غير الحرام هو: الواجب، والمستحب، والمكروه، والمباح، لكن الأصل أنه يطلق على المباح، أي: على مستوي الطرفين، فيعبر الفقهاء رحمهم الله بقولهم: (يجوز) عن (يحل)، أو عن (يباح)، ويقولون: الأحكام خمسة: الواجب، والمستحب، والمباح، والمكروه، والحرام، فالأصل أن الجائز هو مستوي الطرفين، هذا الأصل.
قوله: (وقد يراد به ما لا يمتنع)، أي قد يراد بالجائز ما لا يمتنع، فيشمل الواجب، فالواجب في الواقع جائز للوقوع؛ لكن ليس هو جائز الترك؛ ولهذا صح أن نقول: لو سألنا سائل: هل يجوز للإنسان أن يصلي الظهر بعد زوال الشمس؟ قلنا: جائز، يعني: غير ممتنع أن يصلي بعد زوال الشمس مباشرة، مع أن الصلاة واجبة، لكن كما قلت لكم: الأصل في الجائز أنه مستوي الطرفين، وقد يطلق على ما ليس بحرام، أي على ما لا يمتنع شرعاً، فيعم غير الحرام.
فالجواب: واجب؛ لأنه لا يتصور عدمه.
ما تقول في فناء الله؟ قلنا: مستحيل؛ لأنه لا يتصور وجوده.
ولو قال لك قائل: ما تقول في وجود الإنسان؟
فالجواب: جائز؛ لأنه يتصور وجوده وعدمه، إذاً الجائز: ما أمكن وجوده أو عدمه.
فإذا رأيت مثلاً في كتب أهل الكلام (هذا جائز، هذا ممتنع، هذا ممكن)، تعلم أن المراد بالجائز عندهم الممكن الوقوع، وليس المراد الجائز الذي لم يتعلق به ثواب ولا عقاب، بل الممكن الوقوع.
فإذا قال قائل مثلاً: هل يجوز أن يعذب الله عز وجل الخلق بلا ذنب؟
فالجواب: هو عقلاً جائز، ولكن قد يقول لك قائل: بل ليس بجائز، حتى عقلاً ليس بجائز؛ لأن الله لو عذب الناس بلا ذنب لكان هذا ظلماً، وقل: (نقص)، والنقص ممتنع عن الله عز وجل؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن قول السفاريني:
وجاز للمولى يعذب الورى من غير ما ذنب ولا جرم جرى
قال: إن هذا خطأ، أولاً: لأن الله أخبر بأنه لن يظلم الناس شيئاً، وقال: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا [طه:112]. ولو قلنا: بالجواز لكانت الآية في تكذيب الله عز وجل، وحاشاه أن يكذب.
ثانياً: لو قلنا بذلك لكان ظلماً، والظلم مستحيل على الله عز وجل؛ لأنه صفة نقص، والقاعدة عندنا في الجائز عقلاً والممكن عقلاً: أن ما جاز وقوعه وعدمه فهو جائز، وما لم يجز وقوعه ولا عدمه فهو مستحيل، وما وجب وقوعه فإنه واجب، فما لا يجوز وقوعه مستحيل، وما وجب وقوعه واجب، وما جاز فيه الأمران جائز. والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر