الجواب: البدعة في اللغة العربية: فعلة من البدع, وهو اختراع الشيء على غير مثال سابق, ومنه قوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117]. أي: مبدعهما؛ لأنه سبحانه وتعالى خلقهما على غير مثال سابق, هذا معنى البدعة في اللغة العربية.
أما البدعة في الشرع: فإنها كل عقيدة أو قول أو عمل, يتعبد به الإنسان لله عز وجل, وليس مما جاء في شريعة الله سبحانه وتعالى.
بل أقول: البدعة الشرعية ليس لها إلا قسم واحد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل بدعة ضلالة ). فكل بدعة في الشرع فإنها ضلالة لا تنقسم إلى أكثر من ذلك, وهذه البدعة التي هي ضلالة سواء كانت في العقيدة أم في القول أم في العمل, هي مردودة على صاحبها, غير مقبولة منه, لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث عائشة : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ). إذن فالبدعة الشرعية لا تنقسم لا إلى خمسة أقسام, ولا إلى أكثر, ولا إلى أقل, بل هي قسم واحد بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يوجه إليه, وأفصح الخلق فيما ينطق به, وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم غني عن التعقيد, وليس فيه شيء من التعقيد, وهو بين واضح, وتقسيم البدعة عند بعض أهل العلم كـ العز بن عبد السلام وغيره إنما قسموها بحسب البدعة اللغوية التي يمكن أن نسمي الشيء فيها بدعاً وهو في الحقيقة من الشرع لدخوله في عمومات أخرى, وحينئذٍ فيكون بدعة من حيث اللغة, وليس بدعة من حيث الشرع, وإني أقول للأخ السائل ولغيره: إن تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام أو أكثر أو أقل, فهم منه بعض الناس فهماً سيئاً, حيث أدخلوا في دين الله ما ليس منه, بحجة أن هذا من البدعة الحسنة, وحرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إن معنى قوله: ( كل بدعة ضلالة ). أي: كل بدعة سيئة فهي ضلالة, وهذا لا شك أنه تعقيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويستلزم نقصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيان؛ لأننا لو قلنا: إن الحديث على تقدير كل بدعة سيئة ضلالة لم يكن للحديث فائدة إطلاقاً؛ لأن السيئة سيئة وضلالة, سواء كانت بدعة أو غير بدعة, كالزنا مثلاً معروف في الشرع أنه محرم, وتحريمه ليس ببدعة, ومع ذلك نقول: إنه من الضلال, وإنه من العدوان, فالذين يقدرون في الحديث كل بدعة سيئة ضلالة, هؤلاء لا شك أنهم اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنقصوا بيانه عليه الصلاة والسلام, ولا ريب أن الرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس بياناً, وأفصحهم مقالاً, وأنصحهم قصداً وإرادة, وليس في كلامه عي, وليس في كلامه خفاء, أقول: إن هذا التقسيم الذي ذهب إليه العز بن عبد السلام وبعض أهل العلم, أوجب إلى أن يفهم فهماً سيئاً من بعض الناس الذين هم طفيليون على العلم, ومن أجل ذلك حرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإني أقول وأكرر: إن كل بدعة في دين الله فإنها ضلالة, ولا تنقسم البدعة الدينية إلى أقسام, بل كلها شر وضلالة, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث فيما رواه النسائي : ( وكل ضلالة في النار ).
فعلى المرء أن يكون متأدباً مع الله ورسوله, لا يقدم بين يدي الله ورسوله, ولا يدخل في دين الله ما ليس منه, ولا يشرع لنفسه ما لا يرضاه؛ لأن الله يقول: رَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]. فكل ما قدر أن يتعبد به المرء لربه وليس مما شرع الله, فإنه ليس من دين الله, وإنما أطلت على هذا الجواب لأنه مهم؛ ولأن كثيراً من الناس الذين يريدون الخير انغمسوا في هذا الشر, أعني: في شر البدع, ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه, ولكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم وعلموا أن هذا -أعني سلوك البدع في دين الله- يتضمن محظوراً عظيماً في دين الله, وهو أن يكون الدين ناقصاً؛ لأن هذه البدع معناها: أنها تكميل لدين الله سبحانه وتعالى, والله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]. ولا شك أنها نقص في دين الإنسان, وأنها لا تزيده من الله تعالى إلا بعداً والله الموفق.
الجواب: إن إزالة النجاسة ليست مما يتعبد به قصداً, أي: أنها ليست عبادة مقصودة, وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة, فبأي شيء أزال النجاسة وزالت وزال أثرها فإنه يكون ذلك الشيء مطهراً له, سواء كان بالماء أو بالبنزين أو بأي مزيل يكون, متى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون فإنه يعتبر ذلك تطهيراً لها, حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنها لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل؛ لأنها كما قلت: هي عين نجسة خبيثة متى وجدت صار المحل نجساً بها, أو على الأصح متنجساً بها, ومتى زالت عاد المكان إلى أصله, أي: إلى طهارته. فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها, إلا أنه يعفى عن اللون المعجوز عنه, فإنه يكون مطهراً لها.
وبناءً على ذلك نقول: إن البخار الذي تغسل به الأكوات, وثياب الصوف, وما أشبهها, إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهراً.
الجواب: هذا الحديث الذي أشارت إليه وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يدخل الجنة قاطع ). يعني: قاطع رحم هذا صحيح, ولكن هذه السائلة أطمئنها أنها ليست بقاطعة رحم؛ لأن أمرها بيد زوجها, وزوجها إذا كان يمنعها أو يماطلها بزيارة أهلها, فإنه ليس عليها إثم في هذه الحال, وهي مأمورة بطاعة زوجها, لقول الله تبارك وتعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن المرأة عند زوجها كالأسير, فهي ليس عليها إثم في عدم زيارة أهلها ما دام أن المنع من زوجها, ولكني أنصح زوجها أن يحسن معها العشرة, وألا يحرمها من زيارة أهلها, وأن يحرص على أن تزورهم, ولو بين مدة وأخرى يتطاول ما بينهما, ما دام أن المسافة بينه وبين أهلها بعيدة, وهذا هو الأولى والأحرى به إن شاء الله تعالى.
الجواب: ما دامت هذه الأوقاف للمسجد فإنها تصرف في مصالح المسجد من أول مرة ولا يصرف للمساكين, لا في رمضان ولا في غيره, إلا ما فضل عن حاجة المسجد، لأن الواجب في الأوقاف أن تصرف حيث شرطه الواقف, إلا إذا كان هذا الشرط يشتمل على أمر محرم فإنها لا تصرف إليه, أو إذا كان ناظر الوقف يرى أن صرفها في غير هذه الجهة أفضل وأنفع للمسلمين وأكثر ثواباً لصاحبها فلا حرج عليه؛ لأن القول الراجح أن صرف الوقف إلى ما هو أنفع وأفضل لا بأس به, ولو خالف شرط الوقف, ودليلنا على ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل استفتاه, فقال: ( يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: صل ها هنا, فأعاد عليه. فقال: صل ها هنا, فأعاد عليه. فقال: صل ها هنا, فأعاد عليه. فقال: شأنك إذن ). فإذا كان النذر يجب الوفاء به, إذا كان طاعة يجوز أن يغير إلى ما هو أفضل منه, فكذلك الوقف, يجوز أن يغير إلى ما هو أفضل منه وأنفع, ولكن مع هذا نرى أنه إذا أراد الناظر أن يغيره فإنه يستأذن المحكمة لأجل أن يكون على بصيرة من أمره, فهذا الرجل الذي عنده هذه الأوقاف, إذا كان المسجد يحتاجها فإنه يصرفها في المسجد, ثم إن فضل شيء بعد المسجد, يصرفه في الفقراء سواء في رمضان أو في غيره, وسواء كان الفقراء من حي هذا المسجد أو من أحياء أخرى من البلد.
الجواب: إضاءة مقامات الأولياء والأنبياء التي يريد بها السائل قبورهم, هذه الإضاءة محرمة, وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعليها, فلا يجوز أن تضاء هذه القبور, لا في ليالي الإثنين ولا في غيرها, وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر في أي ليلة أو في أي يوم, فإن نذره محرم, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر, ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره, أو لا يجب. محل خلاف بين أهل العلم, والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفاءه بهذا النذر, وأما تعداده لقبور بعض الأنبياء, مثل: قبر صالح وموسى وما أشيه ذلك, فإنه لا يصح أي قبر من قبور الأنبياء, إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأنبياء لا تعلم قبورهم, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قبر موسى: ( إنه كان عند الكثيب الأحمر قريباً من البلاد المقدسة, قال: ولو كنت ثمة لأريتكم إياه ). وليس معلوماً مكانه الآن, وكذلك قبر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ليس معلوماً مكانه, وكذلك بقية الأنبياء لا يعلم مكان قبورهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإن مكان قبره معلوم. دفن في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها.
وعلى هذا فنقول للأخ: لا يجوز لك أن تضيء هذه القبور لا بنذر ولا بغير نذر, وأقبح من ذلك وأشد الذبح عندها, فإن الذبح عندها أعظم من إسراجها, لاسيما إن قصد بالذبح التقرب إلى صاحب هذا القبر, فإنه إذا قصد ذلك صار مشركاً شركاً أكبر مخرجاً عن الملة؛ لأن الذبح من عبادة الله عز وجل, وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر مخرج عن الملة.
الجواب: التلقين إنما يكون عند الموت, عند الاحتضار يلقن لا إله إلا الله,كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام عند موت عمه أبي طالب حيث حضر, فقال: ( قل يا عم: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ). ولكن عمه أبا طالب والعياذ بالله لم يقل هذا ومات على الشرك, وأما التلقين بعد الدفن, فإنه بدعه, لعدم ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, ولكن الذي ينبغي أن يفعل ما رواه أبو داود حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه, وقال: ( استغفروا لأخيكم, واسألوا له التثبيت, فإنه الآن يسأل ). وأما القراءة عند القبر أو تلقينه فهذا بدعة ولا أصل له, أما عند الموت فإنه يلقن كما قلت.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر