إسلام ويب

شرح ألفية ابن مالك [4]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ألقاب الإعراب أربعة وهي رفع ونصب وجر وجزم، وعلاماتها الأصلية أربع: الضمة والفتحة والكسرة والسكون على الترتيب، وتشترك الأسماء والأفعال في الأولين ويختص الاسم بالثالث والفعل بالرابع، وما سوى الأصلية ينوب منابها، ومما يعرب بالنيابة الأسماء الستة، وهي أبو أخو حمو فو ذو هن.

    1.   

    ألقاب الإعراب

    اشتراك الاسم والفعل في الرفع والنصب

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    [والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل نحو لن أهابا

    والاسم قد خصص بالجر كما قد خصص الفعل بأن ينجزما

    فارفع بضم وانصبن فتحاً وجر كسراً كذكر الله عبده يسر

    واجزم بتسكين وغير ما ذكر ينوب نحو جا أخو بني نمر ]

    قول المؤلف رحمه الله:

    (والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل نحو لن أهابا)

    الإعراب:

    الرفع: مفعول به أول مقدم للفعل (اجعلن) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

    والواو عاطفة.

    النصب: معطوف على الرفع، والمعطوف على المنصوب منصوب.

    اجعلن: اجعل فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد.

    والنون حرف توكيد لا محل له من الإعراب.

    إعراباً: مفعول به ثان للفعل (اجعلن) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

    لاسم: جار ومجرور.

    وفعل: الواو عاطفة. وفعل معطوف على ما قبله مجرور مثله.

    نحو: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك نحو..

    لن أهابا: لن: حرف نفي ونصب واستقبال.

    أهابا: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

    والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا.

    وجملة (لن أهابا) في محل جر مضاف إليه.

    يقول ابن مالك رحمه الله:

    (والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل ..)

    سبق لنا أن الاسم منه معرب ومبني وكذلك الفعل.

    فالمعرب ما تغير آخره باختلاف العوامل، والمبني: ما ليس كذلك.

    إذاً: المعرب له علامات: منها الرفع، والنصب.

    فيقول هنا: اجعلن الرفع والنصب إعراباً للاسم والفعل.

    فالاسم: يكون مرفوعاً، والفعل يكون مرفوعاً، والاسم يكون منصوباً، والفعل يكون منصوباً.

    إذاً يشترك الاسم والفعل في الرفع والنصب.

    مثال الرفع: يقوم زيد، فالفعل مرفوع والاسم مرفوع.

    ومثال النصب: لن أهين الطالب.

    أهين: فعل منصوب.

    والطالب: اسم منصوب.

    وقد مثل المؤلف للفعل فقال: (نحو لن أهابا) فلن هذي تنصب.

    وأهاب: فعل مضارع منصوب بلن.

    ويمكن أن نجعل هذا المثال مثالاً للاسم والفعل؛ نقول: مثل أن يقول: لن أهابا عدواً.

    فـأهاب: هنا منصوبة بلن. وعدواً: منصوبة بالفعل.

    تخصيص الاسم بالجر والفعل بالجزم

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    (والاسم قد خصص بالجر كما

    قد خصص الفعل بأن ينجزما)

    هذه العلامة الخاصة، فالجر يختص بالاسم، أي: فلا يكون الفعل مجروراً أبداً.

    كما قد خصص الفعل بأن ينجزم، فلا يكون الاسم مجزوماً أبداً.

    إذاً: الإعراب أنواعه أربعة: رفع، ونصب، وخفض، وجزم.

    والمؤلف يعبر بالجر وهو تعبير البصريين.

    وفي الآجرومية عبر بالخفض، وهو تعبير الكوفيين.

    فإذا وجدت كتاباً في النحو يعبر بالخفض عن الجر فاعلم أنه كوفي، وإذا رأيت كتاباً يعبر بالجر عن الخفض فهو بصري.

    فأنواع الإعراب: رفع ونصب وجر وجزم، تشترك الأسماء والأفعال في نوعين وهما الرفع والنصب. يعني: أن الاسم يكون مرفوعاً والفعل يكون مرفوعاً، والاسم يكون منصوباً والفعل يكون منصوباً.

    ويختص الاسم بالجر، والفعل بالجزم، يعني: أن الفعل لا يكون مجروراً والاسم لا يكون مجزوماً، وقد مر علينا في أول الألفية أن من علامات الاسم الجر، يعني أنه خاص به، فلا يصلح أن أقول: يضربِ زيد لأن الفعل لا ينجر.

    ولا يصح أن أقول: جاء زيدْ وعمرْو فأجزمه؛ لأن الجزم خاص بالأفعال.

    ولا يكون الجزم في الفعل الماضي لأنه مبني، ونحن نتكلم عن الإعراب، فالجزم لا يكون إلا في الفعل المضارع، لأنه هو الذي يعرب.

    فقول المؤلف: (قد خصص الفعل بأن ينحزما) لا يريد به العموم؛ لأن الفعل الماضي لا يدخله الجزم وفعل الأمر لا يدخله الجزم، على قول البصريين، وهو الصحيح، وإنما يدخل الجزم الفعل المضارع.

    وإذا كانت أنواع الإعراب أربعة، فما علامات هذه الأنواع؟ أعني: ما علامات كون الاسم مرفوعاً، أو كون الفعل مرفوعاً، أو كونهما منصوبين، أو كون الاسم مجروراً، أو كون الفعل مجزوماً؟

    العلامات الأصلية للإعراب

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    [فارفع بضم وانصبن فتحاً وجر

    كسراً كذكر الله عبده يسر

    واجزم بتسكين وغير ما ذكر

    ينوب نحو جا أخو بني نمر ]

    ارفع: فعل أمر، والأمر هنا للوجوب، فيجب أن ترفع بالضم، كأن تقول: قام زيدٌ، ولا يجوز أن تقول: قام زيدِ، ولا أن تقول: قام زيداً.

    (وانصبن فتحاً): يعني: وانصبن بفتح.

    انصبن: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد.

    فتحاً: منصوب بنزع الخافض، والتقدير: وانصبن بفتح.

    (وجر كسراً) نقول في: (وجر كسراً) كما قلنا في (انصبن فتحاً) أي أن كسراً منصوب بنزع الخافض، أي: جر بكسر.

    فتبين أن علامة الرفع ضم. والنصب فتح. والجر كسر.

    ثم ضرب مثلاً فقال: (كذكر الله عبدَهُ يسر) أو (كذكر الله عبدُهُ يسر) هنا يصح الوجهان لكن إذا قلنا: كذكر الله عبدَهُ يسر؛ صار المعنى: أن الله إذا ذكر عبده فإن ذلك يسر العبد. وإذا قلنا: ذكر الله عبدُهُ يسر، صار المعنى: أن العبد إذا ذكر الله سر بذلك، وأيهما أحسن ؟

    الجواب: الأول، وهو أن يذكرك الله؛ قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] .

    وإعرابها: الكاف حرف جر.

    وذكر الله عبده يسر: اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

    فإذا قال قائل: كيف يكون هذا؟

    قلنا: يكون على تقدير أن الجملة بمعنى (هذا اللفظ)، يعني: كأنه قال: (كهذا اللفظ)، فهي قائمة مقام قول القائل: هذا اللفظ.

    وإن شئت فقل:

    الكاف: حرف جر، والمجرور محذوف والتقدير: (كقولك: ذكر الله عبده يسر)، ثم تعرب الجملة:

    ذكر: مبتدأ. وهو مضاف إلى لفظ الجلالة، من إضافة المصدر إلى فاعله.

    عبد: مفعول ذكر، والتقدير: أن يذكر اللهُ عبدَه يسر.

    وجملة يسر: في محل رفع خبر المبتدأ (ذكر).

    هذا المثال فيه رفع في الاسم (ذكر) والفعل (يسر)، وفيه جر (لفظ الجلالة) ونصب (عبده)، وليس فيه الجزم؛ لكنه قال: (واجزم بتسكين)، يعني: إذا جزم الفعل يجزم بالسكون، تقول: لم يقم زيد.

    قال في الطرفين: فارفع بضم، واجزم بتسكين فالطرفان جاء فيهما بحرف الجر، والوسط نزع منه حرف الجر، فقال: انصبن فتحاً وجر كسراً، فكأنه يقول: إن الباطن الذي في الوسط كالظاهر الذي في الجوانب.

    يعني: أن قوله: (انصبن فتحاً وجر كسراً) منصوبان بنزع الخافض، كما قلنا: فارفع بضم، واجزم بتسكين، لكن لا أدري هل قصد هذا أو أن النظم ألجأه إلى ما صار إليه.

    ثم قال: (وغير ما ذكر ينوب) الذي ذكر هو الضم، والفتح، والكسر، والسكون، فقوله: (وغير ما ذكر ينوب) يريد به أن غير الأربع العلامات هذه ينوب عنها.

    فإذا جاء اسم مرفوع لكن ليس فيه ضمة، نقول: الموجود نائب عن الضمة.

    أو جاء اسم منصوب لكن ليس فيه فتحة، نقول: الموجود نائب عن الفتحة.

    أو جاء اسم مجرور لكن ليس فيه كسرة، فالموجود نائب عن الكسرة.

    أو جاء فعل مجزوم لكن ليس فيه سكون يكون الحذف نائباً عن السكون.

    إذاً: صارت العلامات الأربع -وهي الضمة والفتحة والكسرة والسكون- لها نواب إذا غابت، وقد مثل المؤلف لما ينوب بقوله: (نحو: جا أخو بني نمر).

    جاء: فعل ماض.

    أخو: فاعل والفاعل مرفوع بالضمة؛ لكن ليس عندنا هنا ضمة، فالذي عندنا (أخو)، وهو مرفوع بالواو، فالواو نائبة عن الضمة.

    بني: (أخو) مضاف و(بني): مضاف إليه، والمضاف إليه يكون مجروراً بالكسرة، لكن هنا ليس عندنا كسرة، وإنما عندنا ياء، إذاً الياء نائبة عن الكسرة.

    وبني مضاف، ونمر: مضاف إليه.

    متى تأتي الواو نيابة عن الضمة، ومتى تأتي الياء نيابة عن الكسرة؟

    هذه لها محلات سيذكرها المؤلف بالتفصيل.

    تنوب الواو عن الضمة في موضوعين: في الأسماء الخمسة أو الستة، وفي جمع المذكر السالم، ويأتي إن شاء الله.

    1.   

    إعراب الأسماء الخمسة

    شروط إعراب ذو وفو بالحروف

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    [وارفع بواو وانصبن بالألف

    واجرر بياء ما من الأسما أصف

    من ذاك ذو إن صحبة أبانا

    والفم حيث الميم منه بانا

    أب أخ حم كذاك وهن

    والنقص في هذا الأخير أحسن

    وفي أب وتالييه يندر

    وقصرها من نقصهن أشهر

    وشرط الإعراب أن يضفن لا

    لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا]

    هذه القطعة في إعراب الأسماء الستة، وهي أول باب خرج عن الأصل.

    قوله: (وارفع بواو وانصبن بالألف واجرر بياء) هذه ثلاثة أفعال كلها تطلب (ما)، في قوله: (ما من الأسما أصف).

    وما: اسم موصول بمعنى الذي وهي: مفعول للأخير من هذه الأفعال الثلاثة، لأنه تنازع فيها ثلاثة عوامل، والذي يعمل هو الأخير، كما قال ابن مالك: (والثاني أولى عند أهل البصرة)، فيكون قوله: (ما من الأسما أصف) مفعولاً لاجرر، والفعلان السابقان يقدر لهما المفعول تقديراً؛ لأنه محذوف.

    والمعنى: يقول المؤلف: ما أصفه من الأسماء ارفعه بالواو، وانصبه بالألف، واجرره بالياء.

    وقوله: (ما من الأسما أصف) ما: هذه اسم موصول كما قلت، وتحتاج إلى صلة، والصلة جملة (أصف).

    فأصف: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنا، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

    ومن الأسماء: متعلق بأصف. ومعنى (أصف) أذكر.

    إذاً: هذه علامات مخالفة لما سبق؛ لأنه فيما سبق يقول: (فارفع بضم) وهنا يقول: (ارفع بواو).

    وقال: (انصبن فتحاً) وهنا يقول: (وانصبن بالألف).

    وقال: (جر كسراً) وهنا يقول: (اجرر بياء).

    وذلك أنه قد قال: (وغير ما ذكر ينوب) يعني: إذا وجدت مرفوعاً بغير الضمة فهو نائب عن الضمة، إذا وجدت منصوباً بغير الفتحة فهو نائب عن الفتحة، إذا رأيت مجروراً بغير الكسرة فهو نائب عن الكسرة.

    وقوله: (من ذاك ذو إن صحبة أبانا).

    من ذاك: المشار إليه ما يصفه من الأسماء، فالإشارة هنا تعود إلى (ما).

    ذو: بمعنى صاحب، ولهذا قال: (إن صحبة أبانا)، يعني: إن أظهر صحبة، فهو من الأسماء الخمسة.

    لو قال قائل: لماذا احترز بهذا القيد: (إن صحبة أبانا)؟ فجوابه أن نقول: إن (ذو) تأتي لغير معنى صاحب، فتأتي اسماً موصولاً في لغة طيئ، كما قال الشاعر الطائي:

    فإن الماء ماء أبي وجدي

    وبئري ذو حفرت وذو طويت

    يعني: بئري التي حفرت، وليس معناه: صاحب حفرت.

    قوله: (والفم حيث الميم منه بانا):

    الفم معروف، لكن اشترط (حيث الميم منه بانا) أي: انفصل، يعني: يشترط في الفم ألا يقترن بالميم، وإذا لم يقترن بالميم صار النطق به (فو) في حال الرفع. فحذفنا الميم وبقي الفاء فأضفنا إليه الواو علامة الرفع.

    والمعنى كأنه يقول: من ذاك ذو، ومن ذاك فو. وقد يقال: كيف قال (من ذاك) ومن للتبعيض؟

    نقول: لأنه لم يذكر إلا اسمين فقط، وهما: ذو، وفو، فلهذا أتى بمن التي للتبعيض.

    وأفاد المؤلف رحمه الله بقوله: (حيث الميم منه بانا)، أن الميم قد تبقى، فتقول: فمك، وهي لغة؛ فمثلاً قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـسعد بن أبي وقاص : (حتى ما تجعله في في امرأتك) لو قال أحد من الناس: حتى ما تجعله في فم امرأتك، لصح ذلك.

    وبناء عليه فإذا كنا نخاطب عامة، فإنا نقول: حتى ما تجعله في فم امرأتك، وهذا من رواية الحديث بالمعنى من أجل البيان، ولا حرج فيه.

    إعراب أبو وأخو وحمو وهن بالحروف

    قال: (أب أخ حم كذاك).

    أي: كالمذكور وهو: ذو بمعنى صاحب والفم إذا انفصلت منه الميم.

    كذاك يعني: أنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء.

    وهن: أيضاً من الأسماء الستة؛ لأن ابن مالك ذكر ستة أسماء، لكنه فصلها عن أب وأخ وحم لما سيتبين.

    حم: يقولون إنه كناية عما يستقبح ذكره، فهو كناية مثلاً عن: الفرج، عن الغائط، عن البول، عن العيب.

    وفي كلام علي رضي الله عنه حين بلغه عن ابن عباس ما بلغه قال: ما أسقط ابن أم الفضل على الهنات! يعني: على العيب، وذلك أن الشيعة الذين سموا في الأخير رافضة جاءوا علي بن أبي طالب وقالوا له: أنت الله! يقصدون إضلال هذه الأمة لتقع في الشرك.

    فأمر رضي الله عنه بالأخاديد فخدت، ثم أمر بها فملئت حطباً، ثم أمر بإيقادها فأوقدت، ثم أمر بإلقائهم في هذه النار، وذلك لعظم بدعتهم والعياذ بالله؛ لأنها ضد ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام تماماً، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه، فقال: لو كنت علياً لقتلتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ، ولما أحرقتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يعذب بالنار إلا الله) ، فبلغ ذلك علياً فقال: ما أسقط ابن أم الفضل على الهنات!

    والعيب لا شك أنه يستقبح ذكره.

    لغة النقص في الأسماء الستة

    قوله: (والنقص في هذا الأخير أحسن) الأخير هو (هن)، ومعنى النقص أن تعربه بحركات ظاهرة على آخره، فتقول: هذا هنك، واجتنب هنك، وتفكر في هنك، فتعربه بالحركات الظاهرة.

    وإذا كان هذا هو الأحسن فالأحسن أن نخرجه من الأسماء الستة، وتكون الأسماء خمسة كما هو معروف عند ابن آجروم وغيره.

    قوله: (وفي أب وتالييه يندر) الضمير في (يندر) يعود على النقص، وتاليا أب هما: أخ وحم.

    يعني أن النقص يندر فيها، أي يقل.

    والنقص هو أن تعرب بحركات ظاهرة على آخرها، فترفع بالضمة وتنصب بالفتحة وتجر بالكسرة، وعلى ذلك قال الشاعر:

    بأبه اقتدى عدي في الكرم

    ومن يشابه أبه فما ظلم

    ولم يقل: بأبيه اقتدى، ولم يقل: ومن يشابه أباه.

    وتقول: هذا أخ زيد ، ورأيت أخ زيد، ومررت بأخ زيد، والظاهر أن لغتنا العامية على هذه اللغة!

    لغة القصر في الأسماء الستة

    سقوله: (وقصرها) أي: قصر أب وتالييه (من نقصهن أشهر) أي: أشهر من نقصهن.

    عرفنا أن (أب وأخ وحم) يجوز فيها ثلاث لغات: الإتمام والنقص والقصر.

    الإتمام: هو أن ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء.

    والنقص: أن ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتجر بالكسرة.

    والقصر: أن تكون بالألف دائماً، فتعرب بحركات مقدرة على الألف.

    وعلى لغة القصر تقول: هذا أبا زيد، ورأيت أبا زيد، ومررت بأبا زيد، وعلى هذا جاء قول الشاعر:

    إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها.

    الشاهد في قوله: و(أبا أباها)، ولو أعربها بالحروف لقال: وأبا أبيها.

    وعلى لغة الإتمام نقول: هذا أبو زيد، وأكرمت أبا زيد، وعجبت من أبي زيد، فرفعناها بالواو، ونصبناها بالألف، وجررناها بالياء.

    والقصر لغة فصيحة.

    وعلى النقص: هذا أب زيد، وأكرمت أبَ زيد، وعجبت من أبِ زيد .

    والذي يناسب الطلبة المبتدئين القصر؛ حتى لا يغلطوا.

    أمثلة للإعراب في الأسماء الستة

    جاء أبو زيد.

    جاء: فعل ماض.

    أبو: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة على رأي ابن مالك، وإن كان الأشهر خلاف ذلك.

    وأبو مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره .

    أكرمت أبا زيد:

    أكرمت: فعل وفاعل.

    أبا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبا مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسره ظاهرة في آخره .

    عجبت من أبي زيد :

    عجبت: فعل وفاعل .

    من: حرف جر.

    أبي: اسم مجرور بمن، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الستة. وأبي مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.

    إعرابها على القصر، تقول:

    جاء أبا زيد .

    جاء: فعل ماض مبني على الفتح.

    أبا: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.

    وأبا مضاف.

    وزيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.

    أكرمت أبا زيد .

    أكرمت: فعل وفاعل.

    أبا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وأبا مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة ظاهرة على آخره.

    لكن لو قال قائل، لماذا أعربتها بفتحة مقدرة، ولم تقل: علامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؟

    أقول: لأني عرفت من المتكلم أنه يستعملها مقصورة، وحينئذ لا بد من قرينة، مثل أن يقول المتكلم: أكرمت أبا زيد وعجبت من أبا زيد، فأما إذا لم توجد قرينة، فإنا نعربها على الأصل، وهو أن يكون منصوباً بالألف نيابة عن الفتحة.

    مررت بأبا زيد.

    مررت: فعل وفاعل.

    بأبا: الباء حرف جر، وأبا اسم مجرور بالباء وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وأبا مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.

    وإعرابها على النقص:

    جاء أب زيد .

    جاء: فعل ماض.

    أب: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، وأب مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.

    أكرمت أب زيد.

    أكرمت: فعل وفاعل.

    أب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، وأب مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره.

    عجبت من أب زيد.

    عجبت: فعل وفاعل.

    من : حرف جر.

    أب: اسم مجرور بمن، وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره، وأب مضاف.

    زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره.

    فإذا قال قائل: إذا أردتُ أن أنشئ كلاماً فأي اللغات الثلاث أسلك؟

    نقول: على الفصحى، وهي أن تعربها تامة، مرفوعة بالواو، ومنصوبة بالألف، ومجرورة بالياء؛ لأننا الآن ليس لنا خيار، فيحسن بنا أن نمشي على الأفصح من كلام العرب، والأفصح من كلام العرب ما نطق به القرآن، قال الله تعالى: ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ [يوسف:81] ، ولم يقل: إلى أباكم، ولا إلى أبِكم، وقال تعالى: إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:8] ، ولم يقل: إن أبنا، وقال تعالى: وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص:23] ولم يقل: أبانا، ولم يقل: أبنا.

    إذاً: فنحن الآن إذا أردنا أن نتكلم أو أردنا أن نؤلف كتاباً، فإننا نمشي على اللغة الفصحى، لكن إذا ضاقت بنا وأخطأنا اللغة الفصحى وأتينا بالمرفوع بالألف، نقول: هذه لغة.

    إذاً: فائدة معرفة اللغات هذه أولاً: أننا إذا جاءنا من كلام العرب نظماً أو نثراً على خلاف الفصحى نعرف أنها لغة، وأنها ليست خطأ مطبعياً، ولا خطأ في النقد.

    ثانياً: أنه إذا ضاقت بنا الحيل نجد مخرجاً، الآن كثير من المؤذنين يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله، لو أننا مشينا على اللغة الفصحى في هذه الجملة لقلنا إن أذانه لا يصح؛ لأن الخبر لم يأت بعد، فالجملة لم تتم، فقوله: (أشهد أن محمداً رسولَ الله) يقال له: تشهد أنه ماذا؟ فيقول مثلاً: أشهد أن محمداً رسولَ الله نبيٌّ صادق، أو أشهد أن محمداً رسولَ الله عبدُ الله ورسولهُ.

    فنقول اعتذاراً لهذا الرجل: إن هناك لغة -بل إن هناك لغية- تجيز نصب الجزءين في إن، يعني: تجعل إن تنصب الجزءين: اسمها وخبرها، وهذا المؤذن على هذه اللغية.

    وقول بعض المؤذنين: الله واكبر، بالواو، لو أخذنا باللغة الفصحى لقلنا: هذا لا يستقيم؛ لأنك ما أتممت الجملة عندما أتيت بواو عطف! لكن هناك لغة وهي فصحى أيضاً لكنها قليلة تجيز إبدال الهمزة واواً إذا ضم ما قبلها.

    إعراب قول الشاعر:

    بأبه اقتدى عدي في الكرم

    ومن يشابه أبه فما ظلم

    بأبه: الباء حرف جر.

    أب: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهذا هو الشاهد للغة النقص.

    والهاء ضمير مبني على الكسر في محل جر بالإضافة.

    اقتدى: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.

    عدي: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

    في الكرم: في حرف جر، والكرم اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.

    ومن: الواو عاطفة.

    من: اسم شرط جازم، يجزم فعلين.

    يشابه: فعل الشرط مجزوم بمَنْ، وعلامة جزمه السكون.

    أبه: أب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

    والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.

    فما: الفاء واقعة في جواب الشرط. وما نافية.

    ظلم: فعل ماض مبني على الفتح.

    والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والجملة في محل جزم جواب الشرط.

    1.   

    شروط إعراب الأسماء الستة بالحروف

    قال المؤلف: [وشرط ذا الإعراب إن يضفن لا لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا ]

    ذا: اسم إشارة يعود إلى الإعراب المذكور، وهو الرفع بالواو والنصب بالألف والجر بالياء؛ أي: شرطه أن يضفن لا للياء.

    فإن لم يضفن أعربن بالحركات الظاهرة، قال الله تعالى: إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا [يوسف:78]، أباً: نصبها بالفتحة.

    وتقول: هذا أب كريم، فترفعه بالضمة، وتقول: مررت بأب رحيم، فتجره بالكسرة.

    إذاً: إذا لم يضفن وجب إعرابهن بالحركات الظاهرة.

    وإذا أضفن للياء فيعربن أيضاً بحركات، لكنها حركات مقدرة على ما قبل الياء، فتقول: هذا أبي، ورأيت أبي، ومررت بأبي.

    هذا أبي:

    هذا: اسم إشارة مبتدأ.

    أبي: خبر المبتدأ، مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة .

    وتقول: أكرمت أبي، أبي: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.

    وتقول: نظرت إلى أبي، أبي: اسم مجرور بـإلى، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.

    فإذا قال القائل: الباء من أبي مكسورة، قلنا: هذا الكسر ليس للإعراب، ولكنه لمناسبة الياء .

    بقي من الشروط: أن تكون مفردة، فإن كانت مثناة أعربت إعراب المثنى، وإن كانت جمعاً أعربت إعراب الجمع، أي بحركات ظاهرة، قال الله تعالى: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ [الرعد:23] ، وقال: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا [الزخرف:22] ، وقال: أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ [الشعراء:76] فأعربها بالحركات الظاهرة.

    وإن ثنيت تعرب إعراب المثنى، بالألف رفعاً، وبالياء جراً ونصباً.

    ويشترط أيضاً أن تكون مكبرة: فإن كانت مصغرة أعربت بالحركات الظاهرة، تقول: هذا أُبَيُّك، ورأيت أُبَيَّكَ، ومررت بأُبَيِّكَ، وتقول: هذا أُخَيُّك، ورأيت أُخَيَّك، ومررت بأُخَيِّكَ.

    فتحصل أن الشروط أربعة، أخذنا الشرط الثالث والشرط الرابع من كون المؤلف لم يذكرها إلا بصيغة الإفراد وبصيغة التكبير.

    واشترط أيضاً أن تكون (فو) خالية من الميم، وأن تكون (ذو) بمعنى صاحب، وبهذا تمت الشروط لإعراب الأسماء الستة بالواو رفعاً وبالألف نصباً وبالياء جراً، وأخذت من كلام المؤلف إما عن طريق التمثيل وإما عن طريق التصريح.

    وقول ابن مالك : (وشرط ذا الإعراب) يعني به الإعراب بالحروف على لغة الإتمام.

    قال: (كجا أخو أبيك ذا اعتلا).

    إعرابها:

    جاء: فعل ماض مبني على الفتح.

    أخو: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة.

    لأنه من الأسماء الخمسة، و(أخو) مضاف و(أبي) مضاف إليه.

    ذا: حال منصوب وعلامته نصبه الألف نيابة عن الفتحة وهو مضاف و(اعتلا) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على الهمزة المحذوفة، لأن أصله (اعتلاء).

    وصاحب الحال في (ذا) هو (أخو) أو (أبيك) فالمعنى صالح للوجهين، فإذا كان الأب ذا اعتلاء فذريته مثله، وإذا كان الأخ فالأب من باب أولى، فهي صالحة للوجهين.

    والاعتلاء من العلو، فقوله: (ذا اعتلا) يعني: ذا علو، تقول: اعتلى الرجل يعتلي، أي: علا.

    وفي هذا البيت ذكر شرط الإعراب بالحروف ومثل بقوله: (جا أخو أبيك ذا اعتلا)، وهذا المثال متضمن للأسماء الستة مرفوعة ومجرورة ومنصوبة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718743

    عدد مرات الحفظ

    766201805