الجواب: المشروع أن يدفن كل إنسانٍ في قبرٍ وحده كما جرت به سنة المسلمين قديماً وحديثاً، ولكن إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى جمع اثنين فأكثر في قبرٍ واحد فلا بأس به، فإن النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد كان يدفن الرجلين والثلاثة في قبرٍ واحد، وفي هذه الحال ينبغي أن يقدم إلى القبلة أكثرهم قرآناً؛ لأنه الأفضل.
مداخلة: يعني: لا يكونون في وضعٍ على بعضهم، بل توضع بينهم حواجز؟
الشيخ: يكون بعضهم إلى جنب بعض، وليس بعضهم فوق بعض.
الجواب: منع الإسلام الوصية للوارث؛ لأنه من تعدي حدود الله عز وجل، فإن الله تعالى حدد الفرائض والمواريث بحدودٍ قال فيها: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14]، فإذا كان للإنسان بنت وأخت شقيقة مثلاً، فمن المعلوم أن للبنت النصف فرضاً، وللأخت الشقيقة الباقي تعصيباً، فلو أوصى للبنت في مثل هذه الحال بثلث ماله مثلاً، لكان معنى ذلك أن البنت ستأخذ الثلثين، والأخت ستأخذ الثلث فقط، وهذا تعدٍ لحدود الله، وكذلك لو كان له ابنان، فإن من المعلوم أن المال بينهما نصفان، فلو أوصى لأحدهما بالثلث مثلاً، صار المال بينهما أثلاثاً، وهذا من تعدي حدود الله، فلذلك كانت حراماً؛ لأنها لو أجيزت ما كان لتحديد المواريث فائدةٌ، ولكان الناس يتلاعبون، وكلٌ يوصي لمن شاء، فيزداد بذلك نصيبه من التركة، ويحرم من شاء فينقص به نصيبه.
الجواب: منعت الوصية بأكثر من الثلث؛ لأن حق الورثة يتعلق بالمال، فإذا أوصى بزائدٍ على الثلث صار في ذلك هضم لحقوقهم، ولهذا لما استأذن سعد بن أبي وقاص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصي بثلثي ماله قال: ( لا، قال: فالشطر؟ قال: لا، قال: فالثلث؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس)، فأشار الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إلى الحكمة في منع ما زاد على الثلث، ولهذا لو أوصى بزائدٍ عن الثلث وأذن الورثة في هذا، فلا بأس به.
الجواب: القول الراجح في هذه الحال أنه لا توارث بينهما؛ لأن من شرط التوارث العلم بحياة الوارث بعد موت مورثه، فإن الله جعل المواريث باللام الدالة على الملك، فقال: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] ، وقال: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11] ، وقال: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] ، وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] ، إلى غير ذلك، واللام للتمليك، ومن المعلوم أنه لا ملك إلا في حال الحياة، فالميت لا يملك، ومن هنا نأخذ أنه لا بد من العلم ببقاء الوارث بعد موت مورثه، فإذا جهلنا الحال فقد فات هذا الشرط، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، فالصحيح في هذه المسألة أنه لا توارث بينهما، فلا يرث الابن من أبيه شيئاً، ولا يرث الأب من ابنه شيئاً.
الجواب: لا يجب على ورثته أن يؤدوا هذا الدين عنه، سواءٌ كانوا من الأباعد أو من الأقارب، لكن إن كان هذا الميت والداً فينبغي لأولاده أن يوفوا عنه؛ لأن ذلك من بره، وأما الوجوب فلا يجب؛ لأننا لو أوجبنا هذا لكنا نؤثمهم بترك الوفاء، وهذا يخالف قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، ولأننا لو قلنا بوجوب وفاء الدين عن الميت الذي لم يخلف تركة، لكان في هذا فتح بابٍ لهؤلاء الذين لا يبالون بارتكاب الديون، فيقول الواحد: أنا سوف أتدين، وإذا مت فإن أهلي أو ورثتي يقضون عني الدين، فلا يبالي بعد ذلك بما استدانه وألحقه ذمته، ثم إني أقول: إن الميت إذا مات وعليه دين فإن كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، فإن الله تعالى يؤدي عنه من فضله وكرمه، فيرضي أهل الحق.
الجواب: أعتقد أنه لو استأذن منها لأبت أن يتزوج، ولكن ليس من شرط النكاح أن يستأذن الزوجة الأولى، بل حتى لو استأذنها وأبت فله الحق أن يتزوج، ولكن مع هذا أرى أنه ينبغي أن يشاورها ويقنعها حتى تقتنع بذلك وتطمئن، ويبين العلة التي من أجلها يريد أن يتزوج، فإذا جاءتها الزوجة الجديدة جاءتها وهي على اطمئنانٍ بها، وعلى علمٍ بها، وعلى رضىً بها، وحينئذٍ يمكن أن تعيش الزوجتان عيشةً حميدة بدون تنافرٍ ولا تباغض, فمن أجل مراعاة هذه المصالح ينبغي أن يستأذنها ويخبرها، وأما أن يكون ذلك واجباً فليس بواجب.
مداخلة: لو أخفى عنها هذا الزواج؟
الشيخ: لا حرج عليه.
الجواب: هذا محرم، ولا يجوز للإنسان أن يغرر بنفسه فيما يخشى منه التلف أو الضرر؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، وإذا كان الله تعالى قد نهى عن ذلك، فقال: وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، فإن كل شيء يؤدي إلى الموت أو يؤدي إلى الضرر فإنه محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)، فكما أن الإنسان لا يحل له أن يعتدي على غيره، فلا يحل له أن يعتدي على نفسه بتعريضها لما فيه التلف أو الضرر.
الجواب: إذا كانت الميتة من حيوانٍ يباح بالذكاة، كبهيمة الأنعام.
المقدم: يعني يؤكل؟
الشيخ: نعم، إذا كان من حيوانٍ يباح بالذكاة كبهيمة الأنعام، فإنه يجوز الانتفاع بجلدها، لكن بعد الدبغ؛ لأنه بالدبغ الذي يزول به النتن والرائحة الكريهة، يكون الجلد طاهراً يباح استعماله في كل شيء، حتى في غير اليابسات على القول الراجح؛ لأنه يطهر بذلك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( يطهرها الماء والقرظ)، وأما إذا كان الجلد من حيوانٍ لا يحل بالذكاة، فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، والله أعلم.
الجواب: التوبة النصوح مقبولة مهما عظم الذنب؛ لقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن التوبة تهدم ما كان قبلها، حتى الكفر وهو أعظم الذنوب يقول الله تعالى فيه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ [الأنفال:38] ، فهذا يدل على أن من تاب من الذنب، فإن الله تعالى يقبل عنه هذه التوبة ويمحو عنه ما سلف كله، ولكن ليعلم أن التوبة لا بد فيها من شروطٍ خمسة؛ الشرط الأول: أن يكون فيها مخلصاً لله، لا يحمله على التوبة رياءٌ ولا سمعة ولا خوف ولا طلب رئاسة أو وظيفة أو نحو ذلك.
الشرط الثاني: أن يندم على ما مضى من هذا الذنب، بمعنى أن يكون في نفسه ألم وتحسر على ما فات، ويتمنى أنه لم يفعله.
الشرط الثالث: أن يقلع عنه في الحال إذا كان متلبساً به، أي: بهذا الذنب، فلا تصح التوبة من إنسانٍ يعمل بالربا ثم يقول: أنا تائبٌ إلى الله من الربا، أو أستغفر الله وأتوب إليه من الربا؛ لأن هذا لا ينفع، وبهذا نعرف أيضاً أنه إذا كان الذنب متعلقاً بآدمي، فإنه لا بد أن يستحله، أو يؤدي إليه حقه، ليتحقق بذلك أنه أقلع عن هذا الذنب.
الشرط الرابع: أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل، فإن كان قد أقلع وتاب، لكن في قلبه أنه لو حصلت له فرصة لعاد إلى هذا الذنب، فإن هذه ليست بتوبة، فلا تقبل منه.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه، وذلك بأن تكون قبل الغرغرة، وقبل أن تطلع الشمس من مغربها، فإن كانت بعد ذلك فإنها لا تقبل؛ لقوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] ، فهذه ليست بتوبة، وكذلك أخبر سبحانه وتعالى أنه إذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، كما قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، وهذا البعض من الآيات هو طلوع الشمس من مغربها، فإن الناس إذا رأوا ذلك آمنوا وتابوا من الذنوب، لكنه لا ينفع عند هذا توبة ولا إيمان، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها).
وبملاحظة هذا الشرط الأخير يتبين أنه يجب على الإنسان أن يبادر بالتوبة؛ لأنه لا يدري متى يفجأه الموت، فقد يفجأه الموت في حالٍ وهو لا يشعر، وحينئذٍ لا يحصل له التوبة من هذا الذنب، فعلى المرء أن يحرص على التوبة من الذنوب، وأن يرجع إلى الله، وهو إذا رجع إلى الله بنيةٍ صادقة فإن الله تعالى يقبل توبته، بل قد قال الله تعالى في سورة الفرقان لما ذكر الشرك وما دونه، قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70].
الجواب: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم مشروعٌ عند كل قراءة، كلما أردت أن تقرأ شيئاً من القرآن في الصلاة أو غير الصلاة فإنه مشروعٌ لك أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لقوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] ، أما البسملة فإن كنت تريد أن تبتدئ السورة من أولها فبسمل؛ لأن البسملة آيةٌ فاصلةً بين السور يؤتى بها في ابتداء كل سورة ما عدا سورة براءة، فإن سورة براءة ليس في أولها بسملة؛ وعلى هذا فإذا أردت أن تقرأ الفاتحة في الصلاة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم أولاً، ثم اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد اختلف أهل العلم في البسملة في الفاتحة: هل هي من الفاتحة أم لا؟ فذهب بعض أهل العلم إلى أنها من الفاتحة، ولكن الصحيح أنها ليست منها، وأن أول الفاتحة هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ؛ لحديث أبي هريرة الثابت في الصحيح: ( أن الله تعالى قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] ، قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ، قال الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
وعلى هذا فيكون أول الفاتحة: الحمد لله رب العالمين، وهي سبع آيات، الأولى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، والثانية: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، والثالثة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، والرابعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ، الخامسة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، والسادسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] ، والسابعة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] .
أما على القول بأن البسملة منها فإن أول آيةٍ هي البسملة، والثانية: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ، والثالثة: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] ، والرابعة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ، والخامسة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ، والسادسة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ، والسابعة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ، ولكن الراجح أن البسملة ليست من الفاتحة، كما أنها ليست من غيرها من السور.
الجواب: الراجح أن الجهر بالبسملة لا ينبغي، وأن السنة هو الإسرار بها؛ لأنها ليست من الفاتحة، ولكن لو جهر بها فلا حرج، بل قد قال بعض أهل العلم: إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً؛ لأنه قد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يجهر بها، ولكن الثابت عنه أنه كان لا يجهر بها، وهذا هو الأولى: أن لا يجهر بها، لكن لو جهر بها تأليفاً لقومٍ مذهبهم الجهر، فأرجو أن لا يكون به بأس.
مداخلة: الجهر قبل الفاتحة وقبل السور أيضاً، أو قبل الفاتحة فقط؟
الشيخ: السور التي غيرها لا أدري، والذي أعرفه هو الجهر بالبسملة في الفاتحة فقط.
الجواب: هذا السؤال يشتمل على وهمين؛ الوهم الأول: أنه ذكر أن الركوع أطول من القيام بعده، وأن القيام بعده أطول من السجود وهكذا، وهذا خطأ، فإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تكون الركوع والقيام من الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين قريباً من السواء كما صح ذلك عنه، فهذه الأركان الأربعة قريبة من السواء، الركوع والقيام منه والسجود والجلوس بين السجدتين، هذه قريبةٌ من السواء، وليست مقرونةً بالقيام قبل الركوع، وهذا هو الوهم الثاني في سؤاله، حيث ظن أن القيام الذي قبل الركوع يكون مساوياً للركوع، وليس الأمر كذلك، بل إن القيام قبل الركوع له سنةٌ خاصةٌ به، ويكون أطول من الركوع.
والحاصل أننا نقول: إن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن الركوع والرفع منه والسجود والجلوس بين السجدتين، أن هذه الأركان الأربعة متقاربة كما ثبت ذلك عنه، وليست مساويةً للقيام قبل الركوع، وحينئذٍ فلا إشكال، ولكن إذا كان الرجل يطيل الركوع كما في صلاة الليل، فإنه ينبغي له أن يطيل القيام بعده بحيث يكون قريباً منه، وحينئذٍ يقول ما ورد: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات والأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، إلى آخر ما هو معروف، ثم إن كان القيام يقصر عن الركوع، إما أن يكرر هذا الحمد مرةً أخرى، أو يأتي بما وردت به السنة أيضاً في هذا المقام، وكذلك في الجلوس بين السجدتين يدعو الله تعالى بما ورد، ثم يدعوه بما شاء من الأدعية.
الجواب: الاستفتاح سنة وليس بواجب، لا في الفريضة ولا في النافلة، والذي ينبغي أن يأتي الإنسان في الاستفتاح بكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، يأتي بهذا أحياناً وبهذا أحياناً، ليحصل له فعل السنة على جميع الوجوه، وإن كان لا يعرف إلا وجهاً واحداً من السنة واقتصر عليه فلا حرج؛ لأن الظاهر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينوع هذه الوجوه في الاستفتاح، وفي التشهد، من أجل التيسير على العباد، وكذلك في الذكر بعد الصلاة، كان الرسول عليه الصلاة والسلام ينوعها لفائدتين؛ الفائدة الأولى: أن لا يستمر الإنسان على نوعٍ واحد، فإن الإنسان إذا استمر على نوعٍ واحد صار إتيانه بهذا النوع كأنه أمرٌ عاديٌ، ولذلك لو غفل وجد نفسه يقول هذا الذكر وإن كان من غير قصد، لأنه صار أمراً عادياً أتوماتيكياً كما يقولون، فإذا كانت الأذكار متنوعة، وكان الإنسان يأتي أحياناً بهذا وأحياناً بهذا، صار ذلك أحضر لقلبه، وأدعى لفهم ما يقوله.
ثانياً: مما يظهر أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراده التيسير على الأمة، بحيث أن يأتي الإنسان تارةً بهذا، وتارةً بهذا على حسب ما يناسبه، فمن أجل هاتين الفائدتين صارت بعض العبادات تأتي على وجوهٍ متنوعة، مثل: الاستفتاح والتشهد والأذكار بعد الصلاة.
مداخلة: المشهور من دعاء الاستفتاح ما هو؟
الشيخ: المشهور هو: ( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، لكن الأصح منه حديث أبي هريرة ، وهو أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام ما يقول؟ فقال: ( أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، فهذا أصح من الأول، لكن لو أتى بهذا مرة وبهذا مرة، وبغيرهما أيضاً مما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم لكان أحسن.
مداخلة: أو جمع بين الاثنين؟
الشيخ: لا. ما يجمع بين الاثنين، لأنه لما سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلم: ما تقول؟ ما أجابه إلا بواحدٍ فقط، ما قال: أقول كذا وكذا، فدل هذا على أنه ليس من المشروع الجمع.
الجواب: لا أعرف في المسافة في القيام سنة، فيكون وضع القدمين على طبيعتهما؛ لأن كل شيء لم يرد به صفة فإنه يبقى على ما تقتضيه الطبيعة، وأما المسافة بين القدمين في حال السجود فإنه لا مسافة بينهما، والسنة أن يلزق إحدى القدمين بالأخرى كما جاء ذلك في صحيح ابن خزيمة ، وكما هو ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها، حين فقدت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فالتمسته فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد، فإن وقوع اليد الواحدة على القدمين جميعاً يدل على أن بعضهما لازقٌ ببعض، وقد جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة ، فيكون المشروع في حال السجود أن يضم بعض القدمين إلى بعض.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر