الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول: إنه لا يمكن أن يتعارض القرآن بعضه مع بعض ولا السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضها مع بعض, ولا القرآن مع السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, ولا القرآن والسنة مع الواقع, ولا القرآن والسنة مع صريح المعقول؛ وذلك لأن القرآن كلام الله وقد قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، ولأن كلام الله سبحانه وتعالى حق والحق لا يتناقض. وكذلك السنة النبوية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق, والحق لا يناقض بعضه بعضاً.
وبناءً على هذه القاعدة ننتقل إلى الجواب عن السؤال وهو: قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) وفي رواية: ( حتى تقوم الساعة ) وقوله: ( إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق ) فيحمل الحديث الأول على أن المراد بالساعة قرب الساعة, والمراد بأمر الله أمر الله الذي يكون به موت المؤمنين وأولياء الله المتقين, فإذا مات المؤمنون المتقون لم يبقَ إلا شرار الخلق, وعليهم تقوم الساعة.
ثانياً: هل حجبي لجزء من الزكاة عن الأعوام السابقة فيها مخالفة شرعية؟
ثالثاً: وإذا أردنا أن نعمم الموضوع, هل يجوز إخراج جزء من الزكاة لعمارة المسجد أو المدارس أو المستشفيات من باب (وفي سبيل الله) وأخيراً ماذا أفعل؟
الجواب: بارك الله لأخي السائل في ماله وفيما أنفقه من ماله, وأبشره أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ( من بنى لله بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة ) وأجيب عن أسئلته الثلاثة بأن بناء المساجد وفرش المساجد وإضاءتها لا يصرف من الزكاة؛ لأن أهل الزكاة محصورون في ثمانية أصناف بينهم الله في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60] فما ادخره من زكاته الماضية لبناء هذا المسجد وتأثيثه والقيام بما يحتاج إليه يجب الآن أن يصرفه في أهل الزكاة الذين ذكرهم الله تعالى في الآية التي قرأناها آنفاً, وأرجو أن لا يكون عليه إثم بتأخير صرف الزكاة السنوات الماضية؛ لأنه فعل ذلك عن اجتهاد, وأتمنى أن لو سأل قبل أن يفعل ليكون فعله مبنياً على علمٍ وبصيرة, وهذا هو الجواب عن السؤال الثاني.
وأما السؤال الثالث: وهو المعنى العام الأوسع, وهو: هل يدخل في سبيل الله الإنفاق في كل ما يقرب إلى الله من بناء المساجد والمدارس وطبع الكتب وغير ذلك؟
وجوابي على هذا السؤال: إنه لا يدخل في هذا, وأن في سبيل الله خاص بالجهاد في سبيل الله, وهو أن يقاتل المرء لتكون كلمة الله هي العليا, فتصرف الزكاة للمجاهدين في سبيل الله, وتصرف الزكاة في شراء الأسلحة للمجاهدين في سبيل الله.
وألحق بذلك العلماء من تفرغ لطلب العلم الشرعي وهو قادرٌ على التكسب فإنه يعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله.
الجواب: من احتلم وهو محرم فإن حجه لا يفسد؛ لأن النائم مرفوعٌ عنه القلم, كما أنه لو احتلم وهو صائم فإن صومه لا يفسد, ولكن يجب على المحرم إذا احتلم أن يبادر بالاغتسال قبل أن يصلي, ولا يحل له أن يتيمم اللهم إلا أن لا يجد الماء؛ وذلك لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] فاشترط الله سبحانه وتعالى للتيمم أن لا نجد ماءً.
وكثيرٌ من الناس يتهاون في الغسل من الجنابة إذا كان على سفر، فتجده يمكنه أن يغتسل لكن يستحي أن يغتسل أمام الناس وهذا خطأ, فالواجب على الإنسان أن يغتسل أن ما دام قد وجد الماء ولا يضره استعماله, ولا ضرر عليه فيما إذا اغتسل عن احتلام؛ لأن الناس كلهم يقع منهم هذا الشيء, ثم على فرض أنه لا يقع وهو أمرٌ مفروضٌ لو وقع, فإن الله لا يستحي من الحق, فيأخذ الإنسان معه ماء ويبتعد عن الأنظار ويغتسل.
الجواب: إذا أدى العمرة في شوال فقد أداها في أشهر الحج؛ لأن أشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة, فإذا أدى العمرة في شوال فقد أداها في أشهر الحج, ثم إن بقي في مكة أو سافر إلى غير بلده وأتى بالحج فهو متمتع, وإن سافر إلى بلده ثم رجع من بلده مفرداً بالحج فليس بمتمتع.
ووجه ذلك: أنه أفرد العمرة بسفر وأفرد الحج بسفرٍ آخر, فإن الإنسان إذا عاد إلى بلده انقطع سفره, فيكون بذلك قد أنشأ للحج سفراً جديداً منفصلاً عن السفر الأول الذي أدى فيه العمرة, وهذا هو أعدل الأقوال في هذه المسألة.
والقول الثاني: أنه لا يزال متمتعاً ولو رجع إلى بلده ثم عاد مفرداً.
والقول الثالث: أنه إذا سافر من مكة مسافة القصر إلى بلده أو غير بلده فإنه يكون بذلك مفرداً, وينقطع التمتع, ولكن ما ذكرناه من التفصيل والتفريق بين حضوره إلى بلده وغيره هو الصحيح وهو المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الجواب: هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله, ونحن نحيل القارئ على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة, وإذا كانت المسألة واقعةً فإنه يسأل عنها أهل العلم الذين في بلده أو في غير بلده حتى يفتى في ذلك بصفةٍ خاصة.
وذلك أن إيقاع الطلاق الثلاث بكلمةٍ واحدة محرم ولعبٌ بكتاب الله عز وجل وتعجلٌ فيما للإنسان فيه أناة, ولهذا أمضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الثلاث على من طلق ثلاثاً, وقال: أرى الناس قد تعجلوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناة, فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
وإننا ننصح إخواننا المسلمين عن الغضب والتعجل والتسرع في مسألة الطلاق, والتسرع الذي يقع فيه الطلاق الآن له وجوه:
الوجه الأول: أن بعضهم إذا غضب أدنى غضب طلق زوجته.
والوجه الثاني: أن بعضهم إذا غضب طلق زوجته ألبتة, أي: طلقها ثلاثاً, وهذا أيضاً من الخطأ العظيم؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلاً قال: يا رسول الله! أوصني؟ قال: لا تغضب, فردد مراراً قال: لا تغضب )، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن: ( الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ) ودواء الغضب أن يمرن الإنسان نفسه على الطمأنينة والتأني والتريث, ثم إذا أصابه الغضب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يذهب عنه ما يجد, وإذا كان قائماً فليجلس, وإذا كان جالساً فليضطجع, وإذا كان مواجهاً لمن غضب عليه فلينصرف, فكل هذا مما يقي الإنسان شر غضبه.
الجواب: أما يا هادي يا دليل, فهذه من أوصاف الله عز وجل، فهو يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم, وهداية الله تعالى نوعان: هداية دلالة، وهداية توفيق, فإذا قال: يا هادي يا دليل فالمعنى متقارب أو واحد, وهو ينادي الله تعالى بوصفه لا باسمه.
وأما لا سمح الله فهي كلمةٌ لا ينبغي أن تقال؛ لأن ظاهرها يقتضي أن الله سبحانه وتعالى له مكره على أن يسمح أو لا يسمح.
وأما قوله: (لا قدر الله) فهي عبارةٌ صحيحة ومعناها الدعاء, يعني: أن الإنسان يسأل أن لا يقدر الله ذلك, ولو أن الذين يستعملون (لا سمح الله) يجعلون بدلها (لا قدر الله) لكان ذلك جائزاً ولا شبهة فيه ولا كراهة فيه, لكن لا سمح الله ينبغي أن يعدل عنها لأنها توهم معنىً لا يليق بالله سبحانه وتعالى, فيعدل عنها إلى قوله: لا قدر الله.
الجواب: مسألة التورق تسمى في بعض المناطق الدين, فإذا قالوا: فلان تدين من فلان يعني تعامل معه بتورق, وتسمى في بعض المناطق بالوعِدة أو الوَعدة، يعني: العدة, وهي أن يكون الإنسان محتاجاً إلى دراهم وليس عنده شيء ولا يجد من يقرضه، فيذهب إلى شخصٍ ما ويشتري منه سلعةً تساوي عشر آلاف باثني عشر ألفاً لمدة سنة, أو بأربعة عشر ألفاً لمدة سنتين, وكلما زاد الأجل زاد الربح, فإذا اشتراها باعها وانتفع بدراهمها.
هذه هي مسألة التورق, وسميت تورقاً؛ لأن الإنسان لا يقصد بهذه المعاملة إلا الورق، يعني: الدراهم, ولهذا سميت تورقاً من تفعّل إذا طلب الشيء, وقد اختلف العلماء في حكمها، فمنهم من قال: إنها مكروهة, ومنهم من قال: إنها جائزة, ومنهم من قال: إنها محرمة.
وممن قال بهذا القول الأخير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنه مروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله, وأنها مثل الربا لكنه رباً بحيلة.
قال ابن القيم رحمه الله: وقد كرر الطلب من شيخه ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة, وأبى إلا أن تكون حراماً, وقد توسع الناس فيها اليوم توسعاً عظيماً، فصار الرجل يأتي إلى الشخص يشتري منه أكياس الهيل أو السكر أو الرز أو ما أشبهها بثمنٍ مؤجل زائدٍ عن الثمن الحاضر, ثم يأتي المستدين فيبيعها سواء على الذي باعها للأول, وهذه مسألة العينة, ولا شك في تحريمها.
وأحياناً يبيعها على شخصٍ آخر بأنقص مما تساوي نقداً اليوم, فيكون هذا المتدين مغلوباً من وجهين:
الوجه الأول: الزيادة التي حصلت من البائع.
والوجه الثاني: النقص الذي حصل من مشتري السلعة, ويبيعون هذه السلعة قبل قبضها وقبل نقلها من مكانها, وقد ( نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ).
ومن أجل التوسع فيها صار الناس يستهينون بالدين, فتجد الرجل يتدين ليشتري أموراً كمالية لا يقوم بها مثله, فتتراكم عليه الديون, فإذا حلت ولم يوفِ ذهب يستدين مرة أخرى, أو ذهب يتورق في مسألة أخرى مرة أخرى, فإذا حل الدين مرةً ثانية تورق مرةً ثالثة وهلم جراً حتى يتراكم على الإنسان ديونٌ كثيرة, وهو لا يشعر.
لهذا ننصح إخواننا المسلمين عن التعامل بهذه المعاملة, ولاسيما الذين يأخذون الدين؛ فإنهم يغلبون أو يفلسون من أجل هذه الديون التي سهلت لهم, وأصبحوا رهينةً بذلك.
الجواب: صيام ثلاثة أيام من كل شهر من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام, قالت عائشة رضي الله عنها: ( لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره )، ولكن الأفضل أن تكون هذه الأيام الثلاثة يوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر, لا كما قال السائل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر.
ولا فرق بين شعبان وغيره, لكن كونه يخص ذلك في شعبان يقتضي أنه يعتقد أن ذلك سنة في شعبان دون غيره, وليس الأمر كذلك, فأيام البيض ويوم النصف من شعبان كغيرها من الأيام في غيره, فلا مزية لشعبان على غيره في هذه المسألة, وقد وردت أحاديث لكنها ضعيفة في فضل صوم يوم النصف من شعبان إلا أنها ضعيفةٌ لا تقوم بها حجة.
الجواب: لا يجوز أن يؤخر الزكاة إذا وجبت, بل يجب عليه أن يبادر بدفعها لمستحقيها؛ لأنها حقٌ لغيره عليه, والواجب على الإنسان أن يبادر بدفع حق الغير إليه, لكن إن أخر دفعها زمناً قليلاً لمصلحة المدفوع له مثل أن يؤخرها لوقتٍ يكون فيه الفقراء أشد حاجة, أو يؤخرها ليبحث عن مستحق وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به, لكن لا يؤخرها زمناً طويلاً بل شهراً أو شهرين أو نحو ذلك.
الجواب: البسملة في أول سورة التوبة غير مشروعة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم حين كتبوا المصحف لم يكتبوها, وهذا يدل على أنها لم تنزل -أعني: البسملة- بين سورة الأنفال وسورة براءة, ولهذا عدل الصحابة -رضي الله عنهم- عنها ولم يكتبوها.
الجواب: الصلاة في الزيادة التي في المسجد النبوي أو في المسجد الحرام تابعةٌ للمسجد, وقد ذكر العلماء -رحمهم الله- أن ما زيد في المسجد فهو منه ولو بلغت الزيادة مساحةً كبيرة, فمن صلى في هذه الزيادة فهو كمن صلى في المسجد الأول الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, لكن في صلاة الجماعة كلما قرب الإنسان من الإمام فهو أفضل, وكذلك يقال في الزيادة التي في المسجد الحرام فإنها تابعةٌ له, لكن في صلاة الجماعة كلما قرب الإنسان من الإمام فهو أفضل.
الجواب: المضمضة والاستنشاق تكونان بكفٍ واحدة, إلا أن لا يستطيع الإنسان فإن بعض الناس لا يستطيع أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق بكفٍ واحدة فتجده يفرد المضمضة بكف والاستنشاق بكفٍ أخرى, ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
الجواب: كأن ظاهر السؤال أنه ليس عندهم جمعة, وما دامت قرية مستقلة عن الأخرى فإن الواجب أن يقيموا فيها الجمعة حتى لا يلحقوا الناس العناء بالذهاب إلى القرية الأخرى, أو يضطر الناس إلى ترك الجمعة.
وعلى كل حال؛ فلو قدر أن هذه القرية الصغيرة تابعة للقرية الأم فإن الواجب على الإنسان أن يحضر الجمعة ما لم يشق عليه, فإن شق عليه مثل أن تكون أمطارٌ أو رياحٌ شديدة باردة وصلى في بيته فلا حرج, لكن يصلي ظهراً ولا يصلي جمعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر