أما بعد:
فإن الله جل وعلا خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بها سبحانه وتعالى، فقال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] سبحانه وتعالى.
فخلقهم للعبادة، وتكفل بأرزاقهم، كما قال في الآية الأخرى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وأرسل الرسل جميعاً لهذا الأمر العظيم؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله، ويأمروهم بها، ويوضوحها لهم، فقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
وهكذا فجميع الرسل بعثوا لهذا الأمر العظيم؛ ليأمروا الناس أن يعبدوا الله وحده دون كل ما سواه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، ويقول سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وهذه العبادة التي خلقوا لها، وأرسلت الرسل بها، أمرهم بها سبحانه في كتابه العظيم، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وقال في سورة النساء: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36]، وقال في سورة بني إسرائيل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال في سورة البينة: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5]، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].
فكان يقول: يا قوم! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فأجابه الأقلون، وأنكر دعوته الأكثرون، ولم يزل صابراً داعياً إلى الله عز وجل حتى أمره الله بالهجرة إلى المدينة ، بعدما اشتد أذى المشركين له، ولم ينقادوا لما جاء به عليه الصلاة والسلام، فهاجر إلى المدينة ومكث فيها عشر سنين يدعو إلى الله، ويعلم الناس شريعة الله، وأنزل الله عليه القرآن العظيم بعضه في مكة وبعضه في المدينة وبينه للناس، وأرشد الناس إلى ما دل عليه القرآن، وبين لهم ما أوحى الله إليه في ذلك، فإن الله أعطاه وحيين: القرآن، والسنة: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:1-2] أي: محمد صلى الله عليه وسلم وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالله أوحى إليه القرآن، وأوحى إليه السنة، والسنة هي أحاديثه عليه الصلاة والسلام، وما بينه للأمة من شرع الله، فتلقى الصحابة رضي الله عنهم عنه هذا الدين العظيم -دين الإسلام- ونقلوه إلينا غضاً طرياً، وهكذا نقله التابعون عن الصحابة، وهكذا أتباع التابعين، ولم يزل أهل العلم ينقلون هذا العلم من جيل إلى جيل، ومن قرن إلى قرن، ويكتبون في كتب كثيرة، ويوضحون للناس دعوة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وما بينه الكتاب العظيم -وهو القرآن- من دين الله.
هذا هو دين الله، وهذه هي العقيدة التي درج عليها سلف الأمة، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة.. الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، والعمل بذلك قولاً وعملاً وعقيدة، عن محبة وانقياد وإخلاص وموالاة ومعاداة.
فالإيمان بالله ورسوله هو: الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من الطاعات القولية والفعلية، وعلى المؤمن أن يتلقى ذلك عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، كما تلقاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من السلف الصالح، وقد بينه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، فقد شرح للناس معنى الإسلام والإيمان والإحسان، وأوضح للناس أوامر الله ونواهيه قولاً وعملاً.
فعقيدة أهل السنة والجماعة هي: الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، والعمل بكل ما أمر الله به ورسوله، عن إيمان صادق، وإخلاص لله، ومحبة ورغبة ورهبة، فهم يؤدون أوامر الله، وينتهون عن نواهي الله، ويقفون عند حدود الله، عن إيمانٍ بالله ورسوله، وعن إخلاص وصدق، وعن رغبة، ورهبة لا رياءً ولا سمعةً ولا نفاقاً، بل عن إيمان وصدق.
وهذه العبادة التي خلقوا لها سماها الله إسلاماً، وسماها إيماناً، وسماها تقوى، وسماها هدى، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وقال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، وقال سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، وقال: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136].
فهي إيمان وإسلام وهدى وتقوى وبر وصلاح وإصلاح، هذه هي العقيدة التي درج عليها أهل السنة والجماعة ، وهي دين الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبعث به جميع المرسلين.. قولٌ وعمل وعقيدة.. قول باللسان، وعمل بالجوارح، واعتقاد بالقلب، عن محبة، وإخلاص، وصدق، وعن رغبة ورهبة.
هذا هو دين الله عند التفصيل: إسلام، وإيمان، وإحسان، فما أمر الله به ورسوله من الأعمال الظاهرة يسمى إسلاماً، أي: خضوعاً لله.. الإسلام والانقياد والذل لله، سمى الله دينه إسلاماً؛ لأن المسلم ينقاد لله، ويذل له، ويؤدي حقه من الخضوع والذل والانكسار، وهذا هو العبادة، ولهذا سمي الدين كله عبادة؛ لأنه يؤدى بالذل، والانكسار، والخضوع لله سبحانه وتعالى.
فالعبادة هي الإسلام، وهي دين الله، وهي الإيمان والهدى.
فقوله: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله... إلخ، داخل في قوله: أن تؤمن بالله، فالعقيدة التي تلقاها أهل السنة والجماعة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقاها أصحاب النبي عن رسول الله، هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، هذه الأصول الستة هي أصول الدين كله، فيدخل في الإيمان بالله: الإيمان بكل ما أمر الله به وشرعه من الإسلام، من توحيد الله والإخلاص له، والشهادة بأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، والشهادة بأن محمداً عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
ويدخل في ذلك: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج؛ كله داخل في الإيمان بالله، والإيمان بجميع المرسلين، كما نص عليه جل وعلا في كتابه العظيم، ونص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالإيمان بالله يشمل جميع ما أمر الله به ورسوله، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وجهاد، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.. إلى غير ذلك من كل ما أمر الله به ورسوله؛ كله داخل في الإيمان بالله.
فنوح هو أفضل الرسل إلى أهل الأرض، بعد ما وقع الشرك فيهم.. بعث الله نوحاً عليه الصلاة والسلام، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وصبر على أذى قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وظل فيهم يدعوهم إلى الله، فلما استمروا في العناد، أهلكهم الله بالغرق، وأنجاه وأصحاب السفينة عليه الصلاة والسلام، وهكذا من بعده من الرسل؛ كهود، وصالح، وشعيب، ولوط، وموسى، وهارون.. وغيرهم؛ كلهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، إلى أن ختمهم الله بأفضلهم محمد عليه الصلاة والسلام.. فنؤمن بذلك كله.
فمن عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بالله ورسوله: أن نؤمن بهؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم أدوا الرسالة وبلغوها، وأدوا أمانة الله وصبروا، فمنهم من قتل، ومنهم من سلم، وهم متفاوتون، فمنهم من تبعه جمع غفير، ومنهم من لم يتبعه إلا قليل، حتى قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : (منهم من لم يتبعه إلا الرهيط -الثلاثة والأربعة والخمسة- ومنهم من لم يتبعه إلا الرجل والرجلان، ومن الرسل من لم يتبعه أحد) خالفه قومه كلهم والعياذ بالله!
ويدخل في الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عن الآخرة.. عن يوم القيامة، والجنة، والنار، والجزاء، والحساب، وغير ذلك؛ كله داخل في الإيمان باليوم الآخر.
فالمسلمون يتلقون إيمانهم عن رسولهم صلى الله عليه وسلم، وعن كتاب ربهم بهذه الأصول الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
فتؤمن بأن الله علم الأشياء كلها، وأنه أحصاها وكتبها، وأنه سبحانه هو القادر على كل شيء، العالم بأحوال عباده، وأن العباد لن يخرجوا عن قدر الله وما سبق في علمه سبحانه وتعالى، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بذلك قالوا: يا رسول الله! إذا كان الله قد قدر كل شيء أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: ( اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]).
وهكذا قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، فمن آمن بالله رباً وإلهاً ومعبوداً بحق، واستقام على دينه؛ فهذا هو دين الله، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان، وهذا هو الهدى، وهذه هي العبادة التي خلقنا لها.. الإيمان بالله ثم الاستقامة.. الإيمان بالله رباً وإلهاً ومعبوداً بحق، والإيمان بكل ما شرع من الأوامر والنواهي، والعمل بذلك، هذا كله هو العبادة، وهذا هو الدين، وهذا هو الإيمان بالله، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الهدى، وهذا هو التقوى.
ومن الإيمان بالله: الإيمان بأسمائه وصفاته، كله داخل في الإيمان بالله.. الإيمان بأنه سبحانه حكيم عليم.. رحمن رحيم.. على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه سبحانه بيده تصريف الأمور، والقادر على كل شيء، وإليه مصير العباد، فالإيمان بكل أسمائه وصفاته كل ذلك داخل في الإيمان بالله، فعلى المكلف أن يؤمن بالله رباً وإلهاً ومعبوداً بالحق، وعليه أن ينقاد لشريعته؛ فعلاً للمأمور، وتركاً للمحظور.
هكذا الإسلام، وهكذا الإيمان.. إيمان بالله يتضمن أداء فرائضه وترك محارمه، والوقوف عند حدوده، والإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون.
فله الكمال المطلق في علمه وقدرته وحياته، وفي كل شيء سبحانه وتعالى، لا شريك له، ولا شبيه له، ولا كفء له.
فالغالب على النفي الإجمال، وهو نفي النقائص والعيوب والمشابهة لخلقه، وفصل صفاته الثابتة في كتابه العظيم: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:75].. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:28].. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24] إلى غير هذا من أسمائه وصفاته جل وعلا.
وهكذا موصوف بأن له يداً: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، سميع بصير، وله قدم كما في الحديث الصحيح: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها رجله -وفي رواية: قدمه- فينزوي بعضها إلى بعض، ثم تقول: قطٍ قطٍ) أي: حسبي حسبي.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] لا مثيل له في سمعه، ولا في بصره، ولا في يده، ولا في وجهه، ولا في قدمه، ولا في غير ذلك.. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] .. كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص:88] فهذه الصفات التي وصف بها نفسه نصفه بها، ونقول كما قال: له وجه، وله يدان، وله سمع، وله بصر، وله قدم، وله أصابع؛ كلها تليق به، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا، للحديث الصحيح: (إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرب يقلبها كيف يشاء).
وعرفت أن الإيمان بالكتب يشمل الإيمان بجميع الكتب المفصلة والمجملة، فنؤمن بكتب الله المنزلة على رسله وأنبيائه، وما سمى الله نسميه، من التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى، وأعظمها القرآن وهو خاتمها.
وهكذا الملائكة: نؤمن بهم إجمالاً وتفصيلاً، من سماه الله سميناه، كجبرائيل، وميكائيل، ومن لم يسم الله نقول: إن لله ملائكة لا يحصيهم إلا الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأنهم: (في البيت المعمور الذي فوق السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه)، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك للتعبد، ثم لا يعودون إليه، فلا يحصيهم إلا الله جل وعلا.
وله ملائكة يتعاقبون فينا، يشهدون معنا الصلوات، فإذا صلى الناس الفجر عرج الذين باتوا فينا، وبعد العصر يعرج الذين قعدوا فينا في النهار لينزل أهل الليل، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح، ملائكة يتعاقبون فينا يشهدون على أعمال العباد، وما شاهدوا منه يسألهم ربهم وهو أعلم إذا عرجوا إليه: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون.
وكل واحد منا معه ملكان يكتبان أعماله، هذا يكتب حسناته وهذا يكتب سيئاته: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] .. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12].
فجدير بك -يا عبد الله- أن تحرص على إملاء الخير على هؤلاء الملائكة.. أمل عليهم الخير.. أمل عليهم ما ينفعك ويرضي الله عنك، من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والدعوة إلى الله، وتعليم الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.. إلى غير هذا من وجوه الخير، وهكذا العمل، عليهم أن يكتبوا كل شيء.
فالله جل وعلا يحكم بين عباده يوم القيامة، ويجازيهم بأعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، كما قال جل وعلا: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]، وقال جل وعلا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40]، ويقول سبحانه: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].
فجميع أعمال العباد يوفون إياها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فتنصب الموازين يوم القيامة وتوزن فيها أعمال العباد، فهذا يثقل ميزانه وهذا يخف ميزانه فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:6-11]، فمن ثقلت موازينه أعطي كتابه بيمينه، ومن خفت موازينه أعطي كتابه بشماله، والعصاة الذين ماتوا على المعاصي والسيئات أمرهم إلى الله، من شاء سبحانه عفا عنه وأدخله الجنة، وصار من أهل اليمين.. من أهل النجاة والسعادة، ومن شاء سبحانه أدخله النار بذنوبه ومعاصيه، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار ويلتحق بإخوانه في الجنة.
هذه نهاية الناس، فجدير بالعاقل أن تكون هذه النهاية على باله، وألا يغفلها، فلا بد منها، ومن مات فقد قامت قيامته، فليحذر العبد أن يغفل وأن يجازف في هذه الأمور؛ فيندم غاية الندامة، فليعد لهذا اليوم عدته، وليحرص قبل أن يفاجئه الأجل.
هذه العدة الصالحة والزاد الصالح من طاعة الله ورسوله، والقيام بحقه، والاستقامة على دينه، وذلك بامتثال أوامر الله وترك نواهيه، فالعدة الصالحة أن تستقيم على دين الله، وأن توحد ربك وتخصه بالعبادة، وأن تؤدي فرائضه، من صلاة وغيرها، وأن تنتهي عن نواهيه، وأن تقف عند حدوده، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، فهذه هي العدة الصحيحة التي أنت مأمور بها ومخلوق لها، وهي: أن تعبد ربك وحده وتشهد أنه لا إله إلا الله، وأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، وتؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، وتؤدي فرائض الله التي فرضها عليك بإخلاص له سبحانه، ورغبة فيما عنده ومحبة، وتنتهي عن نواهي الله عن إيمان وصدق وإخلاص، وتقف عند حدود الله مؤمناً بالله ورسله، مؤمناً بأن الله قدر الأقدار وشاء ما شاء سبحانه وتعالى، فعليك أن تؤمن بالقدر خيره وشره، وأن تعلم أن الله علم الأشياء وكتبها، وأنه الخالق لكل شيء، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والكفار لا يمرون عليه، بل يساقون إلى النار ويحشرون إليها، كما ضيَّعوا أمر الله وأشركوا به وكفروا به.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير -تكثرن اللعن والشتم، وتكفرن الأزواج والإحسان- لو أحسن الزوج إلى إحداكن الدهر ثم منعها شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط) الرسول أعلم.
إنكار الجميل عند أقل شيء من الزوج، ولهذا كن أكثر أهل النار بسبب المعاصي والشرور، وكفران العشير، وعدم الإيمان بالله ورسوله، وهن أكثر أهل الجنة لما معهن من الحور العين، فالمؤمنات في الجنة مع أزواجهن المؤمنين، ولأزواجهن مزيد من الحور العين لكل واحد زوجتان من الحور العين، وقد يزاد بعضهم زوجات كثيرات على حسب أعمالهم الصالحة، لكن أقلهم له زوجتان من الحور العين غير نصيبهم من زوجات الدنيا.
ومن أعمال اليوم الآخر: أن أهل الجنة يتزاورون فيها، وهم في نعيم دائم لا يتغوطون ولا يبولون ولا يتفلون، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، يسبحون الله بكرة وعشياً، يتنعمون بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وذكر الله عز وجل، وهم مع تزاورهم واختلاف منازلهم في الجنة، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، كل واحد يرى نفسه أنه في نعمة ليس فيها غيره من النعيم العظيم، ليس يعتريه حزنٌ ولا مضايقة، بل في نعيم وسرور دائم، مع لقائهم لإخوانهم في الأوقات التي يشاؤها الله.
ولهم مواعيد مع ربهم يزورونه ويسلمون عليه، وينظرون إلى وجهه الكريم على حسب مراتبهم، كل هذا من الإيمان باليوم الآخر.
ولهم يوم المزيد، يوم يجمع الله فيه أهل الجنة، ويزورونه وينظرون إليه، ويسلم عليهم، ويحادثهم سبحانه وتعالى.
وعلى الزوج أن يتقي الله في أهله وألا يظلمهم، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، فعلى الزوج أن يتقي الله، وأن يعاشر بالمعروف، وعلى الزوجة أن تتقي الله، وأن تسمع لزوجها بالمعروف، وعليهما أن يتعاونا على البر والتقوى، وعلى طاعة الله ورسوله؛ حتى تكون زوجته في الجنة، وحتى يكون زوجها في الجنة.
كل هذا من أخبار يوم القيامة، وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة.. يوم طويل عظيم، لكنه لا ينتصف إلا وقد صار أهل الجنة إلى منازلهم، قال تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً [الفرقان:24] أي: عند نصف النهار يكون أهل الجنة قد وصلوا إلى منازلهم وتبوءوها وتنعموا فيها: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً [الفرقان:24].
وماذا في ذلك؟ الخلق وطول الحساب، والله جل وعلا هو الحكيم العليم الذي يجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها، وهو الحكم العدل، قال تعالى: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17]، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]، وقال عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].
هل أدى حق الله؟.. هل استقام على دين الله؟.. هل أدى واجب الله؟.. هل ترك محارم الله؟.. هل وقف عند حدود الله؟.. هل أدى ما عليه لإخوانه؟
وهكذا الزوج يحاسب نفسه: هل أدى حق زوجته؟.. هل أنصفها؟.. هل أدى حق والديه؟.. هل أدى حق أولاده وقرابته؟
وهكذا الزوجة تحاسب نفسها وتنظر! هل أدت حق زوجها؟.. هل أدت حق والديها وأقاربها؟
كل ذلك مطلوب، كما أن عليك أن تؤدي حق الله فهكذا حق المخلوق أيضاً، وحق الله أعظم وأكبر؛ ولكن أوجب عليك حقوقاً لغيره.. أوجب عليك حقاً لوالديك.. لزوجتك.. لأولادك.. لإخوانك المسلمين.. عليك أن تؤديها، وهكذا المرأة عليها أن تؤدي الحق الذي عليها لربها، ولزوجها، ولقرابتها، وللمسلمين.
ومن الحق على الجميع الدعوة إلى الله، وتعليم الناس الخير، والنصح لله ولعباده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا من حق الله على الجميع، ألا وهو التواصي بالحق والتناصح.. وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
ومن الحق على الجميع التعاون على البر والتقوى، يقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، فالواجب على كل إنسان أن يحاسب نفسه: هل أدى الحق الذي عليه لله ولعباده؟ ولا شك أنه متى حاسب نفسه وناقشها وجد التقصير، فعليه أن يكمل طريقه، وعليه أن يستقيم عليه، وأن يجاهد نفسه لله حتى يؤدي الحقوق التي لله ولعباده.
وأهل السنة والجماعة يؤمنون أيضاً بكلام الله، وأنه يكلم أهل الجنة، ويكلم عباده يوم القيامة، ويسمعون كلامه سبحانه وتعالى، ويسلم على أهل الجنة، فيقول: (هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا! ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، ألم تثقل موازيننا؟! ألم تدخلنا الجنة؟! ألم تنجنا من النار؟! قال: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟! قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)، وهذا فضله وجوده جل وعلا.
وأهل السنة والجماعة، هم المستقيمون على دين الله ورسوله، وهم التابعون للحق، وهم المنقادون لشرع الله، وهم أهل السنة والجماعة ومن شذ عنهم وخالفهم فهو من أهل البدع.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فالفرقة الناجية هم المؤمنون وهم أهل السنة والجماعة ، وهم المستقيمون على دينه وعلى اتباع شريعته، وهم الفرقة الناجية، واثنتان وسبعون متوعدون بالنار، إما لكفرهم وإما لبدعهم ومخالفاتهم.
أما أهل السنة والجماعة فهم الذين استقاموا على دين الله قولاً وعملاً وعقيدة، واتبعوا شرع الله، ونصحوا لله ولعباده، وتباعدوا عن مساخطه، فهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.. هم أهل الحق.. هم الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم، والتابعون لهم بإحسان.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم منهم، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المؤمنين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم.
كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، وأن يعيذهم من دعاة الباطل، ومن نزغات الشيطان، ومن كل ما يخالف أمره سبحانه، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن ينصر بهم الحق، ويخذل بهم الباطل، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
الجواب: لا شك أن من آمن بالله واليوم الآخر، واتبع الرسل من جميع الأمم، فلا شك أنه إلى الجنة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، فمن آمن بالله ورسله من هذه الأمة، ومن بني إسرائيل، ومن اليهود والنصارى، ومن غيرهم من الأمم؛ كلهم إلى الجنة، وكل من تابع الرسل من أولهم إلى آخرهم فهو إلى الجنة، ومن عصاهم وخالفهم فهو إلى النار، ولا شك أن أكثر الخلق إلى النار وأقلهم إلى الجنة، كما قال جل وعلا: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال جل وعلا: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، لكن في آخر الزمان، إذا رفع الله القرآن وأرسل الريح التي تقبض أرواح المؤمنين، والمؤمنات فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، وهم من أهل النار، لأنهم بقوا على الشرك بالله وعبادة غيره، فعليهم تقوم الساعة نسأل الله العافية.. (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)، وفي رواية: (حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله)، نسأل الله السلامة.
وأما القول بأن جميع أهل الأرض في النار فهذا كلام باطل، بل من آمن بالله واليوم الآخر فهو من أهل الجنة، وإنما يكون من أهل النار من كفر بالله وخالف أمره، لكن في آخر الزمان بعد رفع الكتاب العزيز، وبعد موت المؤمنين والمؤمنات، يبقى الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، وهم من أهل النار نسأل الله العافية.
الجواب: أما قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكل من آمن بالرسل الماضين فهو من أهل الجنة.. من آمن بموسى.. بعيسى.. بهود.. بصالح.. بجميع الرسل، فهو من أهل الجنة إذا مات على ذلك، أما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فليس من أهل الجنة إلا من تابع محمداً صلى الله عليه وسلم، فجميع أهل الأرض بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ليس لهم نجاة إلا باتباعه محمد عليه الصلاة والسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).
فأتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين يدخلون الجنة دون غيرهم، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار)، فلا يكون من أهل الجنة بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من اتبعه.
أما من بلغه خبره وكَفَرَ به، ولم يؤمن به، فهو من أهل النار، وأما من لم يبلغه خبر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الفترات الذين لم يسمعوا بالرسول ولا بالقرآن، فهؤلاء يقال لهم: أهل الفترة، وهؤلاء أمرهم إلى الله يوم القيامة، يمتحنهم جل وعلا، فمن نجح في الامتحان دخل الجنة، ومن لم ينجح دخل النار، نسأل الله السلامة، وأما من بلغه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن ولم يؤمن؛ به فهو من أهل النار.
ومن لم يكفر الكفار فهو مثلهم، فيجب تكفير من لم يؤمن بالله، وتكفير من كفر به، ولهذا ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وحد الله وكفر بما عبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)، ويقول الله جل وعلا: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256].
فلابد من الإيمان بالله، وتوحيده، وإخلاصه، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولابد من تكفير الكافرين الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والشيوعيين، وغيرهم ممن يوجد اليوم وقبل اليوم، فمن بلغته رسالة الله ولم يؤمن فهو من أهل النار، نسأل الله العافية.
الجواب: لهم أشياء غلطوا فيها في الصفات، فـابن حجر والنووي وجماعة آخرون لهم أشياء غلطوا فيها، ليسوا فيها من أهل السنة ، وهم من أهل السنة فيما سلموا فيه ولم يحرفوه هم وأمثالهم ممن غلط.
الجواب: من أعلن بدعته وجب هجره، وذلك كالغلو في أهل البيت كـعلي وفاطمة، وبغض الصحابة، فهذا يهجر؛ لأن الغلو في أهل البيت وبغض الصحابة كفر وردة عن دين الإسلام، فمن أظهر بدعتة يهجر، ولا يوالى، ولا يسلم عليه، ولا يستحق أن يكون معلماً ولا غيره، وأيضاً يقال مثل ذلك في الوظائف.
ومن لم يظهر بدعته ولم يبين شيئاً، وأظهر الإسلام مع المسلمين؛ فيعامل معاملة المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما سئل: (أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)، فمن أظهر الإسلام فهو أخونا، نسلم عليه ونرد عليه السلام، ومن أظهر الشرك والبدعة فليس أخانا، إن كان أتى شركاً، وإن كان أتى بدعة استحق الهجر عليها، حتى يدعها وينقاد إلى الحق.
وهكذا من أظهر المعاصي كالزنا، وشرب الخمر؛ استحق أن يهجر وإن كان مسلماً، يستحق أن يهجر حتى يتوب إلى الله من شرب الخمر، ومن إظهار ما أظهر من المنكرات.
السائل: إذا مرض هل يعالج؟
إذا كان دخل بأمان وعهد فلا بأس أن يعطى العلاج، ويعلم، ويدعى إلى الله، أما إذا كان حربياً فلا يعطى العلاج، بل يقتل! وكذلك ما دام أنه في أمان عندنا فلا بأس أن يعالج في المستشفيات، يعطى الدواء ما دام تحت الأمان، حتى يقام عليه حد الله.
الجواب: من كفر بالله صار كافراً، ومن أشرك بالله صار مشركاً، كما أن من آمن بالله ورسوله صار موحداً مؤمناً، أما من لم تبلغه الدعوة فهذا لا يقال عنه: مؤمن، ولا كافر، ولا يعامل معاملة المسلمين، بل أمره إلى الله يوم القيامة، ويضاف أهل الجهل الذين ما بلغتهم الدعوة، فهؤلاء يمتحنون يوم القيامة، فيبعث الله إليهم عنقاً من النار، ويقال: ادخلوا، فمن أجاب صار عليه برداً وسلاماً، ومن لم يجب قذف إلى النار، نسأل الله العافية.
فالمقصود أن من بلغته الدعوة ولم يؤمن ولم يسلم فهو كافر عدو لله.
الجواب: دعوى معرفة المياه لا أظنه من الكهانة، فهو يدرك بأمارات، والمياه في الأراضي تدرك بعلامات وأمارات يعرفها المختصون، قد يخطئون وقد يصيبون، لكن إذا كان علمهم جيداً فالغالب أنهم يصيبون، كما ذكر ابن القيم رحمه الله وغيره أن هناك أمارات يعرف بها مواضع المياه.
السؤال: بعض الناس ينكرون الانتساب إلى أهل السنة والجماعة ويقولون: كلٌ يدعي ذلك، ولكن الأولى أن ينتسب إلى السلف، فما تعليقكم؟
الجواب: السلف هم أهل السنة والجماعة ، والانتساب إليهم إذا كان من أتباع أهل السنة والجماعة، من أتباع الصحابة، ومن يؤمن بالله واليوم الآخر ينتسب إلى أهل الحق لا ينتسب إلى أهل الباطل، فعلى من ينتسب إلى أهل السنة أن يجاهد نفسه على الصدق، لا أن تكون دعوى، بل يجاهد نفسه حتى يصل.
الجواب: الحديث صحيح، ومعنى خلق آدم على صورته، أي: سميعاً بصيراً يتكلم، ذا عين وذا يد وذا قدم، وليس معناه المشابهة، فإن الله لا يشبهه شيء.. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4]، لكن معناه: خلقه الله على صورته سميعاً بصيراً، له وجه.. له يد.. له قدم.. يعلم ويسمع ويبصر، هكذا قال أهل السنة كـأحمد وإسحاق وغيرهم رحمة الله عليهم.
السؤال: هناك من يتلفظ بألفاظ فيها الاستعانة بالجن، والدعاء والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعندما ينبه يقول: اعتاد عليها لساني، فما الحكم في ذلك؟
الجواب: يجب أن يعود لسانه على الكلام الطيب ويحذر الكلام المنكر، وليس هذا بعذر، فيجب أن يحفظ لسانه عما حرم الله من الاستغاثة بالجن ودعائهم، ومن الشرك بالله جل وعلا، قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] كانت العرب في جاهليتها تعبد الجن وتستعيذ بهم وتخافهم، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يثق بالله، وأن يعتمد على الله، ويستعيذ بكلمات الله التامات ليلاً ونهاراً من شر ما خلق، ويقيه الله شرهم، يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، في ليله ونهاره، وفي أي منزل، وفي أي مكان (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، يكررها ثلاثاً أو أكثر، دائماً صباحاً ومساءً، ويقيه الله من شرهم، وهكذا إذا قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحاً ومساءً، هذا من أسباب العافية من كل شيء، وهكذا قراءة المعوذتين و(قل هو الله أحد) صباحاً ومساء ثلاث مرات بعد الفجر وبعد المغرب، من أسباب السلامة من كل شر.
فالمقصود أن الواجب عليه أن يحفظ لسانه عما حرم الله من كل كلام رديء، من دعاء الجن، ومن الحلف بغير الله، وغير ذلك من سائر كلامه المنكر، وليس له عذر بقوله: اعتاده لساني، بل يحذر ويحفظ لسانه عما حرم الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، والله يقول في كتابه العظيم: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
وهو مسئول عن كلامه، فعليه أن يحفظ لسانه عن كل ما حرم الله من الغيبة والنميمة والسب، ودعاء الجن، والتوسل بالمخلوقات إلى الله، كأن يتوسل بالنبي، أو بجاه النبي، أو بحق النبي؛ فكل هذا لا يجوز، التوسل يكون بدعاء الله وتوحيده، وبالإيمان به سبحانه واتباع الشريعة، والتوسل بأعمالك الصالحة، كل هذا طيب.
فلا بأس أن تقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبمحبتي لك، واتباعي لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم.. ببري والدي.. بصلتي للرحم.. بأدائي للأمانة.. توسل بأعمالك مثل أصحاب الغار الذين توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة؛ فأنجاهم الله وفرج كربتهم.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة ممن قبلنا آواهم المبيت من المطر إلى غار، فدخلوا فيه من أجل المطر والليل يبيتون فيه، فأنزل الله صخرة تدحرجت من أعلى الجبل حتى سدت عليهم الغار، ولم يستطيعوا لها دفعاً، فقالوا فيما بينهم: لن يخلصكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فأنجاهم الله منها.
قال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً. والغبوق: الحليب في أول الليل، من عادة البادية أن يصبوا الغبوق في الليل إذا حلبوا الإبل، فكان يأتي بالحليب ليسقي والديه قبل أهله، فإذا به ذات ليلة تأخر فجاء فوجدهما نائمين، فكره أن يوقظهما، وبقي واقفاً بالقدح ينتظر استيقاظهما، والصبية عند قدميه يتباكون يريدون الحليب، ومن شدة حبه لوالديه وبره بهما بقي واقفاً حتى طلع الفجر، فاستيقظا فسقاهما، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إليَّ، فراودتها عن نفسها -أي: الزنا- فأبت علي، فألمّ بها سنة شديدة، أي: حاجة، فجاءت إليه تطلبه الرفد والحاجة، فقال: لا، حتى تمكنيني من نفسك. -أي: حتى تسمح له بالزنا بها، فعند الضرورة سمحت- فلما جلس بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، وقد أعطاها مائة وعشرين ديناراً، فلما قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، خاف من الله وقام وتركها وترك الذهب لها، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك -أي: ترك الزنا، وترك الذهب- فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً أيضاً، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قام الثالث فقال: اللهم إنه كان لي أجراء -عمال عنده- فأعطيتهم حقوقهم إلا واحداً بقي له حق عندي، فنميته وثمرته في إبل وغنم وبقر وعبيد، وبقيت أنتظر مجيئه ليأخذ حقه. فصار يتصرف ويتجر فيه، واشترى من الإبل، وهو إنما بقي له آصع من شعير أو من ذرة أو من الأرز، فنَّمى هذا المال، واتجر فيه، واشترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فجاء بعد مدة وقال: يا عبد الله! أعطني حقي، الذي تركته عندك، قال: يا فلان! كل ما ترى من حقك، كل الإبل والبقر والغنم والعبيد ثمرته لك، فقال: يا عبد الله! لا تستهزئ بي، قال: إني لا أستهزئ بك هو من حقك خذه، فاستاقه كله، استاق الإبل والبقر والغنم والعبيد، ثم قال الرجل: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا.
بأسباب أعمالهم الصالحة التي توسلوا بها إلى الله عز وجل، فنفعتهم عند الشدة، وأنجاهم الله بها عند الشدة، فتوسل إلى الله بإيمانك، وتقواك، وبر والديك، وأدائك الحقوق، وهكذا التوسل بتوحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به؛ فكلها أعمال صالحة.
توسل إلى الله بأنك تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك تؤمن بالله ورسوله، وأنك تؤمن باليوم الآخر، فهذا كله وسيلة شرعية.
اللهم إني أسألك بأسمائك وصفاتك وسيلة شرعية، أما التوسل بالمخلوقات، أو بجاه النبي، أو بحق النبي، أو بجاه فلان، أو رأس فلان، أو شرف فلان؛ فهذه وسيلة باطلة لا تنفع، وليست وسيلة شرعية.
الجواب: كلهم عندهم نقص، جماعة التبليغ، وجماعة الإخوان المسلمين يجب أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يستقيموا على الحق، وأن ينفذوا ما دل عليه الكتاب والسنة في توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به، واتباع شريعته.
فعلى الإخوان المسلمين -وفقهم الله- أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم، وأن يستقيموا على دين الله قولاً وعملاً وعقيدة، وأن يحذروا مخالفة أمره أينما كانوا.
وعلى جماعة التبليغ أن يحذروا ما كان يفعله أسلافهم من تعظيم القبور، والبناء عليها، أو جعلها في المساجد، أو دعائها والاستغاثة بها، كل هذا من المنكرات، والاستغاثة بها من الشرك الأكبر، فعليهم أن يحذروا ذلك، وهم جماعة لهم نشاط في الدعوة إلى الله، وكثير منهم ينفع الله به الناس، لكن عند أسلافهم عقيدة غير صالحة، فيجب على الخلف أن يتطهروا منها، وأن يحذروا العقيدة الرديئة، وأن يستقيموا على توحيد الله حتى ينفع الله بهم وبجهادهم.
الجواب: المشروع أن نقول مثلما علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، فقد علمهم أن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فنقول كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، حيث علم الصحابة ولم يقل لهم: إذا مت فغيروا، بل علمهم وهم سيسافرون ويذهبون إلى البلاد البعيدة أن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، فيدعون له بالسلامة والرحمة والبركة، و(أيها النبي) معناها: استحضار أيها النبي، ليس معناه أنهم يدعونه، بل يدعون له (السلام عليك)، أي: لك السلامة، ولك العافية والرحمة والبركة من ربك، وهو دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس يدعى هو.
ولكنك تطلب الله له السلامة والرحمة والبركة، ومن قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فلا بأس، لكن الأفضل أن يقول كما علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، هذا هو الذي علمه النبي أمته، ومات على ذلك عليه الصلاة والسلام.
الجواب: الدين عام، يعم المسجد، ويعم البيت، ويعم الدكان، ويعم السفر، ويعم الحضر، ويعم السيارة، ويعم البعير، ويعم كل شيء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]، أي: في الإسلام كله، فعلى العبد أن يتقي الله في كل شيء، وأن يسلم وجهه إلى الله في كل شيء، ليس في المسجد فقط، بل في المسجد، وفي البيت، ومع أهله، ومع ضيوفه، ومع جيرانه، وفي الأسواق مع إخوانه في محل البيع والشراء، عليه أن يبيع كما شرع الله، ويحذر من الربا، ويحذر الكذب، ويحذر الخيانة، ويحذر الغش.. وهكذا في جميع أحواله.
فالدين عام في كل شيء، الدين معك في كل شيء: في بيتك.. في دكانك.. في سفرك.. في إقامتك.. في الشدة.. في الرخاء.. عليك أن تلتزم بالدين ليس فقط في المسجد، فهذا إنما يقوله الضالون والعلمانيون، ودعاة الضلالة والإلحاد.
الدين معك في كل شيء، فعليك أن تلتزم بدين الله في كل شيء، وأن تستقيم على دين الله بكل شيء، المسلم يلتزم بدين الله، ويستقيم على أمر الله في جميع الأمور، ولا يختص بالبيت، ولا بالمسجد، ولا بالسفر، ولا بالحضر، بل في جميع الأشياء، عليك أن تطيع الله وتؤدي فرائضه، وتنتهي عن محارمه، وتقف عند حدوده أينما كنت، في بيتك، أو في الجو، أو في البحر، أو في السوق، أو في أي مكان.
الجواب: بينهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم المستقيمون على دين الله، سبعون ألفاً ومع كل ألف سبعون ألفاً، مقدم هذه الأمة المؤمنة قدموهم في الدخول إلى الجنة على صورة القمر ليلة البدر، وهم الذين جاهدوا بأمر الله، واستقاموا على دين الله أينما كانوا، بأداء الفرائض وترك المحارم، والمسابقة إلى الخيرات.
ومن صفاتهم: لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون.
لا يسترقون أي: لا يطلبون من يرقيهم، ولا يكتوون ليس معناه تحريم ذلك، فلا بأس بالاسترقاء ولا بأس بالكي عند الحاجة إليهما، ولكن من صفاتهم: ترك ذلك والاستغناء بالأسباب الأخرى.
لا يسترقون أي: لا يطلبون من يرقيهم، أي: لا يقولون: يا فلان! ارقني، وإذا دعت الحاجة فلا بأس، ولا يخرج بذلك إذا دعت الحاجة عن السبعين، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تسترقي في بعض مرضها، وأمر أم أيتام جعفر بن أبي طالب أن تسترقي لهم، كما في الحديث الصحيح، وهكذا.
وكذلك كوى بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، وقال: (الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي)، وقال: (أنهى أمتي عن الكي)، فالكي آخر الطب، فإذا تيسر الطب الآخر الأولى، وإذا دعت الحاجة إليه فلا بأس.
الجواب: أما الغناء في العرس من النساء بالدفوف فهذا من إعلان النكاح، فيشرع ضرب الدف في النكاح للنساء خاصة، وليس فيه اختلاط وإنما أغانٍ عادية ليس فيها منكر، فهذا مشروع للنساء، وهو من إعلان النكاح، وكان يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويحضره أزواجه وغيرهم.
أما الرجال فلا بأس أن يتعاطوا الشعر العربي ويجتمعوا عليه ويسمعونه، الذي ليس فيه محظور، وليس فيه غيبة، ولا سب ولا شتم، ولا يسبب الشحناء والعداوة، وبدون طبل أو أي منكر آخر.
أما عيب الناس وعيب قبيلة فلان فهذا مما يسبب الشحناء فلا يجوز، أما إذا حضَّروا شعراً طيباً، كشعر حسان والأشعار الطيبة، والقصائد الطيبة التي فيها الخير والدعوة إلى الخير، أو قام شاعر يدعوهم إلى الخير؛ من الجود والكرم والأعمال الطيبة، وقام شاعر آخر كذلك يدعو إلى الخير ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فلا بأس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر لحكمة)، وقال لـحسان: (اهج الكفار، فوالذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل)، وقال: (اللهم أيده بروح القدس) فكان يهجوهم حسان وأشعاره عظيمة طيبة، وهكذا عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، وهكذا من بعدهم من الشعراء الطيبين.
ومن الشعر: نونية ابن القيم التي هي من أعظم الشعر ومن أنفعه، فهي قصيدة طيبة عظيمة نافعة، ونونية القحطاني قصيدة طيبة نافعة في العقيدة، وهكذا الأشعار الطيبة التي فيها الدعوة إلى الخير وإلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، هذا طيب في العرس وغير العرس.
أما أن يقوم شاعران أو أكثر يتناحرون، ويذم بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً، فهذا منكر، أو يسب هذا أهل قبيلة هذا، فهذا منكر، لكن إذا كان الشعر فيما ينفع الناس؛ في الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وطاعة الله ورسوله، وطاعة ولاة الأمور بالمعروف، والحذر من معاصي الله؛ فهذا كله طيب له أثر في النفوس، ولا بأس أن تعطى المغنية في العرس أجرة عملها، أو الشاعر الذي عنده أشعار طيبة، يدعى ليقول الشعر الطيب الذي ينفع الناس ويعطى جائزة، فهذا لا بأس به.
أما الذي يدعو إلى غيبة فلان وغيبة فلان وذم فلان، ومدح فلان، لإثارة الشحناء والعداوة والبغضاء بين الناس، فهذا منكر لا يجوز. نسأل الله العافية.
الجواب: النياحة لا تجوز، لكن إذا جلس الناس في بيت يعزوهم فلا بأس، يجلس في البيت في أوقات مناسبة حتى يزوره أقاربه وغيرهم من المعزين لا بأس بذلك، لكن إذا صنع أهل الميت طعاماً وذبحوا واجتمع الناس عندهم فهذا بدعة لا أصل له، لكن إذا جلس صاحب البيت في الأوقات المناسبة بين المغرب والعشاء، ليزوره إخوانه أو يعزوه، حتى لا يشق عليهم، أو عزوه في الطريق أو في المقبرة أو في المسجد فلا بأس.
الجواب: في الصحف فيما بلغني أنه يكلف كثيراً، ويخشى من التكلف ومن النفقات الطائلة بلا حاجة، وإلا لو كتب: (أحسن الله عزاء آل فلان في ميتهم وغفر الله له) لا يضر، لكن بلغني أن فيه كلفة، وتركه أولى إذا كان فيه كلفة، فيكتب لهم رسالة أو برقية ويكفي، إذا كان في الجريدة مشقة ونفقات، وليس هو من النعي الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
فالنعي الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم: كان أهل الجاهلية إذا مات ميت أركبوا إنساناً يطوف بين القبائل ينعى إليهم الميت، وهذا من عمل الجاهلية، أما إذا كتب كتاباً يعزيه، أو كتب في الجريدة: أحسن الله عزاء آل فلان، فلا بأس، إلا إذا كان يكلف وفيه مئونة فالأفضل تركه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وهذا من إضاعة المال، ويكفي كتابة خط إليهم، أو برقية، أو مكالمة هاتفية.
الجواب: من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، فالميت إما أن ينعم وإما أن يعذب، فـأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بهذا، فقبره إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار.
فعلى المسلم أن يؤمن بهذا، وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على شخصين يعذبان: أحدهما كان يمشي بالنميمة، والآخر كان لا يتنزه عن البول.
فـأهل السنة يؤمنون بعذاب القبر ونعيمه، وأنه حق على الروح والجسد جميعاً، ولكن نصيب الروح أكثر، كما قال الله جل وعلا في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً [غافر:46]، وهكذا الميت الصالح ينعم في قبره، وغير الصالح يعذب في قبره، ويوم القيامة العذاب أشد، والنعيم أعظم بعد البعث والنشور.
الجواب: لا يكفي المعتقد عن العمل، فلابد من عمل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [لقمان:8] لابد من عمل، أن يؤمن بالله ورسوله ويوحد الله ويعمل، يؤدي فرائض الله، وينتهي عن محارم الله، لابد من هذا وهذا.. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8]، فلابد من الإيمان والعمل.
الجواب: إذا كان عندك علم تدعو إلى الله على بصيرة فلا تلتفت إلى من ثبطك، بل تدعو إلى الله، وتعلم الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، مع الحلم والصبر والاحتساب وطيب الكلام، كما قال الله جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110]، وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، وقال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فاستمر على ذلك ما دام عندك علم، فاستقم على ذلك ولا تلتفت إلى من ثبطك، لكن عليك بالحكمة، عليك بقال الله ورسوله، ووضع الأشياء في مواضعها، والحلم والصبر، وعدم العجلة في الأمور، وعليك بالرفق وطيب الكلام.
الجواب: هذا ليس بشرط، إنما هو وصف أغلبي يعني تعظم الفرضية والوجوب عند انتفاع الناس بالذكرى، وإنما هو أمر بالتذكير عسى أن ينتفعوا، ولهذا في الآيات الأخرى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، فالإنسان يذكِّر والنفع بيد الله، لكن إذا نفعت الذكرى فيكون الوجوب أشد، وتكون الفائدة أعظم، إذا رأى منه الانتفاع والاستفادة؛ فإن الواجب عليه يتضاعف ويقوى ويكبر.
الجواب: لا. يوجد هذا، لكن ليس معناه أن الإنسان يترك، ولا يأمر ولا ينهى، يوجد شح مطاع وهوى متبع، وإعجاب بالرأي، ولكن ليس الأصل الذي يقف فيه الإنسان عن دعوته ويعتني بنفسه، فالحمد لله الدعوة مسموعة ومفيدة ونافعة، ويوجد من يستجيب له، فعليه أن يدعو إلى الله، ويحذر شحه المطاع، وهواه المتبع، ولكن لا يقف عن الدعوة إلا إذا جاء وقت يمنع فيها من الدعوة ويعاقب عليها، ولا يسمح لأي أحد من الدعاة من إخوانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وليس هذا هو وقته والحمد لله، فهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاة إلى الله مسموح أن يدعوا إلى الله، ولكن بعض الناس قد يخطئ، وقد يوقف لأجل خطئه في بعض المسائل وما يمنع من الدعوة، فالإنسان يلزم الطريق، ويستقيم على الطريق السوي، وإذا منع أحد أو وقف أحد لأجل أنه حاد عن السبيل في بعض المسائل، أو أخطأ في بعض المسائل حتى يتأدب ويلتزم، فهذا من حق ولاة الأمور أن ينظروا في هذه الأمور وأن يوقفوا من لا يلتزم بالطريقة التي يجب اتباعها، وعليهم أن يحاسبوا من حاد عن الطريق حتى يستقيم، هذا من باب التعاون على البر والتقوى.
وعلى الدولة أن تتقي الله في ذلك، وأن تتحرى الحق في ذلك، وعليها أن تأخذ رأي أهل العلم، وتستشير أهل العلم، وعليها أن تقوم بما يلزم، ولا يترك الحبل على الغارب، كل من شاء يتكلم، لا. قد يتكلم أناس يدعون إلى النار، وقد يتكلم أناس يثيرون الشر والفتن، ويفرقون بين الناس بغير حق، فعلى الدولة أن تراعي الأمور بالطريقة الإسلامية وبالطريقة المحمدية، وبمشاورة أهل العلم حتى يكون العلاج والدواء في محله، وإذا وقع خطأ أو غلط فلا يستنكر، ومن يسلم من الغلط؟
لكن الداعية قد يغلط، والآمر والناهي قد يغلط، والدولة قد تغلط، والقاضي قد يغلط، والأمير قد يغلط، كل بني آدم خطاء، لكن المؤمن يتحرى.. الدولة تتحرى الحق.. والأمير يتحرى.. والقاضي يتحرى.. والداعية إلى الله يتحرى.. والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يتحرى.. وليس معصوماً، فإذا غلط ينبه على خطئه، ويوجه إلى الخير، فإذا عاند فللدولة أن تعمل معه من العلاج أو التأديب أو السجن ما يمنع العناد، إذا عاند الحق وعاند الاستجابة، ومن أجاب وقبل الحق فالحمد لله.
السائل: وإذا وجد رجل فيه فساد بين؟
الشيخ: هذا يجب على الدولة أن تمنعه.. يجب على الدولة أن تمنع نشر الصور من صور المغنين، ومنع نشر الدعوة إلى الباطل، على الدولة وعلى أهل الحسبة أن يقوموا بهذا، وعلى أهل الدعوة أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يبلغوا الدولة، وعلى وزارة الإعلام أن تجتنب ذلك، وأن تحرص على نشر الحق، سواء كان من طريق الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء، يجب على القائمين على وزارة الإعلام أن يتقوا الله، وأن يعملوا ما يرضي الله، وأن يحذروا مما حرم الله، وعلى الدولة أن تقوم بذلك، وعلى المسلمين والعلماء والأخيار أن يساعدوا في ذلك، وأن يتعاونوا في ذلك، وأن يرفعوا للدولة ما قد يقع من الخطأ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر