إسلام ويب

شرح ألفية ابن مالك [32]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأصل أن يتسلط العامل على معموله، لكن قد يتقدم المعمول فيشتغل العامل عنه بضمير أو ما تعلق به هذا الضمير، وهنا يكون للاسم المعمول المتقدم أحوال من حيث نصبه أو رفعه؛ فقد يجوزان على السواء وقد يترجح أحدهما أو يجب.

    1.   

    اشتغال العامل عن المعمول

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [اشتغال العامل عن المعمول:

    إن مضمر اسم سابق فعلاً شغل عنه بنصب لفظه أو المحل

    فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافق لما قد أظهرا]

    قوله: (اشتغال العامل عن المعمول).

    العامل يشمل الفعل واسم الفاعل وكل ما يعمل.

    ومعنى اشتغال العامل عن المعمول: أن يكون العامل مشتغلاً بمعمول آخر يعود على ما سبق، وذلك أن الفعل لا يمكن أن يتسلط على شيئين، فلا يوجد فاعلان في فعل واحد، ولا مفعولان في فعل واحد إذا كانا بمعنى واحد.

    فمثلاً: زيد ضربته، لا يمكن أن يكون (ضرب) عاملاً في (زيد) وفي الضمير، لكن يمكن أن ينصب مفعولين كل واحد منهما غير الآخر كما مر معنا في باب ظن وأخواتها.

    واشتغال العامل عن المعمول يكون إما بضميره، وإما بشيء مضاف إلى ضميره، فإذا قلت: زيد ضربته، فهنا اشتغل بضميره، وإذا قلت: زيداً ضربتُ غلامَه، فهذا مشتغل بمضاف إلى ضميره، وكلام ابن مالك يشمل هذا وهذا.

    ولذلك يقول:

    (إن مضمر اسم سابق فعلاً شغل عنه بنصب لفظه أو المحل)

    إن: شرطية.

    مضمر: على رأي الكوفيين فاعل مقدم على فعله، أو مبتدأ وما بعده خبره، وأما على رأي البصريين فيقولون: مضمر: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، وقد عرفنا الأقوال الثلاثة في مثل هذا التركيب، وأن من العلماء من قال: إنه لا بد أن نقدر فعلاً، ومنهم من قال: إن أدوات الشرط تدخل على الأسماء، ومنهم من قال: إنه يجوز تقديم الفاعل.

    (فعلاً شغل): فعلاً: مفعول لشغل.

    وشغل: مفسر للفعل المحذوف، والتقدير: إن شغل مضمر اسم سابق فعلاً عنه بنصب لفظه أو المحل.

    (عنه) أي: عن هذا السابق، يعني شغله عنه بنصب لفظه أو المحل، أي: سواء كان ذلك شاغلاً عن نصب اللفظ أو المحل: ونصب اللفظ واضح، مثل: ضربت زيداً، تقول: زيداً ضربته، فلا يمكن أن يكون (زيداً) مفعول به والهاء مفعول به؛ بل الفعل انشغل.

    (أو المحل) مثل أن يكون هذا المشتغل عنه يبنى ولا ينصب، فيكون الاشتغال عن نصب محله.

    كذلك اسم الإشارة مبني. كأن تقول: هذا ضربته، فهنا اشتغل الضمير عن نصب المحل، ولهذا نقول: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب.

    قال رحمه الله:

    (فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافقٍ لما قد أظهر)

    فالسابق انصبه: السابق مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده، ولا نقول إنه مفعول بما بعده، لأن ما بعده مشغول عنه بضميره.

    انصبه: انصب: فعل أمر، والهاء مفعول به.

    بفعل: جار ومجرور متعلق بانصب.

    أُضمر: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والجملة صفة لفعل.

    حتماً: متعلق بأضمرا، أي: إضماراً حتماً، أي: واجباً، فهو مصدر في موضع الحال، أي: محتوماً.

    موافق: صفة لفعل.

    لما قد أظهرا: أي: للفعل الظاهر، ففي قولك: زيداً ضربته، نقول: زيداً: مفعول لفعل محذوف تقديره (ضربت).

    ولا يصح أن تقول: مفعول لفعل محذوف تقديره: (أهنت)؛ لأنه لابد أن يكون موافقاً لما قد أظهر، فإذا كان الفعل الموجود (ضرب) فلابد أن يكون الفعل المقدر مثله (ضرب).

    ومثله: طعامك أكلته، طعامك: مفعول به لفعل محذوف والتقدير: أكلت طعامك، ولا يصح أن تقول في التقدير: أتلفت طعامك؛ لأنه لا بد أن يكون الفعل المضمر موافقاً لما قد أظهر.

    وقوله: (أضمرا) من باب التجوز، والصواب أن يقال: حذف، ولو قال:

    فالسابق انصبه بفعل حذفا حتماً موافق لما قد عرفا

    لاستقام الكلام.

    المواضع التي يجب فيها نصب الاسم المشتغل عنه

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [والنصب حتم إن تلا السابق ما

    يختص بالفعل كإن وحيثما]

    إذا قلنا: (زيد أكرمته)، نجد أن الفعل انشغل عن نصب (زيد) الذي سبقه بضمير، ولولا هذا الضمير لوجب أن نقول: زيداً أكرمته، على أنه مفعول به مقدم، لكن لما اشتغل الفعل تغير الحكم، فهل الأولى أن نرفع (زيد) أو أن ننصبه؟

    نقول: في ذلك تفصيل ذكره المؤلف رحمه الله، وهو من الأحكام التي تشابه ما في الفقه من جريان الأحكام الخمسة: فتارة يترجح الرفع، وتارة يترجح النصب، وتارة يجب الرفع، وتارة يجب النصب، وتارة يجوز الوجهان على السواء.

    لكن في قول: زيد ضربته، الراجح هو الرفع؛ لأنه لا موجب لترجيح النصب، فيكون الإعراب:

    زيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

    ضربته: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، ولذلك قال:

    (فالسابق انصبه بفعل أضمرا

    حتماً موافق لما قد أظهرا)

    قوله: (انصبه) أي: جوازاً، ثم بين حكم هذا النصب فقال:

    (والنصب حتم إن تلا السابق ما

    يختص بالفعل كإن وحيثما)

    النصب: مبتدأ، وحتم: خبره.

    وإن تلا: جملة شرطية، فعل الشرط (تلا)، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله على رأي الجمهور، والصواب أن هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب؛ لأنه مفهوم من السياق.

    تلا السابق: تلا: فعل ماض، والسابق: فاعل.

    ما يختص: ما: اسم موصول مفعول به.

    يختص: الجملة صلة الموصول.

    بالفعل: جار ومجرور متعلق بيختص.

    كإن وحيثما: الكاف حرف جر, وإن اسم مجرور، وحيثما معطوف عليه.

    والمعنى: أنه يتعين النصب إذا تلا السابق -وهو الاسم المتقدم على الفعل- ما يختص بالفعل كإن وحيثما؛ لأن أدوات الشرط تختص بالفعل، لكنه مثل بـ(إن) لأنها حرف، وبـ(حيثما) لأنها اسم.

    مثاله: إذا قلت: إنْ زيداً لقيته فأكرمه، فهنا يتعين النصب؛ لأن زيداً تلا ما يختص بالفعل وهي (إن) الشرطية، ولو قلت: إنْ زيدٌ لقيته فأكرمه، لقلنا: هذا غلط لا يصح؛ لأنه إذا تلا أداة تختص بالفعل لزم أن نقدر ذلك الفعل ويكون الاسم الموجود مفعولاً به.

    ومثله: حيثما زيداً لقيته فأكرمه، ولا يصح: حيثما زيدٌ لقيته فأكرمه؛ لأن (حيثما) أداة شرط تختص بالأفعال.

    إذاً: يتعين النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد أداة تختص بالأفعال.

    المواضع التي يجب فيها رفع الاسم المشتغل عنه

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [وإن تلا السابق ما بالابتدا

    يختص فالرفع التزمه أبدا]

    (وإن تلا): إن: شرطية.

    تلا: فعل ماض.

    السابق: فاعل.

    ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

    بالابتداء: جار ومجرور متعلق بيختص.

    يختص: فعل مضارع وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو، والجملة صلة الموصول أعني (ما).

    فالرفع: الرفع: مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، ووجب ربطه بالفاء لأن الجملة طلبية، وجواب الشرط إذا كان طلبياً تعين اقترانه بالفاء.

    التزم: فعل أمر، والهاء: مفعول به.

    أبداً: ظرف زمان للمستقبل.

    والمعنى: إذا تلا السابق -وهو الاسم المشتغل عنه- ما يختص بالابتداء وجب الرفع، ولذلك قال (فالرفع التزمه) أي أنه واجب، وعلى هذا إذا تلا السابق ما يختص بالفعل وجب النصب، وإن تلاه ما يختص بالاسم وجب الرفع؛ لأن التقدير حسب ما يقتضيه ذلك العامل.

    مثاله: إذا وقع الاسم بعد إذا الفجائية، فإن إذا الفجائية لا يليها إلا اسم، تقول: خرجتُ فإذا زيدٌ يضربه عمرو، أي: ففاجأني ضربُ عمروٍ زيداً، ولا يجوز أن تقول: فإذا زيداً يضربه عمرو؛ لأن (إذا) الفجائية تختص بالاسم.

    ونقول في إعراب (زيد): مبتدأ، والجملة (يضربه) خبر المبتدأ.

    إذاً: هذان متقابلان، إذا ولي الاسم المشتغل عنه ما يختص بالفعل وجب النصب، كأدوات الشرط، وإن وليه ما يختص بالاسم وجب الرفع كإذا الفجائية.

    فإذا قلت: خرجت فإذا زيدٌ يضربه عمرو، فزيد مضروب، والعامل فيه (يضرب)، ولهذا تسلط على ضميره، وهنا لا يمكن أن يتسلط (يضرب) على (زيد)؛ لأن زيداً ولي ما يختص بالاسم، فوجب أن تكون الجملة جملة اسمية لا فعلية، ولو حذفنا (إذا) وقلنا: زيد يضربه عمرو، جاز أن ننصب فنقول: زيداً يضربه عمرو، وإن كان مرجوحاً، لكن إذا جاءت (إذا) تعين الرفع؛ لأن إذا الفجائية لا تدخل إلا على الجمل الاسمية، فيتعين الرفع.

    قال:

    [كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

    ما قبل معمولاً لما بعد وجد]

    هذا البيت فيه شيء من الركاكة.

    قوله: (كذا إذا الفعل)، أي: كذا يجب الرفع إذا الفعل تلا الذي لم يرد ما قبله معمولاً لما بعده.

    يعني: أن الفعل إذا تلا أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وجب الرفع.

    أي: إذا كان الفعل الذي اشتغل بضمير السابق أتى بعد أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فإنه يتعين الرفع؛ لأن ما بعدها لا يمكن أن يتسلط على ما قبلها.

    ومن ذلك: أدوات الاستفهام، فإن أدوات الاستفهام لا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ لأن أداة الاستفهام لها صدر الكلام، فلو عمل ما بعدها فيما قبلها لم يكن لها الصدارة؛ لأنه سبقها معمول ما بعدها، فمثلاً: نقول: زيدٌ هل يكرمه أخوه؟ فزيد الآن وقعت قبل أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وهي (هل) الاستفهامية، فلو قلت: زيداً هل يكرمه أخوه؟

    فإن هذا لا يجوز؛ لأن ما بعد (هل) لا يعمل فيما قبلها، إذاً لا يمكن أن يتسلط الفعل الذي بعدها على الاسم الذي قبلها.

    المواضع التي يترجح فيها نصب الاسم المشتغل عنه

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [واختير نصب قبل فعل ذي طلب

    وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب

    وبعد عاطف بلا فصل على

    معمول فعل مستقر أولا]

    سبق أن المشتغل عنه تجري فيه الأحكام الخمسة بالنسبة للرفع والنصب:

    الأول: ما يجب فيه الرفع.

    الثاني: ما يجب فيه النصب.

    الثالث: ما يترجح فيه الرفع.

    الرابع: ما يترجح فيه النصب.

    الخامس: ما يستوي فيه الأمران الرفع والنصب.

    وسبق وجوب النصب ووجوب الرفع، وهنا ذكر المؤلف رحمه الله ترجيح النصب على الرفع.

    قوله: (واختير نصب قبل فعل ذي طلب).

    اختير: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والذي اختار ذلك هم العرب؛ لأن الذي يصوغ الكلام على الوجه العربي هم العرب، إذاً: فالعرب إذا جاء المشغول عنه قبل فعل ذي طلب قالوه بوجهين: بالرفع وبالنصب، ولكنهم يرجحون النصب.

    مثاله: زيداً اضربه، ضيفَكَ أَكْرمه، ويجوز أن يقال: ضيفُك أكرمه، وزيدٌ اضربه.

    وقوله: (ذي طلب) يشمل ما وقع بلفظ الأمر وما وقع بلفظ النهي.

    ومثال النهي: النمامَ لا تطعه، بالنصب، ويجوز: النمامُ لا تطعه، بالرفع، لكن المرجح هو النصب.

    قوله: (اختير): فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله.

    نصب: نائب فاعل.

    قبل: ظرف متعلق باختير، وهو مضاف إلى (فعل).

    ذي طلب: ذي: صفة لـ(فعل) مجرورة بالياء؛ لأنها من الأسماء الخمسة، وذي: مضاف، وطلب: مضاف إليه.

    قوله: (وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب):

    وبعد: ظرف متعلق باختير، أي: واختير نصب بعد ما إيلاؤه الفعل غلب، أي: بعد الذي غلب إيلاؤه الفعل.

    ما: اسم موصول، وهو في محل جر لأنه مضاف إليه.

    إيلاء: مبتدأ، وهو مضاف للضمير.

    الفعل: مفعول به مقدم منصوب، والذي نصبه (إيلاء)؛ لأن التقدير: وبعد ما غلب إيلاؤه الفعل، فالفعل على هذا يكون منصوباً بإيلاء.

    غلب: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود على إيلاء.

    قوله: (وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب):

    هذا هو الموضع الثاني، وهو: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد أداة أو عامل يغلب أن يليه فعل فإنه يختار النصب، ومثلوا لذلك بهمزة الاستفهام، تقول: أزيداً لقيته؟ ويجوز: أزيدٌ لقيته؟ لكن المرجح هو النصب، ووجه الترجيح: أن هذه الأداة لا يليها إلا فعل، فصار تقدير الفعل بعدها ليتسلط على المشغول عنه أولى من كونه مرفوعاً بالابتداء.

    إذاً: الموضع الثاني مما يترجح فيه النصب: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد أداة يغلب أن يليها فعل، مثل همزة الاستفهام.

    الموضع الثالث: قال:

    [وبعد عاطف بلا فصل على

    معمول فعل مستقر أولا]

    أي: وإذا وقع الاسم المشغول عنه بعد عاطف على مفعولِ فعلٍ مستقر أولاً، فإنه يترجح النصب.

    قوله: (وبعد):

    الواو: حرف عطف، بعد: ظرف منصوب على الظرفية بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف إلى: عاطف.

    بلا فصل: جار ومجرور، لكن نعرب (بلا فصل) بالتفصيل فنقول: الباء: حرف جر.

    لا: حرف لا يمكن أن يقع عليه الإعراب فنقل إعرابه إلى ما بعده، ولهذا لا نقول: إن (لا) مضافة إلى فصل، بل نقول: إن العمل تعداها إلى ما بعدها؛ لأنها حرف لا يتسلط عليه العامل.

    وقال بعض المعربين: إن (لا) هنا بمعنى (غير)، وعلى هذا فتكون الباء حرف جر، و(لا) اسم مجرور اعتباراً بمعناها، مبنية على السكون في محل جر، وتكون مضافة إلى (فصل)، وهذا يرد كثيراً في كلام القدامى.

    وقوله: (على معمول فعل)، على: حرف جر. معمول: اسم مجرور بعلى، وهو متعلق بعاطف، ومعمول: مضاف وفعل: مضاف إليه.

    مستقر: صفة لفعل.

    أولاً: ظرف مكان، ويجوز أن يكون ظرف زمان.

    والمعنى: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد حرف عطفٍ على معمول فعل سابق فإنه يترجح النصب.

    مثال ذلك: ضربتُ زيداً وعمراً أكرمته، ويجوز: وعمرو أكرمته، ولكن الراجح: وعمراً أكرمته؛ لأنك إذا نصبته فقد جعلت الجملة فعلية، وهي أنسب للجملة التي سبقتها؛ لأن الجملة التي سبقتها فعلية، ولهذا نقول: إنك إذا قلت: جاء زيدٌ وعمرو أكرمته، فهذا جائز، لكن الأولى وعمراً أكرمته؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية أولى من عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية؛ للتناسب.

    وقوله: (بلا فصل) احترازاً مما لو فصل، مثل أن تقول: قدم زيدٌ وأما عمرو فحبسه العدو، فهنا نقول: (عمرو) لا تكون معطوفة على ما سبق؛ لوجود الفصل بـ(بأما)، فلا تصح الجملة معطوفة على ما سبق لوجود الفصل، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (بلا فصل).

    جواز الرفع والنصب في الاسم المشتغل عنه

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [وإن تلا المعطوف فعلاً مخبرا به عن اسم فاعطفن مخيرا]

    قوله: (وإن تلا المعطوف) يريد به الاسم المشغول عنه (فعلاً مخبراً به عن اسم) أي: جملة فعلية مخبراً بها عن اسم (فاعطفن مخيراً) أي: بين الرفع والنصب.

    الإعراب:

    إن: شرطية.

    تلا: فعل ماض، وهو في محل جزم فعل الشرط.

    المعطوف: فاعل.

    فعلاً: مفعول لتلا. مخبراً: صفة له.

    به: جار ومجرور متعلق بمخبراً.

    عن اسم: جار ومجرور متعلق بها أيضاً.

    فاعطفن: الفاء حرف رابط لجواب الشرط، اعطفن: فعل أمر مؤكد بنون التوكيد، وعلى هذا فهو مبني على الفتح، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.

    مخيراً: حال من الضمير المستتر في (اعطفن)، يعني: حال كونك مخيراً بين الرفع والنصب.

    ومعنى البيت: أن الاسم المشغول عنه إذا تلا فعلاً مخبراً به عن اسم فأنت بالخيار بين الرفع والنصب.

    وقول المؤلف رحمه الله: (فعلاً مخبراً) فيه تسامح؛ لأن المخبر به هي الجملة وليس الفعل، ولهذا لو قلت: زيدٌ يقوم، ما تقول: يقوم: خبر زيد، بل تعرب الجملة مستقلة ثم تقول: والجملة في محل رفع خبر زيد؛ لكن قد يعتذر للمؤلف بأنه عبر عن الجملة بالفعل الواقع خبراً إشارة إلى وجهة النصب، لكن هذا العذر قد ينفع وقد لا ينفع.

    مثال ذلك: تقول: زيدٌ أكرمته وعمرو أهنته، أو زيدٌ أكرمته وعمراً أهنته، فهنا يجوز في (عمرو) الوجهان: الرفع والنصب، ولا يترجح أحدهما على الآخر، لقوله: (اعطفن مخيراً)؛ وذلك لأن الجملة الأولى تضمنت جملتين: جملة ابتدائية وهي الجملة الكبرى، وجملة فعلية وهي الجملة الصغرى الواقعة خبراً، فإن راعيت صدر الجملة ترجح الرفع؛ لأنها جملة مبتدأة بالابتداء، وإن راعيت عجز الجملة ترجح النصب؛ لأن عجز الجملة جملة فعلية.

    فإن قلت: زيدٌ أبوه قائم وعمرو أكرمته، الرفع في (عمرو) أرجح؛ لأن الجملة في صدرها وعجزها جملة اسمية، فليس هناك فعل يرجح النصب، ولهذا قال المؤلف: (فعلاً مخبراً به عن اسم فاعطفن مخيراً).

    ترجيح الرفع على النصب في الاسم المشتغل عنه

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [والرفع في غير الذي مر رجح

    فما أبيح افعل ودع ما لم يبح]

    قوله: (والرفع في غير الذي مر رجح) يفهم منه أن الموجبات للرفع والنصب والمرجحات للنصب معددوة، ولهذا جعل الأصل هو الرفع فقال: (والرفع في غير الذي مر رجح).

    وعليه فنقول: يجب النصب في كذا، والرفع في كذا، ويترجح النصب في كذا، ويجوز الأمران في كذا، وما عدا ذلك فالرفع أرجح، وذلك لسببين:

    السبب الأول: أنه الأصل، والسبب الثاني: أن العامل مشغول.

    ثم قال: (فما أبيح افعل ودع ما لم يبح) لو قال قائل: ما الفائدة من هذا الشطر؟

    نقول: هذا ليس مجرد تكميل، لكن كأنه يقول ما جاز فافعله ولا تبالِ بمن اعترض عليك، وما لم يبح فدعه ولا تبالِ بمن ناقضك وقال: كيف يمتنع كذا ويجوز كذا؟

    فكأنه يقول: الزم هذه القواعد ولا يهمنك أحد، وهذا أولى من أن يقال: إن هذا الشطر تكملة لما سبق وإنه لا فائدة منه، وإنه تحصيل حاصل، فليس هو تحصيل حاصل، بل هذا هو السبب.

    حكم فصل الفعل المشغول عن الشاغل بحرف جر أو بإضافة

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [وفصل مشغول بحرف جر

    أو بإضافة كوصل يجري]

    قوله: (فصل): مبتدأ، وهو مضاف إلى (مشغول).

    بحرف جر: متعلق بمشغول.

    أو بإضافة: معطوف على حرف جر، أي: أو مشغول بإضافة.

    كوصل: جار ومجرور.

    يجري: فعل مضارع، والجملة خبر قوله: (فصل).

    والمعنى: أن المشغول -الذي هو الفعل- إذا فصل عن الشاغل بحرف جر فهو كما لو اتصل به، فإذا قلت: زيد اضربه، فالراجح هو النصب؛ لأنه فعل طلب، وكذلك: زيد امررْ به، يترجح أيضاً النصب؛ لأن الفصل هنا بحرف الجر كالوصل، وعلى هذا فنقول: زيداً امرر به، أرجح من: زيدٌ امرر به.

    كذلك أيضاً: زيداً مررت به، يجوز الوجهان والرفع أرجح؛ لأنه ليس هناك سبب يقتضي خلاف ذلك، كما قال: والرفع في غير الذي مر رجح).

    كذلك أيضاً: إذا فصل المشغول عن الشاغل بمضاف فهو كما لو اتصل به، فتقول: زيداً اركب سيارته، فالراجح النصب؛ لأن المشغول فعل طلب، فقولك: زيداً ارْكبْ سيارته، أرجح من قولك: زيدٌ اركبْ سيارته.

    ولو قلت: زيد أكرمت غلامه، فالراجح الرفع.

    إذاً: استفدنا من هذا أن الشاغل لا فرق بين أن يكون متصلاً بالمشغول أو مفصولاً بحرف جر أو إضافة.

    الوصف العامل عمل الفعل كالفعل في باب الاشتغال

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [وسوِّ في ذا الباب وصفاً ذا عمل

    بالفعل إن لم يك مانع حصل]

    سوِّ: فعل أمر.

    في ذا الباب: أي في هذا الباب وهو متعلق بـ (سوِّ).

    وصفاً: مفعول سوِّ.

    ذا عمل : صفة لوصف.

    بالفعل: متعلق بسوِّ.

    (إن لم يك مانع حصل) إن: شرطية، لم: جازمة، يك: فعل مضارع مجزوم بلم؛ لأنها المباشرة.

    مانع: اسم (يكن)، ويجوز أن يكون فاعلاً، فعلى الأول تكون جملة (حصل) خبر يكن، وعلى الثاني تكون صفة لـ(مانع).

    ومعنى البيت: أن الوصف الذي يعمل عمل الفعل كالفعل تماماً، والمراد بالوصف: اسم الفاعل واسم المفعول.

    إلا إذا كان هناك مانع يمنع من عمله فإنه لا يلحق بالفعل.

    فمثلاً: اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا كان للحال أو الاستقبال، وإن كان للماضي فإنه لا يعمل عمل الفعل، فإذا قلت: زيدٌ أنا ضاربُه أمس، فهنا لا يعمل، فيتعين الرفع في (زيد)؛ وذلك لأن الوصف لا يتسلط لو باشره فكيف إذا لم يباشره؟!

    ولو قلت: زيد أنا ضاربه غداً، جاز الوجهان: الرفع والنصب، ولو قلت: زيد أنا الضاربه، فإنه لا يصلح أن ننصبه؛ لأنه وجد فيه (أل) و(أل) تمنع من عمل ما بعدها فيما قبلها.

    والحاصل: أن ما يعمل عمل الفعل يجري مجرى الفعل، ما لم يوجد مانع.

    ما يتعلق بالتابع كالذي يتعلق بنفس الاسم في باب الاشتغال

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [وعلقة حاصلة بتابع كعلقة بنفس الاسم الواقع]

    (علقة) بمعنى: علاقة، وهي مبتدأ سوغ الابتداء بها وهي نكرة الوصف، حيث قال: (حاصلة).

    بتابع: جار ومجرور متعلق بحاصلة.

    كعلقة: الجار والمجرور خبر (علقة) الأولى.

    بنفس الاسم الواقع: متعلقة بـ(علقة) الثانية.

    والمعنى: أن ما يتعلق بالتابع كالذي يتعلق بنفس الاسم، فتقول مثلاً: زيد مررت برجل يحبه.

    فعندنا الآن علاقة حاصلة بالتابع؛ لأن ضمير (زيد) السابق متصل بالفعل الذي هو (يحب)، والفعل الذي هو (يحب) صفة لرجل.

    وهذا البيت يشبه ما سبقه: أن فصل المشغول بحرف جر أو إضافة كالوصل، وهذا ليس مفصولاً بحرف جر ولا بإضافة، ولكنه مشغول بوصف ما تسلط عليه الفعل.

    مثال آخر: زيداً أكْرِمْ رجلاً يحبه، بالنصب؛ لأن المشغول كان فعل طلب، وإذا كان المشغول فعل طلب فالراجح النصب.

    قوله: (بنفس الاسم الواقع).

    الاسم الواقع هو المشغول عنه، والمشغول هو الفعل الذي شغله ضمير الاسم المشغول عنه.

    والخلاصة: أنه إذا وجد ضمير المشغول عنه في وصف هو الشاغل، فهو كما لو كان متصلاً بالفعل مباشرة، هذا هو المعنى، والمثال يوضح ذلك.

    قال في الشرح: [إذا عمل الفعل في أجنبي وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق من صفة، نحو: زيداً ضربت رجلاً يحبه، أو عطف بيان نحو: زيداً ضربت عمراً أباه، أو معطوف بالواو خاصة نحو: زيداً ضربت عمراً وأخاه؛ حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السببي، فينزل: ضربتُ رجلاً يحبه، منزلة: زيداً ضربتُ غلامه، وكذلك الباقي، وحاصله: أن الأجنبي إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السببي].

    السببي هو الذي يتعلق بالإضافة أو بحرف الجر، وهو الذي أشار إليه في قوله: (وفصل مشغول بحرف جر أو بإضافة).

    فإذا قلت: زيداً أكرمت غلامه، فأنت إنما أكرمت الغلام، لكن ارتباط الغلام بزيد صار سببية، مثل: زيد قائم أبوه، فالقيام من الأب مع أنه صفة لزيد، فالسببي هو الذي يكون له صلة بما يتحدث عنه، سواء كان مشغولاً أو مبتدأً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765789950