الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأسعد الله أوقاتكم في الدنيا والآخرة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته، وفي الآخرة في دار كرامته ومستقر رحمته.
في البداية: أشكر مكتب الدعوة والإرشاد بمدينة الرياض على هذا النشاط من الدعوة، وعلى هذا الأسلوب الفريد، والذي يحصل به التجديد، وتحصل به المصلحة والفائدة، حينما يعيش المسلم يوماً إسلامياً متكاملاً يعايش فيه إخوانه، ويتعرف فيه على أحبائه، في أقدس البقاع، وفي أحب الأماكن إلى الله عز وجل، وليأخذ أنموذجاً من الحياة الإسلامية المتكاملة من بداية النهار إلى نهايته، لا ليعيش هذا اليوم فقط، ثم يرجع إلى حياته الأولى، حياة اللهو والعبث واللعب، ولكن ليقضي حياته الجديدة بعد ذلك اليوم بمثل ما قضاها في مثل هذا اليوم، طبعاً بإضافة العمل، لا نريد أن يُفهم من هذا أن يجلس الإنسان في المسجد طول حياته؛ لكن نقدم في يوم الإجازة أنموذجاً بكيف يُستغَل الوقت فيما ينفع، وفي أيام العمل نضيف ساعات العمل الرسمي أو ساعات الكسب المعيشي إلى برنامجنا، ونحن بهذا أيضاً نعبد الله عز وجل. فأشكرهم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في جهودهم، وأن يجعل ثوابها في موازين حسناتهم.
ولما كان الموضوع متعلقاً بالأسرة، والمعوقات في طريق سعادتها، فإن هذا هو الموضوع المختار للحديث عنه.
فالأسرة هي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي، وهي العش الهادئ الذي ينعم بالعيش فيه جميع أفراد الأسرة، والمكونة من الأم، والأب، والأبناء، والبنات، وحينما تظلل تعاليمُ الإسلام هذه الأسرة فإنها تعيش في سعادة ورفاهية، مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها بالطرق الوقائية، وبالأساليب الشرعية، ذات الحلول الإيجابية.
لا تعني هذه الدرجة بأنها أفضلية، وإنما درجة مسئولية، ولا يعني في أي إدارة أنك إذا وجدتً مديراً ونائبه، أن المدير أفضل من نائبه، فربما النائب في قدراته وإمكانياته ودينه أفضل من مائة مدير؛ لكن شاء الله أن يكون هذا مديراً، وهذا يكون نائباً للمدير، وكذلك شاء الله أن يكون مدير الأسرة هو الزوج، ونائبه هي الزوجة، ولا يمكن أن تتدخل في صلاحياته، هو الذي يضع لها صلاحيات، ويحدد لها واجبات على ضوء التكاليف الشرعية، والأوامر الربانية، فإذا جهل الأب وجهلت الأم بالطرق الشرعية لتربية أبنائهما، وأهملا هذا الأمر العظيم الذي هو من أوجب الواجبات باعتباره مسئولية كبيرة فسيواجهون السؤال عنها يوم الوقوف بين يدي الله؛ فيُسأل الإنسان عن أولاده، عن فلذة كبده، عن أمانته؛ أحفظها أم ضيعها؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فهذا الحديث إذا مر علينا فإنا نأخذه بمأخذ السطحية، لا نغوص في أعماق النص، ونعرف ما معنى المسئولية؟
المسئولية تعني: أن الإنسان مسئول وموقوف بين يدي الله، فيسألك الله عن ولدك هذا: لماذا لم تعلمه دين الله؟ لماذا لم تربه على منهج الله؟ لماذا لم تكن له قدوة؟
بعض الناس تكون عنده رغبة في أن يكون ولده صالحاً؛ لكن هو نفسه لم يأخذ نفسه بالصلاح، فيعكس عدم صلاحه على ولده، ويأتي ولده فاسداً، وعندما يُسأل يوم القيامة هل يقول: إنه بنفسه؟ لا. ليس بنفسه، بل أنت الذي أفسدته بسلوكك، وبعدم التزامك فانعكست هذه الأخلاقيات والسلوكيات السلبية على ولدك، ولو كنت صالحاً لأصلح الله عز وجل ولدك.
ويقول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) وهذه الرعاية تقتضي الاهتمام بكل ما من شأنه المساس بمصلحة هذه الأسرة، في الكبير والصغير، والدقيق والجليل، في الدنيا والآخرة .. في الاجتماع.. في الاقتصاد .. في كل شئون الأسرة، مسئولة عنها، ولكنها تعني أول ما تعني: الاهتمام بالجانب المهم في حياة الأسرة، ألا وهو: جانب الإيمان..جانب الدين..جانب العقيدة والسلوك والأخلاق، ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم في تأمين الطعام والشراب، والكساء والسكن والسيارة، وتُهمل تلك الجوانب المهمة، فإن الأمة تنعكس وتنتكس وتتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، فكم وجدنا من أسر تعيش في قصور عالية، وتركب سيارات فارهة، وتلبس ملابس عظيمة، وتأكل الأصناف المتعددة؛ لكن الجهل يخيم على هذه الأسرة، والفُسق يسيطر عليها، والشقاق والنفاق -والعياذ بالله- والتمزق العائلي! لماذا؟ لغياب الشريعة، ولغياب دين الله عز وجل في الهيمنة، وكم رأينا أسراً تعيش في أكواخ، وتلبس أسمالاً بالية، وتأكل طعاماً ناشفاً، وتمشي على أقدام حافية، ولكن بالإيمان والدين تكون الرابطة بين الزوجين وبين الأولاد والبنات قوية، وتظللهم السعادة في الدنيا قبل السعادة في الآخرة.
ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم فقط في المأكل والمشرب فإن الأسر تتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، وتنتشر المشاكل والمآسي، وهو ما نلاحظه اليوم في كثير من المجتمعات في هذا الزمان.
وكثير من الناس يقضي مثل هذا اليوم؛ لكنه يقضيه في معصية، وفي لعنة، وفي غضب -والعياذ بالله- يذهب إلى الوديان، وإلى الجبال، ولا مانع من أن يذهب إذا كان في أمرٍ حلال؛ لكن يذهب ومعه المنكرات والمعاصي، والدخان والشِّيشة، والأفلام والتبرج -والعياذ بالله- وضياع الصلوات، واللعن والسب، والكلام الساقط، ويرجع وهو (مليونير) في السيئات، متوج بغضب الله ولعنته والعياذ بالله.
أنت في يوم وهو في يوم، لكن شتان ما بين اليومين مثل ما بين السماء والأرض، يوم معك فيه الملائكة، يوم يباهي بك الله عز وجل في الملأ الأعلى؛ لأنك جالس في مجلس ذكر، والحديث في صحيح البخاري: يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سَوَّاحة -متجولـة- تطوف حلق الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل، فيسألهم وهو أعلم: كيف وجدتُم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يهللونك ويسبحونك ويقدسونك، فيقول الله: فما وجدتموهم يسألونني؟ فيقولون: وجدناهم يسألونك الجنة؟ فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا لها طلباً وفيها رغبة، فيقول الله عز وجل: فما وجدتموهم يستعيذون بي؟ -اللهم إنا نستعيذ بك من عذابك ومن النار- فيقولون: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول الله: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً وخوفاً، فيقول الله: أشهدكم أني قد غفرتُ لهم)
اللهم إنا نسألك من فضلك في هذه الساعة يا ربي أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تغفر ذنوب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا، وزوجاتنا وجيراننا وجميع إخواننا المسلمين.
ودائماً -يا أخي!- إذا دعوتَ فكبِّر الدعوة، لا تجعلها صغيرة، إذا دعوت فادعُ لك، ولوالدَيك ولإخوانك، ولزوجاتك ولذرياتك، ولجيرانك ولجميع المسلمين، وقد تقول: إنها كثيرة، لكن ما عند الله أكثر، ليس كثيراً على الله، اطلب فإنك تطلب غنياً، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلتَ إبرة الخياطة في البحر وأخرجتها هل تنقص البحر؟ اذهب وقس طرف البحر وانظر كم نقَّصت الإبرة، لا إله إلا الله! وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] غني عظيم، ولذا إذا طلبت الغني فكثِّر واطلب، والله عز وجل يحب العبد الملحاح، ويحب الذي يُكثر الدعاء؛ لأنه غني تبارك وتعالى، نسأل الله أن يدخلنا في واسع رحمته.
- المعوقات التي تحطم كيان الأسرة :-
إن هناك معوقات كثيرة، اختار الإخوة المشرفون على المجلس وعلى اليوم الإسلامي منها ثلاثة فقط، وهي:
أولاً: المخدرات.
ثانياً: الأفلام.
ثالثاً: الأصدقاء.
هذه قنابل على الأسرة، هذه معاول في هدم كيان الأسر وسعادة الأسر: المخدرات..الأفلام.. والأصدقاء.
المخدرات هي التي لا يقف ضررها عند حد، بل يتجاوز كل حد، ولا يسلم من أثرها أحد؛ لأنها شرور لا يعلمها إلا الله.
إن الفرد، والمجتمع، والشعب، والدولة، بل العالم كله ليعاني الآن من آثارها، وأضرارها، حتى أجمعت الأمم كلها -كافرها ومسلمها، كبيرها وصغيرها- على محاربة المخدرات؛ لقناعتها بأن أضرارها بالغة لا تُقاس؛ في الدين، والصحة، والاجتماع، والأمن، والاقتصاد، ومن أجل ذلك تحارَب على كافة المستويات.
وكيف تُحَطَّم الأُسَر عن طريق المخدرات؟
تُحَطَّم الأُسَر يوم أن تُمارَس المخدرات عن طريق أول جُرعة، وقد جرِّب ذلك، وكثير من الناس وقعوا مع أول خطوة، وانتهوا عند أول حبة تناولوها، يجلس أحدهم في المقهى، وهي مساجد الشيطان، إذا أردتَ أن ترى مساجد إبليس فاذهب إلى المقاهي، سترى المؤذن، وهو: المغني، وترى المآذن، وهي: الشِّيَش، وفوقها النار، وترى المصلين وهم قابعون على الكراسي، وكل منهم مادٌّ رجله، والشيطان يلعنهم ويسخط عليهم، ويبول في آذانهم، ويوم القيامة يتبرأ منهم، ويقول لهم: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22] يقول: ما أخذتكم بحبل ولا بكتاب ولا غيرهما، هل يجد الشيطان أحدهم إلى القهوة؟ لا. إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22].
من الناس من يترك زوجته وأطفاله ويخرج من بعد العشاء ولا يرجع إلا الساعة الثانية عشرة ليلاً أو الواحدة ليلاًً، وأين هو؟ وهو يعبي جمراً أحمر -والعياذ بالله- ولا يطرب إلا لقرقرتها فوق رأسه، والشيطان يكبر ويهلل من عليها، يكبر تكبيرة شيطانية، تقرقر فوق رأسه فيحس لهذه القرقرة أنغاماً أعظم عنده من ترتيل القرآن، لا إله إلا الله! وبعد ذلك؟
أيضاً يمارس نوعاً آخر من العبادة، يلعب (الورق، وكبُّود، والدِّمنة، والكَيْرَم) ويضيع حياته -والعياذ بالله- ثم يتفل الشيطان في وجهه، ولا يعود إلى البيت إلا والشيطان فوق رقبته؛ لأن الشيطان الآن متطور، كان في السابق يمشي، أما الآن فأصبح يركب سيارات؛ لكنها ليست من حديد، وإنما سيارات بشرية، يقول الله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ [المجادلة:19] استولى عليهم واستعمرهم، وقرطسهم ووضعهم في جيبه: فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].
يأتي الرجل ويجلس في القهوة، وذاك يضحك وهو منبسط، فيسأله الرجل ويقول: ماذا بك يا أخي؟ فيقول: هناك شيء ليس عندك، فيقول: وما هو؟ فيقول: ذُق لترى، ذُق فقط، فيقول: وما هذا؟ فيقول: هذا يجعلك ترى مصر وأنت هنا، فيقول: هات ننظر، وأخذ حبة وبلعها، فيقول: بكم هذه الحبة؟ فيقول: بعشرة، أو بخمسين، أو بمائة، وبدأ في الانزلاق، فيجيء في اليوم الثاني فلا يستطيع أن يصبر! ولا بد من حبة، فيحرم أولاده من مصروف المدرسة؛ لكي يشتري حبة، ويجعل ولده وبنته في المدرسة بدون فُسحة، يشحذون من الأولاد: أعطني قطعة جبنة! أعطني قطعة (ساندويتش)! فيقال له: لماذا؟ فيقول: أبي لم يعطني شيئاً، فيقال له: لماذا؟ فيقول: ليس عنده نقود، وهو عنده نقود، ولكن اشترى بها مخدرات، وبعد ذلك تستمر الانزلاقة إلى أن يفتقر الرجل، ويصبح راتبه كله في المخدرات، ولا يعطي أولاده شيئاً، فيموتون جوعاً، لماذا؟ لأنه لا يستطيع، فتنتهي رواتبه، وإذا لم تكفه فإنه يذهب ليسرق، يسرق حلية زوجته، ويدخل على المرأة، ويقول: انظري! أنا متورط .. أنا زهقان .. هناك أزمة .. أسرعي .. أعطيني (بِنْجِرة) أو أعطيني خاتماً، أو أعطيني قطعة من حليك؛ لأنني محتاج محتاج (ومزنوق إلى رقبتي) وهو فعلاً كذلك ورطة إبليس -والعياذ بالله- في هذه المأساة، وما ظنك عندما تضيع الأسرة بهذا الزوج الفاشل، فالأولاد يضيعون؛ لأنه لا يعرف عنهم شيئاً، والبنات يضِعنَ، والزوجة إذا كانت بلا دين ربما تضيع، وتذهب لتشتغل، إما بعمل مهني، أو ربما تبيع عرضها من أجل أن تكسب شيئاً تقتات به هي وأولادها بسبب هذا الخبيث الذي تدهور في بؤرة وحفرة المخدرات.
- أولاً: الشعور بالخمول:-
خامل حتى في عمله، حتى في دوامه، يأتي الساعة التاسعة والنصف، وإذا جاء أرخى ظهره على الكرسي، فيقال له: ما بك؟ فيقول: أنا متعب، لا أدري ماذا بي، فيقال: ما الذي أتعبك؟ أين كنت؟ هل كنت تجاهد؟ فيقول: لا ولكن متعب لا أدري ماذا بي، أحس نفسي أنني لستُ بجيد؛ لأنها خَدَّرَتْكَ المخدرات، فالشعور بالخمول دائماً وباستمرار، فهو خامل لا يستطيع أن يأخذ حتى ورقة، حتى في العمل نفسه، فتقول له: اكتب المعاملة هذه، فيقول: حاضر، فيكتبها: سعادة مدير عام كذا وكذا، أو مدير كذا وكذا، مرفقة المعاملة المتعلقة بفلان، نأمل الاطلاع والإحاطة والتوجيه، فقط وتخلص منها؛ لكن هل درسها، وعرف مضمونها، والتي رأينا، والتي لها خيارات، الخيار الأول.. الخيار الثاني..يقدم معلومات، فيأتي المسئول يقرأها، هل هي كاملة من خلال المعاملة كلها أم لا؟ فهذه ليست موجودة، لماذا؟ لأنه كسلان..تعبان..مخدر..يشعر دائماً بالخمول والكسل والاكتئاب، ودائماً هو غضبان ومكتئب وأعضاؤه كلها مرتخية والعياذ بالله.
ثانياً: اتساع حدقة العينين:-
وأيضاً ظاهرة تراها فيه فتعرفها، وهي: اتساع حدقة العينين، عيونه موسَّعة، لماذا؟ نتيجة الاكتئاب والشد العضلي والنفسي فتتوسع عيناه؛ لأنه لا ينام، فتتوسع عيناه كأنها عينا سكران والعياذ بالله.
- ثالثاً: ارتفاع درجة الحرارة:-
عندما تلمسه تجد حرارته مرتفعة باستمرار، فتلتهب تأثير هذه الحبوب.
- رابعاً: الصداع:-
- خامساً: الدوار:-
- سادساً: تصلُّب المعدة:-
- سابعاً: الضعف العام في كل جسده:-
- ثامناً: جفاف الفم:-
- تاسعاً: الرغبة في النوم:-
فرغبته دائمة في النوم، يرقد ويرقد إلى أن يقوم وقد تقلبت عيونه، وانتفخت، وأصبحت عينه الواحدة مثل الساعة من كثرة النوم، وإذا جاء في الصباح ليلبس أحذيته، فإنه لا يدخل حتى رجله بأكملها، يدخل نصف رجله، ويسحبها في الشارع سحباً، ويرمي بـ(غترته) على كتفه، وحتى زراره الذي على رقبته لا يشده، فلا فراغ لديه لذلك؛ لأنه يراه متعباً له، فيقول: كيف أشد زراري ثم أفتحه فيما بعد؟! لا. أتركه مفتوحاً من الآن، لا إله إلا الله!!
ثم بعد ذلك يستمر في التدهور إلى درجة أنه لا يعرف من هو.
قال لي أحد المسئولين في إدارة المخدرات: إن هناك شخصاً من المتعاطين سئل وقيل له: ما اسمك؟ فقال: هاه؟! ماذا تقول؟ قيل: ما اسمك؟ قال: أنا؟! دعني أتذكر! مَن أنا؟! لستُ أدري!
لا إله إلا الله! هل هناك تحطيم أعظم من هذا التحطيم؟! من إنسان لا يعرف من هو؟! لا يعرف ما اسمه، أهو علي، أم عبد الله، أم سعيد، أم محمد؟! أي خير تأمله، أو أي شيء تريده من هذا الإنسان الذي لا يعرف من هو؟! أتريده أن يستمر في القيام بدوره في أسرته, أو في مجتمعه، أو في وطنه؟! كيف سيكون؟!
سيكون مسكيناً وكرة يلعب بها الشيطان، كما يلعب بها الصبيان، وهو ما تسعى إليه دول الكفر في أن تورِّد لنا هذه السموم حتى تقضي علينا، وأنتم تعرفون أن من يقرأ التاريخ، يعرف كيف استطاعت بريطانيا أن تحطم وتستعمر الصين عن طريق المخدرات، إلى أن أتى رئيسٌ لهم وقضى على المخدرات، وإذا بـالصين تنهض، وتصبح الدولة الخامسة العُظمى في العالم، وتفجر الذرة، وتكتشف القنبلة الذرية. هذا بعد ماذا؟ بعد تَحررها من رِبْقة المخدرات.
لقد أنعم الله على الإنسان بالعقل؛ ليكون مسئولاً عن تصرفاته، وليقوم بتكاليف الدين، ولذا فإن مناط التكليف العقل، يقـول عليه الصلاة والسلام: (رُفع القلم عن ثلاثة: ...) الحديث، وهذا من خصائص الدين الإسلامي، أنه إذا كان هناك عقل فإن هناك مؤاخذة، وإذا ارتفع العقل ارتفعت المؤاخذة، لماذا؟ لأن العقل هو الذي يضبط تصرفاتك: (رُفع القلم عن ثلاثة: ...) والمخدرات بأشكالها وأنواعها وجميع أصنافها المختلفة، تقوم بإفساد العقل، والقضاء عليه، وتعطيله عن القيام بدوره، وتحويل الإنسان من إنسان عاقل إلى إنسان مجنون، يقول ابن الوردي:
واترك الخمرة، لا تشربها كيف يسعى لجنون من عقلْ |
وقد نشأت المخدرات منذ القدم، عن طريق تعرف الإنسان على بعض النباتات والأعشاب، وتناولها، ثم الاستمرار عليها، حتى يحدث لديه الإدمان، وهو الاعتماد الجسدي والعقلي عليها، ولذا تفتح الدولة الآن مستشفيات، اسمها: مستشفيات الأمل؛ لأن صاحب المخدرات لا يستطيع أن يتركها من عنده، بل لا بد من علاج؛ لأن المخدرات أصبحت جزءاً من تركيبته الجسدية، وأصبحت جزءاً من تركيبة دماغه وعقله، بحيث أنه إذا لم يجدها فإنه لا يستطيع العيش؛ ألا ترون بعض المدمنين إذا لم يجد المخدرات كيف يتصلب، ويحرك يديه، ويصعد عينيه، ويتلوى، ويقع في الأرض، ويتقلب، ويمدد رجليه ويديه؟! لماذا؟ لأنه نقص عليه شيء، فلا يحاول أن يعود إلى وضعه إلا عن طريق المخدرات، فتصبح المخدرات بعد الإدمان جزءاً من التركيب الجسدي والنفسي.
إذاً: هو يبدأ بجرعة صغيرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم لا يلبث أن يقع فريسة للمخدر، ويعجز عن الإقلاع عنه، وإذا لم يتناوله تعرَّض للآلام والتشنجات.
وقد نشأت المخدرات منذ القدم، عن طريق تعرف الإنسان على بعض النباتات والأعشاب، وتناولها، ثم الاستمرار عليها، حتى يحدث لديه الإدمان، وهو الاعتماد الجسدي والعقلي عليها، ولذا تفتح الدولة الآن مستشفيات، اسمها: مستشفيات الأمل؛ لأن صاحب المخدرات لا يستطيع أن يتركها من عنده، بل لا بد من علاج؛ لأن المخدرات أصبحت جزءاً من تركيبته الجسدية، أصبحت جزءاً من تركيبة دماغه وعقله، بحيث أنه إذا لم يجدها فإنه لا يستطيع العيش؛ ألا ترون بعض المدمنين إذا ما وجد المخدرات كيف يتصلب، ويحرك يديه، ويصعد عينيه، ويتلوى، ويقع في الأرض، ويتقلب، ويمدد رجليه ويديه؟! لماذا؟ لأنه نقص عليه شيء، فلا يحاول أن يعود إلى وضعه إلا عن طريق المخدرات، فتصبح المخدرات بعد الإدمان جزءاً من التركيب الجسدي والنفسي.
إذاً: هو يبدأ بجرعة صغيرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم لا يلبث حتى يقع فريسة للمخدر، ويعجز عن الإقلاع عنه، وإذا لم يتناوله تعرَّض للآلام والتشنجات.
فبعض الناس لا يقع فيها مباشرة من عنده، بل لا بد من شخص يغرر به، ويخدعه ويمكر به، ويقول له: أتريد أن أريك شيئاً ينفعك، ويفعل بك كذا، فيقول: نعم، فيقول: خذ. فيقع.
إذاً: ما هي هذه الأسباب؟
هذه الأسباب هي:
- السبب الأول: ضعف الوازع الديني، وعدم الخوف من الله:-
هذا أول سبب، إذ أن الذي يخاف من الله، وعنده إيمان، -فوالله- لا يتناولها، ولا يقرب منها، ولا يتعرف عليها؛ لكن البيئة الخصبة، والمجال الرحب لزرع وشيوع المخدرات هو ضعف الوازع الإيماني، وعدم المراقبة والخوف من الله عز وجل.
- السبب الثاني: مجاراة أصدقاء السوء، ورفقاء الباطل، والمجاملة لهم:-
فالدخان يبدأ بأول سيجارة، والخمر يبدأ بأول كأس، والمخدرات تبدأ بأول حبة عن طريق المجاملة، فبعض الناس يجلس مع هؤلاء الأصدقاء والرفقاء، فيفتح أحد الأصدقاء والرفقاء الباكِت، ويخرج منه السيجارة مثل المدفع، ويقول له: تفضل. يريد أن يكرمه، بل يريد أن ينسفه بمدفعه الشيطاني -والعياذ بالله- فيقول: شكراً، فيقول: لا يا شيخ! جرِّب..لا بأس..لا يهمك شيء، أنا عندي الكثير منه يظن أنه رفض؛ لأنه ظن أنه بخيل! (بينما هو) لا يريدها ولا يريد صاحبها.
أحد الناس وهو دكتور، كنت أنا وهو نتكلم في موضوع الدخان، وهو يعلمني بجميع أضراره، وبينما نحن نتكلم إذا به يدخل يده في جيبه من غير شعور وهو يتكلم معي، ويخرج الباكِت، ويخرج منه السيجارة، ثم يقدَّم لي، فقلتُ: لماذا هذا؟ انتبه! فقال: آسف.. آسف والله نسيت! فالعادة أصبحت (أوتوماتيكياً) تبعاً للشيطان، فيخرجها بدون شعور منه، والعياذ بالله.
- السبب الثالث: الاعتقاد بزيادة القدرة على السهر، وزيادة الإنتاج:-
وهذا اعتقاد باطل، فالبعض يعتقدون أن الذي يشرب المخدرات يستطيع أن ينتج أكثر، ويسهر أكثر، ولذا يشربها السائقون في أيام المواسم، مواسم الحج والأعياد، لا يريد أن ينام في ليل ولا في نهار، فيأخذ حبوباً، ثم يعود فينام نومة لا يقوم منها إلى يوم القيامة، يريد أن يسهر ساعات، فيرقد أياماً وليالي -والعياذ بالله- إما في حادث مروري، وإما أن يقع في السجن، وإما أن تحدث له نكبة؛ لأسباب تعاطيه هذه الحبوب التي يسمونها: ( حبوب الكونغو ).
- السبب الرابع: الاعتقاد الخاطئ بأن للمخدرات علاقة بالجنس:-
فيكون لدى المتعاطي ضعف جنسي، لا يستطيع أن يمارس عملية الجنس مع زوجته، فيقول له شخص: أتريد أن تكون قوياً، فيقول: نعم. فيقول: إذاً: خذ لك هذه الحبوب، فيبرُك ويتعطل، ولم يعد يقدر على فعل شيء بالمرة، لا -يا أخي- إذا أردت أن تكون كذلك، فأولاً عليك بالتحصن من الحرام، غُض بصرك عن الحرام، صُنْ سمعك عن الحرام، لا تنظر إلى الحرام؛ لأن النظر والسماع يصرف جزءاً من شهوتك؛ ولكن إذا أمسكت نفسك عن الحرام، وصرفته في الحلال، فستقوى، وأيضاً: كُلْ مما رزقك الله من الطيبات، كل من الشحم واللحم، والبر والسمن والعسل، والتمر، وهذا يجعلك رجلاً بدون مخدرات.
- السبب الخامس: الاعتقاد الخاطئ بأنها علاج للأرق والقلق:-
فبعض الناس لا يأتيه نوم في الليل، فيقول: كيف أنام؟ فيقال له: خذ لك حبوباً ونم. وهي في الحقيقة ليست منومة، وإنما هي مزعجة والعياذ بالله.
- السبب السادس: إيهام المتعاطي بأنها تنسيه مشاكله، وأنها تقضي على آلامه وأوضاعه:-
وهذا خطأ، وكما يقال: (دخِّن عليها تنجلي)، فالأصح: دخِّن عليها تضيق وتشتد، لا أنها تنجلي.
- السبب السابع: وفرة المال:-
وخصوصاً عند الشباب الصغار الذين لا يبالي آباؤهم بالمبالغ التي في أيديهم.
إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أي مفسدة |
فإذا كان عمر الشاب خمسة عشر عاماً أو عشرين عاماً، وأبوه يرمي بالأوراق المالية في جيبه، ولا يحاسبه، وهو لا يعرف قيمة المال، لأنه لم يتعب فيه، ويذهب فيشتري، وربما يتعاطى، فيقع -والعياذ بالله- وهو قليل التجربة، وأيضاً ناقص الأهلية، ولا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل، وبين الشر والخير، فيقع في هذه البلية.
1- تؤثر تأثيراً قوياً على الجهاز العصبي.
2- تؤثر على الجهاز الهضمي.
3- تسبب هبوطاً في القلب.
4- تذهب العقل.
5- تفقد الوعي.
6- توهن الصحة.
7- تقلل من قدرة الإنسان على القيام بالواجبات، فيصبح شخصاً مهزوزاً.. كسولاً.. سطحياً.. متواكلاً.. مهملاً.. منحرف المزاج، تهتز صورته في المجتمع، وتضعف الثقة فيه، فتسيء الأمة الظن به.
1- أثبتت الدراسات الأمنية وجود رابطة قوية بين متعاطي المخدرات وأصحاب الجرائم؛ جرائم السلب، والقتل، والاغتصاب، والسطو، من أجل ماذا؟ من أجل الحصول على المخدرات، فإن كان المدمن لا يتورع عن السرقة، والنهب، ولا يتورع عن السلب والاغتصاب، من أجل الحصول على هذه المخدرات.
2- لا يتورع عن إفشاء أسرار بلاده لأعدائه؛ في سبيل أن يأخذ شيئاً من هذه المخدرات.
3- ثبت أن نسبة كبيرة من حوادث السير المرورية؛ يكون سببها تعاطي المخدرات عند السائقين الذين يتوهمون أنها تزيد من قدرتهم على السهر ومواصلة السفر.
1- تعاطيها يؤدي إلى الإدمان -كما أسلفنا- وهذا يتطلب صرف مبالغ طائلة، دون أي جدوى.
2- شيوع البطالة.
3- عدم قيام المدمنين بأعمالهم المنوطة بهم، فيتعطل الإنسان، وينخفض مستوى المعيشة، وتتدهور الأمة، وينتشر الفقر، ويتأثر الاقتصاد، وتحصل الويلات والنكبات، ولذا فإن الدول المتأخرة الآن والفقيرة، سواءً أكانت عربية أو غير عربية، إسلامية أو غير إسلامية، الداء الوبيل الذي يقضي عليها هو: المخدرات.
1- تدمير المدمنين.
2- وبالتدمير يحصل عجزهم عن القيام بواجباتهم الأسرية.
3- وبالعجز يحصل انتشار الفقر والجهل والمرض، وتتفشى الجرائم والفساد الخلقي وهتك الأعراض.
كل ذلك بأسباب هذا الداء الخطير.
والحمد لله ففي بلدنا ومجتمعنا، وفي ظل قادتنا -بارك الله فيهم- يُحارب هذا الداء محاربة شديدة، ويُضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يسير فيه، سواءً أكان هذا تعاطياً، أو ترويجاً، أو تهريباً، أو بيعاً، كل هذه جرائم، ليس فيها إلا السيف الأبتر.
ولذا فإن مسئولية كل فرد فينا -أيها الإخوة- أن نكون عيناً على هذه الجريمة، ولو كان المجرم ولدك، فلا تتستر على من سمعت أو علمت أن عنده شيئاً من هذه المخدرات، والله إذا تسترت وسكت، ولو كنت لست مسئولاً فأنت مسئول عن هذه الأمة، كلكم مسئول، فإذا علمت أو سمعت عن زميل، أو قريب أو بعيد، أو ولد أو أب، أو زوجة أو بنت، أو أي إنسان في الدنيا مهما كانت صلتك به، إذا علمت أن عنده من هذه شبهة، فبلغ به رأساً سلطات الأمن، وإذا لم تبلغ وتسترت عليه فأنت -والله- خائن لله ولرسوله ولهذه الأمة، وربما تُبتلى أنت إذا سكت، فإنه ربما بعد سنوات ستجد المرض في ولدك، أو في ابنتك، أو زوجتك، أو فيك أنت، لماذا؟ لأنك رضيت بالمنكر، وهذه أمانة، أضعها ويضعها ولاة الأمر في عنق كل مسلم، كل منكم على ثغرة من ثغور الدين، فلا يؤتى الإسلام من قِبَله.
فالمسئولية ليست مسئولية رجال مكافحة المخدرات فقط، ولا رجال الأمن فقط، بل هي مسئوليتهم في الدرجة الأولى، وكذلك مسئوليتك أنت في الدرجة الثانية مثلهم، كمواطن وكمسلم، يهمك أمن هذه البلاد، ويهمك أمر سعادة الأسر، ويهمك أمر الأمة بشكل عام.
فعليك أن تكون عيناً على هذه الأمور، وما إن تسمع شيئاً إلا وتذهب إلى ولي الأمر، وتبلغ، وطبيعي أنه لن يُفشى اسمك، فتقول لهم: أنا بلغت، ولكن لا تقولوا: إنه قالها فلان. فطبيعي أنهم لن يقولوا: قالها فلان، وإنما سوف يقبضون على الجاني، ويقضون على المنكر -بإذن الله-، ويكون لك شرف أنك ساهمت في القضاء على هذه الجريمة، وهذه المعضلة الاجتماعية الخطيرة.
الأفلام؛ وما أدراك ما الأفلام؟ لقد أحدثت هذه الأفلام هزة عميقة كبيرة في الأسر وفي نمط الحياة الاجتماعية فيها، حين أصبح مجرد تجمع الأسرة حول بعضها ضرباً من ضروب المستحيلات، فما عاد أحدٌ يجد الأب، ولا الأم، ولا الأولاد، كلٌّ في داره على الفيديو، يتلقى ويتعلم من دروس الكفر والضلال -والعياذ بالله- وحين أخذت القيم التي تبثها الأسرة في الأطفال في الاضمحلال والانتهاء؛ لتحل محلها القيم المقتبسة والمستوردة من أفلام رعاة البقر، ومسلسلات العنف، وتمثيليات الجنس، وحلقات الجريمة والبوليس، وهي دائرة ضخمة من الآثار الوخيمة، تصنعها الأفلام، ويتشبع بها أفراد الأسرة كل يوم، وتتغير -تبعاً لذلك- أنماط في حياة الأسرة كلها، فوقت النوم أيضاً يتغير، وكان الناس في الماضي ينامون بعد صلاة العشاء، وكانوا عندكم في نجد هنا إذا سمعوا النجار سهر بعد صلاة العشاء، دقوا عليه الباب، وأخذوا غترته وحرقوها وصبوا الماء على ناره، ويقولون له: أتسهر بعد العشاء؟! أمعقول أن تضيع الفجر؟!
أما الآن فقد أصبح النوم بعد العشاء جريمة، إذا سأل شخص آخر وقال له: متى ترقد؟ فقال: بعد العشاء، قال: أعوذ بالله! أترقد بعد العشاء؟! أفيك خبل حتى لا تسهر؟ وإذا قال له: ومتى ترقد أنت؟ قال: ما أنام إلا الساعة الواحدة، بعد انتهاء الفيلم، أو بعد المسلسل (الذي يسلسل عقله والعياذ بالله)، حتى أصبح المسلسل موعداً، فيقال: متى العشاء: بعد الأخبار أم بعد المسلسل؟ فيقال: العشاء بعد المسلسل.
أصبح المسلسل حدثاً اجتماعياً، لا بد أن نحرص عليه، وبعضهم تجد أن عنده زائراً، أو هو زائر عند آخر، فإذا جاء وقت المسلسل قال: أستأذن، فإذا قيل له: ماذا هناك؟ قال: المسلسل، لا أريد أن يفوتني، فإذا قيل له: لماذا؟ قال: وقف المسلسل البارحة عند نقطة هامة، وأنا -يا أخي- أعيش في دوامة، أريد أن أراها.
ما هذه النقطة الهامة، أتدرون ما هي؟ هي كذب في كذب، تجد سبعة كذابين أو ثمانية، أو عشرين كذاباً جمَّعهم كذاب، وألف لهم كذبة في ورقة، وسماها: مسرحية، وأتى بهم، ووزع عليهم الأدوار، وقال: أنتَ في دور الأب، وأنتِ في دور المرأة، وأنتِ في دور البنت، وأنتَ في دور الولد، وأنتَ في دور الخادم، وأنتَ في دور السائق، وجلس معهم شهرين أو ثلاثة أو أربعة، وهو يعلمهم الكذب، ويصنع لهم كذباً في كذب، وبعد ذلك، أخرج هذه الكذبة إلى الناس، وإذا بالناس يعيشون معها. حتى أن من الناس من يعود إلى بيته فيجد زوجته تبكي، فيقول لها: ماذا بك تبكين؟ فتقول: هل رأيتَ النهاية المرة والأليمة التي حصلت لتلك المسكينة؟ فيقول: يا فلانة، والله لا نهاية ولا شيء، والله إنها كذب في كذب كيف تعيش بعقليتك على الكذب، أنا الآن لو قلتُ لكم وأنا في مجيئي الآن، جئت -مثلاً- من شارع المطار إليكم، فلو قلتُ لكم، وأنتم تثقون بكلامي: لقد مررتُ بحادث مروري مروِّع، كانت ضحيته العشرات من الناس، أربع أو خمس سيارات اصطدمت كلها، وبعد ذلك جاء المرور وسألوا الجرحى، وساهمتُ أنا معهم، أما تتأثرون بهذا الخبر؟! مباشرة ستقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، فإذا أكملتُ الخبر، قلتُ: لا تصدقوه فهو كذب، فماذا ستقولون لي؟ ستقولون: الله أكبر عليك، لماذا تخذلنا يا شيخ؟ لماذا تعلمنا الكذب؟! وتشد أعصابنا بالكذب؟!
هذه المسلسلات، وهذه الأفلام كلها كذب في كذب.
فالنوم أصبح في هذا الوقت من بعد العشاء أعجوبة الزمان، وحتى نمط الطعام أصبح متغيراً، لم يعد مثل الأول، ونمط الاستضافة، فبعض الناس تأتي إليه تريد أن تدق عليه بابه، وتريد أن تسمر معه، فيشغل لك فيديو، ويقول: اسمر مع الفيلم، فتقول له: يا أخي! أنا جئت لأزورك، أم جئت لأزور الفيلم؟ أريد كلامك، لا أريد الفيلم، فيقول: لا. الفيلم مهم، انظر إليه، بمعنى: انصرف، لا يريدك أن تجلس معه، لا حول ولا قوة إلا بالله! واختفت الحياة الهادئة، وتعود الناس على الضجيج والصخب، وحصل الاضطراب في الأعصاب.
1- انعدام الحس الإيماني.
2- استمراء الأخطاء الظاهرة، وعدم إنكارها.
3- صار الناس يتقبلون أن يروا رجلاً يحتضن شابة؛ لأنه يمثل دور أبيها مثلاً؛ وصدَّقوا ذلك، وهو في الحقيقة ممثل، وهي ممثلة، لا هو أبوها، ولا هي ابنته، ويضمها ويقول: يا حبيبتي! ويا ابنتي، وهي ليست ابنته حقيقة؛ لكن صدق الناس أنها ابنته.
4- أيضاً صار الناس لا يتحرجون من مشاهدة رجل وامرأة في وضع الزوجين، مع أنهما ممثلان وليسا بزوجين.
5- صار الحس الإسلامي متبلداً، لا أحد ينكر أن يرى المرأة حاسرة الرأس، كاشفة الصدر والرقبة والساقين والذراعين.
6- لا يتحرج المسلم ولا المسلمة من مشاهدة من يشرب أكواب الخمر، ومن يمارس جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل، والسباب والشتائم بأقذع الألفاظ؛ لأن تلك الأشياء كلها مُعَلَّمَة من تلك الأفلام.
7- لم يعد لفراش الزوجية وغرفة النوم ذاك الاحترام، والحشمة، والسرية.
كان الناس يعيشون ويموتون وهم لا يعلمون شيئاً عن غرفة النوم، إلا مع أزواجهم إذا تزوجوا، أما الآن فقد أصبحت حياة الأزواج مكشوفة في الأفلام بصورة مبتذلة، وفي إسفاف بالغ، حين يُرى الزوج وزوجته على السرير، والولد الصغير، ولهذا يقول عزَّ وجلَّ: ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور:58] لكم ثلاث عورات، لا يمكن أن يدخل عليكم أحد إلا بإذن حتى الأطفال.
الثلاث العورات هي: الأولى: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ [النور:58] والثانية: وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ [النور:58] والثالثة: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58] لماذا؟ لحرمة الغرف، ولحرمة سرير النوم؛ حتى لا يفاجئك الإنسان وأنت على وضع لست مستعداً فيه؛ لكن اليوم! هل بقي على الطفل شيء يخفى عليه بعد هذه الأفلام، بل ينظر إلى الفيلم، ويقول: إذاً أمي وأبي يفعلون هكذا، وربما أكثر، فهل عاد للأسر كيان؟ أبداً؛ لأنه يرى الدروس العملية أمامه في الأفلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن الإنسان -أيها الإخوة- يكَوِّن قيمه الأساسية عن الحياة من تقليده لوالديه، ولذا جاء في الحديث، والحديث في صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (إني خلقتُ عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين).
هذا التأثير ينحصر في الوالدين، وفي الأهل في البيت، لكن عندما يكبر الولد، يتأثر بالمؤثرات الأخرى، مثل: المدرسة، والمجتمع، والشارع، والزملاء، والكتاب، والجريدة، والمجلة، والشريط، كل هذه المؤثرات في الماضي، أما في هذا الزمان فقد أصبحت هناك وسائل عظيمة تؤثر في نفسية الطفل مبكراً، أكثر مما يؤثر فيه والداه، وكذلك المجتمع، هذه المؤثرات هي: الأفلام، أعاذنا الله وإياكم من شرها.
حينما يقضي الطفل أو يبقى مشدوداً ساعات طويلة لمتابعة الفيلم، فإن مفاهيم هذه الأفلام تنعكس عليه، وتنغرس في نفسه، في حين أنه لا يستطيع أن يميز بين الضار والنافع، ولا بين الخير والشر. بجانب سكوت الآباء والأمهات، بل تعلق الآباء والأمهات، فبعض الآباء يقول: الأولاد شغلونا وما ريَّحونا، فإذا قيل له: فماذا تصنع؟ قال: أحضر لهم فيلماً لكي يناموا عليه، وبعضهم يقول: أشاهد الفيلم معهم، فينتقل هذا طبيعياً إلى الأبناء، بحيث تصبح مواقفهم مشابهة لمواقف آبائهم، ثم لا يقبلون فيها جدلاً ولا يسمعون حولها نصيحة.
إن الأطفال بطبيعة الحال لا يستطيعون إنتاج تلك الأفلام، ولا يقدرون على شراء أجهزتها، وهم عاجزون عن القيام بدور الرقابة على أنفسهم، والمسئولية في كل ذلك على الآباء.
إن المسئولية تحتم على الآباء حماية أطفالهم من أي ضرر نفسي، أو أخلاقي، أو عقائدي. والعاطفة، والرغبة، والرحمة، والشهوة الجنسية لا ينبغي أن تطغى على تصرفات الآباء؛ لأنهم وإن استطاعوا أن يتحكموا في تصرفاتهم هم إلا أن هذا التحكم غير موجود عند الأطفال، فعليهم التضحية؛ لأن الطفل أمانة في أعناقهم سيُسألون عنها يوم الوقوف بين يدي الله.
- أولاً: زعزعة ثقة أفراد الأسرة في الإسلام:-
وذلك؛ لأن الفرد منهم يشاهد كفاراً، وإذا لم يكونوا كفاراً وكانوا عرباً فإنه يشاهد فَسَقَةً ومجرمين لا يعرفون الله، وبالتالي يأخذ القدوة منهم، ومن أخلاقهم.
- ثانياً: زعزعة ثقته في آداب الإسلام:-
فحينما تقول للفرد: إن هناك حجاباً في الشرع، يقول: ما الحجاب؟ وأنا طول عمري، منذ أن كان عمري سنة إلى أن صار عمري خمس عشر سنة أو عشرين سنة، ما شاهدتُ امرأة في هذه الأفلام متحجبة؟! ما هو الحجاب؟ وحينما تقول: الدخان ليس طيباً، قال: كيف يكون الدخان ليس طيباً، وذاك الفلاني يجلس على المكتب، وهو في دور المدير، أو في دور المستشار، أو في دور الخبير ويدخن، ويعطي الأفكار؟! فهذا قدوته تجده يتصور أنه لا يمكن أن يكون مديراً أو مسئولاً إلا إذا دخَّن، ولذا يدخن قبل أن يكون مديراً؛ أخذاً من القدوة السيئة.
- ثالثاً: تعليم الأسرة أخلاقيات هؤلاء، والتدرب عليها، وأخذ حركاتهم وأعمالهم ولغتهم، حتى تصرفاتهم:-
كانت المرأة في الماضي وهي تتكلم مع الرجل تتكلم بالمواجهة، فتقول: أعطنا كذا، وأعطنا كذا، لكن في الأفلام اليوم تعلمت المرأة حتى كيف تقف أمام زوجها، إذا كان واقفاً جاءت إليه وأقبلت بظهرها وقالت له: من فضلك، أعطنا لحماً، وأعطنا أرزاً، وأعطنا كذا، حتى ينهرها من كتفها، ويقول لها: التفتي، لا ردك الله، ماذا بكِ؟ فتقول: أما رأيت تلك كيف تتكلم مع زوجها؟! تعطيه ظهرها، وتتكلم معه، من باب الترقي والتطور، من أين تعلمت هذا؟! تعلمته من الفيلم، تريد أن تكون راقية، تريد أن تكون متطورة، ما عرفت التطور إلا من هذا؟! ما أخذت القدوة إلا من هؤلاء الأرجاس والأنجاس والعياذ بالله.
- رابعاً من أخطارها: عدم إنكار المخالفات، واستباحة تلك المحرمات:-
فلا تُنْكَر المخالفات ولا استباحة المحرمات.
- خامساً: تفجير كوامن الشهوة في نفس الإنسان، وإشعالها:-
وذلك حينما يرى الأجساد العارية، ويرى السيقان، ويرى الخصور، ويرى النهود، ويرى الرقاب، ويرى الابتسامة، ويرى الشعور، والحركات البهلوانية التي تغريه وتحرقه، وهو مسكين، ماذا يفعل؟ سيقتل نفسه، إما أن يذهب ليفعل جريمة الزنا، أو يفعل جريمة اللواط، أو يفعل جريمة العادة السرية، أو يبقى مكبوتاً؛ لأنها تُشْعل فيه كوامن الشهوة، ولا يجد لها تصريفاً، فربما كان من غير زوجة.
- سادساً: دعوة الشباب إلى السفر إلى الخارج:-
لأنه يرى هذه الحياة، فينظر إلى مجتمعه المسلم فلا يرى لها صدىً ولا يرى لها انعكاساً، فيحاول أن يجد هذا الشيء الذي رآه في الفيلم، فيراه في الحقيقة، فيطلب من والده النقود، أو يكون موظفاً فيأخذ رواتب إجازته، ويذهب لقطع جواز، وقطع تذكرة، ويذهب إلى الخارج ليمارس الخمر، ويمارس الزنا، ويضيع الدين، ويرجع -والعياذ بالله- وهو بلَبِنَة واستِمارَة، ما عاد له دين، أصبح خصوصي جهنم -والعياذ بالله- ضيَّع دينه وأخلاقه، بل بعضهم يعلق الصليب في رقبته، تأتيه الغانية والزانية، فتقول: مِن أجل خاطري فقط، منظرك ليس جميلاً إلا أن تأخذ هذا العقد في رقبتك. فيعلق الصليب، وبعضهم أشياب والصليب في رقبته، لا إله إلا الله.
- سابعاً: تعويد أفراد الأسرة على الاستهتار:-
وعدم إقامة أي وزن لأي شيء.
- ثامناً: شغل الشباب عن التحصيل العلمي، وقضاء الأوقات فيما لا فائدة فيه:-
فلا علم ولا فائدة.
كل هذه أخطار تحيط بالأسَر إذا أهملت هذه الآفة، وإذا استمرئت في أسر المسلمين.
- الوسيلة الأولى: إشعار الأطفال في بيتك بقيمة الوقت:-
وأن الوقت هو عمر الإنسان، وأن إهدار الوقت في غير مصلحة ضرر عليه، وخسارة لا تعوَّض، وعلى الأب أن يكون قدوة في هذا الاستغلال للوقت، وما هذا اليوم الإسلامي إلا أنموذجاً لكيفية استغلال الوقت فيما فيه مصلحة أو فائدة.
- الوسيلة الثانية: تعويد الأطفال على النوم المبكر ليلاً عن طريق عدم السماح لهم بالنوم نهاراً:-
علِّم زوجتك أن توقظ الأولاد بعد صلاة الفجر، ويذهبون إلى المدرسة، وبعد رجوعهم من المدرسة -إذا كانوا يدرسون، أو إذا كانوا صغاراً- امنعهم من النوم، والذي ينام صبوا عليه الماء، لكي لا يأتي العشاء إلا وهو يريد أن ينام؛ لكن أن ينام طوال اليوم، ثم يأتي في الليل فيظل ساهراً إلى الفجر، وهو يتقلب أو يطالع في الأفلام، هذا خطأ، فقد قلب آية الله عز وجل، الله جعل الليل سكناً والنهار معاشاً، وهذا قلبها فجعل النهار نوماً والليل -والعياذ بالله- سهراً، فلا يسهر في الليل إلا الحيوانات السائبة، فالليل لا يخرج فيه إلا الحيات والعقارب، وهذه هي التي تؤذي الناس.
- الوسيلة الثالثة: إشعار الأطفال بأهمية القيام بالواجبات الدينية، وأنها أقدس ما يُحرص عليه، وزرع محبة الصلاة، والقرآن، والذكر -مثل أذكار الصباح والمساء- في قلوب الأطفال، وقد أخبرني رجل شاب أن لديه ولدين، أحدهما في ثالثة ابتدائي، والثاني في أولى ابتدائي، فقال: إن ولده ذهب إليه وأخذ يعلمه ويقول: يا أبي! لا بد أن نصلي في المسجد كل الصلوات، والأغاني هذه يجب ألا نسمعها. قال: فقلت له: من الذي قال لك؟ قال: قال لي الأستاذ، قلت: حسناً. قال: وكنت أتصور أن الولد يضحك أو أنه لن يلتزم بما قال؛ لكن الولد -ما شاء الله- التزم، وأصبح بمجرد أن يسمع أي نغمة يقوم مباشرة ليقفل الجهاز، قال: وأرجع من الدوام الساعة الثانية والنصف، وأجده متوضئاً وجالساً يرقبني، ومن مجرد أن نتغدى يقول: هيا نصلي يا أبي! قال: ثم صبرت عليه في أول أسبوع، وفي الثاني، وبعد شهر، قال: نعم أريده أن يكون ملتزماً؛ ولكن قليلاً قليلاً، لا مثل هذا، فهذا لا لعب بالمرة، قال: يُصِرُّ على ألا أصلي إلا في المسجد، وأنا أريد أن أصلي في البيت أحياناً؛ لأنني آتي من الدوام متعباً، وفي الصباح لا أستطيع أن أصلي الفجر في المسجد؛ لأنني أسهر في الليل، قال: وإذا بالولد -ما شاء الله- لا يأتي الفجر إلا وهو مستيقظ، ويأتي يطرق عليَّ الباب ويقول: الصلاة يا أبي، الصلاة يا أبي! قال: وأخيراً: ضاق الأمر بي مع هذا الولد. فقلتُ: وماذا فعـلتَ؟ قـال: والله في ضيق منه، قلتُ: لا إله إلا الله! في ضيق منه، يوم أن جعله الله قرة عين لك في الدنيا والآخرة؟! يكون سبباً لهدايتك إلى الجنة، لا تقتل هذه المفاهيم فيه! إياك! احذر! إذا قتلتها قتلك الله في الدنيا والآخرة، وسلطه الله عليك، وسلط الله عليك من ينتقم منك في الدنيا والآخرة، كن عوناً له على طاعة الله عز وجل.
- الوسيلة الرابعة: تذكير أو إخبار الأولاد بالحلال والحرام:-
أ- علِّم أولادك دائماً ما هو الحلال، وما هو الحرام، وما هو الخير، وما هو الشر، وما نتائج كل شيء، وقل لهم: النظر إلى النساء حرام، وسماع الأغاني حرام، والنظر إلى الأفلام حرام؛ لأن هذه تؤدي إلى الزنا، والزنا يغضب الله، ونهاية الزنا العذاب في الدنيا والآخرة.
ب- أعطهم ثقافات إسلامية في وقت مبكر؛ حتى تحميهم وتصونهم من الوقوع في هذه الجرائم.
جـ- عودهم على نبذ الأغاني والمعازف، وعلى إنكارها، وإغلاق الأجهزة عند سماعها، والمسابقة لإخماد صوتها.
د- عودهم على النقد الإيجابي، وقوة الملاحظة، وسرعة الانتباه.
هـ- أخبرهم أن معظم هذه الأفلام مورَّدة من ديار الكفر، وأن الكفار أعداء للإسلام، وأنهم يحرصون على إفساد المسلمين، وأسر المسلمين، ولم يقدموا لنا خيراً قط.
هل تتصورون أنتم أن يورِّد لكم الكفار خيراً؟ لا والله، يقول الله عز وجل: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
و- عليك أن توفر البدائل في بيتك لأولادك، مثل:
1- الكتب، والمطالعة، والقصص للأطفال.
2- توفير جهاز تسجيل مع أشرطة منوعة، والسماح للأولاد بتشغيلها.
فلا مانع من أن تشتري جهازاً بمائتين أو ثلاثمائة ريال، وتعطيه أحد أولادك، وتقول: هذا لك، والأشرطة هذه لك، شغلها على كيفك، وأنت يا فلان لك جهاز آخر، ولك شريط آخر، مع مراقبتهم ومعرفة الأشرطة التي يسمعونها.
3- توفير جهاز الكومبيوتر لتعليمهم بعض الأنظمة التعليمية المفيدة.
4- توفير بعض اللعب الرياضية في فناء المنـزل إذا كان لديك حوش أو سطح؛ كالمراجيح والدراجات، وألعاب المهارات، والتي تحتوي على فك وتركيب، فهذه الألعاب تشغل الطالب أو الطفل، وتأخذ جزءاً من وقته في غير ما ضرر.
5- إلحاق أولادك بالمعاهد والمراكز الصيفية، والمراكز القرآنية المنتشرة في المساجد، وهذه أعظم ما يُربى عليه الأطفال، وما تسمعونه اليوم مما يسميه الناس بالصحوة الدينية والصحوة الإسلامية، هذه لها أسباب، فمن أعظم أسبابها: مدارس تحفيظ القرآن الكريم.
ولذا ترون أن أعظم الشباب وأكثرهم عندما تسأل أحدهم: أين كنتَ؟ يقول: درست القرآن في مسجد كذا، وربما ترك الدراسة؛ ولكن بقي للقرآن أثر في نفسه حتى رجع إلى ما كان قد عُوِّدَ عليه وأُقْرِئَ في بيوت الله تبارك وتعالى.
6- الترويح عن الأطفال والأسر في الإجازات الأسبوعية بالخروج معهم في نزهة لقضاء بعض الوقت الممتع في الخلاء، مع المحافظة -طبعاً- على الصلوات، ومع تستر الأسرة، وعدم التعرض لمجامع الرجال والاختلاط بالرجال.
ز- محاولة ربط الأولاد بشيء من التأمل في مخلوقات الله عز وجل، كزيارة حدائق الحيوان، وكذلك زيارة الأودية، والشعاب، والأشجار، والجبال، والتأمل في مخلوقات الله، والنظر في السماء، والسحب، والنجوم، والكواكب، والقمر، والشمس، هذه كلها تستدعي تقوية الإيمان في قلوب هؤلاء الأطفال.
ح- إسناد بعض الأدوار الأسرية إلى الأولاد، قسم تكاليف الأسرة على أولادك، اجعل واحداً من أولادك مختصاً بأن يحضر الماء باستمرار، إذا كان الماء يأتي عن طريق الوايتات، أو واحداً مختصاً بأن يحضر الخضروات أو الفواكه إلى البيت، وواحداً مختصاً بأن يأتي بحاجات البيت التي ليست من الخضروات ولا من الفواكه، وواحداً مختصاً بأن يوصِّل أهله إلى المستشفى أو إلى المدرسة، وزع الأدوار حتى تشغل فراغ الأولاد في شيء يعود عليك بالنفع.
ط- التعويد على أذكار الصباح والمساء، وسرد القصص المناسبة لهم عند النوم، خصوصاً قصص السيرة، فحينما يريدون أن يناموا تدخل معهم إلى الغرفة، وتقول: تعالوا، قبل أن ننام نأخذ كتاب: ( صور من حياة الصحابة ) للشيخ عبد الرحمن رأفت، و( صور من حياة التابعين )، فهذان من أعظم ما أُلِّف، فتأخذ لهم سيرة صحابي، خبَّاب بن الأَرَت مثلاً، أوعائشة رضي الله عنها، وأي واحدٍ من الصحابة، تقرأ لهم سيرته؛ لتنطبع هذه المفاهيم في أخلاقهم بدلاً من المفاهيم الشيطانية.
وقد يقول قائل: إن الوقت متأخر، فأولادي قد تشرَّبوا حب الأفلام وغرقوا في إدمانها، فكيف الخلاص؟!
ونحن نقول له: إن من يتق الله يجعل له مخرجاً، والبداية: هي الإخلاص لله، والصدق مع الله، ثم التوكل عليه، والسير في طريق مرضاته بشيء من اللين والصبر والحكمة، وما نريد إلا الإصلاح ما استطعنا، وما توفيقنا إلا بالله.
وأنا أوصي بالصبر واللين والحكمة، فبعض الآباء يتأثر من سماع موعظة، ثم يأتي إلى البيت، فيريد أن يقلب الحياة رأساً على عقب بمجرد قلم أو بإصدار أمر، حياة مضى عليها عشر سنوات يريد أن يقلبها في لحظة واحدة، فلا بد من وقت للتغيير، أنت الآن إذا دنوت على سفرة الأكل، وفيها الأرز، واللحم، والإدام، والفواكه، ومن كل شيء، وأنت مستعجل، فهل تستطيع أن تأكلها كلها في لحظة واحدة، أم أنه لا بد لك من وقت؟ بل لا بد لك من وقت، وقت للإدام، ثم وقت للأرز، ثم وقت للفاكهة، ثم وقت للغسيل، فرغم أنك مستعجل إلا أن الوقت لا بد منه، أقل شيء ربع ساعة، أو نصف ساعة، كذلك لا بد من وقت للتغيير، وليس مباشرة، فالذين يغيرون مباشرة يفاجَئون في النهاية بالفشل، لكن لو تدرج وصبر، وكان حكيماً، واستغل الثغرات، واستغل الفرص والمناسبات، فيعطي كلاماً طيباً، فإنه سينفع الله به؛ وإذا ما حصل النفع اليوم، فسيحصل بعد شهر، أو بعد سنة، أنا أرى بعض الأسر، الأب يمارس دور الدعوة مع الزوجة والأولاد من سنوات، وما حصلت الهداية إلا بعد سنوات، ولو أنه استعجل من أول الأمر، وحطم وفعل وطلق وطرد، لكانت الأسرة قد انتهت منذ زمن، ووجدوا ألف بديل للشر؛ فالولد إذا طرده أبوه، ذهب إلى رجل أشر منه، وأفسده أكثر، والمرأة تطلقها فتأخذ رجلاً مثلها ربما يفسدها أكثر، لكن قلل من الشر، وعالج الشر، واصبر ما دمتَ تجد للإصلاح مجالاً.
هذا هو المعوق الثاني، وهو: الأفلام.
والصديق والصاحب له أثره الكبير والبالغ على حياة الإنسان، وبعض الناس يتصور الصديق أنه صديق الولد، بل صديق الأب أول شيء، ثم صديقة الأم، ثم صديق الولد، ثم صديقة البنت، يجب أن يكون هذا الصديق والصاحب صالحاً.
وأيضاً: من الأسر من تتحطم بأسباب صديقة سيئة لامرأة في البيت، قد يكون الرجل صالحاً، والأولاد طيبين؛ لكن هذه المرأة جلست مع جارة خبيثة، قالت لها: كيف زوجك؟ قالت: طيب، قالت: أيعطيك شيئاً؟ أيعطيك ذهباً مثل زوجي، قالت: لا. ما أعطاني شيئاً، قالت: أعوذ بالله منه، انظري زوجي كل مرة وهو يبدل لي، إذاً: لا خير فيكِ ولا خير فيه. فرجعت المسكينة وهي ملغمة ضد زوجها، فبمجرد أن يدخل ويقول: السلام عليكم، تجيبه: وعليكم السلام، فيقول: أما تقولين: وعليكم السلام، حياك الله، كيف حالك؟ -إن شاء الله- ما تعبت اليوم؟! فتقول وهي زعلانة: وعليكم السلام فقط، فيقول: ماذا هناك؟ فتقول: ماذا هناك يا فَسْل؟ أنت ما منك مصلحة، فقط دوام ونقود، ما أهديت لي يوماً واحداً قطعة ذهب، ولا شيء، فلانة رأيتُ معها كذا، وفلانة معها كذا، وفلانة معها كذا، فيقول: الله أكبر عليك! ماذا بك؟ ما الذي حصل؟ ومباشرة يقول لها: والله لن أعطيك حتى حذاءً، فتقول: والله لتعطيني وإلا فلن أجلس، فيقول: والله لن أعطيك، سواءً جلست أم لم تجلسي. فضربها، وطلقها، وأخرجها من البيت، كل هذا بسبب من؟ بسبب تلك الزميلة السيئة، فزميلة سيئة تدمر الأسرة.
تجلس إحداهن مع بعض النساء، فتكون إحدى هؤلاء النساء عفيفة..شريفة..طاهرة، ثم تسألها وتقول: أعندكم تليفون؟ فتقول: نعم. فتقول: أتكلمين أحداً؟ فتقول: من أكلم؟ أكلم أهلي، وأكلم جيراني، وأكلم أبي، فتقول: لا. أما تكلمين أحداً يفتح نفسك ويوسع صدرك؟ أنت مسكينة، أنت مقتولة، فقط جالسة هكذا؟ فتقول: أبداً، فتقول: لو صنعتُ لك شيئاً فإنك تنبسطي بالمرة، وبعض النساء جاهلة، لا تخاف من الله، وليس عندها خشية من الله، ولا عندها أيضاً حرص على عرضها، ولا عرض زوجها، ولا عرض أبيها، ولا عرض قبيلتها، فتذهب مباشرة وتعلم تلك المسكينة، وتقول: دعينا نكلم شخصاً الآن يكلمني دائماً، دعيني أدق عليه، فتدق وتكلمه، وتقول له: معنا ضيفة جديدة، تفضل، وتعطيه إياها، وهكذا تذهب تدق على التليفون ليلاً ونهاراً، حتى تضيع وتسقط في ميادين الضلال والفساد -والعياذ بالله- بسبب مَن؟ بسبب تلك المرأة السيئة.
وكم من ولدٍ سيئ يقع ضحية لسلوكيات صديقه، وكم من بنت كذلك.
فحامل المسك: هو حامل الإيمان، حامل الدين..صاحب القرآن..صاحب الخوف من الله والخشية والمراقبة له.
ونافخ الكير: هو حامل المعاصي..حامل الشر..حامل الغناء..حامل الربا..حامل الزنا..حامل المنكرات، هذا يحرق ثيابك في الدنيا ويحرقك في الآخرة، وأيضاً: تجد منه ريحاً خبيثة، وهي ريح الكفر والضلال -والعياذ بالله- ولذا يحرص الإسلام على تربية أفراده وأتباعه على أن يحسنوا اختيار أصدقائهم. يقول الناظم:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدِي |
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردِي |
ويقول الناظم الآخر:
فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياهُ |
فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاهُ |
يُقاسُ المرءُ بالمرء إذا ما المرء ماشاهُ |
وللناس على الناس مقاييس وأشباهُ |
وللقلب على القلب دليل حين يلقاهُ |
يقولون: إذا سألت عن أبي زيد، فقل: مَن قرينُه، وإذا أردت أن تكون رجلاً فسِر مع الرجال، وإذا أردت أن تكون مؤمناً فسر مع المؤمنين، وإذا أردت أن تكون فاسقاً فسر مع الفاسقين؛ ولذا يذكر الله عز وجل في القرآن قصة مروِّعة عن رجل كان له صديق سيئ -والعياذ بالله- وخليل فاسق قاده إلى الكفر حتى أدخله النار، يقول الله ويخبرنا عن حالة هذا الرجل، وهو يوم القيامة يعض على يديه، ويأكل يديه من بنانه إلى كتفه ندماً على علاقته بهذا الرجل الفاسد، يقول: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29] هذه الآية نزلت في عقبة بن أبي معيط -عليه لعائن الله المتتابعة- رجل من كفار قريش، كان له صاحب يدعوه إلى الكفر، ويؤلبه عليه، ويثبته عليه، ثم سافر صاحبه هذا، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع الرسول، وسمع القرآن، وكاد أن يسلم، لكنه ما أسلم، ولما رجع صاحبه من الشام سأل زوجته: ما صنع عقبة؟ قالت: لقد صبأ. أي: أسلم، فقطع حديثها، وخرج في نفس الوقت إلى بيت عقبة، ودق عليه، وقال: أصبأت يا عقبة؟ قال: لا. ما صبأت! قال: بلى صبأت. قال: لا ما صبأت، قال: والله لا أصدقك حتى تذهب إلى محمد، فتبصق في وجهه. قال: أبشر. فخرج معه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد الحرام، فجاء إليه وبصق في وجهه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، فجعل يمسح البصاق من وجهه، وهو لا يستطيع أن يصنع شيئاً؛ فهنالك رجع عقبة إلى الكفر، وبقي حتى قتل في يوم بدر، ثم دخل النار، وتذكر من الذي ورطه هذه الورطة، وإذا به زميل السوء، قال عز وجل: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... [الفرقان:27] أي: عقبة عَلَى يَدَيْهِ ... [الفرقان:27] يعض: ندماً وأسفاً؛ لأن الشخص إذا فاته شيء وخسره وتألم عليه وتندم ماذا يفعل؟ يعض أصابعه، ويقول: آه، يا ليتني ما فعلت كذا؛ لكن هذا لا يعضها، بل يأكلها أكلاً إلى كتفه؛ لأن الورطة ورطة ضخمة، إلى جهنم ... يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29].
لذا فإنه ينبغي ويتحتم على جميع أفراد الأسرة بدءاً بالأب، فالأم، والأبناء، والبنات، أن ينتقوا الرفقاء والأصدقاء، ينتقوهم من أفضل الناس..من المساجد..من أهل الإيمان: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي).
إذا حرصنا على هذه الأمور وتحاشيناها، وحرصنا على مجانبة المخدرات، وعدم استعمالها وإحضار الأفلام، واختيار الأصدقاء، فإن الأسر -إن شاء الله- ستكون في سعادة وفي حياة كريمة في الدنيا، ثم ينتقلون -بإذن الله- إلى السعادة الأبدية، في دار عرضها السماوات والأرض.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يثبتنا على دينه، وأن يحشرنا على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.
الجواب: إذا حصل الإقناع للأولاد وللزوجة، فمعناه: الرفض لهذه الأفلام سواءً كانت في بيتك، أو في بيت جيرانك أو في بيت أقاربك؛ لكن يبدو أن الذي حصل عندك الأمر فقط، فالأمر شيء والإقناع شيء آخر، قد يأمر الإنسان بإبعاد هذه الأشياء مع بقاء الرغبة في نفوس أهل البيت فيها، فمطلوب منك أن تمنعها سواءً رغبوا أم لم يرغبوا، لكن إذا حصلت القناعة فهي أفضل، وإذا لم تحصل القناعة عندهم وقد حُلت بينهم وبين الفساد، ثم ذهبوا إلى الجيران أو إلى الأقارب وسمعوها وأنت لا تعلم فقد برئت ذمتك، ولستَ بمسئول؛ لأن مسئوليتك في حدود بيتك، أما بيوت الناس فالناس هم المسئولون عنها، ولكن ينبغي أن تنصحهم أيضاً، وأن تقلل الزيارة لمثل هذه البيوت، أو تمنعها بالكلية إذا كان ذلك ممكناً، لكن إذا كان لا بد من زيارة الأقارب، ولا شك أنه لا أحد يستطيع أن يقطع أهله ولا أقاربه، فلتكن في أوقات لا يكون فيها أفلام، كبعد العصر، أو في الصباح، ولمدة بسيطة، كربع ساعة أو نصف ساعة، ثم تأخذ أهلك وعيالك ثم تركب سيارتك وتمشي؛ حتى لا يؤدي بقاؤهم إلى شيء من التعارض مع ما سبق أن وجهتهم به.
الجواب: حقيقة، هذه من الأشياء التي ينبغي أن يحول الإنسان بين أهله وبينها، أن تنظر المرأة إلى الرجال؛ لأن المصارع إنسان ذو قوة في جسده، وذو عضلات مفتولة، وذو جسم صحيح، فإذا رأتْه المرأة وكانت قليلة إيمان ودين، فإنها تفتتن به؛ لأنها ربما تنظر بعده إلى زوجها، وإذا به مثل المشمشان، لا عضلات، ولا جسم، ولا شيء، ثم تجري مقارنة بينه وبين ذاك، وتقول: أين هذا من ذاك؟! فتكره زوجها؛ لأنها تظن الرجال كلهم مثل هذا المصارع، فما ينبغي لك أن تسمح لزوجتك بأن تنظر إلى المصارعة الحرة، ولا ينبغي أيضاً -إن شاء الله- أن تكون هناك مصارعة للنساء، فهذه آخر الموديلات، أن يكون هناك مصارعة نساء والعياذ بالله.
الجواب: حكم الغناء كما وضَّح أهل العلم من الأدلة الشرعية في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التحريم، وهناك مؤلفات كثيرة، وأشرطة منتشرة تسوق الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة، ومن أقوال السلف، ومن أقوال الأئمة -أئمة العلم- على أن الغناء حرام.
أما من القرآن: فيقول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً [لقمان:6] وأقسم عبد الله بن مسعود وقال: [والله الذي لا إله إلا هو أن لهو الحديث في هذه الآية هو الغناء].
ويقـول الله عز وجل عـن الشيـطان: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء:64] قال العلماء: صوت الشيطان هو المزامير والأغاني.
والله يقول: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:59-62] سامدون، أي: مُغَنُّون، فالسمود في لغة العرب يعني: الغناء، يقول الرجل لجاريته: اسمدي لنا يا جارية.
أيضاً: وردت الأحاديث الصحيحة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديث في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليكونن من أمتي أقوام في آخر الزمان يستحلُّون الحِرَ، والحرير، والخمر، والمعازف).
وحديث صحيح في السنن : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير مع
ووردت أحاديث ليست في الصحاح، وإنما هي في السنن، وفي الضعفاء ولكنه يُحتج بها، منها: ما روى الترمذي والحديث ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء، فلينتظروا ريحاً حمراء، وزلزلة وخسفاً ومسخاً ... منها: إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغرماً، والزكاة مغنماً، وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وتُعلَِّم العلم لغير الدين، وارتفعت الأصوات في المساجد، وظهرت القينات والمعازف، وأُكرم الرجل مخافة شره، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فلينتظروا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً).
ومنها أيضاً: حديث ضعيف ولكنه يُحتج به؛ لأنه يؤيده من الأحاديث القـوية ما يسنـده، منهـا: قوله صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى مغنٍّ أو مغنية صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة) أي: الرصاص المذاب.
هذه وغيرها من الأدلة الكثيرة كلها تحرم الأغاني والمزامير؛ لأنها من اللهو المحرم، الذي يصد عن ذكر الله، والذي يحرض على الزنا، والذي يدعو إلى الفساد.
أما كونه منتشراً في كثير من بيوت المسلمين: فلا يُستغرَب ذلك؛ فإن الخير والشر موجود إلى يوم القيامة، ولكن -والحمد لله- نلمس ونسمع الآن أن الشر هذا بدأ يتلاشى في كثيرٍ من الأسر، وأنتم تسمعون الآن في السيارات عندما تقفون عند الإشارات، بعد أن كنتم تسمعون كل الإذاعات في السيارات تشتغل على الأغاني، تسمعون الآن -من فضل الله- سيارة فيها قرآن، أو سيارة فيها شريط إسلامي، وربما تسمع سيارة أو سيارتين فيها أغاني؛ لكن صاحب الأغاني تجده يرخيها، ويتستر بها، ويخجل منها، أما صاحب القرآن فيرفعه معتزاً، وفخوراً بأنه يسمع كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله أن يزيد المسلمين تبصيراً، وهداية في أمور دينهم، وأن يتركوا هذا الشر، وهذه الأمور التي جربها الناس كثيراً فلم يجنوا منها شيئاً، يقولون: هي دقدقة فقط لا غير، فبعض الناس يظل يغني حتى يؤلمه رأسه، ثم ماذا بعد ذلك؟ والله لا شيء، أولها: سخط الله، وآخرها: جهنم -والعياذ بالله- بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، يقول ابن القيم:
برئنا إلى الله من معشر بهم مرض من سماع الغنا |
فعشنا على سنة المصطفى وعاشوا على دَنْدَنا دَنْدَنا |
والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر