الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فإننا نشكر الأخ السائل على اهتمامه بأحوال المسلمين، فإن من اهتم بأمر المسلمين كان ذلك دليلاً على محبته وشفقته عليهم، أما بالنسبة لما يصنعه أولئك الأخوة، فإن كونهم يبولون قياماً لا بأس به، فإن البول قائماً يجوز بشرطين: أحدهما: أن يأمن من التلوث بالبول، والثاني: أن يأمن من النظر إلى عورته.
وأما كون هؤلاء الأخوة لا يستنجون من البول، بل ينصرف الإنسان منهم دون أن يتطهر، لا باستنجاءٍ ولا باستجمار، فإن هذا غلطٌ منهم كبير، وهو سببٌ للعقوبة وعذاب القبر؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)، فبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أن هذين الرجلين يعذبان في قبورهما بسببين: السبب الأول: عدم الاستبراء من البول، وهو ينطبق على حال هؤلاء، ثم إن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن الوضوء لا يصح إلا بعد أن يتم الاستنجاء أو الاستجمار الشرعي، وعلى هذا فيكون هؤلاء قد صلوا بغير وضوءٍ صحيح، ومن صلى بغير وضوءٍ صحيح فإن صلاته لا تصح ولا تقبل منه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
فأوجه النصيحة إلى هؤلاء الإخوان أن يتقوا الله عز وجل، وأن يستنثروا من البول ويستبرئوا منه، وأن يستنجوا بعد البول بالماء، أو يستجمروا بأشياء مباحة، أي: مما يباح الاستجمار به، فيمسح المحل ثلاث مسحاتٍ فأكثر تكون منقية، فإن الاستجمار الشرعي الذي تتم به الشروط يجزئ عن الاستنجاء بالماء.
الجواب: نقول في الجواب على هذا السؤال: ينبغي أن يعلم أن ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام في صلاته من أفعال أو قاله من أقوال فهو مشروع للرجال والنساء، والمنفرد والإمام أيضاً، حتى يقوم دليلٌ على التخصيص، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي)، فهذا الحديث عام وشامل، فكل ما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو قرأ به، أو فعله في صلاته، فإن الأصل فيه المشروعية لكل أحد.
وأما القراءة من المصحف عند خوف النسيان فإن هذا لا بأس به، فيجوز للإنسان أن يقرأ في المصحف عند خوف نسيان آيةٍ أو غلطٍ فيها، ولا حرج عليه.
الجواب: هذه الأحكام خاصةٌ بالرجل، لأنه هو الذي يحضر الجمعة، وهو الذي يطلب منه التجمل عند الخروج، وعلى هذا فإنه هو الذي يطلب منه أن يغتسل يوم الجمعة ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويبكر إلى الجمعة، أما النساء فلا يشرع في حقهن ذلك، ولكن كل إنسانٍ ينبغي له إذا وجد في بدنه وسخاً، ينبغي له أن ينظفه، فإن ذلك من الأمور المحمودة التي ينبغي للإنسان أن لا يدعها.
وأما الاغتسال للجمعة قبلها بيومٍ أو يومين فلا ينفع، لأن الأحاديث الواردة في ذلك تخصه بيوم الجمعة، وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة، هذا هو محل الاغتسال الذي ينبغي أن يكون، وأما قبلها بيومٍ أو يومين فلا يجزئه، ولا ينفعه عن غسل الجمعة.
الجواب: أما بالنسبة للمتوفى عنها فإنه لا يجوز لها أن تخرج من بيتها وتسافر للحج حتى تنقضي العدة، لأنها في هذه الحال غير مستطيعة، إذ إنه يجب عليها أن تتربص في البيت؛ لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، فلا بد أن تنتظر في بيتها حتى تنتهي العدة.
وأما المعتدة من غير الوفاة فإن الرجعية حكمها حكم الزوجة، فلا تسافر إلا بإذن زوجها، ولكن لا حرج عليه إذا رأى أن من المصلحة أن يأذن لها في الحج، وتحج مع محرمٍ لها.
وأما المبانة فالمشروع أن تبقى في بيتها أيضاً، ولكن لها أن تحج إذا وافق الزوج على ذلك، لأن له الحق في هذه العدة، فإذا أذن لها أن تحج فلا حرج عليه.
والحاصل أن المتوفى عنها يجب أن تبقى في البيت ولا تخرج، وأما المطلقة الرجعية فهي في حكم الزوجات فأمرها إلى زوجها، وأما المبانة فإنها لها حريةٌ أكثر من الرجعية، لكن مع ذلك لزوجها أن يمنعها صيانةً لعدته.
الجواب: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة، وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولاً: لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول عليه الصلاة والسلام غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر.
وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم، ولا على أنهم من أولياء الله، ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم، صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى، وأنها حياتٌ وأفاعي، وكما قال الله عز وجل: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] ، فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر، وأنه ليس بكرامة.
واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله عز وجل، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] ، وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية بعمله، إن كان عمله مبنياً على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله، هذا ليس من تقوى الله عز وجل، لأن الله تعالى يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32] ، فإذا ادعى إنه من أولياء الله فقد زكى نفسه، وحينئذٍ يكون واقعاً في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلونهم عن سبيل الله.
الجواب: نقول في هذا السؤال: إنه تضمن أمرين؛ أحدهما: المساهمة مع شركةٍ تتعامل بالربا، وهذا محرمٌ ولا يجوز، فإن أي أحدٍ يتعامل بالربا لا يجوز المشاركة معه، لأنه سيؤدي إلى إدخال الربا على مال هذه الشركة فيختلط الحلال بالحرام، فلا تجوز المساهمة في ذلك.
وأما بالنسبة لما صنعت من عدم بيان الأمر أمام كاتب العدل فإن ذلك محرم، والواجب عليك أن تجعلي تقوى الله تعالى مقدمة على كل شيء، حتى على مشاعر إخوانك وغيرهم، وأن تقولي الحق، فإن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [النساء:135]، ولكن وبعد أن وقع هذا الأمر يمكن أن تتخلصي منه بطلب القسمة، وأن تأخذي نصيبك من هذا المال، وأن تتصرفي فيه بإنفراد، أو تطالبيهم بإخراج هذه الشركة التي تتعامل الربا عن الشركة في بقية المال، فإذا لم يمكن هذا الأمر فلا بد أن تأخذي نصيبك من هذا المال المشترك، وأن تتجري فيه على وجهٍ لا يكون فيه ربا، وبهذا تتخلصين من هذا العمل.
الجواب: بيان ذلك أن العلماء الكبار المجتهدين قد تختلف اجتهاداتهم من آنٍ إلى آخر، بحسب ما يبلغهم من العلم، والإنسان بشر وطاقته محدودة، قد يكون عنده في هذا الوقت علمٌ، ثم يتبين له أن الأمر بخلافه في وقتٍ آخر، إما بسبب البحث، ومراجعة الكتب، وإما بالمناقشة، فإن الإنسان قد يركن إلى قولٍ من الأقوال ولا يظن أن هناك معارضاً له، ثم بالمناقشة معه يتبين له أن الصواب في خلافه فيرجع.
والحاصل أن الإمام أحمد إذا روي عنه في مسألةٍ أقوال متعددة فإن معنى ذلك أنه رحمه الله يطلع في القول الثاني على أمرٍ لم يطلع عليه في الأمر الأول فيقول به، ثم هل نقول: إن هذه الآراء باقية، أو نقول: إن آخرها نسخ أولها؟ نقول: إن هذه الآراء باقية، وذلك لأن هذه الآراء صادرةٌ عن اجتهاد، والاجتهاد لا ينقل باجتهادٍ مثله، فقد يكون الصواب في قوله الأول مثلاً، فتبقى هذه الأقوال، اللهم إلا إذا صرح برجوعه عن القول الأول، مثل قوله رحمه الله: كنت أقول بطلاق السكران حتى تبينته، فتبينت أنني إذا قلت: بوقوع الطلاق، أتيت خصلتين: حرمتها على زوجها الأول، وأحللتها لزوجٍ آخر، وإذا قلت: بعدم الطلاق، أتيت خصلةً واحدة: أحللتها للزوج الأول، فهذا صريحٌ في أنه رجع عن قوله الأول، فيؤخذ بالقول الثاني، أما إذا لم يصرح فإن القولين كلاهما ينسب إليه، ولا يكون الثاني ناسخاً، وربما يقال: إنه إذا أيد القول الثاني بنص، واستدل له، فإنه يعتبر رجوعاً عن القول الأول، لأن النص واجب الاتباع، فإذا قيل بهذا فله وجه، وحينئذٍ يكون قوله الثاني هو مذهبه، والله أعلم.
الجواب: نقول: إن التجميل ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: تجميلٌ ثابت دائم، فهذا محرم، مثل: الوشر والوشم والنمص، والوشر هو التفلج، أي: تفليج الأسنان بمنشار حتى تكون جميلة، وأما الوشم فإنه يغرز الجلد، ثم يوضع فيه من الداخل كحل، أو نحو ذلك من الاصباغ، وتبقى دائمة، وأما النمص فهو نتف شعر الوجه، كالحواجب ونحوها، وكل هذا محرم ومن كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله.
أما إذا كان على وجه لا يدوم فإنه لا بأس به، مثل أن تتجمل بالكحل، وبالورس ونحو ذلك، لكن بشرط إلا يؤدي هذا إلى محظور شرعاً، مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، أو يكون ذلك من باب التبرج تخرجه للرجال الأجانب ونحو ذلك، فإن هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته.
الجواب: قبل الجواب على هذا السؤال أود أن أحذر إخواننا المسلمين من النذر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: ( إنه لا يأتي بخيرٍ، وإنما يستخرج به من البخيل)، وكم من إنسان نذر نذراً ثم ندم على هذا النذر، وصار يلتمس التخلص منه من هنا ومن هناك، وهذا يبين حكمة النبي عليه الصلاة والسلام في نهيه عن النذر، فالحذر الحذر يا أخي من النذر، فإنك تلزم نفسك بما أنت في حل منه وفي عافية منه، وربما لا يتسنى لك أن تفعله إلا على نوع من المشقة، وربما تدعه وتتركه، وحينئذٍ تعاقب بما ذكره الله في قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77].
ثم إنه من المؤسف أن بعض الناس إذا أصيب بمرض أو أراد حاجة يرغبها ينذر لله عز وجل: إن شفاني الله من المرض أو حصلت لي الحاجة الفلانية فلله علي نذر كذا وكذا، كأن الله تعالى لا يعطيه حتى يشرط له شرطاً، وهذا خطأ عظيم، فالله تعالى أكرم من عباده، بل يسأل الله تعالى أن يشفيه من المرض، ويسأل الله تعالى أن ييسر له حاجته التي يطلبها بدون أن ينذر، فيلزم نفسه بما لا يلزمه.
أما بالنسبة للجواب على هذا السؤال فنقول: إن الواجب عليك أن تصومي ثلاثة أيام من كل شهر، سواء كانت متفرقة أو متتابعة، وسواء من أول الشهر أو وسطه أو آخره، فإن عجزت عن ذلك فإن قياس النذر على الفريضة أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً، فيكون عليك إطعام ثلاثة مساكين كل شهر تدعين ثلاثة فقراء وتغديهم أو تعشينهم ويكفي.
مداخلة: وإن أعطتهم في أيديهم فكم تعطيهم؟
الشيخ: إن أعطتهم بيدهم تعطيهم ثلاثة أمداد، ثلاثة أمداد من الرز، والأحسن أن يكون معه لحم يؤدمه حتى يتم الإطعام.
مداخلة: يعني لكل مسكين مد؟
الشيخ: نعم.
مداخلة: لو استطاعت أن تصوم فهل يلزمها هذا مدى الحياة ما دامت قادرة؟
الشيخ: إي نعم، يلزمها مدى الحياة؛ لأنها أطلقت أن تصوم لله ثلاثة أيام من كل شهر، لم تخصه بسنة دون أخرى، ولا بحال بدون حال.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر