أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.
وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:71-74].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] من هو الله يرحمكم الله؟ إنه خالقنا، رازقنا، محيينا، مميتنا، المالك لكل شيء والقادر على كل شيء، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، ومن أسمائه: الله، أي: الإله الحق المعبود الذي لا يعبد سواه.
ماذا يقول تعالى؟
يخبر فيقول: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] وهذه حقيقة لا ينكرها غير المجانين فقد فضّل بعضنا على بعض في الرزق، هذا يملك خيمة وهذا يملك عمارة، هذا في جيبه ريال وهذا في جيبه ألف، هذا له بيت وهذا يسكن تحت شجرة، فضّل بعضنا على بعض في الرزق حسب سنته في ذلك وتدبيره؛ إذ أنه العليم الحكيم.
يغني ويفقر لحكمة، يعز ويذل لحكمة، والله لا يخرج شيء عن حكمة، ما أفقر فلانًا ولا أغنى فلانًا إلا لعلم وحكمة، خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] هذا المظهر من ينكره؟ أتستطيع الآلهة الباطلة المزعومة أن تفعل شيئاً من هذا؟ لا، من أغنى وأفقر سواه؟ كيف نجحده وننكره ولا نؤمن به؟
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] أي: فيما ترزقونه من طعام وشراب ولباس ومركب ومسكن.
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [النحل:71] الجواب: لا والله ما يردونه، ولا يصبح المالك كالخادم سوياً في الملك.
هذه الآيات هي التي ألقت بنور الإيمان في قلوب العرب، فآمنوا في ظرف خمس وعشرين سنة وسادوا وعزوا وكملوا؛ لأنهم فهموا هذا القرآن وكان يتلى عليهم ويقرءونه.
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] من فضّل بعضنا على بعض؟ الله وحده، ما استطاعت الحكومة أن تفعل هذا ولا تقدر عليه أبداً، الله وحده.
فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي [النحل:71] شيء من رزقهم على من يملكون من العبيد، حتى يجعلونهم سواء معهم.
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] ما هو؟ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [الروم:28]؟ الجواب: لا، لماذا إذاً -والله هو الخالق الرازق المدبر الحكيم- بدل أن يُعبد وحده تعبدون معه آلهة متعددة، تجعلونها شركاء له؟! هذا لا يصح عقلاً.
هذا معنى قوله جل وعلا: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71] يا للعجب! يا للمنكر! يا للباطل! يجحدون نعمة الله عز وجل عليهم وهو خالقهم ورازقهم، بدل أن يحبوه وحده ويعظموه ويجلوه ويعبدوه يلتفتون إلى المخلوقات يعطونها قلوبهم ووجوههم، ينادونها ويستغيثون بها، ويذبحون لها، ويتقربون إليها.. أليس هذا أمرًا عجبًا؟! كيف يجحدون نعمة الله التي هي خلقهم ورزقهم، وخَلْق كل شيء من أجلهم؟
ليس إلا الله، وَاللَّهُ [النحل:72] جل جلاله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72]، والغافلون ما يشعرون بهذه النعمة أبداً، خلق لك من نفسك زوجك، لو زوجك حيواناً أو خلق لك جنية وزوجك فكيف ستعيش معها؟ لو خلق لك زوجة رأسها بين رجليها وأذناها في قفاها كيف ستسعد معها؟
هم ما يشعرون بهذه النعمة أبداً، من خلق لك هذه الزوجة: أمك أو أبوك؟ الله الذي خلقها لك، من نفسك، آدمية مثلك، خلق الله حواء من آدم ثم تناسلا وأصبحت الدنيا ملئًا بأولاد آدم رجالاً ونساء، هل يفعل هذا عبد القادر أو عيسى بن مريم، أو سيدي فلان أو فلان فضلاً عن اللات والعزى وسائر الأصنام والأحجار؟ من يفعل هذا سوى الله؟ لم لا يقبل عليه؟ لم لا يُعبد؟ لم لا يطاع؟ لم لا يسأل عنه في الشرق والغرب حتى يحب ويعظم ويبجل؟ لم هذه الغفلة؟
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72] والأزواج: جمع زوج، والزوج ما به يثنى الشيء، يصبح اثنين، أنت زوج والمرأة زوج أيضاً؛ إذ بك تصير هي زوجًا وبها تصير أنت زوجًا أيضاً، فلهذا ليس في كلمة (زوج) تاء إلا نادراً عند الغفلة أو عدم البصيرة.
العرب أعزاء أصحاب شمم لا يرضون أن تذكر البنات معهم ولا النساء، فلهذا يتحاشى الله أن يذكر النساء إلا من ضرورة، قال: بنين، والبنات أيضاً، لكن البنات هم يدفنونهن أحياء في التراب، فما هن بنعمة عندهم إذاً، فلهذا ذكر البنين فقط، لأنهم يحبون البنين ويفرحون بهم، فمن وهبكم البنين من أزواجكم؟ أليس الله؟ هل من قائل يقول: اللات أو العزى أو مناة أو هبل؟ لا أبداً.
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] والحفدة: جمع حافد، كخدمة وخادم، خدمة من الأصهار، من البنات، من الخدم.. وهكذا كل من يخدمك من أصهارك أزواج بناتك، من خدمك الذين يخدمونك، من أولادك، من أولادهم.. هؤلاء كلهم يخدمونك، جعل لكم منهم خدمًا يخدمونكم.
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] والزوجة أما تخدم زوجها؟ لو لم تخدمه لما استطاع أن يعيش، من جعلها تخدم الزوج، تطبخ له الطبخ وتعد له الطعام والشراب وتغير الفراش؟ أليس الله هو الذي سخرها؟ لو كانت الزوجة كالحية لا تلتفت إلى الزوج أبداً، صماء لا تسمع؛ فماذا تصنع أنت؟ أتخلق فيها طبيعة جديدة وتجعلها تعطف عليك؟ ما تستطيع، هذا فضل الله.
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [النحل:72] أيضاً، فهذه الطيبات من الطعام والشراب كلها من رزقنا إياها؟
أنحن أوجدناها؟ ليس إلا الله عز وجل هو الذي رزقنا بهذه الطيبات.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72] قولوا: الحمد لله .. الحمد لله.. الحمد لله وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] الحمد لله.. الحمد لله وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [النحل:72] الحمد لله.. الحمد لله أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ [النحل:72] يا للأسف هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72] والعياذ بالله تعالى، من هؤلاء؟ إنهم الكافرون المشركون، عبدة الأصنام، عبدة الصليب، البلاشفة الحمر، اليابان.. كل كافر على الأرض، استثن فقط الجماعة المؤمنة، وأما البقية فكلهم مشركون كافرون، عميان ضلال ما يعرفون شيئاً، مع أنهم يعرفون الدنيا بما فيها، يعرفون كيف يأكلون ويشربون وينكحون، ولكن هل يسألون عن الله؟ لا أبداً، هل يسألون عمن خلقهم؟ لا يسألون، والسر في ذلك هو أن الشيطان أعماهم وأصمهم حتى يبقوا مسخرين عبيداً له، يعبدونه ويوالونه؛ لأنه إذا آمن الواحد بالله فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تهيأ لأن يغتسل بالماء البارد في الليلة الباردة، تهيأ لأن يخرج نقوده من جيبه، تهيأ لأن يموت في سبيل ربه، تهيأ لأن يذكر الله طول الليل والنهار ويشكره، فهم يخافون من أن يندمجوا في أنوار العبادة فتتعطل الشهوات والأهواء والأطماع الدنيوية فيكفرون، فيقولون: الأسهل ألا نؤمن، فلا إله! لعنة الله عليهم.
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72] الآن يقدسون هذه الآلات تقديساً عجباً، هذه الآلات المعاصرة من التلفاز إلى الفيديو، ونسوا من خلق الذي صنع هذه، فمن قاده وساقه إلى صنعها؟ أليس الله؟ لم لا يقولون: ربنا الله، ولا إله إلا الله؟ لأن هؤلاء بنعمة الله يكفرون، وبالباطل يؤمنون.
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ [النحل:73] كالمطر وَالأَرْضِ [النحل:73] كالنباتات والعشب وما إلى ذلك شَيْئًا [النحل:73] ولو قل وَلا يَسْتَطِيعُونَ [النحل:73] أبداً، ولا يقدرون بحال من الأحوال.
يقول تعالى: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، لو كان هناك من يستحق أن يُعبد في الكون لعلمه الله عز وجل وأمر بعبادته.
فالله يعلم ونحن لا نعلم، علم أنه لا يعطينا ولا يمنعنا بحق ولا يعز ولا يذل إلا الله، لا يحيي ولا يميت إلا الله، فكيف نلتفت بوجوهنا وقلوبنا إلى مخلوقات مصنوعات صنعها الله، وندعوها ونستغيث بها، ونحلف بها ونعظمها؟
السبب هو أنهم هجروا القرآن، ابتعدوا عن القرآن، خصوه بالموتى لا غير، أما الأحياء فلا يتدارسونه، ولو كانوا يجتمعون اجتماعنا هذا على كتاب الله طول العام كل ليلة أيبقى فيهم من يشرك بالله غيره؟ ومن يتعلق قلبه بغير الله؟ ومن يرهب أو يخاف غير الله؟ والله لا يبقى، ومن ثم لا يكون هناك زانٍ ولا خمار ولا يوجد باطل ولا فساد ولا شر؛ إذ هذا الكتاب نور: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، ما النور الذي أنزل الله؟
إنه القرآن، فالذي لا يحفظ القرآن ولا يعمل به كيف يهتدي إلى سعادته وكماله؟ مستحيل. الذي يترك النور وراءه ويمشي في الظلام هل يحقق غرضًا من أغراضه، أو يصل إلى حاجة من حاجاته؟ الجواب: لا، لا قطعاً.
وهو أيضاً روح؛ إذ قال تعالى من سورة الشورى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الشورى:52] ماذا؟ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] ما هذا الروح الذي أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ والله إنه للقرآن أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا [الشورى:52] لماذا سماه روحاً؟ يا رب! لم سميت كتابك روحاً؟
الجواب: لأن الحياة به، ولنضرب لذلك مثلاً: هذه الديار كانت أفظع ما تكون في الشرك والكفر والظلم والشر والفساد والطغيان، فنزل فيها هذا القرآن ثلاثاً وعشرين سنة فقط وإذا بالديار كلها نور، والله لا زنا ولا سرقة ولا خيانة ولا كذب ولا شرك ولا باطل، ومن ثم نشروا الإسلام إلى ما وراء السند وإلى الأندلس في سنين قليلة، بسبب ماذا؟ بالأغاني والأباطيل؟ بل بالقرآن، ولذا سماه الله روحاً وسماه نوراً: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي [الشورى:52] يا رسولنا مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] من هم الذين يشاء الله هدايتهم من عباده؟ بنو هاشم؟ بنو تميم؟ بنو فلان؟ من هم هؤلاء؟ الذين آمنوا بالله ورسوله وكتابه، وسادهم القرآن ومشى أمامهم نوراً، فاهتدوا وكملوا وعزوا وسادوا، هؤلاء الذين شاء الله هدايتهم.
أما المعرض المعطي ظهره فلا يلتفت إلى كلام الله، ولا يطبق حكماً من أحكامه، ولا شرعاً من شرائعه، كيف يهديه الله؟ حاشا وكلا، فالله يهدي من يشاء، وهو الذي طلب الهداية وقرع بابها ومشى وراء أصحابها، فهذا لا بد أن يهتدي، وأما من أعرض واستنكف وتكبر وتعالى فلا.
ولنا مثل في إندونيسيا إلى موريتانيا باستثناء هذه المملكة، هل يطبقون شريعة الله؟ أتوجد عندهم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أسألكم بالله؟ هل قضاتهم يطبقون الشريعة في الحلال والحرام؟ الجواب: لا، لم أعرضوا؟ العدو هو الذي جعلهم يعرضون لأنهم تثقفوا وتعلموا على أيدي أعداء الإسلام من اليهود والنصارى.
بالأمس ذكرنا آية آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] لبيك اللهم لبيك، ناداكم ربكم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، والذي تجعله بين يدي كافر يعلمه أربع سنوات هل يبقى فيه إيمان؟ كيف يمكن هذا؟ كيف يتأتى؟ إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا [آل عمران:100] خاصاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:100-101].
ومن هنا قلنا للمؤمنين: يا مؤمنين اتقوا الله، إذا بعثتم أولادكم -أفلاذ أكبادكم- ليتعلموا علم الصناعة -علم المادة- إلى بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو أمريكا أو اليابان؛ فاجمعوهم في منزل واحد، هل بعثتم مائة ألف؟ أنتم بعثتم مائة شاب أو خمسين شابًا، اجعلوا لهم مسكنًا واحدًا في ذلك البلد، وابعثوا معهم عالماً يذكرهم بالله ليلاً ونهاراً ويقرأ عليهم كتاب الله، وابعثوا معهم رقيباً عليماً حكيماً يراقب سلوكهم خارج المنزل، فبذلك يتعلمون ويعودون بصراء حكماء عالمين، أما أن تبعثوهم إلى الشرق والغرب ويعودون ملاحدة زنادقة حتى إن الذي يستحي منهم لا يقول لمن يدرسهم هناك: هو كافر؛ فلا. أفهمتم هذه الحقيقة أم لا؟
هذا هو سبب تطبيق غير الشريعة الإسلامية في بلاد الإسلام، والله لهذا هو السبب وهذه هي العلة، لو أسند الأمر إلى علماء ربانيين فهل يعرضون عن الإسلام وما يطبقونه؟ وإنما يسند إلى حكماء علماء بالصناعات والمادة من خريجي الجامعات الكافرة، هذا هو السبب.
لو أن أهل قرية من قرى العالم الإسلامي عرباً وعجماً تعهدوا كتاب الله، وأخذوا يجتمعون على دراسته كل ليلة -نساؤهم وأطفالهم ورجالهم- ما بين المغرب والعشاء فقط، طول النهار في المزارع والمصانع يشتغلون، وبين المغرب والعشاء وقت راحة ما فيه عمل، فأين يكونون؟ في بيوت الرب يقرءون كتاب الله ويشرحونه بسنة رسول الله، كل ليلة يستفيدون علماً وحكمة، لو فعلوا ذلك طول العام فوالله ما يبقى زان، ولا لوطي، ولا مجرم، ولا كاذب، ولا عار، ولا مسكين يمد يده أبداً، يصبحون كجسم واحد، أمة واحدة، والمثل تقدم في القرون الذهبية الثلاثة، أما الإعراض عن كتاب الله فكيف سنعرف معه، وكيف سنعلم، وإذا لم نعلم فكيف سنعبد الله تعالى؟
يجب على أهل القرية، أهل الحي في المدينة إذا دقت الساعة السادسة مساء أن يتوقف العمل، ويُغلق باب الدكان والمقهى، وتُلقى المسحاة من يد الفلاح، ثم يتوضئون، ويأتون بنسائهم وأطفالهم إلى بيت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، يصلون المغرب ثم يجلس لهم عالم -وما أكثر العلماء اليوم بالكتاب والسنة- يعلمهم ليلة آية، وليلة حديثاً، هكذا طول العام، ثم سلوني كيف يصبحون بعد سنة؟ لا شك أنهم يصبحون وكلهم طهر، كلهم صفاء وصدق ووفاء ورحمة وعزة وكرامة، وتنتهي مظاهر الفقر والبؤس والشقاء والتلصص والإجرام، ما هناك حيلة والله إلا هذه، أن نصدق ربنا فيما نقول، ونجتمع على كتابه وهدي رسوله في صدق فنتعلم ونعمل، فالإعراض نتائجه معروفة: الذل والخزي والعار والشنار والعياذ بالله تعالى.
أسمعكم تلاوة الآيات مرة ثانية:
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:71-74].
أولاً: قطع دابر الشرك في المثل الذي حوته الآية الأولى: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:71] ]، هذه قطع بها دابر الشرك وقطعت أوصاله، وما بقي يشرك من يؤمن بهذه الآية.
[ ثانياً: وجوب شكر الله تعالى على نعمه، وذلك بذكره وشكره وإخلاص ذلك له ] كما هي حياتنا: نحمد الله عند الأكل والشرب والركوب والنزول، دائماً: الحمد لله.. الحمد لله.
[ ثالثاً: قبح كفر النعم وتجاهل المنعم بترك شكره عليها.
رابعاً: التنديد بمن يضربون لله الأمثال وهم لا يعلمون باتخاذ وسائط له تشبيهاً لله تعالى بعباده، فهم يتوسطون بالأولياء والأنبياء ] كما نتوسل بالشفعاء للحاكم يتوسلون لله بالأولياء، هذا هو المثل لله وهو حرام: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74] الله ما يحتاج إلى أنك تقول: يا فلان! توسط لي عند الله. ادعه يسمعك، ولا ترفع صوتك ووجه قلبك ووجهك إليه يعرفك ويعطيك، فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74].
[ التنديد بمن يضربون لله الأمثال وهم لا يعلمون باتخاذ وسائط له تشبيهاً لله تعالى بعباده، فهم يتوسطون بالأولياء والأنبياء، بدعائهم والاستغاثة بهم، بوصفهم مقربين إلى الله تعالى يستجيب لهم ولا يستجيب لغيرهم] تعالى الله.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر