أما بعد:
فقد سمعنا جميعاً هذه المحاضرة القيمة من فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن حماد بن عمر، والتي هي عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، وهي محاضرة -بحق- مفيدة، وموافقة لما هو معروف عن أهل السنة والجماعة.
ومن المعروف أن الناس اغتروا كثيراً، وتنوعت بهم الطرق، وحاد كثيرٌ منهم عن الطريق السوي، فوفق الله أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان، للأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما دل عليه كتاب الله العزيز، ومما جاء في السنة الصحيحة، هدى الله أولئك الأخيار وهم الصحابة ومن سلك سبيلهم، للأخذ بالحق والسير عليه، والتعرف إليه.
وهؤلاء أهل السنة والجماعة هم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان؛ من التابعين، وأتباع التابعين، وأئمة الهدى من بعدهم إلى عصرنا هذا، ومن سار على طريقهم فهو منهم، جعلنا الله و إياكم منهم.
وقد أجاد فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن وأفاد عن هذه العقيدة العظيمة، فجزاه الله خيراً، وأعظم مثوبته، ونفعنا وإياكم جميعاً بما سمعنا وعلمنا، وزادنا وإياكم وإياه علماً وفقهاً وتوفيقاً وفهماً.
ورد أن هذه العقيدة يجب على كل مسلمٍ أن يعرفها وأن يفهمها؛ لأن كثيراً من الجهلة والمنحرفين وأعداء الإسلام يلبسون على الناس في عقائدهم، ويتكلمون فيها بجهل وبغير علم، وبقصد سيئ، للتضليل، والتشبيه، والتزييف، وقصد انحراف الناس عن الهدى، فإذا كان المسلم على بينة وعلى بصيرة بالعقيدة الصالحة؛ استطاع أن يحذر شر هؤلاء، وأن يبتعد عما يطلبون من الشر، ويدعون إليه من الباطل، بما أعطاه الله من الهدى والبصيرة.
وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، فعلامات السعادة والخير أن يُفَقّهَ العبد في دين الله، وأن يتبصر في أمر الله؛ هذه علامة أن الله أراد به خيراً، أما الإعراض، والجهل، والغفلة، وعدم العناية بأمر الدين؛ فهذه علامة ظاهرة على أن الله ما أراد بالعبد خيراً، فينبغي للمؤمن أن يحذر هذا الخلق، وهو خلق الإعراض والرضا بالجهل، وعليه أن يتعلم ويتفقه ويحضر حلقات العلم، ويسأل عما أشكل عليه.
ثم ما صح من السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ميسر مدون وموجود في كتب أهل العلم، ففي إمكان طالب العلم، وفي إمكان المسلم وطالب الحق أن يسأل عن كل ما أشكل عليه، وأن يكون على بينة وعلى بصيرة؛ ولاسيما عند سماع ما قد يشكل عليه، وعند دعوته إلى ما قد يشكل عليه بإمكانه أن يسأل أهل العلم، ويتبصر حتى يعلم الحق بدليله، وحتى يسلم من شبهات المشبهين، وتضليل الضالين، وقد قال الله جل وعلا: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]، فالمتبعون للصحابة بإحسان هم المرضي عنهم، وهم أهل الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم! واتباعهم بالعلم النافع، والتفقه في الدين، وبالعمل بما كانوا عليه من طاعات، وترك ما حذروا منه من البدع والخرافات والمحرمات، والسير في الطريق السوي الذي ساروا عليه واستقاموا عليه؛ وهو صراط الله المستقيم.
فكما أن ذاته سبحانه حق لا تشبه الذوات، فهكذا صفاته كلها حق لا تشبه صفات المخلوقين، فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن جميع صفات النقص والعيب.
نؤمن أن الله تعالى مستوٍ على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، لا يشابهه الخلق في استوائهم، استواؤه على العرش ليس مثل استواء المخلوقين على دوابهم، أو على سياراتهم، أو على طائراتهم، أو على سطوحهم، لا! وإنما هو استواء يليق بالله، لا يشابهه الخلق في صفاته جل وعلا، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4] وقال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74] فيقال: الاستواء معلوم، والارتفاع معلوم، والكيف مجهول، لا نعلم كيفية الاستواء وكنهه هذا! ولكن نعلم أنه سبحانه فوق العرش، وأنه عالٍ فوق جميع خلقه، وأنه العلي الأعلى ليس فوقه شيء سبحانه وتعالى.
وهكذا الموصوف بأنه الرحمن، والرحيم، والسميع، والبصير، وبأنه يغضب ويرضى، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع.. إلى غير ذلك.
وهو موصوف بأن له يدين وقدمين جلا وعلا .. يسمع ويبصر.. له أصابع تليق بالله لا يشابه خلقه سبحانه وتعالى.
وقد أخبر عن نفسه بأنه سبحانه وتعالى له يدان، قال جل وعلا: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وقال سبحانه وتعالى: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقال: وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار)، وقال: (إن جهنم لا تزال يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها رجله، فيلتوي بعضها على بعض فتقول: قَطْ قَطْ) أي: حسبي حسبي.. نسأل الله العافية!
فالمقصود أن صفاته سبحانه تليق به جل وعلا، لا يشابهه خلقه سبحانه وتعالى، فـأهل السنة والجماعة من الصحابة ومن اتبع سبيلهم يمرونها كما جاءت، ويؤمنون بها ويعلمون أنها حق، وأن الله سبحانه وتعالى لا يشابه الخلق في شيء من صفاته جل وعلا.
هذه أصول أهل السنة والجماعة، عليها ساروا، وعليها استقاموا، وأهل البدع الذين غيروا وبدلوا على أنواع وعلى أقسام، لكن أهل السنة والجماعة ثابتون على الحق، يؤمنون بالله ورسوله، ويصدقون بما جاء عن الله ورسوله، ويقولون: إيماننا يزيد وينقص.. بالصلاة، بالصيام، بالحج، بالجهاد، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقوى إيمان العبد ويتضاعف ويزيد ويكثر، وإذا عصى بسرقة، أو عقوق، أو قطيعة رحم، نقص إيمانه وضعف، لكن لا يكون كافراً، مثل الشجرة إذا قطع منها غصن أو غصنان لا تزول، وإنما يكون شيء منها ناقصاً، فإذا قطع أساسها واجتث ذهبت، وهكذا الإيمان، له أساس، وله أصول، وله فروع، فإذا قطع من فروعه بعض الأشياء لا يزول بل يبقى معه أصل إيمان، كما في أصل الشجرة، فـأهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان يزيد وينقص، بالاستقامة على طاعة الله، والمحافظة على دين الله؛ يقوى الإيمان ويزداد ويكمل، وبتعاطي العبد بعض المعاصي التي لا تكفره، كشرب الخمر، والزنا، والعقوق، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان والكاذبة، وأشباه ذلك؛ هذه كلها نقص في الأصول والفروع، كلها تضعف الإيمان والدين، ولكن لا يكون كافراً، وبعض أهل البدع يقولون: متى سرق كفر، ومتى زنا كفر، ومتى شرب الخمر كفر، ليس عندهم فرق بين الأصول والفروع، ولا بين الزيادة والنقصان، كـالخوارج، وهذا باطل.
وكذا المعتزلة من جنسهم يقولون: متى فعل هذه الكبائر خرج من الإسلام، وكان مخلداً في النار يوم القيامة، وإن تورعوا عن تكفيره، لكنهم مع مكفريه في المعنى.
أما أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعهم بإحسان، فيقولون: إن الإيمان يزيد وينقص ما دام أصله موجوداً، أما فروعه فإنه إذا أخل منها بشيء لا يكفر ما لم يستحله، فإذا زنى وهو يعلم أن الزنا حرام يكون ناقص الإيمان ضعيف الإيمان، مستحقاً لعقوبة الله والحد في الدنيا والعذاب في الآخرة إذا فعل ذلك.
كذلك إذا شرب الخمر وهو يعلم أنها حرام، وأنه عاصٍ، فهو عاصٍ وإيمانه ناقص، ويستحق الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة، لكن لا يكون كافراً مثل اليهود والنصارى والمشركين، إلا إذا استحله، إذا قال: إن المسكر حلال، والزنا حلال؛ صار كافراً كفراً أكبر مخرجاً عن الإسلام، كالكفار واليهود والنصارى وغيرهم، بل أشد؛ لأن الردة فوق ذلك.
هذه الأشياء التي سمعتم ووضحت لكم أصول ومهمات عظيمة، ينبغي أن تكون على البال.
والرافضة ضالون مضلون، قد خالفوا الطريق، وخالفوا ما عليه أهل السنة والجماعة، وخالفوا النصوص.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر