وبعد:
فإن موضوع درس هذه الليلة سيكون عن الصحة في الإسلام، وقد تتعجبون من اختياري لهذا الموضوع، ولكن إذا علمتم أن الصحة واهتمام الإسلام بها وتركيزه عليها يعتبر مظهراً من مظاهر إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم، ودليلاً من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام؛ لزال العجب، إذ قد يقول قائل: ما علاقة الصحة بدراسة العقيدة والتوحيد؟
فنقول: إن العلاقة قوية، والصلة شديدة، إذ أنك إذا علمت هذه الأمور التي هي أعظم مما قد تصل إليه عقول البشر عبر سنيها وتجاربها الطويلة، وقد سبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الجوانب الصحية، الوقائية منها والعلاجية، فإنك بهذا تدرك أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله، فتترسخ عقيدتك، ويزداد إيمانك، ويقوى يقينك، وتخضع لشريعة مولاك بعد أن علمت أنه صلوات الله وسلامه عليه لا ينطق عن الهوى.
ومن خصائص هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله للعالمين: الشمول والتكامل والإحاطة بجميع جوانب الحياة، عقيدةً وعبادةً، وسلوكاً ومعاملةً وأخلاقاً، وهذه دلالة واضحةٌ على أنه من عند الله عز وجل، وتؤكد لنا هذا تأكيداً جازماً، فيزداد المسلم إيماناً ويقيناً، ويعيش على نورٍ من الله وبرهان، فينال السعادة في الدنيا والفوز والفلاح في الدار الآخرة.
والمتأمل لكتاب الله، والمطلع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتابع لسيرة أصحابه وحياتهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والمتابع لحياته صلوات الله وسلامه عليه في مسجده وبيته، وفي جهاده وسلمه، وفي حله وترحاله، يجد أن للصحة مساحةً واسعةً وقدراً كبيراً من الاهتمام.
كيف لا! وهي تتعلق بالإنسان الذي هو المستخلف على هذه الأرض، ويجد ويلمس ما يبعث على الدهشة، ويثير العجب، ويشعر بأنه أمام إعجازٍ باهرٍ يؤكد أن هذا الدين من عند الله، وأن هذا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فكيف يمكن لرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، يعيش في مجتمعٍ أولي لا توجد به جامعات ولا مراكز بحث علمي؛ كيف يمكن لهذا أن يضع الأسس العامة للصحة الوقائية والعلاجية التي يعجز عنها أمهر الباحثين والخبراء، وكبار الأساتذة والأطباء، رغم تقدم الوسائل وكثرة الإمكانيات، ووجود المجاهر والمختبرات ومزارع الميكروبات وأجهزة الكمبيوتر إلى هذا الوقت، فبالرغم مما استطاع الإنسان أن يصل إليه من هذه الإمكانيات، إلا أنه عاجز أن يصل إلى ما وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتُثبِت هذه الأمور عندنا، وتقيم لدينا أدلةً واضحة ساطعة كالشمس في رابعة النهار على أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحى.
وسوف نقضي هذا الوقت الضيق والقصير مع الإعجاز النبوي في مجال صحة الإنسان في الجانبين: الجانب الوقائي، والجانب العلاجي، فإن الوقاية خير من العلاج، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، وإذا استطعت أن تقي نفسك من المرض فأنت أفهم وأقدر من أن تصبر حتى يأتيك المرض ثم تعالج نفسك.
وكان العلماء قبل مسألة الحجر الصحي يقولون: كيف -إذا دخل الطاعون- نبقى ولا نخرج، نعرض أنفسنا للموت ونبقى فيها! لكن لما جاء الطب بمسألة الحجر وجدوا أن الحديث فيه معاني الحجر الصحي، إذ أنه إذا دخل الطاعون في أرض وأنت فيها فلا تخرج منها؛ حتى لا يؤدي خروجك منها إلى نقل الوباء إلى الآخرين، فابق فيها واصبر على قضاء الله وقدره، وإذا حلَّ الطاعون في أرض وأنت خارجها فلا تدخل إليها.
وتحدثنا كتب المغازي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وصل إلى ( عمواس ) وهي أرض في الشام ، وجد الطاعون قد تفشى بها فلم يدخلها، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: [أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! قال: يا
هذا الإجراء هو ما يعرف اليوم بالحجر الصحي، أي: عزل الأماكن والناس عند تفشي الأمراض الوبائية كالطاعون والكوليرا، والجدري، وذلك لمحاصرة المرض والتغلب عليه، والحيلولة دون انتشاره، هذا أول عامل من عوامل الوقاية بالحجر.
ففي نظافة البدن شرع الإسلام الوضوء للصلوات الخمس في اليوم والليلة خمس مرات، وليس من الطهارة، بل من الوضاءة، أي: الحسن والجمال، ولذا ترى الذي يتوضأ دائماً عليه إشراقة ونور، بينما الكافر لو اغتسل في اليوم مائة مرة ما عليه وضاءة، ولا فيه نور ولا جمال، لماذا؟ لأن الكفر يغطيه -والعياذ بالله- فالوضوء الذي تمارسه كعبادة يختلف عن النظافة التي تمارسها كعادة، وهذا أمر فوق النظافة، وفيه يتم غسل الأعضاء الخارجية التي غالباً ما تكون عرضة للتلوث وحمل الجراثيم والإفرازات التي لا تنقطع، فقد أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
والوضوء طهارة مادية للأعضاء، وطهارة معنوية للقلب بتكفير الذنوب والخطايا ومحو السيئات، روى الإمام مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).
وفوائد الوضوء الصحية كثيرة منها: الحيلولة دون إصابة الجلد بالالتهابات وسرطان الجلد، وقد أجريت دراسات وبحوث بين مجموعة من المسلمين الذي يتوضئون في اليوم خمس مرات، وبين مجموعة من غير المسلمين الذين لا يتوضئون، ووجد أن نسبة إصابة المسلمين بسرطان الجلد والالتهابات اليدوية الجلدية نادرة بل ومعدومة، وأنها كثيرة جداً في الكفار الذين لا يتوضئون، فهذا من إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً يحول دون إصابة أصابع القدمين بالفطريات، وغسل الوجه يمنع حب الشباب وخشونة البشرة، وقد اهتم الإسلام أيضاً ضمن الوضوء بنظافة الفم وتطهيره، وتجلية الأسنان وتنقيتها عن طريق المضمضة واستعمال السواك عند الوضوء والصلاة وقراءة القرآن، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة استعماله لما له من الفوائد المادية والمعنوية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في المسند : (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي رواية: (عند كل وضوء).
والسواك أفضل من غيره من وسائل التطهير، فوسائل التطهير الأخرى -وهي الفرشاة والمعجون- طيبة ولكن السواك أفضل منها؛ لأنه يشد اللثة ويقويها، وفيه مادة حارقة تذيب العوالق الكلسية التي تترسب على الأسنان، وإذا جمعت بين السواك والفرشاه كان حسناً.
وإليك تفصيل سنن الفطرة الخمس:
الختان: وهو إزالة القطعة اللحمية الموجودة على رأس قضيب الرجل؛ لما يترتب على بقائها من وجود أقذار وأوساخ تأتي عن طريق خروج البول، فحرص الإسلام على إزالتها؛ ليكون العضو قابلاً للتطهير والتنظيف بسهولة، لكن بوجودها تبقى الفضلات، ولذا فأكثر الأمراض الجنسية في العالم موجودة في الأعضاء التناسلية في الرجل والمرأة بأسبابٍ منها وجود هذه القلفة وعدم الختان، أما المسلم فإنه بالختان يجنب نفسه جميع هذه الأمراض، والحمد لله.
الاستحداد: وهو حلق شعر العانة؛ لأن وجود الشعر في تلك المنطقة وقربها من النجاسات، يؤدي إلى نمو بعض الحشرات، ووجود بعض الحبيبات، فلو لم يحلق لترتب على وجود ذلك مفاسد وأضرار صحية.
نتف الإبط: فالإبط منطقة مغلقة دائماً عن طريق إرخاء العضد على الجنب، ويترتب على وجود الشعر في هذه المنطقة صعود روائح كريهة، ثم يصير عفناً، ويترتب على العفن نمو ميكروبات وفطريات وأمراض، فجاء الإسلام وأمر بنتف الإبط.
وأيضاً تقليم الأظافر، فالله أوجد الأظافر لحماية الأصابع، إذ لو لم يكن معك ظفر لما عرفت كيف تعيش بإصبعك، فالظفر له أهمية كبيرة في حماية الإصبع، وفي نفس الوقت تجديد قوتها، وأيضاً الاستعانة على لقط الأشياء به، ولكن إذا طال تجمعت الجراثيم والميكروبات تحته، ثم إذا جئت تأكل انتقلت الميكروبات إلى فمك، وبالتالي إلى جسمك وترتب على هذا مرض، فجاء الإسلام وجعل من الفطرة تقليم الأظافر.
ولكنا نرى أن الناس اليوم يصادمون الفطرة، ويغالبون سنن الله، فتجد بعض النساء إذا رأيتها كأنها قطة -والعياذ بالله- تطيل أظافرها ثم تصبغها بالمادة الحمراء كأنها قطة كانت تخمش لحماً، فتتقزز نفسك من منظرها، ثم أيضاً تضع على شفتيها حمرة حمراء كأنها كانت تلعق الدم، فإذا نظرت إليها قلت: ما هذه القطة التي تخمش بأصابعها وتلعق بفمها؟! هي تبحث عن الجمال والحقيقة أنه قبح؛ لأن الجمال شيء آخر غير هذا، فإطالة الأظافر مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: قص الشارب بحيث يبقى على الإطار؛ لأن إطالة الشارب يؤدي إلى أنك إذا شربت لبناً أو ماءً أو غيره تلوث هذا المشروب بانغماس الشارب فيه؛ لأن شعر الشارب قد يكون محملاً بالجراثيم والميكروبات العالقة في الأجواء أو النازلة من أنفك؛ لأنك عندما تمتخط أو تستنثر تخرج هذه الميكروبات وقد يعلق شيء منها في شاربك، وإذا جئت تشرب وقعت في اللبن أو في الماء أو في المرق وشربته بسبب طول شاربك، فقص شاربك وأعف لحيتك كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الناس نكسوا الفطرة، فالنساء قلبن المسألة في أصابعهن، والرجال قلبوا الحكم إلى لحاهم، فحلقوا اللحى وأرخوا الشوارب، ترى شارب الواحد طويلاً تقول: ما هذا؟ قال: شنب، لماذا تطلق الشارب هكذا والرسول يقول: (قصوا الشوارب) .. (أعفوا اللحى) .. (أكرموا اللحى) .. (أرخوا اللحى) .. (جزوا الشوارب) .. (أنهكوا الشوارب) لا بد أن تقصه.
فلا إله إلا الله! بل بعضهم مشغول بفتل شاربه، يريده أن يكبر ويقف عليه الصقر، يا أخي! طول الشارب للقطط، فهل تريد أن تتشبه بها أم تتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: قص شاربك وأعف لحيتك؟
كما حرم الإسلام وحذر من إهمال تنظيف اليد والفم من الأطعمة ذات الرائحة النفاذة والزهومة كاللحم والسمك، وكره أن ينام المسلم ورائحة الطعام وزهومة اللحم واللبن لا تزال عالقة في يده أو في فمه، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه البزار : (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) فإذا نمت ويداك فيهما رائحة لحم أو رائحة سمك، أو فمك فيه رائحة لبن أو في يديك، ثم أصابك شيء فلا تلومن إلا نفسك، لماذا؟ قال العلماء: لأن هذه الروائح تجلب الحشرات، وتجلب الآفات والقاذورات، فلهذا عليك أن تنظف فمك قبل أن تنام وتنظف يديك بالماء والصابون إن وجد، وكذلك الأسنان حتى تنام وأنت طاهر، فلا تعرض نفسك لشيء من ذلك.
وشرع الإسلام للمسلم غسل البدن كله ونظافته عند الدواعي التي تفرض ذلك، وجعل الغسل أساساً لا بد منه لممارسة العبادات، ولم يدع الغسل خاضعاً لظروف الإنسان، فقد يتكاسل الإنسان عن الاغتسال ما دامت دواعيه لم تقم، لذلك وقَّت للغسل أوقاتاً، فجعل في كل أسبوع يوماً واحداً وهو غسل الجمعة، والحديث في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) والعلماء يختلفون في كلمة واجب هنا، هل هو الوجوب الفرضي الذي يلزم بتركه الإثم؟ أم أنه وجوب على درجة الاستحباب لأحاديث أخرى؟ والصحيح من أقوال أهل العلم أنه ليس بواجب حتمي ولكنه سنة مؤكدة ومرغب فيه، والدليل ما روى البخاري بعد هذا الحديث؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب فدخل عثمان بن عفان ، فلما دخل قطع عمر الخطبة وقال: [أفي هذه الساعة يا
أيضاً سن الإسلام الغسل لمن أراد الإحرام، وعند دخول مكة، وعند الوقوف بـعرفة ، وسنه لمن غسل ميتاً، كما فرضه فرضاً عند حدوث الجنابة بالجماع أو بالاحتلام، كما فرضه للتطهر من الحيض أو النفاس، ومما يؤكد حرص الإسلام على النظافة أنه ألزم المسلم بإعادة التطهر بعد الحدث حتى ولو كان الإنسان لا يزال نظيفاً، فمن توضأ ثم انتقض وضوءه بأي ناقضٍ لزمه الوضوء مرة ثانية ولو بعد لحظات، ومن اغتسل ثم وقع منه ما يوجب الغسل، فعليه الغسل مرةً ثانية ولو بعد لحظات، لماذا؟ من اهتمام الإسلام بالنظافة.
أيضاً اهتم الإسلام بنظافة الملبس وحسن المنظر، وكريم الهيئة، وجمال السمت والزي وهو شيء ملاحظ، فقد ألحق الإسلام ذلك بآداب الصلاة فقال عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ولفظ المسجد يدل على أن الزينة عبادة يقصد بها رضوان الله، إذ لا يستوي من يتزين للمسجد ومن يتزين للملعب أو للمنتزه، أو للمرقص، فرق بين هذا وذاك: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] إذ ينبغي لك إذا أردت أن تقف بين يدي الله أن تأخذ زينتك وثيابك الجميلة ذات الرائحة الطيبة، ثم تأتي لتقف بين يدي الله وأنت جميل الشكل طيب الريح حتى لا تؤذي المسلمين، ولا تؤذي الملائكة، ولكن وللأسف فقد قلبت المسألة عند بعض المسلمين؛ فيأتي ليصلي وهو يلبس (بجامة) النوم، ولكنه لا يستطيع أن يذهب إلى الدوام (ببجامة) النوم، ما هو رأيكم لو ذهب شخص إلى العمل وجلس على الكرسي وهو (بالبجامة) ماذا يقول عنه الناس؟ على الفور يحكمون عليه بالجنون، معقول تأتي تداوم (بالبجامة)؟ أين عقلك تأتي ورأسك عارٍ، أما أن يأتي ويصلي ويقف بين يدي الله ورأسه عارٍ و(بالبجامة) فلا أحد يقول له شيئاً، ما هو بمجنون في هذه الحالة، لكن في الحالة السابقة مجنون، يقول تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] اجعل لصلاتك ثياباً طاهرةً نظيفة تصلي فيها حتى تقف وكأنك الشامة البيضاء.
أيضاً: كان صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن الثياب وأجملها وأنظفها، وكانت له حلة جديدة يتجمل بها ويلبسها في الجمع والأعياد، وعند مقابلة الوفود التي كانت تفد إلى المدينة ، وقد شوهد مرة وهو ينظر صلوات الله وسلامه عليه إلى ركوة ماء يسوي ثيابه وشعر لحيته، وقد اتخذ من صفحة الماء مرآة فقيل له: وأنت تفعل هذا يا رسول الله؟ يعني: تنظر في المرآة فترى فيها نفسك، فقال: (إن الله يحب من عبده إذا خرج للقاء إخوانه أن يكون حسن الهيئة حسن المنظر) ثم قال: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه الإمام مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويقول: (حبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يكثر من استعماله صلوات الله وسلامه عليه، وكانت أردانه الشريفة تعبق ريحاً عظيماً بالطيب، وإذا مشى انبعثت رائحته الزكية لتعطر الأجواء، يقول جابر رضي الله عنه: [لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلك من هذا الطريق] يعرفون أنه مشى من أثر رائحته، إذا جاءوا بعده قالوا: مر الرسول صلى الله عليه وسلم من هنا، وكان الصحابة يعرفون قدومه صلوات الله وسلامه عليه بشم رائحة عطره الذي يسبقه من مسافة بعيدة.
ولقد اجتمع فيه صلوات الله وسلامه عليه الرائحة المادية والمعنوية، أما المادية فحبه للعطر، وأما المعنوية فإنه أكرم مخلوق خلقه الله على وجه الأرض، وكان إذا صافح أحداً بيده ظل طوال يومه يجد رائحة الطيب من مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم.
(ورأى رجلاً ثائر الرأس فأشار إليه الرسول إشارة فهم منها أنه يأمره بإصلاح شعره، ففعل الرجل، ثم عاد وهو حسن الهيئة وقد رجَّل شعره، فقال صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان) رواه الإمام مالك.
وقد سمعت واحداً من العلماء -نسأل الله أن يعفو عنه- يستدل بهذا الحديث على حلق اللحية، وهذا استدلال باطل وفهم معكوس؛ لأنه قال في الحديث: جاء رجل ثائر الرأس، يعني: شعره منفوش، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: رجّل رأسك -وذلك لما نظر إليه كأنه أنكر عليه- فذهب الرجل ومشط رأسه ودهنه ورجَّله وجمعه، فلما جاء وإذا به جميل فقال: (أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان).
وكان يكره صلوات الله وسلامه عليه أن تقع عينه على رجل رث الهيئة وسخ الثياب وفي إمكانه أن يظهر في زي أفضل وفي صورة مقبولة، روى جابر بن عبد الله قال: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى راعٍ لنا يرعى إبلنا) -وتعرفون أن الراعي لا وقت لديه ليغتسل ولا ليغير ثيابه، فهو طوال يومه يطارد الإبل والغنم (وعليه بردان قد بليا وفنيا، فقال: أما له غير هذين؟ قيل: بلى يا رسول الله! له بردان جديدان في عيبة عندنا، قال: ادعه يا
ولكن الاهتمام بالنظافة يجب أن يكون باعتدال، فإن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، يدعو إلى النظافة، وإلى المنظر الجميل والأناقة، ولكن في غير ما سرف ولا مبالغة وتصنع وتزويق وتلميع.
كما يدعو إلى الاهتمام بالشكل ولكن بعد الاهتمام الأكبر بالمضمون، إذ ليس من الإسلام ما نلاحظه اليوم على بعض الشباب من المبالغة في الملابس، والعناية بالمظاهر والأحذية الفاخرة الغالية، وبالتغييرات المتعددة، والاهتمام بالشكل؛ في حين أهملوا قلوبهم ولم ينظفوها من أدران الشهوات والشبهات والانحراف والضلالات والمعاصي والسيئات.
كما أنه ليس من الإسلام في شيء من يظن أن اتساخ الثياب والملابس ضرب من الزهد والعبادة، وأن الثياب الجميلة والنظيفة تدل على الكبرياء والغطرسة، فهذا ظن خاطئ، فقد روى الإمام مسلم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ، فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه نظيفاً ونعله حسناً، فقال عليه الصلاة والسلام: ليس هذا من الكبر، إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس) هذا هو الكبر، وبطر الحق رفضه، كأن جاءك الحق ورفضته فأنت متكبر، والذي يتكبر ويرفض الحق لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] ويقول: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40].
إذا علمت أن غض البصر أمر من أوامر الله، وأن إطلاقه إلى النساء حرام ثم رفضت فقد تكبرت على الله ورددت الحق، فهذا بطر الحق، أما غمط الناس، أي: احتقارهم وازدراؤهم وظلمهم فهذا هو الكبر، أما أن يكون ثوبك جميلاً، ونعلك حسناً، وسمتك جميلاً فليس هذا من الكبر في شيء.
ومن ضمن وسائل الاهتمام بالمساكن إصلاحها وتفقدها، وحسن تصميمها وتهويتها وإضاءتها وتعريضها للشمس، وكنسها وتطهيرها من الحشرات المؤذية، وتخليتها من الفضلات والقمامات، ولقد حذر عليه الصلاة والسلام من كل ذلك كما هو شأن اليهود، يروي البزار في مسنده حديثاً يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب في دورهم) والأكب: هي الفضلات والكناس والقمامة التي تتجمع في البيت، فبعض الناس عنده زبالة في بيته مجتمعة منذ أسبوع، خاصةً إذا كان (عزوبياً) فيتولد عن هذه التجميعات ميكروبات وفضلات، فالمفروض أن تغيرها مرة في اليوم، أو مرتين في الصباح والمساء؛ لأنه يأتي عليها الذباب والبعوض والحشرات والصراصير، ويترتب على هذا فساد صحتك وتعريضك للمرض.
كما أوجب الإسلام على المسلم المساهمة في نظافة الطريق وعدم إلقاء الفضلات فيها، فليس من الإسلام وأنت ماشٍ أن ترمي المنديل في الشارع، فمن يأتي ويأخذه؟ تقول: البلدية، وأنت ما هو دورك؟ دورك أن تحمي الشارع من هذه الفضلة، فلا ترمِ المنديل، ولا تبصق، وإذا بصقت في منديل فاجعله في جيبك إلى أن تصل إلى القمامة وتضعه فيها، ولا ترمِ علبة (البيبسي) والماء، أو قشور البرتقال أو الموز أو التفاح، لا ترمِ أي شيء من الفضلات في الشارع، لماذا؟ لأن إماطة الأذى عن الشارع والطريق صدقة، ومفهوم الحديث: أن وضع الأذى في الطريق معصية، فأنت تعصي الله بهذا الأمر، ولو أن الناس كلهم فعلوا هذا ما كنا نحتاج إلى البلدية، لكن الله المستعان، شخص يبني وآخر يهدم، والذي يبني يتعب أما الذي يهتم، فإنه يرمي ولا يهمه، يقول:
أرى ألف بانٍ لا يقوم لهـادم فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم |
وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) وكان بعض السلف يخرج إلى الأسواق ليس له عمل إلا أن يميط الأذى عن الطريق، فيلتقط المسامير والزجاجات والحجارة والأخشاب، وإذا أخذه قال: لا إله إلا الله، قالوا: مالك؟ قال: أريد أن أجمع بين أعلى درجات الإيمان وشعبه وبين أدناها، يأخذ فيقول: لا إله إلا الله، فيأتي بأعلى شعب الإيمان وهي لا إله إلا الله، وأدنى شعب الإيمان وهي إزالة الأذى عن الطريق.
كما حرم الإسلام البصاق في المسجد والسوق والأماكن العامة ووسائل المواصلات، وفي الطرق التي يغشاها الناس، ففي صحيح البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (البصاق في المسجد خطيئة -يعني: معصية- وكفارتها دفنها) والدفن كان كفارة يوم أن كانت المساجد من التراب والرمل، فما هناك وسيلة إلا أن تدفنها، لكن الآن إذا بصق الإنسان على الفراش لا يوجد دفن لها؛ لأن الدفن يؤدي إلى التلويث، ولا بد من إزالتها وغسل الموضع الذي وقعت فيه؛ لأنه سيأتي من يضع رأسه يصلي، وقد يشم بأنفه موقع بصاقك، ويكون في بصاقك ميكروب أو مرض فينتقل إليه وهو لا يدري، فأنت الذي غششته وخدعته؛ لأنه جاء ليؤدي عبادة وأنت أعطيته هذا المرض وهذا الوباء -والعياذ بالله- فلا يجوز للمسلم أن يبصق في المسجد.
كما حرم الإسلام التبول والتبرز في المياه والظل والأماكن التي يجلس فيها الناس ويرتادونها مثل أماكن النـزهة، فإذا خرجت إلى مكانٍ فينبغي عليك أن تحرص على أن تترك الموقع مثل ما جئت إليه؛ لأن بعض الناس يأتي ويجلس ويستمتع تحت شجرة أو في مكان أو في منتزه، فلا يقوم إلا وقد ترك المكان وقذراً وملطخاً بكل الأوبئة والأمراض والفضلات -والعياذ بالله- بترك حفاظات أطفاله وقاذوراتهم، وأيضاً فضلات طعامه، لا يا أخي! إذا جاء شخص بعدك ورأى المكان هكذا ماذا يقول؟ يدعو عليك ويقول: الله أكبر عليك! الله يجعلها في وجه هذا الوسخ الذي جلس هنا؛ لأنك يوم أن جئت ووجدت المكان نظيفاً فرحت، ولو وجدته قذراً لانزعجت، فعليك أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، يقول عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في المورد، وقارعة الطريق، وفي الظل) وسميت ملاعن لأنها تسبب لصاحبها اللعنة، إذا جاء واحد وأراد أن يجلس تحت شجرة فتلفت وإذا تحتها نجاسة فماذا يقول؟ يقول: لعن الله من وضعها، هكذا تستحق: (اتقوا الملاعن)، إنه يريد أن يجلس، وإذا بالأذى بجانبه فتسببت في طرده من هذا الموقع، لأنه لا يقدر على الجلوس والأذى بجانبه، الظل ليس لك لوحدك يا أخي! بل هو حق لكل مسلم يستظل فيه، والطريق إذا مشى فيها ماشٍ وهو آمن وإذا برجله تقع في النجاسة، فمن حين يقع فيها وهو يلعن، يقول: لعن الله من وضع هذه، فهذا يستحق: (اتقوا الملاعن الثلاثة ) لماذا؟ لأنها تسبب لصاحبها اللعن، كما أن الشخص الذي يتخلى في الطريق العامة والظل يعتبر ساقط المروءة، يؤذي المسلمين، ويستوجب سخطهم، وتتوجه إليه لعائنهم، فقد روى البيهقي في السنن يقول: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم)، والعياذ بالله!
وقد بال أعرابي في المسجد، وكان له كل المبررات في أن يفعل ذلك؛ لأن المساجد جديدة في حياة المسلمين، فقبل الإسلام ما كان هناك مساجد، أما الآن فالحمد لله المساجد نعيشها ونعيش حبها وعظمتها وكرمها في قلوبنا من الصغر؛ لأننا معها من يوم خلقنا، لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بني المسجد فجاء الأعرابي من الصحراء لا يدري ما هذا المكان، ولا يعرف ما هذا الموقع، فجلس في طرفه وبال كأنه في طرف بيته، فغضب الصحابة غضباً شديداً، وقاموا إليه ليضربوه وليقتلوه، ولكن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: دعوه لا تزرموه، لماذا؟ قالوا: الحكمة تستدعي أن يكمل؛ لأنه لو قام وهو يبول، فسيرش به المسجد كله، وبدل ما كان البول في جزء سيكون في جميع المسجد، أليس من الحكمة أن يكمل في مكانه؟ اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
ثانياً: سيؤدي احتباسه بالبول إلى أن يمرض، فإن الإنسان إذا أخرج البول ثم أمر بقبضه أصبح عنده التهابات، إذ أن هذا الماء المستعد للخروج يتلوث ثم تقبضه فيرجع إلى المثانة ويعمل إجراءات صعبة في المثانة فيحدث بذلك مرض للإنسان.
ثالثاً: يؤدي إلى أنه يكره الإسلام، فيمكن أنه جاء لكي يسلم، لكن من أجل هذا البول يخرج، فلا يرجع أبداً فيدخل النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: دعوه، فلما أكمل دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للصحابة: (صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء) لأن الأرض كانت ترابية، والماء يصب على ظهرها فيمتص النجاسة وتذهب النجاسة إلى باطن الأرض، ليس هناك وسيلة أعظم من هذه الوسيلة، ثم دعاه وقال: (إن المساجد لا ينبغي أن تكون لشيءٍ من هذا، فقال الرجل بعد أن رأى كرم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ولمحمدٍ ولا تغفر لأحد معنا) يقول: هؤلاء الذين كانوا يريدون أن يضربوني لا تغفر لأحد منهم فقال عليه الصلاة والسلام وقد تبسم: (لقد حجرت واسعاً) أي: ضيقت واسعا، فمغفرة الله واسعة ورحمته عظيمة. فهذا من اهتمام الإسلام بالنظافة.
أيضاً: اهتم الإسلام بنظافة المسكن بتركيزه على نظافة المياه وحماية مصادرها من التلوث، وتنقيتها من الشوائب؛ لأن فساد الماء وتلوثه يسبب الأمراض الكثيرة والأوبئة الخطيرة، فمن وسائل الوقاية النهي عن البول في الماء الراكد، فممنوع أن تبول في الماء الراكد، فقد روى مسلم : (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) لأن هذه الفضلات ملوثة، وإذا وضعتها في الماء الراكد انتشرت فيه ثم إذا اغتسلت لوثت نفسك، والعلماء يقولون: ليس معنى هذا جواز البول في الماء الجاري، فإن الماء الجاري أيضاً لا يجوز أن تبول فيه؛ لأنك أيضاً تلوثه ولو كان جارياً، لكن الرسول بينَّ أن الماء الراكد إذا بال فيه الإنسان لا يجوز فيه الغسل؛ لأنه يصير نجساً، أما الماء الدائم الجاري فإنه لو بال فيه أحد لا ينجس ولكن قد يتلوث، ولذا لا ينبغي لك أن تبول في الماء، فإذا أردت أن تبول فبل في المكان البعيد، ثم خذ معك من الماء فاستنج وتطهر، ثم توضأ في الماء الجاري.
ومن أبرز الأمراض التي تنتشر من المياه الملوثة البلهارسيا وحمى التيفود.
وأيضاً روى البخاري عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: (كان بي أذىً من رأسي، فحملت إلى رسول الله وأنا محرم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى) وأمره أن يحلق رأسه رغم أن حلق الشعر للمحرم لا يجوز، لكن للضرورة فقال: (احلق رأسك) وأمره أن يطعم ستة فقراء، أو يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام؛ وهي كفارة لما يرتكبه الإنسان من محظورات الإحرام والتي منها حلق الشعر .
وقد نهى الإسلام عن اقتناء الكلب إلا لضرورة، والضرورة محددة لحرثٍ أو صيد أو ماشية، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري : (من اقتنى كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط، قيل: وما القيراط؟ قال: مثل جبل أحد ، إلا كلب حرث أو ماشية) وفي رواية للنسائي وابن ماجة : (أو صيد) وقد ثبت طبياً أن الكلاب تنقل الدودة الشريطية، وأنها لا تموت إلا بمادة كيماوية لا توجد إلا في التراب، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب).
ففيه ميكروب يسبب الدودة الشريطية، هذا الميكروب لا يموت لو غسلته بالماء مليون مرة، إلا إذا غسلته بمادة كيماوية، وقد وجدوها في التراب، فإذا غسلته بالتراب فإنه يموت، صلوات الله وسلامه على رسوله.
كما أن أداءها في مواعيدها له أكبر الأثر على صحة القلب وقوته وحمايته من حدوث الأمراض الخطيرة؛ مثل انسداد الشرايين، أو الذبحة الصدرية التي يسمونها موت الفجأة.
الصيام عامل عظيم في الوقاية الصحية شرعه الله وفرضه، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] وفوائده الصحية أكثر من أن تحصر، ولن نتحدث عنه في هذه الليلة، فإن أمامنا فرصة إن شاء الله قبل رمضان للحديث عن الصوم في كل أحكامه وشئونه، وهو علاج فعال للأمراض الناتجة عن خلل التمثيل الغذائي؛ مثل السمنة والروماتيزم العضلي والمفصلي، وعلاج الأمراض الناتجة عن ضيق الشريان التاجي، وارتفاع أو انخفاض ضغط الدم، وعلاج الأمراض في الجهاز الهضمي مثل النزلات المعدية والمعوية، ومثل أمراض الكبد والمعدة، يقول طبيب غربي وهو لا يعرف الإسلام، يقول: إن الامتناع عن الطعام شهراً واحداً في السنة يقضي على الفضلات الموجودة في الجسم لمدة سنة، تصوم شهراً فتقضي على فضلات بدنك سنة، فإذا أردت أن تتحقق لك هذه الفوائد فلا بد من الصيام الشرعي، وسوف نتكلم عنه إن شاء الله في الندوة المقبلة بإذن الله.
أيضاً: مرض ثانٍ يصيب صاحبه عن طريق الزنا واللواط: وهو السيلان؛ وهو مرض يصيب المجاري البولية للرجل والمرأة، وأعراضه شعور بحرقان شديد عند التبول، ثم إفرازات ومواد صفراء، ثم أمراض، ثم وباء -والعياذ بالله- يقضي على الإنسان.
أيضاً: من الأمراض التي تنتشر عن طريق العلاقات الجنسية المحرمة كالزنا واللواط والعادة السرية: الهربز أو الهربد، وهو مرض ينتج عن الزنا، وأعراضه ظهور قروح كثيرة على الجهاز التناسلي للرجل والمرأة، وآلام عظيمة عند ممارسة الجنس، ويؤدي إلى الإصابة بالسرطان وهو مرض معدٍ، والعياذ بالله!
يقول أحد الأطباء: لو تمنى إنسان أن يوجد الله مرضاً يقضي على الناس لتمنى الهربز، نعوذ بالله منه.
أيضاً: من الأمراض الخطيرة التي ظهرت في هذا الزمان وهي نتيجة إدمان الناس على المعاصي في الزنا واللواط: مرض الإيدز؛ وهو جندي سلطه الله على الأمم الكافرة، وأرهب الله به دول الشرق والغرب؛ وهو فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة، وهو عبارة عن فقدان الجسم للمناعة، فيقضي على المناعة في جسمك؛ لأن الله أوجد فيك قوى لتحارب الأمراض، حتى إذا دخل فيك أي ميكروب تقضي عليه هذه القوى في كريات الدم البيضاء، لكنَّ هذا الإيدز يقضي على كريات الدم البيضاء، ويبقى الإنسان غير قادر على مقاومة أي مرض، وبالتالي فهو مهدد بالموت في كل لحظة.
أما اللواط -والعياذ بالله- فهو رذيلة من الرذائل وجريمة من الجرائم، دمَّر الله من عملها أعظم تدمير، وهو من الأمراض الخطيرة.
وأما العادة السرية فهي أيضاً شبيهة بهذا، والأطباء يحذرون منها؛ لأنها خطيرة وذات آثار بعيدة على الإنسان وصحته وقوته وإنجابه للأطفال في المستقبل، فإن الذي يمارس العادة السرية وهو شاب إذا تزوج يكون غير قادر على الإنجاب؛ لأنه استنفد جميع قواه وحيواناته المنوية عن طريق يده، فإذا تزوج لم يكن قادراً على الإنجاب، أو إن أنجب فينجب أولاداً ضعفاء هزيلين؛ لأن عوامل الحياة فيهم ضعيفة جداً لضعف الحيوانات المنوية التي يفرزها.
كذلك حرم الإسلام جماع الحائض والنفساء؛ لأن ذلك يؤدي إلى أضرار بليغة؛ يقول الله: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً [البقرة:222] فالحيض والنفاس دماء عفنة قذرة ذات روائح كريهة مملوءة بالجراثيم، فإذا أتى الرجل زوجته وهي حائض أو نفساء أدى هذا إلى إصابته وإصابتها بالأمراض الخطيرة التي منها الإيدز، ومنها الهربز والسيلان والزهري، والله تبارك وتعالى يقول: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] وليس معنى عدم إتيان المرأة الحائض ألا تقربها، إنما يعني: ألا تأتيها في الجماع المباشر أو الوطء، أما الاستمتاع بها في غير ذلك فإنه جائز، تقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أَتَّزر ثم آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيباشرني وأنا حائض) والمباشرة معناها: الاستمتاع بالمرأة دون الفرج، أما الوقوع في الوطء عن طريق الجماع وهي حائض أو نفساء فإن هذا حرام ولا يجوز، ومن عمله فقد عصى الله وعليه أن يتوب إلى الله، ويلزمه كفارة، والكفارة صدقة فيما يعادل خمسين ريالاً.
فالمخدرات والخمور تضر بصحتك، وتقضي عليك، والدخان يضرك صحياً ويقضي على رئتك، والشيشة والجراك والشمة، والقات، والحشيش، والإفيون؛ كل هذه الخبائث حرمها الله لضررها المادي والعقائدي والنفسي على الإنسان.
كما حرم الله بعض الأطعمة مثل الميتة، فإن الميتة إذا ماتت وبقي الدم فيها واحتقن تسمم، فإذا أكلتها بدمائها حصل لك ضرر، والدم ولحم الخنزير محرمان لما فيهما من قذارات.
هذه الوسائل الوقائية التي جاء بها الإسلام كعوامل تقي الإنسان من الوقوع في المرض، فإذا عملها الإنسان فإنه جدير بإذن الله بأن يكون محمياً، ومع هذا فقد يبتليه الله بالمرض؛ لأن المرض إذا جاءك وأنت على الإيمان كان تكفيراً لخطاياك، ورفعاً لدرجتك، يقول الله عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
والمرض يكفر الله به الخطايا، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة ولا الصيام، ولا يكفرها إلا طول البلاء، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يسير على الأرض وما عليه خطيئة).
والله يبتليك بالمرض ليعرفك وليعلمك في ميدان الواقع -وإلا فهو يعلم العلم الأزلي- مدى صبرك وتحملك، هل أنت عبد عافية وضراء، أم عبد عافية فقط؟! لأن من الناس من هو عبد عافية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].
وكما أن الله يبتليك بالمرض من أجل أن يشعرك بعظم النعمة، فإن النعمة لا تعلم إلا عند فقدها، فلا تعرف نعمة العافية إلا إذا أتاك المرض، ولا تعرف نعمة الحرية إلا إذا سجنت، ولا تعرف نعمة الشبع إلا إذا جعت، ولا تعرف نعمة السيارة إلا إذا مشيت، ولا تعرف نعمة البيت إلا إذا بت في الشارع، لكن إذا استمرت النعم زال مفهومها منك، فالله يسلب منك النعمة ويجلب لك المرض من أجل أن تدعوه، ومن أجل أن تشكره على العافية التي عشت فيها سنين طوالاً، ومن أجل أن تصبر فيرفع الله درجتك ويكفر خطيئتك؛ لأنه: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80] هذا المجال الأول وهو المجال الوقائي.
فما أنزل الله من داء إلا وله دواء إلا داءً واحداً هو داء الهرم، ثم إن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لكل داء دواء يفتح باب الأمل أمام المرضى أن هناك أملاً في الشفاء، وأمام الأطباء أن هناك أملاً في أن نجد الدواء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داءٍ إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله)، وهذا يفتح باب الأمل عند المريض فمهما مرض يقول: عندي أمل أن الله يكتب لي دواء ويكتشف، وعند الأطباء أنه إذا ما بحث الأطباء والخبراء فعندهم أمل أنهم لا بد أن يأتوا بهذا الدواء، لكن إلى الآن ما عرفوه، وسوف يعرفونه بإذن الله، إلا داء واحداً هو الهرم.
أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين : (أن رجلاً اشتكى بطنه، فجاء أخوه يشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اسقه عسلاً، فسقاه عسلاً فزاد، فجاء الرجل وقال: يا رسول الله! سقيته عسلاً فزاد، قال: اسقه عسلاً الثانية، فسقاه عسلاً فزاد، فجاء وقال: يا رسول الله! زدناه عسلاً فزاد، قال: اسقه عسلاً ثلاث مرات، صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه الثالثة فبرئ).
يقول ابن القيم : إن الدواء لا ينفع إلا بأمرين:
الأمر الأول: الوقت.
الأمر الثاني: الجرعة.
فالأول أخذ جرعة واحدة ما تكفيه لإيقاف الداء، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: أعطه جرعة ثانية ثم ثالثة؛ فأعطاه الجرعة الثالثة فوقف الداء، لكن بعض الناس عندما تقول له: خذ عسلاً. فإذا أخذه مرة قال: ما شفيت، بينما يذهب إلى الأطباء فيعطونه (كرتوناً) من الحبوب، حبة صباحاً وحبة ظهراً وحبة مساءً، ويداوم عليها، ويقولون له: إذا لم تأخذ العلاج بانتظام فلن تستفيد.
والجرعة مهمة في الدواء، بعض الناس يذهب إلى الطبيب ويأخذ كرتون الأدوية ويأخذ حبتين وبعدها يرمي بالباقي، مابك؟ قال: قد أخذت الحبوب وما استفدت، لا بد من مواصلة العلاج، كذلك الطب النبوي، عليك إذا أخذت عسلاً أن تأخذه باستمرار في مقدار الجرعة وفي وقت التداوي حتى تشفى بإذن الله تعالى.
أولاً: أن نشعر بأن العافية والصحة نعمةٌ من نعم الله يجب أن نشكر الله عليها، فإذا نمت في فراشك، واستلقيت على سريرك، وتذكرت كم جهازاً يسير فيك، ثم تذكرت عروقك ودماءك ومفاصلك وعظامك وأسنانك، وأجهزتك السمعية والبصرية والتنفسية والهضمية والعظمية والدموية، وكلها تعمل، فتعرف نعمة الله عليك، ما ظنك لو آلمك ضرس، أو اختلج فيك عرق، أو ضرب عليك مفصل، أو أصابك التهاب في عينك؟!
فاشكر الله يا أخي! على نعمة الإسلام، ثم انتقل ببصرك إلى زوجتك وأولادك وإخوانك، واعرف نعمة الله عليك.
وإذا أردت أن تعرف النعمة أكثر فاذهب إلى المستشفيات، فإذا زرت مريضاً فانظر في الأقسام: كم تجد من مريض ومتأوه ووجيع، كم تسمع من الصياح، وأنت لا تئن ولا تصيح ولا تتشكى بل أنت معافى، فاشكر الله على نعمته!
ثم من شكر الله على نعمة العافية أن تستعمل هذا الجسد في طاعة الله، فإذا أتى وقت الفريضة فلا تنم يا أخي! بل قم إلى بيت الله، واستخدم هذا البدن في شكر المنعم الواهب لك هذه النعمة، فإن الله عز وجل وهبك النعمة وطلب منك أن تصرفها في طاعته تبارك وتعالى.
ثانياً: أن تعلم أن صحتك هذه أمانة في عنقك يجب أن تستخدمها في طاعة الله، ثم أن تعلم أن صحة المجتمع كله أمانة في عنقك فتسعى في حمايته ووقايته من انتشار الأمراض باتباع وسائل الوقاية ووسائل العلاج.
ثم لتعلم أن النظافة تقف حصناً حصيناً في مقدمة الحصون التي نحمي بها أجسامنا ومجتمعاتنا من الأمراض والأوبئة.
وقد أمر الإسلام بالتداوي للقضاء على المرض ووقف انتشاره لكن بالحلال، إذ لم يجعل الله شفاء الأمة فيما حرم عليها، فلا يجوز التداوي بالشركيات عند الطبيب الذي يسمونه طباً عربياً، ولا بشرب الخمور، ولا بلبن بعض الدواب أو البهائم كمن يشرب لبن الأتان. فقد جاء شخص يسألني قال: هل يجوز شرب لبن الأتان؟ قلت: لماذا؟ قال: يقولون: إنه ينفع من السعال الديكي، قلت: كذب، وإن حصل فإن الله سيشافيه ولو لم يشرب لبن الأتان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) فما دام لبن الأتان حراماً فلا شفاء فيه، فلا ينبغي لك أن تشربه، ثم إذا شربت لبن الأتان فربما تتخلق بأخلاق الحمير، وينبت لحم ولدك مثل الحمير! وهذه مصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
وأخيراً أيها الإخوة! هذه هي الخطوط الرئيسية والأسس العامة التي وضعها الإسلام للحفاظ على صحة الإنسان التي هي أعظم ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري، وما ذلك إلا لأنه تنزيل من حكيم حميد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فنشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وصلوات الله وسلامه عليه.
ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحشرنا في زمرته، وأن يجعلنا ممن يرد حوضه، وممن يراه في دار الكرامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وسوف نجيب على بعض الأسئلة باختصار.
الجواب: يجوز لك أنت أن تتزوج من ابنة عمك ما دمت لم ترضع من أمها، ولم ترضع هي من أمك، وما دام الرضاع حصل من أخويك الكبيرين، وسواء كانا كبيرين أو صغيرين؛ والولد الذي رضع أصبح أخاً لهذه البنت وولداً لأبيها ولهذه المرأة، وأخاً لجميع الأولاد الذين رضعوا من هذه المرأة والأولاد الذين هم من صلب ذلك الرجل، أما إخوانه الكبار أو الصغار فلا علاقة لهم، وأنت أخوه لا علاقة لك؛ لأن الرضاع إنما يلزم الراضع ولا ينتشر إلى الإخوة.
الجواب: أولاً: لا يجوز لك أن تبقي هؤلاء العمال معك؛ لأنهم كفار، والكافر لا يبقى معك، ولا يجوز أن يعمل لك ويجلب لك مالاً، وإذا دخلت عليك أموال من طريقهم فالذي تأكله من وراء أيديهم حرام عليك -والعياذ بالله- وموادّة الكافر حرام: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]، بل عليك ترحيلهم الليلة، فما يمسي الليلة أو غداً إلا وقد عملت لهم خروجاً، وأسأل الله ألا يردهم، وإذا أتاك عامل وأنت في بلدك فاشترط عليه: الصلاة والدين والإيمان، فإذا وافق فليأت، وإذا لم يوافق فلا تقبل، أما من يأتي بالكفار -بعضهم لا يأتي بمسلمٍ؛ بل يأتي بكافر أو نصراني والعياذ بالله- فهذا قد ارتكب محرماً؛ لأنه لا يجوز أن يبقى الكافر في جزيرة العرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى في جزيرة العرب دينان) فلا يبقى إلا دين واحد.
الجواب: إذا كان الكلام كما ذكرت من أن غنمك في الشبك وأنها لا ترعى لحظة واحدة، وإنما تعلفها باستمرار فإنه لا زكاة عليك فيها، إنما الزكاة في السائمة التي ترعى الحول أو أكثره، أما إذا كانت معلوفة فلا زكاة فيها، أما إذا كانت ترعى وتعلف، يعني: ترعى في الصباح قليلاً وتعلفها بقية النهار، أو ترعى في بقية النهار؛ لأنك في الدوام وفي الصباح تعلفها فهذه فيها زكاة؛ لأنها رعت، وإذا رعت جزءاً من النهار فهي سائمة وعليك الزكاة فيها.
الجواب: نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يشفي هذا الأخ الكريم، وأن يشفي جميع مرضى المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم عجل له بالشفاء يا رب العالمين.
الجواب: التصوير في الأصل محرم بالأدلة التي جاءت في أكثر من حديث: (لعن الله المصورين) .. (المصورون يؤخذون يوم القيامة على شفير جهنم يؤمرون بنفخ روح ما صوروا) هذا في الأصل، ثم وقع خلاف بين العلماء في التصوير الفوتوغرافي، يعني: هل ما يتم تصويره بالكاميرا حرام؟ فمعظم العلماء المحققين يقولون: إنه حرام؛ لأنه بفعل الإنسان، فكأن الإنسان يمسك الريشة ويصور، فكذلك هو يمسك الكاميرا والعدسة ويضبط ويضغط ويطبع ويحمض ويلون، هذا هو تصوير، وبعض العلماء قالوا: لا. إنه ليس بتصوير وإنما هو حبس للظل، فأنت ما صورت وما أبدعت إنما أمسكت شيئاً خلقه الله وثبتَّه في هذه الورقة، والمعتدلون الذين يجمعون بين الأقوال يقولون: إن التصوير إذا كان للضرورة فلا بأس، فإذا كان التصوير الفوتوغرافي للضرورة في الأمن، أو لمعرفة هويات الناس عن طريق البطاقة، أو عن طريق التابعية، أو الجواز، أو رخصة المرور، أو الضرورة الدعوية مثل: تصوير المحاضرات الإسلامية بالفيديو والاحتفاظ بالشريط ونقله إلى البيوت والأسر لتكراره والاستفادة منه؛ فهذه ضرورة، إذ لو لم تصور هذه الكلمة لذهبت ونسيها الناس، وإذا كنا نقول للناس: لا تستعملوا الفيديو، ولا تشغلوا الأشرطة فيه، فإنه ينبغي أن نوجد البدائل لهم، والبدائل هي الأشرطة الإسلامية، فهذه ضرورة، يبقى فيها محذور الصورة، لكن ما دامت فيها مصلحة راجحة فنحن نغلب المصلحة على الضرر الآتي منها ونستغفر الله تعالى.
فإذا كانت القضية للضرورة فلا بأس، أما للذكرى والرحلات، وللاحتفاظ بها في الألبوم وأنت تعرف أن فيها لعنة، فماذا تتذكر يا أخي؟ تتذكر لعنة الله، بعضهم يقول: أصور ولدي وهو صغير حتى إذا كبر أريه صورته يوم أن كان صغيراً، وأتصور أنا وزوجتي في ليلة عرسي حتى إذا شبنا نقول: انظروا كيف كنا تلك الأيام. ماذا تنظر يا أخي؟ والله ما تتذكر إلا العذاب واللعنة والسخط.
يا أخي المسلم! لا تتصور إلا إذا أكرهت واقتضت الضرورة ذلك، فنسأل الله أن يعفو عنك بذلك.
الجواب: لا يا أخي! لا تهجره ما دام يستحي ولا يبارزك بالعظيمة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم -والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم - يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فالمجاهر المعاند الذي يعاندك بالمعصية، لكن ما دام يستحي إذا رآك فيترك المعصية فهذا فيه خير إن شاء الله، ولكن عليك أن تدعوه إلى الله، أما إذا هجرته فإنه سيستمر على ما هو عليه، إلا إذا كان هجره يمنعه من الوقوع في المعصية فلا بأس.
الجواب: الشغار: هو زواج رجل بامرأة بشرط أن يزوجه الآخر محرمه، هذا هو الشغار، مثل أن آتي إلى الرجل فأقول: أريد ابنتك، قال: حسناً! لكن بشرط أن تعطيني ابنتك، قلت: لا بأس، فهذا شغار حرام، ونكاح باطل، والأولاد أولاد سفاح والعياذ بالله، حتى لو سمينا المهر وقلنا: هذه لها خمسون وهذه لها ستون، وهذه راضية وهذه راضية فهذا لا يصلح، ما دام أن فيه شرطاً فلا يجوز، لكن رجلٌ تزوج من إنسان وزوجه ابنته وانتهى، وبعد ما تداخلوا عرفوا أن عندهم بنتاً، فقال: ما رأيك نخطب فلانة لفلان؟ فهذا ليس فيه شيء؛ لأنه لم يشترط في العقد الأول، وإن كان الأفضل للإنسان ألا يتزوج بهذه الطريقة، يعني: ليس حراماً لكن الأفضل؛ لأن هذا يؤدي إلى وجود قطيعة، إذا تزوجت من إنسان ثم بعد فترة حدث خلاف بينك وبين زوجتك وذهبت إلى أهلها، فإن أهلك سيأخذون زوجة ذاك الولد، يقولون: تعالي حتى يردها، فيكون كالقضاء للسلف، ما ذنب هذه؟ ليس بينها وبين زوجها مشكلة لكن من أجل أخيها فتقول: ما أقعد عندكم وزوجة أخي عندكم، أرجعوا زوجة أخي وإلا ذهبت إلى أهلي، فتصير مشكلة، فالأولى أن تأخذ أخرى.
الجواب: هذا يبعث يوم القيامة محرماً وملبياً، فالناس يخرجون ويصيحون وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، هذا نسأل الله أن يكون شهيداً؛ لأنه ورد حديث في مسند الإمام أحمد وفي سنن أبي داود والسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء سبعة: القتيل في سبيل الله شهيد والمطعون شهيد -المطعون الذي يصاب بالطاعون-، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد -الذي يأتي مرض اسمه داء الجنب تلصق الرئة في الجنب هذا- والمبطون شهيد) الذي يأتيه إسهال في بطنه حتى يموت ويسمونها الكوليرا، وهي داء يصيب البطن فيحدث عند الإنسان إسهال حتى يموت (وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة) بجمع يعني: تموت وهي حامل ويموت جنينها في بطنها، فلم تكن هناك عمليات جراحية وقيصرية وفتح بطن، فهذه شهيدة، وهذا المتردي بالسيارة يدخل ضمن من يموت بهدم، فإن البيت إذا انهدم على صاحبه فمثله السيارة إذا وقعت عليها كارثة وانهدمت بفعل صدامها بجمل أو بسيارة أخرى أو بغيره، نسأل الله أن يجعله في عداد الشهداء، ولكن متى يكون شهيداً أيها الإخوة؟ إذا كان صالحاً، أما إذا كان فاسداً لا يصلي ومات في البحر فلا يصير شهيداً، وإذا مات في الحريق لا يصير شهيداً، وإذا مات في حادث لا يصير شهيداً، متى يصير شهيداً؟ إذا مات وهو طيب فإن الله يرفع درجته ويجعله إن شاء الله من الشهداء.
الجواب: الطريقة أن تذاكر الدروس حتى لا تغش في الامتحان؛ لأنه لا يغش إلا البليد، أما الذكي فلا يغش، يعرض نفسه للخطر والعذاب في الدنيا والآخرة، لكن البليد يدخل ولا عنده حرف فيلصق نفسه بـ(برشمات) وأوراق ويدخل يغش، لكن: (من غشنا فليس منا) وامتحانه باطل، وشهادته زور، ويقول العلماء: حتى الوظيفة التي يحصل عليها حرام؛ لأنه أخذها بالزور والكذب، لكن إذا تاب تاب الله عليه؛ لأن التوبة تجب ما قبلها إن شاء الله.
الجواب: صلِّ على قبلة المساجد، ولا تصلِّ على بوصلتك، فالبوصلة تستعملها إذا كنت في الصحراء، أما ما دمت في المساجد فصلِّ مع المسلمين؛ لأن ما بين المشرق والمغرب قبلة، فالقضية نسبية، فإذا أتيت على البوصلة وضبطتها وانحرفت قليلاً ومشيت إلى مكة هل معنى هذا أنك تدخل مكة ؟ قد تصل الطائف فليست مضبوطة مائة بالمائة.
قال العلماء: من كان في الحرم يلزمه استقبال عين الكعبة، فإذا وقفت والكعبة أمامك فيجب عليك أن تقف أمامها، فإذا كانت الكعبة أمامك وأنت متجه لغيرها فصلاتك باطلة، ومن كان في مكة يلزمه جهة الحرم، ومن كان في الآفاق يلزمه جهة مكة -ليس عين مكة أو عين الكعبة- بل جهة مكة، فلا تصل على البوصلة وإنما صلِّ مع المسلمين في مساجدهم فإنها إن شاء الله على القبلة.
الجواب: الله أكبر! تريد أن تتردد وتماري في طريق الجنة، من الذي يماري في الجنة أو في النار؟ ما لك خيار يا أخي! الآن تب إلى الله، وزميلك هذا انفض يدك منه، واطرده طرد الكلب، وحدد معه موقفا وقل له: أنا تائب إلى الله؛ فإن كنت تريد أن تمشي معي في الطريق الصحيح فحياك الله، وإن كنت لا تريد ذلك فلست مني ولا أنا منك، إني بريء منك، فتبرأ منه قبل أن يقودك برقبتك إلى النار ثم تلعنه ويلعنك، وتقول: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:27-28].
ثم يقول في السؤال: ادع لي بالهداية!
أقول: اللهم اهده واهد شباب المسلمين.
الجواب: قوله: (لن تراني) في الدنيا فقط، أما الرؤية في الآخرة فهي حق وستقع لأهل الإيمان، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة ، أما أهل البدعة والضلالة من المعتزلة والجهمية فإنهم ينكرون الرؤية في الدنيا والآخرة، ولكن هذا غير صحيح، والصحيح: أنه يُرى، ويستدلون: لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143] ودليلهم: بـ(لن) و(لن) ليس فيها دليل على عدم الرؤية، لماذا؟
أولاً: يقول العلماء: إن موسى لا يمكن أن يطلب محالاً، فإن موسى يعرف أنه سيرى الله، ولكن ظن أنه سيراه في الدنيا كما سيراه في الآخرة فطلب ذلك في الدنيا فقال الله له: لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143].
ثانياً: أن الله ما قال: إنني لا أُرَى، بل قال له: لن تراني، يعني: الآن، أما الرؤية في الآخرة فسوف تقع، والأدلة من الكتاب والسنة دالة على الرؤية، يقول الله في القرآن الكريم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] وقد عدي فعل النظر بحرف الجر (إلى): إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23] أي: مشاهدة.
وأيضاً يقول الله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] أي: عن رؤية الله تبارك وتعالى، فدل حجب العصاة والكفار أن المؤمنين يرون الله، إذ لو أثبتنا أن المؤمنين لا يرون الله لسوينا بين الكفار والمؤمنين، فالمؤمنون يرون الله، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته).
الجواب: هذا كذب وافتراء، وإذا كان مصراً عليه فقد يصل به إلى الكفر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أزرة المسلم إلى نصف الساق)، وهو أعلم بما يزين المسلمين، فالذي يقول: إن تقصير الثياب يشوه المسلمين فكأنما يرد دين الله، والله يقول: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115].
ما هو الذي يحسن منظر المسلمين؟ سحب الثياب وإسبالها مثل النساء، أن تسحب ثوبك مثل البنت ثم تقول: إني أرفع من شأن المسلمين؟ لا والله، الذي يزين منظر المسلمين رفع الثوب، فأنت ترى أهل البادية من تهامة وفي الجبال، لما يأتيك الرجل في أزرته وفي ردائه ويمشي أمامك كأنه أسد يدق الأرض دقاً، وأرجله تنظر إليها كأنها أرجل أسد، لكن ذاك الذي يسحب ثيابه والله إنك تغض بصرك عنه.
الجواب: أولاً: النوم على ذكر الله وعلى طهارة، والنوم مبكراً وبنية القيام، وأن تخبر شخصاً ينبهك، أو تنام وعندك ساعة تدق عند رأسك، ثم إذا استيقظت فاجلس مباشرة، ثم استو قائماً، ثم قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. عند ذلك لا يأتيك نوم، ليس هناك شخص قام من نومه ثم استتب قائماً ثم أرجعه الشيطان ينام، لكن من يستعيذ بالله وهو راقد يركب الشيطان فوق رأسه كما قلت لكم في الأسبوع الماضي: الذي يضارب لا يضارب قاعداً بل يقف.
الجواب: هذه الألفاظ شركية، وقد سألت الشيخ عبد العزيز بن باز فقال: هذا شرك، قلت: ما يدري الناس؟ قال: يُعَلَّمون، فمن علم وتاب تاب الله عليه، ومن علم واستمر فهو مشرك كافر لا تؤكل ذبيحته ولا يصلى عليه.
الجواب: من أنكر البعث فهو كافر ولو صلى وصام؛ لأن الإيمان بالبعث ركن من أركان الإيمان يجب الإيمان به لقول الله: أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ [الشورى:18]
الجواب: أما بصوت عالٍ فلا، لكن (الميكرفون) كبر صوتي، وإلا فأنا مثلك أقوله؛ فصوتي بلغ (بالميكرفون) أما قول: (إنك لا تخلف الميعاد) فقد صحت هذه الزيادة في سنن الترمذي وليست في الصحيحين ، ففي الصحيحين : (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته). أما: (إنك لا تخلف الميعاد) فهي ليست في الصحيحين، بل زيادة في سنن الترمذي، ولكن حقق المحققون أنها صحيحة، وقد أخبرني بذلك سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
الجواب: لا. لست محرماً لهما، فالقاعدة: كل من يجوز لك أن تتزوج بها يحرم عليها أن تتكشف عندك؛ لأن المحرمات نوعان: محرمات على التأبيد، ومحرمات على التوقيت، فالمحرمة على التأبيد يجوز أن تراها وأنت محرمها، والمحرمة على التوقيت ولو كانت متزوجة عند واحد تقول: بنت عمي أزورها، لكن لو طلقها زوجها لجاز لك أن تتزوج بها، إذن فلا يجوز لك أن تراها ولست لها محرماً. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر