجمعة؛ إلا من كان إماماً أو مؤذناً في مسجد فإنه لا يجوز أن يعتكف في الجامع؛ لأنه إذا اعتكف في الجامع أهمل واجباً عليه وهو: الإمامة، والأذان، ومعلوم أن القيام بالواجب أحق من القيام بالسنة، خلافاً لما يظن بعض الناس الذين ليس عندهم فقه، تجدهم يحرصون على السنة ويهملون الواجب، يتركون ما أوجب الله عليهم من الوفاء به، من التزام الإمامة والأذان، ويذهبون إلى الشيء المستحب، هذا خطأ، هذا كالذي يعمر قصراً ويهدم مصراً. قال أهل العلم: ولا بأس أن يزوره أحد من أهله أو من أصدقائه، ويتحدثون إليه يسيراً، كما حصل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاءته امرأته صفية بنت حيي في ليلة من الليالي، وتحدثت معه ساعة، ثم انقلبت. وفي هذه العشر الأواخر استحباب التهجُّد كل الليل إذا أمكن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله, وشد المئزر، وأحيا الليل، وأيقظ أهله، ولم يكن يوقظهم في العشر الأواسط، ولا الأول، يوقظهم للتهجد في العشر الأواخر؛ لأن العشر الأواخر تُرجى فيها ليلة القدر؛ ليلة القدر التي من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فينبغي للإنسان أن يحيي الليل كله بالتهجُّد إذا أمكن. واعلم أن الاشتغال للعبادة في مقدمات العبادة تابع للعبادة، فإذا قام الإنسان وتوضأ ومشى إلى المسجد، فكل هذا يعتبر تابعاً للعبادة، فهو من العبادة. وهذا التهجد ليس محصوراً في عدد معين على وجه الوجوب، يعني: معناه لا يجب أن نقتصر على (11) ركعة، لنا أن نزيـد إلى (13)، إلى (15) ركعة، إلى أكثر من ذلك؛ حسب نشاطنا وقوتنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد وإن كان هو بنفسه لم يزد على (11)، أو (13) ركعة؛ لكن لم يحدد، ما قال للناس: لا تزيدوا على هذا، بل سأله رجل قال: (يا رسول الله! ما ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة أوترت له ما قد صلَّى) فهذا الرجل لا يعرف كيف صلاة الليل، فكيف يعرف قدرها؟ فأخبره النبي عليه السلام بالكيفية ولم يخبره بالكمية، يعني: بالقدر، فدلَّ هذا على أن القدر موكول للإنسان، أحياناً يرغب الإنسان أن يطيل القراءة والركوع والسجود ويقلل العدد، وأحياناً يرغب أن يخفف القراءة والركوع والسجود ويكثر العدد، والأمر في هذا كله واسع ولله الحمد، ليس شيءٌ منه واجباً، بل هو على حسب راحة الإنسان، وعلى حسب نشاطه.

    مشروعية زكاة الفطر

    وينبغي في هذه العشر في آخرها -بل يجب- دفع صدقة الفطر، وهي صاع من طعام، أي طعام كان، وأطعمتنا اليوم هي: الأرز، والبُر، والتمر، والمكرونة. والواجب صاع من الطعام؛ لكن المكرونة فيها شيء من جنس المصران، يعني: مجوفة، هذه لا تعتبر بالكيل؛ لأن الكيل سيكون نصف الصاع فضاء، ولكن تعتبر بالوزن، الوزن قال العلماء: إن المعتبر البُر الرزين وهو البُر الجيد وليس البر الخفيف. فإذا اتخذ الإنسان من هذا مكيالاً يسع ما قدره العلماء من البُر الرزين، فهذا هو الصاع، وقد سَبَرْنا ذلك ووجدنا أن الصاع النبوي بالنسبة للصاع المعروف عندنا هنا في عنيزة أربعة أخماس، بل إن الصاع الموجود عندنا يزيد بعض الشيء. وبناءً على ذلك فإذا كان صاع النبي صلى الله عليه وسلم (4) أمداد نبوية، فصاعنا الآن كم؟ (5) أمداد نبوية، فإذا أخرج الإنسان أربعة أخماس صاع بصاعنا الموجود، فقد أخرج الفطرة كاملة، والفطرة: صاع من البُر، أو التمر، أو الأرز، صاع من هذه الأطعمة لا فرق بين أن تكون القيمة متفقة أو مختلفة، ولذلك قدرها النبي عليه الصلاة والسلام صاعاً من طعام، قال أبو سعيد : [وكان الطعام يومئذِ: التمر، والشعير، والزبيب، والأقط] مع أن هذه الأربعة مختلفة القيمة؛ لكن لا عبرة فيه. ولهذا كان القول الصحيح الراجح الذي لا شك فيه عندنا أن إخراج القيمة في زكاة الفطر لا يجزئ، وإخراج الفرش والملابس لا يجزئ، لابد أن تكون من طعام؛ كما فرضها النبي عليه الصلاة والسلام قال ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض النبي عليه الصلاة والسلام زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير) وكان الشعير في ذلك الوقت طعاماً لهم، كالتمر. وهذه الفطرة أفضل وقت في إخراجها صباح العيد قبل الصلاة، هذا أفضل شيء، ويجوز قبل ذلك بيوم أو يومين، لا أكثر، ولا يجوز أن تؤخر لما بعد الصلاة، فإن أخرتها بعد الصلاة بدون عذر فهي صدقة، ولا تُقبَل منك زكاةً، بل تكون صدقة من الصدقات، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    أعمال الإنسان الموفق وأعمال الإنسان الغافل

    أما بقية الخمس دقائق فإننا نتكلم فيها على موعظة ينبغي للإنسان أن ينتبه؛ لأن مواسم الخيرات أوقات ربح للإنسان الموفق، فالموفق ينتهزها بالعمل الصالح المقرب إلى الله عزَّ وجلَّ، ولاسيما في رمضان، فيجتهد في أداء الصلاة فريضةً، وبالتطوع، وبالزكاة إذا كان الحول قد تَمَّ، وبالصدقة، وببر الوالدين، والإحسان إلى الخلق، وصلة الرحم والجيران والأيتام وغير ذلك، ويتمرن في هذا الشهر على العبادة، وعلى مكارم الأخلاق والإقبال على الله، وما هي إلا أيام وليالٍ معدودة، ثم تنتهي وتزول، نحن الآن في الليلة السابعة عشر، ولو سألنا سائل: كم نقدر المدة التي مضت؟

    نقول: كأنها أمس، كأنها لحظات.

    إذاً: فاعتبر المستقبل في الماضي، فكما أن الماضي مضى سريعاً، فالمستقبل سوف يمضي سريعاً، فأنت انتهز الفرصة، ولا تضيع الوقت، والإنسان الموفق -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم موفقين- هو الذي يتخذ من عاداته عبادات، والغافل هو الذي يجعل عباداته عادات، الغافل يجيء مثلاً: يقوم يتوضأ ويصلي على العادة، ويتناول الطعام والشراب واللباس أيضاً على العادة.

    أما الإنسان الموفق فهو الذي يجعل العبادات عبادات، يشعر بأنه يتقرب إلى الله، وكذلك يحتسب الأجر، وأنها ستكون ذخراً له؛ يعني: سلفاً مقدماً: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة:245] الأعمال الصالحة هي في الحقيقة سلف، دراهم تقدمها لتأخذها مضاعفة: (الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة) الإنسان العاقل يشعر بأن الأمور العادية يمكن أن تكون عبادات، الأكل والشرب نحن نتناوله على أنه شهية لنفوسنا من طبيعتنا، لكن الموفق يمكن أن يجعل هذا الأكل والشرب عبادة، مثلاً: في السحور، كلنا نجلس على مائدة السحور، نعم، هل نشعر ونحن نأكل السحور بأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (تسحروا فإن في السحور بركة) ؟!

    إلا من شاء الله وهم قليل.

    إذاً: إذا جلست على السحور تذكر:

    أولاً: أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (تسحروا).

    ثانياً: سنته، أنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان يتسحَّر، فكأنه أمامك يتسحر وأنت تقتدي به.

    ثالثاً: رجاء بركة هذا السحور؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (فإن في السحور بركة).

    هذه الأمور الثلاثة، ما ندري هل نحن نشعر بها عند التناول للسحور أو لا؟! أو نأكل السحور بنية دنيَّة؛ من أجل أن نستعين به على الصوم، أكثر الناس هكذا يبيتون في السحور، لأجل يتقوَّون على الصوم، ولهذا إذا كان في أيام الصيف الشديد الحرارة، الطويل النهار، ملأ بطنه من الماء حتى يكون كالقربة، من أجل ألا يعطش.

    لكن الإنسان الموفق يلاحظ الأمور الثلاثة التي ذكرناها، وهذا يأتي بالتبعية.

    في الإفطار نتناول الإفطار؛ لأن الطبيعة تقتضي ذلك وتطلبه، فنأكله تمتعاً وتلذذاً؛ لكن هل نحن نشعر بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على رُطَب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن يجد فعلى ماء) هل نشعر بهذا؟! وأننا نفطر امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام؟! أو نشعر بأننا نفطر ونبادر بالفطور رجاء الخير؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر

    احرص أن تكون مائدة الإفطار عندك وقت الأذان، من أجل أن تبادر، فلا يؤذن وأنت بعيد عن الأكل، إن أذن وأنت بعيد عن الأكل ربما يفوتك الخير، بادر بالأكل: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر).

    وفي الأثر أن الله تعالى يقول: (أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً) .

    إذاً: انظر! العبادات عند الغافل عادات، والعادات عند العاقل عبادات.

    كلنا يلبس الثياب عند الصلاة، وعند الخروج إلى السوق، هل نحن نشعر بلباسنا عند الصلاة أننا ممتثلون قول الله عزَّ وجلَّ: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] عندنا مثلاً ومن عاداتنا أننا نغطي الرأس بالزينة، يعني: الواحد منا يلبس غترة وشماغاً، فهل إذا أراد أن يصلي يحرص على لباس الغترة والشماغ وجميع اللباس وإلاَّ لا؟!

    نعم؛ لأن الله يقول: خُذُوا زِينَتَكُمْ [الأعراف:31] ؛ لكن لو كنا في بلد اعتادوا ألا يلبسوا اللباس فوق الرأس، صار كشف الرأس عندهم لا نقص فيه، ولا ينقص الصلاة شيئاً؛ لماذا؟

    لأن الزينة لا تتناوله.

    فالزينة في كل موضع بحسبه، إي نعم.

    مداخلة: هل لبس (المشلح) زينة يا شيخ؟

    الشيخ: لا، لبس (المشالح) الآن بدأت تَخِفُّ، كان الناس من قبل يلبسون (المشالح) كثيراً، حتى صغار السن، الواحد له (13) سنة، (14) سنة يشتري له أبوه (مشلحاً)، ويرى أن هذا فخراً، الآن صار الأمر بالعكس، تأتي المسجد وما تجد فيه إلاَّ إن وجدتَ واحداً، أو اثنين، وحتى أيضاً الموجودون يلفتون النظر.

    على كل حال، كل شيء بحسبه.

    فالخلاصة: أنه ينبغي أننا نختم هذا الشهر بكثرة الأعمال الصالحة والرجوع إلى الله، واسألوا الله تعالى الثبات، والقبول، واغتنام الفرصة.

    والله الموفق.

    1.   

    الأسئلة

    نصيحة في منع النساء من النزول إلى الأسواق في ليالي رمضان

    السؤال: أمر مهم وخطير نشاهده في العشر الأواخر من رمضان، وهو كثرة نزول النساء إلى السوق لشراء ملابس العيد؛ لكن الطامة الكبرى أنه ينقلب الليل نهاراً، وموسم العبادة والتجارة مع الله إلى موسم تجارة مع الخلق، مع أنه يمكن النزول في النهار، فما نصيحتكم للنساء وللرجال؟ وما تعليقكم على هذا؟ الجواب: نصيحتي لهؤلاء النساء وأوليائهنَّ: أن يتقوا الله عزَّ وجلَّ في هذه الليالي المباركة التي يُرجى فيها الأجر، فإن نزول النساء إلى الأسواق، ولا سيما أن بعض النساء تنزل على وجه فيه فتنة -والعياذ بالله- من الطيب واللباس الجميل، والحركات التي تثير الشهوة، فنصيحتي لهؤلاء أن يمنعوا نساءهم منعاً باتاً من النزول في الليل، وأن كل واحد منهم يقول لكل واحدة من النساء: أي حاجة تريدينها أطلبيها مني وأنا آتي بها، أو أنزل أنا وإياكِ بالنهار. أما بالليل فعليهم أن يريحوا الخلق من الفتنة؛ لأنه كثيراً ما تثار الشهوة إلا من هذه المسألة. ومعلوم أن مزاحمة المرأة للرجال من الأشياء المحرمة، حتى إن المرأة في المسجد يُندب لها أن تكون بعيدة عن الرجال، خير صفوف النساء آخرها، بل إن المرأة لا مكان لها في صف الرجال، تصلي وحدها خلف الصف، كله من أجل أن لا تقرب من الرجل، بينما لو جاء رجل يصلي في مكانها لكانت صلاته باطلة؛ لأن الرجل لا يقوم خلف الصف وحده إلا لعذر، أما هي لا تقوم في الصف، تكون خلف الصف، كل ذلك من أجل البعد عن الفتنة. وأرى من الواجب على الرجال أن يمنعوا النساء من النـزول في ليالي العشر، حفظاً لهنَّ، وحفظاً للشباب الذين يتجولون في هذه الأسواق.

    حكم قضاء الاعتكاف الفائت في رمضان

    السؤال: ذكرتَ في أثناء الكلام عن الاعتكاف أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاعتكاف سنة، وقضاه في شوال، فهل يُسن قضاء الاعتكاف مطلقاً؟ أو يجب قضاؤه وجوباً؟ أرجو التفصيل في ذلك؟ الجواب: ليس بواجب أن يُقضى الاعتكاف؛ لأنه سنة، والسنة إن شاء الإنسان فعلها وإن شاء تركها. وأما قضاؤه لمن فاته فإن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم التأسي، فإذا كان من عادة الإنسان أن يعتكف وترك الاعتكاف في رمضان لعذر، وقضاه في شوال، فله قدوة وأسوة وهو الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد يقول قائل: إن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في شوال لئلا تظن الأمة أن استحبابه نُسِخ من أجل فعل نساء النبي عليه الصلاة والسلام، كما أن العلم بليلة القدر نُسِخ من أجل تلاحِي رجلين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فإن النبي عليه الصلاة والسلام خرج ذات يوم ليخبر أصحابه أن ليلة القدر في تلك السنة في الليلة المعينة، فتلاحى رجلان، يعني: تخاصما، فرُفِعت، فيمكن أن يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال لما لم يعتكف العشر الأواخر من رمضان؛ لئلا تظن الأمة أن الاعتكاف نُسِخ، لا من أجل التشريع؛ لكن الأصل المشروعية.

    حكم اعتكاف النساء في المساجد

    السؤال: ما حكم اعتكاف النساء في المساجد الخاصة بهن؟ وهل يجوز لها أن تعتكف مع زوجها في المسجد إذا كان هناك خباء لهما؟ وإذا كان لا يجوز في الحالتين فهل للنساء نصيب في الاعتكاف؟ أرجو بيان ذلك، وجزاك الله خيراً. الجواب: أما اعتكاف المرأة في بيتها فليس بشيء كما نص عليه العلماء؛ لأن الله قال: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] . وأما اعتكافها في المسجد مع زوجها فهذا يمكن، مثل أن تكون حجرة الزوج في المسجد داخل المسجد، وتعتبر من المسجد فإن الاعتكاف ممكن من الزوج وزوجته في هذه الحجرة. وأما صنع الأخبية لهنَّ في وسط المساجد في عصرنا الحاضر ففيه تضييق على الناس، وربما يكون فيه فتنة تربو مفسدتها على مصلحة الاعتكاف.

    القيام ببر الوالدين أعظم من الاعتكاف في الحرم

    السؤال: أيهما أفضل لمن أراد الاعتكاف في المسجد الحرام: أن يعتكف، أم يقوم بشأن والديه بالذهاب بهما للحرم وإرجاعهما للمنزل طيلة ليالي العشر؟ الجواب: الأفضل له أن يقوم بشئون والديه؛ لأن بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله عبد الله بن مسعود، قال: (يا رسول الله! أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها؟ قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: بِر الوالدين، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فبر الوالدين لا شك أفضل من الاعتكاف، فإذا كان والداه محتاجَين له فإن الأفضل القيام بحاجتهما سواء في مكة أو في بلدهما.

    جواز الخروج من المعتكف للحاجة

    السؤال: إذا أردتُ الاعتكاف في المسجد الحرام، فهل يجوز لي أن أذهب لكي أشتري طعاماً، خصوصاً وأني لا أجد من يحضر لي طعاماً؟ ومتى تنتهي مدة الاعتكاف إذا كانت في العشر الأواخر؟ الجواب: نعم، يجوز للمعتكف إذا لم يكن له أحد يأتيه بأكله وشربه أن يخرج ويأكل ويشرب ثم يرجع؛ لأن هذه حاجة لا بد منها. وأما متى ينتهي الاعتكاف فإنه ينتهي بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ لأن رمضان ينتهي بغروب الشمس من آخر يوم من أيامه، والاعتكاف إنما يُشرع في رمضان، فإذا انتهى رمضان انتهى زمن الاعتكاف، وعلى هذا فإذا خرج الإنسان من المسجد بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان إلى بيته، فإنه يعتبر قد اعتكف العشر الأواخر.

    أقسام الفقراء الذين يسألون الناس

    السؤال: يقول الله عزَّ وجلَّ: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25] فكثيراً ما نوافق من يسألون في أبواب المساجد أو في الحرم، وقد يكون جلوسهم وسؤالهم بشكل دائم قد اعتادوا عليه، فهل من المستحب أن نعطيهم لنحقق ترغيب الله في ذلك؟ أرجو التفصيل في ذلك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. الجواب: أولاً: لابد أن نعرف من هو المحروم؛ لأن كثيراً من العامة يفسرون المحروم بغير معناه الصحيح، كثير من العامة يفسرون المحروم بأنه البخيل الذي حرمه الله من الانتفاع بماله، وليس كذلك؛ وإنما المحروم من حرمه الله المال، وهو الفقير، والسائل: يشمل السائل لفقره، والسائل لحاجة؛ لأن السؤال مِن الناس مَن يسأل لحاجته، ومنهم من يسأل لضرورته، ومنهم من يسأل تكثُّراً، ومنهم من يسأل مرضاً والعياذ بالله، فيه مرض يحب السؤال. فالذين لهم حق هم الذين يسألون لضرورتهم، يعني: إذا علمتَ بأن هذا السائل في ضرورة إلى ما سأل تعرف حاله تماماً، أو لحاجته، إذا عرفت أن هذا يحتاج، ليس هو في ضرورة يعني: أكله وشربه ولباسه وسكنه موجود؛ لكن يحتاج إلى ما يحتاج الناس إليه مثل وقتنا الحاضر: الثلاجة، والمروحة، والمكيف، هذا ليس ضرورياً؛ لكنه حاجة لا شك، فإذا سأل لحاجته وأنا أعرف فإنه يُشرع لي أن أعطيه. أما إذا سأل تكثُّراً فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من سأل الناس أموالهم تكثُّراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر) فإذا عرفت أن هذا الرجل يسأل تكثُّراً؛ لأني أعرف أنه غني؛ فإنني لا أعطيه، بل إن من حقه عليَّ أن أنصحه، وأن أقول له: اتقِ الله، فإن المسألة كَدٌّ يُكَدُّ بها وجه الرجل، حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، أنصحه؛ لأنني لو أعطيته في هذه الحال لأغريتُه، وشجَّعتُه على أن يسأل بدون حاجة. فهنا لا نعطيه، بل ننصحه؛ لأنه معتدٍ بسؤاله، والسؤال حرام عليه، وقد قال الله تعالى: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]. كذلك أيضاً من كان سؤاله مرضاً؛ لأن بعض الناس يحب السؤال، فهو مريض، هذا أيضاً هل الأحسن أن نتابع مرضه، ونأخذ به، أو الأحسن أن نحاول القضاء على مرضه؟ الثاني لا شك. إذاً: فلنحاول القضاء على المرض، وننصحه، ونقول: هذا لا ينبغي، بل هذا حرام عليك أن تسأل بغير حاجة. هذه مواقفنا مع هؤلاء السُّؤَّال. ومن السائلين -والعياذ بالله- من يظهر بمظهر المصاب بعاهة، فتجده لا يتكلم، مع أنه إذا خرج من المسجد صار قس بن ساعدة ، يعني: خطيباً مُصْقعاً؛ لكنه في المسجد لا يتكلم، يؤشر إشارة، أو يأتي بأصوات غريبة، ولقد جاء في هذا المسجد رجل منذ سنوات صلى معنا المغرب، وصار يسأل الناس وهو محدق إلى الأرض، كأن في ظهره وجع، لا يستطيع أن يرفع ظهره، ويظهر للناس بهذا المظهر، من صلاة المغرب، وجاء الدرس، وانتهى الدرس، والرجل هكذا محدودب إلى الأرض، جالس ونحن نتوجع له، مسكين! ما يستطيع يرفع ظهره، وإلى أن أقيمت صلاة العشاء، وصلى العشاء، وتفرق الناس وهو على هذه الحال، سبحان الله! يعطيه الله جلداً على هذه الحال! وأقسم لي رجل صدوق ثقة قال: هذا الرجل الذي رأيناه البارحة والله إنه ليقفز قفز الغزلان في الحائط، يقول: رأيته أنا بعيني. فيوجد بعض الناس والعياذ بالله عنده مرض السؤال، هذا لا ينبغي أن نساعده، بل الذي ينبغي أن ننصحه؛ حتى يتخلص من هذا المرض.

    وجوب إخراج زكاة الفطر طعاماً

    السؤال: ذكرتُم أنه لا يجوز أن تُخرج زكاة الفطر نقداً، فإذا طَلب ذلك ولي الأمر فهل يُطاع؟

    الجواب: لا. لا يُطاع؛ بمعنى: أنه لا تبرأ الذمة بدفعها؛ ولكن يُعطى ولي الأمر ما طلب؛ لئلا ننابذه، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (اسمع وأطِع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك).

    والأحوط للإنسان، والأبرأ لذمته أن يُخرجها من الطعام؛ لأنه قادر عليه.

    ونظير ذلك: أن يقول ولي الأمر: لا أحد يصلي بطهارة، هل يُطاع؟ لا. ما يُطاع، حتى لو صلى الإنسان بغير طهارة ما قُبِِلت منه؛ ولا يجوز أن يُطاع أحدٌ في معصية الله.

    فالأحوط بلا شك لهذا الذي يجبره ولي الأمر أن يسلم زكاة الفطر دراهم أن يخرجها من الطعام، وينوي بهذه الدراهم التي أعطاها امتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام في السمع والطاعة.

    حكم الجهل بصيغة التشهد

    السؤال: امرأة كبيرة في السن تصلي ولله الحمد؛ ولكنها تقول بأنها لا تعرف أن تقرأ إلا التحيات لله والصلوات والطيبات فقط، فتقول: فما الحكم في ذلك؟ وهل تصح صلاتها أم لا؟

    الجواب: إذا كانت لا تعرف من التحيات إلا هذه الكلمات الأربع: التحيات لله والصلوات والطيبات، فإنها ما عجزت عنه يسقط عنها، لقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .

    وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .

    والتحيات لا نعلم لها بدلاً، الفاتحة إذا عجز الإنسان عنها ولم يحفظ، قلنا له: اقرأ ما سواها من القرآن بقدر الفاتحة، وإذا قال: لا يعرف شيئاً من القرآن، قلنا: سبِّح، واحمَد، وهلِّل، وكبِّر بمقدار الفاتحة، ثم اركع، أما التشهد فلا بدل له، فإذا كانت لا تعرف إلا هذه الأربع يسقط عنها، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    ما ينبغي فعله يوم العيد وليلة العيد

    السؤال: ماذا يفعل المسلم في ليلة العيد ويوم العيد، خاصة وأن الناس قد اعتادوا في هذه الأيام أن يخرجوا إلى الأسواق والمنتزهات؟ الجواب: ليلة العيد كغيرها من الليالي يعني: ينبغي للإنسان أن يستغلها بما ينفعه عند الله عزَّ وجلَّ، ومن ذلك: كثرة التكبير، والتحميد، والتهليل: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وأما الخروج إلى المنتزهات إذا كان خروجاً نزيهاً ليس فيه تبرج النساء، ولا اختلاط بهن فإنه لا بأس به؛ لأن الأصل الحِل، وإن كانت الحال الأولى أحسن، وهي أن نستغلها بطاعة الله عزَّ وجلَّ؛ لكن الشيء الذي لم تدل الشريعة على تحريمه الأصل فيه الحِل. ولكن يجب أن نلاحظ شيئاً آخر، وهو: ألا نتخذ من هذا التنـزُّه أذية؛ لأنه أحياناً يحصل أذية إما بالسيارات، وإما بالدراجات الهوائية، فبعض الناس يتجول في الأسواق بالسيارات ويُفَحِّط، ويستخدم بوق السيارة المزعج، أو يكونون صغاراً معهم دراجات هوائية يؤذون بها الناس، ويعرضون أنفسهم لخطر السيارات، وشر من ذلك أيضاً: ما يفعله بعض الناس من المفرقعات، الذين يشغلون الناس بها ليلاً ونهاراً، ما يكفيهم أن يقتصروا على ليلة العيد حتى يعلم الناس أنه عيد، قد علموا أنها عيد بدون مفرقعاتهم؛ لكن هم يقولون: نحن نفعل هذا من أجل أن يعرف الناس أنه عيد، وهم لا يقصدون هذا، فهم إلى قبل البارحة، وهم يضربون هذه المفرقعات للإخبار بدخول شهر رمضان، وهو قد شارف على الانتهاء الآن، سبحان الله!

    مشروعية الاعتكاف في رمضان دون غيره

    السؤال: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل (11) و(13) ولم يزد عليها، ولكنه لم يحدد عدد ركعات صلاة الليل، أليس في اعتكافه في رمضان عدم تحديد لزمن الاعتكاف أيضاً؟ فإذا كان ليس كذلك فمن أين أخذنا تحديد زمن الاعتكاف؟ الجواب: نحن أخذنا عدم تحديد ركعات الصلاة من جواب الرسول عليه الصلاة والسلام. أما الاعتكاف فإنه لم يشرعه النبي عليه الصلاة والسلام إلا في رمضان، وقد بيَّن أنه اعتكف من أجل ليلة القدر، ومن المعلوم أن ليلة القدر لا تكون في غير رمضان، فإن ليلة القدر قطعاً في رمضان لقول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] فالقرآن أُنزِل في رمضان، وفي أي ليلة؟ في ليلة القدر: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]. فإذا أخذنا بالدليل الأول والثاني تعيَّن أن تكون ليلة القدر في رمضان، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما اعتكف طلباً وابتغاءً لليلة القدر.

    الجمع بين الأدلة في مسألة سماع الموتى

    السؤال: سمعنا في أول الدرس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينادي أهل القَلِيب في بدر ، وأخبر أنهم يسمعون، فكيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] ؟

    الجواب: الجواب على هذا من وجهين:

    الوجه الأول: أن كثيراً من المفسرين قال: إن معنى قوله: لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] يعني: أن الميت لا يسمع دعاء الحي، فلو أنك أتيت إلى جثة إنسان، وقلت: يا فلان! اتقِ الله، اترك المعاصي، واعمل بالطاعات، هل يسمع؟ ما يسمع.

    وقالوا: المراد بالسمع: سمع الإجابة، يعني: أنك مهما قلتَ للميت لم يسمع سمع إجابة.

    فكذلك هؤلاء الذين دعوتَهم هم بمنـزلة الأموات، لن يستجيبوا، وهذا القول أصلح.

    القول الثاني: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] : يعني: لو ذهبت إلى المقبرة تدعوهم، ما أسمعتهم.

    فإذا كان كذلك فهذا العموم مخصوص لأهل بدر، ومخصوص أيضاً، بأهل قَلِيب بدر، ومخصوص بالإنسان عند موته إذا دُفن، فإن الإنسان إذا دُفن وانصرف عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم وهم ذاهبون عنه.

    جواز إخراج الوالد الزكاة عن أولاده وأولاد أولاده

    السؤال: هل يحق لوالدي أن يخرج زكاة الفطر عني وزوجتي وأولادي، علماً أني في منزلٍ مستقل وقادر على أن أخرجها؟ فما حكم إخراجها عني من قِبَل والدي؟

    الجواب: زكاة الفطر واجبة على الإنسان نفسه، لقول ابن عمر : (فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين) كل إنسان تجب عليه الفطرة بنفسه؛ لكن إذا أخرجها ولي الأمر عن نفسه وعمَّن تحت ولايته فلا بأس، فإن ابن عمر رضي الله عنه كان يخرجها عن نفسه وعن من يَمُونُهم.

    فإذا أخرجها الإنسان عنه وعن أهل بيته وعن أولاده ولو كانوا في مكان آخر ورضوا بذلك فلا حرج، بل قد يكون في هذا بر لوالديه؛ لأن بعض الآباء لو قال له الابن: يا أبتِ! أنا أريد أن أخرج زكاة الفطر لنفسي، ربما يغضب، ويقول: أتراني عاجز؟! أنا من يوم وأنت صغير وأنا الذي أخرج زكاتك، واليوم تجيء وتقول: أنا سأخرج زكاتي لنفسي؟!

    يعني: بعض الآباء ما عنده فهم، فإذا رأى الولد أن من أسباب رضا والده أن يمكنه من دفع الزكاة فلا بأس، وإلا فالأصل أن الزكاة واجبة على كل إنسان بنفسه.

    استحباب ذكر الدعاء على الصفا والمروة في كل شوط

    السؤال: في العمرة هل نقول الدعاء على الصفا والمروة في كل شوط، أو في الشوط الأول فقط؟ الجواب: الدعاء الذي على الصفا والمروة الذي هو: التكبير، وقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده) يقال في كل مرة، كلَّما صعدتَ على الصفا وصعدتَ على المروة فإنك تقوله. أما قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] فإنها لا تقال إلا مرة واحدة إذا دنا الإنسان من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لا إذا صعد عليه، بل قبل أن يصعد، ولا يكرره مرة ثانية، ولا يقوله عند المروة، خلافاً لما يفعله العامة الآن يقرءون هذه الآية كلما صعدوا الصفا وكلما صعدوا المروة، وهذا جهل منهم، وطلبة العلم عليهم مسئولية في هذا، إذا سمعوا أحداً يقول هذا الكلام وهو يعرفه، ويؤخذ بقوله، قالوا له: هذا غير مشروع، فسينتفع؛ لكن بعض الناس ممن لا يعرفك لو قلت: هذا غير مشروع أقام عليك الدنيا، وكيف ما هو مشروع؟! هذا موجود في المنسَك. والقرآن أيضاً. كالذين يقولون: إذا انتهيت من القراءة قُل: صدق الله العظيم، هذا غير مشروع، ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا انتهى من القراءة يقـول: صدق الله العظيم، قـال: أعوذ بالله! أنت ما تقرأ القرآن؟! أليس الله يقول: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران:95] ؟! نعم، يعرف كيف يستدل؛ لكنه أعمى، ما يستدل بدليل واضح في المسألة. قال الله: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ يعني: إذا كمَّلت القراءة؟! لا، نحن نقول: صدق الله، والذي لا يقول ذلك ليس بمؤمن، لكن هل هو مشروع كلما توقفتَ عن القراءة تقول: صدق الله؟! لا، غير مشروع.

    جواز الخروج من الحرم بنية الرجوع من غير طواف وداع وسنية ركعتي طواف الوداع

    السؤال: إذا أراد معتمر أن يخرج إلى جدة لاستقبال زملائه في المطار، فهل عند خروجه من مكة عليه طواف وداع، مع العلم أنه سيرجع بعد عدة ساعات، في نفس اليوم؟ وهل لطواف الوداع ركعتين بعده؟ الجواب: أما الشق الأول من السؤال: فليس عليه طواف وداع؛ لأن الرجل خرج وسيرجع، ولهذا لما خرج الصحابة إلى منى في الحج لم يطوفوا للوداع، مع أنهم خرجوا إلى الحِل، فإن عرفة من الحِل، فإذا خرج الإنسان من مكة ونيته أن يرجع فلا وداع عليه. وأما الشق الثاني وهو: صلاة ركعتين بعد طواف الوداع، فإن أهل العلم يقولون: كل طواف فإنه مشفوع بركعتين سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام لما طاف للوداع في حجه صلى بعده صلاة الفجر، ثم ركب، ولهذا لو أن إنساناً اقتصر بعد الطواف على صلاة فريضة فإنها تجزئه عن صلاة الركعتين؛ لأن المقصود أن يعقب الطواف بصلاة.

    الزكاة في ثمر النخل

    السؤال: عندي نخل في البيت، قد يبلغ النصاب، وأود أن أبيع منه إن استغنيتُ عن بعض الثمر، فهل على الثمر زكاة، أم في نفس النخل؟ الجواب: الأصل في زكاة ثمر النخل أنه في عين التمر؛ ولكن إذا رأى الإنسان من المصلحة أن يخرج من قيمته، فلا حرج في ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765793571