[ باب النكرة والمعرفة
نكرة قابل أل مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا
وغيره معرفة كهم وذي وهند وابني والغلام والذي
فما لذي غيبة أو حضور كأنت وهو سم بالضمير ]
قول المؤلف رحمه الله تعالى: (النكرة والمعرفة).
النكرة والمعرفة اسمان متضادان، فالمنكر ضد المعروف، قال الله تعالى: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ [هود:70] أي استنكرهم واستغربهم ولم يعرفهم.
والمعرفة: هي ما كان معروفاً.
والنكرة من باب المطلق، والمعرفة فيها ما يدل على التخصيص، وفيها ما يدل على العموم، لكنها ليست من باب المطلق.
والفرق بين المطلق والعام:
أن المطلق شامل لجميع أفراده على سبيل البدل، والعام شامل لجميع أفراده على وجه العموم لا على وجه البدل.
فإذا قلت: ( أكرم رجلاً ) فهو شامل لكل رجل على سبيل البدل، فلا يمكنك أن تكرم رجلين؛ لأن المطلق يشمل جميع أفراده على سبيل البدل، أي: واحد بدل واحد.
وأما العام فيشمل جميع أفراده على سبيل العموم، فإذا قلت: ( لا تكرم كسولاً ) وامتنعت عن إكرام كسول واحد، وأكرمت آخر فلست بممتثل؛ لأن (كسولاً) هنا للعموم.
وإذا قلت: ( أكرم جاداً ) أي: مجتهداً فأكرمت اثنين لم تكن ممتثلاً؛ لأن المطلق يتناول جميع أفراده على سبيل البدل، فالنكرة من هذا القبيل.
فيقال: النكرة اسم شائع في جميع أفراده على سبيل البدل.
والمعرفة اسم يعين مسماه لكن إما بقيد وإما بغير قيد كما سيأتي إن شاء الله!
إذاً: النكرة كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر، مثل: رجل شمس، قمر، لكن خصها بالشمس المعينة عدم وجود غيرها، وكذلك القمر، وإلا فهي في الأصل نكرة.
ومن أمثلة النكرة: نجم، مطر، بيت، شخص، إنسان؛ فكل هذه نكرات، لأن كلاً منها اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وكونه يختص بشيء معين نظراً لعدم وجود غيره لا يخرجه عن كونه نكرة.
[نكرة قابل أل مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا]
هذا التعريف تعريف بالعلامة، فهو تعريف بالرسم، والتعريف بالرسم ليس تعريفاً تاماً بل هو تعريف رسمي لا ذاتي وتعريف النكرة الذاتي قد سبق، وهو: أنها كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وتعريفها الرسمي هو التعريف بالعلامة كما ذكره المؤلف رحمه الله قال:
(نكرة قابل أل مؤثرا) يعني: النكرة كل اسم يقبل أل مؤثرة التعريف، مثل ( رجل ) فهو اسم عام تدخل عليه أل فيقال: (الرجل) فأثرت فيه، لأن الرجل مفهومه غير مفهوم رجل، مفهوم (الرجل) أنه رجل معين.
(رسول) نكرة، ( الرسول ) معرفة، قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل:16]، فانظر الفرق بين الرسول الأول الذي نكر (رسولاً)، والثاني الذي عرف (الرسول).
وقوله (قابل أل) خرج به ما لا يقبل أل، فإنه لا يكون نكرة، مثاله الضمائر، مثل: أنا، هو، والكاف من (أكرمك).
وقوله: (مؤثراً) خرج به ما يقبل أل لكن لا تؤثر فيه التعريف، مثل (عباس) فهو يقبل أل تقول: ( العباس ) لكن أل لا تؤثر فيه؛ لأن عباساً معرفة سواء أدخلت عليه أل أو لم تدخلها عليه، فهي لا تؤثر شيئاً.
إذاً: عباس علماً وليس نكرة.
فإذا قال قائل: كيف لا يكون نكرة وهو يقبل أل، فتقول: عبد الله بن عباس وعبد الله بن العباس العباس بن عبد المطلب ، عباس بن عبد المطلب ؟
نقول: نعم هو يقبل أل لكن لا تؤثر فيه التعريف لأنه علم، فهو معرفه سواء دخلت عليه أل أو لم تدخل.
فإن قلت: عباس وصفاً لا علماً، فهو نكرة، ولهذا تصف به النكرة فتقول: (رجل عباس)، وإذا دخلت عليه أل أثرت فيه التعريف.
إذاً: فلو سألك سائل فقال: هل عباس نكرة أو غير نكرة؟
فالجواب: فيه تفصيل: إن أردت به علماً فليس بنكرة، وإن أردت به وصفاً فهو نكرة، وهكذا ما شابهه في ذلك مثل الضحاك وضحاك.
إذاً: كل اسم يقبل أل وتؤثر فيه التعريف فهو نكرة، فإن لم يقبل أل فليس بنكرة.
وإن قبل أل لكن لم تؤثر فيه التعريف لكونه معرفة من قبل دخولها فليس بنكرة.
ويرد على هذا كلمة ( ذو ) بمعنى (صاحب) فهي نكرة ولا تقبل أل، تقول: جاءني رجُل ذو مال.
فـ (ذو) صفة لرجل ورجل نكرة، والنكرة لا توصف إلا بنكرة مع أن (ذو) لا تقبل أل؟
ويمكن أن نجيب عن هذا فنقول: إن حجة النحويين نافقا يربوع، إذا حجرته من بابه خرج من جهة أخرى؛ قالوا: إن (ذو) واقعة موقع ما يقبل أل، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله كغيره من العلماء:
[أو واقع موقع ما قد ذكرا].
إذاً: تخلصوا من الإيراد بأن (ذو) بمعنى صاحب، فقولك: جاءني رجل ذو مال، أي صاحب مال، وصاحب تقبل أل وتؤثر فيها التعريف فتقول: هذا رجل صاحب فلان، وتقول: هذا الرجل الصاحب.
فلما كانت (ذو) واقعة موقع ما يقبل أل المؤثرة فيه التعريف صار لها حكمها، فصارت نكرة.
الخلاصة:
النكرة لها تعريفان: تعريف ذاتي، وتعريف رسمي.
التعريف الذاتي للنكرة: كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر.
والرسمي: هو التعريف بالعلامة، فالنكرة كل اسم يقبل أل مؤثرة فيه التعريف.
[وغيره معرفه كهم وذي وهند وابني والغلام والذي]
قوله: (غيره) يشمل ما لا يقبل أل وما يقبل أل من غير أن تؤثر فيه التعريف لكونه معرفة من قبل.
ثم ذكرها أقسامها فقال: (كهُم وذي وهند وابني والغلام والذي ).
وذكرها المؤلف رحمه الله غير مرتبة لأن المقصود معرفة أنواع المعارف.
قوله: (كهم) إشارة إلى الضمير، فالضمائر كلها معرفة: ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب، وضمير الرفع، وضمير النصب، وضمير الجر.
قوله: (وذي) أي اسم الإشارة، فجميع أسماء الإشارة معرفه (ذا ـ وذي ـ وذان ـ وتان ـ وأولاء.. وغيرها).
قوله: (و هند) أي: العلم، سواء كان لمذكر أو لمؤنث فإنه من أقسام المعرفة.
وهنا اختار المؤلف (هند) ولم يختر اسماً مذكراً من أجل الوزن، فلو قال مثلاً: وزيد أو عمرو لكان يحتاج إلى تنوين فيزيد النظم.
قوله: (وابني) أي: المضاف إلى معرفة، فهو معرفة لكن رتبته بحسب ما يضاف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فإنه في مرتبة العلم، وسيأتي الترتيب بعد ذلك.
قوله: ( والغلام ) أي: المحلى بأل.
قوله: (والذي) الاسم الموصول.
فالجميع ستة أنواع: الضمائر، أسماء الإشارة، العلم، المضاف إلى معرفة، المحلى بأل، الاسم الموصول بجميع أنواعه، المفرد والمثنى والجمع: المفرد مثل: ( الذي والتي )، والمثنى مثل: ( اللذان واللتان )، والجمع: ( الذين واللائي ).
وأعرفها الضمائر فهي أعرف المعارف، وذلك لأنها أشد المعارف تخصيصاً، والمعارف كلها مبناها على التعيين والتخصيص؛ لأن النكرة كما قلنا مطلق، لكن ما كان أخص فهو أعرف.
وأخص المعارف الضمائر بلا شك، فإذا قلت: (قلتُ) لا تحتمل غير نفسي أنا، وإذا قلت: (قلتَ) لا تحتمل إلا المخاطب، فلهذا كان الضمير أعرف المعارف، لكن (زيد) عَلم يصلح لزيد الذي أمامي وزيد الذي خلفي، لكن الياء في أكرمني لا تحتمل إلا المتكلم، ضربتُ: التاء لا تحتمل إلا المتكلم، فأعرف المعارف الضمير.
ثانياً: العَلم؛ لأنه يعين مسماه من غير قرينه بخلاف الإشارة والموصول، فكان أشدها تخصيصاً بعد الضمير، إلا أنهم استثنوا الأسماء الخاصة بالله فإنها أعرف من الضمائر، لأنها لا تصح إلا لله عز وجل وحده، مثل لفظ الجلالة (الله).
لكن (قمت) تصلح التاء ضميراً لي أنا محمد، وتصلح لرجل آخر يقول عن نفسه إنه قام؛ لكن (الله) ليس فيه اشتراك، أما الضمائر ففيها اشتراك، وإن كانت تعين مرجعها.
ثالثاً: اسم الإشارة؛ لأنه يعين مسماه لكن بقرينة، أقول: هذا فلان، للحاضر.
فاسم الإشارة يعين مسماه بقرينة الحضور، فلهذا كان أقل مرتبة من العلم.
رابعاً: الاسم الموصول، وهو بعد اسم الإشارة، لأنه يعين مسماه بواسطة الصلة، وقد يكون للحاضر وقد يكون للغائب، أما اسم الإشارة فالأصل فيه أنه للحاضر فلهذا كان أعرف من الاسم الموصول.
تقول مثلاً: أكرم الذي يكرمني، (الذي) هذه معرفه، وصارت معرفة بواسطة الصلة، فهو معين لمسماه بواسطة وهي الصلة (الرابط).
خامساً: المعرف بأل، ومرتبته دون ما سبق؛ لأن ما دل تعريفه عليه لم يكن أصلاً في مدلوله، بخلاف الاسم الموصول فإنه لا يمكن أن يصح بدون صلته، والمحلى بأل يصح بدون أل، فلهذا كان أقل رتبة من الاسم الموصول.
سادساً: المضاف إلى معرفة، وهو بمنزلة ما أضيف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فقالوا إنه كالعَلم فإذا قلت: (هذا كتابي) كان الكتاب معرفة؛ لأنه مضاف إلى ضمير، وكل ما أضيف إلى المعرفة فهو معرفة.
مثال: ( هذا قلم هذا ).
قلم: معرفة، لأنه أضيف إلى اسم الإشارة.
هذا غلام الذي في السوق.
غلام: معرفة، لأنه أضيف إلى اسم موصول.
لكن إذا قلت: (هذا غلام) فغلام نكرة.
(هذا كتاب الطالب).
كتاب: معرفة؛ لأنه أضيف إلى محلى بأل.
[ فما لذي غيبة او حضور كأنت وهو سم بالضمير ]
أي: ما دل على غيبة أو حضور كدلالة (أنت وهو) سمي بالضمير.
لو قال: ( فما لذي غيبه او حضور ) ولم يقيده بالمثال لكان التعريف غير مانع، لأنه لو قال: ( ما دل على غيبة أو حضور ) وأطلق لكانت كلمة (غائب) ضميراً، وكذلك كلمة (حاضر).
فقوله: ( كأنت وهو ) ليست مجرد مثال، بل هي مثال مقيد للتعريف، يعني: (ما دل على غيبة أو حضور كدلالة أنت وهو، وليس كل لفظ دل على حضور فهو ضمير، ولو كان كل لفظ دل على حضور فهو ضمير لكانت كلمة ( حاضر ) ضميراً وكلمة ( غائب ) ضميراً.
فالضمير (أنت) للمخاطب، والضمير (هو) للغائب.
وقوله: (حضور) يشمل المتكلم والمخاطب.
ومثل بأنت ولم يمثل بأنا الدال على المتكلم، لأنه أولى من المخاطب.
وهذا التعريف تعريف ذاتي، حده وبعضهم بتعريف آخر فقال: ما كُنِيَ به عن الظاهر اختصاراً.
قالوا: فإذا قلت: ( أنا قائم ) فأنا كناية عن محمد بن صالح بن عثيمين فجملة (أنا قائم) تغني عن قولي: محمد بن صالح بن عثيمين قائم، فكنيَ به عن الظاهر اختصاراً.
وإذا كنت أخاطب مثلاً: عبد الله بن عمر وهو أمامي، فإذا قلت ( أنت فاهم ) كنيت بأنت عن الظاهر وهو عبد الله بن عمر اختصاراً.
ومع كونه يدل على الظاهر اختصاراً فهو أدل على المقصود من الاسم الظاهر، فلو قلت للذي أمامي: عبد الله بن عمر قائم، لكان يحتمل أن يكون حاضراً وأن يكون غائباً، لكن قولي: أنت قائم، لا يحتمل أن يكون غائباً.
فصار لدينا تعريفان للضمير: الأول ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله بأنه ما دل على الغيبة أو الحضور كدلالة أنت وهو.
والثاني: ما كنيَ به عن الظاهر اختصاراً. وهذا وإن كان أقصر من تعريف المؤلف لكنه ليس فيه تبيين واضح، وقد لزم منه الدور، لأن (ما كنيَ به عن الظاهر) هو الضمير، فيكون قد عرف الضمير بالضمير، وهو نوع من الدور.
على كل حال ابن آجروم رحمه الله ما عرف لا بهذا ولا بهذا، وإنما سرد الضمائر فقال: الضمائر هي كذا.. وكذا .. وكذا.
فعددها بأعيانها دون حدودها.
قوله: ( كأنت وهو سم بالضمير ).
سم: فعل أمر.
والضمير مأخوذ من الإضمار.
ويعجبني أنني كنت ذات مرة في المعهد العلمي مدرساً، وكنا نختبر الطلبة قبل أن يدخلوا في المعهد في القواعد وبعض المسائل من الفقه والتوحيد، فاختبرت طالباً فقلت له: ( زيد قام ) أين فاعل قام؟ ففكر قليلاً ثم قال: فاعل قام خفي. فأتى بالمعنى لأن (خفي) بمعنى مستتر.
وكان الطالب ذكياً فعرفت أنه جاء بها من عنده؛ لكنه أصاب في المعنى، فأعطيته درجة كاملة.
قوله: (ما لذي غيبة):
ما: اسم موصول بمعنى الذي، مبتدأ.
لذي غيبة: شبه جملة صلة الموصول.
وسم: الجملة في محل رفع خبر (ما).
والمعنى: الذي لغيبة أو حضور سمه بالضمير.
بالضمير: الباء هنا لا نقول إنها زائدة بل نقول إنها أصلية؛ لأن (سمى) يتعدى بنفسه كقوله تعالى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36]، ولم يقل: سميتها بمريم، ويصح أن تتعدى بالباء فتقول سميت ابني بعبد الله.
أولاً: من حيث الاتصال والانفصال، فينقسم الضمير إلى قسمين: متصل ومنفصل.
فالمتصل ما لا ينطق به منفصلاً مثل التاء من (ضربته) فلا يمكن أن تنطق بالتاء وحدها فتقول: تُ، ولا الكاف من (أكرمك).
فكل ما لا ينطق به منفرداً من الضمائر فهو ضمير متصل، وما صح أن ينطق به منفرداً فهو منفصل هذا هو الضابط.
وقد ضبطه المؤلف بما يقرب من هذا المعنى فقال:
[ وذو اتصال منه ما لا يبتدا ].
هذا هو معنى قولنا: ما لا يصح أن ينطق به منفرداً فهو متصل.
ذو: مبتدأ. اتصال: مضاف إليه.
منه: جار ومجرور.
ما: اسم موصول خبر المبتدأ، يعني أن الضمير المتصل هو الذي لا يصح الابتداء به، وسيمثل لذلك أيضاً.
قال: [ ولا يلي إلا اختياراً أبداً ].
يعني: ولا يأتي بعد (إلا) في حال الاختبار.
والمراد بحال الاختيار: الكلام المنثور، وعكسه الاضطرار وهو الشعر، فإن المتصل قد يلي إلا في حال الضرورة الشعرية.
إذا عرفنا ضابط المتصل بأنه ما لا يبتدأ به ولا يلي إلا في الاختيار، عرفنا أن المنفصل هو ما يصح الابتداء به، وما يلي إلا في الاختيار، لأن الأشياء تتبين بضدها.
قال:
[ كالياء والكاف من ابني أكرمك والياء والها من سليه ما ملك ]
الياء من ابني: ضمير متصل؛ لأنه لا يصلح الابتداء به، ولا يلي إلا في الاختيار.
والياء التي في ابني هي ياء المتكلم، إذاً: ياء المتكلم حيثما جاءت -منصوبة أو مجرورة- فإنها من الضمائر المتصلة.
والكاف من أكرمك: هي كاف المخاطب، وهي في هذا المثال منصوبة.
فكاف المخاطب حيثما جاءت فهي من الضمائر المتصلة، سواء جاءت منصوبة كما في المثال الذي ذكره المؤلف، أو جاءت مجرورة كما في قولك: مر بك غلامك، فإن الكاف هنا في محل جر، الأول بالحرف والثاني بالإضافة.
والكاف هنا لا فرق بين أن تكون للواحد كأكرمك، أو للاثنين كأكرمكما، أو لجماعة الذكور كأكرمكم، أو لجماعة الإناث كأكرمكن، فالكاف حيثما جاءت فهي ضمير متصل، والضمير فيها هو الكاف فقط، وما بعدها فهو علامة تثنية أو جمع ذكور أو جمع إناث.
قوله: (والياء والها) يعني: وكالياء والهاء (من سليه ما ملك).
الياء والهاء هنا ضميران لكن الياء في سليه غير الياء في ابني، فهي ابني ضمير متكلم، وفي سلي ضمير مخاطبة، فالياء الذي هو ضمير مخاطبة من الضمائر المتصلة، وهو في محل رفع، لأن ياء المخاطبة لا يمكن أن تأتي إلا مرفوعة.
والهاء في سليه في محل نصب مفعول به.
فاستفدنا أن ضمير المخاطبة يكون متصلاً، وأن هاء الغائب يكون متصلاً.
و(ما) في قوله (ما ملك) هي المفعول الثاني.
مثل المؤلف الآن بأربعة أمثلة: الأول: ياء المتكلم، والثاني: كاف المخاطب، والثالث: هاء الغائب، والرابع: ياء المخاطبة.
ياء المتكلم تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها مجرورة: ابني ، ومثالها منصوبة: أكرمني.
كاف المخاطب تكون منصوبة مثل: أكرمك، وتكون مجرورة مثل: مر بك، وكتابك، الأولى مجرورة بالحرف، والثانية مجرورة بالإضافة، وتكون للمفرد كأكرمكَ، وللمفردة كأكرمكِ، وللمثنى كأكرمكما، ولجماعة الذكور كأكرمكم، ولجماعة الإناث كأكرمكن.
الهاء تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها منصوبة: سليه، ومثالها مجرورة: مر به، أو كتابه، وتكون للمفرد المذكر: مر به، وتكون للمفردة المؤنثة: مر بها، وتكون للمثنى مثل: مر بهما، ولجماعة الذكور: مر بهم، ولجماعة الإناث: مر بهن.
ياء المخاطبة لا تكون إلا مرفوعة: تقولين، أكرميه، سليه.
وقول المؤلف: (ولا يلي إلا اختياراً) أفادنا أنه قد يلي (إلا) في حالة الضرورة، مثل قول الشاعر:
أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فما لي عوض إلاه ناصر
هنا الهاء ضمير متصل، جاءت بعد إلا للضرورة.
والضرورة الموجودة عن العرب يسلم بها، لأننا لا نستطيع أن نخضع العرب لقواعد النحو، لكن لو أردنا أن ننشئ شعراً من عندنا، فهل لنا أن نسلك هذا المسلك؟
الجواب: نعم، لنا أن نسلك؛ لأنه ليس أهل الجاهلية أولى منا، وإن كانوا هم أعرب منا، وهم أهل العروبة، لكن نقول: الذي أجازه لهم لعله يسمح لنا، ولكن لو جاءنا رجل بنظم كله ضرورة فلا نأخذ به.
[ وكل مضمر له البناء يجب ].
هذا الشطر أتى به المؤلف توطئة لما بعده، لأن حكمه معروف من الباب الذي سبق، في قوله:
[ والاسم منه معرب ومبني لشبه من الحروف مدني ]
على كل حال الضمائر كلها مبنية، وهذه تريح طالب العلم الضعيف في النحو؛ لأنه ينسق الضمير ويجعل بنيته واحدة سواء كان مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً.
ثم منها ما يبنى على الضم، مثل نحن، ومنها ما يبنى على السكون مثل أنا، ومنها ما يبنى على الفتح مثل قمتَ، ومنها ما يبنى على الكسر مثل قمتِ للمرأة.
قال رحمه الله:
[ ولفظ ما جر كلفظ ما نصب ].
معناه أن الضمير إذا كان يصلح للجر وللنصب، فإن اللفظ فيه واحد.
ياء المتكلم تصلح للنصب وللجر فتقول: أكرمني وتقول: مر بي.
وفي الهاء تقول: أكرمه، مبنية على الضم، وتقول: مر به، مبنية على الكسرة، إذاً خرمت القاعدة، لوجود الكسرة قبلها.
فالقاعدة يستثنى منها مالم يوجد ما يوجب المخالفة، فإن وجد ما يوجب المخالفة فإنه يتبع.
ثم قال رحمه الله:
[ للرفع والنصب وجر نا صلح كاعرف بنا فإننا نلنا المنح ]
نا: ضمير متصل، يصلح للرفع والنصب والجر بلفظ واحد لا يتغير.
كاعرف بنا: هذا الجر.
فإننا: النصب.
نلنا: الرفع.
وتقول: قلنا: هذا ضمير مرفوع، وتقول: أكرمَنا، ضمير منصوب، وتقول: مر بنا، ضمير مجرور.
إذاً (نا) ضمير متصل صالح للرفع والنصب والجر.
[ وألف والواو والنون لما غاب وغيره كقاما واعلما ]
الألف من ضمائر الرفع المتصلة.
يقول: إن الألف والواو والنون تصلح للغائب وغيره.
فالألف ضمير يكون للرفع خاصة، لكنها تكون للغائب وللمخاطب، فتقول: قاما، وتقول: قوما؛ الأول للغائب، والثاني للمخاطب، والمخاطب حاضر، فتكون للغائب والحاضر، ومن جهة الإعراب تكون للرفع فقط.
والواو من جهة الإعراب للرفع فقط، وتكون للغائب والمخاطب، قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238]، فهي للمخاطبين.
وقال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ [الصافات:35] ، وهذه للغائب.
والنون تكون للرفع فقط، وللنسوة، تقول: النساء يقمن، وتكون للمخاطب وللغائب، فتقول في الغائب: النساء يقمن، وتخاطب النساء فتقول: قمن.
فالألف والواو والنون بالنسبة للإعراب لا تكون إلا على وجه واحد وهو الرفع، وبالنسبة للحضور والغيبة تكون للحاضر والغائب.
ثم مثل المؤلف فقال: (كقاما واعلما).
والخلاصة في الياء أنها تكون للمخاطبة مرفوعة: تقومين، وتكون للمتكلم منصوبة ومجرورة ولا تكون مرفوعة، وأيضاً الياء في أكرمني غير الياء في تقومين، لأن الياء في تقومين مرفوعة وفي أكرمني منصوبة.
[ ومن ضمير الرفع ما يستتر كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر
قوله: (ومن ضمير الرفع ما يستتر):
من: للتبعيض، والجار والمجرور خبر مقدم.
وما: مبتدأ مؤخر.
والاستتار الاختفاء.
وقوله: (ومن ضمير الرفع .... إلى آخره)، يدل على أن المراد بكلام المؤلف ما يستتر وجوباً؛ لأن من المستتر ما يستتر تارة وجوباً وتارة جوازاً، مثاله:
افعل: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت.
وهنا إشكال في قوله: (كافعل)، كيف دخلت الكاف وهي من حروف الجر على الفعل، ونحن نقول: كل كلمة دخل عليها حرف الجر فهي اسم؛ لأن المراد بها لفظها، كأنه قال: كهذا اللفظ، أو أن الكاف داخلة على مقدر تقديره: كقولك افعل.
أوافق: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب فعل الأمر، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنا.
وهذا هو الصحيح.
وقيل: أوافق: مجزوم لأنه جواب لشرط مقدر تقديره: إن تفعل أوافق، ولكن الصحيح أنه لا داعي لهذا التقدير، لأن التقدير يطيل الكلام.
نغتبط: هذا جواب آخر للأمر، وهو فعل مضارع مجزوم، وفاعله مستتر وجوباً تقديره نحن.
إذ تَشْكُر أو تُشْكَر: يجوز الوجهان، والمراد به المخاطب، فهو فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت.
فإن قيل: لماذا كرر الضمير الذي تقديره أنت في قوله: (افعل) وفي قوله: (تشكر)؟
قلنا: كرره ليشمل ما كان فعل أمر وما كان فعلاً مضارعاً، مع أن (تشكر) أحياناً يكون ضميره مستتراً جوازاً، كما إذا كان يتحدث عن امرأة، فيقول: المرأة تشكر الله، فهنا نقول: تشكر فيه ضمير مستتر جوازاً تقديره هي.
ما هو الضابط للمستتر وجوباً والمستتر جوازاً؟
هناك ضابط يسير: وهو أن ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً.
إلا أن الأخير يستثنى منه بعض الضمائر التي تقدر بهو أو هي ويكون مستتراً وجوباً، كأفعال التفضيل مثل:
ما أحسن زيداً! يقولون: إن تقدير الجملة: شيء عظيم أحسن زيداً، فأحسن فيه ضمير مستتر يعود على (ما) والتقدير: (هو) لكنه مستتر وجوباً، قالوا: لأن مثل هذا التركيب يجري مجرى المثل، والأمثال في لغة العرب تبقى على ما هي عليه ولا تتغير، حتى إنك تقول لرجل فوت الفرصة ثم أراد استدراكها: الصيف ضيعتِ اللبن!
إذاً نقول: ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً.
أما على رأي آخرين من العلماء فيقولون: ما صح أن يحل محله الظاهر فهو مستتر جوازاً، وما لا فمستتر وجوباً.
فمثلاً: فاعل (اسكن) لا يحل محله الظاهر، فلا تقول: اسكن زيد. على أن زيداً فاعل.
فإن قال قائل : فقول الله: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35] قلنا : أنت هنا ليست هي الفاعل، بل هي ضمير فصل، والفاعل مستتر وجوباً في اسكن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[وذو ارتفاع وانفصال أنا هو وأنت والفروع لا تشتبه]
يجوز أن نقول: ذو: خبر مقدم، و(أنا هو وأنت) مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس.
ذكر المؤلف رحمه الله في هذا البيت ضمير الرفع المنفصل، فقال: (وذو ارتفاع وانفصال أنا)، للمتكلم، (هو) للغائب (أنت) للمخاطب، وهي ضمائر منفصلة بارزة.
(والفروع لا تشتبه) يعني: أنها واضحة:
ففرع أنا: نحن.
وأنت فروعها أربعة: أنتِ أنتما أنتم أنتن.
وهو فروعها أربعة أيضاً: هي هما هم هن.
فتكون ضمائر الرفع المنفصلة اثني عشر ضميراً، أنا ونحن، وأنت وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتن، وهو وهي وهما وهن وهم. وهذه الضمائر التي للرفع تستعار أحياناً للجر، فتدخل عليها الكاف وتكون في محل جر، فتقول: أنا كأنت.
أنت: في محل جر، لكن على سبيل الاستعارة لا على سبيل الأصالة.
وكذلك ربما تستعار ضمائر الرفع المنفصلة للنصب، فتقول: ضربت زيداً وهي، بدلاً من وإياها.
لكن استعارتها للجر كثيرة واستعارتها للنصب قليلة، والأصل فيها أنها ضمائر للرفع.
ذو: مبتدأ. وهنا يتعين أن تكون مبتدأ، ولا يصح أن تكون خبراً مقدماً؛ لأن الخبر هنا جملة، وهي قوله: (جعلا إياي)، وقوله: جعلا بالألف، وهي للإطلاق.
وإياي: قصد لفظه نائب فاعل.
لكن كيف نقول: إياي نائب فاعل وهي ضمير نصب؟ نقول: المراد بذلك لفظها، أي: جعل هذا اللفظ.
وهنا يرد سؤال: لماذا قال في هذه الضمائر: (وذو انتصاب في انفصال)، وقال قبله: (وذو ارتفاع وانفصال)، مع أنه لو قال هنا: وذو انتصاب وانفصال، لاستقام البيت؟
لم يتبين لي سبب إلا اختلاف التعبير فقط، وقد يقال: إن هناك فرقاً، وهو أن الضمير في إياي وما تفرع منه هو كلمة (إيا) فقط، وأما ضمائر الرفع فالكلمة كلها ضمير.
لكن في النفس من هذا شيء، لأن ضمائر الرفع المنفصلة يقولون فيها: إن الضمير هو (أن) فقط، والتاء حرف خطاب، أما هو وهي فكلها ضمير، فالظاهر لي والله أعلم أن هذا لمجرد تغيير العبارة.
إذاً: ضمائر النصب المنفصلة إياي وفروعها.
يقول: (والتفريع ليس مشكلا) إياي يتفرع منها: إيانا، إياكَ، إياكِ، إياكما، إياكم، إياكن، إياه، إياها، إياهما، إياهم، إياهن، فالجميع اثنا عشر ضميراً.
قال الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وقال تعالى: فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ[العنكبوت:56]، وقال تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ[سبأ:24].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر