أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .
وها نحن مع سورة طه المكية، فهيا بنا نصغي لنستمع تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.
قال تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:17-24].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زلنا مع موسى عليه السلام، بل ما زلنا مع الله ربنا أتلو الآيات التي تدارسناها بالأمس لارتباطها بهذه الآيات، فهي معطوفة عليها:
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9] من القائل هذا؟ الله جل جلاله. لمن قال هذا الكلام؟ لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9] متى؟ إِذْ رَأَى نَارًا [طه:10]، وعلمنا أن موسى كان في ليالي مظلمة.. ليالي الشتاء وانعدم عنده ما يشعل به النار.
إذاً: فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [طه:10] في هذا المكان إِنِّي آنَسْتُ نَارًا [طه:10] أبصرت ناراً، شاهدها من بعد، وهي في الحقيقة نور الله، ليست بالنار المعروفة، النور الإلهي على تلك الشجرة، فظنها ناراً امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا [طه:10] أي: أبصرتها لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ [طه:10] نشعل به النار ونستدفئ بها أو أجد على النار هدى أعرف به الطريق ونحن في طريقنا إلى مصر، إذ كان موسى مع أهله متجه نحو مصر ليزور والدته، وقد فقدها أكثر من عشر سنين.
إذاً: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ [طه:11]، أتى الشجرة العنابية التي بها الأنوار نُودِيَ [طه:11] أي: ناداه الله: يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:11-12]، ولن يقول هذا ملك من الملائكة، هذا كلام الله كفاحاً بلا واسطة إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12] وقد عرفنا أن البقاع المقدسة ينبغي أن لا ننتعل فيها بنعالنا اقتداءً بهذا التوجيه الإلهي.
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه:13]، قال له ربه تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه:13] من بين عبادي لأحملك رسالتي؛ لتبعث بها إلى فرعون وملئه إنهم كانوا ظالمين.
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه:13] لنفسي إذاً: فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13] من الآن، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]، وهذا تقرير لمعنى: لا إله إلا الله، والسورة مكية.
فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:13-14]، تذكرون تفسير: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]؟ من أراد أن يذكر الله فليدخل في الصلاة، ومن نسي الصلاة أو نام عنها فليقم يصلي عندما يذكرها.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، ثم قال له: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ [طه:15] جائية لا محالة أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه:15] عن نفسي، فأخفاها الله تعالى لحكمة، لو أعلم الناس متى الساعة ما يعبدونه، أولا يتركون أبداً عبادته، لكن كونهم جاهلين بها كجهلهم بأعمالهم، هؤلاء يكلفون فيعمل من يعمل ويترك من يترك؛ ليتم الجزاء على الكسب والعمل، وعلل لذلك فقال: لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15]، لو ما شاء الله أن يخلقنا بالمرة ما خلقنا، لو شاء أن يخلقنا ملائكة ما فينا من يعصي الله فعل، لكن أراد الابتلاء والامتحان ليتم الجزاء، إما بدار النعيم الجنة وإما بدار البوار النار.
فمن هنا أخفى عنا أعمارنا ما ندري متى نموت، وأخفى عنا نهاية الحياة متى تنتهي؟ لهذه الحكمة العالية، لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15] في هذه الدنيا أي: بما تعمل.
فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:16]، وهذا تقرير البعث الآخر، فلا يصدنك عن الإيمان بالبعث الآخرة بالدار الآخرة والحياة الثانية: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا [طه:16] من الملاحدة والمشركين والذين لا يؤمنون بالدار الآخرة.
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [طه:16] فهلكوا فلا تفعل أنت ذلك فتردى.
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17] والله يعلمها، ولكن ليقول له: أَلْقِهَا [طه:19] وشاهد ما تشاهد منها.
وهنا أهل التفسير يذكرون أن العصا من سنن الأنبياء، والأنبياء دائماً معهم العصي، لهذا موسى يحمل عصاه، وجاء الإسلام فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وعصاه في يديه، والخطباء من العرب كلهم في الجاهلية والإسلام يحملون العصا ويخطبون وهم يحملونها، فهذه العصا سأل الله تعالى نبيه موسى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ [طه:17] أجابه، وقال: هِيَ عَصَايَ [طه:18].
لماذا قال: أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18]؟
قالت العلماء: أطال الوقوف بين يدي الله ليستأنس بالوقوف مع الله عز وجل.
موسى قال: عصاي، لكن قال: أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18]؛ لأنه يريد أن تطول المدة التي هو يتكلم فيها مع الله. وهذا سر عجيب.
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي [طه:18] أي: أخبط بها الشجرة فتتساقط الأوراق اليابسة فتأكلها الأغنام.
منها: أنه يحمل عصاه على كتفه ويعلق فيها نعليه، أو يعلق فيها الماء أو زاده، وهذا شائع بين الناس.
ومنها: يقتل بها الحيات وما يؤذي.
ومنها: أحياناً يجد البئر والماء فيه بعيد والرشا قصير، فيلصق الرشا بالعصا وينزل الدلو فسيتخرج الماء.
على كل حال منافع كثيرة.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حج الصبي وقالت القائلة: ( ألهذا حج يا رسول الله؟ قال: نعم، ولك أجر ) زاد عن المطلوب.
وسئل عن الماء.. ماء البحر فقال: ( هو الطهور ماؤه، والحل ميتته ) فزاد عن الجواب بشيء مفيد، وهذه حال الأدباء والعارفين.
وهنا قال موسى عليه السلام: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18].
ثم قال الله تعالى له بعد ذلك: أَلْقِهَا يَا مُوسَى [طه:19]، أي: ألق العصا من يدك، فأطاع الله وألقى عصاه فتحولت إلى ثعبان.. إلى حنش.. إلى حية تهتز كأنها جان، فشرد موسى وتأخر ورجع القهقرى، خاف، وكيف لا يخاف تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ [النمل:10] ثعبان من الثعابين كما في آية النمل.
لما تأخر موسى وشرد وهرب طمأنه الله تعالى فقال له: خُذْهَا وَلا تَخَفْ [طه:21] أبداً منها سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى [طه:21]، ستعود عصاك كما كانت.
هذا هو الله، هذا هو رب العالمين، هذا هو خالقنا، هذا هو مبدئنا ومعيدنا.
عصا في يد موسى تتحول إلى ثعبان تهتز كأنها جان، ثم تتحول بكلمة (كن) إلى عصا كأنها لم تكن ثعبان ولا حنش ولا.. ولا حية.
خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى [طه:21]، وأعادها الله كما كانت، وهدأ موسى واستقر.
قال: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ [طه:22] اليد اليمنى أدخلها تحت عضد اليسرى: تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [طه:22] من غير مرض ولا برص، لأن البرص أيضاً ينقلب بالأسود أبيض، لكن هذا من غير سوء.. من غير مرض، فقط بإرادة الله وقدرته تخرج بيضاء من غير سوء. أي: من غير مرض أو برص إذاً آيَةً أُخْرَى [طه:22].
الآية الأولى: واليد هي الآية الثانية.
الآن آتاه آيتين وسيزيده سبع آيات إذ آياته تسع آيات: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء:101] منها: العصا أولاً ثم اليد، وبعد ذلك تحويل المياه المصرية إلى طوفان فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ [الأعراف:133] المياه انقلبت عليهم فمسحت الأرض وَالْجَرَادَ [الأعراف:133] من أراد أن ينظر الجراد ينظر عندنا في الصباح، لكن هذا الجراد أكل ما عندهم، أكل أوراق الشجر والنباتات وكل شيء، والضفادع تزحف، والقمل في أجسادهم، آيات، والدم، المياه انقلبت إلى دم أحمر ما تشرب، ثم طلبوا من موسى أن يشفع عند الله وشفع لهم، ولكن أصروا على الكفر.
الشاهد عندنا الآيات التي أعطاها الله موسى عليه السلام تسع آيات: منها انفلاق البحر في طريقهم إلى أرض القدس، ضرب البحر بعصاه فانفلق فخرجوا.
إذاً قال تعالى: لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى [طه:23] هذه آية أخرى، وما زلنا نريك من آياتنا الكبرى، وقد أراه الآيات كما سمعتم.
ومعنى هذا: أنه سلحه وزوده بالسلاح ودربه عليه، ولو أنه ما علمه كيف كان سيقابل فرعون بالعصا؟ هل يضرب بها فرعون؟ إذاً: يختطفونها من يده
ولو كان مع فرعون وألقاها وانقلبت إلى ثعبان يهرب، فلهذا دربه الله عز وجل، فلهذا يجب على المسئولين أن يدربوا رجالهم على استعمال السلاح وإلا يحملون السلاح ثم يهربون، لا يعرفون كيف يطلقون.
هذه آية عجيبة: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى [طه:22].
لماذا هذا؟ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى [طه:23] العظمى، وهي تسع آيات.
وهل آمن فرعون على هذه الآيات؟ ما آمن، فلهذا تقرر عند أهل الإسلام: أن الآيات لا تكون سبب الهداية أبداً، فكم وكم.. وكم يشاهدون الآيات وما يؤمنون، فلهذا لسنا في حاجة إلى الآيات حتى نؤمن. أي المعجزات.
فالإيمان يكون بالغيب يؤمن به العقل ما هو شرط أن تشاهد المعجزات
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:23-24]، ما معنى طغى؟ تجبر وتكبر وادعى الربوبية والألوهية، إذ قال تعالى عنه: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] هكذا قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ [القصص:38] أيها الناس مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] في سورة وَالنَّازِعَاتِ [النازعات:1]، ادعى الربوبية والألوهية، مع أن ادعاء الربوبية نادر، ما في منا من يقول: أنا رب، أخلق. ماذا تخلق؟ لكن الألوهية يدعي أنه يعبد لأنه كذا وكذا، لكن فرعون عليه لعائن الله ادعى الربوبية والألوهية، وهذا كتاب الله شاهد، ودل على هذا قوله تعالى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24]، فخرج عن نظام الحياة وادعى الربوبية والألوهية.
ما زال السياق الكريم مع موسى وربه عز وجل، إذ سأله الرب تعالى وهو أعلم به وأعلم بما عنده ] سائلاً له [ قائلاً: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17] ] فأجاب موسى عليه السلام.
[ يسأله تعالى ليقرر بأن ما بيده عصا من خشب يابسة ] لم سأله؟ ليقرر بأنها عصا من خشب [فإذا تحولت إلى حية تسعى علم أنها آية له أعطاه إياها ربه ذو القدرة الباهرة؛ ليرسله إلى فرعون وملائه ]. من هم ملؤه؟ رجال بلاده أرباب العلم والأموال.
قال: [ وأجاب موسى ربه قائلاً ] أجابه قائلاً [ هِيَ عَصَايَ [طه:18]] سأله فأجابه قائلاً: [ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي [طه:18]، يريد يخبط بها الشجر اليابس فيتساقط الورق فتأكله الغنم. وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18]، أي: حاجات أخرى غير ما ذكرت، كحمل الزاد والماء ويضعه على عاتقه كعادة الرعاة، وقد يقتل بها الهوام الضارة كالعقرب والحية ] وما إلى ذلك [ فقال له ربه عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا [طه:19-20] ] امتثالاً لأمر الله [ فَأَلْقَاهَا [طه:20] من يده فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه:20] أي: ثعبان عظيم تمشي على بطنها كالثعبان] أي: العصا [ تمشي على بطنها كالثعبان الصغير المسمى بالجان، فخاف موسى منها وولى هارباً، فقال له الرب تعالى: خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى [طه:21] ] التي كانت عليها [ أي: نعيدها عصا كما كانت قبل تحولها إلى حية، وفعلاً أخذها فإذا هي عصاه التي كانت بيمينه.
ثم أمره تعالى بقوله: وَاضْمُمْ يَدَكَ [طه:22] أي: اليمنى إِلَى جَنَاحِكَ [طه:22] الأيسر تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [طه:22] أي: من غير برص، وفعل؛ فضم يده تحت عضده إلى إبطه، ثم استخرجها فإذا هي تتلألأ كأنها فلقة قمر، أو كأنها الثلج بياضاً أو أشد ] من بياض الثلج.
[ وقوله تعالى: آيَةً أُخْرَى [طه:22] أي: آية لك دالة على رسالتك، أخرى إذ الأولى هي انقلاب العصا إلى حية تسعى كأنها جان، فقوله تعالى: آيَةً أُخْرَى [طه:22] أي: آية لك دالة على رسالتك أخرى، إذ الأولى هي انقلاب العصا إلى حية تسعى كأنها جان.
وقوله تعالى: لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى [طه:23] أي: حولنا لك العصا حية، وجعلنا يدك تخرج بيضاء من أجل أن نريك من دلائل قدرتنا وعظيم سلطاننا ] مظاهر القدرة .. مظاهر السلطة التي لا تقهر.
[ وقوله تعالى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24] لما أراه من عجائب قدرته ] لما أرى الله تعالى عبده ورسوله موسى من عجائب قدرته [ أمره أن يذهب إلى فرعون رسولاً إليه يأمره بعبادة الله وحده ] وما أعطاه هذه المعجزات إلا لأنه قد ما يقوى موسى على أن يمشي ويتكلم مع فرعون، فسلحه وعلمه وقال له: امش.
[ لما أراه من عجائب قدرته أمره أن يذهب إلى فرعون رسولاً إليه يأمره] بماذا؟ [ بعبادة الله وحده، وأن يرسل معه بني إسرائيل ليخرج بهم إلى أرض المعاد بالشام ] أي: القدس. إذ رسالة موسى مزدوجة. أولاً: يأمر بعبادة الله وحده وترك الأصنام وعبادة الأوثان.
ثانياً: أن يعطيه المصريون بني إسرائيل من إخوانه وبني عمه ليذهب بهم إلى أرض الشام.. إلى القدس.
[ وأن يرسل معه بني إسرائيل ليخرج بهم إلى أرض المعاد بالشام.
وقوله تعالى: إِنَّهُ طَغَى [طه:24] أي: تجاوز قدره وتعدى حده كبشر، إذ أصبح يدعي الربوبية والألوهية ].
ومن العجيب ما تسمعون! أن فرعون عليه لعائن الله سبب ترقيه وتوصله أنه كان لص يسرق الأكفان من المقبرة، ثم لما اشتدت عضده كان إذا جاء البادية يحملون ميتهم يأخذ عليهم أجرة، أهل البيت ما هم أمة كأمتنا عشرة أنفار عشرين جاءوا بميت يقول: هاتوا عشرة ريال.
وازداد عتواً وطغياناً فاستدعاه الملك، فرأى أنه صالح هذا لهذه الأمور، فولاه ومات الملك وحكم فرعون، فأصله كان لصاً سارقاً، ثم تجبر وتكبر وأخذ أموال الناس بالباطل، ثم أصبح ملك مصر.
[ إِنَّهُ طَغَى [طه:24] أي: تجاوز قدره وتعدى حده كبشر، إذ أصبح يدعي الربوبية والألوهية، إذ قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] ]، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى [النازعات:25]، [ أي: تجاوز قدره وتعدى حده كبشر، إذ أصبح يدعي الربوبية والألوهية، فقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] فأي طغيان أكبر من هذا الطغيان ] اللهم لا.
من هداية الآيات:
أولاً: تقرير نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ]. أولاً تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
كيف تقررت؟ من أين له هذا الكلام؟ هو ما عاش مع موسى ولا عاصره، لولا أنه يوحى إليه من الله.
إذاً: فهو رسول الله.
[ ثانياً: استحباب تناول الأشياء غير المستقذرة باليمين ]. لطيفة هذه: استحباب تناول الأشياء غير المستقذرة باليمين، فما يتناول بها بالأوساخ والنجاسات، لكن الأشياء النظيفة الطاهرة يستحب أن تأخذها بيمينك، فهذا موسى جاء يحمل عصاه بيمينه، سأله الله ما بيمينك؟ فقال: عصاي.
فيستحب للمؤمن أن يتناول الأشياء النقية الطاهرة النظيفة بيمينه، ويأخذ باليسرى ما كان فيه قذر أو نجس وما إلى ذلك، وهذه سنة الأنبياء.
[ ثالثاً: مشروعية حمل العصا ]. مشروعية حمل العصا، إذا رأيتم رجل في يده عصا فلا تلوموه، أو تقولوا: أعرج، أو تقولوا: كذا، بل هي من سنن الأولين وهذه مشروعة، تأخذ العصا تستعين بها على مشيك، على جلوسك، على قتل حية، على كذا.. إلى غير ذلك، فهي من السنن.
قال المؤلف غفر الله لنا وله ولوالدينا أجمعين في النهر:[ كان خطباء العرب يحملونها في أثناء الخطاب يشيرون بها، وكره هذا الشعوبيون من غير العرب، وهم محجوجون بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وللعصا فوائد كثيرة آخر فوائدها أنها تذكر بالسفر إلى الآخرة].
قال: من آخر فوائد حمل العصا: أنها تذكرك بالدار الآخر.
قال: [ فيه مشروعية حمل العصا، كان خطباء العرب ] كان خطباء العرب يحملون العصا [ يحملونها في أثناء الخطاب يشيرون بها ] وسر ذلك: أنهم يهددون بها ليكون الكلام مسموعاً يشير بها ويوجه الناس [ وكره هذا الشعوبيون من غير العرب ] كرهه من غير العرب. يقال: لم الخطيب العصا بيده؟ على المنبر والعصا بيده؟ وهم محجوبون بهذه الآية والحديث [ وهم محجوجون بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وللعصا فوائد كثيرة، آخر فوائدها: أنها تذكر بالسفر إلى الآخرة ].
[ رابعاً: سنة رعي الغنم للأنبياء ] وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( ما من نبي إلا وقد رعى الغنم. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، رعيت على قراريط لأهل مكة ).
[ خامساً: مشروعية التدريب على السلاح قبل استعماله في المعارك ] مشروعية التدريب على السلاح قبل دخول المعركة، وهذا معمول به في العالم، لكن يجب أن نذكر أنه في القرآن.
[ سادساً: آية موسى في انقلاب العصا حية وخروج اليد بيضاء كأنها الثلج أو شعاع شمس ] آيتان من تسع آيات أعطاهما الله موسى ليحارب فرعون وقومه وحاربهم وانتصر والحمد لله وهلك فرعون والكافرون.
[ سابعاً:] وأخيراً [ بيان الطغيان: وهو ادعاء العبد ما ليس له كالألوهية ونحوها ].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر