إسلام ويب

جلسات رمضانية 1415ه [2]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الشيخ رحمه الله هذا اللقاء مخصصاً لشرح آيات سورة البقرة المتعلقة بالصيام، وكان درسه مزيجاً من الأحكام الشرعية واللفتات الوعظية المؤثرة، وكان آخر هذه الأحكام هو الحديث عن اختلاف مطالع القمر في البلدان وأقوال العلماء في ذلك. وفي أسئلة موجهة إليه أجاب عن مسائل شرعية تتعلق بالصلاة والصيام وغيرها.

    1.   

    وقفات مع آيات الصيام من سورة البقرة

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وفتح الله به آذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وأعيناً عمياً، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الثاني من لقاءات شهر رمضان المبارك، وهذه هي الليلة السادسة من شهر رمضان عام (1415هـ) أسأل الله تعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات مباركة علينا وعليكم، وعلى من بلغتهم من إخواننا المسلمين، في هذه الليلة سيكون حديثنا إن شاء الله عن الصيام، وخير ما نعتمد عليه كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] إذا صدر الله تعالى القول بـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فإنما ذلك لأهمية الموضوع ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا؛ فأرعها سمعك -يعني استمع لها- فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه] فنحن الآن نرعِها أسماعنا.

    وقفة مع قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام)

    يقول جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] كتب بمعنى: فرض، والكاتب هو الله عز وجل، هو الذي يفرض ما يشاء، ويوجب ما يشاء، ويحرم ما يشاء، يبيح ما يشاء، عز وجل، له الحكم في عباده كوناً وشرعاً، فلا معقب لحكمه وهو السميع العليم، والصيام في الشرع هو التعبد لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام، فهل يمكن أن نبدل هذا بقولنا من أذان الفجر إلى أذان المغرب؟

    لا. لأنه قد يؤذن للفجر قبل الوقت، وقد لا يؤذن إلا بعد الوقت، وكذلك في المغرب قد يؤذن قبل الوقت، وقد لا يؤذن إلا بعد الوقت، فالمدار على طلوع الفجر وعلى غروب الشمس؛ لكن لما كان الناس في بيوتهم صاروا يعتمدون على المؤذنين إذا كان المؤذنون ثقاة، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر).

    فالصيام إذاً شرعاً: هو التعبد لله في الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. هذا الصيام شرعاً.

    وقوله عز وجل: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] فيه فائدتان عظيمتان:

    الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة حتى لا نقول: لماذا فرض علينا الصوم دون غيرنا؟

    فقال: إن الصوم مفروض على الأمم السابقة.

    الفائدة الثانية: استكمال فضائل الأمم السابقة؛ لأن هذه الأمة كملت فضائل الأمم السابقة، فكل فضائل الأمم السابقة موجودة في هذه الأمة، وما كان من نقص فإنه كمل بهذه الأمة، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مثل نفسه بالنسبة لمن قبله من الأنبياء برجل بنى قصراً مشيداً عظيماً، فكان الناس يطوفون به، ويتعجبون منه، ويقولون: ما أحسن هذا القصر إلا موضع هذه اللبنة -في مكان لبنة ما تم- قال: (فأنا اللبنة) كمل الله به البناء.

    فكل الخيرات في الأمم يا إخواني! موجودة في هذه الأمة ولله الحمد، لكن هذه الأمة إذا عصت الله عز وجل فإنها لا يبالى بها، بل معصية هذه الأمة أشد من معصية الأمم التي قبلها لماذا؟

    لأن الفضائل إذا استكملت صار المفرط فيها أشد لوماً، لكن مع ذلك خفف الله عن هذه الأمة، مع كوننا نحن أحق باللوم من غيرنا، لكن الله خفف عنا، قال الله تعالى في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157] في بني إسرائيل إذا فعل الإنسان منهم ذنباً لا يكفيه أن يتوب فيما بينه وبين الله، يكون ذنبه مكتوباً على بابه في الصباح -فضيحة- أما هذه الأمة فذنوبها مستورة ولله الحمد. يفعل الإنسان الذنوب ثم يتوب فيما بينه وبين الله فتبقى مستورة، نسأل الله تعالى أن يستر عيوبنا ويغفر ذنوبنا.

    وقفة مع قوله تعالى: (لعلكم تتقون)

    وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فيه بيان الحكمة من الصوم، فالله لا يريد منا أن نمتنع عن شهواتنا من أكل وشرب ونكاح فقط... بل يريد منا أن يكون ذلك وسيلة لما هو أهم.

    فما الأهم من الصوم؟

    التقوى، هذا هو الأهم، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى الآية الكريمة التي معنا: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ولهذا كان الموفقون من الناس الصائمين لا يكون يوم صومهم ويوم فطرهم سواء أبداً، يوم الصوم تجد الإنسان متقياً لله خاشعاً، قائماً بالواجبات، فاعلاً للمستحبات، يكثر من القراءة والذكر والصلاة والصدقة ومكارم الأخلاق.

    وقفة مع قوله تعالى: (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً...)

    قوله: أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184] تقليل؛ لأن المعدود جمع مؤنث، وجمع المؤنث كله جمع قلة، وعلى هذا فالله عز وجل قلل هذه الأيام لأنها ثلاثون يوماً من ثلاثمائة وستين يوماً.. ثلاثون يوماً من ثلاثمائة وستين قليلة، ثم هي والحمد لله في أفضل مناسبة في شهر رمضان.

    فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] يعني: من كان مريضاً أو على سفر فليفطر وعليه عدة من أيام أخر، فهذان عذران يعذر بهما المرء عن الصوم، أولهما المرض، وهل المراد مطلق المرض ولو وجع السن، أو وجع العين اليسير، أو المراد به المرض الذي يشق معه الصوم؟

    الثاني؛ وذلك لأن المرض الأول لا يكاد يخلو منه أحد، ثم المرض الأول لا تأثير للصوم فيه، ولا تأثير للفطر في شفائه، فلذلك لابد أن يقيد المرض بما يشق معه الصوم، أياً كان المرض، حتى لو فرض أن الإنسان أوجعته عينه وجعاً شديداً وقلق حتى لا يصبر عن الطعام والشراب فليفطر.

    فإن قال قائل: أيهما أفضل للمريض، أن يفطر ويقضي، أو الأفضل أن يصوم؟

    قلنا: الأفضل هو الأيسر؛ لأن الله تعالى إذا رخص لنا برخصة فإنه يحب منا أن نأتي رخصه، لماذا؟ لأن الرخصة تسهيل وكرم، والكريم يحب أن تؤتى تكرمته، أليس كذلك؟ يعني حتى في بني آدم الرجل الكريم إذا بسط السماط ووضع فيه الطعام هل يحب أن الناس يأتون إليه ويأكلوا أو لا؟ نعم يحب هذا، فالله عز وجل إذا رخص للعباد رخصة يحب أن يأتي الناس رخصته، فنقول: المريض الأفضل في حقه هو الأيسر، إما الصوم وإما الفطر، وبعض الناس -نسأل الله لهم الهداية- يخاطرون بأنفسهم، يكونون مرضى يشق عليهم الصوم، أو يقول لهم الطبيب الثقة لابد أن تشرب الماء كل أربع ساعات، ومع ذلك يقول: لا. أتصبر، أصوم أتصبر هذا غلط، ربما لو يكون صومك سبباً لهلاكك، ربما تكون معيناً على قتل نفسك، ولهذا يجب على الإنسان إذا خاف الضرر أن يفطر.

    قوله: أَوْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:184] السفر أيضاً مبيحٌ للفطر، وهل يشترط في السفر المبيح للفطر أن يكون الصوم فيه شاقاً أو لا؟

    الجواب: لا، لكن قد يقول قائل: لماذا فرقتم بين المريض وبين المسافر؟ المريض قلتم لابد أن يكون الصوم شاقاً مع المرض، والمسافر قلتم يفطر ولو لم يكن شاقاً.

    قلنا: لأن السنة بينت ذلك، فالناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومون ويفطرون بدون مشقة، فدل هذا على أن مجرد السفر رخصة، للصائم أن يفطر ويقضي بدل الأيام التي أفطرها، ولكن هل الأفضل أن يصوم المسافر، أو الأفضل أن يفطر؟

    نقول: الأفضل الأيسر، إن كان الأيسر لك أن تصوم صم، وإن كان الأيسر أن تفطر أفطر، وعلى هذا فالذين يذهبون إلى مكة للعمرة لو سألوا هل نصوم أو نفطر، قلنا: الأفضل الأيسر، إذا كان الأيسر لك أن تفطر يوم قدومك من أجل أن تؤدي العمرة بنشاط فأفطر، الأمر واسع والحمد لله، فإن قال هل الأفضل أن أؤدي العمرة أول ما أصل وأفطر، أو أن أبقى على صومي وأؤديها في الليل؟

    الأولى أفطر وأد العمرة؛ لأن الأفضل للمعتمر أن يكون أول ما يبدأ به في مكة أن يؤدي العمرة حتى كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينزل عن راحلته إلا عند المسجد ثم يؤدي العمرة.

    وإذا كان الصوم يشق في السفر لكن مشقة ليست شديدة فما الأفضل؟

    الأفضل الفطر، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (رأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه -صائم فازدحم الناس ينظرون إليه ويظللونه- قال: ما هذا؟ قالوا: صائم قال: ليس من البر الصيام في السفر)لأن هذا شق على نفسه وترك الرخصة.

    أما إذا شق مشقة شديدة فإن الصوم معصية، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان حتى بلغ كراع الغميم -مكان معروف- فجاءوا إليه وقالوا: يا رسول الله! إن الناس قد شق عليهم الصيام -يعني وينتظرون ما تفعل- فدعى بماء وهو على راحلته ووضعه على فخذه والناس ينظرون فشرب، وكان ذلك بعد صلاة العصر، يعني ما بقي إلا قليل وقت، ومعلوم أن الناس إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد شرب أن نفوسهم سوف تطمئن بالفطر؛ لأن إمامهم عليه الصلاة والسلام شرب أمامهم فتطمئن النفوس، فشرب الناس وخف عليهم الأمر، لكن بعض الصحابة عفا الله عنهم اجتهد، وكأنه قال: لم يبق إلا جزء يسير من الوقت فسأستمر في الصوم، فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرونه، قالوا: يا رسول الله! إن بعض الناس قد صام -يعني قد استمر في صيامه -قال: (أولئك العصاة أولئك العصاة) كررها، يعني أنهم عصوا ببقائهم على الصوم مع المشقة.

    إذاً: المريض يفطر ويقضي، المسافر يفطر ويقضي، الأمر واسع ولله الحمد.

    وقفة مع قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية...)

    قال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184].

    قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ما معنى يطيقونه؟

    أي يفعلونه بدون مشقة فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني الذي يستطيع الصوم دون مشقة إذا شاء أن يترك الصوم ويفدي فلا بأس، لكن الصوم خير، ويعني ذلك أن الإنسان مخير بين الصيام وبين الإفطار ويفدي ولا يصوم، ولكن هذا قد يكون مشكلاً لأننا قررنا أنه لا فطر إلا لعذر، مرض أو سفر، كيف يكون للإنسان المطيق له أن يترك الصوم ويفدي، نقول: نعم، يمحو الله ما يشاء ويثبت، كان في أول ما فرض الصيام يخير الإنسان، إن شاء صام، وإن شاء فدى، والدليل على هذا قوله: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ فدل ذلك على أن الإنسان يطيق الصوم، فخيره الله بين الفدية وبين الصوم ولكنه قال: إن الصوم خير.

    وهذا هو أول ما فرض الصوم كما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه أول ما نزل فرض الصوم كان من شاء صام ومن شاء افتدى، ثم نزلت الآية التي بعدها شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] فتحول الحكم إلى المريض الذي لا يرجى زوال مرضه، لأن المريض الذي يرجى زوال مرضه ما فَرْضُه؟ أن يفطر ويقضي، لكن المريض الذي لا يرجى زوال مرضه كمرض السرطان مثلاً، أو غيره من الأمراض التي لا يرجى زوالها، أو إنسان كبير يتعب لأن الكبر لا يرجى زواله، فهذا يفدي بدلاً عن الصوم؛ لأنه لا يمكن أن يقضي لو أفطر ما قضى، فيفدي وكيف يفدي، يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين كم يطعم؟ تسعة وعشرين مسكيناً. وإذا كان الشهر ثلاثين، يطعم ثلاثين مسكيناً.

    ولا يجوز أن تكرر على مسكين واحد، يعني لو قال: أنا سأطعم هذا الفقير كل يوم، قلنا: لا يجوز، لابد أن يكون المساكين بعدد الأيام، كيف؟

    إما أن تصنع طعاماً إذا مضت عشرة أيام، أو تصنع عشاءً فيه اللحم والطعام وتدعوا عشرة فقراء، فإذا مضى عشر أخرى تصنع مثل الطعام الأول وتدعو عشرة فقراء، غيرهم وإذا مضت عشرة أيام وهي الأخيرة تصنع طعاماً وتطعم عشرة مساكين غير الأولين، وإن شئت فملكهم الطعام، يعني خذ رزاً ربع صاع لكل فقير وفرقه على فقراء بعدد الأيام.

    ثم قال عز وجل هذا زمن الصوم: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] وقد سبق الكلام على هذا في اللقاء الأول.

    وقفة مع قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)

    قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] هل معنى هذا أن من لم يشهد لم يلزمه الصوم؟

    اتفق العلماء أنه ليس الواجب أن يراه كل واحد، لأن هذا شيء متعذر، لكن إذا شهده من تثبت بشهادتهم الرؤية وجب الصوم، وبماذا تثبت الرؤية؟

    رؤية شهر رمضان تثبت بشاهد واحد، إذا جاء إنسان عدل ثقة بدينه معروف بقوة البصر وشهد وقال: أشهد أني رأيت الهلال فإن الناس يصومون، لأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [تراءى الناس الهلال -يعني جعل بعضهم يري بعضهم الهلال- فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام] وابن عمر كان واحداً، إذا شهد شاهد بدخول رمضان فإنه يثبت دخوله، وكذلك شوال، لكن شوال لا يثبت إلا بشاهدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) فلابد من شاهدين؛ لأن شوال يكون فيه الفطر فاحتيج إلى الاحتياط فيه أكثر من رمضان، هكذا أيضاً علله بعض العلماء، لكن على كل حال سواء صحت هذه العلة أو غيرها فإن دخول رمضان يثبت بشهادة واحد، عدل في دينه، قوي في بصره، فلو جاءنا رجل ضعيف البصر لكن عدل في الدين ما فيه إشكال، وشهد أنه رأى الهلال، ونحن نعرف أن بصره ضعيف هل يقبل؟ لا يقبل، لماذا؟ لأن بصره ضعيف، ونعلم أن ما رآه تخيل أو توهم.

    ويذكر أن بعض القضاة الأذكياء جاءه رجل ثقة كان مع الذين يتراءون الهلال، وكان في القوم شباب ذووا نظر وبصر أقوياء، فجاء هذا الرجل الثقة العدل يشهد عند القاضي، قال: رأيت الهلال، فقال القاضي للآخرين: هل رأيتم الهلال؟ قالوا: ما رأيناه، والرجل معروف بأنه ثقة وصاحب دين، قال: رأيته قال: نعم، قال: فتشهد قال: أشهد، والآخرون يقولون: ما رأيناه، فالقاضي تحير كيف هؤلاء الشباب الذين بصرهم قوي ما رأوه، وهذا الرجل الكبير الشيخ يقول أنه رآه، ولا يستطيع أن يرد شهادته لأنه ثقة عدل، قال: هل تستطيع أن تريني إياه إذا ذهبت أنا وأنت إلى المكان الذي رأيته فيه؟ قال: نعم تفضل، فذهب القاضي والراعي إلى المكان، فقال: هل رأيته قال نعم هذا هو ويشير، القاضي جعل يحدد بصره ما يرى، ويقول: هل تراه يقول: نعم والقاضي ما يراه، فتنبه القاضي فمسح حاجب الرجل -الشعر الذي فوق العين مسحه- وقال له: هل ترى الهلال؟ قال: لا ما أراه، فصار يرى شعرة بيضاء. فلابد من أمرين العدالة في الدين، والثاني قوة البصر الذي يكون به النظر فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

    إذا رآه أهل بلد وثبت عندهم هل يلزم جميع الناس أن يصوموا أم ماذا؟

    فيه خلاف يبلغ ستة أقوال للعلماء، ليس قولين بل ستة أقوال، لكن أشهرها التالي:

    الأول: أنه إذا ثبتت رؤيته في بلد إسلامي فإن جميع المسلمين في أقطار الدنيا عليهم أن يصوموا لأن قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الخطاب فيه للمسلمين، ومن المعلوم أنه ليس المراد كل واحد لأن هذا متعذر فيكون المراد إذا شهده من تثبت به الرؤية وجب على المسلمين كلهم.

    وهذا القول فيه راحة في وقتنا الحاضر، لأننا نسمع أن في بعض البلاد تجد الناس في نفس البلد مختلفين، منهم من يتبع السعودية مثلاً، ومنهم من يتبع القضاء الذي في بلده، ومن يتردد فإذا قلنا بهذا القول: إذا ثبتت رؤيته بالبلاد الإسلامية لزم جميع الناس الصوم ما بقي إشكال، لكن هذا القول يشكل عليه أثر ونظر.

    أما الأثر: فما رواه مسلم في صحيحه في قصة كريب مولى أم الفضل أنه قدم من الشام إلى المدينة ورأى الناس سيصومون غداً فأخبرهم أنه ثبت هلال الشهر في الشام قبل ثبوته في المدينة بليلة، ولكن أبى الحبر ابن عباس رضي الله عنهما أن يأخذ بهذه الشهادة، وأبقى الناس على صيامهم، وقال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا أثر.

    أما النظر: فهو أن الواقع أن مطالع الهلال تختلف بحيث يرى في جهة ولا يرى في الجهة الأخرى، كما أن مطالع الشمس تختلف فتطلع في جهة قبل أخرى، ويطول مكثها في الأفق أكثر من جهة أخرى، الآن نحن في زمن الشتاء والكرة الأرضية النصف الجنوبي منها في زمن الصيف، ولهذا إذا سمعت أخبار شمالي الكرة الأرضية وجنوبها؛ فإن الجنوب أقصى ما يكون في الحرارة، والشمال أقصى ما يكون في البرودة، وذلك أن الشمس تكون على الجنوبيين أطول مدة، وعلى الشماليين أقصر، أو بالعكس.

    فكما أن مطالع الشمس تختلف بحسب الواقع فمطالع الهلال تختلف بحسب الواقع، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة، فإن اتفقت المطالع وجب الصوم، وإن اختلفت لم يجب الصوم. وهذا القول أقرب إلى الأثر وإلى النظر.

    هناك قول ثانٍ: أن العبرة بما يحكم به ولي الأمر ما لم يخالف الشرع، إن خالف الشرع ليس عبرة، لكن إن كان محتملاً وحكم فإن كل من تحت ولايته ولو اختلفت المطالع يلزمهم الصوم، وهذا هو الذي عليه العمل اليوم فمثلاً: بلادنا -بلاد السعودية - جنوبها وشمالها تختلف فيه المطالع، ومع ذلك إذا حكم ولي الأمر بالصوم صام الجميع، هذا القول هو الذي عليه العمل الآن، ثم من الناس من يأخذ برؤية السعودية ومنهم من لا يأخذ حسب خلاف أهل العلم رحمهم الله.

    وقفة مع قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم...)

    قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:185-187] وإنما نص الله على إحلال الرفث إلى النساء ليلة الصيام؛ لأن الناس كانوا في الأول إذا صلوا صلاة العشاء أو ناموا ولو قبل صلاة العشاء حرم عليهم الأكل والشرب والجماع إلى أن تغرب الشمس من اليوم الثاني، وهذا فيه مشقة أو لا؟ نعم فيه مشقة، لاسيما مع طول النهار، إذا نام قبل صلاة العشاء أمسك إلى غروب الشمس من الغد، وإن صلى العشاء أمسك إلى غروب الشمس من يوم الغد، فشق ذلك على الناس، فأحل لهم هذه أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] الحمد لله نعمة.

    1.   

    الأسئلة

    حكم تكرار الآية في النافلة

    السؤال: في صلاتنا اليوم خلفك وفقك الله سمعناك كررت قول الله عز وجل: آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:8] أكثر من مرة فهل مثل ذلك سنة في القيام؟ الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الليل ما لم يثبت في صلاة الفجر، فمن ذلك أنه كرر قول الله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] كررها إلى الصباح، وهو يصلي، وكذلك كان لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية تسبيح إلا سبح، ولا آية وعيد إلا تعوذ، ففي صلاة الليل أشياء مشروعة لا تشرع في الفريضة، مثل هذه، فنحن نكرر هذا لعل قلوبنا تلين وتخشع وتذكر الإيمان بالله، ويمر بنا أيضاً آيات قد تكون جديرة بأن نكررها لكن نخشى من الإطالة والملل، فمن أجل هذا كررنا (آمنا بالله).

    الاختلاف في مكيال زكاة الفطر وضابط مقدار ذلك

    السؤال: ذكرت وفقك الله في كتاب مجالس رمضان : أن الصاع في زكاة الفطر في كيلوين وأربعين غراماً، وهذه قابلت رفضاً كبيراً عند كثير من الناس في منطقتنا، فهم يقولون: إن الصاع من الأرز يختلف عن الصاع من الأقط أو من الدقيق أو من القمح، فما رأي فضيلتكم، وبماذا نرد عليهم؟

    الجواب: نحن قدرناها بكيلوين وأربعين غراماً بالبر الرزين، ليس في كل شيء، فمن فهم أن هذا الوزن لكل شيء فقد أخطأ، بالبر الرزين، يعني البر الجيد الدجن، والبر معروف وهو القمح، فإذا اتخذت إناءً من القمح الجيد ووزنته وإذا امتلأ يزن كيلوين وأربعين غرام صافي من غير الإناء فهذا هو الصاع، خذ هذا الإناء معك وكِلْ به كُلّ شيء، تمر أو أرز، أو غيره، إذا كان الشيء خفيفاً فسيكون أقل من هذا الوزن، إذا كان الوزن خفيفاً سيكون الصاع أقل من هذا الوزن لأن حجم الخفيف أكبر، وإن كان ثقيلاً فسيكون الوزن أكثر ولابد، أكثر من كيلوين وأربعين غراماً، الآن وزن هذا من الرصاص وعندك بالة من القطن بحجم هذه الطاولة، يمكن هذه تكون أرجح منه، فالحجم ليس ملازماً للوزن، الوزن شيء والكيل شيء، ونحن قدرنا هذا بالبر الرزين.

    وكيفية ذلك كما قال العلماء: أن تتخذ إناءً يسع هذا الوزن من البر ثم تكيل به ما سواه، ونحن قدرنا هذا بناءً على تتبع ما قاله العلماء في زنة الصاع النبوي، ونص العلماء على أن المكاييل نقلت إلى الوزن لأنها أضبط، إذ أن الموزون يختلف، فلذلك نقلت إلى الوزن، وهذا الصحيح. الوزن أضبط، لكن ما هو الذي يعتبر في الوزن، كل شيء أو البر الرزين؟

    الثاني: ولهذا إيراد السائل التمر والأقط هذا صحيح، لكنها ليست على ما فهمه هو، أن كل كيلوين وأربعين غراماً من أي طعام كان فهو صاع، لا. قد ينقص عن الصاع، فالمعتبر هو البر الرزين، يعني: الجيد الثقيل.

    حكم استعمال الصائم لحبوب توضع تحت اللسان

    السؤال: شخص مصاب بمرض القلب وقد وصف له الطبيب حبوباً يضعها تحت لسانه عند شعوره بالألم ولا يبلعها، ولا يجد طعمها في حلقه، فهل يفطر لو استعملها في نهار رمضان عند شعوره بالألم؟ الجواب: لابد أن نعرف، هل هذه الحبوب تذوب أم لا، إن كانت تذوب، فلابد أن تجري مع الريق وحينئذٍ يفطر، أما إذا كانت لا تذوب أو أنها إذا ذابت لا يبتلع ريقه فلا بأس، لأنها لو كانت تذوب ولا يبتلعه المريض فلا بأس، كما أنا الآن نتمضمض والماء له طعم، ومع هذا لا يفسد الصوم لأن الفم في حكم الباطن أو الظاهر؟ الظاهر، ولهذا وجب تطهيره في الوضوء، ووجب تطهيره في الغسل. فالمهم إن كانت هذه الحبوب تذوب ويبتلع ريقه الذي ذابت فيه؛ فإنه يفسد صومه، ويلزمه القضاء، وإن كانت لا تذوب أو تذوب ولكنه لا يبتلع الريق فإنها لا تضره كما لو ذاقت المرأة طعم الطعام، أو ذاق الإنسان طعم الماء عند المضمضة، أو ما أشبه ذلك.

    حكم المعتمر الذي ترك طواف الوداع

    السؤال: اعتمر رجل ولم يوادع، وكانت عمرته قبل أسبوعين وهو سيعود إلى مكة بعد أسبوعين، فهل يقضي طواف الوداع، أم يلزمه الفدية بكل حال؟ الجواب: أولاً المعتمر لا نقول أن طواف الوداع واجب عليه، ولا نقول أنه غير واجب، إن كان المعتمر طاف وسعى وقصر ومشى إلى بلده فلا حاجة لإعادة الطواف، ويكفيه طواف القدوم الذي هو طواف العمرة؟ وإن كان بقي في مكة ولو ساعة وجب عليه أن يطوف للوداع، فإذا خرج بدون طواف فإن احتار وذبح فدية في مكة توزع للفقراء مع غناه وقدرته فهذا هو الأفضل أو الواجب، وإن لم يفعل لفقره أو حاجته أو ما أشبه ذلك فلا شيء عليه، ولا ينفع إعادته فيما بعد لأنه يسقط بفوات سببه لأن سببه الوداع فإذا طال الفصل فإنه يسقط وعليه الفدية.

    فعل المعاصي في الليل وأثره على الصيام في النهار

    السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) هل فعل هذه الأمور في الليل كفعلها في النهار أفدني أفادك الله؟

    الجواب: المراد فعل هذه الأشياء في النهار، لأنه قال: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فهل ترك الطعام في الليل أم في النهار؟ في النهار، إذاً لو أن الإنسان فعل معصية في الليل ولكنه في النهار إذا صام حفظ نفسه فإن ذلك لا يؤثر على صومه، لأن المعاصي التي يفعلها في الليل لا تؤثر على صومه، لكن على كل حال كل إنسان يجب عليه أن يتجنب المعصية فإن سولت له نفسه فعلها فعليه أن يقلع ويتوب في الحال.

    الوسطية في الصلاة

    السؤال: إذا كان مع الإمام رجل كبير في السن ومريض بضيق النفس، فإذا سجد وأطال تأثر من ذلك بسبب ضيق النفس وطلب منه التخفيف واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم أَمَّ بالناس فليخفف)وإذا خفف طلب منه كبير السن -العاجز عن مسايرة المصلين- الإطالة خاصة في السجود وقال: إنه لا يضرك الإطالة والضعيف أمير الركب، فماذا يفعل هذا الإمام والحال هذه؟ الجواب: بقي قسم ثالث وهو الوسط الذي يقول: اجعل الصلاة وسطاً، فليجعل الصلاة وسطاً، والناس اليوم يفضلون التخفيف والإسراع، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر الناس بالتخفيف لتكون صلاتهم كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمهم بالصافات، و(ألم) السجدة، بل صلى يوماً من الأيام صلاة المغرب بالأعراف، فالتخفيف ليس راجعاً إلى هوى الناس، بل راجع إلى موافقة السنة، فما وافق السنة فهو التخفيف، ثم يقال لهذا الذي يتضايق إذا أطال الإمام السجود بعض الشيء يقال له: الصلاة غير واجبة، أنت الآن تصلي تطوعاً، والتطوع يمكنك تركه، فينبغي للإمام أن يكون وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء.

    ما يجب على الإمام إذا زاد في التراويح

    السؤال: إذا سها الإمام في صلاة التراويح فقام إلى ثالثة ثم سلم وقد صلى ثلاث ركعات، ثم نبهه من خلفه بعد ذلك فماذا يفعل والحال هذه؟ الجواب: إذا صلى في التراويح ثلاث ركعات ناسياً ونبه بعد السلام فإنه يسجد لسجود السهو سجدتين ويسلم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى الظهر خمساً، فلما سلم قيل له: (أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه واتجه إلى القبلة وسجد السجدتين وسلم).

    أحكام سجود السهو لمن فاتته أول الصلاة

    السؤال: أرجو تفصيل الحكم في سجود السهو للمسبوق، إذا كان السجود قبل السلام وبعد السلام فإنه من المعلوم أنه إذا سجد الإمام قبل السلام سوف يتابعه المأموم، فهل يعيد هذا السجود أم لا، قياساً على عدم الاعتداد بالتشهد الأول إذا لم يكن في محله، لأنه لا يعتد به أرجو توضيح هذه المسألة في الحالين وفقك الله ونفع بك؟ الجواب: إذا كان سجود السهو قبل السلام فكما قال السائل سيتبعه المأموم المسبوق، ثم إذا قضى ما فاته فإن كان قد أدرك السهو مع الإمام كما لو ترك التشهد الأول وهذا المسبوق قد دخل في الركعة الثانية فإنه يجب عليه أن يسجد قبل السلام لأن سجوده الأول كان متابعة لإمامه في غير محله؛ لأن سجود السهو يكون في آخر الصلاة. وأما إذا كان السهو الذي حصل من الإمام قبل دخول هذا المسبوق معه كما لو ترك التشهد الأول وهذا دخل معه في الركعة الثالثة فإنه إذا أتم ما عليه لا يعيد سجود السهو؛ لأن سجود السهو في حقه إنما كان متابعة للإمام وقد حصلت، أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المأموم لا يتابعه، بل يقوم لقضاء ما فاته، فإذا أتم صلاته فإن كان قد أدرك الإمام في السهو سجد للسهو بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فلا سجود عليه.

    عدم إجزاء سندات الجمعية عن كفارة العاجز عن الصوم

    السؤال: إذا كان هناك رجلٌ مريض ومرضه لا يرجى شفاؤه فمن المعلوم أن عليه كفارة عن كل يوم، فهل يكفي أن يدفع هذه الكفارة قيمة إفطار صائم حسب ما يوزع من هذه الكروت من قبل جمعيات البر الخيرية أو غيرها، فإذا دفع الإفطار لثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً حسب عدة الشهر لذلك المريض فهل يكفيه؟ الجواب: لا أرى أنه يكفيه، أولاً: لأن هذا الذي دفعه قد يؤكل وقد لا يؤكل، ربما يوضع الكرتون ليؤكل ولا يأكله أحد، والفدية لابد أن نعلم أنها وقعت في يد مستحقها، وأيضاً ربما يتكرر أكل الفقير الواحد لهذه الفدية، أليس كذلك؟ ربما يكون الذي تعطي يأكله اليوم فلان من الناس، واليوم الثاني يأكله نفس الرجل، واليوم الثالث كذلك، فهل تكون أطعمت مساكين أم مسكيناً واحداً؟ ولهذا لا نرى أنه يكفي.

    بعض أحكام صلاة الوتر

    السؤال: سمعت حديثاً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا صلاتكم في آخر الليل) فما المراد بهذه الصلاة هل هي صلاة الوتر وها نحن قد صلينا الوتر الآن، أرجو توضيح هذا الحديث نفع الله بك، وجزاك عنا خير الجزاء؟ الجواب: لا أعلم هذا الحديث بهذا اللفظ، لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وقال: (من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أول الليل، ومن طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة) وذلك أفضل ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر من أول الليل، ومن وسط الليل، ومن آخر الليل كما ذكرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فالوتر يكون من بعد صلاة العشاء وسنتها، حتى لو جمع الإنسان جمع تقديم وصلى العشاء مع المغرب، فإنه في هذه الحال يجوز أن يصلي النافلة -يعني الراتبة- بالمغرب والعشاء ويصلي الوتر، حتى وإن كان لم يعزز للعشاء في الأوقات الأخرى. فعلى كل حال المقصود أن تجعل آخر صلاتك بالليل وتراً. أنا أسأل: رجل أوتر ثم بعد الوتر رجع ودخل المسجد هل يصلي ركعتين، وهذا ما جعل آخر صلاته في الليل وتراً. هذه لها سبب، وهو دخول المسجد. رجل آخر أوتر قبل أن ينام ثم قدر له أن قام له في الليل هل يصلي أو لا يصلي؟ إذا صلى لم يجعل آخر صلاته في الليل وتراً. نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، انتبه للفرق، ما قال: لا تصلوا بعد الوتر، قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وهذا الرجل أوتر أول الليل بناءً على أن هذا آخر صلاته، فقد امتثل الأمر، ثم قدر له أن قام وصلى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما نهى عن الصلاة بعد الوتر، فيجب أن نعرف الفرق بين العبارتين، لو قال: لا تصلوا بعد الوتر، قلنا إذا قمت من آخر الليل لا تصلِّ، لكن قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وقد فعل، أوتر قبل أن ينام بناءً على أنه لن يتسنى له أن يقوم ثم قام.

    حكم المدين الذي لم يعد يعلم بمكان الدائن

    السؤال: عندي مبلغ من المال لأناس قبل عشرين سنة لا أعرف أين هم الآن ولا محلهم، فماذا أفعل بهذا المال، هل أنفقه في سبيل الله، أم ماذا أصنع به؟ الجواب: أنفقه في سبيل الله، إما صدقة، وإما بناء مسجد، وإما شراء كتب، أو غيرها من أعمال الخير، بنية أنها لأصحابها، والله عز وجل يعلم أصحابه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن إن قدر أن أصحابه يأتون فيما بعد فأخبرهم قل: إني تصدقت بها، وأنتم بالخيار إن شئتم فهي لكم أجرها، وإن شئتم أضمنها لكم، ثم هم بالخيار.

    حكم ختم القرآن كله في رمضان

    السؤال: حرص بعض الأئمة على ختم القرآن في التراويح هل هو بدعة أم سنة؟ الجواب: لا أعلمه سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن أهل العلم يقولون: ينبغي للإمام أن يقرأ جميع القرآن في صلاة التراويح من أجل أن يسمع المأمومين كل القرآن، ويستحب أن يختم ختمة في كل رمضان.

    ما يقوله المأموم في الوتر عند الثناء على الله عز وجل

    السؤال: عند ثناء الإمام في دعائه في القنوت وفي التلاوة في صلاة التراويح على الله سبحانه وتعالى كقوله: إنك تقضي ولا يقضى عليك، فإن من خلفه يقولون: سبحانك! أو يا الله! هل هذا وارد عن السلف وله أصل؟ فإذا لم يكن كذلك فماذا يقال والحال هذه؟ الجواب: نعم هذا له أصل، ففي حديث حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فكان لا يمر بآية تسبيح إلا سبح، ولا بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية وعيد إلا تعوذ، لكن في القنوت لم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقنت في صلاة الوتر فلم يصح عنه ذلك، إلا أنه علم الحسن بن علي أن يقول في قنوت الوتر: (اللهم اهدني فيمن هاديت) فإذا ورد ثناء على الله عز وجل في قنوت الوتر وقال المأموم سبحانك فلا بأس، وكذلك لو ورد دعاء فأمن فلا بأس، لأن الإمام يدعو لنفسه ولهم.

    حكم تلفظ الإمام بكلمة من غير القرآن

    السؤال: هل تبطل صلاة الإمام إذا سهى حين رد عليه من خلفه في قراءته فقال الإمام كلمة كاملة من غير القرآن مثل أن يقول: طيب أو نعم، فهل تبطل صلاته بهذا؟ الجواب: الإمام لن يقول ذلك إلا سبق لسان، وإذا كان سبق لسان فإنه لا يضر لأنه بغير قصد، وأما إذا قاله متعمداً فإنها تبطل الصلاة؛ لأن نعم جواب كلام آدميين، أما بدون قصد وإنما هو سبق لسان فإنه لا يضر، وكذلك لو قال آية من القرآن تدل على ذلك مثل لو قال: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً [ص:33] فلا بأس. ولكن -بالمناسبة- يردّ علي ناس كثيرون وتختلط علي الأصوات فلا أعرف، ولهذا يحسن أن يكون الراد واحد واختاروا من تشاءون منكم. إذا كان أكثر من واحد يختلط عليه ثم بعض الناس يرد خطأ، مشكلة من تصدق، هذا أو ذاك؟! لذلك أنا أرى أن يقتصر الرد على واحد فاختاروا من يكون أندى صوتاً وأضبط قراءة.

    حكم قول القائل: العصمة لله وحده

    السؤال: ما حكم قول القائل: العصمة لله وحده، لأني وجدت من يشنع على من يقول ذلك، ويصفه بالجهل، ويقول: مما يعصم الله، وما الذي كان يمكن أن يقع حتى عصم منه، وهذا القول -أي العصمة لله- في حصر العصمة بالله وحده ونفيها جزماً عن الأنبياء، أرجو توضيح هذا الأمر نفع الله بعلمك وغفر لك. الجواب: إن الله عاصم وليس بمعصوم، لأنه حاكم وليس بمحكوم، لا معقب لحكمه، ولهذا قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] وقال نوح لابنه: لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ [هود:43]. فإذا أراد القائل العصمة لله، أي أنه هو العاصم فهذا صحيح، وإن أراد العصمة لله أي: أنه معصوم، فالمعصوم اسم مفعول، واسم المفعول لابد له من فاعل، فيكون هناك عاصم يعصم الله فالله معصوم، وهذا خطأ، لأنه ليس فوق الله عاصم بل هو العاصم لمن شاء. أما الرسل عليهم الصلاة والسلام فهم معصومون من الخطأ في الحكم الذي يبلغونه عن الله، لقول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. وغير معصومين عن بعض الذنوب إلا أنهم يتوبون منها، فتقع مغفورة لهم ولا يلحقهم مثلبة بها، هذا أصح ما قيل في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام. يعني مثلاً نحن يجوز أن نصر على معصية، أما الرسل فلا، لا يمكن أن يصروا على المعصية، لأنه لابد أن يقع من الله تنبيه لهم، فيغفر الله لهم. الحاصل: أن العصمة لله لا تقال، لأنها توهم أن المعنى لا معصوم إلا الله فيكون له عاصم؛ لأن المعصوم إنسان مفعول لابد له من فاعل، فلا تصح لله عز وجل، أما إذا قلت لا عصمة لله يعني أنه هو وحده العاصم فهذا صحيح، لكن في ظني أن قائلها لا يريد هذا المعنى، إنما يريد المعنى الأول، وهذا خطأ. الإصرار على المعصية لا يجوز، ومعنى يجوز أن نصر على المعصية ليس جواز الشرع، المراد الجواز العقلي، وإلا كيف نصر على معصية، المعصية حرام، لكن يجوز بمعنى جوازاً عقلياً أن نصر على معصية، وإلا فيجب علينا أن نتوب منها وقد نبهنا على ذلك في حينه.

    لا يكفي لصلاة التراويح دعاء استفتاح واحد

    السؤال: هل يكفي لصلاة التراويح دعاء استفتاح واحد؟ الجواب: لا يكفي استفتاح واحد؛ وذلك لأن كل ركعتين منفصلتان عن الركعتين قبلهما، ولهذا لو بطلت الركعتان الأخريان هل تبطل الركعتان الأوليان؟ لا، فهما منفصلتان، كل واحدة لها استفتاح، كل واحدة لها سلام، كل واحدة لها واجبات مستقلة فلا يكفي استفتاح واحد، لكن الذي يغلب على الأئمة عفا الله عني وعنهم محبة الإسراع، ومن أجل ذلك كانوا يسقطون دعاء الاستفتاح، كذلك أيضاً يسقطون أمراً هاماً في التشهد يسقطون الاستعاذة من عذاب جهنم، يعني لا يمكن للإنسان الذي يصلي خلف كثير من الأئمة أن يقرأ أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحياء والممات ومن فتنة المسيح الدجال. مع أن الاستعاذة من هذه الأربع مأمور بها. حتى إن طاوساً -وهو من كبار التابعين- لما أخبر ابنه أنه لم يتعوذ أمره أن يعيد الصلاة، ولا شك أنها متأكدة الاستعاذة من هذه الأربع، حتى إن بعض أهل العلم قال إنها من واجبات الصلاة، بل إن بعض الأئمة إذا وصلت إلى: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سلم، يكون هو قد قال: اللهم صل على محمد، ولا يكمل الصلاة على الرسول وإنما يسلم مباشرة. والمسألة ليست مسابقة، المسألة صلاة.. قيام، الناس بين يدي الله عز وجل وهم يدعون الله عز وجل، على الأقل يكملون المشروع من التشهد لكن نسأل الله الهداية.

    وسائل الخشوع في الصلاة

    السؤال: نرجو من فضيلة الشيخ أن يذكر لنا وسائل الخشوع في الصلاة فنحن والله بأمس الحاجة إليها، ونشكو من عدم الخشوع فيها؟ الجواب: المعاصي لها تأثير على القلوب، كلما تراكمت المعاصي على القلب قَلَّ خشوعه، وقلت إنابته إلى الله عز وجل، فالمعاصي لها أثر، فمن أسباب الخشوع في الصلاة: أولاً: كثرة الاستغفار؛ لأن كثرة الاستغفار سبب للمغفرة. ثانياً: يكثر بين الناس إذا دخلوا الصلاة أن تطيش قلوبهم يميناً وشمالاً، وتتفرق، ومعلوم أن من لم يستحضر للقراءة ويتدبر معناها أنه لا يخشع، لأنه يقرأ وقلبه أين؟ في السوق، مع أصحابه، في الجو، في أي مكان، حتى إنه يفكر في أشياء ليس له فيها مصلحة إطلاقاً، هذا أيضاً من أسباب عدم الخشوع في الصلاة. ثالثاً: من أسباب عدم الخشوع: أن الإنسان المصلي لا يشعر أنه الآن بين يدي الله عز وجل، يعظمه ويمجده ويسبحه ويسأله، فلهذا لا يحصل الخشوع، بل يقل جداً، ولو كنا نشعر بأننا إذا قرأنا آية من الفاتحة أن الله عز وجل يناجينا بها، إذا قال المصلي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. من يشعر بهذا؟ أحياناً نشعر به لا بأس، لكن أكثر الأحيان في غفلة، لذلك لا يحصل الخشوع. كذلك من أسباب عدم الخشوع: أننا نصلي الفريضة وكأننا نؤدي ديناً واجباً، لا نشعر بأننا قمنا بعبادة فرضها الله عز وجل علينا وأننا نتبع فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنستحضر الإخلاص ونستحضر المتابعة، هذا مفقود في أكثر الناس ولهذا لا يحصل الخشوع. فنسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا وقلوبكم لذكره وأن يرزقنا خشيته في السر والعلانية، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794446