إسلام ويب

جلسات الحج [4]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ابتدأ الشيخ هذه الجلسة بالتذكير بوجوب الإخلاص لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل عمل، ثم أردف ذلك ببيان كيفية صفة الحج والعمرة، مقتصراً في هذه الصفة على صفة حج المتمتع، مبيناً كثيراً من المسائل من وقت الخروج للحج والعمرة وإلى الوصول إلى الميقات، ومن وقت دخول الحرم وحتى التحلل من العمرة، ثم ذكر أخطاء الطواف، ثم شرع بتبيين أعمال اليوم الثامن من ذي الحجة من الإحرام وغيره وحتى الدفع من مزدلفة، ثم ختم هذه الجلسة ببيان أعمال يوم العيد.

    1.   

    وجوب الإخلاص لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في العمل

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعـد:

    أيها الإخوة: فإننا في هذه الليلة نحب أن نتكلم على صفة الحج والعمرة، وذلك لأننا مأمورون بأمرين هما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع عباداتنا؛ في الطهارة، في الصلاة، في الزكاة، في الصيام، في الحج، في كل عمل نتقرب به إلى الله لا بد من هذين الأمرين، أحدهما: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فمن لم يخلص لله في عبادته فإن عبادته مردودة عليه كما يدل على ذلك كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110]، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].

    وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فالله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك لا يريد عملاً يكون له فيه شريك، من عمل عملاً أشرك فيه مع الله، فإن الله تعالى يتركه وشركه، أي: وما أشرك به فلا يقبل منه.

    وأما اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فلابد في كل عبادة منه، لقول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقال عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.

    وإذا كان لابد في العبادة من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يلزم على كل إنسان يريد أن يتعبد: أن يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي هذه العبادة حتى تتحقق له المتابعة، لأنك لا يمكن أن تتابع الرسول عليه الصلاة والسلام وأنت لا تدري كيف يفعل، لهذا يجب عليك أن تعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، كيف كان يصلي، كيف كان يتصدق، كيف كان يصوم، كيف كان يحج؛ حتى تعبد الله عز وجل متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن تعبد كما يعبد الناس فهذا لا شك أنه إذا كان الناس على صواب فإنك على صواب لكنك لست مطمئناً كما ينبغي وأنت لا تدري على أي أساس بنى الناس عبادتهم، ولهذا قال أهل العلم: إن العلم فرض عين في كل عبادة يريد الإنسان أن يقوم بها.

    أي أنه يجب عليك أن تعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد في العبادة التي تريد أن تقوم بها، فمثلاً:

    رجل عنده مال يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة، ورجل لا مال عنده لا يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة، رجل مستطيع الحج ويريد أن يحج يجب عليه أن يتعلم أحكام الحج، وآخر لا يستطيع الحج ليس عنده مال فلا يريد الحج فلا يجب عليه أن يتعلم أحكام الحج.

    ولهذا ينبغي لكل من أراد الحج أن يتعلم كيف يحج؛ إما عن طريق المشافهة عن أهل العلم، وإما عن طريق القراءة من الكتب الموثوق بمؤلفيها وليس كل كتاب مؤلف في المناسك أو غيرها يكون موثوقاً؛ لأن صاحبه قد يكون قليل علم وقد يكون من الناس الذين لا يبالون فيما يتكلمون به.

    على كل حال طرق تعلم أحكام الحج ثلاثة: المشافهة، وقراءة الكتب، والاستماع إلى الأشرطة المسجلة من أناس موثوق بهم، حتى يعبد الإنسان ربه على بصيرة.

    1.   

    أنواع النسك في الحج

    في هذه الليلة سنتكلم مستعينين بالله عز وجل مهتدين بما أنعم الله به علينا من العلم فيما يتعلق بصفة الحج والعمرة فنقول: الحج والعمرة لهما ثلاث صفات:

    الصفة الأولى: أن يفرد الحج في سفر والعمرة في سفر.

    الصفة الثانية: أن يفرد الحج في عمل والعمرة في عمل والسفر واحد.

    الصفة الثالثة: أن يقرن الحج والعمرة جميعاً بعمل واحد. فهذه ثلاث صفات.

    أما الصفة الأولى: أن يفرد العمرة في سفر والحج في سفر، ويسمى هذا الإفراد، لأنه أتى بالعمرة في سفر مستقل وأتى بالحج في سفر مستقل، مثال ذلك:

    رجل ذهب اعتمر في شوال وهو يريد الحج ثم رجع إلى بلده ثم أحرم بالحج ولم يحرم بالعمرة نقول: هذا مفرد، وسواء كان نوى الحج في عمرته الأولى أم لم ينوِ، المهم أنه أفرد العمرة بسفر والحج بسفر، ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن المتمتع إذا قطع تمتعه بالرجوع إلى بلده؛ فإنه إذا رجع يحرم بالحج مفرداً، ولا يكون متمتعاً، وإن شاء تمتع بعمرة جديدة فلا حرج.

    هذه الأنساك الثلاثة ما هو الأفضل منها؟

    نقول: الأفضل هو التمتع، إلا لمن ساق الهدي فالأفضل في حقه القران، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوها عمرة ليكونوا متمتعين، أما هو فقال: (إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر) أي: حتى يأتي يوم النحر، لأنه كان قد ساق الهدي، ومن ساق الهدي فالقران في حقه أفضل، وقد ظن بعض الناس أن القران لا يصح إلا لمن ساق الهدي، وهذا خطأ، فالقران يصح وإن لم يسق الإنسان الهدي، لكن إن ساق الهدي فلا يصح منه إلا القران، وإن شاء أفرد، المهم ألا يحل حتى يوم العيد.

    1.   

    صفة الحج والعمرة للمتمتع

    سيكون كلامنا على المتمتع ما دام هو الأفضل.

    ما يشرع للمتمتع من حين خروجه من بلده حتى وصوله إلى الميقات

    فنقول: أولاً: ينبغي للإنسان إذا عزم على السفر إلى الحج أن يكون مخلصاً لله سبحانه وتعالى في هذا السفر، وأن يشعر بأنه سفر طاعة، لأنه من حين أن يغادر بلده وهو قاصد لعبادة فيكون في عبادة من حين أن يخرج، وينبغي أن يأتي بالسنن القولية والفعلية في السفر؛ فيدعو عند ركوبه بدعاء السفر المشهور، ويستمر في السير وكلما علا كبر وكلما انخفض سبح؛ لأن هذا دأب الصحابة رضي الله عنهم، وليحرص على فعل الصلاة في أوقاتها مع الجماعة إن كان ممن تطلب منه جماعة، وليحرص كذلك على أن يتطهر بالماء ولا يتهاون كما يفعله بعض الناس، يكون الماء عنده ميسراً ولكن يتيمم بحجة أنه في سفر، والله عز وجل يقول: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43] فلابد من عدم الماء، ليس مجرد السفر مبيحاً للتيمم بل لا بد من عدم الماء.

    وليحرص على أن يأتي بكل خلق طيب في معاملة إخوانه من السماحة وطلاقة الوجه، والبش والتبسم، والإنفاق وغير ذلك من طرق الإحسان، ويجوز للمسافر بل يشرع له أن يأتي بجميع سنن الصلاة، كل الصلوات النوافل مشروعة في حق المسافر إلا ثلاثاً، وهي: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، فهذه الثلاث الرواتب السنة تركها وما عدا ذلك من النوافل فهو مشروع كما هو مشروع في الحضر.

    وقد ظن بعض الناس أنه لا يتنفل في السفر إلا بالوتر وراتبة الفجر ولكن هذا لا دليل عليه، بل الدليل يدل على أن جميع النوافل مشروعة ما عدا الرواتب الثلاث التي ذكرت.

    ما يشرع للمتمتع عند وصوله إلى الميقات

    فإذا وصل إلى الميقات فإنه يسن له عند الإحرام أن يتجرد من ثيابه ويغتسل ويتطيب في رأسه وبدنه، ولا يطيب ثياب الإحرام، ثم يلبس ثياب الإحرام، إن كان رجلاً إزاراً ورداءً وإن كانت امرأة فإنها تلبس ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بجميل الثياب، أي: لا تلبس ثياباً جميلة، تلبس ما شاءت، ثم بعد هذا بعد الاغتسال والتطيب ولباس الإحرام إن كان الوقت وقت صلاة مفروضة صلى الفريضة إذا جاء وقتها ثم أحرم عقبها، وإن شاء أحرم إذا ركب، وإن لم يكن وقت صلاة الفريضة وصار يريد أن يغادر الميقات قبل أن يأتي وقت الصلاة فلا بأس أن يصلي الصلاة المشروعة إن كان في الضحى فصلاة الضحى، وإن كان في الليل فصلاة الليل، وإن كان في وقت آخر كصلاة الوضوء لأن الوضوء له سنة، ثم يحرم بعد هذا، فيقول: (لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) يصوت بها الرجل بصوت مرتفع، وأما المرأة فلا تجهر بها إلا بقدر أن يسمع من بجنبها، ويستمر في هذه التلبية إلى أن يشرع في الطواف.

    ما يشرع للمتمتع في طواف القدوم

    وإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: (باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك).. (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) ثم يتقدم إلى المطاف فيبدأ الطواف من الحجر إن تيسر له أن يصل إلى الحجر بدون أذية ولا تأذي فليفعل، وإن لم يتيسر كأوقات المواسم فإنه يكتفي أن يستقبل الحجر ويشير بيده، ويقول: (باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم).

    وقد كان الناس يعانون فيما سبق من موافقة محاذاة الحجر الأسود، لأنه لا بد أن تحاذي الحجر الأسود، فكان بعض الناس يعاني من ذلك، لأنه لا يضبط إنه حاذاه ضبطاً كاملاً، ومن توفيق الله عز وجل أن الحكومة وفقها الله وزادها توفيقاً وضعت هذا الخط البني الذي ينطلق من قلب الحجر على خط مستقيم إلى نهاية المطاف وعلى هذا فليكن ابتداء الطواف من هذا الخط، ثم تجعل الكعبة عن يسارك وتطوف سبعة أشواط، وهذا أي طواف؟ هذا طواف العمرة، وهو طواف عمرة وطواف قدوم في نفس الوقت، لأن طواف القدوم هو الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة ، في هذا الطواف يسن للرجل سنتان السنة الأولى: الاضطباع، والسنة الثانية: الرمل.

    أما الاضطباع فهو: أن يبدي الإنسان كتفه الأيمن ويجعل الرداء من تحته ويجعل طرفي الرداء على الكتف فلا يستر، هذا هو الاضطباع، وهو مشروع في الطواف فقط، يفعله إذا ابتدأ الطواف ويعيد رداءه على كتفه إذا انتهى الطواف.

    أما السنة الثانية وهي الرمل فلا يكون في جميع الطواف بل في الأشواط الثلاثة الأولى، والرمل قال العلماء: هو سرعة المشي مع مقاربة الخطى، أي: تسرع في مشيك لكن بدون أن تمد خطوتك، بل تجعل الخطى قريبة بعضها من بعض، لكنه في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وذلك من أجل راحة الطائف، لأنه لو قيل له، استمر في الرمل جميع الأشواط السبعة لشق عليه هذا، والرمل سنة لكن إذا كان المطاف زحاماً لا يمكنك أن ترمل إلا بمشقة أو تأذي فإنه لا يلزمك أن ترمل، بل تمشي على حسب الحاجة، وكلما وجدت فجوة ومتسعاً فارمل ما دامت الأشواط الثلاثة الأولى.

    فماذا يقول الإنسان؟ في طوافه يقول في طوافه ما شاء من ذكر ودعاء وقراءة قرآن، إلا أنه كلما حاذى الحجر الأسود قال: (الله أكبر) ويقول بينه وبين الركن اليماني: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

    الإشارة إلى الحجر الأسود تكون عند نهاية الشوط أو عند ابتداء الشوط؟

    تكون عند ابتداء الشوط، وعلى هذا فإنه في آخر شوط لا يشار إلى الحجر الأسود عند انتهائه؛ لأن الإشارة إنما تشرع عند ابتداء الشوط، فإذا انتهى الشوط آخر السبعة فاستمر متقدماً إلى مقام إبراهيم ولا تشر؛ ولأنك إذا وصلت إلى الحجر عند آخر نقطة انتهى الطواف، فإذا حاذيت الحجر فقد حاذيته وأنت في غير طواف وحينئذ لا حاجة إلى الإشارة.

    إذاً: لا يشير لسببين: السبب الأول: أن الإشارة في بداية الشوط لا في انتهائه، والسبب الثاني: أن الطائف ينتهي طوافه عند آخر نقطة قبل أن يصل إلى الحجر، فإذا وصل الحجر فهو في غير طواف فلا يشرع له أن يشير.

    الصلاة خلف مقام إبراهيم

    ثم تتقدم إلى مقام إبراهيم وتقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً [البقرة:125] وتصلي ركعتين خفيفتين تقرأ في الأولى: (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية: (قل هو الله أحد) والمهم أن تجعل المقام بينك وبين البيت، بينك وبين الكعبة، سواء قربت منه أو بعدت عنه، لكن إن حصل الدنو منه فهو أفضل، وإن لم يحصل فإنك تدرك السنة ولو كنت بعيداً ما دام المقام بينك وبين الكعبة.

    هل هناك دعاء عند المقام؟

    لا. ليس عند المقام دعاء، لا قبل الركعتين ولا بعد الركعتين، وإنما تصلي الركعتين خفيفتين لتدع المجال لغيرك.

    ثم إذا فرغت من الركعتين تتقدم إن تيسر لك إلى الحجر الأسود فتمسحه بيدك، وإن لم يتيسر فلا تشر إليه لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه.

    ما يشرع للمتمتع عند السعي بين الصفا والمروة إلى أن يتحلل تحلالاً كاملاً

    ثم تخرج إلى المسعى، فإذا دنوت من الصفا فاقرأ قول الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] ابدأ بما بدأ الله به، فترقى على الصفا وتتجه إلى الكعبة وترفع يديك رفع دعاء، ترفع يديك هكذا وتكبر الله عز وجل وتحمد الله، وتقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله والحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم تدعو بما شئت، ثم تعيد هذا الذكر: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم تدعو مرة ثانية، ثم تعيد الذكر وتنزل من الصفا متجهاً إلى المروة فإذا حاذيت العمود الأخضر فاسعَ سعياً شديداً، أي: اركض ركضاً شديداً بقدر ما تستطيع، إلا أن يكون هناك زحام تتأذى لو ركضت أو تؤذي غيرك فلا تفعل، فإذا وصلت إلى العمود الأخضر الثاني مشيت على عادتك إلى أن تصل إلى المروة ، فإذا وصلت إلى المروة فاصعد عليها واستقبل القبلة وارفع يديك وقل مثل ما قلته على الصفا ، ثم تنـزل من المروة متجهاً إلى الصفا ، تمشي في موضع مشيك وتركض في موضع ركضك .. وهكذا، تفعل هذا سبع مرات، تبدأ بـالصفا وتختم بـالمروة ، ذهابك من الصفا إلى المروة شوط ورجعوك من المروة إلى الصفا شوط آخر، إذاً: يكون الابتداء بـالصفا والختام بـالمروة ، فإن ختمت بـالصفا وظننت أنك أتممت سبعة أشواط فاعلم أنك مخطئ إما زائد وإما ناقص، إما أنك زائد وسعيت ثمانية أشواط أو ناقص ولم تسع إلا ستة أشواط.

    إذا كنت لا أدري الآن أنا الآن ختمت بـالصفا ولا أدري هل أنا زدت شوطاً أو نقصت شوطاً، فما الحكم؟ آتي بشوط آخر، آتي بشوط آخر لأجل أن أختم بماذا؟ بـالمروة ، أختم بـالمروة ، فإذا قدرت في نفسك حين وصلت الصفا أن السعي انتهى فاعلم أن هذا خطأ، لأنه لا بد إمَّا أن تكون زدت شوطاً أو نقصت شوطاً، فإذا قلت: لا أدري، إذاً: نقول: ائت بالشوط الأخير للتحقق أنك أتممت سبعة أشواط، وبعد انتهاء السبعة الأشواط تقصر من شعر رأسك، بمعنى أنك تقص جميع الشعر لا تقص جانباً واحداً فقط، بل جميع الشعر، والمرأة تأخذ من جديلتها أنملة، أي: قدر فسطة الإصبع، وبهذا تحل حلاً كاملاً يجوز لك جميع محظورات الإحرام من الطيب واللباس والنساء وغير ذلك.

    أخطاء يقع فيها الحاج والمعتمر عند الطواف

    وهنا نقف يسيراً لنتكلم على أشياء في الطواف يخطئ فيها بعض الناس:

    أولاً: بعض الناس يحمل معه كتيباً فيه دعاء لكل شوط في الطواف وفي السعي، فهل لهذا أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة؟ لا. ولهذا يعتبر هذا الكتيب بدعة من البدع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لأمته دعاءً لكل شوط، لا في الطواف ولا في السعي، فالواجب على الإنسان أن يتجنب هذه الكتيبات وأن ينصح إخوانه أيضاً بعدم اقتنائها، وهذه الكتيبات فيها مفاسد:

    المفسدة الأولى: أنها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة).

    المفسدة الثانية: أن كثيراً من العامة يظنون أن هذا شيء واجب وليس هذا بواجب.

    المفسدة الثالثة: أن كثيراً ممن يقرأ هذه الكتيبات لا يفهم معناها، لا يفهم معنى الدعاء الذي يدعو به، ولهذا نسمع أخطاءً كثيرة، أخطاءً يختلف بها المعنى؛ لأن الذي يقرأ لا يعرف ما يقول، وكيف تدعو الله بشيء لا تعرفه!! قد تدعو الله بشيء هو ضرر عليك وأنت لا تعرف.

    الرابع من مفاسد هذه الكتيبات: أنها تحول بين الإنسان وبين دعائه الذي في نفسه، كل إنسان في نفسه دعاء يحب أن يدعو الله به، هذا يحب أن الله يرزقه علماً، وهذا يحب أن الله يرزقه مالاً، وهذا يحب أن الله يرزقه ولداً، وهذا يحب أن الله يرزقه زوجة صالحة .. وهكذا.

    هذه الكتيبات تحول بين الإنسان وبين طلبه الدعاء الذي يريد، ولهذا سُمع بعض الطائفين يقول: اللهم ارزقني فقهاً كفقه شيخ الإسلام ، ونحواً كنحو ابن هشام ، كل إنسان له رغبة خاصة، وهذا يعني كون هذه الكتيبات بدعة لا فرق فيه بين الطواف والسعي، ففي السعي يحمل بعض الناس كتيباً فيه دعاء لكل شوط، وهذا لا أصل له.

    ثانياً: بعض الناس يظنون أن الاضطباع أي: إخراج الكتف الأيمن يكون في الطواف والسعي وفي كل الإحرام، ولهذا تجده من حين أن يحرم وهو مضطبع، لو شاهدت الحجيج الآن لوجدت الحجيج كلهم أو أكثرهم يضطبعون من حين الإحرام، وهذا خطأ، إذ السنة أن يكون الاضطباع في طواف القدوم، أي في الطواف أول ما تقدم، لا في السعي ولا في غيره.

    ثالثاً: بعض الناس مع الزحام الشديد يختصر الشوط، فيدخل من بين الكعبة القائمة والحِجْر، وهذا خطر عظيم جداً، لماذا؟ لأنه يجب أن يكون الطواف من وراء الحجر، فإذا طاف إنسان من دون الحجر بينه وبين الكعبة القائمة فإن شوطه لا يصح، وحينئذ يرجع فإنه لم يطف، وقد وقع هذا فعلاً؛ فإن من الناس من طاف طواف الإفاضة ولكنه دخل من الباب الذي بين الحجر وبين الكعبة حتى تحلل ورجع إلى بلده، وسأل فقيل له: إن طوافك طواف الإفاضة لم يصح، وعليك أن ترجع الآن لتطوف طواف الإفاضة على وجه صحيح، لماذا لم يصح؟ لأنه لم يطف من وراء الحجر والطواف من وراء الحجر شرط لصحة الطواف.

    خامساً: بعض الناس يطوف من سطح المسجد، فهل هذا جائز؟

    الجواب: إن كان هناك مشقة في الطواف أسفل فلا حرج أن يطوف الإنسان في السطح، ولكن ينبغي أن يحترز من أن يطوف فوق المسعى، لأن المسعى ليس من المسجد، والعلماء يقولون: لا بد أن يكون الطواف داخل المسجد، وإذا طاف خارج المسجد فإنه طوافه لا يصح، والمسعى إلى الآن ونحن نعتبره خارج المسجد، ولهذا لو أن المرأة حاضت بعد الطواف وقبل السعي، قلنا: اسعي ولا حرج عليك.

    ما يشرع للمتمتع بعد الإحرام للحج يوم الثامن

    في اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم الناس بالحج، ويسن عند الإحرام بالحج ما يسن عند الإحرام بالعمرة، فيغتسل ويطيب رأسه ولحيته ويلبس ثياب الإحرام، ويبقى في منى يصلي بها ظهر اليوم الثاني والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

    النزول بنمرة والوقوف بعرفة يوم التاسع

    فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة وهو يلبي، يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك اللهم حجاً) فينـزل بـنمرة إن تيسر، وهي مكان قرب عرفة ينـزل بها إلى أن تزول الشمس، فإن لم يتيسر كما هو الغالب في هذه الأعصار فإنه لا حرج عليه أن ينـزل في عرفة ويبقى هناك ويصلي بها الظهر والعصر جمع تقديم، ثم يتفرغ بعد ذلك للدعاء والتضرع إلى الله عز وجل والذكر، ويحرص على أن يكثر من ذكر الله ودعائه ويصبر ويصابر ويرابط لأن هذا اليوم يوم عظيم، يوم ذكر ودعاء، وخير الدعاء دعاء يوم عرفة ، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) فيكثر من الدعاء من حين أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم، لكن النفوس ضعيفة والإنسان ضعيف ربما يتعب ويمل يبقى نصف النهار كله وهو يدعو ويذكر قد يمل ويتعب فلا بأس أن يتجاذب الأحاديث النافعة مع رفقائه ولا سيما ما يرقق القلوب ويوجب حضورها واستحضارها لمثل هذا الموقف العظيم، فيكون تارة يتكلم بهذا وتارة يدعو وتارة يقرأ القرآن، وليحرص على أن يكون آخر النهار مشتغلاً بالدعاء، ويلح على الله، يلح: يا رب! يا رب! يا رب! ويلح لأن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء؛ لأنه كلما كثر إلحاح العبد ظهر افتقاره إلى ربه عز وجل، والإنسان مفتقر إلى الله في جميع أحواله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

    فإذا أظهر الإنسان افتقاره إلى ربه ولجأ إليه وألح عليه في الدعاء فليبشر بالإجابة، فإن الله تعالى يقول: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] واختلف العلماء رحمهم الله: هل الأفضل أن يقف راكباً أو غير راكب؟ فقال بعض العلماء: الأفضل أن يقف راكباً، يعني يركب على السيارة ويتجه إلى القبلة ويدعو، قالوا: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف راكباً، فهو واقف راكباً عليه الصلاة والسلام رافع يديه، حتى إنه لما سقط زمام ناقته أمسكه بإحدى يديه وهو رافعاً اليد الأخرى، وما زال هكذا حتى غربت الشمس.

    المبيت بمزدلفة ليلة العاشر

    فإذ غربت الشمس وتيقن الغروب دفع من عرفة إلى مزدلفة يلبي الله عز وجل: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ويرفع صوته بذلك، ويقول أيضاً: (لبيك اللهم حجاً) حتى يصل إلى مزدلفة ، فإذا وصل صلى بها المغرب والعشاء جمعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فيها جمع تأخير، وذلك أنه لم يصل إليها إلا بعد دخول وقت العشاء، فإن قدر أنك وصلت إليها وقت المغرب فالأفضل أن تصلي المغرب ثم تنتظر حتى يأتي وقت العشاء فتصلي العشاء، إلا أن يكون في ذلك شيء من المشقة عليك فلا حرج أن تجمع جمع تقديم، وتبقى في تلك الليلة في مزدلفة ، ولا ينبغي أن تحيي تلك الليلة بذكر أو دعاء، أو قرآن أو تهجد، لا. الأفضل أن تنام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى المغرب والعشاء اضطجع ونام حتى طلع الفجر، ولم يقم تلك الليلة ولم يشتغل بالتسبيح ولا بالقرآن ولا بشيء أبداً، نام لأجل أن ينقض التعب الذي حصل في عرفة ويستجد النشاط للعمل الذي يكون في يوم النحر، هذا هو السنة.

    وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوتر تلك الليلة؛ لأنه لم يذكروا أنه أوتر، ولكن هناك أحاديث عامة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وعلى هذا: فتصلي العشاء ركعتين ثم توتر بما شاء الله، ثم تنام إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فصل الفجر مبكراً إلى حين أن يتبين الصبح، وهنا ينبغي أن تؤذن لصلاة الفجر ثم تصلي راتبة الفجر ثم تصلي صلاة الفريضة، وبعد هذا تقف داعياً الله عز وجل إلى أن تسفر جداً ويتبين السفر، ثم تنطلق متوجهاً إلى منى ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؛ وقف عن المشعر الحرام، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) .

    مسائل متعلقة بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة

    ونحن نقف الآن لنذكر بعض المسائل المتعلقة بالوقوف والمبيت في مزدلفة :

    في الوقوف لو أن الإنسان وقف خارج حدود عرفة وانصرف وهو لم يقف بـعرفة ، فماذا يكون حجه؟

    الجواب: لا حج له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة ) ومن هنا نعلم أنه يتأكد علينا أن نتأكد من حدود عرفة ؛ لأن بعض الناس ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة ويبقون هناك وينصرفون إذا غابت الشمس من مكانهم، وهؤلاء رجعوا بلا حج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة ) فيجب علينا أن نتأكد من الحدود، والحدود ولله الحمد مبينة؛ فيها علامات ظاهرة واضحة، وهناك أناس مرشدون يرشدون الناس ويبينون لهم أنهم خارج الحدود.

    ثانياً: هل من السنة أن تشق على نفسك لتصل إلى الموضع الذي وقف فيه عليه الصلاة والسلام؟

    لا. ليس هذا من السنة، بل السنة أن تقف في مكانك إذا كان يشق عليك الذهاب، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وفي هذا -والله أعلم- إشارة إلى أننا لا نكلف أنفسنا بالذهاب إلى موقف الرسول عليه الصلاة والسلام فالأمر واسع والحمد لله، والإنسان إذا ذهب يخشى عليه من الشمس والحر والعطش والاختلاط بالنساء عند الجبل وربما يضيع ويتيه، فيتعب هو ويُتعِب رفقاءه أيضاً.

    ثالثاً: هل المشروع استقبال الجبل أو استقبال القبلة ولو كان الجبل خلف ظهرك؟

    الجواب: الثاني، المشروع استقبال القبلة ولو كان الجبل خلف ظهرك، فالجبل ما هو إلا علامة للمكان الذي وقف فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس له أي مزية على بقية أرض عرفة ، فاستقبال القبلة حال الدعاء هو المشهور دون استقبال الجبل، أما إذا كنت خلف الجبل من الناحية الشرقية فيحسن لك استقبال الجبل واستقبال القبلة معاً.

    المسألة الرابعة: هل يجوز للإنسان أن يدفع من عرفة قبل غروب الشمس؟

    الجواب: لا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس، وقال: (خذوا عني مناسككم) ولو كان الدفع من عرفة قبل الغروب جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أيسر للأمة إذا دفعوا في النهار، فلما لم يفعل ذلك علم أنه حرام، وأنه لا يجوز للإنسان أن يدفع قبل غروب الشمس، بل يجب أن ينتظر حتى يتيقن غروب الشمس أو يغلب على ظنه، وإذا كنا معشر المسلمين لا نفطر ونحن صائمون إلا إذا غربت الشمس فلا يجوز لنا أن نسير من عرفة إلا إذا غربت الشمس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس.

    ولكن لو دفع قبل أن تغرب الشمس، فماذا يكون؟

    نقول: إنه يكون آثماً، عاصياً وعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من الواجبات، وقد قال أهل العلم: كل من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.

    في مزدلفة ذكرنا أنه يصلي المغرب العشاء في مزدلفة ، ولكن لو فرض أن السيارة تعطلت ولم يصل إلى مزدلفة، أي: أنه انتصف الليل قبل أن يصل إلى مزدلفة ، هل يؤخر صلاة المغرب والعشاء إلى ما بعد نصف الليل؟

    لا. لا يجوز أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء إلى ما بعد نصف الليل، بل إذا خاف أن ينتصف الليل وهو لم يصل إلى مزدلفة وجب إن يصلي ولو في الطريق، ولا يجوز أن يؤخر إلى ما بعد نصف الليل.

    ثانياً: فهمنا أن الإنسان يبقى حتى يصلي الفجر ويدعو الله تعالى ثم ينصرف بعد أن يسفر، لكن لو دفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر، فهل هذا جائز؟

    الجواب: إذا كان الإنسان يشق عليه أن يزاحم الناس فإنه لا بأس عليه أن يدفع في آخر الليل ويرمي الجمرة؛ جمرة العقبة، وأما إذا كان قوياً لا يخشى على نفسه من الزحام فإن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مزدلفة حتى صلى الفجر ووقف ودفع، ولكن إذا كانت الرفقة فيهم ضعفاء كثيرون يحتاجون إلى أن ينصرفوا من مزدلفة قبل الفجر فماذا يكون الحكم؟

    الحكم أن يدفعوا جميعاً إذا كان لا يمكن البقاء في مزدلفة ، أما إذا كان يمكن كما لو كان أحد الركاب ليس معه امرأة وليس معه ضعيف يستطيع أن يبقى في مزدلفة ويأتي إلى منى بنفسه فهذا يبقى، لكن إذا كان لا يمكن فليدفعوا جميعاً وإذا وصلوا إلى منى فالضعيف يرمي الجمرات متى وصل والقوي الأفضل له أن يؤخر حتى تطلع الشمس، وإن رمى مع رفقائه فلا بأس.

    ثالثاً: هل يلزم الإنسان أن يلقط الحصى من مزدلفة ؟

    لا. لا يلزم بل ولا يسن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولم يأمر أمته به، فلم يلقط الحصى من مزدلفة ولا أمر الأمة أن يأخذوا من مزدلفة ، وإنما استحبه بعض التابعين، قال: لأجل أن يكون متهيئاً ومتأهباً لرمي الجمرة أول ما يصل إلى منى، ولكن هذا لا أصل له من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يلقط الحصى من مزدلفة.

    أعمال الحج يوم النحر

    فإذا دفع من مزدلفة بعد أن يصلي الفجر ويسفر يدفع وهو يلبي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) وإذا تيسر له أن يسرع المشي في وادي محسر وهو مجرى الماء، مجرى الشعيب الذي بين منى ومزدلفة فليفعل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسرع السير فيه، فإذا وصل إلى منى فليكن أول ما يبدأ به رمي جمرة العقبة، يرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، فيقول: الله أكبر، وكل حصاة منها أكبر من الحُمُّصِ قليلاً، ثم ينصرف إلى المنحر فينحر هديه.

    ثم يحلق رأسه أو يقصر، والمرأة تقصر، والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة، بعد أن ألح الصحابة عليه أيضاً، وبهذا يحل التحلل الأول، فيحل من كل محظورات الإحرام إلا من النساء، وعلى هذا فإذا رمى ونحر وحلق خلع ثوب الإحرام ولبس ثيابه المعتادة، وتطيب وقلم أظفاره وأزال الشعر الذي تسن إزالته؛ لأنه حل من كل شيء إلا من النساء، ثم بعد هذا يتطيب، يعني: يسن أن يتطيب ليطوف بالبيت، وينـزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وهو: طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة سعي الحج وبهذا يحل التحلل كله، ثم يرجع إلى منى فيبيت فيها.

    أظن أنه اتضح لنا أن الإنسان يفعل يوم العيد خمسة أنساك:

    أولها: رمي جمرة العقبة، والثاني: النحر، والثالث: الحلق أو التقصير، والرابع: الطواف، والخامس: السعي، والأفضل أن يرتبها هكذا، فيبدأ بالرمي، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي، وإن قدم بعضها على بعض فلا حرج عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) .

    ويبيت في منى اليلة الحادية عشرة واليلة الثانية عشرة، وينبغي له أن يستغرق الوقت في الذكر وقراءة القرآن والعلم والأشياء النافعة؛ لأن هذه أيام فاضلة لا ينبغي أن تذهب عليك سدىً.

    وإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر رميت الجمرات الثلاث؛ تبدأ بالأولى فترميها بسبع حصيات متعاقبات، تكبر مع كل حصاة، ثم تتقدم قليلاً وتجعلها خلف ظهرك، ثم تقف وترفع يديك فتدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، وقد جاء في بعض الروايات أنه بقدر سورة البقرة، فإن تيسر لك هذا وإلا كفى ما تيسر، ثم ترمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات تكبر مع كل حصاة، ثم تنحدر على اليسار وتقف مستقبل القبلة رافعاً يديك تدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم ترمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات ولا تقف عندها.

    تفعل هذا الرمي في اليوم الحادي عشر وفي اليوم الثاني عشر، ثم إن شئت بعد رمي اليوم الثاني عشر أن تبقى في منى فتتأخر فلك ذلك، وإن شئت أن تنزل وتتعجل فلك ذلك؛ لأن الله عز وجل يقول: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203].

    نعود الآن لننظر ماذا يكون في منى ؟

    يكون في منى المكث يوم العيد ويوم الحادي عشر ويوم الثاني عشر، لكن لك أن تخرج من منى في آخر اليوم الثاني عشر، والمكث فيها ليلاً ونهاراً هو السنة، ولكن يجوز لك أن تخرج من منى في النهار وترجع فتبيت فيها، والمراد أن تبيت معظم الليل، ولكن لا تفعل كما يفعل بعض الناس اليوم، تجده إذا نزل يوم العيد إلى مكة وطاف وسعى ذهب إلى بيته واشتغل بترفه وكأنه غير حاج، فإذا قارب نصف الليل خرج إلى منى وبقي فيها حتى يصلي الفجر ثم رجع إلى بيته، هذا في الحقيقة ليس حجاً على صفة ما حج عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، بل النبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى ليلاً ونهاراً، والمسألة ما هي إلا يومان أو ثلاثة أيام فقط، فاصبر نفسك حتى تحج كما حج النبي صلى الله عليه وسلم.

    وإذا أردت أن تخرج من مكة إلى بلدك فلا تخرج حتى تطوف للوداع، وهو واجب على كل من خرج من معتمر وحاج إلا المرأة الحائض أو النفساء فليس عليهما وداع.

    ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحجون حجاً مبروراً، وأن يجعل سعينا سعياً مشكوراً، وذنبنا ذنباً مغفوراً إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم التلبية الجماعية

    السؤال: هناك من يلبون بشكل جماعي مع أنه ربما كان فيه تشجيع لهم وتنشيط، فهل ينكر عليهم، رغم أن بعضهم يستدل بما ورد في صحيح البخاري ، قال: كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، أو أن المراد من فعلهما التذكير فقط؟ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. التلبية تشرع لكل واحد بانفراده ولا تسن جماعة، ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا المهلل ومنا المكبر ومنا الملبي) وهذا يدل على أن كل واحد منهم يذكر الله تعالى بانفراده، هذا يقول: الله أكبر ولله الحمد، وهذا يقول: لا إله إلا الله، وهذا يقول: لبيك، فهذه هي السنة. وما يذكره السائل من أنهم كانوا جماعة فإنه ينشط بعضهم بعضاً، فنقول: التنشيط بغير ما ورد لا ينبغي ولا يهم نشط نفسك على ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو خير، وأما ما ذكر من أثر عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم فليس فيه دليل على ذلك؛ لأنه قوله: (يكبر الناس بتكبيرهما) يحتمل أن يكون الناس يدفعونهم على التكبير فيكبر مثلاً عبد الله بن عمر فيتبعه الناس، ويحتمل من المعنى: (يكبرون بتكبيرهم) أي: مثل تكبيرهم، وإن كان كل واحد يكبر على انفراد وهذا هو الأقرب.

    حكم الالتزام ما بين الحجر والباب

    السؤال: ماذا يقول أو يفعل قبل بدء الطواف، هل يسمي ويكبر، أو يكبر فقط؟ وهل يستقبل الحجر أو ماذا؟ وما حكم الالتزام ما بين الحجر والباب وكذا جميع أجزاء البيت؟ الجواب: هذه فقرات أجبنا عنها في الواقع بما تكلمنا فيه ولا حاجة إلى إعادة الجواب فليرجع إلى الشريط، أما بالنسبة للالتزام فإن الالتزام فعله الصحابة رضي الله عنهم، وهو أن يلصق الإنسان صدره وخده ويمد يديه ما بين الحجر الأسود والباب هذا هو محل الالتزام، وبقية أركان الكعبة، وبقية جدران الكعبة ليست محلاً للالتزام فلا يسن التزامها، وينبه على من فعل ذلك، أي: على من التزم في غير موضع الالتزام ينبه عليه بأن هذا ليس من السنة.

    حكم الطواف مقفياً

    السؤال: يعمد كثير من الرجال إذا كان معهم نساء أن يمسك بعضهم بيد بعض ويتحلقوا على من معهم من النساء حتى أن بعضهم ربما طاف على قفاه والكعبة عن يمينه، ثم إنه قد تكون بعض النساء لسن محارم لهم، أرجو بيان ذلك؟ الجواب: هذا من الأمر الخطير من وجه، والمؤذي من وجه آخر، أما كونه مؤذياً فلأنهم إذا جاءوا هكذا مجتمعين آذوا الناس وضايقوهم، ومعلوم أنه لا يحل للإنسان أن يتعمد ما فيه أذية المسلمين، وأما الخطر فلأنه كما قال السائل: بعض الناس يطوف والكعبة خلف ظهره، أو الكعبة أمام وجهه وهذا لا يصح، لأن من شرط الطواف أن تجعل الكعبة عن يسارك، فإذا جعلتها خلف ظهرك أو على يمينك أو أمامك فإن الطواف لا يصح.

    السنة في الإشارة إلى الحجر الأسود

    السؤال: هل السنة الإشارة إلى الحجر إذا لم يستطع الاستلام في كل شوط بيدين أو بيد واحدة؟ الجواب: السنة أن تشير بيد واحدة فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلمه بيد واحدة، فكذلك الإشارة إنما تكون بيد واحدة وهي اليمنى.

    حكم المرور بين يدي المصلي في الحرم أثناء الزحام

    السؤال: نظراً للزحام في موسم الحج خاصة، فهل يجوز المرور بين يدي المصلي في الحرم؟ الجواب: لا. لا يجوز المرور بين يدي المصلي في الحرم، كما لا يجوز المرور بين يدي المصلي في غيره، والأحاديث الواردة في تحريم المرور بين يدي المصلي عامة لم يخصص منها شيء، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه) وقد فسر (الأربعين) بأنها: أربعين سنة، لكان خيراً من أن يمر بين يديه، وبإمكان الإنسان إلا يمر بين يدي المصلي، بل يمر بينه وبين صاحبه الذي إلى جانبه فيشق الصفوف شقاً ولا يمر بينها عرضاً.

    حكم المرأة التي تخاف على جنينها في طواف الحج

    السؤال: امرأة خافت على جنينها وهي حامل، فماذا عليها في طواف الحج؟ الجواب: إذا خافت امرأة حامل على جنينها فإنها تُحْمَل، كما هو معروف الآن في كل من عجز عن الطواف أنه يحمل لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وقوله: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]، وقوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

    حكم من يحمل كتيباً للأدعية في الحج للاستذكار فقط

    السؤال: لو قال قائل: سأحمل كتيباً لأتذكر الأدعية ولا أجعلها ديدناً لي، بل مجرد التذكر، أو أحمل ورقة فيها بعض الأدعية المأثورة للتذكر فقط، فما الحكم؟ الجواب: هذا لا بأس به، إذا كان الإنسان لا يعرف دعاء مأثوراً وأراد أن يكتب أدعية مأثورة يحملها معه يقرأ بها فلا بأس، لكن الذي تكلمنا عنه أنه قد خصص كل شوط بدعاء معين، وهذا الدعاء قد لا يعرفه الإنسان فضلاً عن أن يكون مقصوداً له، وأما دعاء مقصود لك تعرفه ولم تخصص كل شوط بدعاء معين فهذا لا بأس به ولا حرج فيه.

    حكم من حاضت قبل طواف الإفاضة

    السؤال: امرأة حجت وحاضت قبل طواف الإفاضة، فماذا تعمل؟ الجواب: إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة فإنه يجب عليها أن تنتظر حتى تطهر، وإن شاءت خرجت من مكة لكنها تخرج على ما بقي من إحرامها، فإذا كانت ذات زوج فإن زوجها لا يقربها، فإذا طهرت عادت إلى مكة وطافت طواف الإفاضة، ويحسن في هذه الحال أن تحرم بالعمرة فتطوف وتسعى للعمرة وتقصر ثم تأتي بطواف الإفاضة، لكن إذا كانت في بلد لا يمكنها الرجوع ولا يمكنها البقاء، مثل أن تكون في إندونيسيا أو في باكستان أو في بنجلاديش أو في مصر أو في المغرب أو في مكان لا يمكنها أبداً أن ترجع فإننا في هذه الحال نقول: تتحفظ، أي: تضع على فرجها شيئاً تحفظ به نزول الدم، ثم تطوف ولو كانت حائضاً، وطوافها هنا جاز للضرورة، لأننا بين ثلاثة أمور: إما أن نقول: لا تطوفي وارجعي إلى بلدك وأنت على ما بقيت عليه من الإحرام، وفي هذا من المشقة ما لا يحتمل؛ لأن مقتضى ذلك أن تبقى إن كانت متزوجة لا يستمتع بها زوجها، وإن كانت غير متزوجة تبقى بلا زوج؛ لأنه لا يمكن أن يعقد عليها وهي لم تحل التحلل الثاني، وهذا لا شك أن فيه مشقة شديدة، وإما أن نقول: اعتبري نفسك محصرة وتحللي بهدي وهذه الحجة ليست لك ضاعت عليك، وهذا أيضاً فيه مشقة عظيمة لا سيما في امرأة لم يتيسر لها الحج إلا في هذه السنة ولن يتيسر لها في المستقبل، وإما أن نقول: تلجمي، أي: تحفظي بحفاظة وطوفي وأنت على حيضك للضرورة، ولا شك أن هذا القول هو أقرب الأقوال إلى قواعد الشرع، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وعلى هذا فنقول لهذه المرأة التي لا يمكنها أن تبقى: أولاً: دون أن ترجع تلجمي، أي: تحفظي وطوفي ولا حرج عليك.

    حكم استخدام ما يقطع الحيض لمن أرادت الحج

    السؤال: ما حكم استخدام الإبرة الموقفة للعادة الشهرية، وكذلك الحبوب التي توقف العادة الشهرية علماً بأنها يمكن أن توقف لمدة ساعات فقط؟ الجواب: كأن السائلة تريد هذا في أيام الحج، نقول: إنه لا بأس بذلك للضرورة، لكن بشرط أن يكون هذا بعد موافقة الطبيب، فإذا قال الطبيب: لا بأس أن تستعمل هذه الإبرة وهذه الحبوب. فلا بأس أن تستعملها من أجل الضرورة، سواء كان لساعات أو كان لأيام.

    حكم شرب ماء زمزم والدعاء عنده

    السؤال: هل شرب ماء زمزم بعد الطواف من السنة؟ وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لم شرب له)؟ وبماذا يدعو؟ الجواب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طاف طواف الإفاضة يوم العيد شرب من ماء زمزم؛ ولهذا استحب العلماء أن يشرب من ماء زمزم بعد طواف الإفاضة، وأما قوله: (ماء زمزم لما شرب له) فمعناه: أنك إذا شربته عن عطش رويت به، وإن شربته عن جوع شبعت به، فهو (طعام طعم، وشفاء سقم) إن شربته أيضاً من مرض كان فيك فإنك تشفى بإذن الله.

    حكم رفع اليدين فوق الصفا والمروة كالمكبر للصلاة

    السؤال: ما حكم رفع اليدين عند التكبير فوق الصفا أو فوق المروة ، وأقصد رفع اليدين كهيأة من يريد الدخول في الصلاة، فأنا أرى أناساً يفعلون ذلك؟ الجواب: نعم، هؤلاء الذين يرفعون أيديهم على الصفا والمروة ويشيرون بها كأنما يريدون أن يكبروا للصلاة ليس عندهم علم، والمشروع في رفع اليدين على الصفا وعلى المروة أن يرفعهما رفع دعاء، وقد بينا هذا في كلامنا على صفة الحج والعمرة فليرجع إليه في الشريط، وهكذا أيضاً عند الإشارة للحجر الأسود كثير من الناس يشير إليه كأنما يريد الدخول في الصلاة وهذا أيضاً لا أصل له، وإنما يشير إليه بيد واحدة وهي اليمنى إشارة علامة وتعيين فقط.

    حد الصفا والمروة

    السؤال: قد يشق على الساعي الصعود على الصفا والمروة من الزحام، فهل يوجد حد أدنى للصعود عليهما نأمل تحديده تماماً حيث يوجد بلاط خشن مع بداية الصعود ثم ينقطع ويأتي بلاط ناعم، ثم يأتي الحجران أعني الصفا أو المروة ؟ الجواب: حد المسعى الواجب استعيابه هو الحد الفاصل للعربيات، أي: طريق العربيات منتهاه هو حد المكان الذي يجب استعيابه في السعي؛ لأن الذين وضعوا طريق العربيات وضعوه على منتهى ما يجب السعي فيه، وعلى هذا: فلو أن الإنسان إذا وصل إلى حد طريق العربيات ثم تقدم قليلاً بنحو متر ثم رجع فقد تم سعيه وإن لم ينته به الصعود إلى أعلى الصفا وأعلى المروة .

    حكم إسراع المرأة بين العلامتين أثناء السعي

    السؤال: ما هي السنة في سعي المرأة بين العلامتين الخضراوين، هل تسرع في السعي أم لا؟

    الجواب: لا. المرأة لا تسرع لا في الطواف في الأشواط الثلاثة الأولى، ولا بين العلمين الأخضرين، وقد حكى بعض العلماء إجماع أهل العلم على أن المرأة ليست من أهل السعي، أي: ليست من أهل الركض ولا من أهل الرمل، وعلى هذا فيكون الدليل المخصص هو إجماع العلماء رحمهم الله فليس عليها أن تسعى ولا أن ترمل.

    حكم تقديم السعي على طواف الإفاضة

    السؤال: هل يجوز للحائض أن تسعى قبل طواف الإفاضة، ويبقى عليها طواف الإفاضة إذا طهرت ويكون في نفس الوقت طواف الوداع؟ الجواب: يجوز للحائض وغير الحائض أن يقدم السعي على طواف الإفاضة، ولكن الأفضل أن يبدأ بالطواف ويسعى بعده، وهذا مجزئ عن طواف الوداع إذا جعله الإنسان عند خروجه، أي أن السعي بعد الطواف لا يمنع من كون الطواف آخر ما يكون، لأن هذا السعي تابع للطواف.

    الفرق بين الحج عن النفس وعن الغير من حيث النية والأقوال والأفعال

    السؤال: ما الفرق بين شخص يحج عن نفسه وشخص يحج عن غيره من حيث النية والأقوال والأفعال؟ الجواب: لا فرق بينهما إلا أن الذي يحج عن غيره يقول: لبيك عن فلان وينويه عنه، أما الحاج عن نفسه فيقول: لبيك ويريد أنه يلبي عن نفسه؛ ولهذا ينبغي لمن أخذ حجاً عن الغير ألا يخص نفسه بالدعاء، بل يدعو لنفسه ويدعو لمن وكله في الحج عنه.

    أفضلية من كان معه نساء في الدفع من مزدلفة

    السؤال: إذا كان الشخص معه نساء، فأيهما أفضل: أن يدفع من مزدلفة بعد غياب القمر، أو أن يؤخر الرمي إلى بعد العصر؟

    الجواب: الذي يظهر لي أن الأفضل أن يتقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله أن يتقدموا ولم يأمرهم أن يتأخروا وأن يرموا العصر، وهذا لا شك أنه من تيسير الله عز وجل؛ لأنه إذا تقدم ورمى وحل صار في ذلك تيسر عليه وفرح بالعيد كما يفرح الناس، أما لو تأخر إلى العصر فإنه يبقى محرماً وفيه شيء من الحرج والمشقة على المكلف، فالأفضل لمن كان يشق عليه الزحام أن يتقدم من مزدلفة ليرمي قبل أن يأتي الزحام.

    حكم من مات ولم يكمل المناسك

    السؤال: رفقة مات معهم شخص؛ فما الذي تعمله بشأن مناسكه المتبقية؟ الجواب: إذا مات الإنسان وهو متلبس بالنسك فإنه لا يقضى عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة فمات، قال عليه الصلاة والسلام: (اغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطون، وكفنوه في ثوبيه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) وهذا يدل على أن الإنسان إذا مات أثناء النسك لا يقضى عنه ما بقي.

    حكم الحج لمن يعمل في مؤسسة أثناء الحج

    السؤال: وزارتي تنتدبني للعمل بالمشاعر، فهل يحق لي أن أؤدي الحج علماً أنها ليست الفريضة؟ وإذا أثر الحج بشكل يسير على مهمتي الرسمية، فهل يمنع ذلك من الحج؟ الجواب: المنتدَب لمهمة رسمية في أيام الحج لا يعقد الحج إلا بعد مراجعة مسئوله، فإذا أذن له بأن يحج فلا بأس أن يحج، أما أن يحج بدون إذن مسئوله فإن هذا خلاف ما يقتضيه العقد؛ لأن الذي يقتضيه العقد بين الموظف وبين الحكومة أن يلتزم ما تقتضيه الأنظمة إذا لم تكن مخالفة للشرع.

    بيان موقع المشعر الحرام

    السؤال: ما هو المشعر الحرام؟ هل هو مكان في مزدلفة أو هو مزدلفة نفسها؟ الجواب: المشعر الحرام هو مكان في مزدلفة ، لكن قد يطلق على مزدلفة كلها أنها مشعر حرام لأنها مكان نسك، وسميت مشعراً حراماً لأنها داخل أميال الحرم؛ ولهذا يقال المشعر الحلال والمشعر الحرام، فالمشعر الحلال هو: عرفة والمشعر الحرام هو: مزدلفة ، لكن حديث جابر رضي الله عنه يقول: (ركب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى المشعر الحرام) أي: ركب من مكانه في مزدلفة حتى أتى المشعر الحرام وهو المكان الذي فيه المسجد اليوم.

    حكم من يريدون أن يدفعوا إلى مزدلفة وليس بينهم من الضعفة إلا قلة

    السؤال: إذا كانت حافلة فيها مجموعة من الناس ومن بينهم رجل مسن وامرأة كبيرة، فهل يجوز لهم جميعاً أن يدفعوا من مزدلفة بحجة هذا الرجل وهذه المرأة أم لا؟ الجواب: لا. لا يجوز لهم أن يدفعوا بحجة رجل أو امرأة أو رجلان أو امرأتان، ولهذا لم يدفع النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة من أجل الضعفة من أهله، بل أذن للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة وبقي هو، فإذا كان الذي في القافلة رجلاً أو رجلين أو امرأة وامرأتين فإن هذا الرجل أو المرأة الضعيفة تبقى مع الناس وتدفع معهم، ثم تنتظر يوم العيد حتى يخف الزحام وترمي أو يرمي الضعيف ولو بعد صلاة العصر.

    حكم من يتعجل الخروج من منى

    السؤال: يتعمد بعض الناس الذهاب إلى مكة في اليوم التاسع ويتعجل الخروج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق ويفعل ذلك احتساباً، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟ الجواب: ما معنى احتساباً: لأن هذا الحج حج ضعيف عسى أن تبرئ به الذمة كونه لا يحرم حتى اليوم التاسع وينصرف في اليوم الثاني عشر؟ لا شك أنه حج ناقص، وأن الأفضل للإنسان أن يحرم بالحج في اليوم الثامن ويصلي في منى خمسة أوقات؛ الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويقف بـعرفة يومه كله، ويدفع من عرفة بعد غروب الشمس، ويبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ويبقى في منى إلى اليوم الثاني عشر ولكن بعد أن يرمي الجمرات في اليوم الثاني عشر إن شاء تعجل وإن شاء تأخر.

    حكم تأخير طواف الحج خوفاً من الزحام

    السؤال: هل يجوز تأخير طواف الحج عن اليوم العاشر إلى اليوم الحادي عشر أو اليوم الثاني عشر إذا خفت من الزحام؟ الجواب: نعم. يجوز تأخير طواف الحج عن يوم العيد إلى الحادي عشر والثاني عشر، وإلى الخامس عشر وإلى العشرين من شهر ذي الحجة، وإلى الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة، وإلى آخر يوم من ذي الحجة، ولكنك تبقى على ما بقى من إحرامك، يعني: لا تحل التحلل كله إلا بعد أن تطوف وتسعى، وهذا القول الذي ذكرته أنه له إلى منتهى شهر ذي الحجة قول وسط بين من يقول: إنه ليس له أن يؤخره عن أيام التشريق، وبين قول من يقول: إنه يؤخره إلى الأبد، فالصحيح أن له أن يؤخره إلى آخر يوم من أيام ذي الحجة، وإذا كان هناك عذر كما لو كان هناك امرأة نفساء؛ امرأة نفست قبل العيد؛ قبل أن تطوف طواف الإفاضة ولم تطهر إلا بعد أن خرج شهر ذي الحجة فإنها تطوف متى طهرت.

    ضابط الزحام أثناء المشاعر في الحج المبرر بالزحام

    السؤال: هل الزحام مبرر للرمي ليلاً أو لجمع اليومين في يوم، أو لتوكيل المرأة لمحرمها؟ الجواب: نعم. لا بأس، الزحام يبرر الرمي ليلاً؛ فإذا كان هناك زحام فلا حرج أن ترمي في الليل ولك الليل كله، فمثلاً: في اليوم الحادي عشر رأيت أنه زحام لك أن تؤخر الرمي إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني عشر، فيكون كل الليل وقتاً للرمي، ولا يجوز أن تؤخر إلى الليل فتجمعه في آخر يوم إلا إذا كان يشق عليك المجيء إلى الجمرة، ليس هو من أجل الزحام لكن من أجل البعد، ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً. أما التوكيل فلا يجوز أبداً إلا لشخص لا يستطيع أن يأتي بنفسه لا ليلاً ولا نهاراً، هذا له أن يوكل، فصار الإنسان له ثلاث حالات. الحالة الأولى: ألا يستطيع الوصول إلى الجمرات لا ليلاً ولا نهاراً فهذا يوكل. الحالة الثانية: أن يستطيع أن يأتي ليلاً لا نهاراً فهذا يرمي ليلاً ولا يرمي نهاراً. الحالة الثالثة: ألا يستطيع الوصول إلى الجمرات كل يوم فله أن يجمع ذلك في آخر يوم، كما رخص النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يرموا يوماً ويَدَعوا يوماً.

    حكم الرمي قبل الزوال

    السؤال: شخص رمى قبل الزوال في اليوم الثاني بقليل، فهل له أن يرمي في اليوم الثالث عن اليوم الثاني أم يجزئه ذلك؟ الجواب: لا يجزئ الرمي قبل الزوال ولو بقليل، وعلى هذا: فإن من رمى قبل الزوال في اليوم الثاني وهو اليوم الحادي عشر فإنه يرميه في الليل، فإن لم يمكن رماه في اليوم الثاني عشر، ولكنه يبدأ برمي اليوم الحادي عشر الثلاث كلها ثم يرجع من الأولى فيرمي عن اليوم الثاني عشر.

    الأفضل في رمي الجمرات

    السؤال: أيهما أفضل رمي الجمرات من فوق الجسر أم من تحته؟ الجواب: الأفضل أن تنظر ما هو أيسر لك، فما كان أيسر فهو أفضل، قد يكون الأيسر الأعلى فيكون هذا هو الأفضل، وقد يكون الأيسر الأسفل فيكون هذا هو الأفضل، لأن المهم أن تؤدي العبادة بطمأنينة وحضور قلب وتيسر.

    حكم من خرج من مكة يوم العيد إلى مناطق قريبة

    السؤال: هل الخروج إلى ما قرب من مكة كـجدة مثلاً يوم العيد غير مخل بالحج؟ الجواب: نعم. لا يخل بالحج، ولكني كما قلت أثناء المحاضرة أو الكلام على صفة الحج، قلت: إن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلاً ونهاراً في منى ، كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً ونهاراً.

    حكم المرور بمنى بعد طواف الوداع

    السؤال: من مر مع منى ليلة الثالث عشر وهو في طريقه إلى بلده بعد طواف الوداع، هل عليه شيء؟ الجواب: ليس عليه شيء، أي: أن الإنسان إذا خرج من منى قبل أن تغيب الشمس ليلة الثاني عشر فلا بأس أن يرجع إليها بعد ذلك لغير نسك لأن النسك انتهى، ولا بأس أن ينـزل إلى مكة ويطوف طواف الوداع ثم يخرج ماراً بـمنى .

    وجوب طواف الوداع في الحج والعمرة

    السؤال: طواف الوداع هل يفرق فيه بين العمرة والحج؟ الجواب: الصحيح أنه لا فرق فيه بين العمرة والحج، وأن طواف الوداع واجب في العمرة كما هو واجب في الحج، إلا لمن دخل معتمراً وهو يريد أن يسافر من حين انتهاء العمرة، فإذا كان كذلك فإنه لا يحتاج إلى طواف الوداع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765793322