الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اقتدى، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإننا في هذه الليلة، ليلة الأحد الخامس من شهر رمضان عام (1412هـ) نفتتح لقاءاتنا معكم كجاري العادة في كل شهر رمضان، وسيكون اللقاء في يومين من الأسبوع، يوم السبت ليلة الأحد ويوم الثلاثاء ليلة الأربعاء بحول الله وقوته، هذا اللقاء ليس محاضرات تقال وتسكب فيها العبارات وتنمق فيها، ولكنه لقاء يتقدم الأسئلة فيه بحث يسير في فقه الصوم، أو الصلاة، أو الزكاة، أو غيرها من شئون المسلمين، ثم بعد ذلك يتلوها الأسئلة.
تعريف الصوم
إن أهم ما يختص به هذا الشهر الصيام الذي فرضه الله على عباده وجعله ركناً من أركان الإسلام، والصيام حقيقة وروحاً ومعنىً هو: إمساك الإنسان عن المحرمات التي حرمها الله عز وجل على الصائم بخصوصه وهي مفسدات الصوم، أو على المسلم عموماً وهي جميع المحرمات، فالصوم حقيقة وروحاً ومعنى هو الإمساك عن المحرمات الخاصة بالصوم أو العامة.
والخاصة بالصوم هي مفسدات الصوم مثل الأكل والشرب، والعامة هي التي تحرم في كل زمان مثل الغيبة والنميمة والكذب والسب والشتم وكل قول منكر، ولكن الإمساك عن الأكل والشرب والنكاح هو وسيلة للإمساك عن المحرمات العامة، لأن هذه المحرمات الخاصة بالصوم -وهي مفسدات الصوم- إنما حرمت على الإنسان من أجل أن تتربى نفسه على ترك المألوف اتباعاً لرضى الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي في شأن الصوم أن الله قال: (
يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإذا ترك الإنسان هذه الأشياء المباحة لولا الصوم كان تركه للمحرم العام من باب أولى أن يلتزم به، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة في قوله:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] هذه الفائدة وهذه الحكمة تقوى الله عز وجل بالصيام، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (
من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: أن الله سبحانه وبحمده ما فرض علينا الصوم ليضيق علينا بترك المألوف والمحبوب للنفس من طعام وشراب ونكاح، ولكنه فرضه علينا من أجل أن نتجنب قول الزور والعمل به -أي بالزور- والجهل، هذه هي الحكمة من الصوم الذي فرضه الله على عباده.
الإسراف المالي والبدني في رمضان
ونحن نعلم أن الإنسان إذا ربى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك المحرمات فسوف تتربى نفسه على ذلك في المستقبل، فهو مدرسة للنفس تتمرن فيه على ترك المحبوب بمحبة الله عز وجل، أي: لأن الله يحب ذلك، فإذا مرن نفسه في هذا الشهر كاملاً على ترك المألوف والمحبوب لنفسه تبعاً لرضى الله عز وجل ومحبته فإن النفس سوف تتربى وسوف تتغير وسوف يكون رمضان بمنزلة النار لصهر الحديد والذهب والفضة حتى يخرج خالصاً نقياً من الشوائب، فلننظر حال كثير من الناس اليوم: نجد كثيراً من الناس يجعل رمضان مرتعاً للشهوات، ففي الليل يسرف في الأكل عند الإفطار، عند العشاء، عند السحور، في جوف الليل، ليس له هم إلا أن ينظر ما تشتهيه نفسه من الأطعمة ويشتريه، وليته يشتريه بقدر حاجته، بل يشتري كثيراً ويفسد باقيه، وربما لا يجد من يأكله، فيقع في الإسراف البدني والإسراف المالي؛ أما الإسراف البدني فهو ملء البطن، وملء البطن قال فيه حكيم القلوب والأبدان محمد صلى الله عليه وسلم: (
ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه) الوعاء: الآنية (
فإن كان لا محالة -يعني: هو أراد أن يملأ بطنه- فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ولكن نجد كثيراً من الناس مع الأسف في ليالي رمضان يسرفون إسرافاً عظيماً.
كذلك هذا إسراف في المال؛ لأن الإنسان ينفق مالاً كثيراً في هذه الليالي في غير حاجة، ولو علم الإنسان قدر المال واهتمام الله عز وجل به ما أسرف في بذله قال الله تعالى:
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5] فالمال لا ينبغي أن يكون إلا بيد إنسان رشيد، يعرف كيف يتصرف تملكاً وتصرفاً، أما السفيه فلا يعطى المال، السفيه هو الذي يبذله في غير فائدة كما قال أهل العلم: إن السفيه هو الذي يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة، وأنه يجب الحجر عليه، ومنعه من التصرف.
فالمال له شأن عظيم ولهذا قال:
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5] ومعنى قوله:
جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5] أي: صيرها قياماً تقوم به مصالح دينكم ودنياكم.
نصيحة لمن يؤخرون الصلاة عن وقتها في رمضان
القول الصحيح في الإمساك عند سماع الأذان
السؤال: كثير من الأسئلة وردت حول من يتسحر والمؤذن يؤذن هل يصح أم لا يصح؟
وآخر يسأل: هل يصح أن نتابع المؤذن أم نتابع التقويم المنشور الآن؟
الجواب: الأذان علامة على طلوع الفجر إذا كان المؤذن يؤذن إذا رأى الفجر، ودليل هذا قول الله عز وجل:
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] أي: حتى يطلع الفجر ويتبين لكم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (
إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) أي: من أجل أن يستيقظ النائم ويرجع القائم عن قيامه حتى يتسحر، (
فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) هذا كله مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في هذا الحديث إدراج من بعض الرواة يقول: وكان -يعني
ابن أم مكتوم- رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحت.
والتقويم الموجود -وهو تقوم أم القرى- متقدم على التقويم الذي في ساعة
بلال، وعلى التقويم الذي صنعه بعض طلبة العلم في جامعة الملك فهد التي كانت تسمى جامعة البترول، متقدم عليها في الصبح خاصة بخمس دقائق، يعني: مثلاً اليوم هذا كان في تقويم أم القرى الفجر في الساعة الخامسة، وفي التقويم الذي أشرت إليه الساعة الخامسة وخمس دقائق، وفي تقويم
الرابطة -
رابطة العالم الإسلامي -الفجر الساعة الخامسة وثلاث دقائق، فعندنا الآن ثلاثة تقاويم، وقد ذكر العلماء: أنه إذا قال رجل لشخصين: أرقبا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجر، وقال الثاني: لم يطلع الفجر، قالوا: فيأخذ بقول الثاني؛ لأن الأصل عدم طلوع الفجر، والفجر لابد أن يتبين، وبناءً على هذا القول. نقول: الآن عندنا ثلاثة اختلفوا في طلوع الفجر فبقول من نأخذ؟ نأخذ بقول الأخير، لأن الأصل عدم طلوع الفجر.
وعلى كل حال: من أذن على تقويم أم القرى وأكل الإنسان بعده -أي: بعد الأذان- فإنه لا حرج عليه حتى يتم خمس دقائق بين التقويمين، فإذا أتم خمس دقائق فهذا آخر ما علمنا ممن حدد طلوع الفجر، هذا إذا كنا في البلد، أما إذا كنا في البر وليس حولنا أنوار، فلا حاجة للرجوع إلى التقويم، نرجع إلى ما بينه ربنا عز وجل، ما هو؟
أن نرى نحن الفجر، ما دمنا لم نر الفجر وليس هناك غيم ولا قتر، فإننا نأكل حتى ولو فرض أننا في البر والسماء صاحية، وليس حولنا أنوار وصارت الساعة خمس وعشر، خمس وربع، ما رأينا الفجر فلنا أن نأكل، لأن الله حدد لنا.
والعمل بالتوقيت ألجأت إليه الضرورة؛ لأن الناس لا يصعدون على المنارات، ولا يستطيعون رؤية الفجر تماماً بسبب الأنوار، فالضرورة ألجأتنا إليه، وإلا فهو في الحقيقة كلجوئنا إلى التقويم أو إلى الحساب الفلكي في رؤية الهلال، فما دمنا لا نعمل بالحساب الفلكي في رؤية الهلال، فكذلك أيضاً لا نعمل بالتقويم في أوقات الصلوات أو أوقات الإمساك والإفطار؛ لأن هذا كله مبني على حساب، لكن نظراً إلى أن الضرورة ألجأت إلى ذلك قلنا الضرورة لها أحكام نرجع إليها، فإذا اختلفت عندنا التقاويم وكان الحاسبون كلهم ثقات فإننا نأخذ بمن؟ بالأخير؛ لأننا إذا أخذنا بالأخير عملنا بالجميع، كلهم يقولون الساعة خمس وخمس مثل يومنا هذا قد طلع الفجر، لكن إذا قال التقويم الأول: الساعة خمس طلع الفجر، قال الثاني: ما طلع الفجر؟ لكن خمس وخمس كلهم يقولون طلع الفجر، إذاً فلنمسك على هذا.
حكم تبييت النية قبل دخول رمضان
السؤال: رجل لم يعلم بدخول شهر رمضان هذا العام إلا بعد أن رأى كثرة المصلين في صلاة الفجر، وسأل بعد الصلاة ما الخبر؟ فأخبر بدخول الشهر، فهل عليه القضاء لأنه لم يبيت النية، ولو كان قد نوى أنه إن كان غداً من رمضان فسوف يصوم، فماذا عليه؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب: إذا كان نائماً على أنه يتوقع أن يكون رمضان غداً ونوى بقلبه أنه صائم، ما لم يتبين أن غداً من شعبان، فهذا صومه صحيح ولا إشكال فيه.
لاحظوا الفروق لأنها دقيقة، إذا قال: أنا صائم غداً إلا أن يكون من شعبان، فهذا قد جزم بالنية، إذا قال: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فهذا علق النية، إذا لم ينو لا هذا ولا هذا، نعم على أنه ليس من رمضان، ثم تبين له كما قال السائل: لما رأى الناس كثيرين في صلاة الفجر قالوا له: إنه قد دخل رمضان، فنوى من حين علم، فهذا يختلف عن الصورتين السابقتين، وكل هذه الصور الثلاث عند
شيخ الإسلام لا توجب القضاء، يعني: أن صومه صحيح ولا قضاء عليه، ويستدل رحمه الله لذلك بقول الله تعالى:
رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] وقال: إن هذا جاهل فلا يؤاخذ.
ربما يرد عليه في الصورة الثالثة أنه نام ولم ينو فأجاب رحمه الله: إن النية تتبع العلم، ولا يمكن أن ينوي قبل أن يعلم، وهذا من حين علم نوى، فصيامه صحيح، فمن أخذ بقول
شيخ الإسلام في هذه المسألة فلا حرج عليه، ومن قضى احتياطاً لقول العلماء الآخرين فلا حرج عليه.
حكم خروج بعض الطعام من المعدة إلى الفم
السؤال: حينما يتسحر الإنسان ثم يمسك، فأحياناً يخرج من جوفه بعض الهواء، ويخرج معه شيء من الطعام ويبقى أثره في الفم، فإن رماه وأخرجه من فمه بقي الأثر، وإن ابتلعه فهذا مشكل، فما العمل والحال هذه؟
الجواب: الصورة: الظاهر أنه أحياناً يتجشأ الإنسان فيخرج من معدته بعض الطعام.
نقول: إذا وصل إلى الفم فإنه لا يجوز أن تبلعه، لو بلعته وأنت عالم أفطرت ولكن اتفله، إما في منديل إذا كان معك مناديل أو في طرف ثوبك، وإذا قُدر أنه بقي طعام فاتفل حتى يزول الطعام، لأنك إذا تفلت مرة مرتين سوف يذهب الطعام وحينئذٍ لا يضرك، لكن لو فرض أن الرجل ابتلعه وهو لا يدري أن ذلك حرام عليه فصيامه صحيح، وهذه قاعدة ينبغي أن نأخذها: كل من فعل شيئاً من المفطرات وهو جاهل فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، لقوله تعالى:
رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
ولأن
البخاري رحمه الله روى عن
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (
أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) فصار إفطارهم في النهار، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، فلما لم ينقل عُلم أنه لم يأمر به، ولما لم يأمر به علم أنه ليس بواجب، وهو كذلك.
فإذا أكل الإنسان أو شرب جاهلاً يظن أنه في الليل فتبين أنه في النهار فصومه صحيح، وإذا أكل شيئاً يظن أنه لا يفطر فصومه صحيح، وإذا احتجم يظن أن الحجامة لا تفطر فصومه صحيح، كل من فعل شيئاً من المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه ولا إثم عليه، كما أن الناسي كذلك .. لو أن شخصاً نسي فأكل أو شرب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) الحمد لله، الله هو الذي أطعمك وسقاك فاحمد الله، إذا شربت من كأس الماء ناسياً فقل: الحمد لله، وتقول: الحمد لله الذي نساني أو لا؟ لأن الصوم صحيح إنما أطعمه الله وسقاه، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد أن الشيء الذي يكون بغير قصد قلبي فإن الإنسان لا يلام عليه.
ذكر لي أن شخصاً في قديم الزمان اشترى عنباً لأهله، وحمله في منديل وهو صائم، فنسي وجعل يأكل من هذا العنب وكان الناس فيما سبق ليسوا أغنياء يسهل عليهم الحصول على العنب، وكان هذا الشخص قد اشتهى العنب كثيراً، فلما وصل إلى أهله لم يبق في العنب إلا حبة واحدة، وهو يأكل وهو ناسٍ، فقال لما ذكره أهله أنه صائم: إن كان ما أكلت من العناقيد لا يفطر فهذه لا تفطر، وأكلها، فهل يفطر الآن؟ نعم، يفطر بالحبة، والعناقيد التي أكل من قبل؟ لا تفطره، لماذا؟ لأنه ناسٍ أطعمه الله عز وجل، لكن هذه الحبة هي التي أفسدت صومه، لكن قال لي بعض الطلبة: لا يفسد صومه على قاعدة أن الجاهل معذور، وهذا جاهل يحسب أن الأول يفسد الصوم فأكل هذه الباقية بناءً على فساد صومه، أظن أن هذا لا ينطبق عليه العذر بالجهل؛ لأن هذا رجل مفرط، كان الواجب عليه أن يسأل وليس كل من قلنا إنه يعذر بالجهل يعذر في كل حال، إذا كان مفرطاً وقام سبب طلب العلم يجب عليه أن يطلب العلم حتى يتبين.
أما إذا تعدت الفم فدعها تمشي، يعني: لو أن إنساناً -مثلاً- أكل وبقي الأكل في حنجرته يعني تعدى الفم، هذا دعه يمشي لأنه في حكم الباطن.
حكم من صلى الفريضة ثم أدرك جماعة في مسجد آخر
السؤال: سائل يقول فضيلة الشيخ: حضرت إلى هذا المسجد فأدركت الركعة الأخيرة من صلاة العشاء فهل أكمل صلاة العشاء، أم آتي بركعة ثانية فقط، علماً بأني قد صليت العشاء في جماعة قبل أن أحضر إلى هذا المسجد؟
الجواب: الأفضل بلا شك أن تكمل الأربع، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ولأنه رأى رجلين حين صلى الفجر في مسجد الخيف في منى في حجة الوداع لم يصليا قال: (ما منعكما؟ قالا: صلينا في رحالنا) يظنان أن الصلاة غير واجبة في المسجد، صليا في رحالهما، أو كانت رحالهما بعيدة فظنوا أن الصلاة قد انتهت، المهم هذه قضية عين لا تصح أن تكون دليلاً على أن الجماعة لا تجب في المسجد، كما استدل بها بعض الناس، وقال: هذا دليل على أن الجماعة لا تجب في المسجد لأن هذين الرجلين قالا: (صلينا في رحالنا) ولم ينكر عليهما صلى الله عليه وسلم بل قال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) فظاهر الحديث أنه يصلي مع الإمام حسب صلاة الإمام، وإن اقتصر على الركعتين اللتين أدركهما أو إذا كان أدرك ركعة واحدة فأتى بواحدة تكملة للركعتين، فأرجو ألا يكون في هذا بأس لأن الصلاة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام نافلة، والنافلة يجوز أن يقتصر فيها الإنسان على ركعتين إذا لم يخالف إمامه، والإمام لما سلم فإن ما تقضيه بعد سلامه لا يخالفه.
فخلاصة الجواب: أن الأفضل أن تكمل الأربع وإن اقتصرت على ركعتين فأرجو ألا يكون في ذلك بأس.
وجوب أداء صلاة الجماعة في المسجد وإثم تاركها
السؤال: يوجد في حارتنا جماعة يفطرون جميعاً كل ليلة عند واحد منهم ولهم مسجد لا يصلي فيه إلا هؤلاء الجماعة، ولكنهم في حال الإفطار يصلون في بيت من يفطرون عنده، فهل هذا جائز؟ وهل يجوز لي أن أفطر معهم وأصلي معهم؟ وإذا كان هذا العمل غير جائز علماً بأن إمام المسجد معهم أفتونا وفقكم الله؟
الجواب: أما اجتماعهم على الفطور كل يوم عند واحد فلا بأس به، وأما كونهم يصلون في البيت ويدعون المسجد فهم آثمون بذلك على القول الراجح: أن صلاة الجماعة يجب أن تكون في المساجد المعدة لذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) قال: إلى قوم، مع أن هؤلاء القوم ربما يصلون جماعة في مكانهم.
المهم: أن القول الراجح من أقوال العلماء: أن الصلاة جماعة يجب أن تكون في المسجد، فهؤلاء فيما أرى بناءً على القول الراجح آثمون إذا صلوا في البيت والواجب أن يخرجوا إلى المسجد ويصلوا فيه.
أحكام احتجام الصائم في رمضان
السؤال: سمعنا من فضيلتكم بأن الحجامة تفطر الصائم بدليل حديث: (
أفطر الحاجم والمحجوم) وهل ما ذكر عن جماهير أهل العلم أنهم ذهبوا إلى عدم فطره وكراهية ذلك بأدلة أخرى قوية تعارض هذا الحديث، كاحتجامه صلى الله عليه وسلم وهو صائم، هل هذا صحيح، نرجو التفصيل في هذه المسألة؟ وإذا كانت الحجامة من المفطرات فهل يدخل فيها الحاجم بظاهر لفظ الحديث؟ وما هو حال الحاجم في زماننا هذا؟
الجواب: تفطير الحجامة للصائم دل عليها حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) قال الإمام أحمد : هو حديث صحيح، وصححه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وله رسالة ينبغي لطالب العلم قراءتها رسالة صغيرة تسمى: حقيقة الصيام ، بحث فيها بحثاً جيداً عن الحجامة والاكتحال والحقنة وأشياء كثيرة مهمة جداً، وفيها أصول وقواعد ينتفع بها طالب العلم، وإذا كان هذا الحديث صحيحاً: (أفطر الحاجم والمحجوم) فإنه يجب أن يؤخذ على ظاهره، ولا يحل أن يحرف كما قال بعض العلماء الذين لا يرون أن الحاجم والمحجوم يفطران، قالوا: معنى أنهما كادا يفطران، كيف كادا يفطران؟ والرسول يقول: (أفطر) وقال بعضهم: إنهما كانا يغتابان الناس، فقال الرسول: (أفطر الحاجم والمحجوم) كيف يعلق النبي عليه الصلاة والسلام الحكم على وصف غير موجود ونلتمس نحن له وصفاً مفقوداً، يعني: الآن إذا قلنا أنهما أفطرا لأنهما يغتابان الناس صار الحكم مبنياً على الحجامة أم على الغيبة؟ على الغيبة، فكيف نلغي وصفاً علق الشارع الحكم عليه ونعتبر وصفاً لم يعلق الحكم عليه؟!!
وأيضاً نقول لهم: هل الغيبة تفطر الصائم؟
لا. الغيبة صحيح أنهما تنافي مقصود الصيام وروح الصيام لكن لا تفطر الصائم، قال الإمام أحمد رحمه الله: لو كانت الغيبة تفطر لم يبق لنا صوم.
لأنه لا سماح من الغيبة إلا من شاء الله.
وأما حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) فإن قوله: (احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) شاذ، يعني ذكر الصيام شاذ، وكذلك أشذ منه قول: (احتجم وهو محرم صائم) فإنه شاذ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن محرماً يوماً من الأيام وهو صائم، هذه غزوة الحديبية في ذي القعدة ولم يدخل مكة وكذلك أيضاً عمرة القضاء كانت أيضاً في ذي القعدة وعمرته في حجه كانت في ذي القعدة ودخل مكة في رمضان في غزوة الفتح وهو غير صائم مفطر، فتبين أنه لا يصح الحديث: (احتجم وهو صائم محرم)، أما وهو صائم وحده، فقالوا: إنه شاذ، ثم على فرض أنه محفوظ يحمل على ما قبل النسخ؛ لأن حديث شداد ناقل عن الأصل، وقد ذكر أهل العلم أن من المرجحات عند التعارض النقل عن الأصل؛ لأن الناقل عن الأصل معه زيادة علم.
أما بالنسبة للحاجم فهل يفطر في وقتنا هذا أم لا؟
فالجواب عليه: من قال من العلماء: إن الإفطار بالحجامة أمر تعبدي فلا تعقل علته، فإنه يرى أن الحاجم في وقتنا يفطر كالمحجوم؛ لأن هذا تعبدي لا نعرف العلة.
ومن رأى أن الحكم معلل كما هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإن الحاجم في وقتنا لا يفطر، وذلك لأن الحاجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمص القارورة التي يكون فيها الدم عند الحجامة، كانوا في الأول في قارورة من حديد ولها أنبوبة صغيرة رفيعة جداً، إذا شَرَطَ الحاجم محل الحجامة بالموسى وضع هذه القارورة على هذا المكان ثم يمص عن طريق الأنبوبة الصغيرة، لكي يفرغ الهواء، وإذا فرغ الهواء انجذب الدم حتى تمتلئ القارورة ثم تسقط، فكانوا فيما سبق يمصون هذه الأنبوبة التي في القارورة، وربما عند المص يصل شيء من الدم إلى حلق الحاجم وهو لا يشعر والمظنة أحياناً تلحق بالمئنة، يعني: أن المظنون يلحق أحياناً بالمتيقن.
فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله نقول: إن الحاجم في وقتنا الذي يحجم بالآلات وليس له علاقة بها لا يفطر، وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أقوم من القول بأن الحكم تعبدي؛ لأن الحكم إذا كان معللاً بعلة تشهد لها النصوص فإنه يجب أن يربط بها وجوداً وعدماً، بخلاف التعبدي المحض.
لو قال لك قائل: لماذا صارت الظهر أربع ركعات ولم تكن ثمان ركعات؟
ماذا نقول: هذا تعبدي، تعبدنا الله بهذا العدد لابد أن نقوم به.
حكم الدم أو السائل الخارج قبل الولادة
السؤال: سائلة تقول: إذا كانت المرأة حاملاً وفي شهرها الأخير خرج منها ماء من غير دم. فهل عليها صلاة، وماذا تفعل في صومها، وهل هو صحيح أم لا؟
الجواب: يقول أهل العلم: إن المرأة الحامل لا تحيض، إلا أن بعض النساء قد يستمر حيضها في الأشهر الأولى من الحمل على ما هو عليه، وأما الأشهر الأخيرة فلا يمكن أن يخرج منها الحيض، يقول الأطباء: إن الحامل لا تحيض أبداً، وإن الحيض دليل على عدم الحمل، وهذا هو الذي قاله الإمام
أحمد رحمه الله، فقال: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الحيض.
على كل حال: هذه المرأة التي رأت الدم في شهرها الأخير نقول: هذا الدم ليس بحيض ولا نفاس ولا يمنع عن صلاة ولا صوم، إلا إذا كان مصحوباً بالطلق وكان عند الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة، فإنه يكون نفاساً؛ لأن الطلق وقرب هذا الدم من الوضع يجعل هذا الدم دم نفاس، وإذا كان دم نفاس فإنها لا تصلي ولا تصوم.
أما إذا كان الخارج ماء فهذا ليس بنفاس ولا حيض حتى وإن كان معه طلق؛ لأن النفاس هو الدم الذي يخرج من الرحم عند الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة.
جواز استخدام (الدس) في نهار رمضان لمعرفة قرب الولادة
السؤال: هل تجوز للطبيبة أن تكشف بما يسمى (الدس) على المرأة الحامل في نهار رمضان لمعرفة قرب الولادة وغيره؟
الجواب: يجوز للطبيبة أن تختبر المرأة عن طريق (الدس) هل ولادتها قريبة أم بعيدة، لكن من باب الاحتياط نقول: ليكن ذلك في الليل؛ لأن بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن كل ما يصل إلى الجوف مفطر إلا ما كان عن طريق الإحليل فإنه لا يفطر؛ لأن الإحليل لا ينفذ، قال الفقهاء رحمهم الله: والإحليل هو الذي يكون عن طريق المثانة التي هي مجمع البول، لأن المثانة يدخل إليها الشيء ولا يخرج منها إلا مع الثقب الذي جعله الله عز وجل، والمثانة: عبارة عن كيس كحوصلة الطائر يتصل به عروق من الكلى تصب فيه الماء الزائد على البدن من الطعام والشراب، ثم يجتمع هذا الماء بهذا الكيس فإذا امتلأ أحس الإنسان بأنه محتاج إلى البول، ويخرج البول من طريق واحد إلى المخرج رأساً، فإذا دخل شيء من المخرج إلى هذه المثانة فإنه لا يفطر وإن كانت في الجوف، قالوا لأن المثانة لا يخرج منها الطعام، يعني: لا يخرج منها ما يدخل إليه، فهي مصب وليست مصدراً.
على كل حال أقول: إن هذه المرأة التي احتاجت إلى عملية ما يسمونها (بالدس) ينبغي أن تجعل ذلك في الليل احتياطاً.
حكم (الكدرة) الخارجة في أيام الحيض وغيره
السؤال: امرأة حملت شيئاً ثقيلاً فأثر عليها فنزلت منها كدرة ولم تنقطع من بداية هذا الشهر، فماذا تفعل؟ مع العلم أن هذا ليس وقت دورتها؟
الجواب: تصوم وتصلي ولا تفطر وصومها صحيح وصلاتها صحيحة؛ لأن هذه الكدرة التي نزلت لها سبب وما هو؟ حمل هذا الثقيل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في دم المستحاضة: (
إنه دم عرق) فدل هذا على أن جميع العروق وإن خرجت إفرازاتها من الفرج لا تعتبر حيضاً بل هي استحاضة.
وعلى هذا فنقول: إن الذي خرج من هذه المرأة عند حملها هذا الثقيل وهو كدرة وفي غير أيام الحيض أيضاً دم لا عبرة به، أي: لا يمنع من صيام ولا صلاة.
ما تفعله المبتدأة في الحيض إذا تركت الصيام
كفارة الصيام للمريض الذي لا يرجى برؤه
السؤال: والدي مريض منذ مدة ونصحه الأطباء بعدم الصيام وقد توفي بعدها وعليه خمسة أشهر لم يصمها بسبب مرضه وجهله بأحكام الشرع، فالسؤال هو: ماذا نفعل لكي نقضي صيامه، هل نتصدق عنه، أم نكفر؟ وما هي الكفارة؟
الجواب: المريض الذي لا يرجى شفاؤه لا يجب عليه الصوم أصلاً وإنما يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وأما الصوم فلا يجب عليه، ولا يجب على أوليائه إذا مات أن يقضوا عنه، لأن الفرض الذي يجب على هذا الرجل هو أن يطعم.
وعلى هذا فنقول للسائل: أطعم عن أبيك عن كل يوم من هذه الأشهر مسكيناً، ولا بأس أن تكرر الأشهر كلها على ثلاثين مسكيناً، تعطيهم للشهر الأول ثم للثاني ثم للثالث ثم للرابع ثم للخامس، ومقدار الإطعام من الرز كيلو تقريباً لكل مسكين، ويحسن أن تجعل مع الطعام أو أن تجعل مع البر شيئاً يكون إداماً له من لحم أو غيره.
كفارة من تركت أولادها دون رضاعة حتى ماتوا
السؤال: امرأة من أهل البادية في زمن سابق أنجبت طفلين بهما عيب بسيط في أنفيهما وهو ما يطلق عليه (الشرم) وقمن النساء اللاتي ولدنها بتخويفها بأنها أنجبت شيئاً غير إنسان، فامتنعت من إرضاعهم لمدة ثلاثة أيام ثم توفيا بعد ذلك، علماً بأنها تابت واعترفت بذنبها، وصامت شهراً كاملاً من أجل هذا، فهل صومها صحيح؟ وماذا يجب عليها علماً بأنها قد تقدم بها العمر؟
الجواب: الواجب عليها أن تصوم عن كل نفس شهرين؛ لأنه أمكنها أن تنقذ هذين من الهلكة ولكنها لم تفعل، وهاذان الطفلان لا يمكن أن يقوما بما ينقذ حياتهما لأنهما طفلان، فهي تعمدت ترك الواجب وهو إرضاع هذين الطفلين حتى هلكا فعليها أن تصوم عن كل طفل شهرين متتابعين.
أما الدية فهي بينها وبين ورثة هذين الطفلين إذا عفوا عنها وإلا فإنما تجب على عاقلتها، يعني: يجب على عاقلتها الدية وتكون لورثة هذين الطفلين.
حكم استعمال الأوكسجين للمريض في نهار رمضان
السؤال: ما حكم استعمال الأكسجين الذي يوضع على فم المريض أكثر اليوم؛ هل يفطر؟
الجواب: الأكسجين الذي يعطى للمريض لا يفطر؛ لأن هذا الأكسجين ليس له جرم يصل إلى المعدة حتى نقول: إنه أكل أو شرب، لكنه بارد يفتح الشرايين حتى يتنفس الإنسان، وعلى هذا لا يكون أكلاً ولا شرباً وما ليس بأكل ولا شرب ولا بمعنى الأكل والشرب فإنه لا يفطر.
وقت ابتداء الحداد لمن توفي عنها زوجها
السؤال: توفي زوجي في حادث وأنا معه، ثم جلست في المستشفى ستة أيام ولم أعلم أنه متوفى حتى خرجت، فهل أبدأ مدة الحداد من وفاته، أم من حين علمت. أفتونا وفقكم الله؟
الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال نحب أن نعطي قاعدة وهي: (أن ما علق بسبب ثبت بوجود ذلك السبب، سواء علم به الفاعل أم لم يعلم) فعدة الوفاة سببها الوفاة، وعلى هذا فيكون ابتداؤها من وفاة الزوج حتى ولو لم تعلم إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشر من موته فإن عدتها تنقضي وليس عليها شيء، وكذلك في الطلاق لو فرض أن رجلاً طلق زوجته ولم تعلم بطلاقه حتى حاضت ثلاث مرات، فإنها في هذه الحال لا يلزمها أن تعيد العدة، بل نقول: الآن خرجتي من العدة، فابتداء العدة في الموت من الموت، وابتداء العدة في الطلاق من الطلاق، وابتداء العدة في الفسخ من الفسخ، المهم أن ابتداء العدة يكون من حين وجود السبب لا من حين علم المرأة، المرأة لو لم تعلم إلا بعد انتهاء العدة لم يكن عليها شيء، انتهت عدتها وتتزوج مباشرة.
هيئة صلاة الليل وحكم من قام إلى ركعة ثالثة في صلاة التراويح
السؤال: لو أن إماماً في صلاة التراويح سها وقام إلى الركعة الثالثة فنبه فلم ينتبه، فهل يكتفي بثلاث أم يأتي برابعة؟
الجواب: الواجب على الإمام إذا سها في صلاة الليل وقام إلى ثالثة الواجب أن يرجع ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) فجعلها اثنتين اثنتين، فإذا قام إلى الثالثة قلنا: ارجع حتى ولو قرأ القرآن نقول له: ارجع، وتشهد وسلم ثم اسجد للسهو بعد السلام، قال الإمام أحمد: إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر. يعني: يلزم الرجوع فإن لم يفعل بطلت صلاته.
حكم طلب الغيث في القنوت والإطالة فيه
السؤال: ما رأي فضيلة الشيخ فيمن استغاث في القنوت فقال: اللهم أغثنا.. اللهم اسقنا الغيث.
وآخر يقول: بعض الأئمة يسهب في دعائه في القنوت فيذكر الجنة وعذاب القبر من أجل أن يدخل على الناس البكاء فهل للإمام أن يصنع ذلك؟ وما توجيهكم وفقكم الله؟
الجواب: أما الدعاء بالغيث في القنوت فلا أرى في ذلك مانعاً؛ لأن الدعاء بالغيث دعاء بالحاجة الملحة، وليست حاجة خاصة بالإنسان بل هي حاجة عامة لجميع المسلمين، لا يقال: إن هذا لم يرد، نقول: لأن الذي ورد في طلب الغيث قضايا أعيان، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قطع خطبته يوم الجمعة ليدعو به، مع أن الأصل في الخطبة أنها ليست محل دعاء، فجواز الدعاء بطلب الغيث في القنوت الذي هو دعاء من باب أولى.
أما تحويل دعاء القنوت إلى خطبة وعظ بحيث تذكر الجنة والنار والقبر وفراق الأحباب وما أشبه ذلك، فهذا لا شك أنه خلاف السنة؛ لأن الوعظ له وقت والدعاء له وقت آخر، والذي ينبغي للإنسان ألا يشق على المؤمنين بكثرة الدعاء، فكيف إذا حول الدعاء إلى خطب ومواعظ؟ فإنه يكون هذا أشق على الناس، وأهم شيء أن يسير الإنسان في عباداته على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الخير والبركة، ليست العبادة ذوقاً إذا استحسنه الإنسان تعبد لله به، ولو كانت كذلك لقلنا: إن
الصوفية على حق؛ لأن هذا العمل الذي يقومون به يرون أنه من أصلح ما يكون للقلوب، ويتذوقون له ذوقاً جيداً، لكنه ليس بصواب، وما ليس بصواب فهو خطأ وإن ظن صاحبه أنه صواباً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.