الجواب: قبل أن أجيب على هذا السؤال أولاً: أشكر الأخ على تعاونه مع إخوانه؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى، فإن الإنسان بشر يخطئ ويصيب ويذهل عن الشيء ويغيب، والشريعة ليست محصورةً على أحدٍ معينٍ من الناس، بل كل من آتاه الله تعالى علماً وفهماً وإخلاصاً فإن له الحق في أن يتكلم بما آتاه الله تعالى من علمٍ وفهمٍ وإخلاص، وهذا هو واجب كل مسلم في هذا الباب وغيره، أن يكون ناصحاً لإخوانه حريصاً على حفظ شريعة الله، إذا تكلم أحدٌ فيها بخطأ حاول إصلاح الخطأ على وجه الحكمة والصواب.
وأما بالنسبة لسؤاله هذا الحديث الذي أشار إليه فهو حديثٌ صحيح رواه البخاري ، ولكن من تأمله وجد أنه دليلٌ على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، وذلك أن التوسل: هو اتخاذ الوسيلة، والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود.
والوسيلة المذكورة في هذا الحديث: (نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا).
المراد بها: التوسل إلى الله تعالى بدعائه؛ لأن عمر قال للعباس : قم يا عباس فادع الله فدعا، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل العباس ؛ لأنه بلا شك أن جاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله أعظم من جاه العباس وغيره، فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم دون جاه العباس بن عبد المطلب .
والحاصل: أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيهم إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وكذلك أيضاً عمر توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حريٌ بالإجابة بكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً، وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب، بشرط ألا يحصل في ذلك غرورٌ لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء، فإن حصل منه غرورٌ بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه؛ لأن ذلك يضره.
كما أنني أيضاً أقول: إن هذا جائز ولكنني لا أحبذه، وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، لأن ذلك أقوى في الرجاء وأقرب إلى الخشية.
كما أنني أيضاً أرغب في أن الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه ليدعو له أن ينوي بذلك الإحسان إليه، -أي: إلى هذا الداعي- دون دفع حاجة هذا المدعو له. لأن ذلك إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم، وأما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء مثل ما هو معروف صار هذا أولى وأحسن.
الجواب: المجنون لا يحل أكل ما ذبحه، لأن ذبح المجنون ليس بصحيح، وذلك لأن من شروط الذكاة قصد التذكية، والمجنون لا يصح منه القصد، كما أنه ربما تفوته التسمية والتسمية شرطٌ في حل الأكل؛ لقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121].
كما أنه ربما يفوت عليه قطع ما يجب قطعه عند الذكاة، وهما: الودجان، فإن الودجين وهما العرقان الغليظان اللذان يبرز منهما الدم لا بد من قطعهما في الذكاة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل).
وإنهار الدم لا يحصل إلا بقطع هذين الودجين؛ لأنه وإن حصل دمٌ بعدم قطعهما لكن إنهار الدم الذي يكون كالنهر لا يكون إلا بقطع هذين الودجين، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( نهى عن شريطة الشيطان ) وهي التي تذبح ولا تفرى أوداجها.
فالمهم أن المجنون ذكاته فقد منها قطعاً قصد التذكية، ويخشى ألا يسمي الله عليها، وألا يقطع ما يجب قطعه في التذكية، وكل هذه من أسباب المنع من أكل ما ذبح، وقد نص أهل العلم على أن من شروط صحة الذكاة أن يكون المذكي عاقلاً.
الجواب: هذا القول ضعيف جداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه)، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في وسط جماعة المسلمين، فهو يخاطب المسلمين في عامة مخاطباته، ثم لو كان المقصود ما قاله هؤلاء لقال: ما أنهر الدم وذبحه المسلمون فكل.
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لأهل الصيد الذين يرسلون كلابهم أو سهامهم: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه، فلا بد من هذا الشرط.
ثم إن قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] صريحٌ في النهي عن أكل ما لم يسم الله عليه، ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو: أن الذكاة يشترط فيها التسمية، وأن التسمية في الذكاة لا تسقط سهواً ولا جهلاً ولا عمداً، وأن ما لم يسمَ الله عليه فهو حرام مطلقاً وعلى أي حال، لأن الشرط لا يسقط بالنسيان ولا بالجهل.
وهذا القول أولى من القول المشهور عند الحنابلة رحمهم الله وهو المذهب: أنه إذا ترك التسمية سهواً في الذبيحة حلت، وإذا ترك التسمية سهواً في الصيد لم يحل، ولو أردنا أن نرجع إلى الواقع لكنا نعذر صاحب الصيد أكثر مما نعذر صاحب الذبيحة، لأن صاحب الذبيحة يذبحها على تؤدة ويقل نسيانه، أما صاحب الصيد فإنه يرمي سهمه انتهازاً للفرصة ومثل هذا يغيب عنه كثيراً التسمية، فعذر صاحب الذبيحة وعدم عذر صاحب الصيد كان الأولى والأجدر من حيث النظر، أن يكون أمره بالعكس.
لكننا نقول: ما ذهب إليه فقهاء الحنابلة رحمهم الله في عدم حل صيد من لم يذكر اسم الله عليه هو الصواب، ولكن أيضاً نلحق به الذبيحة، ونقول: الذبيحة إذا نسي أن يسمي الله عليها فإنها تكون حراماً لا يحل أكلها.
الشيخ: قصدك بالنخاع الشوكي الرقبة.
مداخلة: نعم نفس الرقبة.
الجواب: هذا لا يضر، وهذه المسألة لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فيها تفصيل بالنسبة لما يقطع، وفي الرقبة أربعة أشياء:
الودجان اثنان، والحلقوم، والمريء.
الحلقوم: مجرى النفس، وهو العظام اللينة المدورة.
والمريء: مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم مما يلي عظم الرقبة.
هذه الأمور الأربعة تمام الذكاة بقطعها جميعاً بلا شك فهذا تمام الذكاة.
فإذا قطع بعضها فمن العلماء من يرى بأن الشرط قطع الحلقوم والمريء، وأن قطع الودجين ليس بشرط. ومنهم من يرى أن قطع الودجين هو الشرط، وأن قطع الحلقوم والمريء على سبيل الاستحباب فقط.
ومنهم من يرى أن الشرط قطع ثلاثة من الأربعة: إما على التعيين، أو على عدم التعيين.
وهذه الاضطرابات في أقوال أهل العلم سببها: أنه ليس في المسألة سنةٌ قاطعة تبين ما يقطع في الذكاة، ولكننا إذا نظرنا إلى المعنى الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم فكل ) ولم يذكر اشتراط شيء آخر أبداً، ثم تأملنا في قطع هذه الأمور الأربعة ما الذي يحصل به إنهار الدم فإنه يتبين أن إنهار الدم إنما يحصل بقطع الودجين كما هو معلوم، ثم إن أهل العلم عللوا تحريم الميتة التي لم تذك كالمنخنقة والموقوذة وما أشبهها بأنه قد احتقن بها الدم فصارت خبيثةً به، ومعلومٌ أن الودجين يحصل بهما إفراغ الدم تماماً.
لهذا نرى أن المعتبر في الذكاة إنما هو قطع الودجين فقط؛ وذلك لإشارة الحديث: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه) بإشارة الحديث هذا إلى وجوب قطعهما وعدم وجود ما يوجب قطع الحلقوم والمريء.
والثاني يقول: ناقل الكفر ليس بكافر؟
هو في الحقيقة الذي أنا فهمت من السؤال: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، التعوذ من العلم هل يجوز أم لا؟
الجواب: هذا الدعاء: اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع علم مقيد بهذا ألا يكون نافعاً، وذلك لأن العلم: إما نافعٌ وإما ضار؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( القرآن حجةٌ لك أو عليك).
فالعلم بالشريعة لا يمكن أن يخرج عن أحد هذين الأمرين: إما نافعٌ لصاحبه إذا عمل به عملاً وتعليماً ودعوة.
وإما ضارٌ له إذا لم يقم بواحدٍ من هذه الأمور الثلاثة، فقولك: أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، هو كقولك: اللهم إني أعوذ بك من علمٍ يضر.
الجواب: إن قصد أنه حديث فليس بحديث، وإن قصد أنه كلام لأهل العلم فهذا صحيح، أن ناقل الكفر ليس بكافر، بمعنى: أن الإنسان الذي يحكي قول الكفار لا يكفر، وهذا أمرٌ معلوم لأهل العلم، وحسب النظر أيضاً فإنك إذا قلت: قال فلان: إن الله ثالث ثلاثة، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يعد ذلك كفراً منك؛ لأنك إنما تحكي قول غيرك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر