أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وقد أعلنا غير ما مرة: لو أن أهل مدينة أو قرية اجتمعوا على كتاب (المسجد وبيت المسلم) سنة كاملة بأطفالهم ونسائهم لزرناهم في ديارهم في الشرق والغرب، وقيل لنا رسمياً: إن القرية الفلانية اجتمعوا بأميرهم أو شيخهم بأطفالهم ونسائهم سنة كاملة وزيادة، ليلة آية وليلة حديث فهيا زوروهم. قلنا: آمنا بالله، ونحن ذاهبون إليهم.
ها نحن مع سورة الرعد المكية، وأذكركم ونفسي بأن السور المكية تعالج العقيدة، وأهم أركانها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والبعث الآخر- أي: والدار الآخرة- وسوف تشاهدون ذلك وتسمعونه من خلال الآيات التي تتلى علينا ونتدارسها الليلة.
قال تعالى: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد:10-13].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! باسم الله تعالى نتدارس هذه الآيات، قول ربنا جل ذكره: سَوَاءٌ مِنْكُمْ [الرعد:10] يا عباد الله، مؤمنهم وكافرهم على حد سواء، لأن الآيات في بيان قدرة الله وسعة علمه، وبذلك استحق ألا يعبد إلا هو، ولا يعبد سواه.
سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ [الرعد:10] أخفاه في نفسه وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [الرعد:10] وأسمعه غيره، فليس هناك عند الله فرق بين ما في نفسك وما بين ما تظهر وتنطق به، إذ هو خالقك وخالق سرك ووجودك، وبخلافه تعالى قد تضمر شيئاً لا يعرفه أحد وتظهر ما ليس في قلبك فتنافق به مثلاً، أما الله جل جلاله وعظم سلطانه فهو يقول: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [الرعد:10] الكل معلوم لله وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [الرعد:10] سواء منكم من هو مستخف بالليل، ماش في الظلام، لا يراه أحد إلا الله، ومن هو سارب في النهار، في الضوء، وإشراق الشمس في طريقه، ليس هناك فرق بين هذا وهذا، فالكل معلوم لله ظاهراً وباطناً، فلا يخفى عن الله شيء في صدرك، ولا تختفي عن الله بظلمة ولا بغيرها، فيستوي عنده من ينطق ومن لا ينطق، ويستوي من يمشي في الظلام ومن يمشي في النهار، وذلك دليل على إحاطة علمه بكل شيء، فقد أحاط بكل شيء علماً، ولهذا يرهب، ولهذا يخاف، ولهذا يحب، ويبجل، ويعظم، ولهذا يعبد الله ولا يعبد سواه.
لَهُ [الرعد:11] أي: لله عز وجل مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [الرعد:11] أي: ملائكة، يحفظوننا ليل نهار، لو تركنا بدونهم لتخطفتنا الشياطين والجان، لكن من فضل الله تعالى أن جعل لنا معقبات من بين أيدينا ومن خلفنا يحفظوننا من أمر الله.
قوله: مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] أمر الله: خلقه للجان والشياطين الذين يؤذون، ومن أراد الله أن يصاب يصاب، لكن من أجل أن نأمن ونكون آمنين جعل لنا ملائكة يحفظوننا، وإلا فسنعيش خائفين، ترتعد فرائصنا.
ونظيره والمقابل له: للإنسان المالك والسلطان معقبات من جيوش وحرس يحفظونه من أمر الله، متى أراد الله أن يحفظ، فإذا أراد أن يهلك لا يغني عنه حرس، ولا جيش، ولا شيء.
نعم. الملك، السلطان، ذو المال يأمن إذا وضع له حرس، وتطمئن نفسه، ولكن ليس معنى هذا أنه يخرج عما كتب الله وقدر، والله ما كان، ولهذا بعض المتوكلين على الله لا يقبلون ذلك لعلمهم بما يقع، ولكن من باب سنة الله عز وجل -كما قدمنا- يجعل لنا ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يحرسوننا، فإذا شعرنا، وعلمنا أننا محروسون من قبل الملائكة لا نخاف، ولا ترتعد فرائصنا، فنمشي، ونقعد، ونعمل، ونحن آمنون بأننا محروسون من قبل الله عز وجل، عشرة ملائكة، فكذلك ذو السلطان أو الجاه إذا وضع له حرساً يأمن، فلا يعيش يرتعد خائفاً، ولكن هل هذا يغني عنه من الله شيئاً؟ لا يغني.
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] يحفظونه من أمر الله متى أراد الله ذلك، يوم ما يأتي القضاء والقدر يتم ما أراده الله.
إذاً: الآية تحتمل معنيين صحيحين:
الأول: أن الحرس والجلاوزة -كما يسمونهم- من حرس السلاطين مهمتهم أنهم يطمئنون نفس من يحرسونه، ولولا الحرس لما استطاع أن يأتي ولا يمشي من الخوف، وهذا من تدبير الله عز وجل.
ثانياً: نحن أفراد وجماعات، كل فرد لما يعلم أن له حرساً وأنه محروس من الملائكة لا يخاف وفي كل لحظة وترتعد فرائصه، بل يمشي آمناً في الليل والنهار، مع العلم أن ما كتب الله سوف يكون، وتتخلى عنه الملائكة، يتخلى عنه الحرس، ويقع ما كتبه الله عز وجل.
هذا التدبير تدبير العليم الحكيم، تدبير الذي يستحق أن نركع له ونسجد، وأن نجله، وأن نعظمه بألسنتنا وبقلوبنا، أما الذي لا يملك شيئاً فكيف يعبد؟ كيف يرجع إليه ويتقرب منه؟ وهذا شأن المشركين، أما الموحدون فلا يعرفون من يخافون ويرهبون، أو يحبون ويعظمون إلا الله؛ لعلمهم به تعالى.
أي: اعلم يقيناً! أن الله تعالى لا يغير ما بك من نعمة حتى تغير أنت بارتكابك الممنوع والمحذور.
مثلاً: أنت الآن آمن فلما تحتسي سماً ستموت!
أنت في عقلك هادئ، مطمئن، فلما تشرب مسكراً تصاب في عقلك.
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ [الرعد:11] والقوم: الجماعة، الأمة، الإقليم. لا يغير ما بقوم من نِعَمْ أمن، ورخاء، وطمأنينة، وطهارة، وصفاء، يبقى ذلك بحمد الله لا يزول حتى يعملوا هم على إزالته.
وعبر بالقوم؛ لأن الفرد داخل في القوم، فهو يريد الأمة، الدولة، الشعب، الإقليم، الأسرة، لا يزالون في نعمة الرخاء، والأمن، والطهر، والصفاء حتى يعملوا على تغيير ذلك بالفسق، والفجور، وارتكاب المنهيات، ومخالفة سنن الله عز وجل في الحفاظ على الأمن والطهارة والصفاء، ولن تنخرم هذه القاعدة، واحفظها: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] هم الذين يبدءون بتغيير ذلك النعيم بالخروج عن هدي الله تعالى.. بالخروج عن شرع الله عز وجل، يفطرون في رمضان، يتعاملون بالربا، الزنا، الفجور، الخيانة، الكذب، عند ذلك -والله- يسلبون تلك النعمة، حسب سنة الله.
وحديث أم سلمة لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم فيه عواصف وغبار وهو يقول: ( ويل للعرب من شر قد اقترب، ويل للعرب من شر قد اقترب. فقالت أم المؤمنين: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ).
وأعطيكم مثالاً حياً وأقسم عليه بالله! هذا القرن والذي قبله، والذي قبله، والذي قبله، ممكن من القرن الرابع ما رأت أمة الإسلام في إقليم أو بلد أماناً وطهراً كما رأته في هذه المملكة، والله الذي لا إله غيره.
إذاً: تحقق هذا بماذا؟ بالإيمان والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي.
أقول دائماً: نزلنا من ست وأربعين سنة في منزل بلا باب، عليه خرقة فقط، ورأينا دكاكين الذهب تستر بخرق، ويسافر المرء من نجد إلى جدة لا يخاف إلا الله أو الذئب أن يأكله.
تحقق الطهر فلا خبث، ولا زنا، ولا فجور، ولا ولا، فحفظ الله تلك النعمة، فقلق وانزعج المشركون والكافرون، إلى متى هذا النور؟ لم هذا الطهر والصفاء؟ فهم يعملون على نشر الخبث، والظلم، والشر، والفساد حتى تزول هذه النعمة؛ إذ هي -والله- لا تزول إلا إذا فسقنا وخرجنا عن أمر ربنا، ونحن ما عرفنا هذا بعد، فلهذا يجب على كل مؤمن مواطن في هذه الديار ألا يعصي الله، يجب على كل مؤمن في هذه البلاد الآمنة الطاهرة ألا يعصي الله، فإن معصيته لله طاعة للثالوث الأسود؛ لتزول هذه النعمة، والعياذ بالله تعالى.
فهيا بنا -كما نقول ونعمل- لا يرانا الله نعصي، ونخرج عن طاعته أبداً، وأشير إلى معصية الربا، فلا يرانا الله في باب الربا، في باب بنك نأخذ ونعطي أبداً، طاعة لله.
وفي باب هذه الصحون الهوائية التي دبرت تدبيراً حكيماً، تريد إفساد القلوب،.. إشاعة الفجور.. إشاعة التخلي عن الطهر والصفاء، يجب ألا يوجد في بيتنا صحن من هذه الصحون أبداً، ولا نسمح لأولادنا ولا لأزواجنا في بيوتنا أن يشاهدوا هذه المنكرات ويسمعونها!
هيا نقم الصلاة كما أمر الله، فتدخل الشارع والمدينة فلا تجد واحداً فاراً من الصلاة والمؤذن يؤذن، بذلك الصلاح، وهذا النور والهداية نكون فحولاً، قادرين على صد اليهود والنصارى. نكون قد خيبناهم!
الآن أصبحوا يلبسون أولادنا البرانيط، تجد الرجل يبلغ والبرنيطة على رأسه، وكأنه يهودي.
عرف الأعداء وجهلنا، عرفوا أن هذه النعمة لن تزال بالحديد والنار، ما استطاعوا، لأن الله يحميها، وعلموا أنها لا تزول إلا بالفتن، فهم يعملون على نشر الخبث، والشر، والفساد بين أفراد هذه الأمة؛ لتزول هذه النعمة، والله العظيم.
متى نستيقظ؟ هذا الكلام يردد، ووالله لو كنا صادقين ما بقي (دش) على سطح في المدينة إلى يوم غد، وما بقي دكان يبيع برنيطة للأطفال، ويشجعهم على زي اليهود والنصارى!
ووالله ما بقي بنك ربوي مفتوح الباب أبداً، أربعون يوماً فقط ما يقف واحد على الباب -والله- يغلقونه، أو يحولونها إلى مصارف ربانية إسلامية، لكن نحن مددنا أعناقنا، وذبنا ذوباناً من أجل أن يسلب هذا النور، وبعد ذلك نبكي؟ لا ينفع البكاء.
إذاً: هذه القاعدة قالها الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ [الرعد:11] من نعيم ورخاء وسيادة حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] فتعود الخرافات، والشركيات، والضلالات، والتلصص، والإجرام، والخبث و.. و.. فحينئذ تسلب تلك النعمة.
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ أي: ما يسوؤهم، ويحزنهم، ويكربهم، ويفقدهم نعيمهم فلا مرد له من الله، فمن يقوى على أن يرد ما أراده الله وقضاه؟ مستحيل.
وَمَا لَهُمْ [الرعد:11] أي: وليس لهم مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11] أي: من دون الله من وال يتولى نصرتهم، والدفاع عنهم، وحمايتهم.
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ [الرعد:11] هذه الآية تقرر المعنى الأول: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] .
قال تعالى: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا [الرعد:11] ما السوء؟ ما يسيء إلى قلبك، ونفسك، وحالك فَلا مَرَدَّ لَهُ [الرعد:11] من الله، ليس هناك من يرده ويصرفه عنك بعدما سلبت نعمة الله بفسقك وفجورك وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ [الرعد:11] أي: من دون الله مِنْ وَالٍ [الرعد:11] يتولاهم بالنصرة والتأييد، والحماية.
هل أمي أو أمك من يأتي بالبرق؟ أمريكا أو الصين أم اليابان يخلقون البرق، ويأتون به، ويجعلونه برقاً في السماء؟
هل هناك من يقول أمي أو جدي أو بلادي أو دولتي؟
لا. إذاً: من يفعل هذا؟ إنه الله، يريكم البرق خوفاً من جهة، وطمعاً من جهة، إذا لمع البرق يخاف الإنسان من جهة، ويطمع في المطر أن ينزل بعد البرق، فسبحان الله العظيم!
هذه فطرة البشرية يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا [الرعد:12] من جهة تخافون من تلك الضجة، ذاك النور اللامع، ومن جهة ترجون المطر، وتطمعون فيه.
من ينشئ السحاب؟ أمريكا؟ الروس؟ اليابان الصناعية؟ لا.
من ينشئ السحاب إذاً؟ إنه الله تعالى.
السحاب، من يكونه من ذلك البخار؟ ومما يتجمع ويصبح سحاباً تسحب السحابة من الشرق إلى الغرب وتحمل أطنان الماء؟ من يفعل هذا غير الله؟ إذا كانت اللات أو العزى أو عيسى أو مريم فاعبدوهم، وإذا لم يكن هذا إلا لله فلا تعبدوا إلا الله، وقولوا في وضوح: لا إله إلا الله، لا عبد القادر ولا إدريس ولا الجيلاني ولا فلان ولا فلان، ليس إلا الله، فهذه مظاهر قدرته وعلمه الموجبة لألوهيته على عباده.
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ [الرعد:13] أي: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده، أو بأية تسبيح عندهم، والملائكة كذلك يسبحونه خوفاً منه تعالى مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:13] أي: من خوفه منه، والخيفة هي الخوف.
وقوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] جائز أن يعود الضمير في (له) على من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، فيكون المراد من المعقبات: الحرس والجلاوزة الذين يحرسون السلطان من أمر الله تعالى في نظرهم، ولكن إذا أراده الله بسوء فلا مرد له وما له من دون الله من وال يتولى حمايته، والدفاع عنه.
[ وجائز ] هذا الوجه الثاني [ أن يعود على الله تعالى، ويكون المراد من المعقبات: الملائكة الحفظة، والكتبة للحسنات والسيئات، ويكون معنى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] أي: بأمر الله تعالى وإذنه، والمعنى صحيح في التوجيهين للآية، وإلى الأول ذهب ابن جرير ، وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين.
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم؛ وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طهارة وصفاء، بسبب ارتكابهم للذنوب وغشيانهم للمعاصي نتيجة الإعراض عن كتاب الله، وإهمال شرعه، وتعطيل حدوده، والانغماس في الشهوات، والضرب في سبيل الضلالات.
وقوله تعالى: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11] هذا إخبار منه تعالى بأنه إذا أراد بقوم أو فرد أو جماعة سوءاً ما، أي: ما يسوؤهم من بلاء وعذاب فلا مرد له بحال من الأحوال، بل لا بد وأن يمسهم، ولا يجدون من دون الله من وال يتولى صرف العذاب عنهم، أما من الله تعالى فإنهم إذا أنابوا إليه واستغفروه وتابوا إليه فإنه تعالى يكشف عنهم السوء، ويصرف عنهم العذاب والبلاء.
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا [الرعد:12] من الصواعق من جهة وطمعاً في المطر من جهة أخرى.
وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [الرعد:12] أي: وهو الذي ينشئ أي: يبدئ السحاب الثقال الذي يحمل الأمطار.
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ [الرعد:13] أي: وهو الذي يسبح الرعد بحمده، وهو ملك موكل بالسحاب ] الرعد موكل بالسحاب يسبح [ يقول: سبحان الله وبحمده.
وقوله: وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:13] أي: خيفة الله، وهيبته، وجلاله، فهي لذلك تسبحه، أي: تنزهه عن الشريك والشبيه والولد بألفاظ يعلمها الله تعالى.
وقوله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ [الرعد:13] أي: في وجوده، وصفاته، وتوحيده، وطاعته.
وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد:13] هذه الآية نزلت في رجل بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوه إلى الإسلام، فقال الرجل الكافر لمن جاءه من قِبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رسول الله؟ وما الله أمن ذهب هو أم من فضة أم من نحاس؟ فنزلت عليه صاعقة أثناء كلامه، فذهبت بقحف رأسه.
ومعنى شديد المحال أي: القوة، والأخذ، والبطش ]. والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر