الجواب: هذا السؤال سؤالٌ مهم، وينبغي أن نلم بشيء من أحكام السلام، فالسلام تحية المسلمين، وصيغته أن يقول: السلام عليك إن كان يسلم على واحد، أو السلام عليكم إن كان يسلم على جماعة، ويكون بلفظ التعريف: السلام عليكم، أو السلام عليك، ويجوز أن يكون بلفظ سلامٌ عليك، سلامٌ عليكم، وإن اقتصر على قوله: السلام فلا بأس، فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما رد السلام على الملائكة حين قالوا: سلاماً قال: سلام أي: عليكم سلام، وكذلك الابتداء يقول المسلم: سلام، يعني: سلامٌ عليكم، أو السلام، يعني: السلام عليكم، ولا بأس في هذا.
ورد السلام فرض عين على من قصد بالسلام، فيجب على المسلَّم عليه أن يرد، ويكون رده أحسن من الابتداء أو مثله؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] ، فإذا قال المسلم: السلام عليك فقل: وعليك السلام، وإذا قالها بصوت واضح بين فأجبه بصوتٍ واضحٍ بين.
ويوجد بعض الناس لا يرد بأحسن مما سلم عليه به، ولا بمثله فتجده يقول في الرد: أهلاً ومرحباً، دون أن يقول: عليك السلام، وهذا لا يحصل به براءة الذمة، ولا يسقط به الواجب؛ لأن الرجل دعا له بالسلام قال: السلام عليك، وهذا لم يرد عليه إلا أنه رحب به فقط، ولم يدعو له بسلامٍ كما دعا له هو به، ومن الناس من يرد بمثل ما سلم به عليه، لكن الكيفية تختلف فتجد المسلم يسلم بسلامٍ واضح بين ثم يرد هو بأنفه، يعني: يرد رداً ضعيفاً يسمع أو لا يسمع، وهذا الرد ليس مثل التحية ولا أحسن منها، ومن الناس من يسلم عليه المسلِّم وهو ملقي إليه وجهه باش به، فيرد عليه رداً وهو مصعرٌ وجهه، وبكبرياء وغطرسة، وهذا لم يرد بأحسن من التحية ولا بمثلها، وقد أوجب الله عز وجل أن نرد بأحسن أو بمثلها، فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].
ومما يتعلق بالسلام أنه يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، هذا هو الأفضل والأحسن، فإن لم يكن فليسلم الآخر، يعني: مثلاً لو لاقاك صغير ولم يبدأك بالسلام فابدأ به أنت، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسلم على الصبيان إذا مر بهم، ابدأ به أنت، فكن متواضعاً، ويكون في ذلك تربية لهذا الصبي حيث يشعر بأن هذا تحية المسلمين.
ومما يتعلق بالسلام: أنه لا يجوز السلام ابتداءً على غير المسلمين، سواءٌ كان من اليهود أو النصارى أو غيرهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطروهم إلى أضيقه )، وتأمل كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: ( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ) يعني: فإن سلموا فردوا عليهم؛ لأن الله قال: إِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] ، وهذا عام، فمن حياك فحيه بمثل ما حياك به أو أحسن، لكن قد نقول: إنك لا تحيي بأحسن إذا كان المسلمِّ غير مسلم، نقول: رد بالمثل؛ لأنك لو سلمت بأحسن زدته إكراماً، فإن سلم علينا أهل الكتاب من اليهود والنصارى أو غيرهم من المشركين فإننا نرد عليهم بمثل ما حيونا به، وكان اليهود يمرون بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة ويقولون: السام عليك يعني: الموت، فيدعون بالموت على الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أنهم إذا سلموا علينا قالوا: السام عليكم، وأمرنا أن نقول: وعليكم )، ولا نذكر شيئاً نقول: وعليكم، فإن كانوا قد قالوا: السام عليكم، فإننا رددنا عليهم بمثل ما قالوا، يعني دعونا عليهم بالموت كما دعوا علينا، وإن كانوا قد قالوا: السلام عليكم، فقد رددنا عليهم بمثل ما حيونا به، يعني قلنا: وعليكم السلام، ومن ثم قال بعض العلماء: إننا إذا علمنا أن غير المسلم سلَّم على المسلم بلفظٍ صريح فقال: السلام عليك، فإنه لا حرج أن يقول: عليك السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين العلة في كوننا نقول في الرد: وعليكم؛ لأنهم كانوا يقولون: السام عليكم.
ومما يتعلق بالسلام أنه ينبغي إفشاؤه وإظهاره مهما كثر ذلك؛ لأن في إفشائه وإظهاره امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث قال: ( أفشوا السلام بينكم ) وقياماً بحق أخيك المسلم؛ لأن من حق أخيك السلام عليه إذا لاقيته؛ ولأن في إفشاء السلام جلباً للمحبة بين المسلمين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم )، أي: أظهروه وأعلموه حتى يكون فاشياً ظاهراً.
إذاً: إفشاء السلام فيه هذه المصالح العظيمة: التواد، وأنه سببٌ لدخول الجنة، وإن من المؤسف أن الناس الآن أكثرهم لا يفشي السلام، يمر بك فيضرب كتفه كتفك، ولا يسلم إلا ما شاء الله، وأن كثيراً من الناس لا يسلمون إلا على من يعرفون، ومن لا يعرفون لا يسلمون عليه، وهذا خلاف السنة، السنة أن تفشي السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وأنت إذا سلمت حصل لك الفوائد التي سمعت، وحصل لك ثوابٌ آخر، وهو أن كل تسليمة فيها عشر حسنات، أفلا تغتنم هذه الفرصة، لو سلمت في مرورك من بيتك إلى المسجد على ثلاثين نفراً لحصل لك ثلاثمائة حسنة، تجدها يوم القيامة أحوج ما تكون إليها، ولو تركت السلام على من لاقيت فاتك هذا الأجر، وحصل في قلب أخيك الذي لاقاك ولم تسلم عليه ما يحصل من الكراهة والعداوة والبغضاء وفاتك خيرٌ كثير، وانظر لو أن أحداً من الأغنياء قال: كل إنسانٍ يمر بهذا السوق، ويسلم على من فيه، وهم مائة، وسأعطيه لكل مرةٍ ريالاً واحداً، أفتجده يهمل السلام؟ لا يهمل السلام، بل وربما يسلم مرتين لعله يحصل ريالين، وهذا من قلة الوعي، ولو أن طلاب العلم كانوا هم القدوة في ذلك وأفشوا السلام بينهم وبينهم وبين الناس، ودعوا الناس إلى هذا، لفشى السلام في الأمة، ولكن الكل مفرط متهاون، نسأل الله تعالى أن يعاملنا بعفوه.
الجواب: من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حبيبٌ إلى الله ولا شك، ولكن خيرٌ من أن نقول: إنه حبيب الله أن نقول: إنه خليل الله؛ لأن الخلة أعلى أنواع المحبة، فإذا وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحبيب نزلت مرتبة المحبة من الخلة إلى المحبة، فالأولى أن نقول: خليل الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً )، ويدلك على أن الخلة أعلى من المحبة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت
الجواب: ( من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) هذا لفظ الحديث، وسببه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث يوماً على الصدقة، فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة قد أثقلت يده، فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ( من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة )، وهذه السنة سنة العمل والتنفيذ، وليست سنة التشريع، فإن سنة التشريع إلى الله ورسوله فقط، ولا يحل لأحدٍ أن يشرع في دين الله ما ليس منه، أو يسن في دين الله ما ليس منه؛ لأن ذلك بدعة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البدع وقال: ( كل بدعةٍ ضلالة )، لكن من سبق إلى عمل لم يسبقه إليه أحد أو أحيا سنةً أميتت، كان قد سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وكذلك أيضاً من سن سنةً تكون وسيلةً لأمرٍ مشروع، ولم يكن سبقه إليها أحد، فإنه يكون داخلٌ في الحديث ( أنه سنّ سنةً حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة )، كما لو ابتكر طريقةً يسهل بها الحصول على الآيات، أو يسهل بها الحصول على الأحاديث، أو ما أشبه ذلك، فإنه في هذه الحال يكون قد سن سنةً حسنة، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
فإذاً: السنة في الإسلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام: سنة تشريع، وسنة عمل، أو سنة سبق إلى عمل، وسنة وسيلة، فأما سنة التشريع فإنه لا يحل لأحدٍ أن يشرع ما لم يشرعه الله ورسوله، وسنته هذه تعتبر بدعة وضلالة مردودةٌ عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( عليكم بسنتي )، ( وإياكم ومحدثات الأمور )، ( ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، جاءت هذه الكلمات في أحاديث متعددة.
أما سنة السبق فمثله الحديث الذي ذكرناه آنفاً أن يحث أحد على عمل خير، فيتقدم إنسان فيكون أول من بادر به، فيتابعه الناس في ذلك، فيكون قد سن سنة حسنة.
وأما سنة الوسيلة فكالذي ذكرناه أيضاً يبتكر الإنسان شيئاً يكون به الوصول إلى أمرٍ مشروع، ولم يكن سبقه أحدٌ على هذا الابتكار، فيكون قد سن في الإسلام سنةً حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
الجواب: أولاً السحر محرم، ومنه ما هو كفر، كما قال الله تبارك وتعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] .
فالسحر حرام، وإذا كان لا يتوصل إليه إلا بالأحوال الشيطانية، أو بالأرواح الشيطانية فإنه يكون كفراً؛ ولهذا جاءت السنة بقتل الساحر؛ لأنه إن بلغ بسحره كفراً فقتله ردة، وإن كان لا يبلغ السحر فقتله لدفع أذاه عن المسلمين، فمن ابتلي بشيء من ذلك فعليه أن يتوب إلى الله، ويدع هذا العمل، ومن تاب وعمل صالحاً مؤمناً بالله عز وجل فإن الله يبدل سيئاته حسنات، وليعلم أنه لا يمس أحداً بسوء إلا كان عليه وزره، وربما يملى لهذا الساحر فلا يعاجل بالعقوبة، وتؤخر عقوبته إلى الآخرة نعوذ بالله.
أما سؤال السائل وهي الصلاة خلف إمامٍ يتعامل بالسحر، فإنه إذا كان سحره هذا يبلغ به الكفر لا تجوز الصلاة خلفه؛ لأنه كافر لا صلاة له، لا تقبل صلاته، ولا يصح أن يكون إماماً، وأما إذا كان سحره لا يبلغ الكفر فهذا ينبني على خلاف العلماء في فاعل الكبيرة إذا لم يتب منها هل يصلى خلفه أم لا، ولكن يجب أن نصلح حال هذا الساحر قبل أن نسأل هل نصلي خلفه أو لا نصلي.
الجواب: الحكمة من تقبيل الحجر بينها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، فهذه الحكمة: التعبد لله عز وجل باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تقبيل هذا الحجر، وإلا فهو حجر من الأحجار لا يضر ولا ينفع، كما قال أمير المؤمنين، فهذه الحكمة، ومع ذلك فإنه لا يخلو من ذكر الله عز وجل بأن المشروع أن يكبر الإنسان عند ذلك، فيجمع بين التعبد لله تعالى بالتكبير والتعظيم، والتعبد لله عز وجل بتقبيل هذا الحجر اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبه يعرف أن ما يفعله بعض الناس من كونه يمسح الحجر بيده، ثم يمسح على وجهه وعلى صدره تبركاً بذلك، فإنه خطأ وضلال وليس بصحيح.
وليس المقصود من استلام الحجر أو تقبيله التبرك بذلك، بل المقصود به التعبد لله باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك يقال في استلام الركن اليماني: إن المقصود به التعبد لله باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث كان يستلمه، ولهذا لا يشرع استلام بقية الأركان، فالكعبة القائمة الآن فيها أركان أربعة: الحجر، والركن اليماني، والركن الغربي، والركن الشمالي، فالحجر يستحب فيه الاستلام والتقبيل، فإن لم يمكن فالإشارة، والركن اليماني يسن فيه الاستلام دون التقبيل، فإن لم يمكن الاستلام فلا إشارة، والركن الغربي والشمالي لا يسن فيهما استلام ولا تقبيل ولا إشارة، وقد رأى ابن عباس رضي الله عنهما أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان يطوف ويستلم الأركان الأربعة، فأنكر عليه، فقال له معاوية : إنه ليس شيءٌ من البيت مهجوراً، يعني: كل البيت ينبغي أن يعظم، فقال له ابن عباس : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم الركنين اليمانيين يعني: الحجر الأسود والركن اليماني، فتوقف معاوية وصار لا يستلم إلا الركنين اليمانيين اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا واجب على كل أحد سواءٌ كان صغيراً أو كبيراً، كل الناس أمام الشرع صغار، وفيه فضيلة ابن عباس رضي الله عنه وفضيلة معاوية رضي الله عنه، نسأل الله أن يوفق رعيتنا ورعاتنا لما فيه الخير والسداد والتعاون على البر والتقوى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر