الشيخ:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أولاً: أرحب بكم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزل لكم المثوبة والأجر على هذه الزيارة المباركة التي تقومون بها لأخ لكم في الله عز وجل، والكل يعرف أن من أعظم الفرص ومن أرفع الدرجات التي تحصل للعبد هي الزيارة في الله عز وجل، فحياكم الله وأثابكم الله.
أما البطاقة الشخصية:
فالاسم: أخوكم في الله سعيد بن مسفر بن مفرح .
مراحل الدراسة: تخرجت من معهد إعداد المعلمين في أول دفعة نظام قديم سنة (1379)هـ، وعملت مدرساً لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقلت إلى إدارة التعليم وعملت بها موجهاً للتربية الرياضية والتربية الكشفية لمدة خمس سنوات، وفي عام (1387)هـ، وبعد حصول التحول في حياتي من اللهو واللعب والحياة الجاهلية إلى الحياة الإسلامية التي أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتني عليها حتى ألقاه، انتقلت من التربية الرياضية والكشفية لأعمل في التوعية الإسلامية والتربية الإسلامية بإدارة التعليم، ومكثت فيها حتى عام (1396)هـ حينما افتتحت أول مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة عسير ؛ حيث عملت مديراً لها حتى عام (1400)هـ، وبعد ذلك عملت بكهرباء المنطقة الجنوبية، ولا أزال حتى هذا التاريخ، والعمل الحالي هو مدير إدارة شئون العاملين بالنيابة بكهرباء الجنوب.
أما طلب العلم ومراحل الدراسة؛ فكما قلت: تخرجت من معهد إعداد المعلمين، وحاولت الدراسة بالمرحلة الليلية في الثانوي، ولكني اصطدمت ببعض المدرسين الذين كانوا يقدمون العلم في صورة مجردة عن الإيمان، وأذكر على سبيل المثال أن مدرس الطبيعة كان يدرسنا كيف تكونت الأرض؟ فكان يقول: إن الأرض كانت جزءاً من الشمس، وإنها انفصلت عنها، وإن هذه الكتلة التي كانت ملتهبة، ثم تكونت الجبال، وتكونت السهول وصارت بحاراً، وتكون اثنين هيدروجين مع واحد أكسجين وصار ماء؛ فقلت له: من سوى هذا الكلام؟! قال: هكذا صار، فقلت له: يقول الله عز وجل: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51] ثم ذكرت له قول الله عز وجل: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ [فصلت:9] وذكرت له مراحل الخلق التي حصلت للأرض والسماوات وفق ما أخبرنا به القرآن والسنة، ولكنه كان بعيداً عن الكتاب والسنة المطهرة؛ فكان يقف لي بالمرصاد، حتى اضطررت إلى ترك الدراسة في أول ثانوي، ولم أتمكن من مواصلة دراستي في المرحلة الثانوية.
وفي عام (1397)هـ حينما افتتحت كلية الشريعة بمنطقة الجنوب، وقابلنا مدير الجامعة الدكتور عبد الله التركي ، وطلبنا منه أن يسمح لنا بالقبول في كلية الشريعة رغم أننا لا نحمل الثانوية العامة، فقال: على شرط أن نجري لكم امتحاناً يعادل امتحان الثانوية العامة، فقبلنا، وفعلاً تقدمنا للامتحان بفضل الله، وحققنا نتائج طيبة، وحصلنا على معدل (82%) في القبول، ودخلت كلية الشريعة مع أول دفعة، وتخرجت سنة (1400)هـ من كلية الشريعة بتقدير جيد جداً (منتسب)، هذه هي المراحل التي مررت بها في طلب الدراسة والعلم.
الجواب: حقيقة لكل هداية بداية، بفطرتي كنت أؤمن بالله، وحينما كنت في سن الصغر كنت أمارس العبادات وكان ينتابني شيء من الضعف والتسويف على أمل أن أكبر وأبلغ مبلغ الرجال حينما أكون مكلفاً، فكنت أتساهل في فترات معينة في الصلاة، فإذا ما حضرت جنازة أو مقبرة أو سمعت موعظة في مسجد ازدادت عندي نسبة الإيمان؛ فأحافظ على الصلاة فترة معينة مع السنّة، وبعدما أستمر أسبوعاً أو أسبوعين أترك السنّة، وبعد أسبوعين أو ثلاثة أترك الفروض، حتى تأتي مناسبة أخرى تدفعني إلى أن أصلي.
وبعد أن بلغت مبلغ الرجال وسن الحلم، لم أستفد من ذلك المبلغ شيئاً، وإنما بقيت على وضعي في التمرد وعدم المحافظة على الصلاة بدقة؛ لأن من شب على شيء شاب عليه، حتى تزوجت، وكنت أصلي أحياناً وأترك أحياناً، فليس هناك التزام قوي بالدين، رغم أنه كان عندي إيمان قوي بالله، حتى شاء الله تبارك وتعالى في مناسبة من المناسبات كنت فيها مع أخ لي في الله لعلكم تعرفونه، وهو فضيلة الشيخ سليمان بن محمد بن فايع بارك الله فيه، وهذا كان سنة (1387)هـ، نزلت من مكتبي وأنا مفتش تربية رياضية وكنت ألبس الزي الرياضي، والتقيت به على باب إدارة التعليم وهو نازل من قسم الشئون المالية، فرحبت به؛ لأنه زميل الدراسة، ولكن أنا في اتجاه وهو في اتجاه، أنا في الكرة وهو في العلم وطلب العلم، فلما رحبت به وأردت أن أودعه، قال لي: إلى أين؟ وكان هذا في رمضان سنة (1387)هـ؛ أي: قبل إحدى وعشرين سنة، قلت له: إلى البيت لأنام، وكانت عادتي أن أذهب بعد نهاية الدوام إلى البيت فأنام إلى المغرب دون أن أصلي العصر، إلا إذا استيقظت قبل المغرب، وأنا صائم.
فقال لي: يا أخي! لم يعد هناك فرصة، فالعصر قريب، دعنا نتمشى، فقلت له: طيب، فمشيت أنا وهو على أقدامنا، وصعدنا إلى سد وادي أبها ولم يكن آنذاك سداً ولا يزال المكان فارغاً، وكان فيه غدير وحشائش ورياحين وروائح طيبة، فجلسنا هناك حتى أذن العصر وتوضأنا وصلينا ثم نزلنا، وفي الطريق ونحن نازلين ويده في يدي، قرأ علي حديثاً كأنما أسمعه لأول مرة، وأنا قد سمعت هذا الحديث؛ لأنه من الأحاديث المشهورة، لكن حينما كان يقرأه كان قلبي ينفتح له، حتى لكأني اسمعه لأول مرة، هذا الحديث هو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه أبو داود في السنن ، قال رضي الله عنه: (خرجنا في جنازة رجل من الأنصار؛ فجئنا إلى القبر ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوجدنا القبر لمّا يلحد، فجلس عليه الصلاة والسلام على شفير القبر وقال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت عليه ملائكة من الجنة ومعها حنوط من الجنة وكفن من الجنة، فيجلسون للميت على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الروح الطيبة اخرجي إلى روح وريحان وإلى رب غير غضبان ...).
المهم ذكر لي الحديث كله من أوله إلى آخره، وانتهى من قراءة الحديث حينما دخلنا أبها في ساحة البحار، وهناك سنفترق سأذهب أنا إلى مقر سكني وهو سيذهب إلى مقر سكنه، فقلت له: يا أخي! هذا الكلام من أين أتيت به؟ قال: هذا في رياض الصالحين ، قلت: وأي كتاب تقرأ أنت؟ قال: أقرأ كتاب الكبائر للذهبي، فودعته وذهبت إلى المكتبة مباشرة، وكانت آنذاك مكتبة واحدة بـأبها اسمها مكتبة التوفيق، صاحبها إدريس الحازمي ، فاشتريت منه كتاب الكبائر وكتاب رياض الصالحين ، وهذان الكتابان هما أول كتابان أكتنفهما، وفي الطريق وأنا ماضٍ إلى البيت أقول لنفسي: أنا الآن على مفترق الطرق، وأمامي الآن طريقان: الطريق الأول: طريق الإيمان ويوصل إلى الجنة، والطريق الثاني: طريق الكفر والنفاق والمعصية ويوصل إلى النار، وأنا الآن واقف؛ فأي الطريقين أختار؟ العقل يتحكم ويتدخل ويقول: الطريق الأول طريق الإيمان، والنفس الأمّارة بالسوء المغمورة بالشبهات، المدفونة بالشهوات تقول لي وأنا ماض إلى البيت: لا. امشِ الآن وسأخبرك بعد ذلك، إذا كبرت يمكن أن تتوب ويهديك الله، أما الآن فأنت لا تزال شاباً وصغيراً، فأستشير العقل، فيقول العقل: لا تطع هذه، هذه غدارة.
كل هذه الأفكار وهذه الصراعات كانت تدور في ذهني وأنا ماضٍ إلى البيت، حتى وصلت إلى البيت وأفطرنا، وبعد صلاة المغرب، صلينا العشاء تلك الليلة وصلاة التراويح، ولم أذكر أنني صليت التراويح كاملة إلا تلك الليلة، كنت قبلها أصلي ركعتين وأذهب، وأحياناً إذا رأيت أبي أصلي أربع ركعات وأذهب.
وفي تلك الليلة صليت التراويح كاملة، وانصرفنا من الصلاة، ورأساً توجهت إلى الأخ سليمان في بيته، فوجدته خارجاً من المسجد، فذهبت معه إلى البيت وقرأنا تلك الليلة في أول كتاب الكبائر أربع كبائر:
الكبيرة الأولى: الشرك بالله، والكبيرة الثانية: السحر، والكبيرة الثالثة: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والكبيرة الرابعة: ترك الصلاة، وحينما قرأناها وانتهينا منها كان ذلك قبل السحور، قلت في نفسي: أين نحن من هذا الكلام؟! فقال لي: هذا في كتب العلم ونحن غافلون عنه، قلت: والناس أيضاً في غفلة عنه، الناس الآن في غفلة لا بد أن نقرأ عليهم هذا الكلام، قال: ومن يقرأ؟ قلت: أنت. فقال: بل أنت فالقراءة سهلة ولكن من يقف، وأخيراً استقر الرأي على أن اقرأ أنا هذا الكلام.
فأتينا بدفتر وكتبنا فيه الكبيرة الرابعة: كبيرة ترك الصلاة، ومن الأسبوع نفسه في يوم الجمعة، وفي أول مناسبة وقفت في أحد المساجد وهو الذي يصلي فيه الآن الشيخ مداوي الجابر ، الذي بجوار مركز الدعوة ولعلكم تعرفونه، وكان في أبها مسجدين فقط للجمعة: الجامع الكبير وهذا المسجد، فوقفت فيه بعد صلاة الجمعة، وقرأت على الناس هذه الموعظة المؤثرة التي من يراجعها منكم يجد فيها فائدة كبيرة، وكانت السبب بفضل الله عز وجل في هدايتي واستقامتي، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يقيمني وإياكم على الصراط حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير.
الجواب: نصيحتي للشباب: هو الثبات على دين الله؛ لأن التأرجح والتقدم تارة والتأخر أخرى هذا يدل على عدم استقرار اليقين في النفس البشرية؛ لأن المؤمن حينما يدخل في طريق الله يجب أن يدخل دخول الجازم الصادق الذي لا ينتابه أدنى شك في صحة الطريق الذي هو عليه، وفي صحة الغاية التي يسعى إليها، وأنه على الحق ولو خالفه أهل الأرض، هذا الشعور إذا توفر في بداية الطريق؛ فإن هذا كفيل بإذن الله أن يستمر الشاب على الطريق المستقيم.
لكن هناك عقبات وعوائق تقف في طريق الشاب، وعليه ألا يتوقف عندها؛ لأن التوقف هو بداية الانهزام، بل عليه أن يأتي إلى كل عقبة بقوة وعزيمة، شأنه في ذلك شأن العربة أو المركبة أو السيارة التي يقودها قائدها، فيرى أن أمامه عقبة أو طلعة؛ فإنه إن صعد بعزم أسفل الطلعة تمكن من الصعود، لكن لو أخذ بعزم ثم في منتصف الطلعة توقف فإنه لن يستطيع المواصلة، وطريق الله عز وجل طريق فيه صعوبة، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فلا بد من القوة، وخير ما أوصي به الشاب لئلا يتأرجح: ما ذكره الإمام سيد قطب شهيد الإسلام رحمه الله في أول كتابه العظيم معالم الطريق ، حينما تحدث عن الجيل القرآني، وقال: إن القرآن هو القرآن، وإن السنّة هي السنّة، وإن مقومات هداية الجيل القرآني لا تزال موجودة إلى الآن وفي كل يوم إلى قيام الساعة، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته ضرورية لبقاء الدين لما اختاره الله إلى جواره، ولكن الدين باقٍ رغم موته صلى الله عليه وسلم.
ولكن ما هي الميزة التي تميز بها الجيل القرآني الفريد الذي عاش في عهد الإسلام، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الميزة تنقسم إلى ثلاث ميزات:
أول ميزة: وحدة التلقي.
وهي: عدم تلقي أي شيء إلا من القرآن ومن السنّة؛ لأن الشاب إذا أخذ من القرآن والسنّة، وأخذ من مصادر أخرى حصل عنده خلط في التلقي، وتشويش في الفكر، وانحراف، لكن حينما يقصر نفسه على أن يتلقى فقط من الكتاب والسنّة ومن أخيه في الله الذي يجلس معه، فهذا لا شك أنه يجنبه الخلط في التلقي، ولهذا لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم نسخة من التوراة بيد عمر يقرأها غضب عليه عليه الصلاة والسلام وقال: (أفيّ شك يا
الميزة الثانية من ميزات الجيل القرآني الفريد: أنهم كانوا يدخلون في الهداية والدين، ويقطعون كل صلة لهم بالجاهلية التي كانوا فيها، ما كانوا يدخلون في الإسلام ولهم جذور أو لهم روابط تربطهم بالماضي، كمن يهتدي وهو يحب الغناء، أو يهتدي وهو يحب النظر المحرم، أو يهتدي وهو يحب الكرة، أو يهتدي وهو يحب السهر، لأن هذا سيبقي له روابط بالجاهلية، وهذه الروابط مهما كانت يسيرة إلا أنها تؤثر في سيره، وربما تعيقه وترده، فعلى المسلم إذا أراد السير في طريق الإيمان أن يقطع كل صلته بالجاهلية، وأن يدخل الإسلام وهو منقطع عن كل التصورات الأخرى، وأن يخلع ملابس الجاهلية على عتبة الإسلام.
الميزة الثالثة التي لا بد منها، والتي كانت من أبرز ميزات الجيل القرآني: أنهم كانوا يأخذون القرآن والسنة للعمل والتطبيق، لا يأخذونه للاستزادة أو للمتعة، ولا للمباهاة والرياء، وإنما للتطبيق، ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما كنا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن، ونتعلمهن، ونعمل بهن، ونطبقهن) عشر آيات! ويروى أن ابن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنوات، قراءة العلم والتدبر والتطبيق والعمل، لكن إذا قرأ الإنسان القرآن لمجرد الحفظ من أجل يأخذ جائزة، أو من أجل أن الحفظ مقرر عليه في مرحلة دراسية معينة، أو من أجل أنه يحوز به مرتبة أو شيئاً ما فلا ينتفع بالقرآن.
ولكن إذا قرأ القرآن آية آية وطبق، وكلما مرت عليه آية من آيات الأوامر سأل نفسه: هل هو ملتزم بهذا الأمر، وكلما مرت عليه آية من آيات النواهي سأل نفسه: هل هو منتهٍ عن هذا النهي، لأن القرآن هو كتاب الله إليك أيها المكلف، فأنت معني بهذا الخطاب أمراً ونهياً، وخبراً وإنشاءً، وقصصاً واعتباراً، وكل ما في القرآن أنت مخاطب به، فتسأل نفسك، فإذا أخذت القرآن على هذا النحو من الأخذ والتلقي بقصد العمل، يحصل للإنسان الهداية، أما إذا أخذه بغير هذا القصد فلا يحصل له المراد، فهذه وصيتي لمن أراد أن يسير في الطريق، وألا يتذبذب ويتأرجح كما نسمع بين مد وجزر، وبين سقوط وصعود؛ لأنه يُخشى على من يسقط ألا يقوم، القلوب تغيراتها عجيبة جداً، والإنسان ضعيف، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ...).
وهذا فيه حث من النبي صلى الله عليه وسلم على أن يستمر الإنسان في عمل أهل الجنة حتى يموت، ولا يعمل بعمل أهل النار لحظة واحدة، فقد يموت وهو يعمل عمل أهل النار؛ فيُكتب من أهل النار، وفي الحديث نفسه قال: (... وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) وفي هذا الحديث أيضاً حث على أن من يعمل بعمل أهل النار عليه أن يسارع بالتوبة إلى الله، وأن يعمل بعمل أهل الجنة، فقد يموت حين يعمل بعمل أهل الجنة، هذا هو مفهوم الحديث ومنطوقه بارك الله فيكم.
الجواب: العناية الزائدة باللباس وبالمظهر تدل على نقص يشعر به الإنسان في نفسه، ويحاول أن يستعيضه عن طريق الشكل العام، وإلا فإن الشكل لا يعطي الدليل الصحيح على قوة المؤمن ويقينه، صحيح إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، والله جميل يحب الجمال، وقد أمرنا الإسلام بالطهارة والنظافة، وأن نلبس جميلاً، وأن نركب جميلاً، وأن نسكن جميلاً، ولكن في حدود المعقول، أما المبالغة في ذلك بحيث لا يخرج الإنسان إلا في ثوب معين، ولا يخرج إلا بغترة مكوية على نمط معين، وفي حذاء معين، أو يشرب شراباً معيناً، فهذه المبالغة تدل على نقص وضعف في الإيمان.
الجواب: الكرة وثن من أوثان الجاهلية الحديثة، وإذا كانت بنو إسرائيل فتنتهم في العجل؛ فُفتنت هذه الأمة في هذه الكرة. إن جلد الحمار المنفوخ فتن الناس شيبهم وشبابهم، رجالهم ونساءهم، كبارهم وصغارهم، حتى غدت أمتنا حقيقة أمة الكرة لا أمة القرآن ولا أمة السيف والجهاد، وانشغال طلبة العلم بها، والاهتمام بها، والاهتمام الذي يحدث يدل على ضعف اليقين، وعلى ضعف الإيمان بالله عز وجل، ولا ينبغي للمؤمن أن ينشغل بهذه التراهات والحماقات التي هي أصلاً ليست وليدة المجتمعات الإسلامية، إنها وليدة المجتمعات الضالة التي لا هدف لها ولا رسالة، ولا دور في قيادة البشرية، وإنما مجتمعات كافرة ضالة أوجدت مثل هذه اللعب لتشتغل بها، ثم نقلتها إلينا نحن المسلمين واشتغلنا بها، وظلت هي تشتغل بما هو أهم، فما ينبغي للمسلم أن يعطي هذه الأمور من التفاهات أي شيء من وقته، هذا بالنسبة للكرة وللمباريات.
أما المسلسلات، فهذه أخطر وأشد فتكاً بعقيدة المؤمن وأخلاقه؛ فهي تصل إلى درجة الحرمة، إذ لا ينبغي للمسلم أن يرى امرأة تمثل، ولا ينبغي للمرأة أن ترى رجلاً يمثل، ثم إن التمثيليات والمسلسلات في حقيقتها هي عبارة عن قصص مكذوبة ليست حقيقة، كاتب روائي كذاب يختلق قصة من عقله، ثم يأتي بسبعة أو ثمانية من الممثلين الكذّابين ليؤدوا هذه التمثيلية كلٌ في دور معين، ثم يشغلون بها الناس، هذه كلها من الأشياء التي ينبغي للمسلم أن يتـنـزه عنها، وألا يشغل حياته وفكره بهذه الخزعبلات.
الجواب: سهرات الشباب مع بعضهم بدون فائدة ظاهرة مرضية ينبغي أن يتداركها الشاب قبل أن تستفحل فتقضي عليه؛ لأن الوقت هو عمرك أيها الشاب، فإن لم تستدركه وتستغنمه في شيء يعود عليك بالنفع في الدنيا أو في الآخرة، وإلا فإنك تقتل عمرك وتنتحر من حيث لا تدري، ونحن الآن ليس عندنا فراغ حقيقة، بعض الشباب يقول: أنا فاضٍ ليس عندي شيء أبداً، فنقول لهذا: إن لدينا من الأعباء والمسئوليات والواجبات ما لو أن عندنا أضعاف أضعاف الوقت الذي عندنا ما ملأناه، نحن الآن ما فرغنا من حفظ كتاب ربنا، ولم نفرغ من معرفة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم نفرغ من معرفة تاريخ أمتنا، ولا من سيرة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وما فرغنا أيضاً من معرفة التفسير، ولا من معرفة مصطلح الحديث، ولا قراءة متون العلم، هذه كلها واجباتنا ومسئولياتنا.
لو سألت طالباً من طلبة العلم عن تفسير آية من كتاب الله ما عرفها، وتجده جالساً، فتقول له: ما بالك؟ قال: فارغ بلا عمل كيف تكون فارغاً وابن كثير جالس بجوارك ما تسأله عن تفسير هذه الآية؟! أنت فارغ وما عرفت تفسير هذا الحديث؟! كيف أنت فارغ وأنت ما عرفت هذه المسألة الفرضية؟!
إن أوقاتنا مليئة لو أردنا أن نملأها، لكن إذا غاب العقل والتفكير عن المسئولية والواجب نبذ الفراغ، لأنه إذا وجد الفراغ استغله الشيطان ليملأه بالباطل.
الجواب: وهذه مشكلة المشاكل حقيقة، إن الدين والالتزام يحث الشاب المؤمن على كل فضيلة، وينهاه عن كل رذيلة، ومن الفضائل التي يحث عليها أن يكون له قدم السبق في كل مجال، سواءً كان هذا المجال علماً شرعياً أو علماً دنيوياً، لنثبت للناس أننا سبَّاقون في كل ميدان، وحتى لا يتصور الناس أنني بمجرد أن اهتديت أصبحت منعزلاً في الزوايا، ولا أقيم للحياة وزناً، فيُتصور للناس أن هذا الدين هو الذي حثني على هذا القصور، لا أبداً، إن الدين يحثك على عمارة الدنيا والآخرة، ويطلب منك أن تكون سبَّاقاً في كل ميدان؛ لأنه بهدايتك والتزامك استطعت أن توفر من وقتك وجهدك، فتصرف الوقت والجهد في المجال الذي أنت فيه؛ فإذا كان ترتيبك متأخراً يوم أن كنت ضالاً فإنه ينبغي لك بعد الهداية أن يكون ترتيبك الأول أو الثاني.
يقول الشاعر:
ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر |
الجواب: حضور حلقات العلم في المساجد شيء مطلوب للمؤمن وللشاب الملتزم؛ لأنها وجبات روحية يتعب مقدموها في تجهيزها وتحضيرها، وأنت إذا أردت أن تتناول وجبة تعدها أنت بنفسك لزمك أن ترجع إلى عدة مراجع حتى تهيئ لك وجبة متكاملة، لكن العالم أو طالب العلم الذي التزم بأداء درس معين في مسجد معين، فإنه قبل أن يأتي يهيئ لك هذا الدرس، ويجمع لك أطرافه، ويحصر لك مشتقاته، فتأتي على وجبة جاهزة، فحرصك على هذه الجلسة أو على هذا الدرس دليل على حياة قلبك، وعدم حضورك لهذا الدرس أو ضيقك فيه دليل على مرض قلبك، أو على موته والعياذ بالله.
لذا كان من أوجب الواجبات على كل شاب مسلم أن يحرص على مجالس الذكر، وأن يتابع العلماء، وقدوته في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وسلف هذه الأمة، الذين كانت حياتهم كلها حلق علم، ومجالس ذكر، ينتقلون من حلقة إلى حلقة، ومن علم إلى علم؛ لأن العلم إذا وجد على يد عالم كان له أثر في النفس، بعكس العلم الذي تأخذه من كتاب فقط، فقد تأخذ من الكتاب وتفهم شيئاً لم يرده صاحب الكتاب، ولكن بالتلقي من عالم أو من طالب علم تفهم العلم على حقيقته، وإذا حصل لديك إشكال يكون بإمكانك بعد الدرس أن تقف معه، وأن تستوضح منه وتستفهم حتى يزول الإشكال، فتبني علمك وثقافتك الإسلامية على أساس متين من الفهم والوضوح.
الجواب: الكتب الإسلامية والمواضيع الشرعية هي بمنزلة وجبات الروح، وعدم الإقبال عليها يدل على مرض الإنسان، مثل وجبات الطعام التي تقدم له، فعدم الإقبال عليها يدل على مرض، فمثلاً الذي لا يأكل الطعام الطيب، فالعلة ليست في الطعام، لكن الرجل هو المريض، معدته مريضة.. جسمه غير قابل للطعام.
وكذلك الكتب الإسلامية والشرعية طيبة، لكن عدم الإقبال على قراءتها يدل على مرض المعرض نفسه، لا على عدم صلاحيتها، فهي صالحة وطيبة، ولكن من أراد الشفاء فعليه أن يُلزم نفسه بالقوة ولو كانت نفسه لا تريد.
فأنت حين تتناول كتاباً من كتب العلم في بدايته تشعر بضيق وانقباض، ولكن ألزم نفسك بالقراءة، حتى ولو شعرت بالانقباض أو عدم الارتياح، وإذا جاءك النوم وأنت تريد أن تقرأ وكنت مستلقياً فاجلس، وإذا جاءك النعاس وأنت جالس؛ فاذهب وتوضأ واغسل وجهك ثم ارجع واقرأ، وألزم نفسك بالمداومة مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً حتى تصبح القراءة خلقاً لك، بحيث لا يمكن أن تجلس إلا على قراءة.
وحاول أن تستفيد من كل لحظة، بحيث يكون عند رأسك عندما تنام كتاب، وعند مقعدك وأنت جالس في غرفة الجلوس مع أهلك بعض الكتب، وتتناول في كل مناسبة كتاباً، ثم لتكن قراءتك واطلاعك قراءةً ذات قيمة ومعنى، فالقراءة ذات القيمة تقتضي أنك إذا حصلت على شيء مفيد لا تذهب عنه بسرعة بل ردده، أي: ارجع إليه مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً حتى تهضمه، ثم بعد ذلك إذا أردت أن تنقله في ورقه فقم بنقله وهذا لا شك أفضل، وإذا نقلت هذه الفائدة في ورقة فانقلها لأول شخص تلقاه من إخوانك، لأنك حينما ترددها ترسخ في ذهنك، وحينما تنقلها تزداد رسوخاً، وحينما تبلِّغ بها أخاك في الله تزداد رسوخاً أيضاً، وحينما تقولها لأهلك في المجلس في مناسبة قادمة تزداد وتزداد.
ولكن مجرد القراءة العابرة لا تجزئ في الثقافة، لأنها عبارة عن معلومة تطرأ على ذهنك وتمسح التي قبلها، لكن القراءة المتيقنة الراسخة تثبت في ذهنك، وبهذه القراءة تستطيع أن تحصِّل العلم، بمعنى: أنه بمجرد أن يمر عليك شهر أو شهران أو ثلاثة إلا وقد أصبح عندك حصيلة علمية وثقافية كبيرة من جراء القراءة الرزينة، أما القراءة التي ليس لها تأكيد فإنك مهما قرأت لا يمكن أن يستقر في الذهن منها شيء؛ لأن كل معلومة جديدة تمسح التي قبلها؛ لأنها لم ترسخ في ذهن الإنسان.
الجواب: حقيقةً إن ممارسة الدعوة عن طريق الخطابة عمل له سلبيات وإيجابيات، فمن سلبيات هذا العمل: أنه يدعو النفس إلى الرياء؛ لأنه يحصل للإنسان إذا وقف يتكلم أمام الناس من الثناء والإعجاب والتقدير ما يغلب على طبعه كبشر، فيحول نيته من الله إلى الناس، وبهذا يفسد عمله، فلا يجعل الله عز وجل لكلامه قبولاً في قلوب الناس؛ لأن هذا الدين من خصائصه أنه إذا أريد به وجه الله انتُفع به، وإذا أريد به وجو الناس زل الكلام من آذانهم كما يزل الماء من على الصفا، فما ينتفع الناس بكلامه مهما كان بليغاً، وهذه من سلبيات الخطابة.
أما إيجابياتها فكثيرة جداً، أولاً: أنها تدفع الشاب الملتزم إلى البحث ليقدم الجديد للناس.
ثانياً: أنها تدفعه إلى الالتزام بما يقول للناس، إذ من العار والعيب عليه أن يقف ويقول: صلوا، وهو لا يصلي، أو لا تغنوا وهو يغني، أو يحذرهم من النظر إلى المحرم وهو ينظر إلى المحرم؛ لأنه يضع نفسه بالدعوة في موضع القدوة، والشيطان حريص على ألا تضع نفسك في موضع القدوة، فالشيطان يريد باستمرار أن تبقى مجهولاً أو مخفياً بحيث يستطيع أن يمارس عليك ضغطه ويستطيع أن يهزمك بممارسة المعصية، لكن يوم أن تشعر أنت بأنك قدوة في المجتمع، وأن لك مكانة معينة، وإذا أردت أن تسقط جاءك الشعور الإيماني كيف تسقط وأنت تقول كذا، فيدفعك هذا إلى الاستقامة باستمرار.
وعامل الحياء الذي يرد على الشاب حينما يريد أن يقف في مثل هذه المواقف هو حياء شيطاني ليس من الله، وإنما هو من الشيطان بواسطة التخذيل والتخويف لئلا تقف في هذا الموقف؛ لأنك حينما تقف تنصِّب نفسك لمعادة الشيطان، وهو لا يريد أحداً أن يعاديه، فربما إذا وقفت يُشعرك بالحياء والخجل والغلط أول مرة، وربما يسلط عليك بعض أصحابك فيضحكون عليك، ويقولون: أنت أخطأت، وأنت قلت، ولكن إذا علم الله منك صدق النية واليقين وسلامة القصد بأنك لم تقف إلا لوجهه، ولا تريد من هذا الوقوف إلا إبلاغ دين الله، فإن الشيطان لا يمكن أن يقف في طريقك، وعليك أن تستمر وتبدأ الطريق، ولا يهمك بعد ذلك أية معوقات، ولعل الله أن يهدي على يديك ولو رجلاً واحداً من هذه الأمة.
الجواب: من الصعوبات الحقيقية التي تصادف الشاب أن يبتلى بأبيه أو بأمه أو بإخوانه في بيت لا يعينونه على طاعة الله عز وجل، هذه من أعظم المعوقات، وقد ضرب الله لنا الأمثلة في القرآن الكريم بأنبيائه ورسله الذين وُجِهوا بمثل هذه الصعوبات، فهذا نوح عليه السلام تقف في وجهه امرأته وولده، وهذا لوط عليه السلام تعانده امرأته وتكذبه ولا تؤمن به ولا تصدقه، وهذا إبراهيم عليه السلام يقف في وجهه والده، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف في وجهه عمه وكافله وحاميه أبو لهب ، هذه الأمثلة جاءت لتعزية المسلم وتسليته وإخباره بأنه ليس الوحيد في هذا الطريق، وأن الهداية ليست بيد الإنسان، وإنما هي بيد الله عز وجل.
فأنت حينما تهتدي وتجد أن أباك أو أمك أو أختك أو أخاك أو بعض أقاربك يقفون في وجهك، فعليك أن تثبت أولاً، وألا تتزعزع، وأن تسير في الطريق بدون تردد.
أما الأسلوب الذي يجب أن تتبعه في دعوة الوالدين والإخوة فهو أسلوب الرفق واللين والصبر وعدم التصدي، وعدم ممارسة الأوامر والنواهي، لأن من عرف أنك صغير استحقرك، ولأن الوالدان باستمرار لا يريدان أن يتلقيا التوجيهات ممن هو أصغر منهم؛ لأنهما إذا رأوه يأمرهما وينهاهما وهما يعرفان ماضيه بأنه كان طفلاً صغيراً، وأنه عبر أطواراً معينة حتى بلغ مبلغ الهداية، فيقيسونه بماضيه وصغره وجهله وعبثه، يقولون: هذا اللعاب أصبح يهدينا ويأمرنا وينهانا، يا ألله! اذهب فالعب، فتجد الأب يضرب ولده والأم تضرب ولدها، لماذا؟ لأنه جاءهم بصيغة الأمر والنهي.
ولكن عليه أن يمارس الدعوة برفق وبحساسية وبدقة، وعليه أن يستغل الفرص فلا يمارسها في كل وقت؛ لأن النصح في كل وقت يؤدي إلى الضجر والملل والرفض، لكن عليه أن يلتزم هو في ذاته، وإذا رأى فرصة مناسبة لدعوة والديه فلا يتركها، مثل قضايا الموت، فإذا سمع أن فلاناً مات يستغل ذلك، أو حضور جنازة، أو كسوف الشمس، أو خسوف القمر، أو هبوب الريح، أو وجود أمطار، أو شهر رمضان، أو موسم الحج، أو أية مناسبة دينية تحصل له، فعليه أن يستغل هذه المناسبة ويورد شيئاً مما يمكن أن يقبله والده أو والدته حتى يتأثرون.
أيضاً: يستعين بالأشرطة الإسلامية؛ لأنهم قد لا يثقون في الكلام الذي ينقله بذاته؛ لأنهم يعلمون بصغر سنه، يقولون: ما هذا الكلام الذي قلته لكن إذا جاءهم شريط من عالم بشرط أن يكون هذا العالم موضع ثقتهم، فلا يأتي بأحد ليس موضع ثقة؛ لأنه إذا زعزعت ثقتهم في العالم أو الداعية الذي يسمعون كلامه، كأن يكون له سلوك سيئ، أو مواقف ليست مشرفة في الدين، فإذا سمعوه يكرهونه ويكرهون الدين، لكن يسألهم ويعرف ويتعرف من الذي يحبونه من الدعاة أو من العلماء؛ فيأخذ الشريط الذي يناسبهم ويعطيهم إياه، ويدعو الله تبارك وتعالى في صلاته في الليل، وفي صلاته في الفريضة، وفي سجوده يدعو الله أن يهديهم، فيكون مكلفاً لمسئوليتين: يدعو الله أن يهديهم، ويدعوهم إلى الهداية الله، ففي الليل يدعو الله لهم، وفي النهار يدعوهم إلى الله عز وجل.
وهكذا بالنسبة للأخ، خصوصاً الأخ الأكبر، ينبغي أن يمارس معه نفس الأسلوب الذي يمارس مع الوالد، أما الأخ الأصغر فله أسلوب آخر، فكلما كان الأخ أكبر من الثاني فإن الصغير يريد أن يقتدي به، فهذا الأخ الصغير ينبغي أن تشمله بعطفك، ورعايتك وحنانك، وأن تقدم له كل ما تستطيع من الإعانة المادية، ولو على حساب مصلحتك أنت، المصاريف التي أنت تتناولها يومياً أعطه إياها، أشعره بأنك تحبه وترحمه، لا تذهب مكاناً إلا وهو معك، إذا ذهبت تشتري شيئاً اشتر له قبلك، ومن ثم أخدمه، فإذا أراد شيئاً أعطه إياه، لا تحاول أن تستخدمه حتى يحبك، فإذا أحبك ورأى منك هذا الخلق فإنه رأساً يتشبث ويقتدي بك.
ومن ثم تهدي له، خصوصاً من الأشياء التي يحبها مثل: الملابس، والأحذية، والكتب، والأدوات الدراسية، عندما تفتح حقيبته وترى أنه ليس عنده علبة هندسة، تذهب وتشتريها له بخمسة ريالات وتعطيه، تقول: هندستك قديمة هذه هندسة جديدة خذها، أو تعطيه قلماً، أو تساعده في حل واجباته، فإذا كان لك إخوة صغار فهؤلاء هم أعظم خامة بالنسبة لك، فيمكن لك أن تشكلهم على ما تريد أنت، لكن إذا كنت الكبير وأنت الملتزم فيهم، بينما تمارس على أخيك الصغير الضغوطات: قم وهات.. وافتح الباب.. واطلع.. وانزل.. كرّْهته فيك، وإذا بك تدعوه فيكرهك أكثر، فهذا أسلوب نافع بإذن الله عز وجل.
الجواب: هذه المقولة صحيحة إلى حد ما؛ لأن قوة البداية وحسنها لها أثر في استمرارية الإنسان في دين الله، أما ضعف البداية وعدم وضوح النية فيها فقد عده العلماء من أسباب الردة في دين الله عز وجل؛ أي أن الأشياء التي يُحبط بها دين الإنسان ويرتد بها عن الدين، هي أن تكون بدايته أصلاً لغير وجه الله، أو أن تكون هزيلة، أو لغرض مادي أو شهواني، فهؤلاء قليل منهم من يتجاوز الطريق ويصل، وغالباً ما ينقطع ويعجز عن الوصول؛ لأن الدافع في الأصل ضعيف، وحينما يكون الدافع ضعيفاً لا يمكن له أن يواصل السير.
لكن حينما تكون البداية قوية والدافع قوي، يترتب على هذا دفع قوي؛ لأن هذا دين الله، والله تبارك وتعالى يقول: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ [الأعراف:145] ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:5] وطريق الإيمان طريق ليس مفروشاً بالزهور ولا بالورود، وإنما طريق شائك، طريق فيه تمرد على النفس، فيه تحرر على الطباع والشهوات، وفيه انقلاب على الأهواء والملذات، يُطلب منك إذا اهتديت أن تغير كل شيء، تغير سمعك فلا تسمع إلا شيئاً جديداً عما كنت تسمع ، تغير نظرك وأصدقاءك، وطباعك، وبرامجك، وكتبك وأشرطتك، وتغير حتى أسلوبك في الأكل، والنوم، والتعامل، والسير في الطريق، كل شيء في حياتك يحصل فيه انقلاب رأساً على عقب.
أما الذي يدخل بضعف؛ فالضعيف لا يستطيع أن يقوى على شيء، فلا بد للمؤمن أن يدخل بقوة وبعنف وألا يتردد، هذه في مقامه مع نفسه.
أما مع غيره في أسلوب الدعوة فلا ينبغي له أن يكون عنيفاً؛ أي: مع نفسي آخذها بأعلى درجات الكمال، ولكن مع الناس آخذهم برفق؛ لأن الشدة معهم مصادمة ومضادة للأسلوب النبوي، أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دلنا عليه وأمرنا به، والذي أخبرتنا به سنته هو اللين، يقول عليه الصلاة والسلام: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) وكان ليناً صلوات الله وسلامه عليه: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) والله تبارك وتعالى يقول: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
فإذا كنت تدعو أخاك أو أمك أو أباك أو صاحباً لك يجب أن يكون هذا بتدرج ولطف ورفق، أما دعوتك لنفسك فبأقصى درجات الحزم؛ لأن النفس إن لم تحزم عليها، وتأخذها بقوة وتفطمها بعنف تمردت، والناظم يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم |
فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصمي أو يسم |
فخذ نفسك بالقوة، لا ترض أن تتزحزح، أو أن تتراجع، أو أن تتخاذل أمام شهوات النفس؛ لأنها أمَّارة بالسوء، ولكن لا تزال بها بقوة حتى تبلغ بها درجة اسمها درجة الاطمئنان، وهي النفس المطمئنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
الجواب: دور الشاب الملتزم تجاه إخوانه في بيته أوضحته فيما سبق، أما تجاه زملائه في الصف أو الأصدقاء في الحي أو الرفاق في المسجد والمصلى، فهو دور بارز وذو أهمية كبيرة ينبغي أن يوليها الشاب أكبر الاهتمام، وأول مرحلة ينبغي أن يتمسك بها هي القدوة؛ لأن القدوة دعوة عملية، تقنع الناس بصلاحية ما عندك أيها الشاب، وأقوالنا ما لم تكن مترجمة في سلوكنا وأعمالنا، وإلا فإننا ندعو الناس بألسنتنا إلى الإسلام، ونطردهم بأعمالنا من الإسلام، ودائماً الفعل أشد تأثيراً ووقعاً من القول، فالقول يسهل على كل واحد أن يقول، لكن الالتزام والفعل صعب جداً.
فأول ما ينبغي للشاب الملتزم أن يكون قدوة في سلوكه وتصرفاته مع زملائه، قدوة في التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة: من الصدق، والعفة، والمروءة، والشهامة، والكرم، والنجدة، والصبر، والوفاء بالوعد، والبذل، والإخلاص، والتضحية، هذه كلها أخلاق إسلامية إذا توفرت فيك أحبك الشباب، وأحبوا أن يكونوا مثلك.
ثانياً: القدوة في العبادة، بحيث يرونك دائماً الأول: الأول في الصف، الأول في الروضة، الأول في كل خير، والأول في الندوة وفي جلسة العلم، بهذه الأولوية تكون قدوة؛ لأن الشاب الذي يراك يقول: لماذا هذا الأول وأنا لا أستطيع؟! لكن حينما يراك تأتي في مؤخرة الصفوف، وهو لا يأتي أصلاً فإنه لا يبالي، فلا بد أن تكون قدوة في العبادة إلى جانب القدوة في الأخلاق.
والقدوة الثالثة: قدوة في ترك المعاصي والذنوب؛ لأن الذنوب والمعاصي حجاب بين العبد وبين الله عز وجل، فإذا أردت من الناس ألا يقتدوا بك في هذه الأشياء فعليك أن تبتعد أنت بنفسك عنها، وعن ممارستها أو القرب منها، يقول لي أحد الشباب: كنت أسمع داعية يدعو إلى الله باستمرار في المساجد، يقول: فأتت مناسبة من المناسبات فذهبت أنا وإياه في وليمة، وكنت أقود السيارة وكان بجواري، يقول: وفي الطريق دخلنا على إحدى القرى، وفجأة عرضت أمامنا فتاة وكانت متبرجة، يقول: فأنا اعتبرت هذا الموقف بمنزلة الاختبار لهذا الداعية، فجلست أرصده، أرى ماذا سيفعل، هل سينظر، أم سيغض بصره؟ يقول: فنظرت إليه وأنا أقود وإذا به منكساً رأسه، نكس رأسه وهو يستغفر الله عز وجل، يقول: فكان لهذا الفعل منه أكبر الوقع والأثر في قلبي، إذ أن هذا العمل أثر بي أعظم من ألف موعظة سمعتها في غض البصر، لكن لما رأيته يغض بصره والمرأة أمامه وهو شاب مثلي، ولديه مثلما لدي من الرغبة في النظر، ولكن الذي منعه خوفه من الله، يقول: فغضضت بصري من ذلك الوقت، وأصبح هذا الموقف مرسوماً في عيني إلى أن أموت.
فالقدوة مطلوبة في ترك المعصية، ومطلوبة في الحرص على الطاعة، ومطلوبة في التحلي بالأخلاق الإسلامية.
ثم بعد القدوة ممارسة الدعوة بالأسلوب اللين عن طريق الإكرام، أهم شيء -أيها الإخوة- نستطيع به كسب الناس: إكرامهم، ومحبتهم، وإشعارهم بقيمتهم، وعزيمتهم، والإهداء لهم، ولو بالعبارة الطيبة، أو البسمة الطيبة، أو حتى بتقديم الحذاء له وهو خارج، أو بتقديم أي خدمة له، فبهذا أكسب مودته ومحبته، فإذا كسبته وأصبح يحبني عندها أي كلام ألقيه عليه يستجيب، ولهذا تعرفون كيف أن الله عز وجل اختار من البشر أحب الخلق إلى الخلق، صلوات الله وسلامه عليه، فكانوا يسمونه الصادق الأمين، وكان محبوباً على مستوى جميع طبقات قريش فكلهم يحبونه، فاختاره الله عز وجل لمنزلته من قلوب الناس، لكن لو اختار واحداً مبغوضاً فلن يحب أحد هذا الدين، لأنك إذا كرهت إنساناً كرهت الحق الذي معه، وإذا أحببت إنساناً أحببت حتى الباطل الذي عنده.
ولهذا ترون أن أهل الباطل الآن يجذبون الشباب بالمغريات، وعن طريق الرحلات والشهوات والهدايا، فنحن أولى بأن نجذب إخواننا وزملاءنا في الفصول؛ وفي المسجد، وفي الحي عن طريق الإهداء وكسب المحبة، ثم الرفق بهم، وعدم العنف، وعدم تحميلهم أكثر من طاقتهم، نريد أن يصبح الشاب وفق إمكاناته هو، لا وفق أن نسحبه سحباً؛ لأنك إذا سحبته ثم تركته انفلت وتفلت، لكن إذا مشى معك بذاته ثم تركته فلا يزل على مكانه.
فرق بين من تحمله وبين من يحمل نفسه، من تحمله أنت إذا تركته انفلت، لا ينفع إلا أن تجلس معه باستمرار، وإذا تركته أخذ ينظر إلى النساء، ويسمع الأغاني، لكن من يمشي معك وهو يحمل نفسه، إذا تركته فهو مكانه لا يزل، لماذا؟ لأنه يسير بنفسه لا بحملٍ منك، فدعه يسير على مقدار إمكاناته، وأما دورك فيكون في تشجيعه وفي حمله على أن يصير بنفسه لا بحمل منك أنت.
الجواب: بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً، أما الوصية التي أوصي بها نفسي، وأوصي بها إخواني، فهي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين التي قال الله فيها: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] وتقوى الله هي مراقبته، وأن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية من العمل الصالح، وأستطيع أن ألخص هذه الوصية في ست فقرات أو ست وصايا بإذن الله، تكون إن شاء الله نافعة للإنسان السائر إلى الله عز وجل:
الوصية الأولى: قراءة القرآن الكريم.
بأن يكون لك ورد يومي من كتاب الله عز وجل، لا يمكن أن تتأخر أو تتخلف عنه بحال من الأحوال، ولو لم يكن هذا الورد كثيراً، ولو صفحة واحدة تقرأها وتعرف تفسيرها ومعناها، كوجبة روحية لقلبك في كل يوم، وأنسب الأوقات وأفضل اللحظات لقراءة القرآن بعد صلاة الفجر؛ لأن النفس صافية، والذهن موجه للاستقبال، وأي شيء تقرأه أو تسمعه في تلك اللحظات يثبت؛ لأنه بعد استراحة، وكذلك في بداية يوم جديد؛ لأنك تكون فيه نشيط العقل والذهن، فهذه الوصية الأولى وهي: قراءة كتاب الله وقراءة تفسيره ومعانيه، وأوصي بقراءة تفسير ابن كثير لمن أراد التوسع، وقراءة تفسير في ظلال القرآن لمن أراد الفكر الناصع الدعوي الحي، وقراءة تفسير صفوة التفاسير فإنه يعطي شيئاً من المفاهيم التي جمعها من معظم التفاسير.
الوصية الثانية: أن يكون لك في كل يوم حديثاً واحداً تقرأه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا بد ألا يمر عليك يوم إلا وقد قرأت حديثاً واحداً، وخير كتاب يوصى به في هذا: كتاب رياض الصالحين ؛ فإنه كتاب قيم، اشتمل على كل الإسلام بأصح الأحاديث؛ فليس فيه حديث موضوع، كل أحاديثه تدور بين الصحيح والحسن، وليس فيه حديث موضوع أبداً بأي حال من الأحوال، وقد ذكر أهل العلم أن فيه سبعة عشر حديثاً ضعيفاً، ولكنها في فضائل الأعمال، وقد جوزوا الاستشهاد بها، فيجب أن تقتني هذا الكتاب، وأن يكون عند رأسك، وأن تقرأ كل يوم ولو حديثاً واحداً، فإذا فهمت الحديث فالحمد لله، وإذا لم تفهمه رجعت إلى تفسيره، وتفسيره في كتاب اسمه: دليل الفالحين شرح رياض الصالحين ، وهو أربع مجلدات شرح فيه رحمه الله رياض الصالحين .
الوصية الثالثة: أن تحرص على مرافقة الصالحين.
لأن الطريق شاسع، وإن لم يكن معك أخ في الله يعينك، وإلا فإنك سوف تتردد، والأخ هذا الذي سوف تمشي معه هو من يسحبك ويعينك على طاعة الله لا من يخذلك، فإذا مشيت مع واحد ووجدت أن عنده ضعفاً في الدين فاحذر منه؛ فإنه يعيقك عن الإتيان في طريق الله.
الوصية الرابعة: أن تحذر كل الحذر من رفيق السوء الذي يزين لك الباطل.
فكم من إنسان كان شعلة في الهداية، ولكن بجلسة واحدة مع صاحب سوء رده ونكسه والعياذ بالله: (فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فبجلسة واحدة تؤمن، وبجلسة واحدة تكفر، فلا بد من اختيار الزميل، لا تقول: فقط هذه الرحلة، لا. أنت إذا جلست مع شخص أجرب أو شخص عنده سل أو كوليرا أو إيدز، لا تجلس معه لحظة واحدة، هذا والله الذي عنده طعن في دينه، وشك في عقيدته، وفسق في أخلاقه، والله إنه أخطر عليك من كل خطير.
الوصية الخامسة: عليك أن تجتهد كل الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، حافظ على جميع الأوامر الربانية؛ لأنها غذاؤك ووقودك في السير إلى الله، فالسيارة لا تمشي إلا بوقود، وأنت لا تستطيع أن تعيش إلا بغذاء، فغذاؤك في طريقك إلى الله كثرة العبادة، حتى ترق روحك وتصير شفافة؛ لأن من الناس من لديه حماس للدين لكن عنده ضعف في العبادة، فهذا لا ينفع، تجده يحترق على الدين من قلبه، لكن لا يصلي في المسجد، فلا بد أن يكون لك قوة عبادة مثل: كثرة الأذكار؛ أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال والمناسبات، أيضاً كثرة القراءة، وكثرة النوافل سواءً كانت هذه النافلة الضحى، أو نافلة صلاة الفجر التي بعد الشروق، أو نافلة التهجد في الليل.
أما السنن والرواتب فإنها بحقك أنت مثل الفرائض فلا تتركها أبداً، أيضاً كثرة الصدقة إذا كان عندك إمكانيات ولو من مصروفك، أشعر نفسك بالاستعلاء على المادة، إذا كانت مصروفاتك في اليوم خمسة ريالات، فكل ثلاثة ريالات وأبقِ معك ريالين وحاول أن تذهب بهما في المجال الخيري، إما بإهدائها لأخ، أو صدقة على زميل لك من زملاءك التي تعرف أن حالته متعبة، ليست القضية أن ليس عندك شيء، لا. فالريال الواحد له ميزان عند الله عز وجل.
أيضاً نوافل العبادات في الصيام، كصيام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو نوافل العمرة والحج، أو نوافل صلة الأرحام، أو نوافل بر الوالدين، هي فريضة لكن هناك نوافل بالمبالغة في بر الوالدين.
وهذه مصيبة! أكثر الشباب المهتدي منذ أن يهتدي ويرى أمه وأباه ليسوا مثله يعصيهم، ويظن أن معصيتهم طاعة لله، لا. فالله أمر بطاعتهم ولو كانا مشركين، قال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] فأنت عندما تكون أنت وأخوك، أخوك غير مهتدٍ وأنت مهتدٍ في البيت، ثم ترى والدتك أو والدك أنك عاصٍ لهما وأنك باستمرار بعيد عن مصالحهم، ويرون أخاك العاصي في أيديهم أينما طلبوه وجدوه، وأينما أرسلوه يلبي، وباستمرار في خدمتهم، فهذا يدعوهم بفعله إلى المعصية، فيحبون المعاصي بأخلاقه، وأنت تدعوهم بفعلك إلى ترك الدين، لكن إذا انعكست الآية وأصبحت أنت البار والطيب وأنت الذي تخدم، وأنت الذي باستمرار في كل خير، بطبيعة الحال هذا الفعل سيؤثر في أمك وأبيك.
الوصية السادسة: وهي الحرص الكبير جداً على الطاعة، ينبغي أن تكون في المسجد قبل الآذان، وإذا تأخرت فليكن بعد الأذان مباشرة، لا كما يفعل بعض الناس لا يخرج إلا إذا أقيمت الصلاة، لا. ثم يأتي وتفوته تكبيرة الإحرام، لا. بل يجب أن تكون في أول الصف، تأتي وتصلي ركعتين تحية المسجد، ثم تصلي بعدها نافلتين أو أربع ركعات، ثم تأخذ المصحف وتقرأ القرآن، ثم تذكر الله حتى تقام الصلاة وأنت مشرق النفس متهيئ للقاء الرب.
الوصية السابعة والأخيرة هي: الحرص الكبير على عدم ممارسة أي معصية من معاصي الله عز وجل مهما كانت صغيرة، فإن الصغير غداً يصير كبيراً، يقول:
لا تحقرن من الذنوب صـغيراً إن الصغير غداً يعود كبيراً |
إن الصغير وإن تقادم عـهده عند الإله مسطر تسطيراً |
فلا تستصغر أي ذنب، كأن تقول: والله هذه أغنية، فإذا كنت مع زميل لك في سيارته وشغل أغنية لا تقل: سهلة وتستحي منه، لا. ولكن كن كالأسد وأغلقها، إذا قال لك: لماذا؟ تقول: لا أريد أن أسمع، واتركه إذا أصر لا تكن ضعيفاً؛ لأنك إذا لم تتركه أملى عليك الباطل، ويمكن تنزل من السيارة وقد تغير قلبك، فقد يأتيك إبليس ويقول: رأيت كيف أن الناس في راحة! وأنت عقدت نفسك على الأشرطة القرآنية وعلى الدين، انظر هذا مرتاح! فيوحي إليك الشيطان فتتزعزع فتسمع فتزيغ.
وكم كان الزيغان لأكثر الناس إلا بمثل هذه الأساليب، لا تتزعزع أمام أغنية أو أمام نظرة.. كأن تمشي في الشارع فترى امرأة، وأول نظرة هذه هي الخطر، فإذا رأيتها غض بصرك مباشرة واستغفر الله، يسكب الله في قلبك النور والإيمان، لكن إذا تابعت الثانية يذوب الإيمان في قلبك ويحترق، ولا يبقى معك دين أيها الإنسان.
لا تتزعزع أمام المال الحرام مهما كان ولو قرشاً واحداً من حرام لا تأخذه، ولا أمام غيبة في مجلس من المجالس، فإذا سمعتهم يغتابون فلا تتكلم في الغيبة ولا بالنميمة، ولا بأي معصية من المعاصي التي حرمها الشرع، احرص ألا تعصي الله، كن دائماً نظيفاً، لماذا؟ لأنك بالطاعات تبني، وبترك المعاصي تحمي، فما دام البنيان قائم والحماية حاصلة يكتمل البنيان، لكن إذا كان البنيان يقوم والمعاصي تهدم؛ فإن المعاصي تفتك بالبنيان ولا يقوم.
أما إذا كان العكس فالمعاصي مستمرة، والبنيان متفوق، -مثل أكثر الناس الآن، ليله ونهاره كله معاصٍ: أغانٍ، وتمشيات، وسب، وشتم، وقطع صلوات، وليس هناك طاعة- فلا يقوم له البنيان.
هذه الأمور السبعة التي أوصي بها نفسي أولاً، وأوصيكم بها، وأعيدها لتثبت في أذهانكم.
أولاً: ليكون لك ورد في كتاب الله يومياً، ولا يمكن أن تخل بهذا أبداً مهما كانت الظروف، مثلما تعرف تأكل يجب أن تأخذ وجبتك أولاً من القرآن، وأن يكون لك ورد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولك أصدقاء صالحين، وأن تبتعد من الأصدقاء الفسقة والعصاة، وأن تحرص على طاعة الله، وأهم طاعة لله: الصلاة في المسجد وخصوصاً الفجر، وأن تحرص على ألا تعصي الله عز وجل، وأعظم شيء أحذِّر منه الشباب باستمرار الغناء والنظر للمحرم واللعب، خاصة الملهيات في المجالس، تجد بعض الشباب يجتمعون أربعة أو خمسة فيلعبون الورق أو الدمنة أو الكيرم، هذه تدل على أن الشخص لا يعرف لما يعيش له، صحيح أن النفس تريد نوعاً من التسلية لكن في حدود المباح، أما الانشغال بهذه الملهيات عن دين الله عز وجل فهي خطأ، وهل هناك أعظم من تسليتك بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ليس أعظم من ذلك، بارك الله فيكم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر