إذا صلى نقول: هذا مشروع، ومأمور به، ومثاب عليه، لكنه لا يأثم بالترك؛ لعدم قابليته للعقوبة؛ لأنه صغير، كذلك إذا فعل المحرم نقول: هذا فعل منهي عنه، ولا نقول: إن هذا مباح له، ولا نقول: ليس بمباح ولا محرم، بل نقول: هو محرم لكن لا يعاقب عليه؛ لأنه غير أهل للعقوبة.
وغير المكلف هو الصغير والمجنون؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ) .
يعني: أن المباح له عدة أسماء، يسمى طلقاً، فإذا سألت: ما حكم الثوب؟ تقول: طلق، يعني: مباحاً، (وحلالاً)، فنقول: يحل للإنسان أن يلبس ثوب، يحل للإنسان أن يشتري، يحل للإنسان أن يبيع، أن يستأجر، أن يركب السيارة وما أشبه ذلك، نقول: نعم هذا من أسماء المباح، وسيأتي أنه يسمى أيضاً جائز.
ثم قال: [ويطلق وحلال على غير الحرام] يعني: يطلق المباح والحلال على غير الحرام، وهو الواجب، والمستحب، والمكروه، ولكن هذا بالمعنى الأعم، فيقال مثلاً: هذا حلال، يعني: غير حرام، والغالب أن هذه العبارة إنما تقال في مقام النزاع بين العلماء، فيقول: هذا حلال دفعاً لقول من يقول: إنه حرام، وإن كان في نفس الأمر مطلوباً شرعاً، مثل قول بعض الفقهاء: ويحل للقارن والمفرد إذا لم يسوقا هدياً أن يجعلا إحرامهما عمرة؛ ليصيرا متمتعين، فقولهم: ويحل لهما أن يجعلا إحرامهما عمرة، إذا قرأه قارئ ظن أن هذا من باب الحلال المتساوي الطرفين، ولكن الواقع أنه ليس من باب الحلال المتساوي الطرفين، ولكنه من باب التعبير بالحلال لدفع قول من يقول: إنه حرام؛ لأن بعض العلماء يقول: إنه لا يجوز للقارن والمفرد أن يفسخا نسكهما إلى العمرة ولو من أجل التمتع، فإذا عبر بعض العلماء: يحل للقارن والمفرد أن يفسخا نسكهما إلى العمرة ليصيرا متمتعين فمراده بذلك أن هذا ليس بممنوع.
والمهم أنه يأتي في عبارة بعض الفقهاء ذكر الحلال مراداً به غير الحرام، فيشمل ما قد يكون واجباً أو مستحباً.
الإباحة إن أريد بها مدلول خطاب الشرع فهي شرعية، وإن أريد بها مطلق الإذن فهي عقلية، أما الأول فإذا قال الإنسان: هذا الشيء مباح، يعني: أن هذا مقتضى خطاب الشرع، فإن الإباحة حينئذ تكون شرعية، وأما إذا أراد بها أنه غير ممنوع من ذلك فهي عقلية؛ لأن الأصل هو عدم المنع.
والخلاصة: أن الإباحة إن كانت مستندةً إلى دليل من الشرع فإنها شرعية، وإن كانت مستندةً إلى الأصل وهو براءة الذمة فهي عقلية؛ لأن الأصل عدم التكريه، وعدم القول بالإلزام فعلاً أو تركاً.
ثم قال: [وتسمى شرعيةً بمعنى التقرير، أو الإذن].
أي: تسمى الإباحة شرعية بمعنى: أن الشارع كره أو أن الشارع أذن فيها، وكلام المؤلف في الحقيقة هذا كله كلام منطقي، الفائدة منه قليلة؛ لأننا نقول: إن الإباحة إذا كان مستندها العقل فهي عقلية، وإن كان مستندها الشرع فهي شرعية، ومعلوم أن الشرع فيه قاعدتان عظيمتان: القاعدة الأولى في العبادات، والأصل فيها الحظر حتى يرد إذن المشروع بها، والقاعدة في غير العبادات أن الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل من الشرع على المنع. والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر